حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧٨ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧٨ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٣ – ٠٢ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية نص المادة الأولي من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
ليس لازماً ــ فى مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع ــ أن تتخذ فيه قراراً صريحاً يكون قاطعاً بما إتجهت إليه عقيدتها ، بل يكفيها أن يكون قرارها فى هذا الشأن ضمنياً مستفاداً من عيون الأوراق ، ومن ذلك تعليقها الفصل فى النزاع الموضوعى على ما يفيد رفع الدعوى الدستورية فى شأن النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها ، إذ لو كان ما طرح عليها فى شأن مناعيها لا يستقيم عندها عقلاً ، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعى حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا ، لغواً .

– – – ٢ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ مناطها أن يتوافر ثمة إرتباط بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه ، قد مايز ــ فى مجال تحديد الأجرة ــ بين الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى ، وغيرها من الأماكن التى ألحق المشرع الإسكان الفاخر بها ، وكانت الشخصية والمباشرة للمدعى تنحصر فى إبطال هذا التمييز ، لإخضاع الأماكن المؤجرة جميعها ــ التى يتعلق بها مجال تطبيق هذا القانون ــ لقواعد محددة تطبقها لجان تحديد الأجرة ، وتقرر على ضوئها أجرة أقل للعين التى يشغلها ، فإن دعواه الدستورية تتقيد بهذا النطاق ، وبه يتحدد موضوعها .

– – – ٣ – – –
القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية ، كثيراً ما تتناول الانتفاع بالأعيان المؤجرة التى قدر أن تزايد الطلب عليها مع قلة المعروض منها يقتضى إحاطتها بتدابير إستثنائية خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإجارة ، مستهدفاً بها على الأخص الحد من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة ، وإعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة . ولئن جاز القول بأن هذه التدابير الاستثنائية التى فرضها المشرع لمواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها ، قد آل أمرها إلى إعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها ، مع تعلقها بالنظام العام لإبطال كل إتفاق على خلافها ، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها ، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطاً بالضرورة التى أملتها بوصفها باعثها وإطارها . وما كان لسريانها بالتالى أن ينفصل عن مبرراتها ، ولا أن يجاوز مداها قدر هذه الضرورة ، وإلا إعتبر إقرارها فيما وراءها منافياً لنص المادتين ٣٢ و ٣٤ من الدستور اللتين تكفلان صون الملكية الخاصة ــ لا تدمير أصلها أو بعض عناصرها ــ ولا تتسامحان فيها يفرض عليها من القيود عدا تلك التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وبافتراض نأيها عن الإستغلال .

– – – ٤ – – –
الأصل فى النصوص القانونية التى إقتضتها الضرورة أن يكون إعمالها مشروطاً بتوافر موجباتها ، وبقدرها . ولا يجوز بالتالى أن تعتبر التدابير الاستثنائية التى تدخل بها المشرع فى مجال العلائق الإيجارية ــ من أجل ضبطها ــ حلاً نهائياً ودائماً لمشكلاتها ، فلا يتحول المشرع عنها ، بل عليه أن يعيد النظر فيها ، وأن يعدل عنها عند زوال مبرراتها ، وأن تخلى هذه التدابير عندئذ مكانها لحرية التعاقد بوصفها الحرية الأصل فى العقود جميعها . وكلما قدر المشرع إنهاء التدابير الاستثنائية التى كان قد فرضها فى شأن الأعيان المؤجرة ، دل ذلك على أن شروط التعاقد لتأجيرها أضحت عملاً إتفاقياً يكفى لإنعقاده أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتيهما مع تطابقهما .

– – – ٥ – – –
القوانين الاستثنائية التى درج المشرع على التدخل بها لتقدير أجرة الأماكن التى حددتها ، غايتها أن يكون هذا التقدير محدداً وفق ضوابط ومعايير لا تجوز مخالفتها ، بل يكون تطبيقها لازماً فى مجال سريان القانون الذى أوجبها ، وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ السابق الإشارة إليه ، هو ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى ــ وإعتباراً من تاريخ العمل بأحكامه ــ على ٧% من قيمة الأرض والبناء ، وكان ذلك مؤداه أن تتولى لجان تقدير الأجرة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من هذا القانون ، إختصاصها فى مجال تحديد مبلغها ، وفقاً للأسس والمعايير التى ضبطها المشرع بها ، وكان لا إختصاص لهذه اللجان بتقدير أجرة أماكن أعدها أصحابها لغير أغراض السكنى ، ولا أجرة مساكن يعتبر مستواها فاخراً بالنظر إلى موقعها ومكوناتها وأعمال تشطيبها ، وغير ذلك من مواصفاتها التى حددتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير التعمير رقم ٧٦٦ لسنة ١٩٨١ ، وإلا وقع قرارها بتقدير الأجرة باطلاً بطلاناً مطلقاً لخروجها عن حدود ولايتها ، وكان المدعى قد توخى بدعواه ، إرجاع قيود إستثنائية قدر المشرع فى نطاق تطبيق هذا القانون ، إنهاءها لمجاوزتها قدر الضرورة الاجتماعية التى تطلبتها ، وكان لا يتصور أن يكون إستلاب الناس أموالهم حقاً لأحد ، ولا أن تقدر الضرورة بعيداً عن حقائقها ، وكان النص المطعون فيه يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها بعد أن إختل التوازن بين أطرافها إختلالاً جسيماً ، وغدا تنظيمها منافياً لطبيعتها ، متغولاً حدود التضامن الاجتماعى التى كفلتها المادة ٧ من الدستور ، وقوامها وحدة الجماعة فى بنيانها ، وتداخل مصالحها لا تصادمها ، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها ، وإتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيراً ، فلا يتفرقون بدداً ، وكان النص المطعون فيه ــ وفيما يتعلق بالأماكن التى أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن فى الأحكام الصادرة بشأنها ــ إنما يرد الحقوق لأصحابها ، ويقيم ميزانها عدلاً وإنصافاً ، فإن إدعاء مخالفته للدستور ــ وقد تغيا هذه الأغراض ، وإنتظم المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لا تمييز فيها بين فئاتهم ــ يكون لغواً .

– – – ٦ – – –
القوانين الاستثنائية التى درج المشرع على التدخل بها لتقدير أجرة الأماكن التى حددتها ، غايتها أن يكون هذا التقدير محدداً وفق ضوابط ومعايير لا تجوز مخالفتها ، بل يكون تطبيقها لازماً فى مجال سريان القانون الذى أوجبها ، وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ السابق الإشارة إليه ، هو ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى ــ وإعتباراً من تاريخ العمل بأحكامه ــ على ٧% من قيمة الأرض والبناء ، وكان ذلك مؤداه أن تتولى لجان تقدير الأجرة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من هذا القانون ، إختصاصها فى مجال تحديد مبلغها ، وفقاً للأسس والمعايير التى ضبطها المشرع بها ، وكان لا إختصاص لهذه اللجان بتقدير أجرة أماكن أعدها أصحابها لغير أغراض السكنى ، ولا أجرة مساكن يعتبر مستواها فاخراً بالنظر إلى موقعها ومكوناتها وأعمال تشطيبها ، وغير ذلك من مواصفاتها التى حددتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير التعمير رقم ٧٦٦ لسنة ١٩٨١ ، وإلا وقع قرارها بتقدير الأجرة باطلاً بطلاناً مطلقاً لخروجها عن حدود ولايتها ، وكان المدعى قد توخى بدعواه ، إرجاع قيود إستثنائية قدر المشرع فى نطاق تطبيق هذا القانون ، إنهاءها لمجاوزتها قدر الضرورة الاجتماعية التى تطلبتها ، وكان لا يتصور أن يكون إستلاب الناس أموالهم حقاً لأحد ، ولا أن تقدر الضرورة بعيداً عن حقائقها ، وكان النص المطعون فيه يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها بعد أن إختل التوازن بين أطرافها إختلالاً جسيماً ، وغدا تنظيمها منافياً لطبيعتها ، متغولاً حدود التضامن الاجتماعى التى كفلتها المادة ٧ من الدستور ، وقوامها وحدة الجماعة فى بنيانها ، وتداخل مصالحها لا تصادمها ، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها ، وإتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيراً ، فلا يتفرقون بدداً ، وكان النص المطعون فيه ــ وفيما يتعلق بالأماكن التى أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن فى الأحكام الصادرة بشأنها ــ إنما يرد الحقوق لأصحابها ، ويقيم ميزانها عدلاً وإنصافاً ، فإن إدعاء مخالفته للدستور ــ وقد تغيا هذه الأغراض ، وإنتظم المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لا تمييز فيها بين فئاتهم ــ يكون لغواً .

