حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٨ لسنة ١٣ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٨ لسنة ١٣ دستورية
تاريخ النشر : ٠٣ – ١٢ – ١٩٩٢

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : بشأن رفض دعوى طلب الفصل في دستورية المادة ٢٠ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ في شأن الضريبة على العقارات المبنية.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٧ نوفمبر سنة ١٩٩٢ الموافق ١٢ جمادى الأولى سنة ١٤١٣ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضويـة السادة المستشارين: الدكتور محـمـد إبـراهـيـم أبــو الـعيــنين ومـحمـد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غـنـيم وسامى فرج يوسـف والدكتور عبد المجـيـد فـيـاض ومحمد على سيف الدين أعـضــــــــــــاء
وحضور السيد المستشار محمد خيرى طه عبد المطلب الــمـفـــــوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد أمين الســــر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٦٨ لسنة ١٣ قضائية دستورية ،
بعد أن أحالت محكمة شبرا الخيمة الجزئية ملف الدعوى رقم ٤٩ لسنة ١٩٨٩ مدنى شبرا الخيمة.
المرفوعة من:
السيد / حسن عبد الجواد عبد الله
ضـــد
١ – السيد / وزير المالية
٢ – السيد / رئيس مصلحة الضرائب العقارية.
٣ – السيد / رئيس مأمورية الضرائب العقارية بشبرا الخيمة
٤ – السيد / محصل الضرائب العقارية لمنطقة الشرقاوية بالمأمورية
٥ – السيد / محصل الضرائب العقارية لمنطقة شبرا البلد.

الإجراءات

بتاريخ ١٨ ديسمبر ١٩٩١ ورد إلى قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا
ملف الدعوى رقم ٤٩ لسنة ١٩٨٩مدنى شبرا الخيمة بعد أن قررت تلك المحكمة بجلسة ٣١ أكتوبر ١٩٩١ وقف السير فيها وإحالتها إلى
المحكمة الدستورية العليا
للفصل فى دستورية نص المادة ٢٠ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ فى شأن الضريبة على العقارات المبنية.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصليا الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.

وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع– على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن السيد / حسن عبد الجواد عبد الله كان قد أقام الدعوى رقم ٤٩ لسنة ١٩٨٩مدنى شبرا الخيمة الجزئية ضد السيد وزير المالية وآخرين طالبا الحكم ببراءة ذمته من مبلغ ٤٩٨,٨٧٠ مليمـــجـــ وهى قيمة الضريبة التى فرضتها مأمورية الضرائب العقارية بشبرا الخيمة على عدد من العقارات التى يملكها. وأثناء نظر هذه الدعوى, قدم المدعى مذكرة دفع فيها بعدم دستورية المواد ١٤, ١٥, ٢٠, ٢٥, ٢٦ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ فى شأن الضريبة على العقارات المبنية وكذلك بعدم دستورية نصوص تشريعية أخرى من بينها النص الذى اشترط توقيع محام على عريضة الدعوى, ونصوص قوانين التمغة, وإجراءات المحكمة فى تحصيل أتعاب المحاماة قبل الانتهاء من درجات التقاضى, وقانون تحصيل ضريبة من المتبع عند رفع الدعوى والنصوص المتعلقة بفرض الرسوم القضائية واقتضاء أمانة الخبير فى بداية الدعوى, وبجلسة ٢٤ أكتوبر ١٩٩١ قررت محكمة الموضوع وقف السير فى الدعوى رقم ٤٩ لسنة ١٩٨٩ المشار إليها والإحالة إلى
المحكمة الدستورية العليا
للفصل فى دستورية نص المادة ٢٠ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ فى شأن الضريبة على العقارات المبنية.

وحيث إن المدعى أثار أثناء تحضير الدعوى الدستورية – فى مذكرة قدمها إلى هيئة المفوضين – موضوع النصوص التشريعية التى كان قد دفع بعدم دستوريتها أمام محكمة الموضوع, ناعيا عليها أمام هيئة المفوضين مخالفتها للدستور طالبا الفصل فى دستوريتها.
