حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٥ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٥ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٣ – ٠٢ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة أولاً: (أ) بعدم دستورية ما تضمنه البند ج من المادة ٢١ من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ – قبل تعديلها بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ – في شأن الأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن ورفعت عنها الضريبة لخروجها من نطاق الأراضي الزراعية، من تقدير قيمتها بحيث لا تقل عن مائة وخمسين جنيها للمتر المربع في المناطق السياحية وخمسين جنيهاً للمتر المربع في غيرها كحد أدني. (ب) بعدم دستورية نظام التحري عن القيمة الحقيقية لهذه الأراضي وتحصيل رسم تك

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعية أمام محكمة الموضوع إنصب على مخالفة المادتين ٢١ و ٢٦ من القانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر للدستور . وليس منصوراً ــ فى مجال تقدير جديته ــ أن تتعمق محكمة الموضوع المسائل الدستورية التى طرحتها المدعية عليها ، ولا أن تفصل فيها بقضاء قطعى يكون منهياً لولاية المحكمة الدستورية العليا التى يعود إليها وحدها أمر الفصل فى بطلان النصوص القانونية أو صحتها ، بعد أن تسلط عليها ضوابط الرقابة على الشرعية الدستورية ، وتزنها على ضوء مناهجها ومعاييرها . تقدير محكمة الموضوع جدية المطاعن الدستورية المثار أمامها ، ليس لازماً أن يكون صريحاً ، حسبها أن يكون قرارها فى هذا الشأن ضمنياً . ويعتبر كذلك تعليقها الفصل فى النزاع الموضوعى على البت فى المسائل التى إتصل بها .

– – – ٢ – – –
نطاق الدعوى الدستورية يتحدد على ضوء النصوص القانونية التى إتصل بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع . وإذ كانت الدعوى الموضوعية تفصح عن تجريح المدعية للمادتين ٢١ و ٢٦ من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر ــ قبل تعديلهما بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ ــ فإن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بالفصل فى دستوريتهما .

– – – ٣ – – –
التجهيل بالمسائل الدستورية أو ببعض جوانبها ، يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها ، فإذا كان إعمال النظر فى شأنها ــ وعلى الأخص من خلال الرباط المنطقى للوقائع المؤدية إليها ــ يفصح عن حقيقتها ، وما قصد إليه الطاعن حقاً من إثارتها ، فإن القول بمخالفة نص المادة ٣٠ من قانون المحكمة الدستورية العليا ، يكون لغواً .

– – – ٤ – – –
المحكمة الدستورية العليا لا يجوز أن تتنصل من إختصاص نيط بها وفقاً للدستور أو القانون أو كليهما . وعليها كذلك ألا تخوض فى إختصاص ليس لها ، ذلك أن مجاوزتها لولايتها أو تنصلها منها ممتنعان دستورياً ، وكان من المقرر كذلك أن لكل من الدعويين الدستورية والموضوعية ذاتيتها ومقوماتها ، فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان فى شرائط قبولهما ، وكان قضاء هذه المحكمة مطرداً كذلك على أن محكمة الموضوع هى التى تفصل دون غيرها فى توافر شروط قبول الخصومة المرددة أمامها ، وأنها تستقل كذلك بتكييفها ، فلا تنازعها المحكمة الدستورية العليا فى شئ من ذلك ، وإلا كان موقفها منها إقتئاتاً على ولايتها أو تجريحاً لقضاء قطعى صادر عنها . متى كان ذلك ، وكان النزاع الموضوعى ينحل فى تقدير محكمة الموضوع إلى تظلم المدعية من مقدار الرسوم التى قدرتها عليها مصلحة الشهر العقارى والتوثيق ، فإن طعنها فى النصوص القانونية التى تتصل بهذا التقدير ، مما تقوم به مصلحتها الشخصية المباشرة .

– – – ٥ – – –
المحكمة الدستورية العليا لا يجوز أن تتنصل من إختصاص نيط بها وفقاً للدستور أو القانون أو كليهما . وعليها كذلك ألا تخوض فى إختصاص ليس لها ، ذلك أن مجاوزتها لولايتها أو تنصلها منها ممتنعان دستورياً ، وكان من المقرر كذلك أن لكل من الدعويين الدستورية والموضوعية ذاتيتها ومقوماتها ، فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان فى شرائط قبولهما ، وكان قضاء هذه المحكمة مطرداً كذلك على أن محكمة الموضوع هى التى تفصل دون غيرها فى توافر شروط قبول الخصومة المرددة أمامها ، وأنها تستقل كذلك بتكييفها ، فلا تنازعها المحكمة الدستورية العليا فى شئ من ذلك ، وإلا كان موقفها منها إقتئاتاً على ولايتها أو تجريحاً لقضاء قطعى صادر عنها . متى كان ذلك ، وكان النزاع الموضوعى ينحل فى تقدير محكمة الموضوع إلى تظلم المدعية من مقدار الرسوم التى قدرتها عليها مصلحة الشهر العقارى والتوثيق ، فإن طعنها فى النصوص القانونية التى تتصل بهذا التقدير ، مما تقوم به مصلحتها الشخصية المباشرة .

– – – ٦ – – –
إن قضاء هذه المحكمة قد جرى ، على أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها ، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها ، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التى تتم من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها . فإذا إستعيض عنها بقاعدة قانونية أخرى ، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها ، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها . وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من هاتين القاعدتين . فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية ، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها ، يظل خاضعاً لحكمها وحدها .

– – – ٧ – – –
حكم المادة الثانية من الدستور ، بعد تعديلها فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ ــ يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها ــ وإعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل ــ قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية ، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة ــ مصدراً وتأويلاً ــ بعد أن إعتبرها الدستور مرجعاً ترد إليه هذه النصوص فلا تعارضها ، ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التى فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها فى ممارستها لاختصاصاتها التشريعية . وإذ كان الأصل فى كل مصدر ترد إليه النصوص القانونية لضمان إتساقها مع مقتضاه ، أن يكون أسبق وجوداً من هذه النصوص ذاتها ، فإن مجال إعمال نص المادة الثانية من الدستور ، يكون بالضرورة مرتبطاً بالنصوص القانونية التى تصدر بعد نفاذ التعديل الذى أدخله الدستور عليها دون سواها ، لينحسر بالتالى عن النصوص المطعون عليها الصادرة قبل العمل بتعديل المادة الثانية من الدستور ، والتى لم يلحقها منذ صدورها تغيير ينال من محتواها بما يؤثر فى الحقوق التى تطلبها المدعية بمناسبة تطبيقها عليها ، ومن ثم يكون النعى عليها بمخالفتها نص المادة الثانية من الدستور ، غير سديد .

– – – ٨ – – –
الرسم النسبى ــ فى الأحوال التى يقدر فيها على أساس قيمة العقار أو المنقول ــ إنما يقدر مبدئياً وفق القواعد التى فصلها البند (ج) من المادة ٢١ من قانون رسوم التوثيق والشهر قبل تعديلها بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ ، وأن إتمام التقدير على هذا النحو لا يعنى أن يصير نهائياً ، بل يجوز إعادة النظر فيه من قبل خبراء يتحرون على القيمة الحقيقية للعقار أو المنقول . بما مؤداه أن القواعد التى يتضمنها البند (ج) من المادة ٢١ المطعون عليها ، إنما تمثل حداً أدنى لقيمة العقار التى يحصل الرسم النسبى على مقتضاها ، وهى بعد قيمة يجوز تكملتها بما قد يظهر من زيادة فيها ، ليوازيها الرسم المستحق ، فلا يكون منسوباً إلا إليها .

– – – ٩ – – –
الحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة ، تمتد إلى كل أشكالها ، وتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها ، والقيود التى يجوز فرضها عليها ، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق بما ينال من محتواها أو يقلص دائرتها ، لتغدو الملكية فى واقعها شكلاً مجرداً من المضمون ، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً ، فلا تخلص لصاحبها ، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً ، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها ، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التى لا يجوز إستنزافها من خلال فرض قيود لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . وهو ما يعنى أن الأموال بوجه عام ينبغى أن توفر لها من الحماية ما يعينها على أداء دورها ، ويكفل إجتناء ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها ، وبما يقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها . ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها ، ولا أن يغير من طبيعتها ، أو يجردها من لوازمها ، ولا أن يفصلها عن بعض أجزائها ، أو يدمر أصلها أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً أدخل إلى مصادرتها .

– – – ١٠ – – –
الدستور ، وأن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها كالمواد ٤ و ٢٣ و ٥٣ و ٥٧ ، وخلا فى الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه ، إلا أن مفهوم العدل ــ سواء بمبناه أو أبعاده ــ يتعين أن يكون محدداً من منظور إجتماعى ، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل الجماعة فى حركتها عنها ، والتى تبلور مقاييسها فى شأن ما يعتبر حقاً لديها ، فلا يكون العدل مفهوماً مطلقاً ثابتاً بإطراد بل مرنا ومتغيراً وفقاً لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها ، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجاً متواصلاً منبسطاً على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها ، وازناً بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين ، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدواناً ، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافاً ، وإلا صار القانون منهياً للتوافق فى مجال تنفيذه ، وغدا إلغاؤه لازماً .

– – – ١١ – – –
الأعباء التى يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو فى الحدود التى بينها ــ سواء كان بنيانها ضريبة أو رسماً أو تكليفاً آخر ــ هى التى نظمها الدستور بنص المادة ١١٩ ، وكانت المادة ٣٨ من الدستور ، وإن خص بها النظام الضريبى متطلباً أن تكون العدالة الاجتماعية مضموناً لمحتواه ، وغاية يتوخاها ، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التى يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على إختلافها ، إلا أن الضريبة بكل صورها ، تمثل فى جوهرها عبئاً مالياً على المكلفين بها ، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى إنتظمتها المادة ١١٩ من الدستور ، ويتعين بالتالى ــ وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها ــ أن يكون العدل من منظور إجتماعى ، مهيمناً على هذه الأعباء بكل صورها ، محدداً الشروط الموضوعية لإقتضائها ، نائياً عن التمييز بينها دون مسوغ ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعاً فى شأن الحقوق عينها ، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تفرق بها ضوابطها .

– – – ١٢ – – –
لم يحدد البند (ج) من المادة ٢١ المشار إليها ، قيمة العقار ــ فى الأحوال التى ينص فيها على تقدير الرسم النسبى على أساس هذه القيمة ــ وفق ما هو مدون بشأنها فى المحرر محل الشهر ، ولا هو إستعاض عنها ــ وعلى ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ ــ بمعايير دقيقة تنضبط بها أسس التقدير ، فلا يكون تطبيقها محل نزاع ، وإنما إتخذ من الجباية منهاجاً ، متوخياً أن يوفر عن طريقها ــ وعلى غير أسس موضوعية ــ موارد للدولة تعينها على إشباع جانب من إحتياجاتها ، بل إنها أدرجتها فعلاً بموازنتها على ضوء توقعها الحصول عليها من خلال رسومها عن أعمال التوثيق والشهر . وهو ما يعنى ملاحقتها الممولين من أجل إستئدانها تأميناً لمبلغها ، ورغم ما دل عليه العمل من تباين القيم التى قدرتها لأموال عقارية تتماثل مواقعها ومكوناتها ، وجنوحها بالتالى إلى المغالاة فى تقدير رسومها ، وعلى الأخص من خلال ما قرره هذا البند من التمييز بين الأموال التى يتناول الشهر محرراتها ، تبعاً لموقعها ، فلا يقل سعر المتر المربع بشأنها عن مائة وخمسين جنيهاً فى الأماكن السياحية ، ولا عن خمسين جنيهاً فيما عداها ، ورجوعها كذلك فى تحديد هذه الأماكن إلى القرارات الصادرة بشأنها ، ودون ما إعتداد بتعلقها بغير الأغراض التى صدر قانون رسوم التوثيق والشهر من أجلها ، ولا بأن الأصل فى تلك الأماكن هو إحتواء مكوناتها على قيم تعكس تراثاً تاريخياً أو حضارياً أو جمالياً أو بيئياً أو دينياً ، ولا شأن لها بالتالى بأموال يتم التعامل فيها من خلال قيمتها السوقية .

– – – ١٣ – – –
عزز المشرع إتجاه الجباية التى إستهدفها بالبند المطعون فيه ــ والتى كان من شأنها وقوع منازعات عديدة بين مصلحة الشهر العقارى والتوثيق والمتعاملين معها ــ بنظام التحرى عن القيمة الحقيقية للعقار بعد تمام عملية الشهر وإستكمال إجراءاتها ، تمهيداً لإخضاع ما قد يظهر من زيادة فى هذه القيمة لرسوم تكميلية يكون طلبها من ذوى الشأن مصادماً لتوقعهم المشروع ، فلا يكون مقدارها معروفاً قبل الشهر ، ولا عبؤها ماثلاً فى أذهانهم عند التعامل ، فلا يزنون خطاهم على ضوء تقديرهم سلفاً لها ولا يعرفون بالتالى لأقدامهم مواقعها ، بل تباغتهم المصلحة بها ، ليكون فرضها نوعاً من المداهمة التى تفتقر لمبرراتها ، ومن ثم حرص القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ بتعديل قانون رسوم التوثيق والشهر على إقتلاعها بإلغاء رخصتها ، ضماناً لإستقرار الملكية العقارية التى لا يجوز زعزعتها بما يلحق الضرر بأوضاع بيئتها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية ، ويرتد بنظم شهرها على أعقابها إذا أحجم المواطنون عن ولوجها ، وإخلالاً ــ فوق هذا ــ بحقائق العدل الاجتماعى التى إحتضن بها الدستور الأعباء المالية على إختلافها ، محدداً على ضوئها شروط إقتضائها ، فإذا أهدرها المشرع ـ مثلما هو الحال فى النزاع الماثل ــ كان ذلك عدواناً على الملكية الخاصة من خلال إقتطاع بعض عناصرها دون مسوغ .

– – – ١٤ – – –
لكل حق دائرة ويعمل فيها ، ولا يتنفس إلا من خلالها ، ويعتبر صونها لازماً لفعالية ممارسته ، فلا يجوز أن يقتحمها المشرع ، ولا أن ينظم الحق موضوعها إلا فيما وراء حدودها الخارجية ، شأن حق التقاضى فى ذلك شأن غيره من الحقوق التى لا يجوز القول بمصادرتها أو إنتقاصها من أطرافها ، إلا إذا أهدرها المشرع أو قيد من نطاقها ، مؤثراً بذلك فى مجالها الحيوى . ولا يتقيد تنظيم المشرع لحق التقاضى بأشكال جامدة لا يجوز أن يتحول المشرع عنها ، ولا بأنماط محددة تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها ، وإنما يقدر المشرع لكل حالة ما يناسبها على ضوء الأوضاع التى يباشر هذا الحق عملاً فى إطارها ، وبما لا يصل إلى حد إهداره ، ليظل هذا التنظيم مرناً ، فلا يكون إفراطاً يطلق الخصومة القضائية من عقالها إنحرافاً عن أهدافها ، ولا تفريطاً مجافياً لمتطلباتها ، بل بين هذين الأمرين قواماً ، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر إعتدالاً .

– – – ١٥ – – –
ميعاد الثمانية أيام التى أجاز المشرع التظلم خلالها من أمر التقدير ، يعتبر متصلاً بالشروط التى تطلبها لجوازه . ومرتبطاً بالتالى بتنظيم المشرع للحق فى الدعوى ، مما يدخل فى نطاق سلطته التقديرية . ولا ينفتح ميعاد الثمانية أيام إلا من تاريخ إعلان أمر التقدير لكل ذى شأن فيه . ومجرد التظلم من أمر التقدير أمام المحضر عند إعلانه ، يعتبر كافياً لإتصال خصومة الطعن بالمحكمة الابتدائية التى ناط بها المشرع الفصل فيه ، وإختصها بإنزال حكم القانون فى هذا النزاع على الوقائع التى تخلص إليها ، مقيدة فى ذلك بضوابط العمل القضائى وضماناته ، وتلك جميعاً أشكال إجرائية حد بها المشرع من الآثار السلبية لقصر ميعاد التظلم ، ولا ينال من جدواها ، أن يكون الطعن فى الحكم الصادر فى فى التظلم من أمر التقدير ممتنعاً ، ذلك أن قصر التقاضى ــ فى المسائل التى فصل حكم قضائى فيها ــ على درجة واحدة مما يجوز دستورياً ، كلما كان هذا القصر مستنداً إلى أسس موضوعية ، كتلك التى تقتضيها سرعة إنهاء صور من المنازعات بالنظر إلى طبيعتها .

[الطعن رقم ٦٥ – لسنــة ١٧ ق – تاريخ الجلسة ٠١ / ٠٢ / ١٩٩٧ – مكتب فني ٨ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٣٦٨ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن مصلحة الشهر العقارى والتوثيق كانت تستحق رسوما قبل المدعية مقدارها ٥٣٥ر٢١٤١٤ جنيها عن تسجيل المدعية لعقد شرائها عشرين قيراطا بحوض الشيخ حسن رقم ٨ بناحية اهناسيا . وإزاء عدم وفائها بالرسوم المطلوبة منها بعد صدور أمر بتقدير مبلغها، فقد بادرت مصلحة الشهر العقارى والتوثيق إلى اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبرى على قطعة الأرض هذه، ثم تدخلت فى الدعوى رقم ٣٢٣ لسنة ١٩٨٨ بيوع بوصفها مشترية لها، وقضى بإيقاع البيع عليها بمبلغ عشرين ألفا من الجنيهات . وقد قامت المصلحة بتسجيل حكم إيقاع البيع الصادر لصالحها مع إعلان المدعية بذلك مما حملها على أن تقيم ضدها دعويين، أولاهما : هى الدعوى رقم ٤٤ لسنة ١٩٩٥ مدنى جزئى أهناسيا بطلب إعادة تقدير الرسوم التى تستحقها مصلحة الشهر العقارى والتوثيق قبلها على ضوء أحكام القانون رقم ٦ لسنة ١٩٦١. وقد أحالتها محكمة أهناسيا الجزئية الى محكمة بنى سويف الابتدائية للاختصاص حيث قيدت لديها برقم ٤٩٣ سنة ١٩٩٥ مدنى كلى بنى سويف . وثانيتهما : برقم ٦٥ سنة ١٩٩٥ مدنى أمام محكمة أهناسيا الجزئية بطلب الحكم ببطلان تسجيل حكم إيقاع البيع واعتباره كأن لم يكن، ومحو التأشيرات المترتبة عليه. وهذه الدعوى هى التي كيفتها محكمة اهناسيا الجزئية بأنها تظلم من تقدير الرسوم التى تطلبها مصلحة الشهر العقارى من المدعية، ثم أحالتها إلى محكمة بنى سويف الابتدائية للاختصاص حيث قيدت برقم ٩٥٠ سنة ١٩٩٥ مدنى كلى . وأمامها دفعت المدعية بعدم دستورية المادتين ٢١ و ٢٦ من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر، قبل تعديلهما بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فقد أقامت دعواها الدستورية الماثلة. وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت هذه الدعوى بعدم قبولها، مستندة فى ذلك إلى قالة أنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا وفقا للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها؛ وأن المدعية جهلت – فى دفعها – بالنصوص المطعون عليها؛ وأن تأجيل محكمة الموضوع نظر النزاع المعروض عليها إلى أن تقدم المدعية مايدل على رفعها الدعوى الدستورية، لايعد تصريحا منها بإقامتها؛ وأن دفعها بعدم الدستورية انصب على المادة ٢١ من القراربقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤وحدها، فلا يمتد لسواها. هذا فضلا عن أن صحيفة الدعوى الدستورية تجهل بأوجه مخالفة النصوص المطعون عليها للدستور، وكان ينبغى عليها تعيينها وفقا لنص المادة ٣٠ من قانون المحكمة الدستورية العليا . وحيث إن ما ذهبت إليه هذه الهيئة – فى مختلف أوجهه – مردود أولا : بأن الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعية أمام محكمة الموضوع انصب علي مخالفة المادتين ٢١ و ٢٦ من القانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ المشار إليه للدستور. وليس متصوراً – فى مجال تقدير جديته – أن تتعمق محكمة الموضوع المسائل الدستورية التى طرحتها المدعية عليها ، ولا أن تفصل فيها بقضاء قطعى يكون منهيا لولاية المحكمة الدستورية العليا التى يعود إليها وحدها أمر الفصل فى بطلان النصوص القانونية أو صحتها، بعد أن تسلط عليها ضوابط الرقابة على الشرعية الدستورية، وتزنها على ضوء مناهجها ومعاييرها . ومردود ثانيا : بأن تقدير محكمة الموضوع جدية المطاعن الدستورية المثارة أمامها، ليس لازما أن يكون صريحا، بل حسبها أن يكون قرارها فى هذا الشأن ضمنيا . ويعتبر كذلك تعليقها الفصل فى النزاع الموضوعى على البت فى المسائل الدستورية التى اتصل بها . ومردود ثالثا : بأن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد على ضوء النصوص القانونية التى اتصل بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع . وإذ كانت الدعوى الموضوعية تفصح عن تجريح المدعية للمادتين ٢١ و٢٦ من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم الشهر والتوثيق – قبل تعديلهما بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ – فإن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بالفصل فى دستوريتهما . ومردود رابعا : بأن التجهيل بالمسائل الدستورية أو ببعض جوانبها، يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلا بما يحول عقلا دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها – وعلى الأخص من خلال الرباط المنطقى للوقائع المؤدية إليها – يفصح عن حقيقتها، وماقصد إليه الطاعن حقا من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة ٣٠ من قانون المحكمة الدستورية العليا، يكون لغوا . وحيث إن هيئة قضايا الدولة تدعى كذلك انتفاء المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية فى الدعوى الماثلة، بمقولة أن دعواها الموضوعية يجب تكييفها قانونا بأنها منازعة تنفيذ موضوعية فى الحكم المسجل الصادر بايقاع بيع بعض أطيانها لصالح المدعى عليها – مصلحة الشهر والتوثيق – وإذ غدا هذا الحكم نهائيا، فإن الفصل فى المسائل الدستورية التى أثارتها المدعية فى دعواها الدستورية، لن يكون موطئا للفصل فى الطلبات الموضوعية سواء فى أصولها الكلية أو فروعها . وحيث إن هذا النعى مردود، بأن المحكمة الدستورية العليا لايجوز أن تتنصل من اختصاص نيط بها وفقا للدستور أوالقانون أو كليهما . وعليها كذلك ألا تخوض فى اختصاص ليس لها، ذلك أن مجاوزتها لولايتها أو تنصلها منها ممتنعان دستوريا؛ وكان من المقرر كذلك أن لكل من الدعويين الدستورية والموضوعية ذاتيتها ومقوماتها، فلاتختلطان ببعضهما ولاتتحدان فى شرائط قبولهما؛ وكان قضاء هذه المحكمة مطردَّاً كذلك على أن محكمة الموضوع هى التى تفصل دون غيرها فى توافر شروط قبول الخصومة المرددة أمامها، وأنها تستقل كذلك بتكييفها، فلاتنازعها المحكمة الدستورية العليا فى شئ من ذلك، وإلا كان موقفها منها افتئاتا على ولايتها أو تجريحا لقضاء قطعى صادر عنها . متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى ينحل فى تقدير محكمة الموضوع إلى تظلم من المدعية من مقدار الرسوم التى قدرتها عليها مصلحة الشهر العقارى والتوثيق، فإن طعنها فى النصوص القانونية التى تتصل بهذا التقدير، مما تقوم به مصلحتها الشخصية المباشرة . وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لايحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التى تتم من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها. فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها . وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من هاتين القاعدتين . فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعا لحكمها وحدها . وحيث إن المدعية قصرت مناعيها على كل من البند (ج) من المادة ٢١ من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر، وكذلك ماتنص عليه المادة ٢٦ من هذا القرار بقانون، من أن التظلم من أمر التقدير لايكون إلاخلال ثمانية أيام، وأن الحكم الصادرعن المحكمة الابتدائية فى شأن هذا التظلم لايجوز الطعن فيه؛ وكان القانون ٦ لسنة ١٩٩١ وإن أعاد تنظيم الأسس التى تبنتها المادة ٢١ من هذا القرار بقانون في شأن تقدير قيمة الرسم النسبى المستحق، وحدد – فوق هذا – ميعاد التظلم من أمر التقدير بثلاثين يوما، مع جواز الطعن فى الحكم الصادرعن المحكمة الابتدائية فيه؛ إلا أن النصوص المطعون عليها – وقبل تعديلهاعلى هذا النحو – هى التى جرى تطبيقها فى شأن المدعية فلايكون إبطالها من خلال الدعوى الدستورية، إلا كافلا لمصلحتها الشخصية المباشرة . وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة النصوص المطعون عليها للمادة الثانية من الدستور مردود : بأن حكم هذه المادة – بعد تعديلها فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها – واعتبارا من تاريخ العمل بهذا التعديل – قيدا على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة – مصدراً وتأويلا – بعد أن اعتبرها الدستور مرجعا ترد إليه هذه النصوص فلا تعارضها، ودون ماإخلال بالضوابط الأخرى التى فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها فى ممارستها لاختصاصاتها التشريعية . وإذ كان الأصل فى كل مصدر ترد إليه النصوص القانونية لضمان اتساقها مع مقتضاه، أن يكون أسبق وجودا من هذه النصوص ذاتها، فإن مجال إعمال نص المادة الثانية من الدستور، يكون بالضرورة مرتبطا بالنصوص القانونية التى تصدر بعد نفاذ التعديل الذى أدخله الدستور عليها دون سواها، لينحسر بالتالى عن النصوص المطعون عليها الصادرة قبل العمل بتعديل المادة الثانية من الدستور . والتى لم يلحقها منذ صدورها تغيير ينال من محتواها بما يؤثر في الحقوق التى تطلبها المدعية بمناسبة تطبيقها عليها، ومن ثم يكون النعى عليها بمخالفتها نص المادة الثانية من الدستور، غير سديد . وحيث إن البند ( ج ) من المادة ٢١ المطعون عليها ينص على أنه بالنسبة للأراضى الفضاء والمعدة للبناء والأراضى الزراعية الكائنة فى ضواحى المدن ، ورفعت عنها الضريبة لخروجها من نطاق الأراضى الزراعية، تقدر قيمتها على أساس الثمن أو القيمة الموضحة فى المحرر بحيث لاتقل عن ١٥٠ جنيه للمتر المربع فى المناطق السياحية و٠٥ جنيها للمتر المربع فى المناطق غير السياحية كحد أدني . أما بالنسبة للأراضى الزراعية الكائنة فى ضواحى المدن والمربوط عليها ضريبة أطيان فيحصل الرسم مؤقتا طبقا للبند ( أ ) ويستوفى ماقد يكون باقيا من الرسم المستحق بعد تحرى مصلحة الشهر العقارى والتوثيق عن قيمة العقار الحقيقية . وعملا بالفقرة الأخيرة من المادة ٢١ المشار إليها يجوز فى كل الأحوال، أن تقوم مصلحة الشهر العقارى والتوثيق – بعد اتخاذ إجراءات الشهر والتوثيق – بالتحرى عن القيمة الحقيقية للعقار أو المنقول . ويحصل الرسم التكميلى عن الزيادة التى تظهر فى القيمة . وحيث إن المدعية تنعى على البند (ج ) من المادة ٢١ بنصها المتقدم ، الإخلال بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة، تأسيسا على أن المشرع فرض فى شأن العقارات موضوع المحررات التى تقدم للشهر حدا أدنى لقيمة المتر المربع مايز فيه بين المناطق السياحية وغيرها، وأن تقديره فى هذا الشأن كان تحكميا، متضمنا افتئاتا على ملكيتها، لاسيما وأن المشرع أقام نظاما للتحرى عن القيمة الحقيقية للعقار بعد تسجيل المحرر المتعلق به، حال أن هذه القيمة ينبغى تحديدها على ضوء بياناتها الواردة فى المحرر المطلوب شهره . وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره، ذلك أن البند ج المطعون عليه، كان قد عدل بالقانون رقم ٩٤ لسنة ١٩٨٠ . وقد أعدت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية تقريرا عن مشروع هذا التعديل تضمن أن القواعد التى أتى بها القانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر لتقدير قيمة الأراضى الزراعية والأراضى الفضاء والمعدة للبناء، لم يعد تطبيقها ملائما بالنظر إلى ماطرأ على الأوضاع الاقتصادية من تغييرجوهرى، وأن التعامل فى هذه الأراضى بأقل من قيمتها الحقيقية بكثير، أضاع على الدولة نحو أربعين مليون جنيه كان يمكن أن توجهها إلى استثماراتها وخدماتها، لاسيما وأن بموازنتها عجزا يقتضى إسهام المواطنين فى أعبائها – وفق قدراتهم – وبما يكفل تضامنهم اجتماعيا . هذا فضلا عن أن الحق فى ندب خبراء لتقدير القيمة الحقيقية للعقار أو المنقول ، كان مقصورا فى ظل العمل بنص المادة ٢١ من قانون رسوم التوثيق والشهر – قبل تعديلها وفقا لأحكام هذا المشروع – على الأحوال الواردة فى البند ج منها . بيد أن المشروع عمم هذا الحكم، مجيزا – ولو بعد تمام الإجراءات – ومن خلال التحريات التى يقوم بها خبراء وزارة العدل أو خبراء الجدول ممن يندبون للعمل لهذا الغرض، تقدير هذه القيمة تقديرا حقيقيا ضمانا لتحصيل رسم تكميلى على الزيادة التى تظهر فيها . وحيث إن مؤدى ماتقدم، أن الرسم النسبى – فى الأحوال التى يقدر فيها على أساس قيمة العقار أو المنقول – إنما يقدر مبدئيا وفق القواعد التى فصلها البند (ج) من المادة ٢١ من قانون رسوم التوثيق والشهر قبل تعديلها بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١، وأن إتمام التقدير على هذا النحو، لايعنى أن يصير نهائيا، بل يجوز إعادة النظر فيه من قبل خبراءيتحرون عن القيمة الحقيقية للعقار أو المنقول . بما مؤداه أن القواعد التى يتضمنها البند ( ج ) من المادة ٢١ المطعون عليها، إنما تمثل حدا أدنى لقيمة العقار التى يحصل الرسم النسبى على مقتضاها، وهى بعد قيمة يجوز تكملتها بما قد يظهر من زيادة فيها، ليوازيها الرسم المستحق، فلايكون منسوبا إلا إليها . وحيث إن الحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، وتقيم توازنا دقيقا بين الحقوق المتفرعة عنها، والقيود التى يجوز فرضها عليها، فلاترهق هذه القيود تلك الحقوق بما ينال من محتواها أو يقلص دائرتها، لتغدو الملكية فى واقعها شكلا مجردا من المضمون، وإطارا رمزيا لحقوق لاقيمة لها عملا، فلا تخلص لصاحبها، ولايعود عليه ما يرجوه منها إنصافا، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التى لايجوز استنزافها من خلال فرض قيود لاتقتضيها وظيفتها الاجتماعية . وهو ما يعنى أن الأموال بوجه عام ينبغى أن توفر لها من الحماية مايعُينها على أداء دورها، ويكفل اجتناء ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، وبما يقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها . ولم يعد جائزا بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها، أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن بعض أجزائها، أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصبا أدخل إلى مصادرتها. وحيث إن الدستور، وأن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها كالمواد ٤ و٢٣ و٥٣ و٥٧، وخلا فى الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل – سواء بمبناه أو أبعاده – يتعين أن يكون مُحَددَّا من منظور اجتماعى، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لاتنفصل الجماعة فى حركتها عنها، والتى تبلور مقاييسها فى شأن مايعتبر حقا لديها، فلايكون العدل مفهوما مطلقا ثابتا باطراد، بل مرنا ومتغيرا وفقا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، وهو بذلك لايعدو أن يكون نهجا متواصلا منبسطا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافا، وإلا صار القانون منهيا للتوافق فى مجال تنفيذه، وغدا الغاؤه لازما . وحيث إن الأعباء التى يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو فى الحدود التى يبينها – وسواء كان بنيانها ضريبة أو رسما أو تكليفا آخر – هى التى نظمها الدستور بنص المادة ١١٩؛ وكانت المادة ٣٨ من الدستور، وإن خص بها النظام الضريبى متطلبا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتواه، وغاية يتوخاها، فلاتنفصل عنها النصوص القانونية التى يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها، تمثل فى جوهرها عبئا ماليا على المكلفين بها، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمتها المادة ١١٩ من الدستور، ويتعين بالتالى – وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى، مهيمنا عليها بمختلف صورها، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعا فى شأن الحقوق عينها، فلاتحكمها إلا مقاييس موحدة لاتتفرق بها ضوابطها . وحيث إن البند (ج) من المادة ٢١ المشار إليها، لم يحدد قيمة العقار – فى الأحوال التى ينُص فيها على تقدير الرسم النسبى على أساس هذه القيمة – وفق ماهو مدون بشأنها فى المحرر محل الشهر، ولاهو استعاض عنها – وعلى ماجاء بالأعمال التحضيرية للقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ – بمعايير دقيقة تنضبط بها أسس التقدير، فلايكون تطبيقها محل نزاع، وإنما اتخذ من الجباية منهاجا، متوخيا أن يوفر عن طريقها – وعلى غير أسس موضوعية – موارد للدولة تعينها على إشباع جانب من احتياجاتها، بل إنها أدرجتها فعلا بموازنتها على ضوء توقعها الحصول عليها من خلال رسومها عن أعمال التوثيق والشهر . وهو مايعنى ملاحقتها الممولين من أجل استئدائها تأمينا لمبلغها، ورغم مادل عليه العمل من تباين القيم التى قدرتها لأموال عقارية تتماثل مواقعها ومكوناتها، وجنوحها بالتالى إلى المغالاة فى تقدير رسومها، وعلى الأخص من خلال ماقرره هذا البند من التمييز بين الأموال التى يتناول الشهر محرراتها، تبعا لموقعها، فلايقل سعر المترالمربع بشأنها عن مائة وخمسين جنيها فى الأماكن السياحية، ولاعن خمسين جنيها فيما عداها، ورجوعها كذلك فى تحديد هذه الأماكن إلى القرارات الصادرة بشأنها، ودون مااعتداد بتعلقها بغير الأغراض التى صدر قانون رسوم التوثيق والشهر من أجلها، ولا بأن الأصل فى تلك الأماكن هو احتواءمكوناتها على قيم تعكس تراثا تاريخيا أو حضاريا أو جماليا أو بيئيا أو دينيا، ولاشأن لها بالتالى بأموال يتم التعامل فيها من خلال قيمتها السوقية . وحيث إن المشرع عزز اتجاه الجباية التى استهدفها بالبند المطعون فيه – والتى كان من شأنها وقوع منازعات عديدة بين مصلحة الشهر العقارى والتوثيق والمتعاملين معها . – بنظام التحرى عن القيمة الحقيقية للعقار بعد تمام عملية الشهر واستكمال إجراءاتها، تمهيدا لإخضاع ماقد يظهر من زيادة فى هذه القيمة لرسوم تكميلية يكون طلبها من ذوى الشأن مصادما لتوقعهم المشروع، فلايكون مقدارها معروفا قبل الشهر، ولاعبؤها ماثلا فى أذهانهم عند التعامل، فلايزنون خطاهم على ضوء تقديرهم سلفا لها ولايعرفون بالتالى لأقدامهم مواقعها، بل تباغتهم المصلحة بها، ليكون فرضها نوعا من المداهمة التى تفتقر لمبرراتها، ومن ثم حرص القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ بتعديل قانون رسوم التوثيق والشهر على اقتلاعها بإلغاء رخصتها، ضمانا لاستقرار الملكية العقارية التى لايجوز زعزعتها بما يلحق الضرر بأوضاع بيئتها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، ويرتد بنظم شهرها على أعقابها إذا أحجم المواطنون عن ولوجها، وإخلالا – فوق هذا – بحقائق العدل الاجتماعى التى احتضن بها الدستور الأعباء المالية على اختلافها، محددا على ضوئها شروط اقتضائها، فإذا أهدرها المشرع – مثلما هو الحال فى النزاع الماثل – كان ذلك عدوانا على الملكية الخاصة من خلال اقتطاع بعض عناصرها دون مسوغ . وحيث إنه على ضوء ماتقدم يكون البند ج المطعون عليه، مخالفا لأحكام المواد ٣٢ و٣٤ و ٣٨ و ٦٥ و ١١٩ و ١٢٠ من الدستور . وحيث إن المادة ٢٦ المطعون عليها – قبل تعديلها بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ – تنص على أنه فى الأحوال التي تستحق فيها رسوم تكميلية يصدر أمين المكتب المختص أمر تقدير بتلك الرسوم ويعلن هذا الأمر إلى ذوى الشأن بكتاب موصى عليه مصحوبا بعلم الوصول أوعلى يد أحد محضرى المحكمة . ويجوز لذوى الشأن – فى غير حالة تقدير القيمة بمعرفة أهل الخبرة المنصوص عليها فى المادة ٢١ – التظلم من أمر التقدير خلال ثمانية أيام من تاريخ الإعلان ، وإلا أصبح الأمر نهائيا . ويكون تنفيذه بطريق الحجز الإدارى، كما يجوز تنفيذه بالطريق القضائى بعد وضع الصيغة التنفيذية على صورة أمر التقدير من المحكمة الواقع فى دائرة اختصاصها المكتب الصادر منه ذلك الأمر . ويحصل التظلم أمام المحضر عند إعلان أمر التقدير أو بتقرير فى قلم الكتاب، ويرفع التظلم إلى المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها المكتب الذى أصدر الأمر، ويكون حكمها غير قابل للطعن فيه” . وحيث إن المدعية تنعى على النص المتقدم، الإخلال بحق التقاضى بمقولة أن المدة التى حددها للتظلم من أمر تقدير رسوم الشهر قصيرة للغاية تصل إلى حد مصادرة هذا الحق . فضلا عن أن المشرع لم يجز الطعن فى الأحكام الصادرة فى شأن هذا التظلم، وهو مايعنى أن القرار الصادر عن أمين مكتب الشهر العقارى المختص فى شأن تقدير الرسم التكميلى يعتبر قرارا قضائيا، وأن الطعن فيه أمام المحكمة الابتدائية يعتبر طعنا استئنافيا لايقبل تعقيبا، وفى ذلك نكول عن الترضية القضائية التى يستحقها كل متقاض، فلايكون الحرمان منها إلا افتئاتا على الحقوق التى طلبها . وحيث إن هذا النعى مردود أولا : بأن لكل حق دائرة يعمل فيها، ولايتنفس إلا من خلالها، ويعتبر صونها لازما لفعالية ممارسته، فلايجوز أن يقتحمها المشرع، ولا أن ينظم الحق موضوعها إلا فيما وراء حدودها الخارجية، شأن حق التقاضى فى ذلك شأن غيره من الحقوق التى لايجوز القول بمصادرتها أو انتقاصها من أطرافها، إلا إذا أهدرها المشرع أو قيد من نطاقها، مؤثرا بذلك فى مجالها الحيوى . ومردود ثانيا : بأن تنظيم المشرع لحق التقاضى لايتقيد بأشكال جامدة لايجوز أن يتحول المشرع عنها، ولا بأنماط محددة تفرغ قوالبها فى صورة صماء لاتبديل فيها، وإنما يقدر المشرع لكل حالة مايناسبها على ضوء الأوضاع التى يباشر هذا الحق عملا فى إطارها، وبما لايصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنا، فلايكون إفراطا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافا عن أهدافها، ولاتفريطا مجافيا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواما، باعتبارها شكلا للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالا . ومردود ثالثا: بأن ميعاد الثمانية أيام التى أجاز المشرع التظلم خلالها من أمر التقدير، يعتبر متصلا بالشروط التى تطلبها لجوازه، ومرتبطا بالتالى بتنظيم المشرع للحق فى الدعوى، مما يدخل فى نطاق سلطته التقديرية . ومردود رابعا: بأن ميعاد الثمانية أيام لاينفتح إلا من تاريخ إعلان أمر التقدير لكل ذى شأن فيه. ومجرد التظلم من أمر التقدير أمام المحضر عند إعلانه، يعتبر كافيا لاتصال خصومة الطعن بالمحكمة الابتدائية التى ناط بها المشرع الفصل فيه، واختصها بإنزال حكم القانون فى هذا النزاع على الوقائع التى تخلص إليها، مقيدة فى ذلك بضوابط العمل القضائى وضماناته، وتلك جميعا أشكال إجرائية حد بها المشرع من الآثار السلبية لِقصَر ميعاد التظلم، ولاينال من جدواها، أن يكون الطعن فى الحكم الصادر فى التظلم من أمر التقدير ممتنعا، ذلك أن قصر التقاضى – فى المسائل التى فصل حكم قضائى فيها – على درجة واحدة مما يجوز دستوريا، كلما كان هذا القصر مستندا إلى أسس موضوعية، كتلك التى تقتضيها سرعة إنهاء صور من المنازعات بالنظر إلى طبيعتها . فهلذه الأسباب حكمت المحكمة : أولا : (أ) بعدم دستورية ماتضمنه البند ج من المادة ٢١ من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ – قبل تعديلها بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ – فى شأن الأراضى الزراعية الكائنة فى ضواحى المدن ورفعت عنها الضريبة لخروجها من نطاق الأراضى الزراعية، من تقدير قيمتها بحيث لاتقل عن مائة وخمسين جنيها للمتر المربع فى المناطق السياحية وخمسين جنيها للمتر المربع فى غيرها كحد أدنى . (ب) بعدم دستورية نظام التحرى عن القيمة الحقيقية لهذه الأراضى وتحصيل رسم تكميلى – بعد اتخاذ إجراءات الشهر – عن الزيادة التى تظهر فى هذه القيمة . ثانيا : برفض الدعوى الدستورية بالنسبة إلى الطعن على المادة ٢٦ من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ قبل تعديلها بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ . ثالثا : بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى