حماية حقوق صورة لاعب كرة القدم في التشريع المصري
بقلم: مايكل بسادة أديب انيس – المحامي بالنقض والإدارية العليا
1- مقدمة:
في عالم كرة القدم سريع التغير، باتت حقوق صورة اللاعبين تحظى بأهمية متزايدة، إذ تشكل عنصرًا جوهريًا لقيمتهم التجارية.
على مر العقود الماضية، شهدنا تزايدًا ملحوظًا في القيمة التجارية لصور لاعبي كرة القدم المشهورين. إذ لا تقتصر أهمية اللاعبين على مهاراتهم داخل الملعب، بل تتجاوزها لتشمل قدرتهم على جذب الجماهير والرعاة والشركات الراغبة في استثمار صورهم في الحملات الإعلانية والتسويقية.
يُثير هذا التطور القانوني عدة تساؤلات:
ما هي الحقوق التي يملكها اللاعب على صورته؟
كيف تختلف هذه الحقوق عن حقوق الملكية الفكرية الأخرى مثل العلامات التجارية وبراءات الاختراع؟
ما هي الإجراءات القانونية المتاحة للاعبين لحماية حقوق صورتهم من الاستخدام غير المصرح به؟
2- الإشكالية:
- هل يكفي حصول رابطات اللاعبين على موافقة جماعية لاستخدام صور وأسماء اللاعبين في ألعاب الفيديو الرياضية؟
- ما هي حقوق الصورة التي يملكها لاعب كرة القدم؟
- كيف يمكن للاعبي كرة القدم حماية حقوق صورتهم تجاريا؟
- كيف يؤثر التشريع الوطني على حقوق صورة اللاعبين مقارنة بالاتفاقيات الجماعية مع رابطات اللاعبين؟
4- قضية حارس المرمي الألماني أوليفر خان ضد شركة Electronic Arts
تُعد قضية حارس المرمى الألماني الشهير أوليفر خان ضد شركة Electronic Arts (EA) واحدة من القضايا المهمة التي تناولت حقوق صورة لاعبي كرة القدم في مجال ألعاب الفيديو الرياضية.
وقائع القضية:
قامت شركة EA بإدراج صورة وأسم حارس المرمى أوليفر خان في إحدى ألعاب كرة القدم الرسمية على الكمبيوتر التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) دون الحصول على موافقته الشخصية. رفع أوليفر خان دعوى قضائية ضد الشركة، مدعيًا انتهاك حقوق صورته.
موقف شركة EA:
ادّعت شركة EA بأنها حصلت على موافقة جماعية من رابطتي اللاعبين المحلية (VdV) والدولية (FIFPro) لاستخدام صور وأسماء اللاعبين في ألعاب الفيديو.
حكم المحكمة:
حكمت المحكمة لصالح أوليفر خان ، معللة ذلك بأن موافقة رابطتي اللاعبين لا تكفي لاستخدام صورتهم وأسمائهم بشكل تجاري. يمتلك كل لاعب الحق الفردي في السيطرة على استخدام صورته لأغراض تجارية، بما في ذلك ألعاب الفيديو.
أهمية القضية:
تُعد هذه القضية سابقة قانونية مهمة في مجال حقوق صورة لاعبي كرة القدم. لقد أكدت المحكمة على أن موافقة رابطات اللاعبين لا تحل محل موافقة اللاعب الفردية لاستخدام صورته بشكل تجاري. كما أوضحت القضية التداخل بين حقوق الملكية الفكرية، تحديدًا حقوق الصورة، وقانون الرياضة.
تحليل القضية من منظور تفاعل الملكية الفكرية وقانون الرياضة:
تُبرز هذه القضية التحديات التي تنشأ عند تقاطع مجالين قانونيين: الملكية الفكرية وقانون الرياضة. فمن ناحية، تُعتبر صورة اللاعب ملكية فكرية شخصية له يحق له السيطرة عليها. من ناحية أخرى، تبرم رابطات اللاعبين اتفاقيات جماعية مع الاتحادات الرياضية وشركات الألعاب، وقد تتضمن هذه الاتفاقيات حقوق استخدام صور اللاعبين.
دروس مستفادة:
تُقدم هذه القضية عدة دروس مهمة للاعبين وشركات الألعاب على حد سواء:
- ضرورة موافقة اللاعب الفردية: على شركات الألعاب الحصول على موافقة فردية من كل لاعب على استخدام صورته في ألعاب الفيديو.
- دور رابطات اللاعبين: يجب أن تعمل رابطات اللاعبين على التفاوض على عقود تُراعي مصالح اللاعبين فيما يتعلق باستخدام صورهم تجاريًا.
- أهمية التشريعات الواضحة: تساهم التشريعات القانونية الواضحة في تنظيم استخدام حقوق صورة اللاعبين في إطار ألعاب الفيديو والأنشطة التجارية الأخرى.
5- تعريف حقوق الصورة للاعب كرة القدم وأنواعها.
لفهم حقوق صورة لاعبي كرة القدم، يجدر بنا أولًا تعريف “حقوق الصورة” بشكل عام. حقوق الصورة هي أحد فروع الملكية الفكرية، وتمنح الفرد الحق في السيطرة على استغلال صورته لأغراض تجارية أو إعلانية. ينطبق هذا المفهوم على لاعبي كرة القدم، حيث يمتلك كل لاعب الحق في التحكم في كيفية استخدام صورته، بما في ذلك:
- صورة اللاعب نفسه: تشمل هذه الصورة ملامح الوجه والجسد والتعابير الجسدية.
- الزي الرسمي: ترتبط صورة اللاعب عادة بالزي الرسمي للفريق الذي يلعب له، وقد يمتلك اللاعب حقوقًا إضافية تتعلق باستخدام صورته بالزي الرسمي.
- الاسم واللقب: يُعتبر اسم اللاعب ولقبه من عناصر حقوق صورته، حيث يملك اللاعب الحق في التحكم في استخدامهما لأغراض تجارية.
- أسلوب اللعب والمهارات: في بعض الحالات، قد تعتبر طريقة لعب اللاعب أو مهاراته الفريدة جزءًا من حقوق صورته، خاصةً إذا كانت مرتبطة بشكل وثيق بشخصيته.
- الحماية القانونية لحقوق صورة لاعب كرة القدم في التشريع المصري
أ. حق الصورة كفرع من الحق في الحياة الخاصة:
يكفل الدستور المصري (المادة 57) حق الحياة الخاصة، ويمكن تفسير ذلك ليشمل حماية صورة الشخص. فلاعب كرة القدم له الحق في السيطرة على استخدام صورته، ومنع استخدامها دون موافقته.
ب. حق الملكية الفكرية:
نصت المادة 178 من قانون الملكية الفكرية المصري رقم 82 لسنة 2002 على انه ” لا يحق لمن قام بعمل صورة لآخر أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصلها أو نسخاً منها دون إذنه أو إذن من في الصورة جميعاً ما لم يتفق على خلافه. ومع ذلك يجوز نشر الصورة بمناسبة حوادث وقعت علناً أو إذا كانت الصورة تتعلق بأشخاص ذوي صفة رسمية أو عامة أو يتمتعون بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام، وبشرط ألا يترتب على عرض الصورة أو تداولها في هذه الحالة مساس بشرف الشخص أو بسمعته أو اعتباره. ، ويجوز للشخص الذي تمثله الصورة أن يأذن بنشرها في الصحف وغيرها من وسائل النشر حتى ولو لم يسمح بذلك المصور ما لم يتفق على غير ذلك ، وتسرى هذه الأحكام على الصور أياً كانت الطريقة التي عُملت بها من رسم أو حفر أو أية وسيلة أخرى. ”
ج. محكمة النقض المصرية :-
مفاد نص المادة 178 من قانون حمايه الملكية الفكرية رقم 82 لسنه 2002 يدل على ان من عمل او التقط اي صوره لشخص اخر باي شكل من الاشكال أيا كانت الطريقة التي عملت بها سواء كانت فوتوغرافيه او متحركة فلا يجوز له نشر اصلها او توزيعها او عرضها او اي نسخ منها دون اذن من التقطت له الصورة و استثنى المشرع من هذه حاله واحده وهي اذا كانت ما عملت او التقطت له هذه الصورة هو شخص ذو صفه رسميه او عامه او يتمتع بشهر محليه او عالميه او سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمه لصالح العام وبشرط الا يترتب على عرض هذه الصورة في هذه الحالة الأخيرة اي مساس بشرف هذا الشخص او بسماعته او باعتباره.
اذا لم يأذن من التقطت له الصورة للمصور بنشر اصل هذه الصورة او عرضها او توزيعها او اي نسخ منها فلا يحق له ذلك فان قام على الرغم من عدم وجود هذا الاذن بنشرها او عرضها او توزيعها فانه يكون قد ارتكب خطا في حق من التقطت له هذه الصورة فاذا ما اثبت الاخير انها قد اصابه من جراء هذا الخطأ اضرار ماديه او ادبيه فان من التقط الصورة في هذه الحالة يلزم بان يؤدي له التعويض الجابر لهذه الاضرار على النحو الذي تقدره المحكمة وذلك توافر عناصر المسؤولية التقصيرية المجابه للتعويض في جانبه اخزن بمجارها عليه نص المادة 163 من القانون المدني
(الطعن رقم 9542 لسنة 91 القضائية – جلسة 16 من مارس سنة 2022 )
د. عقود الرعاية والاتحاد المصري لكرة القدم:
عقود الرعاية التي يبرمها اللاعب مع الشركات الراعية قد تتضمن بنودًا تنظم استخدام صورة اللاعب في الحملات الإعلانية أو التسويقية. كذلك، قد يلعب الاتحاد المصري لكرة القدم دورًا في حماية حقوق صورة اللاعبين من خلال اللوائح والأنظمة التي يضعها.
7- دور رابطات اللاعبين (مثل VdV و FIFPro) في إدارة حقوق صور اللاعبين.
لعبت رابطات اللاعبين المحلية والدولية دورًا متناميًا في إدارة حقوق صور لاعبي كرة القدم. وتعد رابطتا VdV الألمانية و FIFPro الدولية من الأمثلة البارزة على هذه الرابطات.
مهام رابطات اللاعبين:
تتولى رابطات اللاعبين عدة مهام فيما يتعلق بحقوق صور اللاعبين، منها:
- المفاوضة الجماعية: تتفاوض الرابطات مع الاتحادات الرياضية والهيئات التجارية حول شروط استخدام صور اللاعبين في المنتجات التجارية، مثل بطاقات التداول أو ألعاب الفيديو. تسعى هذه المفاوضات إلى ضمان حصول اللاعبين على تعويض عادل مقابل استخدام صورهم.
- التوعية القانونية: تعمل الرابطات على توعية اللاعبين بحقوقهم المتعلقة بالصورة، وتقدم لهم المشورة القانونية حول كيفية التفاوض على عقود الرعاية الشخصية، وكيفية حماية أنفسهم من الاستغلال التجاري.
- إدارة حقوق الملكية الفكرية الجماعية: في بعض الحالات، تدير رابطات اللاعبين حقوق الملكية الفكرية للاعبين بشكل جماعي. على سبيل المثال، قد تبرم الرابطة اتفاقية مع شركة ألعاب فيديو لاستخدام صور جميع اللاعبين الموجودين تحت لوائها مقابل مبلغ مالي محدد يتم توزيعه على اللاعبين.