وحيث إن البين من نص المادة ٢٩ من قانون هذه المحكمة أن المشرع رسم طريقا لرفع الدعوى الدستورية التى أتاح للخصوم مباشرتها وربط بينه وبين الميعاد المحدد لرفعها فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية, فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته, ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر, وكانت هذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها, تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلا جوهريا فى التقاضى تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية ب
الإجراءات
التى رسمها وفى الموعد الذى حدده, وإلا كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة, وكانت محكمة الموضوع لم تصرح للمدعى برفع الدعوى الدستورية فى شأن النصوص التشريعية التى طعن عليها بعدم الدستورية فى مرحلة التحضير أمام هيئة المفوضين ب
المحكمة الدستورية العليا
, فإن دعواه فى شأنها تكون منطوية على طعن مباشر فيها, متى كان ذلك وكانت ولاية هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بها وفقا للأوضاع التى رسمها قانونها وليس من بينها طريق الدعوى الأصلية, فإن ما أثاره المدعى فى شأن هذه النصوص لا يعدو وأن يكون نزاعا معها بقصد إهدار آثارها ارتكن فيه إلى غير الوسائل التى عينها قانون هذه المحكمة لرفع الدعوى الدستورية بالمخالفة لنص المادة ٢٩ من قانونها الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول قرار الإحالة الصادر من محكمة الموضوع – الذى به رفعت الدعوى الماثلة – لإغفاله تعيين نص الدستور المدعى بمخالفته, وخروجه بالتالى على نص المادة (٣٠) من قانون هذه المحكمة.
وحيث إن هذا الدفع مردود, ذلك أن قانون
المحكمة الدستورية العليا
الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ قد نص فى المادة (٣٠) منه على أنه يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى
المحكمة الدستورية العليا
أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقاً لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة, وكان ما تغياه المشرع بنص المادة المشار إليها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى البيانات الجوهرية التى تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التى يعرض على هذه المحكمة أمر الفصل فيها وكذلك نطاقها, بما ينفى التجهيل بها, كى يحيط كل ذى شأن – ومن بينهم الحكومة التى يتعين إعلانها بقرار الإحالة أو بصحيفة الدعوى إعمالا لنص المادة (٣٥) من قانون المحكمة – بجوانبها المختلفة, وليتاح لهم جميعاً – على ضوء تعريفهم بأبعاد المسألة الدستورية المطروحة على المحكمة – إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيباتهم فى المواعيد التى حددتها المادة (٣٧) من القانون ذاته, بحيث تتولى هيئة المفوضين – بعد انقضاء هذه المواعيد – تحضير الموضوع المعروض عليها وإعداد تقرير يشتمل على زواياه المختلفة محدداً بوجه خاص المسائل الدستورية والقانونية المتصلة بها ورأى الهيئة فى شأنها وفقاً لما تقضى به المادة (٤٠) من قانون المحكمة, وكان ما توخاه المشرع على النحو المتقدم يعتبر متحققاً كلما تضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما يعين على تحديد المسألة الدستورية سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر, إذ ليس لازماً للوفاء بالأغراض التى استهدفتها المادة (٣٠) من قانون هذه المحكمة أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى تحديدا مباشراً وصريحاً للنص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة, بل يكفى أن تكون المسألة الدستورية التى يراد الفصل فيها قابلة للتعيين, بأن تكون الوقائع التى تضمنها قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى – فى ترابطها المنطقى – مفضية إليها جلية فى دلالة الإفصاح عنها, إذ كان ذلك, وكان ما قدرته محكمة الموضوع من إحالة نص المادة (٣٠) من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ فى شأن الضريبة على العقارات المبنية إلى
