خصوصية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في دستور مصر الحالي 2014
بقلم الدكتور/ كريم أحمد عبد الفتاح ولي الدين ـ مدرس بقسم القانون العام كلية الحقوق جامعة عين شمس
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تم إقراره في 10 ديسمبر 1948، الوثيقة الرئيسية التي تحدد الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها جميع البشر بغض النظر عن جنسهم، عرقهم، دينهم، أو أي وضع آخر، وقد تم اعتماده بعد الحرب العالمية الثانية كاستجابة للفظائع التي شهدها العالم خلال تلك الفترة.
ويهدف الإعلان إلى تعزيز السلام والعدالة من خلال الاعتراف بالحقوق الأساسية لكل إنسان. وتتألف الوثيقة من ديباجة و30 مادة تشمل مجموعة واسعة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد أثر هذا الإعلان بشكل كبير على صياغة الدساتير الوطنية في العديد من الدول، بما في ذلك الدستور المصري الحالى لعام 2014، الذي تم إعداده في ظل ظروف سياسية معقدة بعد ثورة 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013، مما جعله محوراً أساسياً لضمان الحقوق والحريات.
وعلى الرغم من استدراك ما كرسة القضاء الدستوري – المحكمة العليا – في مصر من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لا يعدو أن يكون مجرد توصية غير ملزمة وليست له قيمة المعاهدات الدولية المصدق عليها”. (القضية رقم 7 لسنة 2 ق دستورية، يوم السبت أول مارس سنة 1975 م). إلا أن تحليل نصوص الدستور الحالي بشكل متكامل، وما تحمله من تساند واتفاق فيما بينها باعتبار أن “الأصل في النصوص التي يتضمنها الدستور، تساندها فيما بينها، واتفاقها مع بعضها البعض في صون القيم والمثل العليا التي احتضنها الدستور. ولا يتصور بالتالي تعارضها أو تماحيها، ولا علو بعضها على بعض، بل تجمعها تلك الوحدة العضوية التي تقيم من بنيانها نسيجاً متضافراً يحول دون تهادمها”. (القضية رقم 144 لسنة 18 ق دستورية، يوم الإثنين الأول من سبتمبر سنة 1997م). يستتبع إكساب هذا الاعلان خصوصية إلى الحد الذي يمكن التساؤل معه حول القيمة الفعلية المقررة لأحكام للإعلان العالمي لحقوق الانسان في النظام القانوني المصري؟.
وحتي نسطيع تحليل هذه القيمة القانونية نحاول إلقاء الضوء على مظاهر الخصوصية للاعلان، والتي تتجلي أولى مظاهرها فيما تضمنته ديباجة دستور 2014 – لأول مرة في تاريخ الوثائق الدستورية المصرية – من اتساق النصوص الدستورية مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بما نصت علية “نكتب دستوراً يفتح أمامنا طريق المستقبل، ويتسق مع الاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي شاركنا في صياغته ووافقنا عليه”. ولا مراء في أن هذه الديباجة تعد جزءا لا يتجزأ من الدستور في نص المادة 227 التي تقرر أن “يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة”. وما كرسة قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن “ما قررته ديباجة دستور جمهورية مصر العربية تعتبر مدخلاً إليه، وتكوّن مع الأحكام التي ينتظمها كلاً غير منقسم” (الطعن رقم 1 لسنة 41 ق – بتاريخ 17 ديسمبر 2022).
ففي الواقع ترجم الدستور المصري العديد من النصوص التي تعكس مبادئ حقوق الإنسان كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، يضمن الدستور في المادة 59 الحق في الحياة والأمن الشخصي، كما جاء في المادة 3 من الإعلان العالمي، كذلك يحظر التعذيب والمعاملة غير الإنسانية في المادة 52، تماشياً مع المادة 5 من الإعلان، ويشتمل الدستور على ضمانات المساواة وعدم التمييزالواردة في المادة 2 من الإعلان، كما يؤكد على حرية الفكر والرأي والتعبير في المادة 65، وفقاً للمادة 19 من الإعلان، بالإضافة إلى العديد من النصوص الأخرى التي تضمن وتعزز حقوق الإنسان كما وردت في الإعلان العالمي.
كما تتجلى ثاني مواطن الخصوصية في عدم جواز تعديل النصوص الواردة في الدستور المتعلقة بمبادئ الحرية أو المساواة إلا بهدف المزيد من الضمانات، إذ أن تكامل وانسجام النصوص الدستورية يؤكدان على أن أي تعديل دستوري يشكل اعتداءً على مبادئ الحقوق والحريات الواردة في الدستور أو في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يُعد انحرافًا في استعمال سلطة التعديل، بالإضافة إلى كونه مخالفة صريحة لنصوص الدستور، وذلك من خلال تحقيق الانسجام والوحدة العضوية بين ديباجة ونصوص الدستور خاصة المواد 226 و227. حيث تنص الفقرة الاخيرة من المادة 226 على أنه “لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة… بمبادئ الحرية والمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات.” وما نصت عليه ديباجة الدستور من اتساق نصوص الدستور مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما نصت عليه المادة 227 من أن الدستور بديباجته وجميع نصوصه يشكل نسيجًا مترابطًا، وكلاً لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة، كما ذكرنا بداية.
هذا كله يدل بوضوح على أن مبادئ الحرية والمساواة تتمتع بحماية مطلقة، وأن أي تعديل يجب أن يهدف إلى تعزيز هذه الضمانات. وبالتالي، فإن الحظر لا يقتصر على مبادئ الحرية والمساواة في الدستور فقط، بل يمتد ليشمل مبادئ الحرية والمساواة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأخيرا ما جرت عليه المحكمة الدستورية العليا في أحكامها من تكريس مبادئ الحقوق والحريات، لا سيما التأكيد على بعض الحقوق والحريات الشخصية، من خلال الإشارة إلى ما تواترت عليه الوثائق الدستورية للدول الديمقراطية بصفة عامة، وما تضمنته المواثيق الدولية بصفة خاصة، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال أكدت المحكمة الدستورية على حق المواطنين في تكوين الجمعيات، وذلك بالرجوع إلى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذي يقرر حق كل شخص في الاشتراك في الجمعيات السلمية، ولا يجوز ارغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما، بقولها “وحيث إن المواثيق الدولية قد حفلت بالنص على حق المواطنين فى تكوين الجمعيات، ومن ذلك المادة (20) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان …” فضلا على استنادها لما نصت عليه المادة 75 من الدستور القائم من أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أســــــــــاس ديمقراطى، وتكـــــــون لها الشخصية الاعتبارية بمجـــــــرد الإخطـــــــار، وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخـــل فى شئونها أو حلهـــــــا أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى،…وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون”. (الطعن رقم 84 لسنة 39 قضائية “دستورية” يوم 2 فبراير سنة 2019م).
في الختام، يتضح أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد شكل نقطة تحول رئيسية في تاريخ حقوق الإنسان العالمية، والذي أثر بشكل كبير على صياغة الدستور المصري الحالي لعام 2014، حيث انعكست مبادئ الإعلان بوضوح في نصوص الدستور، ما جعلها جزءًا لا يتجزأ من البنية القانونية التي تضمن حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وعلى الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يعد ملزمًا من الناحية القانونية بنفس مرتبة المعاهدات الدولية المصدق عليها، إلا أنه يتمتع بقوة إرشادية وأخلاقية وسياسية كبيرة. ويمكن القول إن الدستور المصري الحالي قد أكسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قوة إلزامية من الناحية الضمنية.
وبالتالي، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبقى مرجعًا أساسيًا ومعيارًا عالميًا يتعين على الدول احترامه وتطبيقه، بما يعزز من السلام والعدالة وكرامة الإنسان في كافة أنحاء العالم.