حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٨ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٨ لسنة ١٥ دستورية
– – – ١ – – –
البين من القرار رقم ٢٥٥ لسنه ١٩٨٢ بشأن التأمين على عمال المقاولات أن مادته الأولى تنص على سريان أحكامه على عمال المقاولات الموضحة مهنهم فى الجدول رقم “١” المرافق، اللذين يرتبط عملهم بعمليات المقاولات أيا كانت مدة العمل .
وتنص مادته الثالثة على أن يكون حساب الأجور التى يتم على أساسها حساب حصة صاحب العمل فى اشتراكات التامين الاجتماعى فى عمليات المقاولات التى تسرى فى شأنها أحكام هذا القرار، على أساس نسبة مئوية تتحدد وفقا للجدول رقم “٣” المرافق من القيمة الإجمالية لمجموع العمليات المختلفة الداخلة فى المقاولة، بعد استبعاد قيمة المعدات والتوريدات المصنعة بالكامل، أو سابقة التجهيز، التى تمثل جزءا من مكونات وأصول المشروع محل المقاولة وتكلفة الخبرة الأجنبية .
وتقضى مادته الرابعة، بأن يتعمد فى تحديد القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة، على الترخيص الصادر من الجهات المختصة، أو العقد، أو أمر التشغيل، أو المقايسات المعتمدة بحسب الأحوال، وتراجع هذه القيمة على ختامى الأعمال .
– – – ٢ – – –
تنص الفقرة الثالثة من المادة ١٢٥ من قانون التأمين الاجتماعية، على أنه [مع عدم الإخلال بالحد الأدنى لأجر الاشتراك الأساس، يكون لوزير التامينات الاجتماعية بقرار يصدرة بناء على اقتراح مجلس الإدارة، ان يحدد أجر الاشتراك بالنسبة لبعض فئات المؤمن عليهم، وطريقة حساب هذا الأجر، وطريقة حساب الاشتراكات، تاريخ بدء انتفاعهم بنظام المكافأة ] وإذ كان القرار رقم ٢٥٥ لسنه ١٩٨٢ _ المطعون فيه _ قد صدر عن الوزير المختص تنفيذا لأحكام هذه المادة وذلك بتفصيل ما ورد إجمالا بها ليس فيه تعديل او تعطيل لها، أو إعفاء من تنفيذها _ فإن هذا القرار يكون تنظيما لائحيا صدر فى الحدود التى رسمتها المادة ١٤٤ من الدستور فى شأن اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين .
– – – ٣ – – –
يدل استقراء المادتين الثالثة والرابعة من القرار رقم ٢٥٥ لسنه ١٩٨٢ المطعون فيه _ على ارتباطهما ببعض ارتباطهما ببعض ارتباطا لا يقبل التجزئة، وذلك أنهما تفصلان القواعد القانونية التى يتحدد على ضوئها أجر العمالة التى تتخذ أساسا لحساب حصة رب العمل فى اشتراكات التامين الاجتماعى، فى شأن المقاولات التى أخضعها هذا القرار لأحكامه . إذا كان ذلك، وكان جوهر الطعن الماثل، بتناول هذه القواعد ذاتها ويتوخى هدمها ، فغن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى تتوافر من خلال الطعن عليها ، ذلك أن تقرير صحتها أو بطلانها يؤثر بالضرورة فى النزاع الموضوعى القائم على عدم استحقاق الهيئة القومية للتأمين الاجماعى لحصة المقاول التى اقتضتها منه جبرا وفقا لأحكام القرار رقم ٢٥٥ لسنه ١٩٨٢ المشار إليه .
– – – ٤ – – –
إلغاء القرار المطعون فيه، بمقتضى القرار رقم ٧٤ لسنه ١٩٨٤ فى شأن التأمين على عمال المقاولات والمحاجر والملاحات، لا يحول
دون الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليه خلال فترة نفاذه ترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بأبطالها مصلحته الشخصية المباشرة . ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة هو سريانها على الوقائع التى تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها، فإذا حلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها . وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من هاتين القاعدتين، فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية الملغاه من المراكز القانونية، وجرت آثارها فترة نفاذها ، يظل خاضعا لحكمها وحدها .
– – – ٥ – – –
يتحدد نطاق الطعن بعدم الدستورية، بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع وإذا كان هذا الدفع قد تعلق بالمادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه، فإن موضوع الدعوى الماثلة يتحدد بالفصل فى دستوريتهما، دون غيرهما من الأحكام التى انتظمها هذا القرار .
– – – ٦ – – –
عمال المقاولات يخضعون غالبا لشروط رب العمل مهما ظهر من حيفها وهو يقبلونها عادة لضمان قوتهم باعتبار ان هذه العلاقات لا تحكمها مساواه اقتصادية تتوازن من خلالها الحقوق بين أطرافها .
ويزداد الأمر دقة، مع وجود فائض فى العمالة يكون فيه عرضها مجاوزا طلبها، وكذلك فى غيبة تنظيم نقابى يناضل من أجل حقوق العمال المنضمين إليه هذا فضلا عن أن المقاولين يقدرون _ فى الأعم من الأحوال _ ان مصلحتهم ينافيها أن يقيموا للهيئة التى تقوم على شئون التأمين لاجتماعى ، بيانا دقيقا بتكلفة العمل التى تعد أحد عناصر الانتاج ، باعتبار أن ذلك يزيد من حصتهم التى يؤدونها إليها _ وهى تمثل بطبيعتها أعباء مالية يعنيهم تجنبها والتحايل على التخلص منها _ سواء من خلال خفضهم لأعداد عمالهم ، أو الهبوط بأجورهم إلى أدنى حد ممكن ، او بإخفاء حقائق بدء وانتهاء عملهم ، او بكل هذه العناصر جميعا ، مما يناقض حقيقة اوضاعهم ، ويحول دون انتفاعهم بالخدمات التأمينية التى كان يجب تقديمها إليهم ، سواء فى أصلها أو نوعها أو مها . وهو ما يخل بمصالحهم التى سعى القرار المطعون فيه إلى كفالتها .
ولم يكن أمام المشرع ، إزاء هذا التجهيل والتحايل ، وانتفاء الوسائل العملية التى يتمكن من ضبط اوضاع هؤلاء العمال ، وتتبعهم وحصر بياناتهم بالدقة اللازمة ، إلا أن يتدخل من خلال تقرير بعض الأسس الموضوعية التى تتحدد على ضوئها – وبصورة واقعية قدر الإمكان – الحصة التى يلتزم المقاول – بصفته ربا للعمل _ بتقديمها إلى الهيئة التى ترعى شئون العمال فى مجال التامين الاجتماعى . ويدخل ذلك بطبيعة الحال فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، باعتبار أن جوهر هذا السلطة ، إنما يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة ، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم .
– – – ٧ – – –
البين من القرار المطعون فيه ، ان حصص المقاولين التى تمثل نصيبهم فى التأمين الاجتماعى _ باعتبارهم أربابا للعمل _ غنما تتحدد على ضوء القيمة الكلية لأجور عمالهم . وإذا كان من المتعذر معرفة هذه القيمة بما لا خفاء فيه ، وذلك بالنظر إلى تنصل أغلب المقاولين منها ، وحرصهم على طمسها ببيانات صورية ن أو يخالطها التدليس توصلا لإسقاط التزاماتهم القانونية أو خفضها ، فقد تعين أن يرد المشرع عليهم سعيهم . ولم يكن أمامه من سبيل إلا أن يلجأ إلى معيار مرن لضبط هذه الأجور ، فاعتد بالقيمة الإجمالية لمجموع العمليات المختلفة الداخلة فى المقاولة، كى يستخلص جزاء منها يعبر بصورة واقعية عن الحد الأدنى لأجورالعمال الذين قاموا بتنفيذ العمال التى تتطلبها المقاولة . وتلك هى النسبة المئوية التى حددها المشرع وفقا للجدول رقم “٣” المرفق بالقرار المطعون فيه وقرر استقطاعها من القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة باعتبار أن حصيلتها تعكس الأجور الفعلية للعمالة المتخذة أساسا لحساب حصص أرباب العمل فى التامين الاجتماعى .
وواقعية هذا التقدير للقيمة الإجمالية لأجور العمالة، يثبتها انتفاء الدليل على المغالاة فيها وتؤكدها ثلاثة أمور :
أولها : أن القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة لا تتحدد جزافا، بل وفق أسس موضوعية تتمثل فى الوثائق الكاشفة عنها، وهى الترخيص الصادر عن الجهات المختصة أو العقد أو أمر التشغيل أو المقايسات المتعمدة على أن تتم مراجعتها جميعا على ضوء ختامى العمال، كى لا يدخل فيها إلا ما تم تنفيذه فعلا منها .
ثانيها : ان القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة، لا يعتد بها على إطلاقها فى مجال تحديد النسبة المئوية المستقطعة منها كحد أدنى لأجور العمالة بل تستبعد من هذه القيمة تلك العمليات التى لا دخل للقوة العاملة فى إحداثها أو تكوينها، كقيمة المعدات والتوريدات المصنعة بالكامل، أو سابقة التجهيز التى تمثل جزءا من عناصر وأصول المشروع محل المقاولة، وكذلك تكلفة الخبرة الجنبية .
ثالثها : أن الفصل فى النزاع حول حقيقة العمليات التى يثور بشأنها خلاف بين المقاولين والهيئة القومية للتامين الاجتماعى، موكول إلى اللجنة الفنية للمقاولات المنصوص عليها فى المادة ٢٠ من القرار المطعون فيه . ومن المفترض أن تمحص هذه اللجنة الأسس التى قام عليها تقدير تلك العمليات، وأن تصدر قرارها فى شأنها بعد تجليتها . ولكل مقاول أن يطعن فى هذا القرار أمام القضاء سواء من زاوية العناصر الواقعية أو الضوابط القانونية التى أستخلصها أو طبقها .