- حل النزاعات: يمكن لرابطات اللاعبين مساعدة اللاعبين في حل النزاعات المتعلقة بانتهاكات حقوق الصورة، وذلك عن طريق الوساطة أو التمثيل القانوني أمام المحاكم.
تحديات واعتبارات:
رغم الدور الإيجابي لرابطات اللاعبين، تواجه بعض التحديات:
- تباين مصالح اللاعبين: قد لا تتطابق مصالح جميع اللاعبين الموجودين تحت لواء الرابطة. فمثلًا، قد يكون اللاعبون المشهورون أكثر اهتمامًا بالتفاوض على عقود رعاية شخصية مجزية، بينما قد يفضل اللاعبون الأقل شهرة الحصول على تعويض أفضل مقابل استخدام صورهم في المنتجات التجارية الجماعية.
- قوة التفاوض: تختلف قوة تفاوض رابطات اللاعبين حسب مدى اتحاد اللاعبين وتنظيمهم. فكلما زاد عدد اللاعبين الموجودين تحت لواء الرابطة، زادت قدرتها على التفاوض مع الجهات التجارية والرياضية.
- الاختلافات القانونية الدولية: تختلف القوانين المنظمة لحقوق الصورة من دولة إلى أخرى. لذلك، تواجه رابطات اللاعبين صعوبة في إدارة حقوق صور اللاعبين الذين يلعبون في دوريات مختلفة أو يشاركون في حملات تجارية دولية.
8- تحليل مدى صلاحية اتفاقيات رابطات اللاعبين الجماعية في منح حقوق استخدام صور اللاعبين
تلعب رابطات اللاعبين مثل VdV و FIFPro دورًا هامًا في حماية حقوق لاعبي كرة القدم، بما في ذلك حقوق صورتهم. تُبرم هذه الرابطات اتفاقيات جماعية مع الأندية والاتحادات الرياضية وشركات رعاية اللاعبين، تحدد شروط استخدام صور اللاعبين في مختلف المجالات.
مسألة صلاحية اتفاقيات رابطات اللاعبين:
تثار تساؤلات حول مدى صلاحية اتفاقيات رابطات اللاعبين الجماعية في منح حقوق استخدام صور اللاعبين. نناقش فيما يلي بعض النقاط المهمة:
- موافقة اللاعبين الفردية:
يُجادل البعض بأن موافقة اللاعبين الفردية ضرورية دائمًا لمنح حقوق استخدام صورهم، حتى لو كانت هناك اتفاقية جماعية مع رابطة اللاعبين. يُستند هذا الرأي إلى مبدأ “الحق في الصورة” الذي يمنح لكل شخص الحق في التحكم في استخدام صورته.
- نطاق الاتفاقيات الجماعية:
تحدد اتفاقيات رابطات اللاعبين عادةً نطاق استخدام صور اللاعبين، مثل استخدامها في الإعلانات أو البث التلفزيوني أو ألعاب الفيديو. لكن قد لا تغطي هذه الاتفاقيات جميع الاستخدامات المحتملة لصور اللاعبين. في هذه الحالات، قد يحتاج اللاعب إلى الموافقة بشكل منفصل على استخدام صورته في استخدامات محددة.
- تعارض المصالح:
تُثار مخاوف بشأن احتمال وجود تعارض في المصالح بين رابطات اللاعبين وشركات رعاية اللاعبين. فقد تُبرم رابطات اللاعبين اتفاقيات مع شركات الرعاية تمنحها حقوقًا واسعة في استخدام صور اللاعبين، دون الحصول على موافقة كافية من اللاعبين أنفسهم.
- اختلاف القوانين الوطنية:
تختلف قوانين حماية حقوق الصورة من دولة إلى أخرى. قد لا تتوافق اتفاقيات رابطات اللاعبين الجماعية مع قوانين بلد محدد، مما قد يجعل هذه الاتفاقيات غير قابلة للتنفيذ في بعض الحالات.