– – – ٧ – – –
القوانين الاستثنائية التى درج المشرع على التدخل بها لتقدير أجرة الأماكن التى حددتها ، غايتها أن يكون هذا التقدير محدداً وفق ضوابط ومعايير لا تجوز مخالفتها ، بل يكون تطبيقها لازماً فى مجال سريان القانون الذى أوجبها ، وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ السابق الإشارة إليه ، هو ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى ــ وإعتباراً من تاريخ العمل بأحكامه ــ على ٧% من قيمة الأرض والبناء ، وكان ذلك مؤداه أن تتولى لجان تقدير الأجرة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من هذا القانون ، إختصاصها فى مجال تحديد مبلغها ، وفقاً للأسس والمعايير التى ضبطها المشرع بها ، وكان لا إختصاص لهذه اللجان بتقدير أجرة أماكن أعدها أصحابها لغير أغراض السكنى ، ولا أجرة مساكن يعتبر مستواها فاخراً بالنظر إلى موقعها ومكوناتها وأعمال تشطيبها ، وغير ذلك من مواصفاتها التى حددتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير التعمير رقم ٧٦٦ لسنة ١٩٨١ ، وإلا وقع قرارها بتقدير الأجرة باطلاً بطلاناً مطلقاً لخروجها عن حدود ولايتها ، وكان المدعى قد توخى بدعواه ، إرجاع قيود إستثنائية قدر المشرع فى نطاق تطبيق هذا القانون ، إنهاءها لمجاوزتها قدر الضرورة الاجتماعية التى تطلبتها ، وكان لا يتصور أن يكون إستلاب الناس أموالهم حقاً لأحد ، ولا أن تقدر الضرورة بعيداً عن حقائقها ، وكان النص المطعون فيه يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها بعد أن إختل التوازن بين أطرافها إختلالاً جسيماً ، وغدا تنظيمها منافياً لطبيعتها ، متغولاً حدود التضامن الاجتماعى التى كفلتها المادة ٧ من الدستور ، وقوامها وحدة الجماعة فى بنيانها ، وتداخل مصالحها لا تصادمها ، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها ، وإتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيراً ، فلا يتفرقون بدداً ، وكان النص المطعون فيه ــ وفيما يتعلق بالأماكن التى أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن فى الأحكام الصادرة بشأنها ــ إنما يرد الحقوق لأصحابها ، ويقيم ميزانها عدلاً وإنصافاً ، فإن إدعاء مخالفته للدستور ــ وقد تغيا هذه الأغراض ، وإنتظم المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لا تمييز فيها بين فئاتهم ــ يكون لغواً .

– – – ٨ – – –
اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون (قانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١) – وفي مجال تطبيق أحكامه – لم يعد الحق في تقدير أجرة الأماكن التي خصصها أصحابها لغير أغراض السكنى، مقيداً بقواعد آمرة لا تجوز مخالفتها، بل صار أمر تحديد مبلغها عائداً إلى طرفي العلاقة الإيجارية يدخلان فيها بإرادتيهما، ويقرران معاً شروطها ومن بينها مقدار الأجرة. ويعتبر هذا الإتفاق بالتالي شريعتهما التي لا يجوز أصلاً نقضها أو تعديلها – وعملاً بنص المادة ١٤٧ من القانون المدني – إلا بتراضيهما. ويظل هذا الإتفاق منتجاً لآثاره إلى أن يزول وجوده قانوناً سواء بالإنقضاء أو الإنحلال أو الإبطال. ولكل ذي شأن فيه حق التداعي فيما نشأ عنه من الحقوق، دون قيود مالية أو عوائق إجرائية تنال من محتواه، لا إخلال – من ثم – بحق التقاضي.

[الطعن رقم ٧٨ – لسنــة ١٧ ق – تاريخ الجلسة ٠١ / ٠٢ / ١٩٩٧ – مكتب فني ٨ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٣٢٤ – تم رفض هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد استأجر من المدعى عليه الثالث عينا لاستعمالها مكتبا للمحاماة بأجرة شهرية قدرها مائة جنيه وعشرة تؤدى مقدما أول كل شهر. وإزاء تأخره فى إيفائها، فقد أنذره المؤجر بدفعها، ثم أقام ضده الدعوى رقم ١٠٦٠٨ لسنة ١٩٩٣ أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلائه من العين. وأثناء نظر هذه الدعوى، أقام المستأجر دعواه الفرعية رقم ٤٩ لسنة ١٩٩٤ أمام المحكمة ذاتها طالبا الحكم بخفض الأجرة المقدرة عن المكان المؤجر إلى عشرين جنيها إلى أن تحدد لجان التقدير أجرتها، مستندا فى ذلك إلى أن العقار منشأ قبل عام ١٩٥٤ ويعامل بالتالى – فى مجال تحديد الأجرة – وفقا لأحكام القانون ٤٩ لسنة ١٩٧٧ دون أحكام القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ الصادرين كليهما فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، إذ يعمل بهذا القانون الأخير في شأن الأماكن المرخص فى إقامتها اعتبارا من تاريخ نفاذه فى ٣١ / ٧ / ١٩٨١. وبجلستها المقعودة فى ١٦ / ٢ / ١٩٩٤، قررت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضم الدعوى الثانية إلى الأولى للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، ثم قضت بجلستها المعقودة فى ٣٠ / ٣ / ١٩٩٤ – وقبل الفصل فى الدعوى الفرعية – بندب خبير لتحديد الأجرة القانونية للعين والقانون الواجب التطبيق فى شأنها . وإذ أودع الخبير تقريره منتهيا فيه إلى أن المكان المؤجر أقيم فى ظل العمل بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١المشار إليه، فقد دفع المدعى فى الدعوى الفرعية – المستأجر – بعدم دستورية هذا القانون، فأرجأت محكمة الموضوع الفصل فى النزاع الموضوعى إلى أن يقدم مايدل على رفع دعواه الدستورية، فأقامها. وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الدستورية بعدم قبولها، مستندة فى ذلك إلى وجهين، أولهما: أن تأجيل الفصل فى النزاع الموضوعى إلى أن يقدم المدعى مايفيد الطعن بعدم الدستورية، لايعتبر تصريحا منها برفعها . ثانيهما : أن المدعى لم يبين ما إذا كانت الوحدة المؤجرة إليه من الإسكان الفاخر أو من غيره، ولم يحدد كذلك موضوع الدعويين الأصلية والفرعية والطلبات فيهما، بل جاء مجهلا بكل ذلك، وبالتالى بنطاق المسألة الدستورية التى تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها. وحيث إن هذا الدفع بوجهيه مردود، أولاً: بأنه ليس لازما – فى مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع – أن تتخذ فيه قرارا صريحا يكون قاطعا بما اتجهت إليه عقيدتها، بل يكفيها أن يكون قرارها فى هذا الشأن ضمنيا مستفادا من عيون الأوراق، ومن ذلك تعليقها الفصل فى النزاع الموضوعى على مايفيد رفع الدعوى الدستورية فى شأن النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها، إذ لو كان ماطرح عليها فى شأن مناعيها لايستقيم عندها عقلا، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعى حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا، لغوا. ومردود ثانيا: بأن المدعي أبان في صحيفة دعواه الدستورية – وبما لاتجهيل فيه – عن أن القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ قد مايز – فى مجال تحديد الأجرة – بين الأماكن المهيأه للسكني من غير الإسكان الفاخر، وغيرها من الأماكن المؤجرة التى يشملها هذا القانون، مخالفا فى ذلك نص المادتين ٤٠ و ٦٨ من الدستور. والدعويان – الأصلية والفرعية – محددتان كذلك نطاقا، باعتبار أن أولاهما تتعلق بطلب إخلاء المدعى من العين التى يشغلها بعد أن تراخى فى أجرتها، وثانيتهما: بطلب رد مازاد من الأجرة