– – – ٨ – – –
تقدير حصص المقاولين فى اعباء التأمين الاجتماعى وفقا لنص المادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه _ وهما مدار الطعن وجوهرة _ مبناه قاعدة موضوعية أقامها المشرع على ما يقع غالبا فى الحياة العملية ن لينقلب بها ما هو راجح عملا إلى حقائق ثابته لا يجوز إطراحها فى حالة بذاتها . وذلك إن المشرع وغن اعتد فى صوغ القاعدة الموضوعية بما يكون واقعا فى اكثر الأحوال واعمها ، إلا أن هذه القاعدة تستغرق علتها ن فلا تجوز معارضتها بها بعد اندماجها فيها واختفائها ، بما مؤداه أن المشرع يتقدم بتلك القاعدة مجردة عن سببها ، وليس لها بالتالى أن تعود إلى الظهور من خلال التدليل على تخلفها فى حالة بذاتها .
وبذلك تفارق القواعد الموضوعية، القرائن التى ينشئها المشرع بمناسبة وقائع بذاتها إعفاء من إثباتها، ذلك أن القرائن القانونية _ قاطعة كانت ام غير قاطعة وإن كان مبناها ما يقع فى اكثر الأحوال وأغلبها، مثلما هو الشأن فى القواعد الموضوعية، إلا أن القواعد جميعها _ حتى ما كان منها قاطعا _ يجوز دحضها بالإقرار واليمين باعتبار ان علتها تلازمها ولا تفارقها ، بل تقوم إلى جوارها . إذا كان ذلك ، وكانت المعايير التى اعتنقتها المادتان الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه، لتحديد حصص المقاولين فى أعباء التامين الاجتماعى، لا شأن لها بالقرائن القانونية، بل مرجعها إلى قاعدة موضوعية مستعصية على الجدل، ولا يناقض مضمونها حكما فى الدستور، فإن هذه المعايير تظل مع مرونتها، مؤكدة لقاعدة ثابته لا يجوز هدمها، ولو قام الدليل على تخلفها فى حالة بذاتها .
– – – ٩ – – –
القرار المطعون فيه ، ليس فيه ما يفيد بأن العمال المشمولين بأحكامه خاضعون لتأمين من نوع آخر، بل على نقيض ذلك ، تؤكد المادة ١٥ من هذا القرار عدم سريان أحكامه على العمليات الخاصة بالتصنيع والتركيب إذا كانت تتم بالكامل بعمالة دائمة مؤمن عليها . كذلك فإن خضوع هؤلاء العمال لنظامين تأمينيين فى آن واحد ، مؤاده _ وبفرض صحته _ أن هذين النظامين قد تزاحما على محل واحد، لتعلقهما بعين الأشخاص المؤمن عليهم . وهو ما يعنى إمكان التعارض بين أحكامهما دون أن ينحل هذا التعارض إلى مخالفة دستورية . ذلك أن الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية ، مبناها تناقضها أو أتفاقها مع أحكام الدستور، وليس لها من صلة بالتعارض بين التشريعات الأصلية والفرعية ولا بالتعارض فيما بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة .
– – – ١٠ – – –
إن الدستور، وإن حرص فى المادة ١٧ منه على دعم التامين الاجتماعى حين ناط بالدولة مد خدماتها فى هذا المجال إلى المواطنين فى الحدود التى يبينها القانون، وذلك من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى _ التى يحدد المشرع نطاقها _ هى التى تكفل بمداها واقعا أفضل يؤمن المواطن فى غده، وينهض بموجبات التضامن الأجتماعى التى يقوم عليها المجتمع وفقا لنص المادة ٧ من الدستور، بما مؤداه أن المزايا التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهم عند تقاعدهم، أو عجز، او مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم .
– – – ١١ – – –
أحكام القرار رقم ٢٥٥ لسنه ١٩٨٢ المشار إليه ليس فيها ما يدل على أن الحصص التى يقدمها المقاولون إلى يقدمها المقاولون القومية للتأمين الاجتماعى ولا تقابلها مزايا تأمينية تعود فائدتها على عمالهم . ذلك أن المادتين ٨ و١١ من القرار المطعون فيه تلتزمان المؤمن عليه، ان يقوم بأداء حصته فى التأمين الاجتماعى فى الحدود وطبقا للأوضاع المقررة قانونا وأن يقدم كذلك بطاقة التامين الأجتماعى إلى الهيئة القومية للتامين الاجتماعى ” لاقتضاء الحقوق المترتبة فى ذمتها ” . إذ كان ذلك وكان الفصل الثالث من ذلك القرار، قد بين من جهة أخرى إجراءات تحصيل الاشتراكات المستحقة على صاحب العمل، فإن إسهامه مع المؤمن عليه فى أعباء التأمين، يوفر لثانيهما الحقوق التأمينية المقررة قانونا، من خلال تهيئة مصادر تمويلها . ومن ثم لا تتمحض الحصص التى يؤديها المقاولون إلى الهيئة القومية للتأمين الإجتماعى من مزية لها وتعود إليها غلتها بل هى إسهام من قبلهم فى أعباء التأمين الاجتماعى بوصفها بديلا عن التزاماتهم القانونية بتعويض العمال وضمان مكافآتهم كلما تحقق الخطر المؤمن منه باعتباره مناط الواقعة المنشئة لحقوقهم التامينية، سواء كان ذلك أثناء الخدمة أو بعد انتهائها ولئن كان نظام التامين الاجتماعى ممولا فى أغلب عناصره من العمال وأرباب العمل إلا أن حق المؤمن عليه فى الحصول من الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى على كامل المزايا التأمينية المقررة قانونا يظل ثابتا ولو نكل أرباب العمل عن الوفاء بالتزاماتهم قبلها، أو تراخو فى التقييد بها .
– – – ١٢ – – –
حصص المقاولين _ وقد ثبت من نصوص القرار المطعون فيه، تمويلها لبعض موارد التأمين الأجتماعى، وارتباطها بالتالى بالمزايا التأمينية التى يحصل عمالهم عليها _ فإنها تنفصل قانونا عن مفهوم الضريبة سواء أكانت ضريبة عامة أم ضريبة محلية . ذلك أن الضريبة _ التى لا يجوز فرضها إلا بقانون أو فى الحدود التى بينتها _ قوامها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا من الملتزمين بأدائها، دون أن يقابلها نفع خاص من وراء الوفاء بها .
ويؤيد ذلك أن الحصص التى تتقضيها الدولة من المقاولين، هى واسطتها لإيفاء الحقوق التامينية المقررة قانونا لعمالهم، سواء كان ذلك أثناء خدمتهم كالتعويض عن إصابتهم طبيا، أم كان بعد انتهائها كتعويض الدفعة الواحدة . ولئن صح القول بأن حصة العامل فى التأمين الاجتماعى مردودها إليه، باعتبار أن فائدتها تعود مباشرة عليه فإن من الصحيح كذلك ان الحصة التى يقدمها رب العمل إسهاما من جهته فى هذا التامين من خلال تمويل بعض أعبائه ولا يقدمها تفضلا، بل لأن ثمرتها تئول إليه بطريق غير مباشر باعتبار أن غايتها النهائية هى أن تمتد مظلة التامين الاجتماعى إلى هؤلاء الذين قدموا خدماتهم إليه خلال رابطة العمل بما يدفعهم إلى التقاضى فيه، القيام به على الوجه الكمل ومن ثم تمثل هذه الحصة جانبا من وعاء توجهه الدولة – التى تقوم فى التأمين الأجتماعى بدور المؤمن _ إلى المشمولين بأحكامه، لضمان انتفاعهم بالحقوق التأمينية فى الحدود التى يبينها القانون، لتفارق بذلك الضريبة سواء فى أساسها أو دوافعها، ولتكون _ فى مفهومها وغايتها _ أدخل إلى النظم التى تقيم التعاون بين المؤمن عليهم على أسس دقيقة، تتوخى مواجهة المخاطر التى يتعرضون لها، واتقاء أضرارها من خلال توزيعها أو تشتيتها وهى فى نطاق الطعن الماثل مخاطر لا يجوز إعفاء المقاول من بعض تبعاتها، بل يكون تحملهم بها قبل عمالهم، ولازما قانونا باعتباره أكفل لأمنهم وادعى لاستقرارهم .
حيث إن الوقائع على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٥٥ لسنة ١٩٨٧ مدنى كلى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى طالباً الحكم برد المبالغ التى كانت قد اقتضتها منه جبراً تنفيذاً لأحكام قرار وزير الشئون الاجتماعية رقم ٢٥٥ لسنة ١٩٨٢ فى شأن التأمين على عمال المقاولات ٠ ثم دفع أمام هذه المحكمة بعدم دستورية هذا القرار ٠ وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع ، فقد أجلت الفصل فى الدعوى الموضوعية المقامة أمامها إلى أن يتخذ المدعى إجراءات الطعن بعدم دستورية ذلك القرار ، فأقام الدعوى الماثلة ٠ وحيث إن المدعى ينعى على القرار المشار إليه مخالفته للمادتين ١٧ و ١١٩ من الدستور من وجهين ٠ أولهما : أن ذلك القرار يعتد بالقيمة الإجمالية لعقد المقاولة فى حساب اشتراكات التأمين الاجتماعى التى يؤديها صاحب العمل إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى ، بمامؤداه احتسابها بطريقة جزافية لاترتبط البته بوجود عمالة حقيقية مما يبقيها عائداً خالصاً للهيئة ، فلا يتوقف تحصيلها على الخدمات التأمينية التى تقابلها ، ولا يعتد فى اقتضائها بعدد العمال أو مدد خدمتهم ، وماإذا كانوا يستظلون تأمينياً بنظام آخر ، وهو مايناقض نص المادة ١٧ من الدستورالتى يرتبط التأمين الاجتماعى وفقا لأحكامها بالخدمات الفعليه التى يبسطها على المنتفعين بها ٠ ثانيهما : أن الاشتراكات التى تقتضيها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى طبقا لأحكام ذلك القرار ، تقدر بطريقة جزافية ، إذ يتحدد وعاؤها فى شكل نسبة مئوية من القيمة الإجمالية للعمليات موضوع المقاولة ، ولاتوجه حصيلتها إلى أداء أية خدمات تأمينية للعمالة المصرية ، بل غايتها إنماء موارد الدولة لتغلب عليها خصائص الجباية ٠ ومن ثم تنحل إلى ضريبة فرضها القرار المطعون فيه على عقد المقاولة بالمخالفة لحكم المادة ١١٩ من الدستور ، التى تقضى بأن إنشاء الضريبة لايكون إلا بقانون يبين أساسها ، وسعرها ، وكيفية التعامل بشأنها ٠ وحيث إن البين من القرار رقم ٢٥٥ لسنة ١٩٨٢ بشأن التأمين على عمال المقاولات أن مادته الأولى تنص على سريان أحكامه على عمال المقاولات الموضحة مهنهم فى الجدول رقم ( ١ ) المرافق الذين يرتبط عملهم بعمليات المقاولات أيا كانت مدة العمل ٠ وتنص مادته الثالثة على أن يكون حساب الأجور التى يتم على أساسها حساب حصة صاحب العمل