رجائي عطية النقيب الإنسان
كتبه: الاستاذ محمد سلامه ابوالريش
كتب رجل القانون المصري الشهير عبدالرزاق السنهوري يوما “إن المحاماة هي فن الحجة، والبرهان، والإقناع، لذا كان رواد الفلسفة محامين بما يملكون من حجج، ولغة عالية، ونظرة ثاقبة، وكثير من الشعراء كانوا محامين بما يمتلكون من أدوات اللغة والبلاغة والفطنة”. وقال ناصحا معشر المدافعين عن الحقوق من المحامين الشبان “لا تكذب ولا تعط الوعود، فأَنت لست صاحب قرار ولست مسؤولا عن النتائج، وقبل ذلكَ كلّه كن إنسانا لتكن محامِيا، لا تكسب دَعْوَى وتخسر نفسك”.
تلك كانت النظرة العامة لشخصية المحامي في العالم العربي، وفي مصر تحديدا في ما مضى، فهو رجل يُدافع عن الحق، يعادي الظلم، يعمل من أجل الإنصاف، ويستخدم الذكاء والفطنة والبلاغة في تبرئة المتهمين ظلما. المحامي هو رجل الحقوق، وملاذ البسطاء، وعين الناس للرقابة على مدى التزام السلطة التنفيذية بالقانون، لذا لم يكن غريبا أن ينتمي الكثير من الزعماء الوطنيين في مصر الحديثة إلى مهنة المحاماة.
نبأ الفوز الكاسح للمحامي رجائي عطية بمنصب نقيب المحامين، قبل أيام، كان محل اهتمام واستبشار لدى الكثير من رجال القانون والحقوق، باعتباره أحد رجال الجيل القديم في المهنة، والساعي كما أكد هو في برنامجه الانتخابي إلى استرجاع هيبة ومكانة المحامي، وإعادة الاعتبار إلى صورته بشكل عام، ومساندته لرفع كفاءته وتطوير قدراته ومهاراته والتكاتف معه في مواجهة استباحة دوره أو عمله.
فاز عطية المستقل على منافسه القوي سامح عاشور والمحسوب على التيار الناصري، لأن المحامين كانوا يتطلعون إلى التغيير، ويسعون إلى استعادة صورتهم، وربما أيضا لأن عطية أكد دائما أن العمل النقابي يجب أن يتجاوز الحزبية، ولا طريق لاستعادة مكانة المحامي وتطوير المهنة وانتشالها مما تعانيه من تدهور شكلي وعملي إلا بالعمل الخدمي لا السياسي.
يرى عطية أن المحامي صوت الحق، وأن عليه أن يحمل راية العدل والصدق والأمانة، ويناضل لدرء الظلم، وهو يعلم أن حريته ومصالحه وحياته في خطر
يمثل عطية نموذجا استثنائيا بين المحامين في مصر من حيث الاهتمام بالأدب والتاريخ والمواظبة على الكتابة في الصحف والمجلات، وإصدار بعد آخر
والده عطية عبده كان محاميا كبيرا ومعروفا وصل إلى درجة نقيب المحامين بالمنوفية، وشكل جانبا كبيرا من شخصيته حسبما يقول، فهو مثله الأعلى وما زال، ورسخ المبادئ والقيم المنحازة للعدالة، وزرع فيه الوقوف إلى جوار البسطاء والمظلومين،
يبدو رجائي عطية كاتبا موسوعيا متعدد الإصدارات في نظر الكثيرين، فبعيدا عن إصداراته القانونية الكثيرة التي تضمها مجلدات كبيرة، للرجل كتب عديدة تحمل تأملات وتحليلات في التاريخ والأدب والدين، مكتوبة بلغة بليغة جذابة وسلسة، تجمع بين العمق اللغوي والبساطة التركيبية، وتؤصل للفكرة بأمثلة ومواقف تاريخية لا تخلو من آراء وملاحظات يقدمها من آن إلى آخر. وتعكس كتاباته في التاريخ الإسلامي وعيا وفهما كاملين لتتابع الأحداث ومواطن استغلال البشر للدين في تحقيق غايات شخصية، ومن أبرز مؤلفاته في ذلك الصدد كتاب “دماء على جدار السلطة” الذي يسرد فيه سبل الصراع بين البشر تحت رايات مختلفة طلبا للسلطة.
وكتب بجرأة “إن الخلافة ليست حكما أساسيا من أحكام الإسلام، كما يزعم زعماء الإرهاب حاليا”، وأقرّ بصراحة شديدة “أن الكيانات الإرهابية التي تقيم دولها تحت زعامة الخلافة خرجت جميعا من تحت عباءة الإخوان التي حوت العديد من التنظيمات الإرهابية، فقد ضربوا مثالا واضحا للعالم خلال فترة توليهم حكم مصر، بأنهم لا يصلحون للحكم، بالإضافة إلى نواياهم الخبيثة في نشر الفكر المتطرف”.
يرى رجائي عطية أخيرا أن المحاماة رسالة خالدة، وفي سبيل ذلك يؤمن أن مهمته هي أن يعمل على استعادة هذا المفهوم المطموس، ويحاول أن يعيد إلى المهنة هيبتها، فقد جاءه المنصب بعد فترة طويلة من الانتظار والمعارك الانتخابية ليكون محاميا لجميع المحامين.