المحكمة الدستورية العليا
– يدل على أن وجه المخالفة الدستورية الى ارتأتها محكمة الموضوع فى شأن النص التشريعى المحال منها, إنما يتمثل فى النهائية التى خلعها المشرع على قرارات مجلس المراجعة, باعتبار أن هذه النهائية هى فى تقديرها نوع من الحصانة المانعة من الطعن أسبغها المشرع على قرارات هذا المجلس. ومن ثم يكون مرد الأمر فى المخالفة المدعى بها إلى ما تصورته محكمة الموضوع من تعارض بين النص التشريعى المحال منها إلى
المحكمة الدستورية العليا
من ناحية وبين المادة ( ٦٨) من الدستور التى تنص على أن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة, ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى, وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء بين المتقاضين وسرعة الفصل فى القضايا, ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء متى كان ذلك, فإنما الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من الحكومة فى شأن النص التشريعى المحال من محكمة الموضوع, يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن البين من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ فى شأن الضريبة على العقارات المبنية, أنه ينص فى مادته الأولى على أن تفرض ضريبة سنوية على العقارات المبينه أيا كانت مادة بنائها وأيا كان الغرض الذى تستخدم فيه, دائمة كانت أم غير دائمة, مقامة على الأرض أو تحتها أو على الماء, مشغولة بعوض أو بغير عوض. وتنص المادة (٩) من هذا القانون على أن تفرض الضريبة على أساس القيمة الايجارية السنوية للعقارات التى تقدرها لجان التقدير المنصوص عليها فى المادة (١٣), ويراعى فى تقدير القيمة الايجارية للعقار جميع العوامل التى تؤدى إلى تحديدها وعلى وجه الخصوص الأجرة المتفق عليها إذا كان العقد خاليا من شبهه الصورية أو المجاملة. وعملاً بالمادة (١٣) يتولى تقدير القيمة الايجارية فى كل مدينة أو محافظة لجان مكونه من أربعة أعضاء اثنان منهم من موظفى الحكومة أو من موظفى المجلس البلدى متى كان لهذا المجلس حق ربط وتحصيل الضريبة. وتكون الرياسة لأحدهما واثنان من بين مالكى العقارات المبينه بالمدينة أو القسم أو البندر التى يتم فيها التقدير يعينهما سنويا وزير المالية والاقتصاد أو وزير الشئون البلدية والقروية كل منهما فيما يخصه أو من ينيبه كل منهما عنه فى ذلك. وطبقا لنص المادة (١٤) تكون الضريبة واجبة الأداء بمجرد نشر التقدير الخاص بها فى الجريدة الرسمية كما يخطر الممول بمقدار الضريبة المربوطة عليه. وتنص المادة (١٥) على أن للممولين والحكومة أن يتظلموا أمام مجلس المراجعة المنصوص عليه فى المادة التالية من قرارات لجان التقدير… فإذا كان التظلم مقدما من الممول, تعين أن يكون مقرونا بتأمين مقداره ٥% من الضريبة المقدم فى شأنها المعارضة……. ولا يرد التأمين فى حالة عدم خفض مجلس المراجعة للقيمة الايجارية…….. وإلى أن يصدر مجلس المراجعة قراره فى التظلم, تؤدى الضريبة المقررة قبل التعديل فى المواعيد المحددة لها. أما عن مجلس المراجعة ذاته, فإن المادة (١٦) من القانون تنص على أن يشكل فى كل مديرية أو محافظة, وأن يكون مؤلفا من ثلاثة من موظفى الحكومة أو من موظفى المجلس البلدى متى كان لهذا المجلس حق ربط وتحصيل الضريبة, يعينهم وزير المالية والاقتصاد أو وزير الشئون البلدية والقروية – كل منهما فيما يخصه – أو من ينيبه كل منهما عنه فى ذلك, ومن ثلاثة من ملاك المبانى بالمدينة أو البلد الذى ينظر المجلس فى التظلمات الخاصة به, يعينهم وزير المالية والاقتصاد أو وزير الشئون البلدية والقروية كل منهما فيما يخصه – أو من ينيبه كل منهما عنه فى ذلك, لمدة سنتين وتكون الرئاسة لعضو من الموظفين…… وتنص المادة (١٨) على أن صحة انعقاد مجلس المراجعة شرطها حضور أربعة من أعضائه. وتصدر قراراته بالأغلبية المطلقة. وعند التساوى يرجح الرأى الذى يؤيده الرئيس. أما المادة (٢٠) المطعون عليها, فنصها صريح فى نهائية القرارات الصادرة عن مجلس المراجعة.
وحيث إن مؤدى التعارض المدعى به بين النص التشريعى المطعون عليه, ونص المادة (٦٨) من الدستور التى تكفل للناس كافة حق التقاضى وتصون لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضية الطبيعى وتحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء – أن نهائية القرارات الصادرة من مجلس المراجعة تنحل إلى نوع من الحصانة خلعها المشرع على هذه القرارات بما يحول دون الطعن عليها إلغاء وتعويضا.
وحيث إن هذا النعى غير سديد, ذلك أن مجلس المراجعة إذ يفصل فى التظلمات المقدمة إليه من قرارات لجان تقدير القيمة الايجارية المتخذ وعاء للضريبة السنوية التى فرضها القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ على العقارات المبنية الخاضعة لأحكامه, فإنه لا يعتبر جهة قضاء ولا تدخل قراراته فى عداد الأعمال القضائية وليس لها بها من صلة, ذلك أن التمييز بين الأعمال القضائية وبين غيرها من الأعمال التى قد تختلط بها إنما يقوم على مجموعة من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعى, ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائى, إذ يتعين دائما لإضفاء الصفة القضائية على أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتهما عند الفصل فى النزاع ومؤديين إلى غيريتها فى مواجهة أطرافة, وأن يثير النزاع المطروح عليها ادعاء قانونيا يبلور الحق فى الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها وبوصفها وسيلة عينها القانون ليوفر بها الحماية للحق المدعى به, وبمراعاة أن يكون الفصل فيها فى إطار حد أدنى من الضمانات القضائية التى لا يجوز النزول عنها والتى تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص إدعاءاتهم وذلك كله وفق قاعدة قانونية نص المشرع عليها سلفا محددا على ضوئها حقوق كل المتنازعين فى تجرد كامل ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكدا للحقيقة القانونية, مبلورا لمضمونها فى مجال الحقوق المدعى بها, لتفرض هذه الحقيقة نفسها – وبافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة – على كل خصم كان طرفا فى النزاع – متى كان ذلك, وكان مجلس المراجعة لا يفصل فى خصومة لبيان حكم القانون فيها فى إطار من الموضوعية والحيدة, وهو ليس ملزما بإتباع قواعد إجرائية تتوافر من خلالها ضمانات التقاضى الرئيسية وإبرزها ضمان إعلان كل ذى مصلحة للمثول أمامه لسماع أقواله وتحقيقا لأوجه دفاعه وما يقترن بها من الأدلة الواقعية أو القانونية المؤيدة لها, وكانت قراراته فوق هذا لا تشتمل على أسبابها الكاشفة عن إحاطته بعناصر المنازعة المعروضة عليه عن بصر وبصيرة, ولا تدل على أنه ارتكن فى إصدارها إلى عيون الأوراق وأنه كان لها مأخذها من حكم القانون, وكان البين كذلك أن مجلس المراجعة لا تدخل فى تكوينه أيه عناصر قضائية, وإنما استبعدها المشرع كلية فى مجال تأليفه وذلك بأن جعل ثلاثة من أعضائه بما فيهم رئيس المجلس من العاملين المدنيين التابعين للجهة الإدارية تبعية مطلقة, ولئن ضم إليهم المشرع ثلاثة من ملاك المبانى بالمدينة أو البلد الذى ينظر المجلس فى التظلمات المقدمة من القاطنين به, إلا أن هؤلاء وأولئك مجردون من الخبرة القضائية ويفتقرون إلى ضمانه الاستقلال التى تعصم أعمالهم من محاولة التدخل أو التأثير فيها, متى كان ما تقدم, وكان مجلس المراجعة لا يفصل فى خصومة فصلا قضائيا, ولا يتقيد فى نظر الطلبات التى تعرض عليه فى شأن قرارات لجان التقدير بأية ضمانه قضائية, ولا بقاعدة قانونية يتحدد على ضوئها حقوق كل معارض فى تقدير القيمة الايجارية التى تفرض الضريبة العقارية على أساسها, فإن هذا المجلس لا يعتبر جهة قضاء فى تطبيق أحكام القانون رقم (٤٦) لسنة ١٩٥٤ فى شأن الضريبة على العقارات المبنيه, بل هو فى حقيقة تكييفه مجرد هيئة إدارية متمتعة باختصاص قضائى ويدخل إلغاء قراراتها فى ولاية محكمة القضاء الإدارى إعمالا للبند (ثانيا) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (٤٧) لسنة ١٩٧٢ التى تنص على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل فى الطعون التى ترفع عن القرارات النهائية الصادرة من جهات إدارية لها اختصاص قضائى فيما عدا القرارات الصادرة من هيئات التوثيق والتحكيم فى منازعات العمل وذلك متى كان مرجع الطعن فيها عدم الاختصاص أو عيبا فى الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ فى تطبيقها أو تأويلها, ولئن نص القانون رقم (٤٦) لسنة ١٩٥٤ المشار إليه فى مادته العشرين على نهائية القرارات الصادرة عن مجلس المراجعة, إلا أن هذه النهائية لا تعتبر مرادفا لامتناع الطعن عليها, ذلك أن نهائية القرارات الإدارية تعتبر شرطا لجواز طلب إلغائها أو التعويض عنها أمام محاكم مجلس الدولة, وهو ما أكده قانون مجلس الدولة بصريح الأحكام التى تضمنتها البنود (ثالثا) و (رابعا) و (خامسا) و (سادسا) و(ثامنا) و (تاسعا) و (عاشراً) من مادته العاشرة وأكدها البند الرابع عشر منها حيث دل بعبارته على أن القرارات التى يجوز الطعن بطلب إلغائها هى القرارات الإدارية النهائية كلما كان الطعن عليها عائدا إلى عدم الاختصاص بإصدارها أم كان مرده عيبا فى الشكل او مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ فى تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. ولا جرم فى أن النهائية التى يعنيها قانون مجلس الدولة والتى تطلبها كشرط لجواز الطعن فى القرارات الصادرة من جهة الإدارة غايتها ضمان ألا يكون قرار الجهة الإدارية خاضعا – فى مجال إقراره – لتصديق جهة أعلى منها أو لتعقيبها ولازم ذلك أن يكون قرار الجهة الإدارية مستكملا عند صدوره عنها لكل المراحل التى يتكامل بها وجوده قانونا فلا تبقى حلقة منها بيد جهة أخرى بما مؤداه أن ما عناه المشرع بالنهائية التى خلعها على قرارات مجلس المراجعة هى أن تكون هذه القرارات محققه لأثارها القانونية فورا ومباشرة بمجرد صدورها بما يفيد استنفادها عندئذ لمراحل تكوينها وليس إسباغ حصانة عليها تحول بذاتها دون الطعن فيها إلغاء تعويضا, إذ كان ما تقدم وكان من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن عدم جواز الطعن فى قرار أو عمل معين لا يكون إلا بنص صريح يقرر هذه الحصانة ويفرضها متوخيا من خلالها عرقلة حق الفرد من النفاد إلى القضاء للحصول على الترضية القضائية التى يطلبها لرد العدوان على الحقوق التى يدعيها, وكان النص التشريعى المطعون عليه غير مقترن بهذا الحظر, بل جاء مجردا منه, فإن النعى عليه بمخالفة المادة (٦٨) من الدستور يكون على غير أساس حريا بالرفض.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتضمن مخالفه لأحكام الدستور من أى وجه آخر.

فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى