حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٥ لسنة ٤ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٥ لسنة ٤ دستورية
تاريخ النشر : ٠٤ – ٠٦ – ١٩٩٢

منطوق الحكم : تنازع اختصاص

مضمون الحكم : حكمت المحكمة:أولاً: بإنتهاء الخصومة فى الدعوى بالنسبة إلي شقها المتعلق بالطعن علي القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة. ثانياً: بعدم دستورية البند (أ) من المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة لصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ فيما نص عليه من “التي لا تجاوز قيمتها ثلاثين ألف جنيه”.

الحكم

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الخامس – المجلد الأول
من أول يوليو ١٩٩١ حتى آخر يونيو ١٩٩٢ – صـ ٣٠٧

جلسة ١٦ مايو سنة ١٩٩٢

برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين / محمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار / السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد – أمين سر.

قاعدة رقم (٣٤)
القضية رقم ٦٥ لسنة ٤ قضائية “دستورية”

١ – دعوى دستورية “طبيعتها – حجية الحكم الصادر فيها – انتهاء الخصومة”.
الدعاوى الدستورية عينية بطبيعتها وحجية الأحكام الصادرة فيها سواء باستيفاء العمل التشريعى لاوضاعه الشكلية أم بتوافق النصوص المطعون عليها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية من الدستور – حجية مطلقة قبل الكافة، وتلتزم بها كل سلطة فى الدولة.
اعتبار الخصوم منتهية فى الدعاوى الأخريات التى تستهدف الطعن فى ذات النص التشريعى الذى تعلق به الحكم.
٢ – دعوى دستورية “شرط المصلحة” – حراسة.
شرط المصلحة فى الدعوى الدستورية – وجوب أن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المطروحة فى الدعوى الموضوعية – طعن المدعى بعدم دستورية المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ بكامل بنودها، حالة ارتباط مصلحته محددة على ضوء طلباته فى الدعوى الموضوعية بالفصل فى البند ( أ ) منها فحسب، فيما تضمنه هذا البند من عدم جواز رد الأراضى الفضاء التى يزيد ثمن بيعها على ثلاثين ألف جنيه إلى أصحابها عينا – انتفاء مصلحته فى الدعوى الدستورية بالنسبة لما عدا هذا البند.
٣ – قانون “تفسيره: عموم النص”.
ورود النص التشريعى فى صيغة عامة لم يقم دليل على تخصيصها، يوجب حمل النص على عمومه.
٤ – قانون “تفسيره” – حراسة.
قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ سنة ١٩٧٤ – النص صراحة فى المادة الأولى من مواد إصداره والمادة الأولى منه على سريان أحكامه على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين ممن شملتهم الحراسة استنادا إلى قانون الطوارئ، وفى البند ( أ ) من مادته العاشرة، وبعبارة عامة على إلغاء عقود البيع الابتدائية المبرمة مع الجهات الحكومية وما فى حكمها إذا كانت الأراضى الفضاء، محلها، لا يزيد ثمنها على ثلاثين ألف جنيه وردها عينا إلى مستحقيها – دلالة ذلك: وجوب إثبات حكم هذا البند لكل من شملتهم الحراسة استنادا إلى قانون الطوارئ من الأشخاص الطبيعيين الاعتباريين على السواء.
٥ – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة “الحراسة على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين” – تعويض – الرد العينى أو النقدى “الحد الأقصى – دلالته”.
الأصل الذى أعمله قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ هو أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين إلى ملكية الدولة مع تعويضهم عنها فى حدود الحد الأقصى المقرر فى القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ وهو ثلاثون ألف جنيه، التقيد بهذا الحد الأقصى لما يرد عينا أو نقدا، باعتباره يمثل خطاً اشتراكيا قصد به تذويب الفوارق بين الطبقات، دلالة ذلك: ما قرره المشرع فى البند ( أ ) من نص المادة العاشرة منه – مستلهما هذه الاعتبارات التى كشفت عنها أعماله التحضيرية، وعلى ضوء مفهوم ذلك التعويض الاجمالى الذى قررته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ – من استبعاد عقود البيع الابتدائية المبرمة مع الجهات الحكومية وما فى حكمها فى شأن الأراضى الفضاء التى تزيد قيمتها على ثلاثين ألف جنيه من الإلغاء، مؤداه بقاء الأراضى محلها على ملكية الجهات المذكورة دون ردها عينا إلى أصحابها وبغير تعويضهم تعويضا كاملا عن قيمتها الحقيقية.
٦ – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة – شريعة اسلامية.
النص فى قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة على حد أقصى لما يرد من الأموال بغية تذويب الفوارق بين الطبقات – مؤداه: تقليص الدور الاجتماعى للملكية والنيل من الحوافز الفردية وإهدار القيم الرفيعة التى يعلو بها قدر العمل وإعادة توزيع ناتجه بما يحد من قدرة المواطن على الإبداع والابتكار وتحقيق نوع من المعاملة الخافضة المنافية للتقدم وجعل التضامن الاجتماعى لغوا، وفوق هذا مناقضته مبادئ الشريعة الإسلامية وإقامة الجماعة بالتالى على روابط واهية.
٧ – دستور – حق الملكية “الملكية الخاصة” – التنظيم التشريعى لحق الملكية”.