التى دفعها عن حدودها المقررة قانونا . وهما معا مرتبطتان، والحكم فى المسائل الدستورية التى دعيت هذه المحكمة للفصل فيها، يؤثر عليهما معا. وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، قد مايز – فى مجال تحديد الأجرة – بين الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى، وغيرها من الأماكن التى ألحق المشرع الإسكان الفاخر بها؛ وكانت المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعى تنحصر فى إبطال هذا التمييز، لإخضاع الأماكن المؤجرة جميعها – التى يتعلق بها مجال تطبيق هذا القانون – لقواعد موحدة تطبقها لجان تحديد الأجرة، وتقرر على ضوئها أجرة أقل للعين التى يشغلها، فإن دعواه الدستورية تتقيد بهذا النطاق، وبه يتحدد موضوعها. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه “فيما عدا الإسكان الفاخر، لايجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون على ٧% من قيمة الأرض والمبانى وعلى ألاتقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثى مساحة العقار ….” وحيث إن المدعى فى الدعوى الدستورية، نعى على هذه الفقرة مخالفتها للدستور، وذلك تأسيسا على أن المشرع مايز بمقتضاها بين الأماكن تبعا لنوع استخداماتها، فبينما جعل الإسكان الفاخر والأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى بمنأى عن الخصوع لقواعد تحديد الأجرة من خلال اللجان التى نص عليها، أخضع ماعداها لهذا التحديد، كافلا بذلك أن يكون عمل هذه اللجان مقصورا على الأماكن المهيأه للسكنى من غير الإسكان الفاخر، فلا تمتد قواعد تحديد الأجرة لسواها، مما يخل بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وكذلك بحق التقاضى المنصوص عليهما فى المادتين ٤٠ و ٦٨ من الدستور. وحيث إن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية، كثيرا ماتتناول الانتفاع بالأعيان المؤجرة التى قدر أن تزايد الطلب عليها مع قلة المعروض منها يقتضى إحاطتها بتدابير استثنائية خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإجارة، مستهدفا بها علي الأخص الحد من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة، واعتبار العقد ممتدا بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة . ولئن جاز القول بأن هذه التدابير الاستثنائية التى فرضها المشرع لمواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، قد آل أمرها إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، مع تعلقها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها ولوكانت مبرمة قبلها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطا بالضرورة التي أملتها بوصفها باعثها وإطارها . وما كان لسريانها بالتالى أن ينفصل عن مبرراتها، ولاأن يجاوز مداها قدر هذه الضرورة، وإلا اعتبر إقرارها فيما وراءها منافيا لنص المادتين ٣٢ و٣٤ من الدستور اللتين تكفلان صون الملكية الخاصة – لاتدمير أصلها أو بعض عناصرها – ولاتتسامحان فيما يفرض عليها من القيود عدا تلك التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبافتراض نأيها عن الاستغلال. وحيث إن ما تقدم مؤداه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الأصل فى النصوص القانونية التى اقتضتها الضررة أن يكون إعمالها مشروطا بتوافر موجباتها، وبقدرها. ولايجوز بالتالى أن تعتبر التدابير الاستثنائية التى تدخل بها المشرع فى مجال العلائق الإيجارية – من أجل ضبطها – حلا نهائيا ودائما لمشكلاتها، فلايتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، وأن يَعْدِل عنها عند زوال مبرراتها، وأن تُخْلى هذه التدابير عندئذ مكانها لحرية التعاقد بوصفها الحرية الأصل فى العقود جميعها .وكلما قدر المشرع إنهاء التدابير الاستثنائية التى كان قد فرضها فى شأن الأعيان المؤجرة، دل ذلك على أن شروط التعاقد لتأجيرها أضحت عملا اتفاقيا يكفى لانعقاده أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتيهما مع تطابقهما. وحيث إن القوانين الاستثنائية التى درج المشرع على التدخل بها لتقدير أجرة الأماكن التى حددتها، غايتها أن يكون هذا التقدير محددا وفق ضوابط ومعايير لاتجوز مخالفتها، بل يكون تطبيقها لازما فى مجال سريان القانون الذى أوجبها ؛ وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ السابق الإشارة إليه، هو ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى – واعتبارا من تاريخ العمل بأحكامه – على ٧% من قيمة الأرض والبناء؛ وكان ذلك مؤداه أن تتولى لجان تقدير الأجرة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من هذا القانون، اختصاصها فى مجال تحديد مبلغها، وفقا للأسس والمعايير التى ضبطها المشرع بها ؛ وكان لااختصاص لهذه اللجان بتقدير أجرة أماكن أعدها أصحابها لغير أغراض السكنى، ولا أجرة مساكن يعتبر مستواها فاخراً بالنظر إلى موقعها ومكوناتها وأعمال تشطيبها، وغير ذلك من مواصفاتها التى حددتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير التعمير رقم ٧٦٦ لسنة ١٩٨١، وإلا وقع قرارها بتقدير الأجرة باطلا بطلانا مطلقا لخروجها عن حدود ولايتها ؛ وكان المدعى قد توخى بدعواه، إرجاع قيود استثنائية قدر المشرع فى نطاق تطبيق هذا القانون، إنهاءها لمجاوزتها قدر الضرورة الاجتماعية التى تطلبتها ؛ وكان لايتصور أن يكون استلاب الناس أموالهم حقا لأحد، ولا أن تقدر الضرورة بعيدا عن حقائقها ؛ وكان النص المطعون فيه يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها بعد أن اختل التوازن بين أطرافها اختلالا جسيما، وغدا تنظيمها منافيا لطبيعتها، متغولا حدود التضامن الاجتماعى التى كفلتها المادة ٧ من الدستور، وقوامها وحدة الجماعة فى بنيانها، وتداخل مصالحها لاتصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلايتفرقون بددا ؛ وكان النص المطعون فيه – وفيما يتعلق بالأماكن التى أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن فى الأحكام الصادرة بشأنها – إنما يَرُد الحقوق لأصحابها، ويقيم ميزانها عدلا وإنصافا، فإن ادعاء مخالفته للدستور – وقد تغيا هذه الأغراض، وانتظم المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لاتمييز فيها بين فئاتهم – يكون لغوا . وحيث إن ماينعاه المدعى من أن القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، قد أخل بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة ٦٨ من الدستور، بعد أن قصر عمل لجان تحديد الأجرة على الأماكن المهيأه للسكنى من غير الإسكان الفاخر دون غيرها، ولم يجز الطعن فى مقدار الأجرة بعد تحديدها، مردود بأنه اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون – وفى مجال تطبيق أحكامه – لم يعد الحق فى تقدير أجرة الأماكن التى خصصها أصحابها لغير أغراض السكنى، مقيدا بقواعد آمرة لاتجوز مخالفتها، بل صار أمر تحديد مبلغها عائدا إلى طرفى العلاقة الإيجارية يدخلان فيها بإرادتيهما، ويقرران معا شروطها ومن بينها مقدار الأجرة . ويعتبر هذا الاتفاق بالتالى شريعتهما التى لايجوز أصلا نقضها أو تعديلها – وعملا بنص المادة ١٤٧ من القانون المدنى – إلا بتراضيهما . ويظل هذا الاتفاق منتجا لآثاره إلى أن يزول وجوده قانونا سواء بالانقضاء أو الانحلال أو الإبطال . ولكل ذى شأن فيه حق التداعى فيما نشأ عنه من الحقوق، دون قيود ماليه أو عوائق إجرائية تنال من محتواه . وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان النص المطعون فيه لايتعارض مع أى حكم فى الدستور من أوجه أخرى . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاما

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى