دراسة قانونية: إلزام الأمم المتحدة الدول بالقضاء على التطرف الديني.. وتؤكد: الإساءة للرسول تعرض السلم الديني للخطر

كتب: عبدالعال فتحي

قام المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بإعداد دراسة بعنوان «الحماية الواجبة لسيرة الأنبياء دراسة مقارنة بين الشرائع والتشاريع»، ذكر فيها أن المجتمع الدولى والتشريعات الوطنية استقرت على حق الإنسان في حرية التعبير، ولكن مهما كانت حرية التعبير مقدسة فلا بد لها من ضوابط تنظم ممارستها وذلك حماية للمجتمعات من الفتن والصراعات واحترام الشعوب لثقافة تقاليدها الدينية، وتزداد الحاجة لتلك الضوابط عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الأديان والمقدسات وسيرة الأنبياء، وعندما يتكون المجتمع الدولى من عدة ثقافات وأديان وقوميات فيلزم احترام عقائد البشر ومعتقداتهم وهويتهم الدينية.

وأضاف الدكتور محمد خفاجى ، أن الأنبياء هم صفوة الخلق اختارهم الله عز وجل ليكونوا مصابيح الهدى للبشرية وحفظهم الله عما لا يليق بمكانة من يتلقى مثل هذه الأمانة , فهداهم للخيرات وعصمهم من المنقصات وهم القدوة والمثل، قالَ اللهُ تَعالى ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ ) سورة الأنبياء الاَية (73) ومن ثم وجب على البشرية احترامهم ووقارهم وتقديرهم في سبيل طريق الهدى والرشاد.

ونظراً لما أحدثته وسائل الاتصال الفضائى والإلكترونى من تقدم مذهل جعل العالم بأسره قرية صغيرة , ولجوء بعض ذوى النفوس المغرضة إلى الإساءة للأنبياء سعياً في الإيذاء المعنوى أو تحقيقاً لمكاسب زائلة , وجب التعرض للحماية القانونية لسيرة الأنبياء على المستوى الدولى .

وأشار الدكتور محمد خفاجى، إلى أن الإساءة للأديان والمقدسات والرموز الدينية ليست مخالفة للقوانين الوطنية والتشريعات الدولية فقط ، وليست مخالفة لضوابط حرية التعبير فحسب ، بل هي في جوهرها انحطاط أخلاقي وحضاري.

ذلك لأن الإساءة للأنبياء أو للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه تمس عقيدة كل مسلم وهي من قضايا الاتفاق عند جميع المسلمين، لأنها من الأصول الكلية فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله تعني تعظيم الله وتعظيم رسوله الكريم ، ولا يختلف في ذلك المسلم المثقف عن العامي، ولا الإسلامي مع العلماني، كما لا يختلف فيها السني مع الشيعي، ولأن توقير رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه والذود عنه مكانته إلى يوم الدين من صميم العقيدة ” لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ” سورة الفتح الاَية (9) فمن بين السيرة النبوية أن المسلمين لن يتخلوا عن الاقتداء بالصحابة والتابعين ، وقد كان أصحاب النبى محمد صلى الله عليه وسلم يحبون محمداً، وأن إيمان المؤمن لا يكتمل إلا بحب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحب المرء نفسه ، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه انه قال؛ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏” والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين‏ ” رواه البخاري.

ويذكر الدكتور محمد خفاجى، في دراسته أن إساءة الغرب للأديان لم تقتصر على الدين الإسلامى والرسول الكريم على غرار ما حدث في فرنسا حديثا فحسب ، بل امتدت إلى الدين المسيحى ، فالذاكرة الدولية تستحضر بعض الأعمال المدعى بأنها فنية التى أساءت لرسول الرحمة والإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم منها – قبل واقعة فرنسا اكتوبر 2020 – إنتاج فيلم كرتونى هولندى يحتوى على مشاهد إباحية عن زوجات النبى وآل البيت يسخرون فيه من النبى الكريم , وفى أعمال أخرى تعدت أثارها للدين المسيحى ففي سنة 1996 حكمت المحكمة الأوروبية بعدم قانونية عرض فيلم يسئ للسيد المسيح عليه السلام ، وفى 11 أبريل سنة 2007 قررت إحدى صالات العرض للأعمال الفنية في حي مانهاتن في نيويورك، إلغاء عرض لعمل نحتي من الشوكولاتة يجسد السيد المسيح عارياً والذي نحته الفنان كوزيمو كافا لارو , وقد سماه: إلهي الحو ، فاحتج أتباع المذهب الكاثوليكي فاضطر جيمس نوليس رئيس مجلس إدارة فندق روجر سميث لإلغاء العرض الذي كان مقرراً أن يعرض في إحدى قاعات الفندق وقال روجر:«قمنا بإلغاء العرض ونؤكد على التزام الفندق بالمسئولية».

ويوضح الدكتور محمد خفاجى، أنه يمكن القول أن قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد استقر على أن الحق في حرية التعبير حتى في الدول العلمانية ليس مطلقاً والدول ملزمة بوضع قيود على تلك الحرية في حالة الإساءة للأديان والمساس بسيرة الأنبياء على نحو يؤذى السلام الدينى بين البشر ، ففى أكتوبر 2018 قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن إهانة رسول الإسلام محمد لا تغطيها حرية التعبير.

وجاء في حيثيات الحكم أن التشهير بالنبي محمد يتجاوز الحدود المسموح بها للنقاش الموضوعي ويمكن أن يثير التحيز ويعرض السلم الديني للخطر وأن هذه الإهانة من المرجح أن تثير استياءً مبررًا لدى المسلمين و تصل إلى حد التعميم دون أساس واقعي.

وكان ذلك بسبب مواطنة نمساوية تدعى (ECHR) عقدت ندوتين في عام 2009 أساءت فيها للنبى محمد بأنه يحب القاصرات ، وقد أدانتها محكمة نمساوية بتهمة الاستخفاف بالعقائد الدينية في عام 2011 وغرمتها 480 يورو ، وهو حكم تم تأييده من محكمة الاستئناف في فيينا في ديسمبر 2011 وأيدته المحكمة العليا فى النمسا وهو ما لاقى تأييدا من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، وقد وازنت المحكمة بعناية حقها في حرية التعبير مع حق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية بهدف الحفاظ على السلام الديني في النمسا.

وعلى المستوى الدولى يقول الدكتور محمد خفاجى ، أجاز المشرع الدولى وفقا للمادتين 18 و 19 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر1966إخضاع ممارسة هذا الحق فى حرية التعبير فى كل دولة لبعض القيود الضرورية لحقوق الآخرين أو سمعتهم ولحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة ، كما أنه أكد فى مجال حرية الأديان على أنه لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

ومن الوثائق الدولية المهمة فى هذا الشأن الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال عدم التسامح والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد بتاريخ 25 نوفمبر1981 ، برقم 55/36 ، والذى حذر فى ديباجته من خطورة عدم مراعاة أو التعدى على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبوجه خاص الحق فى حرية المعتقد والدين ، وشدد الإعلان على خطورة ذلك التعدى لما يمكن أن يؤدى إليه من صدامات ومعاناة للإنسانية.

كما نص الإعلان على أن حرية الاعتقاد والديانة يجب أن تحترم احتراماً كاملاً ، باعتبارها أحد الأسس الجوهرية لحياة الإنسان ، وأنه من المهم جدا الترويج لمبادئ التسامح والاحترام فيما يتعلق بالأديان وأبانت الجمعية العامة فى الفقرة الثامنة من ديباجة هذا الإعلان عن خطر مظاهر عدم التسامح أو التمييز فى الأمور المتعلقة بالأديان الموجودة فى بعض أنحاء العالم . كما الزمت المادة الرابعة من الإعلان نفسه فى فقرتها الثانية جميع الدول بأن تتخذ جميع التدابير لمنع والقضاء على أى تمييز يقوم على أساس من الدين أو العقيدة، فى كافة المجالات الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

ويختتم الدكتور محمد خفاجى، دراسته أنه فى 6 مارس 1996 كانت نقطة فارقة لحماية الأديان فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 50/183 بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب الدينى والتى أكدت فى ديباجته أن التمييز ضد البشر على أساس الدين أو المعتقد يشكل إهانة للكرامة البشرية ، وتنكراً لمبادئ الميثاق (ميثاق الأمم المتحدة . (كما أكدت فى الفقرة السابعة من الديباجة 4/14 ضرورة اتخاذ الدول ما يلزم لمواجهة التعصب وما يتصل به من عنف قائم على أساس الدين أو المعتقد ، بما فى ذلك تدنيس الأماكن الدينية بينما حثت فى البند الخامس من القرار الدولى على اتخاذ جميع التدابير لمكافحة الكراهية والتعصب ، وأن تشجع التفاهم والتسامح والاحترام فى المسائل المتصلة بحرية الدين أو المعتقد , وأخذاً بالمبادئ والقواعد السابقة ، ونتيجة تزايد التمييز العنصرى ضد الأقليات المسلمة فى الغرب وما واكبه ذلك من تعد على المقدسات الإسلامية ورموزها ، فقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتاريخ 12 أبريل 2005 قراراً بشأن مكافحة إهانة ازدراء الأديان , ويبقى فى النهاية قيام الدول الأعضاء فى المجتمع الدولى بالتنفيذ العملى لقرارات الأمم المتحدة فى الشأن الدينى جوهر المعالجة الدولية للحفاظ على المقدسات الدينية وسيرة الأنبياء .

زر الذهاب إلى الأعلى