رد القضاة.. وتنحي القاضي من تلقاء نفسه
بقلم الأستاذ/ ياسر الحسنين القواس
إن العدالة القضائية المصرية ، تتميز بالنزاهة والشفافية ، فلا شك فى نزاهة وحيادية القاضي المصري، يقصد برد القاضى عن الحكم :- منعه من نظر الدعوى طالما قام سببًا من أسباب الرد ، يدعو إلى الشك في قضائه فيها بغير ميل أو تحيز ، وبحيث أنه عند توافر أسباب الرد تضعف أمامها النفس البشرية ، مما يعيب الحكم ويبطله ، وحالات الرد لاتتعلق بالنظام العام ولايترتب البطلان ، على عدم إثارتها وسير القاضى فى الدعوى رغم وجودها ، وغفلان الخصم عن طلب الرد ، ولكن عند وجود الأسباب واضحة بحيث يعلمها القاضي ، فهنا تنشأ ويمنح القانون للقاضى حينها ، سلطة جوازية فى ” التنحى من تلقاء نفسه ” ولايترتب على مخالفته لهذا الحق الجوازى البطلان ، ولكن أباح القانون هذه السلطة الجوازية للقاضى ، حال عدم إثارة طلب الرد من الخصم ، رغم توافر حالات الرد فى الدعوى المنظورة أمامه ، وعلى أية حال فإن أسباب الرد لاترتب أثرها مباشرة ، بمجرد توافرها وإنما يتوقف أثرها فى منع القاضى من نظر النزاع بناء على طلب أحد الخصوم ، فإذا لم يطلب أحد الخصوم رد القاضى كان حكم القاضى فى الدعوى صحيحاً ، وكذلك فإن حالات الرد لا يجوز القياس عليها أو التوسع فيها ، بل نص عليها على سبيل الحصر “.
– الأمر الأول ” أسباب الرد ”
نصت المادة 148 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أسباب الرد وهي:-
– يجوز رد القاضي لأحد الأسباب الآتية:-
(1) إذا كان له أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها، أو إذا جدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم، أو لزوجته بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي ما لم تكن هذه الدعوى قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوى المطروحة عليه.
(2) إذا كان لمطلقته التي له منها ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي بقصد رده.
(3) إذا كان أحد الخصوم خادماً له، أو كان هو قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته، أو كان تلقى منه هدية قبيل رفع الدعوى أو بعده.
(4) إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.
{ الطعن رقم 2358 لسنة 55 قضائية ، جلسة 28/3/1991 }
– من المقرر أنه لايجوز رد القاضى ، إلا لسبب من الأسباب التى بينها القانون على سبيل الحصر ومنها وجود عدواة بينه وبين أحد الخصوم إذا كان يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل طبقاً لما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 148 من قانون المرافعات ، ومن المقرر أيضاً أن تقدير وجود عدواة بين القاضى وأحد الخصوم يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ونفى ذلك من سلطة محكمة الموضوع ، بلا معقب عليها من محكمة النقض فى ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت فى الأوراق .
– الأمر الثانى ” إجراءات الرد”
فإذا لم يقدم طلب الرد وصدر الحكم كان صحيحاً ، ولايستطيع الخصم الطعن فى الحكم استناداً إلى وجود سبباً من أسباب الرد ، حيث تسقط أسباب الرد بقفل باب المرافعة، فقد نصت المادة 153 من قانون المرافعات المدنية والتجارية :- يحصل الرد بتقرير يكتب بقلم كتاب المحكمة التى يتبعها القاضى المطلوب رده ، يوقعه الطالب نفسه ، أو وكيله المفوض فيه بتوكيل خاص يرفق بالتقرير ، ويجب أن يشتمل الرد على أسبابه وأن يرفق به ماقد يوجد من أوراق أو مستندات مؤيدة له ، وعلى طالب الرد أن يودع عند التقرير بالرد ثلاثمائة جنيه على سبيل الكفالة ، ويجب على قلم الكتاب تحديد جلسة فى موعد لايجاوز سبعة أيام من تاريخ تقديم الطلب ويوقع طالب الرد بمايفيد علمه بالجلسة .
– وتختص بنظر طلب رد احد قضاة المحاكم الجزئية أو المحاكم الابتدائية إحدى دوائر محكمة الإستئناف التى تقع فى دائرة اختصاصها المحكمة الإبتدائية التى يتبعها القاضى المطلوب رده .
– وتختص بنظر طلب رد المستشار بمحكمة الإستئناف ، أو بمحكمة النقض حسب الأحوال غير الدائرة التى يكون المطلوب رده عضواً فيها .
– وكذلك تنص المادة 154 من قانون المرافعات المدنية والتجارية :- إذا كان الرد واقعاً فى حق قاضى جلس أول مرة لسماع الدعوى بحضور الخصوم جاز الرد بمذكرة تسلم لكاتب الجلسة ، وعلى طالب الرد تأييد الطلب بقلم الكتاب فى اليوم نفسه أو فى اليوم التالى وإلا سقط الحق فيه .
– كما أن المادة رقم 155 من قانون المرافعات المدنية والتجارية نصت على ” يجب على قلم كتاب المحكمة رفع تقرير الرد إلى رئيسها مرفقاً به بيان بما قدم من طلبات رد فى الدعوى وماتم فيها وذلك كله خلال أربع وعشرين ساعة وعلى الرئيس أن يطلع القاضى المطلوب رده على التقرير فوراً ، وأن يرسل صورة منه إلى النيابة .
– الأمر الثالث ” ميعاد الرد وسقوط الحق فيه ”
– يجب تقديم طلب الرد قبل تقديم أي دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه ( المادة 151 مرافعات) ، فإذا كان الرد فى حق قاض منتدب لإجراء من إجراءات الإثبات ، فيقدم الطلب خلال ثلاثة أيام من يوم ندبه إذا كان قرار الندب صادر فى حضور طالب الرد ، فإن كان صادر فى غيبته تبدأ الثلاثة من يوم إعلانه به .
– وهذه نقطة هامة وهى مانصت عليه الفقرة الثالثة من المادة (151مرافعات) ويجوز طلب الرد إذا حدثت أسبابه بعد المواعيد المقررة ، أو إذا أثبت طالب الرد أنه لم يعلم بها إلى بعد مضى تلك المواعيد .
– المادة 152 مرافعات .. تنص على :- لايقبل طلب الرد بعد إقفال باب المرافعة فى الدعوى ، أو ممن سبق له طلب رد نفس القاضى فى ذات الدعوى ، ولايترتب على طلبات الرد فى هاتين الحالتين وقف الدعوى المنصوص عليه فى المادة (162) من هذا القانون .
– وتحدثت الفقرة الثانية من ذات المادة السالفة ” ويسقط حق الخصم فى طلب الرد إذا لم يحصل التقرير به قبل إقفال باب المرافعة فى طلب رد سابق مقدم فى الدعوى أخطر بالجلسة المحددة لنظره متى كانت أسباب الرد قائمة حتى إقفال باب المرافعة .
– الأمر الرابع ” أثر تقديم طلب الرد ”
يترتب على تقديم طلب الرد وقف الدعوى الأصلية إلى أن يحكم فيه ، ومع ذلك يجوز لرئيس المحكمة ندب قاضى بدلاً ممن طلب رده . والمادة 162 مكرر ” إذا قضى برفض طلب الرد أو سقوط الحق فيه أو عدم قبوله أو بإثبات التنازل عنه ، لايترتب على تقديم أى طلب رد أخر وقف الدعوى الأصلية ، ومع ذلك يجوز للمحكمة التى تنظر طلب الرد أن تأمر بناء على طلب أحد ذوى الشأن بوقف السير فى الدعوى الأصلية ويسرى فى هذه الحالة حكم المادة السابقة .
– الأمر الخامس ” المحكمة المختصة بطلب الرد ”
الفقرة الثانية والثالثة من المادة 153 مرافعات نصت على :- وتختص بنظر طلب الرد أحد قضاة المحاكم الجزئية ، أو الإبتدائية إحدى دوائر محكمة الإستئناف التى تقع فى دائرة اختصاصها المحكمة الإبتدائية التى يتبعها القاضى المطلوب رده .
– وتختص بنظر طلب رد المستشار بمحكمة الإستئناف ، أو بمحكمة النقض دائرة بمحكمة الإستئناف ، أو بمحكمة النقض حسب الأحوال غير الدائرة التى يكون المطلوب رده عضواً فيها .
– الأمر السادس ” – الطعن فى الحكم الصادر فى طلب الرد :- المادة 157 مرافعات ” وفى جميع الأحوال لايجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن فى الحكم الصادر في الدعوى الأصلية … والمادة 159 مرافعات نصت على ” تحكم المحكمة عند رفض طلب الرد ، أو سقوط الحق فيه ، أو عدم قبوله أو إثبات التنازل عنه ، على طالب الرد بغرامة لاتقل عن أربعمائة جنية ولاتزيد على أربعة ألاف جنيه ومصادرة الكفالة ، وفى حالة مااذا كان الرد مبنيا على الوجه الرابع من المادة 148 من هذا القانون يجوز إبلاغ الغرامة إلى ستة ألاف جنيه .
– وفى كل الأحوال تتعدد الغرامة بتعدد القضاة المطلوب ردهم ، ويعفى طالب الرد من الغرامة فى حالة التنازل عن الطلب فى الجلسة الأولى أو إذا كان التنازل بسبب تنحى القاضى المطلوب رده أو نقله أو إنتهاء خدمته .
– الأمر السابع ” الفصل فى طلب الرد ”
– نصت المادة 156 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على ” على القاضى المطلوب رده أن يجيب بالكتابة على وقائع الرد وأسبابه خلال الأربعة أيام التالية لإطلاعه .
وإذا كانت الأسباب تصلح قانوناً للرد ولم يجب عليها القاضى المطلوب رده فى الميعاد المحدد ، أو إعترف بها فى إجابته ، أصدر رئيس المحكمة أمراً بتنحية ”
– وكذلك المادة 157 مرافعات { فى غير الأحوال المنصوص عليها فى المادة السابقة تتخذ الإجراءات التالية:-
أ- إذا كان المطلوب رده أحد قضاة المحكمة الجزئية أو الابتدائية بإرسال الأوراق إلى رئيس محكمة الإستئناف المختصة فى اليوم التالى لانقضاء الميعاد ويتولى رئيس المحكمة المختصة بنظر طلب الرد وفقاً ﻷحكام المادة (153) تعيين الدائرة التى تنظر الطلب وتحديد الجلسة التى ينظر فيها .
ب- يقوم قلم الكتاب المختص بإخطار باقى الخصوم فى الدعوة الأصلية بالجلسة المحددة لنظر طلب الرد وذلك لتقديم ماقد يكون لديهم من طلبات رد طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة (152) .
ج- تقوم الدائرة التى تنظر طلب الرد بتحقيق الطلب فى غرفة المشورة ثم تحكم فيه ، فى موعد لايجاوز شهراً من تاريخ التقرير ، وذلك بعد سماع أقوال طالب الرد ، وملاحظات القاضى عند الاقتضاء أو إذا طلب ذلك ، وممثل النيابة إذا تدخلت فى الدعوى ولايجوز فى تحقيق طلب الرد إستجواب القاضى ،ولاتوجيه اليمين له.
د- يتلى الحكم الصادر فى طلب الرد مع أسبابه فى جلسة علنية ولايقبل طلب رد أحد مستشارى المحكمة التى تنظر طلب الرد ، ولا يترتب على تقديمه وقف نظر طلب الرد .
– المادة 158 مرافعات تنص على :- إذا كان القاضى المطلوب رده منتدبا من محكمة أخرى أمر رئيس المحكمة بإرسال تقرير الرد ومستنداته إلى المحكمة التابع هو لها لتطلعه عليها وتتلقى جوابه عنها ثم تعيدها إلى المحكمة الأولى لتتبع فى شأنه الأحكام المقررة فى المواد السابقة .
– وكذلك نص المادة ( 158مكرر) على رئيس المحكمة فى حالة تقديم طلبات رد قبل إقفال باب المرافعة فى طلب رد سابق أن يحيل هذه الطلبات إلى الدائرة ذاتها المنظور أمامها ذلك الطلب لتقضى فيها جميعاً بحكم واحد ودون التقيد بأحكام المادتين (156،158) .
– ونجد أن المادة 162 مرافعات ، نصت على ” يترتب على تقديم طلب الرد وقف الدعوى الأصلية إلى أن يحكم فيه .
– الأمر الثامن ” تنحى القاضى من تلقاء نفسه ”
– كل قاضى يعلم وجود سبب من أسباب الرد ، أعطاه القانون سلطة جوازية فى التنحى عن نظر الخصومة ، معيار الحكم على علمه متروك لضميره القضائى ، فقد كان سيف العدالة ذاتها ، وإذا لم يتنحى ونظر الخصومة ، فكان حكمه صحيحاً .
– فقد نصت المادة 149 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على ( على القاضى فى الأحوال المذكورة فى المادة السابقة أن يخبر المحكمة فى غرفة المشورة أو رئيس المحكمة الإبتدائية – على حسب الأحوال – بسبب الرد القائم به وذلك للإذن له بالتنحى ، ويثبت هذا كله فى محضر خاص يحفظ بالمحكمة )
وكما نصت المادة 150 مرافعات على { يجوز للقاضى فى غير أحوال الرد المذكورة ، إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى ﻷى سبب أن يعرض أمر تنحيته على المحكمة فى غرفة المشورة ، أو على رئيس المحكمة للنظر فى إقراره على التنحى }
– وقد قضت محكمة النقض المصرية ، فى الطعن رقم { 4556 لسنة 66 ق جلسة 11/3/1998 }
– حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز سلاح نارى مششخن وذخيرة بغير ترخيص وإتلاف منقول عمدا قد إعتراه البطلان وشابه الفساد فى الإستدلال وأخطأ فى تطبيق القانون ، ذلك أن محاميه أبدى طلباً برد الهيئة عن نظر الدعوى وفصلت فيها ، وأطرحت طلبه بما لايسيغ إطراحه ، وهو مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه . ومن حيث إن البين من محضر جلسة المحاكمة أن محامياً حضر مع الطاعن نيابة عن محام أخر وطلب أجلا لحضور المحامى الأصيل ، ولما لم تجبه المحكمة إلى ذلك طلب رد رئيس الدائرة عن نظر الدعوى لتعنته وطلب التأجيل لإتخاذ إجراءات الرد بيد أن المحكمة مضت فى نظر الدعوى ، وفصلت فيها فى ذات الجلسة بحكمها المطعون فيه ………………، فإن الحكم يكون – فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون – قد بنى على اجراءات باطلة أثرت فيه ، وأخل بحق الطاعن فى الدفاع بما يوجب نقضه .