دور القضاء في تعزيز ثقافة التسامح

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة – المستشار القانوني بدائرة القضاء أبو ظبي

في يوم الاثنين الموافق الثلاثين من شهر يونيو 2025م، وبمناسبة نظرها القضية رقم 204/ 2025 أحوال نفس، أصدرت محكمــة الأسرة المدنية في إمـــارة أبو ظبي حكمها بتقسيم الحضانة المشتركة لتكون الابنة المحضونة (…) في حضانة أمها المدعى عليها الأسبوع الأول والثالث من كل شهر وفي حضانة أبيها المدعي الأسبوع الثاني والرابع من كل شهر، وتقسيم الإجازات والعطلات الرسمية والدراسية مناصفة بينهما تبدأ بالأم المدعى عليها على أن تكون عطلة الأعياد الدينية الإسلامية لدى الأب المدعي والأعياد المسيحية لدى الأم المدعى عليها وأن تقضي عيد الأم مع المدعى عليها وعيد الأب مع المدعي، وعيد ميلاد الصغيرة لدى الأم بشرط دعوة الأب للاحتفال بابنته. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن هذا الحكم يتعلق بأب مسلم وأم مسيحية، وتتعلق بالنزاع على ترتيبات الحضانة المشتركة لابنتهما، بعد حصول الطلاق بين الزوجين.

 

وتسبيباً لحكمها سالف الذكر، تقول المحكمة: «لما كانت المحكمة هاجسها ومبتغاها هو المصلحة الفضلى للطفل المحضون وكانت الابنة (…) البالغة من العمر 9 سنوات لا زالت صغيرة وهي أحوج ما تكون لرعاية والديها معاً سواء حنان وتربية الأم أو رعاية وإشراف الأب وعدم الإقدام على أي خطوة تخصها سوى بالتشاور فيما بينهما حفاظاً على صحتها النفسية والجسدية والحرص على تعليمها وتخرجها بشهادة تفيدها لتكون عضو فعال في المجتمع والحصول على أفضل الشهادات العلمية لتكون لها سلاح في معترك الحياة، ومن ثم فإن المحكمة تتدخل بتحديد ترتيبات الحضانة المشتركة بجعل الأسبوع الأول والثالث من كل شهر لدى الأم المدعى عليها والأسبوع الثاني والرابع لدى الأب المدعي. وتقسم العطلات والإجازات الرسمية والدراسية مناصفة بينهما تبدأ بالأم المدعى عليها على أن تكون عطلة الأعياد الدينية الإسلامية لدى الأب المدعي والأعياد المسيحية لدى الأم المدعى عليها وأن تقضي المحضونة عيد الأم مع المدعى عليها وعيد الأب مع الأب المدعي وعيد ميلاد الطفلة المحضونة لدى الأم بشرط دعوة الأب للاحتفال بابنته».

 

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المادة التاسعة من القانون رقم (14) لسنة 2021 في شأن الزواج المدني وآثاره في إمارة أبو ظبي قد وردت تحت عنوان «الحضانة المشتركة»، وتنص على أن «1. حضانة الأبناء حق مشترك ومتساو للأب والأم بعد وقوع الطلاق، وهي كذلك حق للأبناء في عدم استئثار أحد الأبوين دون الآخر بحق تربية ورؤية الابن، وذلك حفاظًا على الصحة النفسية للمحضون والحد من آثار الطلاق على الأبناء. 2. الأصل في حضانة الأبناء هو اشتراك الأب والأم معًا في مسؤولية تربية الأبناء بعد وقوع الطلاق، ما لم يطلب أحدهما التنازل كتابة أمام المحكمة عن حقه في الحضانة أو تقديم طلب للمحكمة بعزل الطرف الآخر من الحضانة المشتركة وإسقاط حقه في الحضانة لأي سبب تقبله المحكمة مثل عوارض الأهلية أو خطورة اشتراك الشخص في الحضانة أو عدم قيام الحاضن المشترك بمهامه. 3. في حالة اختلاف الأب والأم في أي أمر من أمور الحضانة المشتركة، يحق لأي منهما التقدم بطلب للمحكمة وفق النموذج المعد لهذا الغرض للاعتراض أو طلب تدخل المحكمة للفصل في الأمر محل الخلاف». وتحت عنوان «الخلافات الناتجة عن الحضانة المشتركة»، تخول المادة العاشرة من القانون ذاته «للمحكمة السلطة التقديرية لتقرير ما تراه مناسبًا لمصلحة المحضون، وذلك بناءً على طلب أي من الأبوين بعد وقوع الطلاق».

 

وقد ورد النص على الأحكام ذاتها في المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2022 في شأن الأحوال الشخصية المدني. فوفقاً للمادة العاشرة من هذا المرسوم بقانون، وتحت عنوان «الحضانة المشتركة»، ورد النص على ما يلي:

  1. حضانة الأبناء حق مشترك ومتساو للأب والأم بعد وقوع الطلاق، وهي كذلك حق للأبناء في عدم استحواذ أحد الأبوين دون الآخر بتربية الأبن ورؤيته، وذلك حفاظاً على الصحة النفسية للمحضون والحد من آثار الطلاق على الأبناء.
  2. الأصل في حضانة الأبناء هو اشتراك الأب والأم معاً في مسؤولية تربية الأبناء بعد وقوع الطلاق، ما لم يقدم الطرفان طلباً للمحكمة بإثبات الحضانة لمن هو جدير بتحقيق مصالح المحضون، أو يطلب أحدهما التنازل كتابة أمام المحكمة عن حقه في الحضانة، أو تقديم طلب للمحكمة بعزل الطرف الآخر من الحضانة المشتركة وإسقاط حقه في الحضانة لأي سبب تقبله المحكمة مثل عوارض الأهلية، أو خطورة اشتراك الشخص في الحضانة، أو عدم قيام الحاضن المشترك بمهامه، وتُحدد اللائحة التنفيذية لهذا المرسوم بقانون حالات عزل الطرف الآخر من الحضانة وإسقاط حقه فيها.
  3. في حالة اختلاف الأب والأم في أي أمر من أمور الحضانة المشتركة، يحق لأي منهما التقدّم بطلب للمحكمة وفق النموذج المعد لذلك للاعتراض أو طلب تدخّل المحكمة للفصل في الأمر محل الخلاف.
  4. للمحكمة السلطة التقديرية لتقرير ما تراه مناسباً لمصلحة المحضون وذلك بناءً على طلب أي من الأبوين بعد وقوع الطلاق».

 

وبتاريخ الأول من شهر أكتوبر 2024، وبموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 41 لسنة 2024، صدر قانون الأحوال الشخصية الإماراتي الجديد، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 15 أبريل 2025م، وحل بالتالي محل القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005م بشأن الأحوال الشخصية. ويتضمن قانون الأحوال الشخصية الاتحادي الجديد لدولة الإمارات العربية المتحدة بعض الأحكام المستحدثة ذات البعد الإنساني، كما هو الشأن في المادة (113) من القانون الجديد، والتي تحدد شروط الحاضن، بنصها على أن «يجب أن تتوفر في الحاضن الشروط الآتية:

  1. العقل، وبلوغ سن (18) ثـمانية عشر سنة ميلادية إذا كان الحاضن الأم أو الأب، وبلوغ سن الرشد إذا كان الحاضن غيرهما.
  2. الأمانة والقدرة على تربية المحضون التربية الصالحة وحفظه ورعايته والإشراف على تعليمه.
  3. السلامة من الأمراض المعدية أو الخطيرة التي قد تشكل خطراً على حياة أو صحة المحضون.
  4. إذا كان الحاضن امرأة، فيجب أن تكون غير متزوجة برجل أجنبي عن المحضون، ما لم تقتض مصلحة المحضون خلاف ذلك وفقاً لتقدير المحكمة.
  5. إذا كان الحاضن رجلاً، فيجب أن يكون ذا رحم محرم للمحضون إن كانت أنثى، وأن يقيم عند الحاضن من يصلح للحضانة من النساء.
  6. ألا يكون قد سبق الحكم عليه بجريمة من الجرائم الواقعة على العرض.
  7. ألا يكون مدمناً على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية أو المسكرات.
  8. أن يتحد الحاضن مع المحضون في الدين، إلا إذا كانت الحاضنة أُماً على غير دين المحضون وقدّرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون وفقاً للشروط التي تُقررها المحكمة».

 

وبالمقارنة بين النص سالف الذكر وبين الأحكام النظيرة الواردة في القانون الاتحادي الملغي رقم 28 لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية، والتي ورد النص عليها في المواد (143) و(144) و(145)، ولاسيما فيما يتعلق بشرط اتحاد الدين بين الحاضن والمحضون، وتحديداً فيما يتعلق بالأم الحاضنة، تجدر الإشارة إلى أن القانون الملغي كان ينص على أنه «إذا كانت الحاضنة أماً وهي على غير دين المحضون سقطت حضانتها إلا إذا قدر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون على ألا تزيد مدة حضانتها له على إتمامه خمس سنوات ذكراً كان أو أنثى». وهكذا، فإن هذا النص يقرر أن الأصل هو سقوط حضانة الأم، ما لم يقدر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون. وفي جميع الأحوال، ولو قدر القاضي أن مصلحة المحضون تقتضي بقاءه في حضانة الأم، فإن مدة حضانتها له يتعين ألا تزيد على إتمامه خمس سنوات ذكراً كان أو أنثى.

 

أما النص الجديد، فيقرر أنه «إذا كانت الحاضنة أماً على غير دين المحضون وقدرت المحكمة منح الحضانة للأم مراعاة لمصلحة المحضون، وذلك وفقاً للشروط التي تقررها المحكمة». وهكذا، زال القيد الزمني الذي كان مقررها في ظل النص الساري حالياً، والذي يستمر تطبيقه حتى 15 أبريل 2025.

 

ورغم أن المشرع قد قرر ابتداء سريان القانون الجديد اعتباراً من 15 أبريل 2025، فإن بعض الأحكام ومنها الحكم سالف الذكر يبدو واجباً تطبيقه دون انتظار تاريخ بداية سريان القانون الجديد. والمبرر في ذلك أن الأم الحاضنة يمكنها رفع دعوى بعد تاريخ سريان القانون الجديد، فلا يعقل أن تقرر المحكمة إسقاط حضانتها لفوات القيد الزمني المنصوص عليه في المادة (145) من القانون الحالي، ثم يعيد لها الحضانة إذا رفعت دعوى جديدة طالبة الحضانة بعد تاريخ 15 أبريل 2025م.

 

وفيما يتعلق بنطاق تطبيق شرط اتحاد الدين، ورغم أن عبارة النص قد وردت عامة، نعتقد أن مجال تطبيق شرط اتحاد الدين يقتصر على حالة المحضون المسلم. ولعل ذلك يتأكد من خلال جمع النصوص مع بعضها البعض. بيان ذلك أن المادة (130) من القانون الجديد تحدد الشروط التي يتعين توفرها في الولي أو الوصي، بنصها على أن «يجب أن تتوفر في الولي أو الوصي الشروط الآتية: … 2. أن يكون متحداً في الدين مع الولي عليه إذا كان مسلماً بالنسبة للولاية على النفس …». وهكذا، قصر المشرع نطاق تطبيق شروط اتحاد الدين في حالة الولاية على المولي عليه المسلم دون سواه.

 

ومن ناحية أخرى، تقرر المادة (117) البند الرابع من القانون الجديد «لكل من بلغ 18 ثـمانية عشر عاماً ميلادياً دون أن يعترضه عارض من عوارض الأهلية، ذكراً كان أو أنثى، أن يحتفظ بجواز سفره وأي وثائق ثبوتية أخرى خاصة به ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك».

 

ومن ناحية ثالثة، وفيما يتعلق بالولاية التعليمية على المحضون، تقرر المادة (112) البند (3) من القانون الجديد أنه «يكون للأم الحاضنة الولاية التعليمية على المحضون، وبما يحقق مصلحة المحضون». ويضيف البند الرابع من المادة ذاتها أنه «عند الخلاف على ما يحقق مصلحة المحضون، يرفع أي من ذوي الشأن الأمر إلى قاضي الأمور المستعجلة، ليصدر قراره بأمر على عريضة مراعياً مدى يسار الولي، وذلك دون المساس بحق الأم الحاضنة في الولاية التعليمية».

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى