حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٣ لسنة ١٣ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٣ لسنة ١٣ دستورية
تاريخ النشر : ٠٨ – ٠٤ – ١٩٩٣

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية المادة الأولي من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
حرص الدستور على النص على صون الملكية الخاصة و كفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، و فى الحدود و بالقيود التى أوردها ، بإعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الخاص الذى بذلة صاحبها بكده و عرقه، و يتعين بالتالى أن يختص دون غيره بالأموال التى يملكها و تهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها و غيرها من المزايا المترتبة عليها، و كان المشرع و إن أفرد بعض العلائق الإيجارية بتنظيم خاص حملها فيه بقيود من طبيعة إستثنائية، فذلك لأن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية و تدخل الدولة ، لم تعد حقا مطلقا، و لا هى عصية على التنظيم التشريعى ، و إنما يجوز أن تفرض عليها قيود التى تقتضيها وظيفتها الإجتماعية، و هى وظيفة يتحدد نطاقها و مرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، و الأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، و بمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع و يرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية و أجدر بالحماية ، على ضوء أحكام الدستور، و مستهديا – بوجه خاص – فى مجال أداء هذه الوظيفة – بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، و بحسبان أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماية على حق الملكية للحد من اطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد و الجماعة ، و هى قيود أكثر ما تكون وضوحا فى مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة.

– – – ٢ – – –
عمد المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى لمقابلة الزيادة المطردة فى الطلب عليها، و هى الأزمة التى ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى و الثانية، و ما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع و رود المواد الأولية للبناء و نضوبها و ازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية فى سكانها، إلى إصدار تشريعات استثنائية – قدر فى شأنها الضرورة بقدرها – خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإيجار، مستهدفا بها – على الأخص – الحد من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة ، و إعتبار العقد ممتدا بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة و الأجرة . و لئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان و الحد من غلوائها ، أقتضى أن تكون التشريعات الإستثنائية الصادرة دفعا لها أو تخفيفاً من قسوتها ، متصلة حلقاتها ، مترامية فى زمن تطبيقها، محتفظة بذاتيتها و استقلالها عن القانون المدنى، متعلقة أحكامها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، و لضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التى رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها و لو كانت مبرمة قبلها، و زايلتها بالتالى صفتها المؤقتة، و آل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطا بالضرورة التى أملتها، و ما كان ينبغى لسريانها أن يجاوز قدر هذه الضرورة، و إلا اعتبر إقرارها فيما جاوز النطاق مخالفا للدستور لخروجها على مقتضى الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية، و انتقاصها بالتالى – و دون مسوغ مشروع – من الحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق.

– – – ٣ – – –
دأب المشرع فى التشريعات الإستثنائية لأجرة الأماكن – بدءا من القانون رقم ١٢١ لسنة ١٩٧٤ و إنتهاء بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير و بيع الأماكن و تنظيم العلاقة بين المؤجر و المستأجر – على تحديد نطاق لتطبيقها قصره أصلا على المدن، مع الترخيص بمد سريان أحكامها كلها أو بعضها إلى القرى وفق ما هو منصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧، و هو ما يدل على أن التشريعات الاستثنائية لا تسرى على القرى إلا إستثناء، و على ضوء حالة الضرورة المرتبطة بأوضاع كل قرية و ظروفها الخاصة، و ذلك خلافاً للمدن التى أفصح الواقع العملى عن أن أزمة الإسكان واقعة أصلاً فى نطاقها ، و أن حدتها فى مجالها أكثر تفاقما و أبعد غورا، مما اقتضى سريان التشريعات الاستثنائية المنظمة للعلائق الإيجارية فى شأنها سريانا مباشرا لا متراخيا، و حمل المشرع على أن يؤثر المدن – ابتداء – بهذا التنظيم الخاص لمواجهة مخاطر فادحة ناشئة عن أزمة الإسكان المحيطة بها .

– – – ٤ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، و كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لإختيار ما يقدم أنه أنسبها لمصلحة الجماعة ، و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، و كان ما قرره المدعى من أن مشكلة الإسكان فى القرى باتت تتفاقم حدتها و تتعاظم مخاطرها، خلافا لما توقعه المشرع حين أقر النص التشريعى المطعون فيه ، بما يحتم معاملتها على مقتضى الأحكام الاستثنائية السارية فى المدن ، لا يعدو أن يكون جدلا من جانبه فى شأن نطاق تطبيق أحكام قانون ايجار الأماكن، و هو نطاق يستقل المشرع بتقديره كلما كان ملحوظا فى تحديده ما توجبه الضرورة الناشئة عن أزمة الإسكان ، و فى حدود متطلباتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون فيه الدستور – من هذه الناحية – لا يكون لها محل.

– – – ٥ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، و كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لإختيار ما يقدم أنه أنسبها لمصلحة الجماعة ، و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، و كان ما قرره المدعى من أن مشكلة الإسكان فى القرى باتت تتفاقم حدتها و تتعاظم مخاطرها، خلافا لما توقعه المشرع حين أقر النص التشريعى المطعون فيه ، بما يحتم معاملتها على مقتضى الأحكام الاستثنائية السارية فى المدن ، لا يعدو أن يكون جدلا من جانبه فى شأن نطاق تطبيق أحكام قانون ايجار الأماكن، و هو نطاق يستقل المشرع بتقديره كلما كان ملحوظا فى تحديده ما توجبه الضرورة الناشئة عن أزمة الإسكان ، و فى حدود متطلباتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون فيه الدستور – من هذه الناحية – لا يكون لها محل.

– – – ٦ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، و كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لإختيار ما يقدم أنه أنسبها لمصلحة الجماعة ، و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، و كان ما قرره المدعى من أن مشكلة الإسكان فى القرى باتت تتفاقم حدتها و تتعاظم مخاطرها، خلافا لما توقعه المشرع حين أقر النص التشريعى المطعون فيه ، بما يحتم معاملتها على مقتضى الأحكام الاستثنائية السارية فى المدن ، لا يعدو أن يكون جدلا من جانبه فى شأن نطاق تطبيق أحكام قانون ايجار الأماكن، و هو نطاق يستقل المشرع بتقديره كلما كان ملحوظا فى تحديده ما توجبه الضرورة الناشئة عن أزمة الإسكان ، و فى حدود متطلباتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون فيه الدستور – من هذه الناحية – لا يكون لها محل.

– – – ٧ – – –
جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن عموم القاعدة لا يعنى انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة ، أو إنبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال. و إنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بإنتفاء التخصيص. و يتحقق ذلك، إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين ، أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا.

– – – ٨ – – –
مبدأ مساوة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعا، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، و لا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها، و تعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم هذا التنظيم سبيلا إليها، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه – بما انطوى عليه من التمييز – مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها، بما يحول دون ربطه منطقيا بها، أو اعتباره مدخلا إليها، فإن ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية، و متبنيا تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور.

– – – ٩ – – –
مبدأ مساوة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعا، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، و لا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها، و تعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم هذا التنظيم سبيلا إليها، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه – بما انطوى عليه من التمييز – مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها، بما يحول دون ربطه منطقيا بها، أو اعتباره مدخلا إليها، فإن ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية، و متبنيا تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور.

– – – ١٠ – – –
سريان أحكام قانون إيجار الأماكن – أصلا – على عواصم المحافظات و البلاد المعتبرة مدنا وفق قانون الإدارة المحلية، مبناه قاعدة عامة مجردة، مستندةإلى أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، و كان عدم سريان أحكامه بصفة فورية على القرى جميعها، مرده أن أزمة الإسكان منحصرة أصلاً فى المدن مما استلزم مواجهتها بتدابير استثنائية، و كانت القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم الخاص، مرتبطة بأغراضه النهائية، و مؤدية إليها، فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة الأربعين من الدستور، تكون فاقدة لأساسها.

[الطعن رقم ٦٣ – لسنــة ١٣ ق – تاريخ الجلسة ٢٠ / ٠٣ / ١٩٩٣ – مكتب فني ٥ – رقم الجزء ٢ – رقم الصفحة ٢٢٦ – تم رفض هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة. حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليه الأول كان قد أقام الدعوى رقم ٣٧١ لسنة ١٩٩٠ مدنى جزئى القناطر طالبا الحكم بإنهاء عقد الإيجار المبرم مع المدعى فى شأن الشقة ملكه بقرية أبو الغيط مركز القناطر الخيرية. وقد صدر الحكم فيها بإنهاء العلاقة الإيجارية وتسليم العين المؤجرة خالية له. واستأنف المدعى هذا الحكم أمام محكمة بنها الابتدائية “مأمورية قليوب الكلية ” . وأثناء نظر استئنافه دفع بجلسة ١٤ من مايو سنة ١٩٩١ بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧، وإذ قدرت المحكمة المذكورة جدية دفعه، فقد صرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة، وحصر فى صحيفتها المسألة الدستورية فى الجملة الأخيرة الواردة فى الفقرة الأولى من المادة الأولى المشار إليها. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجلا والمستأجر تنص على أنه : “فيما عدا الأراضى الفضاء، تسرى أحكام هذا الباب على الأماكن وأجزاء الأماكن على اختلاف أنواعها المعدة للسكنى أو لغير ذلك من الأغراض سواء كانت مفروشة أو غير مفروشة مؤجرة من المالك أو من غيره وذلك فى عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدنا بالتطبيق لأحكام القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٧٥ بإصدار قانون الحكم المحلى والقوانين المعدلة” له، كما تنص الفقرة الثانية من المادة الأولى المشار إليها على أنه يجوز بقرار من وزير الإسكان والتعمير، مد نطاق سريان أحكامه كلها أو بعضها على القرى بناء على اقتراح المجلس المحلى للمحافظة، وكذلك على المناطق السكنية التى لاينطبق عليها قانون نظام الحكم المحلى المشار إليه ، ولايكون لهذا القرار أثر على الأجرة المتعاقد عليها قبل صدوره. وحيث إن المدعى ينعى على عبارة “وذلك فى عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدنا بالتطبيق لأحكام القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٧٥ بإصدار قانون نظام الحكم المحلى والقوانين المعدلة له، إخلال حكمها بمبدأ المساواة أمام القانون” وذلك لتمييزها بين المواطنين المستأجرين لأماكن فى المدن، وغيرهم ممن أقبلوا على السكنى فى القرى. مما يخل بحق الأخرين فى الحماية القانونية المقررة لنظرائهم، والمتمثلة أساسا فى امتداد عقد الإيجار امتدادا قانونيا وتحريم دفع أية مبالغ خارج إطاره . وهى حماية يتعين بسطها عليهم درءا لإعناتهم من قبل المؤجرين. وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، ويتعين بالتالى أن يختص دون غيره، بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها التى تغلها وغيرها من المزايا، وكان المشرع وإن أفرد بعض العلائق الإيجارية بتنظيم خاص حملها فيه بقيود من طبيعة استثنائية، فذلك لأن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقا مطلقاً ، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى. وإنما يجوز أن تفرض عليها القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها، على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها مايراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، ومستهدفاً – بوجه خاص – فى تنظيم أداء هذه الوظيفة بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبحسبان أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لاتعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة . وهى بعد قيود أكثر ما تكون وضوحاً فى مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة التى تتزاحم فى شأنها كثرة من الضوابط قصد بها فى الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى لمقابلة الزيادة المطردة فى الطلب عليها، وهى الأزمة التى ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد الأولية للبناء ونضوبها، وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية فى سكانها، وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة بتشريعات استثنائية – قدر فى شأنها الضرورة بقدرها – خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإيجار مستهدفا بها – على الأخص – الحد من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتدا بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة. ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، اقتصى أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعا لها أو تخفيفا من قسوتها، متصلة حلقاتها، مترامية فى زمن تطبيقها ، محتفظة بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدنى، متعلقة أحكامها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التى رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، وزايلتها بالتالى صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطا بالضرورة التى أملتها، وما كان ينبغى لسرياتها أن يجاوز قدر هذه الضرورة وإلا اعتبر إقرارها فيما جاوز هذا النطاق مخالفا للدستور لخروجها على مقتضى الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية وانتقاصها بالتالى – ودون مسوغ مشروع – من الحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق. وحيث إنه إذ كان ذلك، وكانت القيود المرتبطة بهذا التنظيم الخاص أساسها حالة الضرورة – ومعها تدور وجودا وعدما – باعتبارها علة لتقريرها، وكان المشرع قد دأب فى تلك التشريعات كافة – بدءا من القانون رقم ١٢١ لسنة ١٩٤٧ فى شأن إيجار الأماكن ، وانتهاء بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه – على تحديد نطاق لتطبيقها قصره أصلا على المدن، مع الترخيص بمد سريان أحكامها كلها أو بعضها إلى القرى وفق ماهو منصوص عليه فيها، وهو مايدل على أن التشريعات الاستثنائية لاتسرى على القرى إلا استثناء، وعلى ضوء حالة الضرورة المرتبطة بأوضاع كل قرية وظروفها الخاصة، وذلك خلافا للمدن التى أفصح الواقع العملى عن أن أزمة الإسكان واقعة أصلا فى نطاقها، وأن حدتها فى مجالها أكثر تفاقما وأبعد غورا مما اقتضى سريان التشريعات الاستثنائية المنظمة للعلائق الإيجارية فى شأنها سريانا مباشراً لا متراخيا ، وحمل المشرع على أن يؤثر المدن – ابتداء – بهذا التنظيم الخاص لمواجهة مخاطر فادحة ناشئة عن أزمة الإسكان المحيطة بها أو المترتبة عليها. إذ كان ذلك وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار مايقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص االموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، وكان ماقرره المدعى من أن مشكلة الإنسان فى القرى باتت تتفاقم حدتها وتتعاظم مخاطرها، خلافا لما توقعه المشرع حين أقر النص التشريعى المطعون فيه، بما يحتم معاملتها على مقتضى الأحكام الاستثنائية السارية فى المدن، لايعدو أن يكون جدلا من جانبه فى شأن نطاق تطبيق أحكام قانون إيجار الأماكن ، وهو نطاق يستقل المشرع بتقديره كلما كان ملحوظا فى تحديده ما توجبه الضرورة الناشئة عن أزمة الإسكان، وفى حدود متطلباتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون فيه للدستور – من هذه الناحية – لايكون لها محل. وحيث إن قضاء هذه المحكمة – من ناحية أخرى – قد جرى على أن عموم القاعدة لايعنى انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل مايصدر عنهم من أعمال وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بإنتفاء التخصيص. ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة عن الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا، وكان النص المطعون فيه – بالشروط التى حدد بها نطاقه ومجال تطبيقه – يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محددة بذاوتها وانسحابه إلى أشخاص بأوصافهم ، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لايعنى أن تعامل فئاتهم على مابينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك لايقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولاينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا ذلك أن كل تنظيم تشريعى لايعتبر مقصودا لذاته ، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه – بما انطوى عليه من التمييز – مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه منطقيا بها، أو اعتباره مدخلا إليها، فإن ذلك النص يكون مستندا على اسس غير موضوعية ومتبينا تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور. إذ كان ذلك ، وكان ماقرره النص التشريعى المطعون فيه من سريان أحكام إيجار الأماكن – أصلا – على عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدناً وفق قانون الإدارة المحلية، مبناه قاعدة عامة مجردة، تستند إلى أسس موضوعية ، لاتقيم فى مجال تطيبقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان عدم سريان أحكامه على القرى جميعها بصفة فورية، عائد إلى المصلحة العامة التى أملتها أزمة الإسكان فى المدن وما تستلزمه مواجهتها من تدابير استثنائية؛ فإن القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم الخاص تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية مؤدية إليها ، وتكون قالة الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة الأربعين من الدستور، تكون فاقدة لأساسها. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه أتعابا للمحاماة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى