حِمَايَةُ حُقُوقِ المِلْكِيَّةِ الفِكْرِيَّة كَضَمَانَةٍ لِحِمَايَةِ المُسْتَهْلِكِ
بقلم الدكتور/ فرج الخلفاوي
يتم حماية المستهلك بالنصوص الواردة في قوانين حماية المستهلك والمتمثلة في القانون المصري رقم 67 لسنة 2006 والمعدل بالقانون رقم 181لسنة 2018 الذي تم التأكيد فيه على ضرورة قيام الموردين والمعلنين بضمان مطابقة جميع المنتجات والخدمات المعروضة في عملية العرض للاستهلاك، وكذا توسيع مجال تطبيق إجراءات حماية المستهلك وقمع الغش طبقًا للقانون رقم 281 لسنة 1994 بشأن قمع التدليس والغش على جميع المنتجات والخدمات المعروضة في الأسواق، إضافة إلى إدراج الحماية للوقاية من الأخطار الناجمة عن وضع المنتجات التي تشكل خطرا في الأسواق.
إلا أن قانون حماية المستهلك رقم 181لسنة 2018 لم يكن كافيا بمفرده لحماية المستهلك، الأمر الذي استدعى النص في عدة قوانين على حمايته بالنظر إلى المكانة التي يحتلها المستهلك في الدورة الاقتصاديَّة باعتبار الشخص الذي يستقبل كل ما ينتجه وما يوزعه الموردون والمعلنون في الأسواق وهو الذي يتحمل عبء الاستهلاك والتضرر من مختلف المنتجات، سواء كانت سلعا أو خدمات . وهو ما يبرر وجود قوانين إلى جانب قوانين حماية المستهلك تتضمن حماية المستهلك، منها قوانين الملكيَّة الفكريَّة.
وبتفحص نصوص قوانين الملكيَّة الفكريَّة نجد في ثناياها النص على حماية المستهلك، ولو أن الهدف منها حماية أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة المتمثلين غالبًا في المنتجين الذين يعرضون مختلف حقوقهم الفكريَّة لغرض التواجد في الأسواق ، لاسيما حقوق الملكيَّة الصناعيَّة على غرار العلامات التجاريَّة وبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعيَّة.
فعند عرض تلك الحقوق في الأسواق واستخدامها في إنتاج وتوزيع مختلف السلع والخدمات وشراء المستهلك لتلك الحقوق؛ قد يتضرر منها. الأمرالذى استدعى بالضرورة أن تتضمن القوانين التي تحمي تلك الحقوق حماية المستهلك.
وعليه فإن القوانين التي تحمي أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة تحمي أيضًا شخص المستهلك، ويتمثل الارتباط بين المستهلك وأصحاب الحقوق من خلال اقتناء المستهلك واستهلاكه للسلع والخدمات التي يعرضها صاحب حق الملكيَّة الفكريَّة في الأسواق.
ويظهر من ذلك أن من مصلحة أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة (كمنتجين) أن يعملوا على التواجد في الأسواق ومد جذور الثقة بينه وبين المستهلك من خلال طبيعة المنتجات التي يجب أن يعرضها في السوق، من حيث: جودتها، ونوعها وكميتها، وسعرها.
فالمستهلك دائما يعتبر سلطانا في السوق، على أساس أن قراراته في الإنفاق هي التي تحدد طبيعة السلع والخدمات الواجب على الموردين والمعلنين إنتاجها ومن ثم بيعها.
فإذا نقص إنفاقه الاستهلاكي انخفضت الأسعار، وبالعكس إذا ارتفع إنفاقه الاستهلاكي ارتفعت الأسعار، وعليه فنجاح المنتجين في الأسواق يعتمد على إرضاء المستهلكين بإنتاج المنتجات التي يرغبون فيها وبيعها بأسعار أكثر تنافسية.
وباعتبار أن أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة هم الذين يسيطرون على الأسواق؛ فهم الملزمون بتقديم المنتجات بمختلف أنواعها وخصوصياتها بالتركيز على إنتاج أحسنها وأفضلها، ذلك ما تسعى إليها المنافسة؛ لذا فقد تم النص في مجمل قوانين حقوق الملكيَّة الفكريَّة على أن استخدام تلك الحقوق مرهون باحترام النظام العام وحماية المستهلك يدخل في هذا الإطار ضمن النظام العام الاقتصادي التي تتسم قواعده بالأمر والجزاء في حالة مخالفتها. على هذا الأساس فلا حماية لأصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة دون حماية المستهلك؛ لأن الأمر ينصب على حماية مصلحة الطرف الضعيف في السوق الأمر الذي فرضه النظام الاقتصادي الحر الذي تنتهجه الدولة، فأصبح من الضروري حماية الفئات الضعيفة في المجتمع من تعسف الفئات القوية.
– مظاهر حماية المستهلك بواسطة حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة :
تهدف قوانين حماية الملكيَّة الفكريَّة إلى حماية المستهلك ، ويستدعي ذلك إبراز مظاهر الحماية المقررة لهذا الأخير. وبتفحص قانون الملكيَّة الفكريَّة المصري رقم 82لسنة 2002المعني بحماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة سواء كانت حقوق الملكيَّة الصناعيَّة أو الملكيَّة الأدبيَّة والفنية- نجد أنها لا تنص صراحة على استفادة المستهلك من الحماية على عكس بعض القوانين التي تضمنت على ذلك، مثل قانون حماية المستهلك رقم 181لسنة 2018.
غير أن ذلك يمكن استنتاجه ضمنيا من خلال أهداف وضع هذه النصوص القانونيَّة من جهة والآثار المنتظرة من حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة من جهة أخرى. فنصوص قانون الملكيَّة الفكريَّة في مجملها – سواء تلك المتعلقة بحماية حقوق الملكيَّة الصناعيَّة أو حماية الملكيَّة الأدبيَّة- تهدف إلى حماية أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة من كل أشكال التعدي والقرصنة التي قد يتعرضون لها من قبل الغير والذي سيؤثر لا محالة ليس فقط على أصحاب الحقوق وإنما على شخص المستهلك بمعنى أن حقوق الملكيَّة الفكريَّة تمثل الأساس الذي يجري بموجبه تقاسم الإبداع، وتشجيع القدرة على الإبداع، وتعزيز شعور المستهلك بالثقة؛ ويمكن إظهار كيفية حماية المستهلك بواسطة حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة على النحو التالي :
أ- عدم استغلال حقوق الملكيَّة الفكريَّة لأغراض تجاريَّة مخالفة لقواعد المنافسة غير المشروعة :
تنص قوانين الملكيَّة الفكريَّة على أن أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة عند مطالبتهم بالحماية عليهم أن يتفادوا اللجوء إلى أساليب الغش والتحايل على القانون عند عرض مختلف منتجاتهم في الأسواق . ومن أبرز مظاهر هذا التحايل أسلوب الرفع والخفض من قيمة المنتجات التي تعرض في السوق والذي يشكل بالنسبة للمستهلك مساسا بقدرته الشرائية؛ لذا فإنه على أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة أن يعملوا بقصد الحفاظ على حقهم في حماية ملكيتهم الصناعيَّة بالعمل على تخفيض أسعار المنتجات المشمولة بالحماية حفاظا على القدرة الشرائية للمستهلك باعتبارها تمثل المصلحة الاقتصاديَّة له؛ لأن رفعها من الأسباب التي تشجع على الغش والقرصنة لتلك المنتجات والتي يتضرر منها بالأصل أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة ثم المستهلك وانتهاك للمنافسة المشروعة والحرة وللممارسات التجاريَّة النزيهة والشفافة.
أيضًا مطالبة أصحاب حقوق الملكيَّة الفكريَّة بحماية علاماتهم التجاريَّة أصلا هو التزام مسبق من قبلهم على احترام شخص المستهلك؛ لأن ذلك يشكل ضمانة لأن تكون المنتجات التي تستخدم بشأنها العلامات مطابقة لمعايير الجودة والنوعية والمواصفات وكذا معايير المطابقة التي تعتبر من أكبر الالتزامات التي تقع على عاتق المنتجين تجاه المستهلك والمقررة بموجب قانون حماية المستهلك رقم 181لسنة 2018.
ب- العمل على التقليل من كل أشكال التضليل :
ينص قانون حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة رقم 82 لسنة 2002 على أن من بين شروط حماية بعض حقوق الملكيَّة الفكريَّة عدم لجوء صاحب الحق الفكري إلى استخدام أساليب التضليل والتَّقليد للمنتجات؛ لأن لذلك أثرا مباشرا على المستهلك، فعلى سبيل المثال تنص) المادة 67الفقرة 8) من قانون حماية الملكيَّة الفكريَّة رقم 82لسنة 2002 على أنه” لا يسجل كعلامة تجاريَّة أو كعنصر منها ما يلي: ……
(8- العلامة والمؤشرات الجغرافية التي من شأنها أن تضلل الجمهور أو تحدث لبسا لديه أو التي تتضمن بيانات كاذبة عن مصدر المنتجات من السلع أو الخدمات أو عن صفاتها الأخرى، وكذلك العلامات التي تحتوى على بيان اسم تجاري وهمى أو مقلد أو مزور) .
فاستخدام هذا الأسلوب يؤدي إلى جعل المستهلك يختار سلعة معينة على غير تلك المقصودة نتيجة وجود علامة معروفة ومشهورة ونجد نفس المعنى مقررا في المادة الثانيةمن القانون رقم 82لسنة 2002 بنصه على أنه لا يمكن أن تمنح براءات الاختراع للاختراعات التي تمس الأمن القومي أو تخل بالنظام العام أو الآداب العامة.
وتضيف الفقرة الثالثة من المادة نفسها أنه لا يمكن منح براءات الاختراع للاختراعات التي تستغل في مصر إذا كانت تضر بصحة وحياة الأشخاص .
كما نجد أن المادة 24 من نفس القانون تنص على إمكانية تدخل الوزارة المختصة لمنح تراخيص إجبارية لبعض براءات الاختراع ، كما منحت المادة 25 من القانون رقم 82 لسنة 2002 نزع ملكيَّة براءة الاختراع لأسباب تتعلق بالأمن القومي وفي حالات الضرورة، ومنها إذا كان فيه فائدة الصحة العامة والتغذية العامة خاصة بالنسبة للمواد الصيدلانية التي تثبت ارتفاع أسعارها في السوق بالمقارنة مع أسعارها الحقيقية.
كما نص أيضًا القانون رقم 82لسنة 2002 في المادة 52 على جواز منح تراخيص إجبارية باستخدام تصميم تخطيطي محمي وفقًا لأحكام الترخيص الإجباري لبراءات الاختراع والمنصوص عليها في المادتين (23و24) من القانون والذي يدخل في إطار حماية النظام العام الاقتصادي بما فيه حماية المستهلك.
وعلى هذا المنوال فإن قوانين حقوق الملكيَّة الفكريَّة تهدف إلى حماية صاحب الحق الفكري ، ولذلك أثره على المستهلك بمعنى أنه:
– إذا كانت العلامات تهدف إلى تميز مؤسسة معينة من خلال اسمها التِّجاري أو أية إشارة وجعلها مؤسسة تعرض سلعا وخدمات معينة، فذلك له أثر على المستهلك من حيث السماح له باختيار المؤسسة التي يرغب في التعامل معها وانتقاء أجود السلع التي تشكل له وقاية وحماية له.
– إذا كانت المؤشرات الجغرافية تهدف إلى حماية السلع القادمة من منطقة جغرافية معينة، فذلك يسمح للمستهلك باختيار السلعة التي يراها مناسبة له اعتمادًا على مصدرها.
– إذا كان قانون براءات الاختراع يعمل على حماية صاحب الاختراع؛ فالنتيجة هي تعدد تلك الاختراعات وجعل المستهلك يختار أحسنها، ومنع سياسة الاحتكار.