فى اشتراكات التأمين الاجتماعى فى عمليات المقاولات التى تسرى فى شأنها أحكام هذا القرار على أساس نسبة مئوية تتحدد وفقا للجدول رقم ( ٣ ) المرافق من القيمة الإجمالية لمجموع العمليات المختلفة الداخلة فى المقاولة بعد استبعاد قيمة المعدات والتوريدات المصنعة بالكامل أو سابقة التجهيز التى تمثل جزءاً من مكونات وأصول المشروع محل المقاولة وتكلفة الخبرة الأجنبية ٠ وتقضى مادته الرابعة بأن يعتمد فى تحديد القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة على الترخيص الصادر من الجهات المختصة ، أو العقد ، أو أمر التشغيل ، أوالمقايسات المعتمدة بحسب الأحوال ٠ وتراجع هذه القيمة على ختامى الأعمال ٠ وعملاً بمادته الثانية عشرة ، يتعين على كل مقاول إخطار مكتب الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى الذى يقع فى دائرته محل المقاولة عن كل مقاولة يقوم بتنفيذها قبل البدء فى التنفيذ ، وكذلك عن كل تغيير يطرأ على حجم المقاولة ٠ كما عقد هذا القرار للجنة الفنية للمقاولات التى شكلتها مادته العشرون ، إختصاص الفصل فى المسائل التى حددتها مادته الحادية والعشرون ، ويندرج تحتها البت فى العمليات التى يثور بشأنها خلاف بين الهيئة وأصحاب الشأن ٠ وحيث إن الفقرة الثالثة من الماده ١٢٥ من قانون التأمين الاجتماعى تنص على أنه << مع عدم الإخلال بالحد الأدنى لأجر الاشتراك الأساسى ، يكون لوزير التأمينات الاجتماعية بقرار يصدره بناء على اقتراح مجلس الإدارة أن يحدد أجر الاشتراك بالنسبة لبعض فئات المؤمن عليهم ، وطريقة حساب هذا الأجر ، وطريقة حساب الاشتراكات ، وتاريخ بدء انتفاعهم بنظام المكافأة >> ، وكان القرار رقم ٢٥٥ لسنة ١٩٨٢ قد صدر عن الوزير المختص تنفيذاً لأحكام هذه المادة ، ذلك بتفصيل ماورد إجمالا بها بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها ، أوإعفاء من تنفيذها ، فإن هذا القرار يكون تنظيماً لائحياً صدر فى الحدود التى رسمتها المادة ١٤٤ من الدستور فى شأن اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين ٠ وحيث إن استقراء المادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه ، يدل على ارتباطهما ببعض ارتباطاً لايقبل التجزئة ، ذلك أنهما تفصلان القواعد القانونية التى يتحدد على ضوئها أجر العمالة التى تتخذ أساساً لحساب حصة رب العمل فى اشتراكات التأمين الاجتماعى فى شأن المقاولات التى أخضعها هذا القرار لأحكامه ٠ إذ كان ذلك ، وكان جوهر الطعن الماثل يتناول هذه القواعد ذاتها ويتوخى هدمها ، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى تتوافر من خلال الطعن عليها ، ذلك أن تقرير صحتها أو بطلانها يؤثر بالضرورة فى النزاع الموضوعى القائم على عدم استحقاق الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لحصة المقاول التى اقتضتها جبراً عنه وفقا لأحكام القرار رقم ٢٥٥ لسنة ١٩٨٢ المطعون فيه . ولاينال مما تقدم أن يكون هذا القرار قد ألغى بمقتضى القرار رقم ٧٤ لسنة ١٩٨٤ فى شأن التأمين على عمال المقاولات والمحاجر والملاحات ، ذلك أن إلغاء النص المطعون عليه وعلى ماجرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا لايحول دون الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليه خلال فترة نفاذه ، وترتبت بمقتضاه آثارقانونية بالنسبة إليه ، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك إن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التى تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها، فإذا حلت محلها قاعدة قانونية أخرى ، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من هاتين القاعدتين، فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية الملغاه من المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها ، يظل خاضعاً لحكمها وحدها ٠ وحيث إن نطاق الطعن بعدم الدستورية يتحدد بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع ، وكان هذا الدفع قد تعلق بالمادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه ، فإن موضوع الدعوى الماثلة يتحدد بالفصل فى دستوريتهما دون غيرهما من الأحكام التى انتظمها هذا القرار ٠ وحيث إن المدعى وإن نعى على المادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه مخالفتهما للمادتين ١٧ و ١١٩ من الدستور ، إلا أن هذين الوجهين من نعيه متداخلان ، إذ يجمعهما أساس واحد يتحصل فى أن الاشتراكات التى تقتضيها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى من المقاولين لاتقدر وفق الأجورالفعلية لعمالهم ، بل على أساس نسبة معينة من القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة بعد استبعاد بعص العناصر منها ٠ وليس ذلك من وجهة نظر المدعى إلا تقديراً تحكمياً جزافياً لايقوم على أسس واقعية ، وينحل كذلك إلى ضريبة تم فرضها بغير قانون يبين أسسها وأحكامها باعتبار أن النصين المطعون عليهما لايتوخيان غير مجرد إنماء موارد الدولة ، وأن خصائص الجباية هى الغالبة عليهما ، ولأن حصيلة الاشتراكات التى تقتضيها الهيئة من المقاولين تعود عليها وحدها ، فلا تقابلها خدمات تأمينية تؤديها لمن يعملون لديهم ، حال أن التأمين الاجتماعى لايعدو أن يكون خدمة تلتزم الدولة بكفالتها ٠ وحيث إن هذا النعى بوجهيه مردود أولاً : بأن عمال المقاولات يخضعون غالبا لشروط رب العمل مهما ظهر من حيفها ، وهم يقبلونها عادة لضمان قوتهم باعتبار أن هذه العلاقات لاتحكمها مساواة اقتصادية تتوازن من خلالها الحقوق بين أطرافها ٠ ويزداد الأمر دقة مع وجود فائض فى العمالة يكون فيه عرضها مجاوزاً طلبها ، وكذلك فى غيبة تنظيم نقابى يناضل من أجل حقوق العمال المنضمين إليه ٠ هذا فضلاً عن أن المقاولين يقدرون فى الأعم من الأحوال أن مصلحتهم ينافيها أن يقدموا للهيئة التى تقوم على شئون التأمين الاجتماعى بياناً دقيقاً بتكلفة العمل التى تعد أحد عناصر الانتاج ، باعتبار أن ذلك يزيد من حصتهم التى يؤدونها إلى هذه الهيئة وهى تمثل بطبيعتها أعباء مالية يعنيهم تجنبها ، والتحايل على التخلص منها سواء من خلال خفضهم لأعداد عمالهم، أوالهبوط بأجورهم إلى أدنى حد ممكن وإخفاء حقائق بدء وانتهاء عملهم ، مما يناقض حقيقة أوضاعهم ، ويحول دون انتفاعهم بالخدمات التأمينية التى كان يجب تقديمها إليهم سواء فى أصلها أو نوعها أوكمها ،وهو مايخل بمصالحهم التى سعى القرار المطعون فيه إلى كفالتها٠ ولم يكن أمام المشرع إزاء هذا التجهيل والتحايل ، وانتفاء الوسائل العملية التى يتمكن معها من ضبط أوضاع هؤلاء العمال ، وتتبعهم ، وحصر بياناتهم بالدقة اللازمة ، إلا أن يتدخل من خلال تقرير بعض الأسس الموضوعية التى تتحدد على ضوئها وبصورة واقعية قدر الأمكان الحصة التى يلتزم المقاول بصفته ربا للعمل بتقديمها إلى الهيئة التى ترعى شئون العمال فى مجال التأمين الاجتماعى ٠ ويدخل ذلك بطبيعة الحال فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، باعتبار أن جوهر هذه السلطة إنما يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار مايقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة ، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم ٠ يؤيد ذلك أن البين من القرار المطعون فيه ، أن حصص المقاولين التى تمثل نصيبهم فى التأمين الاجتماعى باعتبارهم أرباباً للعمل إنما تتحدد على ضوء القيمة الكلية لأجور عمالهم ٠ وإذ كان من المتعذر معرفة هذه القيمة بما لاخفاء فيه ، وذلك بالنظر إلى تنصل أغلب المقاولين منها ، وحرصهم على طمسها ببيانات صورية أو يخالطها التدليس ، توصلاً لإسقاط التزاماتهم القانونية أوخفضها ، فقد تعين أن يرد المشرع عليهم سعيهم ٠ ولم يكن أمامه من سبيل إلا أن يلجأ إلى معيار مرن ضبطا من جهته لهذه الأجور ، فاعتد بالقيمة الإجمالية لمجموع العمليات المختلفة الداخلة فى المقاولة كى يستخلص جزءاً منها يعبر بصورة واقعية عن الحد الأدنى لأجور العمال الذين قاموا بتنفيذ الأعمال التى تتطلبها المقاولة وتلك هى النسبة المئوية التى حددها المشرع وفقاً للجدول رقم ( ٣ ) المرفق بالقرار المطعون فيه ، وقرر استقطاعها من القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة باعتبار أن حصيلتها تعكس الأجور الفعلية للعمالة المتخذة أساساً لحساب حصص أرباب العمل فى التأمين الاجتماعى ٠ وواقعية هذا التقدير للقيمة الإجمالية لأجور العمالة ، يثبتها انتفاء الدليل على المغالاة فيها ، وتؤكدها ثلاثة أمور : أولها : أن القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة لاتتحدد اعتباطاً ، بل وفق أسس موضوعية تتمثل فى الوثائق الكاشفة عنها ، وهى الترخيص الصادر عن الجهات المختصة أوالعقد أو أمر التشغيل أو المقايسات المعتمدة ، على أن تتم مراجعتها جميعاً على ضوء ختامى الأعمال كى لايدخل فيها إلا ماتم تنفيده فعلاً منها ٠ ثانيها : أن القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة لايعتد بها على إطلاقها فى مجال تحديد النسبة المئوية المستقطعة منها كحد أدنى لأجور العمالة ، بل تستبعد من هذه القيمة تلك العمليات التى لادخل للقوة العاملة فى إحداثها أو تكوينها ، كقيمة المعدات والتوريدات المصنعة بالكامل أوسابقة التجهيز التى تمثل جزءاً من عناصر وأصول المشروع محل المقاولة وكذلك تكلفة الخبرة الأجنبية ٠ ثالثها : أن الفصل فى النزاع حول حقيقة العمليات التى يثور بشأنها خلاف بين المقاولين والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى موكول إلى اللجنة الفنية للمقاولات المنصوص عليها فى المادة ٢٠ من القرار المطعون فيه ٠ ومن المفترض أن تمحص هذه اللجنة الأسس التى قام عليها تقدير تلك العمليات ، وأن تصدر قرارها فى شأنها بعد تجليتها ٠ ولكل مقاول أن يطعن فى هذا القرار أمام القضاء سواء من زاوية العناصر الواقعية أوالضوابط القانونية التى استخلصها أو طبقها ٠ ومردود ثانياً : بأن تقدير حصص المقاولين فى أعباء التأمين الاجتماعى وفقاً لنص المادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه وهما مدار الطعن وجوهره مبناه قاعدة موضوعية أقامها المشرع على مايقع غالباً فى الحياة العملية ، لينقلب بها ماهو راجح عملاً إلى حقائق ثابتة لايجوز اطراحها فى حالة بذاتها ٠ ذلك إن المشرع وإن اعتد فى صوغ القاعدة الموضوعية بما يكون واقعاً فى أكثر الأحوال وأعمها ، إلا أن هذه القاعدة تستغرق علتها فلا تجوز معارضتها بها بعد اندماجها فيها واختفائها ، بما مؤداه أن المشرع يتقدم بتلك القاعدة مجردة عن سببها ، وليس لها بالتالى أن تعود إلى الظهور من خلال التدليل على تخلفها فى حالة بذاتها ٠ وبذلك تفارق القواعد الموضوعية القرائن القانونية التى ينشئها المشرع بمناسبة وقائع بذاتها إعفاء من إثباتها ، ذلك أن القرائن القانونية قاطعة كانت أم غير قاطعة وان كان مبناها مايقع فى أكثر الأحوال وأغلبها مثلما هو الشأن فى القواعد الموضوعية إلا أن القرائن جميعها حتى ماكان منها قاطعاً يجوز دحضها بالإقرار واليمين ، باعتبار أن علتها تلازمها ولاتفارقها ، بل تقوم إلى جوارها ٠ إذ كان ذلك ، وكانت المعايير التى اعتنقتها المادتان الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه لتحديد حصص المقاولين فى أعباء التأمين الاجتماعى ، لا شأن لها بالقرائن القانونية ، بل مرجعها إلى قاعدة موضوعية مستعصية على الجدل ، ولايناقض مضمونها حكماً فى الدستور ، فإن هذه المعايير تظل مع مرونتها ، مؤكدة لقاعدة ثابتة لايجوز هدمها ، ولو قام الدليل على تخلفها فى حالة بذاتها ٠ ومردود ثالثاً : بأن القرار المطعون فيه ليس فيه مايفيد بأن العمال المشمولين بأحكامه خاضعون لتأمين من نوع أخر ، بل على نقيض ذلك تؤكد المادة ١٥ من هذا القرار عدم سريان أحكامه على العمليات الخاصة بالتصنيع والتركيب إذا كانت تتم بالكامل بعمالة دائمة مؤمن عليها ٠ كذلك فإن ادعاء خضوع هؤلاء العمال لنظامين تأمينيين فى آن واحد ، مؤداه وبفرض صحته أن هذين النظامين قد تزاحما على محل واحد لتعلقهما بعين الأشخاص المؤمن عليهم ، وهو مايعنى إمكان التعارض بين أحكامهما دون أن ينحل هذا التعارض إلى مخالفة دستورية ، ذلك أن الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية ، مبناها تناقضها أو اتفاقها مع أحكام الدستور ، وليس لها من صلة بالتعارض بين التشريعات الأصلية والفرعية ، ولا بالتعارض فيما بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة ٠ ومردود رابعاً : بأن الدستور وإن حرص فى المادة ١٧ منه على دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة مد خدماتها فى هذا المجال إلى المواطنين فى الحدود التى يبينها القانون ، وذلك من خلال تقرير مايعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أوشيخوختهم ، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى التى يحدد المشرع نطاقها هى التى تكفل بمداها واقعا أفضل يؤمن المواطن فى غده ، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع وفقا لنص المادة ٧ من الدستور ، بما مؤداه أن المزايا التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ماهى ضرورة اقتصادية ، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم ، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم ٠ ومردود خامساً : بأن نصوص القرار رقم ٢٥٥ لسنة ١٩٨٢ المشار اليه ، ليس فيها مايدل على أن الحصص التى يقدمها المقاولون إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لاتقابلها مزايا تأمينية تعود فائدتها على عمالهم ، بل على نقيض ذلك تلزم المادة ٥ من هذا القرار كل واحد منهم بأن يتقدم إلى مكتب الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى الذى يقع فى مجال اختصاصه محل إقامته ، بطلب الإشتراك فى نظام التأمين المقرر بمقتضى أحكامه ٠ وعلى الهيئة وفقا للمادة ٧ منه أن توفر لكل مؤمن عليه بطاقة تأمين يُعمل بها لمدة سنة ويُعطى عند انتهاء مدتها بطاقة آخرى مماثلة ٠ وعملا بالمادتين ٨ ، ١١ من ذلك القرار يتعين على المؤمن عليه أن يقوم بأداء حصته فى التأمين الاجتماعى فى الحدود وطبقاً للأوضاع المقررة قانونا ، وأن يقدم كذلك بطاقة التأمين الاجتماعى إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لاقتضاء الحقوق المترتبة فى ذمتها ٠ إذ كان ذلك ٠ وكان الفصل الثالث من ذلك القرار ، قد بين من جهة أخرى إجراءات تحصيل الاشتراكات المستحقة على صاحب العمل ، فإن إسهامه مع المؤمن عليه فى أعباء التأمين ، يوفر لثانيهما الحقوق التأمينية المقررة قانونا ، من خلال تهيئة مصادر تمويلها ٠ ومن ثم لا تتمحض الحصص التى يؤديها المقاولون إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى عن مزية لها، تنفرد بها ، وتعود إليها غلتها ، بل هى إسهام من قبلهم فى أعباء التأمين الاجتماعى بوصفها بديلاً عن التزاماتهم القانونية بتعويض العمال ومكافآتهم كلما تحقق الخطر المؤمن منه باعتباره مناط الواقعة المنشئة لحقوقهم التأمينية سواء أثناء الخدمة أو بعد إنتهائها ٠ ومردود سادساً : بأن نظام التأمين الاجتماعى ، وإن كان ممولاً فى أغلب عناصره من العمال وأرباب العمل ، إلا أن حق المؤمن عليه فى الحصول من الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى على كاملِ المزايا التأمينية المقررة قانوناً ، يظل ثابتا ، ولو نكل أرباب العمل عن الوفاء بالتزاماتهم قِبلها ، أوتراخوا فى التقيد بها ٠ ومردود سابعا : بأن حصص المقاولين – وقد ثبت من نصوص القرار المطعون فيه ، تمويلها لبعض موارد التأمين الاجتماعى ، وارتباطها بالتالى بالمزايا التأمينية التى يحصل عمالهم عليها باعتبار أنها تمثل جانبا منها – فإنها تنفصل قانوناً عن مفهوم الضريبة سواء أكانت ضريبة عامة أم ضريبة محلية ٠ ذلك أن الضريبة التى لايجوز فرضها إلا بقانون أو فى الحدود التى يبينها قوامها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من الملتزمين بأدائها ، دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء الوفاء بها ٠ ولا كذلك الحصص التى تقتضيها الدولة من المقاولين ، إذ هى واسطتها لإيفاء الحقوق التأمينية المقررة قانونا لعمالهم ، سواء كان ذلك أثناء خدمتهم كالتعويض عن إصابتهم ورعايتهم طبياً ، أم كان بعد انتهائها كتعويض الدفعة الواحدة ٠ ولئن صح القول بأن حصة العامل فى التأمين الاجتماعى مردودها إليه ، باعتبار أن فائدتها تعود مباشرة عليه ، فإن من الصحيح كذلك أن الحصة التى يقدمها رب العمل إسهاما من جهته فى هذا التأمين تمويلاً لبعض أعبائه ، لاتعتبر تفضلاً منه ، بل تؤول ثمرتها إليه بطريق غير مباشر باعتبار أن غايتها النهائية هى أن تمتد مظلة التأمين الاجتماعى إلى هؤلاء الذين قدموا خدماتهم إليه من خلال رابطة العمل ، بما يدفعهم إلى التفانى فيه ، والقيام به على الوجه الأكمل ٠ ومن ثم تمثل هذه الحصة جانبا من وعاء توجهه الدولة – التى تقوم فى التأمين الاجتماعى بدور المؤمن – إلى المشمولين بأحكامه لضمان انتفاعهم بالحقوق التأمينية فى الحدود التى يبينها القانون ، لتفارق بذلك الضريبة سواء فى أساسها أو دوافعها ، ولتكون – فى مفهومها وغايتها – أدخل إلى النظم التى تقيم التعاون بين المؤمن عليهم على أسس دقيقة تتوخى مواجهة المخاطر التى يتعرضون لها ، واتقاء أضرارها من خلال توزيعها أوتشتيتها ٠ وهى فى نطاق الطعن الماثل مخاطر لايجوز إعفاء المقاول من بعض تبعاتها ، بل يكون تحملهم بها قبل عمالهم لازماً قانوناً باعتباره أكفل لأمنهم وادعى لاستقرارهم ٠ وحيث إنه متى كان ذلك ، وكان النصان المطعون فيهما لايتعارضان مع حكم فى الدستور من أوجه أخرى ٠ فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماة ٠