حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦ لسنة ٩ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦ لسنة ٩ دستورية
تاريخ النشر : ٠٦ – ٠٤ – ١٩٩٥

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من استمرار عقد إيجار المسكن – عند ترك المستأجر الأصلي له – لصالح أقاربه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة الذين أقاموا معه في العين المؤجرة مدة سنة على الأقل سابقة على تركه العين أو مدة شغله لها أيتهما أقل.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى المفوض ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
تنص المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنه ١٩٧٧ في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر المستأجر على أنه (مع عدم الإخلال بحكم المادة ٨ من هذا القانون، لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركة العين، إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك. وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، يشترط لإستمرار عقد الإيجار، إقامتهم في المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركة العين، أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل.
فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، فلا ينتهي العقد بوفاة المستأجر أو تركة العين، ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال.
وفي جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق في الإستمرار في شغل العين. ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد).
والبين من النص المطعون عليه – فيما قرره من أحكام تتعلق بالأعيان المؤجرة لأغراض السكنى – أنه فيما عدا الزوجة التي يستمر لصالحها عقد إيجار زوجها بعد تخليه عن العين المؤجرة أياً كانت مدة إقامتها مع زوجها فيها، فإن غيرها من أقرباء هذا المستأجر مصاهرة لا يبقون في هذه العين بعد تخلي مستأجرها الأصلي عنها – وبوصفهم مستأجرين أصليين لها – إلا بشرطين أولهما: أن تكون قرابتهم بالمصاهرة لهذا المستأجر حتى درجة معينة، هي الدرجة الثالثة. وثانيهما: ألا تكون إقامتهم في العين التي كان يشغلها عرضية أو عابرة أو مؤقتة، بل مستقرة لا يتخللها انقطاع غير عارض، وأن تقترن بنية الإستيطان، فلا يشوبها غموض أو يداخلها خفاء، توقياً لإلتباس أمرها وانبهام المقصود منها على المؤجر. ويجب دوماً أن تستغرق إقامتهم فيها – بأوصافها تلك – زمناً محدداً لا تقل عنه، حتى يمكن الإحتجاج بها على المؤجر ومجابهته بها. إذ يجب وفقاً للنص المطعون فيه، أن يكون هؤلاء الأقرباء قد أقاموا بها – متخذين منها – وحتى تاريخ التخلي عنها – سكناً على وجه الإعتياد لمدة تستطيل على الأقل إلى سنة سابقة على تخلي المستأجر الأصلي عنها، أو لمدة تماثل المدة التي شغل خلالها هذه العين، أيتهما أقل.

– – – ٢ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة _ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية _ مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول أحقية المدعين فى استرداد العين المؤجرة بعد ان تركها مستأجرها الأصلي لشقيق زوجته، وكان هذا الشقيق قد أقام بدورة ضد المدعين دعواه الفرعية لإلزامهم بأن يحرروا لصالحة عقد إيجار جديد، وكان أبطال النص المطعون عليه فى مجال تطبيقه بالنسبة إلية، مؤداه أن تعود العين المؤجرة إلى المدعين باعتبار أن ذلك الشقيق قد صار شاغلا لها بغير سند، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة فى الدعوى الماثلة تكون قائمة، ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس حريا بالرفض.

– – – ٣ – – –
لا ينحصر نطاق الطعن الماثل فيما قررته المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنه ١٩٧٧ المشار إليه، من استمرار عقد إيجار العين للسكنى، لصالح أقرباء المستأجر الأصلي مصاهرة حتى الدرجة الثالثة رغم تخلي هذا المستأجر عنها، وإنما يمتد هذا النطاق كذلك إلى الأحكام “ذاتها” التي تبناها نص المادة ١٨ من القانون رقم ١٣٦ لسنه ١٩٨١ في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر لصالح هذه الفئة “عينها”.

– – – ٤ – – –
إن الدستور _ إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتكيدا لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعي _ كفل حمايتها لكل فرد _ وطنيا كان آو أجنبيا _ ولم يجز المساس بها إلا سبيل الاستثناء، وفى الحدود التي يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة _ فى الأعم من الأحوال _ إلى جهد صاحبها، بذل من اجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضروريا لصونها، مبعدا بها الطريق إلى التقدم، كافلا للتنمية أهم أدواتها، محققا من خلالها إرادة الإقدام، هاجعا إليها لتوفر ظروفا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنا فى كنفها إلى يومه وغده، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بمسارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته فى شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها ولم يعد جائزا بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها، ولا ان يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصبا، وافتئاتا على كيانها أدخل إلى مصادرتها .

– – – ٥ – – –
من المقرر كذلك أن حق الملكية من الحقوق المالية التى يجوز التعامل فيها وبقدر اتساع قاعدتها تتعدد روافدها، وتتنوع استخداماتها، لتشكل نهرا يتدفق بمصادر الثروة القومية التي لا يجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديدا لقيمتها، ولا تنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها، وضرورة تقييدها نأيا لها عن الانتهاز، أو الإضرار بحقوق الآخرين ذلك أن الملكية _ فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج الفردية وتدخل الدولة _ لم تعد حقا مطلقا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعى وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشرع بعناصرها ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكما، بل تمليها طبيعية الموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين فى بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها .

– – – ٦ – – –
فى إطار التوازن المفترض بين حق الملكية والقيود عليها، يفاضل المشرع بين البدائل ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية، وأولى بالرعاية وفقا لأحكام الدستور مستهديا فى ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، ولا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة .

– – – ٧ – – –
إن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها، ولا تناقض ما تقدم، ذلك أن الأصل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها، وإليه معادها ومرجعها، مستخلفا فيها عبادة الذين عهد عليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما فى أيديهم من الأموال، لا يبددونها أو يستخدمونها إضرارا بقول تعالى ” وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ” وليس ذلك إلا نهيا عن الولوغ بها فى الباطل تكليفا لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثا، أو إسراقا، أو عدوانا، أو متخذا طرائق تناقض مصالح الجماعة، أو تخل بحقوق للغير، أولى بالاعتبار

– – – ٨ – – –
لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، وان يحول دون الإضرار إذا كان ثأرا محضا يزيد من الضرر، ولا يفيد إلا فى توسع الدائرة التى يمتد إليها، وإن يرد كذلك الضرر البين الفاحش، فإذا تزحم ضرران، كان تحمل أهونهما لازما، اتقاء لأعظمهما ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام .

– – – ٩ – – –
ينبغي _ من ثم _ أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر ذلك خلافة، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كلفها الدستور لها .

– – – ١٠ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، وأنها سلطة تقديرية ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيودا لا يجوز تخطيها، لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مقيدا وفعالا، وكانت الحماية التى كلفها الدستور الحق الملكية فى مادته الثانية والثلاثين، مناطها تلك الملكية التى لا تقوم على الاستغلال، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لمجموع المواطنين ولا تنافى مقاصدها الأغراض التى تمليها وظيفتها الاجتماعية، وكان المشرع _ فى مجال تنظيم العلائق الايجارية _ وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه محققا التوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون صوريا أو منتحلا أو سرابا، بل يجب أن يعكس حقيقة قانونية لا مماراة فيها، ليكون التنظيم التشريعى لحقوق المؤجرين والمستأجرين فى دائرتها منصفا لا متحفيا، متعمقا الحقائق الموضوعية، وليس متعلقا بأهدابها الشكلية .

– – – ١١ – – –
لا يجوز إن يعدل المشرع من إطار العلائق الإيجارية، بما يمثل افتئاتا كاملا على حقوق أحد أطرافها أو أنحرافا عن ضوابط ممارستها، وإلا آل أمر النصوص آلتي أقرها إلى البطلان من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها، ذلك
أن القيود آلتى يفرضها المشرع على حق الملكية، ولا يجوز أن تكون مدخلا لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها، ولا أن يحصل المستأجر من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني فى مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وكان قرين الاستغلال .

– – – ١٢ – – –
الأصل لأن يتحقق التضامن بين المؤجر والمستأجر من الوجهة الاقتصادية، وإلا كان لكل منهما حربا على الآخر يهتبل الفرص لأكل حقه بالباطل ولا يجوز بالتالي أن يميل ميزان بينهما لتكون الحقوق المقررة لأحدهما إجحافا وإعناتا وقهرا، وليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس _ وهو المستأجر _ غابنا، ولا أن يكون تدخل المشرع شططا وقلبا للموازين ترجيحا لكفته اكثر ثقلا، وليحل الصراع بين هذين العاقدين بديلا عن اتصال التعاون بينهما.

– – – ١٣ – – –
نظم المشرع بالنص المطعون فيه، العلاقة الايجارية في بعض جوانبها، كافلاً – بالشروط التي حددها – استمرار أقرباء المستأجر الأصلي مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، في السكنى بالعين المؤجرة التي كان يشغلها هذا المستأجر، ثم تخلى نهائياً عنها، بقصد عدم العودة إليها، منهياً بذلك الإجارة التي ارتبط بها. ويندرج هذا تحت التشريعات الإستثنائية التي تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى. إلا أن الطبيعة الإستثنائية لتلك التشريعات – التي لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها – والتي درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، وليضمن سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها – ولو كانت مبرمة قبلها – لا تعصمها من الخضوع للدستور، ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية جميعها. بل يجب اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور. ويجب بالتالي أن تقدر الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص بقدرها، وأن تدور معها وجوداً وعدماً تلك القيود التي ترتبط بها وترتد إليها، لإعتبارها مناط مشروعيتها، وعلة استمرارها.

– – – ١٤ – – –
من المقرر كذلك، أن حق مستأجر العين في إستعمالها، مصدره العقد دائماً، ولازال هذا الحق – حتى مع قيام هذا التنظيم الخاص وتحديد أبعاده بقوانين استثنائية – حقاً شخصياً يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الإنتفاع بشيء معين مدة معينه لقاء أجراً معلوماً، وليس حقاً عينياً ينحل إلى سلطة مباشرة على العين المؤجرة ذاتها، يمارسها مستأجرها دون تدخل من مؤجرها. ولازم ذلك أن يكون بقاء مستأجر العين فيها، مرتبطاً بضرورة شغلها بوصفها مكاناً يأويه هو وأسرته. فإذا تخلى عنها تاركاً لها، وأفصح بذلك عن قصده إنهاء الإجارة التي كان طرفاً فيها زايلته الأحكام الإستثنائية التي بسطها المشرع عليها لحمايته، ولم يعد لغيره إحياء حق أصبح منقضياً، ذلك أن العدم لا يولد نبتاً.

– – – ١٥ – – –
تخلي مستأجر العين الأصلي عنها يعنى هجرها نهائياً، وكان ينبغي بالتالي أن يكون هذا التخلي مبرراً لقيام حق المؤجر في طلب إخلائها بعد انقطاع اتصال هذا المستأجر بها، ولأن القيود الإستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الايجارية إبان أزمة الإسكان، غايتها الحد من تصاعدها وغلواء تفاقمها. وهى بعد ضرورة تقدر بقدرها، ولا يجوز أن تجاوز دواعيها.

– – – ١٦ – – –
آثر المشرع بالنص المطعون فيه، أن يمنح – بالشروط التي حددها – مزية استثنائية يقتحم بأبعادها حق الملكية، انتهاكاً لمجالاتها الحيوية التي لا يجوز أن يمسها المشرع إخلالاً بها. ذلك أن منفعة العين المؤجرة تنتقل بموجبها من مستأجرها الأصلي إلى غيره من أقربائه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة، ليحل هؤلاء محل المستأجر الأصلي في العين التي كان يشغلها – لا بناء على تعاقد تم بينهما مثلما هو الأمر في شأن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإجارة – بل بقوة القانون.
وهى بعد مزية يتعذر أن يكون المتعاقدان الأصليان قد قصدا إلى تقريرها ابتداءً، أو أنهما عبرا – صراحة أو ضمناً – عن تراضيهما عليها. ذلك أن إرادتيهما – حقيقية كانت أم مفترضة – لا يمكن أن تحمل على اتجاهها أو انصرافها إلى إقحام أشخاص على العلاقة الايجارية هم غرباء عنها، ومعاملتهم كأصلاء فيها وإن كانوا دخلاء عليهما. وليس من المتصور أن يكون مؤجر العين – وهو يملكها في الأعم من الأحوال – قد عطل مختاراً – ونهائياً – الحقوق التي تتصل بإستعمالها واستغلالها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر.

– – – ١٧ – – –
الأقرباء بالمصاهرة الذين تؤول إليهم منفعة العين المؤجرة وفقاً للنص المطعون فيه، يتحايلون عادة مع مستأجرها الأصلي متربصين بالمؤجر ختالاً، ومتخذين انتهازاً من إقامتهم فيها للمدة التي تطلبها المشرع، موطئاً لإبقائها تحت سيطرتهم لا ينتزعها منهم أحد، بل تتصل أيديهم بها تعاقباً عليها، ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا ينفكون عنها أو يبرحونها. ومن ثم يكون الإصطناع طريقهم للتسلط عليها والإنفراد بها من دون مؤجرها. كذلك ينقلب هؤلاء الأقرباء – بعد تخلي المتعاقد على الإجارة عنها – إلى مستأجرين أصليين للعين التي كان يشغلها. فإذا هجرها هؤلاء بعدئذ بقصد تركها وعدم العودة إليها، كان لمن شاركوهم سكناها بالشروط التي بينها النص المطعون فيه – أن يطلبوا تحرير عقد إيجار بأسمائهم – وبوصفهم كذلك مستأجرين أصليين لها – ليطرد اتصال أجيالهم بها لا يفارقونها، ولو بعد العهد على العقد الأول. فلا ترد لصاحبها أبداً – ولو كان في أمس الإحتياج إليها – ما ظل زمامها بيد من يتداولونها لا يتحولون عنها. وليس ذلك إلا تعظيماً لحقوقهم، يكاد أن يلحقها بالحقوق العينية التي يباشر صاحبها بموجبها – ووفقاً للقانون – سلطة مباشرة على شيء معين، ليستخلص منه فوائده دون وساطة أحد، وهو ما يناقض خصائص الإجارة بإعتبار أن طرفيها في اتصال دائم طوال مدتها، مما اقتضى ضبطها تحديداً لحقوقهما وواجباتهما، وهى فوق هذا، تقع على منفعة الشيء المؤجر – لا على ملكيته – ولا ترتب للمستأجر غير الحقوق الشخصية يباشرها قبل المدين.

– – – ١٨ – – –
إن النص المطعون فيه ينحدر كذلك بحقوق المؤجر، إلى مرتبة الحقوق محددة الأهمية، مرجحاً عليها مصالح لا تدانيها، ولا تقوم إلى جانبها، أو تتكافأ معها، ومآل حمايتها، حرمان مؤجر العين منها حرماناً مؤبداً ترتيباً على انتقال منفعتها إلى الغير انتقالاً متتابعاً متصلاً ممتداً في أغوار الزمن، وهو بعد انتقال لا يعتد بإرادة المؤجر في معدنها الحقيقي. بل يقوم في صوره الأكثر شيوعاً على التحايل على القانون، والتدليس على المؤجر، وهو ما يعد إلتواءً بالإجارة عن حقيقة مقاصدها، وإهداراً لتوازن لا يجوز أن يختل بين أطرافها، وإقحاماً لغرباء عليها انحرافاً عن الحق، ونكولاً عن الصالح العام.

– – – ١٩ – – –
ينحل النص المطعون فيه، إلى عدوان على الملكية من خلال نقض بعض عناصرها. وهو بذلك لا يندرج تحت تنظيمها، بل يقوم على إهدار كامل للحق في استعمالها واستغلالها، ملحقاً بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، فقد أنشأ هذا النص حقوقاً مبتدأة – بعيدة في مداها – منحها لفئة بذاتها من أقرباء المستأجر الأصلي، اختصها دون مسوغ، واصطفاها في غير ضرورة، بتلك المعاملة التفضيلية التي تقدم المنفعة المجلوبة على مخاطر المفاسد ودرء عواقبها، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها. ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها لازماً، دفعاً لأفدحها.

– – – ٢٠ – – –
كان ينبغى _ من ثم _ أن يترسم النص المطعون فيه، تلك الضوابط التى تتوازن من خلالها العلائق الإيجازية بما يكون كافلا لمصالح أطرافها، غير مؤد إلى تتوازن من خلالها القيم التى تؤمن بها، وترعى استقرارها وهى حدود ما كان يجوز أن يتخطاها المشرع، وإلا كان يجوز إن يتخطاها المشرع، وإلا كان النص المطعون فيه _ بالصيغة التى أفرغ فيها – بفتح للتحاليل على القانون أبوبا يينفذ الانتهاز منها دون عائق ويتحقق ذلك كلما دعا مستأجر العين الأصلى _ وقد أضمر نية التخلى عنها _ من يطمئن إليه أو يؤثره من أقربائه الذين عينهم النص المطعون فيه _ وبالشروط التى حددها _ لسكناها مدة محدودة قد لا تربو على المدة التى ظل خلالها شاغلا لها مهما بلغ قصرها، ليكتمل بفواتها حق هؤلاء الأقرباء فى الاستقلال بها، مع إقصاء المؤجر دوما عنها ما يخل بالحدود التى ينبغى أن يتم تنظيم الملكية فى نطاقها .

– – – ٢١ – – –
الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه، يعني سقوط الأحكام التي أحالت إليه، وتضمنتها المادة ١٨ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

[الطعن رقم ٦ – لسنــة ٩ ق – تاريخ الجلسة ١٨ / ٠٣ / ١٩٩٥ – مكتب فني ٦ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٥٤٢ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أنه بتاريخ الأول من مارس سنة ١٩٦٩ استأجر المدعى عليه الثالث من المدعين شقة يملكونها بالعقار رقم ٢٧ شارع الدكتور محمد مندور بمدينة نصر محافظة القاهرة لاستعمالها سكنا خاصاً . وإذ فوجئوا بتركه لها وتنازله عنها للمدعى عليه الرابع ، فقد أقاموا ضدهما الدعوى رقم ٢٤٦٣ لسنة ١٩٨٤ إيجارات شمال القاهرة ، بطلب الحكم بإخلائهما من الشقة وتسليمها إليهم خالية . فأقام المدعى عليه الرابع دعوى فرعية طلب فيها إلزام المدعين بتحرير عقد إيجار له عن هذه الشقة ، استناداً إلى المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر ، بمقولةأنه شقيق لزوجة مستأجرها الأصلى وأقام معه بها منذ سنة ١٩٧٥ . وإذ دفع المدعون أثناء نظر النزاع الموضوعى بعدم دستورية نص المادة ٢٩ المشار إليها ، وصرحت لهم محكمة الموضوع باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فقد أقاموا الدعوى الماثلة • وحيث إن المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه [ مع عدم الإخلال بحكم المادة ٨ من هذا القانون ، لاينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين ، إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتي الوفاة أو الترك ٠ وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسبا أومصاهرة حتى الدرجة الثالثة ، يشترط لاستمرار عقد الإيجار إقامتهم فى المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجرأو تركه العين، أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل ٠ فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أوصناعى أو مهنى أو حرفى فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر أو تركه العين ، ويستمر لصالح ورثته وشركائه فى استعمال العين بحسب الأحوال ٠ وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق فى الاستمرار فى شغل العين ٠ ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد ]٠ وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الماثلة بعدم قبولها بمقولة أن النص المطعون عليه تقرر لمصلحة المؤجرين لا المستأجرين ، ذلك أنه قيد امتداد عقد الإيجار – فى حالة وفاة المستأجر أو تركه العين – بقيود تتعلق بالمساكنة ودرجة القرابة ، إذ اشترط – بالنسبة لغير زوجة المستأجر الأصلى وأولاده ووالديه – أن يكون المستفيد من امتداد عقد الإيجار قريبا له حتى الدرجة الثالثة نسبا أو مصاهرة ، وأن يكون مساكنا له فى العين المؤجرة مدة لاتقل عن سنة سابقة على الوفاة أو الترك ، أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل ، بما مؤداه أن استمرار عقد الإيجار لهؤلاء ، جاء محاطا بالقيود التى فرضها المشرع لصالح المدعين ، مما تنتفى به مصلحتهم الشخصية المباشرة فى الدعوى الراهنة • وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة على محكمة الموضوع ٠ متى كان ذلك ، وكان النزاع الموضوعى يدور حول أحقية المدعين فى استرداد العين المؤجرة بعد أن تركها مستأجرها الأصلى لشقيق زوجته ، وكان هذا الشقيق قد أقام بدوره ضد المدعين دعواه الفرعية لإلزامهم بأن يحرروا لصالحه عقد إيجار جديد ، وكان إبطال النص المطعون عليه فى مجال تطبيقه بالنسبة إليه ، مؤداه أن تعود العين المؤجرة إلى المدعين باعتبار أن ذلك الشقيق قد صار شاغلاً لها بغير سند ، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة فى الدعوى الماثلة تكون قائمة ، ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس حريا بالرفض • وحيث إن البين من النص المطعون عليه – فيما قرره من أحكام تتعلق بالأعيان المؤجرة لأغراض السكنى – أنه فيما عدا الزوجة التى يستمر لصالحها عقد إيجار زوجها بعد تخليه عن العين المؤجرة أيا كانت مدة إقامتها مع زوجها فيها ، فإن غيرها من أقرباء هذا المستأجر مصاهرة لايبقون فى هذه العين بعد تخلى مستأجرها الأصلى عنها – وبوصفهم مستأجرين أصليين لها – إلا بشرطين أولهما : أن تكون قرابتهم بالمصاهرة لهذا المستأجر حتى درجة معينة ، هى الدرجة الثالثة • وثانيهما : ألا تكون إقامتهم فى العين التى كان يشغلها عرضية أو عابرة أو مؤقتة ، بل مستقرة لايتخللها انقطاع غير عارض ، وأن تقترن بنية الاستيطان ، فلايشوبها غموض أو يُداخلها خفاء ، توقيا لالتباس أمرها وانبهام المقصود منها على المؤجر • ويجب دوما أن تستغرق إقامتهم فيها – بأوصافها تلك – زمنا محددا لاتقل عنه حتى يمكن الاحتجاح بها على المؤجر ومجابهته بها • إذ يجب وفقا للنص المطعون فيه ، أن يكون هؤلاء الأقرباء قد أقاموا بها – متخذين منها – وحتى تاريخ التخلى عنها – سكنا على وجه الاعتياد لمدة تستطيل على الأقل إلى سنة سابقة على تخلى المستأجر الأصلى عنها ، أو لمدة تماثل المدة التى شغل خلالها هذه العين ، أيتهما أقل ٠ وحيث إن القانون رقم ١٣٦ ة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، قد نص فى المادة ١٨ منه على أنه [ لايجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الأتية : – ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ (ج ) إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر أو أجره من الباطن بغير إذن كتابى صريح من المالك للمستأجر الأصلى ؛ أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائيا ، وذلك دون إخلال بالحالات التى يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشا أو التنازل عنه ، أو تأجيره من الباطن ، أو تركه لذوى القربى وفقا لأحكام المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧] ٠ وحيث إن القاعدة التى أرستها المادة ١٨ المشار إليها ، وإن دلت على جواز إخلاء العين المؤجرة للسكنى إذا تخلى المستأجر الأصلى عنها للغير ، إلا أن هذه المادة ذاتها تقيم استثناء من تلك القاعدة ، مؤداه امتناع إخلائها كلما تركها هذا المستأجر لصالح الأقرباء الذين عينتهم المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، وبالشروط التى حددتها • وحيث إنه متى كان ماتقدم ، فإن نطاق الطعن الماثل لاينحصر فيما قررته المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه ، من استمرار عقد إيجار العين المؤجرةلصالح أقرباء المستأجر الأصلى مصاهرة حتى الدرجة الثالثة رغم تخلى هذا المستأجر عنها ، وإنما يمتد هذا النطاق كذلك إلى الأحكام << ذاتها>> التى تبنتها المادة ١٨ من القانون رقم ١٣٦ سنة ١٩٨١ ، لصالح هذه الفئة << عينها >> ٠ وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه فى النطاق المتقدم مخالفته لحكم المادة الثانية من الدستور التى تقضى بأن مبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، وذلك من عدة وجوه : أولها : أن الشريعة الإسلامية وإن حثت على صلة الرحم ، إلا أنها لاتعتبر أقارب أحد الزوجين أقرباء للآخر ٠ ومن ثم يكون اعتداد النص المطعون عليه بقرابة المصاهرة مخالفا للدستور ٠ ثانيها : أن إجماع فقهاء الشريعة الإسلامية منعقد على أن عقد الإيجار ينصب على استئجار منفعة لمدة مؤقته يحق للمؤجر بانتهائها أن يطلب إخلاء العين من مستأجرها ، بما مؤداه امتناع تأبيد هذا العقد ٠ ثالثها : أن عقد الإيجار ينقلب بالنص المطعون فيه ، من عقد يقوم على التراضى ، إلى عقد يُحمل فيه المؤجر على تأجير العين بعد انتهاء إجارتها ، إلى شخص لم يكن طرفا في الإجارة ، بل يعد غريباً عنها ، ولايتصور أن يُقحم عليها ٠ وحيث إن الدعوى الموضوعية كانت قد أقيمت فى ظل العمل بأحكام القانون رقم ١٣٦ سنة ١٩٨١ المشار إليه ، الصادر بعد تعديل الدستور فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ • حيث إن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيدا لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعى – كفل حمايتها لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – ولم يجز المساس بها إلا علي سبيل الاستثناء ، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها ، باعتبارها عائدة – فى الأعم من الأحوال – إلى جهد صاحبها ، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال ، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها ، وأحاطها بما قدره ضروريا لصونها ، مُعبدا بها الطريق إلي التقدم ، كافلا للتنمية أهم أدواتها، محققا من خلالها إرادة الإقدام ، هاجعا إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير ، مطمئنا فى كنفها إلى يومه وغده ، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها ، فلا يرده عنها معتد ، ولايناجز سلطته فى شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها ، ليعتصم بها من دون الأخرين ، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تُعينها على أداء دورها ، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أوبانتقاصها من أطرافها • ولم يعد جائزا بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها ، ولا أن يُغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها ، ولا أن يفصلهاعن أجزائها أو يدمر أصلها ، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية • ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصبا ، وافتئاتا على كيانها أدخل إلى مصادرتها ٠ وحيث إن من المقرر كذلك أن حق الملكية من الحقوق المالية التى يجوز التعامل فيها • وبقدر اتساع قاعدتها تتعدد روافدها ، وتتنوع استخداماتها ، لتشكل نهرا يتدفق بمصادر الثروة القومية التى لايجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديداً لقيمتها ، ولاتنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها ، وضرورة تقييدها نأياً بها عن الانتهاز ، أو الإضرار بحقوق الأخرين • ذلك أن الملكية – في إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة – لم تعد حقا مطلقا ، ولا هى عصية علي التنظيم التشريعى • وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها • ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية • وهى وظيفة لايتحدد نطاقها من فراغ ، ولا تفرض نفسها تحكماً ، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها ، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين فى بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها • وفى إطارهذه الدائرة ، وتقيداً بتخومها ، يفاضل المشرع بين البدائل ، ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها ، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور ، مستهديا فى ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة بذاتها من مراحل تطورها ، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لاتعتبر مقصودة لذاتها ، بل غايتها خيرالفرد والجماعة • وحيث إن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها ، لاتناقض ما تقدم • ذلك أن الأصل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى ، أنشأها وبسطها ، وإليه معادها ومرجعها ، مستخلفا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض ، وجعلهم مسئولين عما فى أيديهم من الأموال لايبددونها أو يستخدمونها إضرارا • يقول تعالى [ وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ] • وليس ذلك إلانهيا عن الولوغ بها فى الباطل ، وتكليفا لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها • وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثا أو إسرافاً أو عدواناً أو متخذاً طرائق تناقض مصالح الجماعة أو تخل بحقوق للغير أولي بالاعتبار • وكان لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان ، وأن يحول دون الإضرار إذا كان ثأراً محضا يزيد من الضرر ولايفيد إلا فى توسيع الدائرة التى يمتد إليها ، وأن يرد كذلك الضرر البين الفاحش • فإذا تزاحم ضرران ، كان تحمل أهونهما لازما اتقاء لأعظمهما • ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام • وينبغى – من ثم – أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر ، ذلك أن الملكية خلافة ، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية ، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها• وهى حدود يجب التزامها ، لأن العدوان عليها يُخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها ٠ وحيث إن المشرع نظم بالنص المطعون فيه ، العلاقة الإيجارية فى بعض جوانبها كافلا – بالشروط التى حددها – استمرار أقرباء المستأجر الأصلى مصاهرة حتى الدرجة الثالثة ، فى السكنى بالعين المؤجرة التى كان يشغلها هذا المستأجر، ثم تخلى نهائيا عنها بقصد عدم العودة إليها، مُنهيا بذلك الإجارة التى ارتبط بها • وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لايجوز تخطيها لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيدا وفعالا ، وكانت الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية فى مادته الثانية والثلاثين ، مناطها تلك الملكية التى لاتقوم على الاستغلال ، ولايتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين ، ولاتنافى مقاصدها الأغراض التى تمليها وظيفتها الاجتماعية ، وكان المشرع فى مجال تنظيم العلائق الايجارية وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه مُحققا للتوازن بين أطرافها ، إلا أن هذا التوازن لايجوز أن يكون صوريا أو منتحلا أو سراباً ، بل يجب أن يعكس حقيقة قانونية لامماراة فيها ، ليكون التنظيم التشريعى لحقوق المؤجرين والمستأجرين فى دائرتها منصفا لامتحيفا ، متعمقا الحقائق الموضوعية ، وليس متعلقا بأهدابها الشكلية • ولايجوز بالتالى أن يُعِّدل المشرع من إطار هذه العلائق بما يمثل افتئاتا كاملا على حقوق أحد أطرافها أو انحرافا عن ضوابط ممارستها ، وإلا آل أمر النصوص التى أقرها إلى البطلان من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها ، ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية لايجوز أن تكون مدخلا لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها ، ولا أن يحصل المستأجرمن خلالها على حقوق لايسوغها مركزه القانونى فى مواجهة المؤجر ، وإلا حض تقريرها على الانتهاز ، وكان قرين الاستغلال ٠ وحيث إن ماتقدم يؤيده أمران : أولهما ، أن الأصل هو أن يتحقق التضامن بين المؤجر والمستأجر من الوجهة الاجتماعية ، وأن تتوافق مصالحهما ولاتتنافرمن الوجهة الاقتصادية ، وإلا كان كل منهما حربا على الأخر يهتبل الفرص لأكل حقه بالباطل ٠ ولايجوز بالتالى أن يميل ميزان التوازن بينهما لتكون الحقوق المقررة لأحدهما إجحافاً وإعناتاً وقهراً ، وليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس – وهو المستأجر – غابنا ، ولا أن يكون تدخل المشرع شططا وقلبا للموازين ترجيحا لكفته لتكون أكثر ثقلا، وليحل الصراع بين هذين العاقدين بديلا عن اتصال التعاون بينهما ٠ ثانيهما ، أن النص المطعون فيه ، وإن كان يندرج تحت التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى ، إلا أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات – التى لايجوز التوسع فى تفسيرها أو القياس عليها – والتى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها ، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها ، وليضمن سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها – ولوكانت مبرمة قبلها – لاتعصمها من الخضوع للدستور ، ولاتخرجها من مجال الرقابةالقضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية جميعها • بل يجب اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها ، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور• ويجب بالتالى أن تقدر الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص بقدرها ، وأن تدور معها وجودا وعدما تلك القيود التى ترتبط بها وترتد إليها، باعتبارها مناط مشروعيتها ، وعلة استمرارها ٠ وحيث إن من المقرر كذلك ، أن حق مستأجر العين فى استعمالها مصدره العقد دائما• ولازال هذا الحق – حتى مع قيام هذا التنظيم الخاص وتحديد أبعاده بقوانين استثنائية – حقاً شخصيا يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يُمكن المستأجر من الانتفاع بشىء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم • وليس حقا عينيا ينحل إلى سلطة مباشرة على العين المؤجرة ذاتها يمارسها مستأجرها دون تدخل من مؤجرها • ولازم ذلك أن يكون بقاء مستأجرالعين فيها مرتبطا بضرورة شغلها بوصفها مكانا يأويه هو وأسرته • فإذا تخلى عنها تاركاً لها ، وأفصح بذلك عن قصده إنهاء الإجارة التي كان طرفا فيها ، زايلته الأحكام الاستثنائية التى بسطها المشرع عليه لحمايته ، ولم يعد لغيره إحياء حق أصبح منقضياً ، ذلك أن العدم لايولد نبتا يؤيد ذلك أن تخلى مستأجر العين الأصلى عنها ، يعنى هجرها نهائيا ، وكان ينبغى بالتالى أن يكون هذا التخلى مبررا لقيام حق المؤجر فى طلب إخلائها بعد انقطاع اتصال هذا المستأجر بها ، ولأن القيود الاستثنائية التى نظم بها المشرع العلائق الإيجارية إبان أزمة الإسكان ، غايتها الحد من تصاعدها وغلواء تفاقمها • وهى بعد ضرورة تقدر بقدرها ولايجوز أن تجاوز دواعيها • إلا أن المشرع آثر بالنص المطعون فيه أن يمنح – بالشروط التى حددها – مزية استثنائية يقتحم بأبعادها حق الملكية ، انتهاكا لمجالاتها الحيوية التى لايجوز أن يمسها المشرع إخلالا بها • ذلك أن منفعة العين المؤجرة تنتقل بموجبها من مستأجرها الأصلى إلى غيره من أقربائه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة ، ليحل هؤلاء محل المستأجر الأصلى فى العين التى كان يشغلها – لابناء على تعاقد تم بينهما مثلما هو الأمر فى شأن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإجارة – بل بقوة القانون • وهى بعد مزية يتعذر أن يكون المتعاقدان الأصليان قد قصدا إلى تقريرها ابتداء ، أو أنهما عبرا – صراحة أو ضمنا – عن تراضيهما عليها ، ذلك أن إرادتيهما – حقيقية كانت أم مفترضة – لايمكن أن تُحمل على اتجاهها أوانصرافها إلى إقحام أشخاص على العلاقة الإيجارية هم غرباء عنها ، ومعاملتهم كأصلاء فيها وإن كانوا دخلاء عليها • وليس من المتصور أن يكون مؤجر العين – وهو يملكها فى الأعم من الأحوال – قد عطل مختاراً – ونهائيا – الحقوق التى تتصل باستعمالها واستغلالها ، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر٠ وحيث إن ما تقدم يبدو جليا بوجه خاص من خلال أمرين : أولهما ، أن الأقرباء بالمصاهرة الذين تؤول إليهم منفعة العين المؤجرة وفقا للنص المطعون فيه ، يتحايلون عادة مع مستأجرها الأصلى متربصين بالمؤجر ختالا ، و متخذين انتهازا من إقامتهم فيها للمدة التى تطلبها المشرع ، موطئا لإبقائها تحت سيطرتهم لاينتزعها منهم أحد ، بل تتصل أيديهم بها تعاقبا عليها ، ليكون بعضهم لبعض ظهيراً ، فلاينفكون عنها أو يبرحونها • ومن ثم يكون الاصطناع طريقهم للتسلط عليها والانفراد بها من دون مؤجرها• ثانيهما ، أن الأقرباء الذين عينهم النص المطعون فيه ، ينقلبون بعد تخلى المتعاقد على الإجارة عنها إلى مستأجرين أصليين للعين التى كان يشغلها • فإذا هجرها هؤلاء بعدئذ بقصد تركها وعدم العودة إليها ، كان لمن شاركوهم سكناها – بالشروط التى بينها النص المطعون فيه – أن يطلبوا تحرير عقد إيجاربأسمائهم – وبوصفهم كذلك مستأجرين أصليين لها – ليطرد اتصال أجيالهم بها لايفارقونها ، ولو بعد العهد على العقد الأول • فلاتُرد لصاحبها أبدأ – ولو كان فى أمس الاحتياج إليها – ماظل زمامها بيد من يتداولونها لايتحولون عنها • وليس ذلك إلا تعظيما لحقوقهم يكاد أن يلحقها بالحقوق العينية التى يباشر صاحبها بموجبها – ووفقا للقانون – سلطة مباشرة على شىء معين ليستخلص منه فوائده دون وساطة من أحد ، وهوما يناقض خصائص الإجارة باعتبارأن طرفيها فى اتصال دائم طوال مدتها مما اقتضى ضبطها تحديداً لحقوقهما وواجباتهما • وهى فوق هذا تقع على منفعة الشىء المؤجر لا على ملكيته ، ولا ترتب للمستأجرغيرالحقوق الشخصية يباشرها قبل المدين • وحيث إن النص المطعون فيه ينحدر كذلك بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية ، مرجحا عليها مصالح لاتدانيها ولاتقوم إلى جانبها أو تتكافأ معها ، ومآل حمايتها حرمان مؤجر العين منها حرماناً مؤبداً ترتيبا على انتقال منفعتها إلى الغيرانتقالا متتابعا متصلا ممتدا فى أغوار الزمن ، وهو بعد انتقال لايعتد بإرادة المؤجر فى معدنها الحقيقى ٠ بل يقوم فى صوره الأكثر شيوعا على التحايل على القانون ، والتدليس على المؤجر، وهو ما يعد التواء بالإجارة عن حقيقة مقاصدها ، وإهداراً لتوازن لايجوز أن يختل بين أطرافها ، وإقحاماً لغرباء عليها انحرافا عن الحق ، ونكولاً عن الصالح العام • وحيث إن ما تقدم مؤداه أن النص المطعون فيه ينحل إلى عدوان على الملكية من خلال نقض بعض عناصرها • وهو بذلك لايندرج تحت تنظيمها ، بل يقوم على إهدار كامل للحق فى استعمالها واستغلالها ، مُلحقاً بالمؤجر وحده الضررالبين الفاحش ، فقد أنشأ هذا النص حقوقاً مبتدأة – بعيدة فى مداها – منحها لفئة بذاتها من أقرباء المستأجر الأصلى ، اختصها دون مسوغ ، واصطفاها فى غير ضرورة ، بتلك المعاملة التفضيلية التى تقدم المنفعة المجلوبة علي مخاطر المفاسد ودرء عواقبها ، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها ، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد ، أن يكون تحمل أخفها لازماً دفعا لأفدحها • وكان ينبغى – من ثم – أن يترسم النص المطعون فيه تلك الضوابط التي تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية بما يكون كافلا لمصالح أطرافها غير مؤد إلى تنافرها ، ليُقيمها على قاعدة التضامن الاجتماعى التى أرستها المادة ٧ من الدستور ، والتى تؤكد الجماعة من خلالها القيم التى تؤمن بها ، وترعي استقرارها • وهى حدود ما كان يجوز أن يتخطاها المشرع ، وإلا كان منافيا المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق فى نطاقها • لاسيما وأن النص المطعون فيه – بالصيغة التى أُفرغ فيها – يفتح للتحايل على القانون أبوابا ينفذ الانتهاز منها دون عائق٠ ويتحقق ذلك كلما دعا مستأجر العين الأصلى – وقد أضمر نية التخلى عنها – من يطمئن إليه أو يؤثره من أقربائه الذين عينهم النص المطعون فيه – وبالشروط التى حددها – لسكناها مدة محدودة قد لاتربو على المدة التى ظل خلالها شاغلا لها مهما بلغ قصرها ، ليكتمل بفواتها حق هؤلاء الأقرباء فى الاستقلال بها مع إقصاء المؤجردوما عنها ، وهو مايخل بالحدود التى ينبغى أن يتم تنظيم الملكية فى نطاقها ، ويصم النص المطعون فيه بإهدارأحكام المواد ٢ ، ٧ ، ٢٣، ٣٤ من الدستور٠ وحيث إن الحكم بعدم دستورية النص المطعون عليه – فى الحدود السالف بيانها – يعنى سقوط الأحكام التى أحالت إليه ، وتضمنتها المادة ١٨ من القانون رقم ١٣٦ سنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ٠ فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية ماتضمنته المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من استمرار عقد إيجار المسكن – عند ترك المستأجرالأصلى له – لصالح أقاربه بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة الذين أقاموا معه فى العين المؤجرة مدة سنة على الأقل سابقة على تركه العين أو مدة شغله لها أيتهما أقل ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

زر الذهاب إلى الأعلى