القيم التى اعتنقها الدستور القائم وأكدها بعد تعديله فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – عدوله عن نهج “تذويب الفوارق بين الطبقات”، واتخاذه من الحماية الفعالة لحق الملكية موطئا للتطور، ومن تقريب الفوارق بين الدخول سبيلا إلى العدالة الاجتماعية، ومن العدالة فى توزيع الأعباء والتكاليف العامة مدخلا إلى إنفاذ مبدأ المساواة أمام القانون بصدده، ومن مساندة الكسب المشروع وحمايته – طريقا إلى إنماء الحوافز الفردية وتوسعه لفرص الاستثمار وضمانا للحد من مخاطره، ومن بناء الاقتصاد القومى وفقا لخطة تنمية شاملة، ركيزة لزيادة الدخل القومى وفرص العمل، ولضمان حد أدنى للأجور، وحد أعلى لها يحقق تقاربا بينهما المواد ٤، ٢٣، ٣٢، ٣٤ منه – وجوب أن يكون التنظيم التشريعى لحق الملكية موافقا لها، وإلا كان مصادما للدستور.
٨ – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة على الأشخاص الطبيعيين مصادرة – تعويض.
وفق لقضاء لمحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم ٥ لسنة ١ قضائية “دستورية” بتاريخ ١٦ مايو سنة ١٩٨١: أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم الحراسة إلى ملكية الدولة طبقا لنص المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة للمادتين ٣٤، ٣٦ من الدستور – تعيين حد أقصى لما يرد من مجموع الأموال والممتلكات المفروضة عليها الحراسة انطوى على مخالفة الدستور الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية طبقا للمادة ٣٧ منه، يتضمن بدوره مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة ٣٤ من الدستور.
٩ – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة “الحراسة على الأشخاص الاعتبارية” – مصادرة – تعويض.
استبعاد البند (أ) من المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ من الرد العينى الأراضى الفضاء المملوكة للأشخاص الاعتبارية الخاضعة للحراسة إذا تجاوز ثمن بيعها ثلاثين ألف جنيه، مؤداه: استيلاء الدولة على ما تزيد قيمته من تلك الأراضى عن هذا الحد الأقصى وتجريد هذه الأشخاص من ملكيتها وتمكين الجهات الحكومية وما فى حكمها منها، وبالتالى بقاء العدوان الناشئ عن الحراسة قائما عليها، مما يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة خاصة للأموال بالمخالفة للمواد ٣٤، ٣٦، ٣٧ من الدستور.
١ – إن قضاء المحكمة الدستورية العليا سواء من ناحية العيوب الشكلية أو المطاعن الموضوعية إنما يحوز حجية مطلقة تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه من جديد أمام هذه المحكمة لمراجعته، ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية – وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية – إنما توجه إلى النصوص التشريعية المدعى مخالفتها للدستور، ولا يعتبر قضاء المحكمة باستيفاء العمل التشريعى لأوضاعه الشكلية أو مخالفتها، أو بتوافق النصوص المطعون عليها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية من الدستور، منصرفا إلى من كان طرفا فى الدعاوى التى صدر فيها دون غيره، بل متعديا إلى كل سلطة فى الدولة بما يردها عن التحلل منه أو مجاوزة مضمونة، ومنسحبا كذلك إلى الكافة، سواء كانوا من المخاطبين بالنص التشريعى الذى تعلق به قضاء هذه المحكمة أم كانوا من غيرهم. لما كان ذلك ، وكان الحكمان الصادران عن هذه المحكمة بتاريخ ٢١ يونية سنة ١٩٨٦ فى الدعويين رقمى ١٣٩، ١٤٠ لسنة ٥ قضائية “دستورية” المنضمتين، والدعوى رقم ١٤٢ لسنة ٥ قضائية “دستورية”، قد انتهيا إلى عدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١، فيما نصت عليه من “وذلك ما لم يكن قد تم بيعها….” وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وإذ كان هذان الحكمان قد نشرا فى الجريدة الرسمية بتاريخ ٣ يولية سنة ١٩٨٦ – وهما مستعصيان على الجدل – فإن الخصومة فى الدعوى الماثلة – بالنسبة إلى الطعن على القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ – تكون منتهية.
٢ – مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – أن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان المدعيان بصفتهما قد دفعا أثناء نظر الدعوى الموضوعية بعدم دستورية المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤، وكان النص المطعون فيه قد جرى تطبيقه فى شأن الشركة التى يمثلانها، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليها، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع بعدم دستورية هذا النص، وكانت مصلحة المدعيين بصفتهما – محدده على ضوء طلباتهما الموضوعية – لا ترتبط بالفصل فى دستورية المادة العاشرة بكامل بنودها، وإنما تتحقق فقط بالنسبة إلى ما ينطبق من أحكامها على نزاعهم الموضوعى ممثلا فى البند ( أ ) منها وذلك فيما تضمنه من عدم جواز رد الأراضى الفضاء التى يزيد ثمن بيعها على ثلاثين ألف جنيه إلى أصحابها عينا. متى كان ذلك، فإن الدعوى الماثلة تكون مقبولة بالنسبة إلى هذا البند وحده، ولا تمتد إلى ما سواه من أحكام المادة العاشرة سالفة البيان.
٣، ٤ – إن البين من المادة الأولى من القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ بإصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة أنها تنص على أن “تسوى طبقا لأحكام القانون المرافق الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين استنادا إلى القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ بشأن حالة الطوارئ، وتنص المادة الأولى من قانون تسوية هذه الأوضاع على أن تنتهى جميع التدابير المتعلقة بالحراسة على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين والصادرة بقرارات من رئيس الجمهورية استنادا إلى القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ بشأن حال الطوارئ، وتصحح الأوضاع الناشئة عن فرض هذه الحراسات وفقا للأحكام المنصوص عليه فى هذه القانون، أما المادة العاشرة منه فقد نصت فى البند (أ) منها – المطعون عليه – على إلغاء العقود الابتدائية المبرمة مع الجهات الحكومية وما فى حكمها إذا كانت الأراضى الفضاء – محلها – لا يزيد ثمنها على ثلاثين ألف جنيه وردها عينا إلى مستحقيها بشرط ألا تكون قد هيئت لإقامة مبان عليها أو أقيمت عليه مبان. وإذ كان الأصل المقرر قانونا أنه إذا ورد نص تشريعى فى صيغة عامة ولم يقم دليل على تخصيصها، تعين حمل هذا النص على عمومه، فإن قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة يكون قد دل بصريح نص المادة الأولى من مواد إصداره والمادة الأولى منه وبعموم لفظ البند ( أ ) من مادته العاشرة على وجوب إثبات حكم هذا البند لكل من شملتهم الحراسة – استنادا إلى القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ بشأن حالة الطوارئ – من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين على السواء.
٥ – إن ما قرره القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ بإصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة من أحكام توخى بها تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة على الأشخاص كافة الطبيعيين منهم والاعتباريين، لا يتضمن تعديلا جوهريا فى الأساس الذى قام عليه القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ بالنسبة إلى الأشخاص الطبيعيين، باعتبار أن الأصل الذى أعمله القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ هو أيلولة أموال وممتلكات هؤلاء الأشخاص إلى ملكية الدولة مع تعويضهم عنها فى الجدود المنصوص عليها فيه، وهى الحدود ذاتها التى التزمها بالنسبة إلى الأشخاص الاعتباريين كى لا يجاوز ما يرد إليها من أموالها وممتلكاتها ثلاثين ألف جنيه وآية ذلك ما تضمنته المذكرة الإيضاحية المرافقة لمشروع القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ وكذلك تقرير اللجان المختصة بمجلس الشعب عنه، فقد أفصحا عن الأسس التى أقام عليه هذا المشروع أحكامه ومن بينها التقيد بوجه عام بالحد الأقصى المقرر فى القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ – وهو ثلاثون ألف جنيه – وذلك لتحديد قيمة ما يرد عنيا أو نقدا باعتبار أن هذا الحد يمثل خطا اشتراكيا قصد به تذويب الفوارق بين الطبقات، هذا بالإضافة إلى أن شركات التأمين كانت قد استثمرت جانبا هاما من احتياطياتها فى شراء العقارات المبينة التى خضعت للقرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤،، واستلزم الحفاظ على مراكزها المالية والقانونية وكفالة استقرارها، وضع الضوابط للرد العينى لبعض العقارات والمنشآت المبيعة لجهات الحكومة وما فى حكمها بما جرى به نص المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة من استبعاد تلك التى تم تسجيل عقودها، أن التى يتجاوز ثمنها فى العقد ثلاثين ألف جنيه من الرد العينى، ما لم يترتب على إلغاء عقود بيعها إنهاء حالة الشيوع مع الجهة المشترية. لما كان ذلك، وكان المشرع قد أقر نص البند ( أ ) من المادة العاشرة سالفة الذكر – بالنسبة للأشخاص كافة الطبيعيين والاعتباريين – مستلهما الاعتبارات التى كشفت عنها أعماله التحضيرية، وعلى ضوء مفهوم التعويض الاجمالى الذى قررته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤، مستبعدا بمقتضاه من الإلغاء عقود البيع الابتدائية المبرمة مع الجهات الحكومية وما فى حكمها فى شأن الأراضى الفضاء التى تزيد قيمتها على ثلاثين ألف جنيه، بما مؤداه بقاء الأراضى محلها على ملكية الجهات المذكورة دون ردها عينا إلى أصحابها وبغير تعويضهم تعويضا كاملا عن قيمتها الحقيقة.
٦، ٧ – النص فى قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ على تعيين حد أقصى لما يرد قانونا من الأموال بغية تذويب الفوارق بين الطبقات، إنما يقلص إلى حد كبير الدور الاجتماعى للملكية، وينتقص من فرصها فى النهوض بالتنمية فى مجالاتها المختلفة، وينال من الحافز الفردية فى بناء الثروة وتوظيفها بما لا يخل بمصلحة الجماعة، يهدر القيم الرفيعة التى يعلو بها قدر العمل، ويعيد توزيع ناتجه بما يحدد من قدره المواطن على الإبداع والابتكار، ويحقق نوعا من المعاملة الخافضة المنافية بطبيعتها للتقدم، ويناقض فوق هذا مبادئ الشريعة الإسلامية التى تقوم فى جوهرها على صون الملكية وحمايتها من العدوان، ويقيم بنيان الجماعة على أسس متخاذلة تؤول إلى انتزاع بعض الأموال من أصحابها فى غير ضرورة ودون تعويض يعادل قيمتها الحقيقية، وحل التباغض محل التضامن الاجتماعى – والأصل فيه هو التكافل والتعاون المتبادل فى إطار من التعاضد والتراحم. إذ كان ذلك، وكان الدستور القائم قد عدل عن هذا النهج – بما قرره فى المادة ٤ بعد تعديلها اعتبار من ٢٢ من مايو سنة ١٩٨٠، وبما نص عليه فى المواد ٢٣، ٣٢، ٣٤ – متخذا من الحماية الفعالة لحق الملكية موطئا للتطور فى مناحيه المختلفة، ومن تقريب الفوارق بين الدخول سبيلا إلى العدالة الاجتماعية، ومن العدالة فى توزيع الأعباء والتكاليف العامة مدخلا إلى إنفاذ مبدأ المساواة أمام القانون فى جانب هام من أوجهه المختلفة، ومن مساندة الكسب المشروع وحمايته والتمكين من آفاقه – طريقا إلى إنماء الحوافز الفردية توسعه لفرص الاستثمار وضمانا للحد من مخاطره، ومن بناء الاقتصاد القومى وفقا لخطة تنمية شاملة، ركيزة لزيادة الدخل القومى وفرص العمل، ولضمان حد أدنى للأجور، وحد أعلى لها يحقق تقاربا فى الفروق بينهما، وتلك جميعها قيم اعتنقها الدستور القائم، وأكدها بعد تعديله، ومن ثم تعين أن يكون التنظيم التشريعى لحق الملكية موافقا لها غير مناقض لمحتواها، وإلا كان مصادما للدستور، وهو ما سلكه نص البند ( أ ) من المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ المطعون عليه، بتجاوزه الضوابط التى تضمنها الدستور فى مجال صون الملكية الخاصة التى لا يجوز المساس بها إلى على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى نص عليها.
٨ – سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بتاريخ ١٦ مايو سنة ١٩٨١ فى الدعوى رقم ٥ لسنة ١ قضائية “دستورية” بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ فيما نصت عليه من أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم الحراسة طبقا لأحكام قانون الطوارئ إلى ملكية الدولة وذلك على سند من أن هذه الأيلولة إنما تشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة للمادة ٣٤ من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، والمادة ٣٦ منه التى تحظر المصادرة العامة ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى، وأنه لا يحاج بأن القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ والقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ قد تضمنا تعويض الخاضعين للحراسة عن أموالهم وممتلكاتهم، وأن تحديد هذه التعويض يدخل فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع باعتباره من الملاءمات السياسية التى يستقل بها، ذلك أن كلا من هذين التشريعين قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة، الأمر الذى يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية. وإذ كان القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ قد استعاض عن التعويض الجزافى الذى كانت تقضى به أحكام القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ بحد أقصى قدره ثلاثون ألف جنيه، وقرر رد بعض الاموال عنيا أو نقدا فى حدود هذا المبلغ للشخص، فإنه يكون بما نص عليه فى المادة الرابعة منه من تعيين حد أقصى لما يرد من مجموع الأموال والممتلكات التى فرضت عليها الحراسة، قد انطوى على مخالفة لأحكام الدستور القائم الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية طبقا للمادة ٣٧ منه، الأمر الذى يتضمن بدوره مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم لمادة ٣٤ من الدستور.
٩ – إن استبعاد البند (أ) من المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ المطعون عليه من الرد العينى، للأراضى الفضاء المملوكة الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للحراسة إذا كان ثمن بيعها يجاوز ثلاثين ألف جنيه، مؤداه استيلاء الدولة على ما تزيد قيمته من تلك الأراضى على هذا الحد الأقصى، وبما يعنيه ذلك من تجريد هذه الأشخاص من ملكيتها، وتمكين الجهات الحكومية وما فى حكمها منها، وبالتالى بقاء العدوان الناشئ عن الحراسة عليها قائما، الأمر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة خاصة للأموال بما يناقض المادتين ٣٤، ٣٦ من الدستور ويتضمن خروجا على حكم المادة ٣٧ منه التى لا تجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية. ومن ثم يتعين الحكم بعدم دستورية نص البند ( أ ) من المادة العاشرة المطعون عليه فيما اشترطه من حد أقصى لقيمة ما يلغى بيعه ورده عينا من الأراضى المبينة فيه.

الإجراءات

بتاريخ ٩ إبريل سنة ١٩٨٢ أودع المدعيان بصفتهما الممثلين القانونيين للشركة العالمية زيدان كفورى وشركاهم صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة بطلب الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة خصوصاً المادتين الثانية والسادسة منه، كذلك المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين وآخرين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم ٦٦١٩ لسنة ١٩٨١ مدنى كلى جنوب القاهرة بطلب الحكم بعدم الاعتداد قبل الشركة العالمية زيدان كفورى وشركاهم – التى يمثلها المدعيان – بعقد البيع الابتدائى المؤرخ ٧ فبراير سنة ١٩٧٢ الصادر من الحراسة العامة إلى الشركة العامة للأعمال الهندسية ببيع قطعة الأرض الفضاء المبينة بصحيفة الدعوى والمملوكة للشركة التى يمثلانها، وبطلانه مع ما يترتب على ذلك من آثار تأسيساً على أنه تكونت بين المدعيين بموجب عقد ثابت التاريخ فى ٥ نوفمبر سنة ١٩٤٥ شركة تضامن صارت فيما بعد شركة توصية بالأسهم باسم “العالمية زيدان كفورى وشركاهم” اشتملت بين أصولها هذه الأرض، وأنه فى ٢٥ اكتوبر سنة ١٩٦١ فرضت الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم بموجب أمر رئيس الجمهورية رقم ١٤٠ لسنة ١٩٦١، الذى تم بموجبه إبرام عقد البيع الباطل. وقد أحيلت الدعوى المذكورة – أعمالاً للمادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ – إلى محكمة القيم حيث قيدت برقم ١٩٨ لسنة ١ ق قيم وفيها دفع المدعيان بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ والمادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ وصرحت لهما المحكمة برفع الدعوى الدستورية فأقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعيين ينعيان على القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ مخالفته للمادتين ١٠٨، ١٤٧ من الدستور لصدوره من رئيس الجمهورية دون تفويض من مجلس الشعب ولعدم توافر حالة الضرورة التى تسوغ سرعة إصداره فى غيبة هذا المجلس، وينعيان كذلك على المادة الثانية منه ابتداء من عبارة “ما لم يكن قد تم بيعها……” مخالفتها للمواد ٣٤، ٣٦، ٦٨، ١٧٨ من الدستور لانطوائها على عدوان على الملكية الخاصة ومصادرة لها لتحصينها البيع الباطل الذى سبق أن أبرمته الحراسة وإهدارها لحجية الحكم الصادر من هذه المحكمة بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ فيما نصت عليه من أيلولة أموال وممتلكات الخاضعين المشار إليهم فيها إلى ملكية الدولة، كما ينعيان على المادة السادسة منه مخالفتها للمادتين ٦٨، ١٧٨ من الدستور. أما المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ فينعيان عليها اشتراطها حدا أقصى قدره ثلاثون ألف جنيه لفسخ عقود البيع الابتدائية الواردة على العقارات المبينة فيها وتسليمها عينا إلى مستحقيها، مما ينطوى على إهدار الملكية الخاصة بالمخالفة لنص المادة ٣٤ من الدستور، فضلاً عن تعارضها مع المادة ١٧٨ منه لنقضها الحجية التى أثبتتها ٤٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا للحكم الصادر منها بجلسة ١٦ مايو سنة ١٩٨١ فى الدعوى رقم ٥ لسنة ١ قضائية “دستورية” وذلك فيما قضى به من عدم دستورية الحد الأقصى لما يرد للخاضعين، وهو الحد المنصوص عليه فى المادة الرابعة من ذات القانون.
وحيث إن هذه المناعى جميعها – فيما يتعلق بالقرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ – سبق أن تناولتها هذه المحكمة وأصدرت قضاءها فى شأنها بتاريخ ٢١ يونيه سنة ١٩٨٦ فى الدعويين رقمى ١٣٩، ١٤٠ لسنة ٥ قضائية “دستورية” المنضمتين والدعوى رقم ١٤٢ لسنة ٥ قضائية “دستورية”، إذ قضت بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة فيما نصت عليه من “وذلك ما لم يكن قد تم بيعها..” وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وقد نشر هذان الحكمان فى الجريدة الرسمية بتاريخ ٣ يوليه سنة ١٩٨٦.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة – فيما فصل فيه فى هذه الدعاوى – سواء من ناحية العيوب الشكلية أو المطاعن الموضوعية إنما يحوز حجية مطلقة تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه من جديد أمام هذه المحكمة لمراجعته، ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية – وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية – إنما توجه إلى النصوص التشريعية المدعى مخالفتها للدستور، ولا يعتبر قضاء المحكمة باستيفاء العمل التشريعى لأوضاعه الشكلية أو بتوافق النصوص المطعون عليها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية من الدستور منصرفاً فحسب إلى من كان طرفا فى الدعاوى التى صدر فيها دون غيره، بل متعدياً إلى كل سلطة فى الدولة بما يردها عن التحلل منه أو مجاوزة مضمونه ومنسحباً كذلك إلى الكافة، سواء كانوا من المخاطبين بالنص التشريعى الذى تعلق به قضاء هذه المحكمة أم كانوا من غيرهم. لما كان ذلك، فإن الخصومة فى الدعوى الماثلة بالنسبة إلى الطعن على القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١، وقد حسمتها هذه المحكمة من قبل بحكميها المشار إليهما – وهما مستعصيان على الجدل – تكون منتهية، وهو ما يتعين الحكم به.
وحيث إن المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ تنص على أن “تلغى اعتبارا من تاريخ العمل بهاذ القانون عقود البيع الابتدائية المبرمة بين الحراسة العامة أو إدارة الأموال التى آلت إلى الدولة وبين الحكومة أو وحدات الإدارة المحلية أو القطاع العام أو الهيئات العامة أو الوحدات التابعة لها والتى لم يتم التصرف فيها لغير هذه الجهات ولو بعقود ابتدائية، متى طلب مستحقوها استلامها طبقا لأحكام المواد ١، ٢، ٣، ٤ وذلك فى الأحوال الآتية:
((أ) الأراضى الفضاء التى لا تجاوز قيمتها ثلاثين ألف جنيه بشرط ألا تكون قد هيئت لاقامة مبان عليه أو أقيمت عليها مبان.
(ب) العقارات المبينة ما لم تكن قد تغيرت معالمها أو خصصت لمشروع سياحى أو لغرض قومى أو ذى نفع عام.
(ج) العقارات المملوكة على الشيوع إذا كان يترتب على إلغاء عقود بيعها إنهاء حالة الشيوع مع الجهة المشترية ورد العقارات المبيعة لمستحقيها كاملة.
(د) العقارات المثقلة بحق عينى ضماناً لدين يجاوز ثمن بيعها أو التى لا تجاوز قيمتها بعد خصم هذا الدين ثلاثين ألف جنيه.
(هـ) المنشآت الفردية التى لا تجاوز قيمتها ثلاثين ألف جنيه ما لم تكن قد أدمجت فى منشآت أخرى أو تغيرت معالمها بحيث لا يمكن ردها بحالتها التى كانت عليها فى تاريخ البيع.
ويعتد فى تحديد هذه العقارات والمنشآت وثمنها بما ورد فى عقود بيعها إلى الجهات المشار إليها، وفى جميع الأحوال تسلم هذه العقارات أو الأراضى أو المنشآت إلى مستحقيها محملة بعقود الإيجار المبرمة قبل العمل بهذا القانون”.
وحيث إنه من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتبط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان المدعيان بصفتهما قد دفعا أثناء نظر الدعوى الموضوعية بعدم دستورية المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤، وكان النص المطعون فيه قد جرى تطبيقه فى شأن الشركة التى يمثلانها وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليها، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع بعدم دستورية هذا النص، وكانت مصلحة المدعيين بصفتهما – محددة على ضوء طلباتهما الموضوعية – لا ترتبط بالفصل فى دستورية المادة العاشرة بكامل بنودها، وإنما تتحقق فقط بالنسبة إلى ما ينطبق من أحكامها على نزاعهم الموضوعى ممثلا فى البند ( أ ) منها وذلك فيما تضمنه من عدم جواز رد الأراضى الفضاء التى يزيد ثمن بيعها على ثلاثين ألف جنيه إلى أصحابها عينا. متى كان ذلك، فإن الدعوى الماثلة تكون مقبولة بالنسبة إلى هذا البند وحده، ولا تمتد إلى ما سواه من أحكام المادة العاشرة سالفة البيان.
وحيث إن المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رفع الحراسة عن أموال وممتلكات بعض الأشخاص تنص على أن “ترفع الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم بمقتضى أوامر جمهورية طبقاً لأحكام قانون الطوارئ” وتنص المادة الثانية منه على أن “تؤول إلى الدولة ملكية الأموال والممتلكات المشار إليها فى المادة السابقة ويعوض عنها صاحبها بتعويض إجمالى قدره ثلاثون ألف جنيه، ما لم تكن قيمتها أقل من ذلك فيعوض عنها بمقدار هذه القيمة. على أنه إذا كانت الحراسة قد فرضت على الشخص وعلى عائلته بالتبعية له، فيعوض جميعهم عن جميع أموالهم وممتلكاتهم المفروضة عليها الحراسة بما لا يجاوز قدر التعويض الإجمالى السابق بيانه….”.
وتنص المادة الخامسة منه على أن “تستمر الحراسة المفروضة وقت صدور هذا القانون على الأشخاص الاعتبارية، إلى أن يتم رفعها أو تصفيتها أو بيعها، وتسرى فى شأنها أحكام الأمر رقم ٤ لسنة ١٩٥٦ المشار إليه، ويكون لرئيس الوزراء سلطات الوزير المنصوص عليها فى هذا الأمر. ويكون رفع الحراسة عن هذه الأشخاص الاعتبارية بقرار من رئيس الجمهورية وتكون تصفيتها أو بيعها بقرار من رئيس الوزراء وفقاً للشروط والأوضاع التى يحددها هذا القرار”.
وحيث إن البين من المادة الأولى من قانون إصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة إنها تنص على أن “تسوى طبقاً لأحكام القانون المرافق الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسات على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين استناداً إلى القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ بشأن حالة الطوارئ” وتنص المادة الأولى من قانون تسوية هذه الأوضاع الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ على أن “تنتهى جميع التدابير المتعلقة بالحراسة على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين والصادرة بقرارات من رئيس الجمهورية استناداً إلى القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ بشأن حال الطوارئ، وتصحح الأوضاع الناشئة عن فرض هذه الحراسات وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى هذه القانون”، كما تنص المادة الثانية منه فى فقرتها الثانية على أن يرد عينا ما قيمته ثلاثون ألف جنيه لكل خاضع بالتبعية وفى حدود مائة ألف جنيه للأسرة إذا كانت الأموال والممتلكات قد آلت إليه عن طريق الخاضع الاصلى، وطبقاً للمادة الثالثة منه يتم التخلى عن عناصر الذمة المالية – أصولاً وخصوماً – للأشخاص الطبيعيين الذين شملتهم الحراسة بصفة أصلية أو تبعية وطبقت عليهم أحكام القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤، إذا كان صافى الذمة المالية – بعد استبعاد الأموال والممتلكات المنصوص عليها فى المادة السابقة – لا يزيد على ثلاثين ألف جنيه للفرد ومائة ألف جنيه للأسرة، ووفقاً للمادة الرابعة منه إذا كانت الأموال والممتلكات التى فرضت عليها الحراسة مملوكة جميعها للخاضع الأصلى، وكان صافى ذمته المالية يزيد على ثلاثين ألف جنيه رد إليه القدر الزائد عينا بما لا يجاوز ثلاثين ألف جنيه لكل فرد من أفراد أسرته وفى حدود مائة ألف جنيه للأسرة، ما لم تكن هذه الأموال والممتلكات قد بيعت ولو بعقود ابتدائية قبل العمل بأحكام هذا القانون. أما المادة العاشرة منه فقد نصت فى البند ( أ ) منها – المطعون عليه – على إلغاء العقود الابتدائية المبرمة مع الجهات الحكومية وما فى حكمها إذا كانت الاراضى الفضاء – محلها – لا يزيد ثمنها على ثلاثين ألف جنيه وردها عينا إلى مستحقيها بشرط ألا تكون قد هيئت لاقامة مبان عليها أو أقيمت عليه مبان.
وحيث إن الأصل المقرر قانوناً أنه إذا ورد نص تشريعى فى صيغة عامة ولم يقم دليل على تخصيصها، تعين حمل هذا النص على عمومه، وكان قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة يكون قد دل بصريح نص المادة الأولى من مواد إصداره والمادة الأولى منه وبعموم لفظ مادته العاشرة على وجوب إثبات حكم هذه المادة لكل من شملتهم الحراسة – استناداً إلى القانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ بشأن حالة الطوارئ – من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين على السواء.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، فإن ما قرره القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ من أحكام توخى بها تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة على الأشخاص كافة الطبيعيين منهم والاعتباريين، لا يكون قد تضمن تعديلاً جوهرياً فى الأساس الذى قام عليه القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ بالنسبة إلى الأشخاص الطبيعيين، باعتبار أن الأصل الذى أعمله القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ هو أيلولة أموال وممتلكات هؤلاء الأشخاص إلى ملكية الدولة مع تعويضهم عنها فى الحدود المنصوص عليها فيه، وهى الحدود ذاتها التى التزمها بالنسبة إلى الأشخاص الاعتباريين كى لا يجاوز ما يرد إليها من أموالها وممتلكاتها ثلاثين ألف جنيه وآية ذلك ما تضمنته المذكرة الإيضاحية المرافقة لمشروع القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ وكذلك تقرير اللجان المختصة بمجلس الشعب عنه، فقد أفصحا عن الأسس التى أقام عليه هذا المشروع أحكامه ومن بينها التقيد بوجه عام بالحد الأقصى المقرر فى القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ – وهو ثلاثون ألف جنيه – وذلك لتحديد قيمة ما يرد عيناً أو نقداً باعتبار أن هذا الحد يمثل خطا اشتراكيا قصد به تذويب الفوارق بين الطبقات، هذا بالإضافة إلى أن شركات التأمين كانت قد استثمرت جانباً هاماً من احتياطياتها فى شراء العقارات المبينة التى خضعت للقرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤، واستلزم الحفاظ على مراكزها المالية والقانونية وكفالة استقرارها، وضع الضوابط للرد العينى لبعض العقارات والمنشآت المبيعة لجهات الحكومة وما فى حكمها – بما جرى عليه نص المادة العاشرة سالفة البيان – من استبعاد تلك التى تم تسجيل عقودها أو التى يتجاوز ثمنها فى العقد ثلاثين ألف جنيه من الرد العينى ما لم يترتب على إلغاء عقود بيعها انهاء حالة الشيوع مع الجهة المشترية.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان المشرع قد أقر النص التشريعى المطعون فيه – بالنسبة للأشخاص كافة الطبيعيين والاعتباريين – مستلهما الاعتبارات التى كشفت عنها أعماله التحضيرية، وعلى ضوء مفهوم التعويض الإجمالى الذى قررته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤، مستبعداً بمقتضاه من الإلغاء عقود البيع الابتدائية المبرمة مع الجهات الحكومية وما فى حكمها فى شأن الأراضى الفضاء التى تزيد قيمتها على ثلاثين ألف جنيه، بما مؤداه بقاء الأراضى محلها على ملكية الجهات المذكورة دون ردها عيناً إلى أصحابها وبغير تعويضهم تعويضاً كاملاً عن قيمتها الحقيقة. متى كان ما تقدم، وكان تقدير حد أقصى لما يرد قانونا من الأموال بغية تذويب الفوارق بين الطبقات، إنما يقلص إلى حد كبير الدور الاجتماعى للملكية، وينتقص من فرصها فى النهوض بالتنمية فى مجالاتها المختلفة، وينال من الحوافز الفردية فى بناء الثروة وتوظيفها بما لا يخل بمصلحة الجماعة، ويهدر القيم الرفيعة التى يعلو بها قدر العمل، ويعيد توزيع ناتجه بما يحد من قدرة المواطن على الإبداع والإبتكار، ويحقق نوعاً من المعاملة الخافضة المنافية بطبيعتها للتقدم، ويناقض فوق هذا مبادئ الشريعة الإسلامية التى تقوم فى جوهرها على صون الملكية وحمايتها من العدوان، ويقيم بنيان الجماعة على أسس متخاذلة تؤول إلى انتزاع بعض الأموال من أصحابها فى غير ضرورة ودون تعويض يعادل قيمتها الحقيقية، ويحل التباغض محل التضامن الاجتماعى، والأصل فيه هو التكافل والتعاون المتبادل فى إطار من التعاضد والتراحم. وكان الدستور القائم قد عدل عن هذا النهج – بما قرره فى المادة ٤ بعد تعديلها اعتباراً من ٢٢ من مايو سنة ١٩٨٠، وبما نص عليه فى المواد ٢٣، ٣٢، ٣٤ – متخذا من الحماية الفعالة لحق الملكية موطئاً للتطور فى مناحيه المختلفة، ومن تقريب الفوارق بين الدخول سبيلاً إلى العدالة الاجتماعية، ومن العدالة فى توزيع الأعباء والتكاليف العامة مدخلا إلى إنفاذ مبدأ المساواة أمام القانون فى جانب هام من أوجهه المختلفة، ومن مساندة الكسب المشروع وحمايته والتمكين من آفاقه، طريقا إلى إنماء الحوافز الفردية وتوسعه لفرص الاستثمار وضماناً للحد من مخاطره، ومن بناء الاقتصاد القومى وفقا لخطة تنمية شاملة ركيزة لزيادة الدخل القومى وفرص العمل ولضمان حد أدنى للأجور وحد أعلى لها يحقق تقاربا فى الفروق بينها، وتلك جميعها قيم اعتنقها الدستور القائم وأكدها بعد تعديله، ومن ثم تعين أن يكون التنظيم التشريعى لحق الملكية موافقا لها غير مناقض لمحتواها، وإلا كان مصادماً للدستور، وهو ما سلكه النص المطعون عليه بتجاوزه الضوابط التى تضمنها الدستور فى مجال صون الملكية الخاصة التى لا يجوز المساس بها إلى على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى نص عليها.
وحيث إن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بتاريخ ١٦ مايو سنة ١٩٨١ فى الدعوى رقم ٥ لسنة ١ قضائية “دستورية” بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ – سالفة البيان – فيما نصت عليه من أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم الحراسة طبقا لأحكام قانون الطوارئ إلى ملكية الدولة، وذلك على سند من أن هذه الأيلولة إنما تشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادر لها بالمخالفة للمادة ٣٤ من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة والمادة ٣٦ منه التى تحظر المصادرة العامة ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى، وأنه لا يحاج بأن القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ والقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ قد تضمنا تعويض الخاضعين للحراسة عن أموالهم وممتلكاتهم وأن تحديد هذه التعويض يدخل فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع باعتباره من الملاءمات السياسية التى يستقل بها، ذلك أن كلا من هذين التشريعين قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة، الأمر الذى يحتم إخصاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية، وأنه إذ كان القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ قد استعاض عن التعويض الجزافى الذى كانت تقضى به أحكام القرار بقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٦٤ بحد أقصى قدره ثلاثون ألف جنيه وقرر رد بعض الأموال عنيا أو نقدا فى حدود هذا المبلغ للشخص، فإنه يكون بما نص عليه فى المادة الرابعة منه من تعيين حد أقصى لما يرد من مجموع الأموال والممتلكات التى فرضت عليها الحراسة قد انطوى على مخالفة لأحكام الدستور القائم الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية طبقا للمادة ٣٧ منه، الأمر الذى يتضمن بدوره مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكما لمادة ٣٤ من الدستور سالفة البيان.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد استبعد من الرد العينى الأراضى الفضاء المملوكة الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للحراسة إذا كان ثمن بيعها يجاوز ثلاثين ألف جنيه، مؤداه استيلاء الدولة على ما تزيد قيمته من تلك الأراضى على هذا الحد الأقصى، وبما يعنيه ذلك من تجريد هذه الأشخاص من ملكيتها وتمكين الجهات الحكومية وما فى حكمها منها، وبالتالى بقاء العدوان الناشئ عن الحراسة عليها قائماً، الأمر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة خاصة للأموال بما يناقض المادتين ٣٤، ٣٦ من الدستور ويتضمن خروجا على حكم المادة ٣٧ منه التى لا تجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية. ومن ثم يتعين الحكم بعدم دستورية نص البند ( أ ) من المادة العاشرة المطعون عليه فيما اشترطه من حد أقصى لقيمة ما يلغى بيعه ورده عينا من الأراضى المبينة فيه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة:
أولا: بانتهاء الخصومة فى الدعوى بالنسبة إلى شقها المتعلق بالطعن على القرار بقانون رقم ١٤١ لسنة ١٩٨١ بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة.
ثانيا: بعد دستورية البند ( أ ) من المادة العاشرة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٤ فيما نص عليه من “التى لا تجاوز قيمتها ثلاثين ألف جنيه”.
والزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

زر الذهاب إلى الأعلى