دولة القانون
بقلم/ صابر شعبان أبو على
المُجْتَمَعَاتُ الإنْسَانِيةُ شَقَّت طُرُقَاً وَعِرَةً وَ نَاضَلَت وَكَافَحَت عَلى مَرِ العُصُورِ مِنْ أَجْلِ سَن تَشْرِيعَات وَقَوَانِين تَضَعُ أُطُر تُنَظِم العِلاقَات بَينَ أَفْرَادِهِا وَتُنْتَظِم مِنْ خِلالِها مُعَامَلاتِهم بِمَا يَكْفُل العَدَالة وَالمُسَاوَاة بَينَ الجَمِيعِ حَسْب القِيّم وَالمُعْتَقِدَات السَّائِدة لَدَيهم.
وَقَدْ تَطَوّرَت تِلكَ التَشْرِيعَات وَالقَوَانِين بِتَطَورِ البَشَرِية فَمِنْ حَالةِ الفَوضَى حَيثُ يَقُوم كُل شَخْص بِالتَصَرُفِ كَمَا يُرِيدُ وَ أَخْذ حَقَهُ بِنَفْسِهِ نَتِيجَة إلَى عَدَمِ وُجُود السُلطَة وَهُو مَا تَعَارَف عَلى تَسْمِيَتِهِ بِشَرِيعَةِ الغَابِ فَفِي عَالَمِ الغَابِ لا يُوجَد قَانُون سُوى قَانُون القُوة وَتَحْت هَذا القَانُون تَمُوتُ كَائِنَاتُ، وَتَتَسيَّد كَائِنَاتُ وَتَظَل القُوة هِى مِحْوَر الحَياة إلَى نُشُوءِ نِظَام الدَولَة القَدِيمَة فَفِى العَصْرِ الفِرعُونِى كَانَ هُنَاك قَانُون مَدَنِى مُقَسَّم إلَى اثْنَى عَشَر كِتَابَا ًوَالذِى اعْتَمَد عَلى مَفْهُومِ مَاعِت وَهُو إلَه الحَق وَالعَدل وَالنِّظَام فِى الكُونِ عِنْدَ قُدَمَاءِ المِصْرِيين.
وَكَان هَذا القَانُون مُتَمَيزاً بِالتَقَالِيد وَالخِطَاب البَلاغِى مُرُوراً بِقَانُونِ حَامُورَابِى الذى قَامَ بِتَدْوِينَه عَلى حَجَرٍ وَوَضَعَ نُسَخاً مِنْهُ فِي جَمِيعِ أنْحَاء مَمْلَكَتِه كَلوحَاتٍ يَرَاها النَّاسُ جَمِيعَاً وُصُولاً إلَى القَانُونِ اليُونَانِى القَدِيم الذى فَرَّقَ بَينَ القَانُونِ الإلَهِى وَالمَرسُوم الإنْسَانِى وَ الأعْرَاف وَاسْتَوعَب عِدَة طَبَقاَت مِنْ المُواطِنِين مِنْهُم النِسَاء وَالعَبِيد وَاحْتَوى عَلى ابْتِكَارَات دُسْتُورُية فِي تَطَورِ الدِيمُقْرَاطِية وَنُشُوء الدَولَة القَانُونِية.
وَمَعَ تَطَوُر البَشَرِيَّة فِى العُصُورِ الحَدِيثَة وَفِى ظِلِ العِلاقَات المُتَشَابِكَة بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ الوَاحِد أَصْبَحَ لا غِنَى عَنْ وُجُودِ قَوَاعِد وَأُسُس قَانُونِية تُنَظِمُ شُئُون الأَفْرَادِ دَاخِل المُجْتَمَعِ وَعِلاقَتِهم بِبَعْضِهِم البَعْضِ مِنْ نَاحِيةِ وَعِلاقَاتِ الدَولَة بِغَيرِهِا مِنْ الدُولِ مِنْ نَاحِيةِ أُخْرَى.
وَلِذَا فَقَد تَوَافَقَت إِرَادَة أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ عَلى وَضْعِ مَجْمُوعَة مِنْ القَوَاعِدِ وَالأُسُسِ القَانُونِية الأَسَاسِية تُؤَطِر وَتُحَدِد نِظَام الدَولَةِ وَسُلطَاتِها وَنِظَام الحُكْم فِيهَا وَ تَحْمِى مَصَالِحَهم وَحُقُوقُهم وَهُو مَا تَعَارَف عَلى تَسْمِيَتِه بِالدُسْتُورِ وَجَعَلَت مِنْ هَذِهِ القَوَاعِد الحَاكِمَة أَسَاسَاً لِسَنِ أَى تَشْرِيعَات أُخْرَى تَنْبَثِق عَنْهُ بِاشْتِرَاطِ أَنْ تَكُون مُتَوَافِقَة مَعَ أَحْكَامِ الدُسْتُور بِحَيث لا يَجُوز لِلتَشْرِيعِ الأَدْنَى أَنْ يُخَالِفَهُ أو يَحِيدَ عَنْهُ.
لِهَذا اسْتَحْدَثَت الدُوَل أَسَالِيب مُخْتَلِفَة لِمُرَاقَبَةِ أى اعْتِدَاء أو تَجَاوز لِلقَوَاعِدِ الدُسْتُورِية الحَاكِمَة فَمِنْهَا مَنْ أَعْطَت لِلقَضَاءِ الحَقَ فِى هَذه الرِقَابَة وَمَنْحِها حَق الامْتِنَاع عَنْ تَطْبِيق أى نَص تَشْرِيعِى يُخَالِف الدُسْتُور وَمِنْها مَا أَنْشَأ كِيَانَاً مُسْتَقِلاً بِذَاتِهِ تَكُونُ مُهمَته الأسَاسِية حِمَاية المَبَادِىء الأسَاسِية التِى تَوافَقَ عَليهَا المُجْتَمَع وَصَاغَها دُسْتُوراً حَاكِمَاً لِنِظَامِ الحُكْمِ وَحُقُوقِ الأفْرَادِ الأسَاسِية وَهِى المَحَاكِم الدُسْتُورِية.
وَحَيثُ إِنَّ سُلْطَة الحُكْمِ فِى الدَولَةِ تَنْقَسِمُ إِلَى سُلْطَاتٍ ثَلاث تَشْرِيعِية تُعْنَى بِسَنِ وَوَضْع القَوانِين فِى إِطَارٍ دُسْتُورِى وَقَضَائِية وَتُعْنَى بِإنْزَالِ حُكْم القَانُون عَلى مَا يَثُور أمَامَها مِنْ أَنْزِعَة بَينَ الأفْرَادِ بَعْضِهِم البَعْضِ أوَ بَينَهم وَبَينَ الدَولَةِ مُتَمَثِلَة فِى سُلطَتِها التَنْفِيذِية المَعْنِية بِتَنفِيذِ حُكْمِ القَانَونِ وَإدَارَةِ شُئُونِ البِلادِ وَلِمَزِيدِ مِنْ حِمَايَةِ النِظَامِ القَانُونِى فِى الدَولَةِ كَانَ لابُدَ مِنْ اعْمَالِ الفَصْلِ بَينَ السُلطَاتِ الثَلاث بِحَيثُ تَتَكَامَل وَلا تَتَداخَل . وَالحَدِيثُ عَنْ ذَلِك مَوصُول إِنْ شَاءَ اللهُ.