حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥ لسنة ٤ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥ لسنة ٤ دستورية
تاريخ النشر : ١٤ – ٠٦ – ١٩٨٤

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠.

الحكم

برياسة فتحى عبد الصبور رئيس المحكمة وحضور محمد على راغب بليغ ومصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى جمعة وفوزى أسعد مرقس أعضاء ومحمد ابراهيم أبو العنين المفوض وأحمد على فضل الله أمين السر .

– – – ١ – – –
إن الدستور قد حرص – فى سبيل الحريات العامة – على كفالة الحرية الشخصية لإتصالها بكيان الفرد منذ وجوده فأكدت المادة ٤١ من الدستور على أن ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ” كما نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن ” للمساكن حرمة ” ثم قضت الفقرة الأولى من المادة ٤٥ منه بأن ” لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ” غير أن الدستور لم يكتف فى تقرير هذه الحماية الدستورية بإيراد ذلك فى عبارات عامة كما كانت تفعل الدساتير السابقة التى كانت تقرر كفالة الحرية الشخصية و ما تفرع عنها من حق الأمن و عدم القبض أو الإعتقال و حرمة المنازل و عدم جواز دخولها أو مراقبتها [ المواد ٨ من دستور سنة ١٩٢٣ ، ٤١ من دستور سنة ١٩٥٦ ، ٢٣ من دستور سنة ١٩٦٤ ] تاركة للمشرع العادى السلطة الكاملة دن قيود فى تنظيم هذه الحريات ، و لكن أتى دستور سنة ١٩٧١ بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية و ما يتفرع عنها من حريات و حرمات و رفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية – ضمنها المواد من ٤١ إلى ٤٥ منه – حيث لا يجوز للمشرع العادى أن يخالف تلك القواعد و ما تضمنه من كفالة لصون تلك الحريات و إلا جاء عمله مخالفاً للشرعية الدستورية .
و حيث إن المشرع الدستورى – توفيقاً بين حق الفرد فى الحرية الشخصية و فى حرمة مسكنه و حياته الخاصة و بين حق المجتمع فى عقاب الجانى و جمع أدلة إثبات الجريمة و نسبتها إليه قد أجاز تفتيش الشخص أو المسكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركاً للمشرع العادى أن يحدد الجرائم التى يجوز فيها التفتيش و الإجراءات يتم بها . و لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة ٤١ من الدستور على أنه ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو جسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون ” ثم نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون ” و هذا النص الأخير و إن كان قد ميز بين دخول المساكن و بين تفتيشها إلا أنه جمعهما فى ضمانات واحدة متى كان يمثلان إنتهاكاً لحرمة المساكن التى قدسها الدستور .
و حيث أنه يبين من المقابلة بين المادتين ٤١ ، ٤٤ من الدستو سالفتى الذكر أن المشرع الدستورى قد فرق فى الحكم بين تفتيش الأشخاص و تفتيش المساكن فيما يتعلق بضرورة أن يتم التفتيش فى الحالين بأمر قضائى ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص كضمانة أساسية لحصول التفتيش تحت إشراف مسبق من القضاء ، فقد إستثنت المادة ٤١ من الدستور من هذه الضمانة حالة التلبس بالجريمة بالنسبة للقبض على الشخص و تفتيشه فضلاً عن عدم إشتراطها تسبيب أمر القاضى المختص أو النيابة العامة بالتفتيش فى حين أن المادة ٤٤ من الدستور لم تستثن حالة التلبس من ضرورة صدور أمر قضائى مسبب ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص بتفتيش المسكن سواء قام به الآمر نفسه أم إذن لمأمور الضبط القضائى بإجرائه ، فجاء نص المادة ٤٤ من الدستور المشار إليه عاماً مطلقاً لم يرد عليه ما يخصصه أو يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستورى يستلزم فى جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائى المسبب و ذلك صوناً لحرمة المسكن التى تنبثق من الحرية الشخصية التى تعلق بكيان الفرد و حياته الخاصة و مسكنه الذى يأوى إليه و هو موضع سره و سكينته ، و لذلك حرص الدستور – فى الظروف التى صدر فيها – على التأكيد على عدم إنتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله أو بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائى مسبب دون أن يستثنى من ذلك حالة التلبس بالجريمة التى لا تجيز – وفقاً للمادة ٤١ من الدستور – سوى القبض على الشخص و تفتيشه أينما وجد . يؤكد ذلك أن مشروع لجنة الحريات التى شكلت بمجلس الشعب عند إعداد الدستور كان يضمن نص المادة ٤٤ إستثناء حالة التلبس من حكمها غير أن هذا الإستثناء قد أسقط فى المشروع النهائى لهذه المادة و صدر الدستور متضمناً نص المادة ٤٤ الحالى حرصاً منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه .
لما كان ما تقدم و كان نص المادة ٤٤ من الدستور واضح الدلالة – على ما سبق ذكره – على عدم إستثناء حالة التلبس من الضمانتين اللتين أوردهما – أى صدور أمر قضائى و أن يكون الأمر مسبباً – فلا يحق القول بإستثناء حالة التلبس من حكم هاتين الضمانتين قياساً على إخراجها من ضمانة صدور الأمر القضائى فى حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه ، ذلك بأن الإستثناء لا يقاس عليه كما أنه لا محل للقياس عند وجود النص الدستورى الواضح الدلالة . و لا يغير من ذلك ما جاء بعجز المادة ٤٤ من الدستور بعد إيرادها هاتين الضمانتين سالفتى الذكر من أن ذلك ” وفقاً لأحكام القانون ” لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض المشرع العادى فى إخراج حالة التلبس بالجريمة من الخضوع للضمانتين اللتين إشترطهما الدستور فى المادة ٤٤ سالفة الذكر ، و القول بغير ذلك إهدار لهاتين الضمانتين و تعليق أعمالهما على إرادة المشرع العادى و هو ما لا يفيده نص المادة ٤٤ من الدستور و إنما تشير عبارة ” وفقاً لأحكام القانون ” إلى الإحالة إلى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بالتفتيش و بيان كيفية صدوره و تسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التى يتم بها هذا التفتيش . لما كان ذلك و كانت المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠ – المطعون فيها – تنص على أن ” لمأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم و يضبط فيه الأشياء و الأوراق التى تفيد فى كشف الحقيقة إذا إتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه ” مما مفاده تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى إجراء تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس بجناية أو بجنحة دون أن يصدر له أمر قضائى مسبب ممن يملك سلطة التحقيق و هو ما يخالف حكم المادة ٤٤ من الدستور على ما سلف بيانه ، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية.

– – – ٢ – – –
إن الدستور قد حرص – فى سبيل الحريات العامة – على كفالة الحرية الشخصية لإتصالها بكيان الفرد منذ وجوده فأكدت المادة ٤١ من الدستور على أن ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ” كما نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن ” للمساكن حرمة ” ثم قضت الفقرة الأولى من المادة ٤٥ منه بأن ” لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ” غير أن الدستور لم يكتف فى تقرير هذه الحماية الدستورية بإيراد ذلك فى عبارات عامة كما كانت تفعل الدساتير السابقة التى كانت تقرر كفالة الحرية الشخصية و ما تفرع عنها من حق الأمن و عدم القبض أو الإعتقال و حرمة المنازل و عدم جواز دخولها أو مراقبتها [ المواد ٨ من دستور سنة ١٩٢٣ ، ٤١ من دستور سنة ١٩٥٦ ، ٢٣ من دستور سنة ١٩٦٤ ] تاركة للمشرع العادى السلطة الكاملة دن قيود فى تنظيم هذه الحريات ، و لكن أتى دستور سنة ١٩٧١ بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية و ما يتفرع عنها من حريات و حرمات و رفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية – ضمنها المواد من ٤١ إلى ٤٥ منه – حيث لا يجوز للمشرع العادى أن يخالف تلك القواعد و ما تضمنه من كفالة لصون تلك الحريات و إلا جاء عمله مخالفاً للشرعية الدستورية .
و حيث إن المشرع الدستورى – توفيقاً بين حق الفرد فى الحرية الشخصية و فى حرمة مسكنه و حياته الخاصة و بين حق المجتمع فى عقاب الجانى و جمع أدلة إثبات الجريمة و نسبتها إليه قد أجاز تفتيش الشخص أو المسكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركاً للمشرع العادى أن يحدد الجرائم التى يجوز فيها التفتيش و الإجراءات يتم بها . و لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة ٤١ من الدستور على أنه ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو جسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون ” ثم نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون ” و هذا النص الأخير و إن كان قد ميز بين دخول المساكن و بين تفتيشها إلا أنه جمعهما فى ضمانات واحدة متى كان يمثلان إنتهاكاً لحرمة المساكن التى قدسها الدستور .
و حيث أنه يبين من المقابلة بين المادتين ٤١ ، ٤٤ من الدستو سالفتى الذكر أن المشرع الدستورى قد فرق فى الحكم بين تفتيش الأشخاص و تفتيش المساكن فيما يتعلق بضرورة أن يتم التفتيش فى الحالين بأمر قضائى ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص كضمانة أساسية لحصول التفتيش تحت إشراف مسبق من القضاء ، فقد إستثنت المادة ٤١ من الدستور من هذه الضمانة حالة التلبس بالجريمة بالنسبة للقبض على الشخص و تفتيشه فضلاً عن عدم إشتراطها تسبيب أمر القاضى المختص أو النيابة العامة بالتفتيش فى حين أن المادة ٤٤ من الدستور لم تستثن حالة التلبس من ضرورة صدور أمر قضائى مسبب ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص بتفتيش المسكن سواء قام به الآمر نفسه أم إذن لمأمور الضبط القضائى بإجرائه ، فجاء نص المادة ٤٤ من الدستور المشار إليه عاماً مطلقاً لم يرد عليه ما يخصصه أو يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستورى يستلزم فى جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائى المسبب و ذلك صوناً لحرمة المسكن التى تنبثق من الحرية الشخصية التى تعلق بكيان الفرد و حياته الخاصة و مسكنه الذى يأوى إليه و هو موضع سره و سكينته ، و لذلك حرص الدستور – فى الظروف التى صدر فيها – على التأكيد على عدم إنتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله أو بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائى مسبب دون أن يستثنى من ذلك حالة التلبس بالجريمة التى لا تجيز – وفقاً للمادة ٤١ من الدستور – سوى القبض على الشخص و تفتيشه أينما وجد . يؤكد ذلك أن مشروع لجنة الحريات التى شكلت بمجلس الشعب عند إعداد الدستور كان يضمن نص المادة ٤٤ إستثناء حالة التلبس من حكمها غير أن هذا الإستثناء قد أسقط فى المشروع النهائى لهذه المادة و صدر الدستور متضمناً نص المادة ٤٤ الحالى حرصاً منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه .
لما كان ما تقدم و كان نص المادة ٤٤ من الدستور واضح الدلالة – على ما سبق ذكره – على عدم إستثناء حالة التلبس من الضمانتين اللتين أوردهما – أى صدور أمر قضائى و أن يكون الأمر مسبباً – فلا يحق القول بإستثناء حالة التلبس من حكم هاتين الضمانتين قياساً على إخراجها من ضمانة صدور الأمر القضائى فى حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه ، ذلك بأن الإستثناء لا يقاس عليه كما أنه لا محل للقياس عند وجود النص الدستورى الواضح الدلالة . و لا يغير من ذلك ما جاء بعجز المادة ٤٤ من الدستور بعد إيرادها هاتين الضمانتين سالفتى الذكر من أن ذلك ” وفقاً لأحكام القانون ” لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض المشرع العادى فى إخراج حالة التلبس بالجريمة من الخضوع للضمانتين اللتين إشترطهما الدستور فى المادة ٤٤ سالفة الذكر ، و القول بغير ذلك إهدار لهاتين الضمانتين و تعليق أعمالهما على إرادة المشرع العادى و هو ما لا يفيده نص المادة ٤٤ من الدستور و إنما تشير عبارة ” وفقاً لأحكام القانون ” إلى الإحالة إلى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بالتفتيش و بيان كيفية صدوره و تسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التى يتم بها هذا التفتيش . لما كان ذلك و كانت المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠ – المطعون فيها – تنص على أن ” لمأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم و يضبط فيه الأشياء و الأوراق التى تفيد فى كشف الحقيقة إذا إتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه ” مما مفاده تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى إجراء تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس بجناية أو بجنحة دون أن يصدر له أمر قضائى مسبب ممن يملك سلطة التحقيق و هو ما يخالف حكم المادة ٤٤ من الدستور على ما سلف بيانه ، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية.

– – – ٣ – – –
إن الدستور قد حرص – فى سبيل الحريات العامة – على كفالة الحرية الشخصية لإتصالها بكيان الفرد منذ وجوده فأكدت المادة ٤١ من الدستور على أن ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ” كما نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن ” للمساكن حرمة ” ثم قضت الفقرة الأولى من المادة ٤٥ منه بأن ” لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ” غير أن الدستور لم يكتف فى تقرير هذه الحماية الدستورية بإيراد ذلك فى عبارات عامة كما كانت تفعل الدساتير السابقة التى كانت تقرر كفالة الحرية الشخصية و ما تفرع عنها من حق الأمن و عدم القبض أو الإعتقال و حرمة المنازل و عدم جواز دخولها أو مراقبتها [ المواد ٨ من دستور سنة ١٩٢٣ ، ٤١ من دستور سنة ١٩٥٦ ، ٢٣ من دستور سنة ١٩٦٤ ] تاركة للمشرع العادى السلطة الكاملة دن قيود فى تنظيم هذه الحريات ، و لكن أتى دستور سنة ١٩٧١ بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية و ما يتفرع عنها من حريات و حرمات و رفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية – ضمنها المواد من ٤١ إلى ٤٥ منه – حيث لا يجوز للمشرع العادى أن يخالف تلك القواعد و ما تضمنه من كفالة لصون تلك الحريات و إلا جاء عمله مخالفاً للشرعية الدستورية .
و حيث إن المشرع الدستورى – توفيقاً بين حق الفرد فى الحرية الشخصية و فى حرمة مسكنه و حياته الخاصة و بين حق المجتمع فى عقاب الجانى و جمع أدلة إثبات الجريمة و نسبتها إليه قد أجاز تفتيش الشخص أو المسكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركاً للمشرع العادى أن يحدد الجرائم التى يجوز فيها التفتيش و الإجراءات يتم بها . و لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة ٤١ من الدستور على أنه ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو جسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون ” ثم نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون ” و هذا النص الأخير و إن كان قد ميز بين دخول المساكن و بين تفتيشها إلا أنه جمعهما فى ضمانات واحدة متى كان يمثلان إنتهاكاً لحرمة المساكن التى قدسها الدستور .
و حيث أنه يبين من المقابلة بين المادتين ٤١ ، ٤٤ من الدستو سالفتى الذكر أن المشرع الدستورى قد فرق فى الحكم بين تفتيش الأشخاص و تفتيش المساكن فيما يتعلق بضرورة أن يتم التفتيش فى الحالين بأمر قضائى ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص كضمانة أساسية لحصول التفتيش تحت إشراف مسبق من القضاء ، فقد إستثنت المادة ٤١ من الدستور من هذه الضمانة حالة التلبس بالجريمة بالنسبة للقبض على الشخص و تفتيشه فضلاً عن عدم إشتراطها تسبيب أمر القاضى المختص أو النيابة العامة بالتفتيش فى حين أن المادة ٤٤ من الدستور لم تستثن حالة التلبس من ضرورة صدور أمر قضائى مسبب ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص بتفتيش المسكن سواء قام به الآمر نفسه أم إذن لمأمور الضبط القضائى بإجرائه ، فجاء نص المادة ٤٤ من الدستور المشار إليه عاماً مطلقاً لم يرد عليه ما يخصصه أو يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستورى يستلزم فى جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائى المسبب و ذلك صوناً لحرمة المسكن التى تنبثق من الحرية الشخصية التى تعلق بكيان الفرد و حياته الخاصة و مسكنه الذى يأوى إليه و هو موضع سره و سكينته ، و لذلك حرص الدستور – فى الظروف التى صدر فيها – على التأكيد على عدم إنتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله أو بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائى مسبب دون أن يستثنى من ذلك حالة التلبس بالجريمة التى لا تجيز – وفقاً للمادة ٤١ من الدستور – سوى القبض على الشخص و تفتيشه أينما وجد . يؤكد ذلك أن مشروع لجنة الحريات التى شكلت بمجلس الشعب عند إعداد الدستور كان يضمن نص المادة ٤٤ إستثناء حالة التلبس من حكمها غير أن هذا الإستثناء قد أسقط فى المشروع النهائى لهذه المادة و صدر الدستور متضمناً نص المادة ٤٤ الحالى حرصاً منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه .
لما كان ما تقدم و كان نص المادة ٤٤ من الدستور واضح الدلالة – على ما سبق ذكره – على عدم إستثناء حالة التلبس من الضمانتين اللتين أوردهما – أى صدور أمر قضائى و أن يكون الأمر مسبباً – فلا يحق القول بإستثناء حالة التلبس من حكم هاتين الضمانتين قياساً على إخراجها من ضمانة صدور الأمر القضائى فى حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه ، ذلك بأن الإستثناء لا يقاس عليه كما أنه لا محل للقياس عند وجود النص الدستورى الواضح الدلالة . و لا يغير من ذلك ما جاء بعجز المادة ٤٤ من الدستور بعد إيرادها هاتين الضمانتين سالفتى الذكر من أن ذلك ” وفقاً لأحكام القانون ” لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض المشرع العادى فى إخراج حالة التلبس بالجريمة من الخضوع للضمانتين اللتين إشترطهما الدستور فى المادة ٤٤ سالفة الذكر ، و القول بغير ذلك إهدار لهاتين الضمانتين و تعليق أعمالهما على إرادة المشرع العادى و هو ما لا يفيده نص المادة ٤٤ من الدستور و إنما تشير عبارة ” وفقاً لأحكام القانون ” إلى الإحالة إلى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بالتفتيش و بيان كيفية صدوره و تسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التى يتم بها هذا التفتيش . لما كان ذلك و كانت المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠ – المطعون فيها – تنص على أن ” لمأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم و يضبط فيه الأشياء و الأوراق التى تفيد فى كشف الحقيقة إذا إتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه ” مما مفاده تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى إجراء تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس بجناية أو بجنحة دون أن يصدر له أمر قضائى مسبب ممن يملك سلطة التحقيق و هو ما يخالف حكم المادة ٤٤ من الدستور على ما سلف بيانه ، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية.

– – – ٤ – – –
إن الدستور قد حرص – فى سبيل الحريات العامة – على كفالة الحرية الشخصية لإتصالها بكيان الفرد منذ وجوده فأكدت المادة ٤١ من الدستور على أن ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ” كما نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن ” للمساكن حرمة ” ثم قضت الفقرة الأولى من المادة ٤٥ منه بأن ” لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ” غير أن الدستور لم يكتف فى تقرير هذه الحماية الدستورية بإيراد ذلك فى عبارات عامة كما كانت تفعل الدساتير السابقة التى كانت تقرر كفالة الحرية الشخصية و ما تفرع عنها من حق الأمن و عدم القبض أو الإعتقال و حرمة المنازل و عدم جواز دخولها أو مراقبتها [ المواد ٨ من دستور سنة ١٩٢٣ ، ٤١ من دستور سنة ١٩٥٦ ، ٢٣ من دستور سنة ١٩٦٤ ] تاركة للمشرع العادى السلطة الكاملة دن قيود فى تنظيم هذه الحريات ، و لكن أتى دستور سنة ١٩٧١ بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية و ما يتفرع عنها من حريات و حرمات و رفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية – ضمنها المواد من ٤١ إلى ٤٥ منه – حيث لا يجوز للمشرع العادى أن يخالف تلك القواعد و ما تضمنه من كفالة لصون تلك الحريات و إلا جاء عمله مخالفاً للشرعية الدستورية .
و حيث إن المشرع الدستورى – توفيقاً بين حق الفرد فى الحرية الشخصية و فى حرمة مسكنه و حياته الخاصة و بين حق المجتمع فى عقاب الجانى و جمع أدلة إثبات الجريمة و نسبتها إليه قد أجاز تفتيش الشخص أو المسكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركاً للمشرع العادى أن يحدد الجرائم التى يجوز فيها التفتيش و الإجراءات يتم بها . و لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة ٤١ من الدستور على أنه ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو جسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون ” ثم نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون ” و هذا النص الأخير و إن كان قد ميز بين دخول المساكن و بين تفتيشها إلا أنه جمعهما فى ضمانات واحدة متى كان يمثلان إنتهاكاً لحرمة المساكن التى قدسها الدستور .
و حيث أنه يبين من المقابلة بين المادتين ٤١ ، ٤٤ من الدستو سالفتى الذكر أن المشرع الدستورى قد فرق فى الحكم بين تفتيش الأشخاص و تفتيش المساكن فيما يتعلق بضرورة أن يتم التفتيش فى الحالين بأمر قضائى ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص كضمانة أساسية لحصول التفتيش تحت إشراف مسبق من القضاء ، فقد إستثنت المادة ٤١ من الدستور من هذه الضمانة حالة التلبس بالجريمة بالنسبة للقبض على الشخص و تفتيشه فضلاً عن عدم إشتراطها تسبيب أمر القاضى المختص أو النيابة العامة بالتفتيش فى حين أن المادة ٤٤ من الدستور لم تستثن حالة التلبس من ضرورة صدور أمر قضائى مسبب ممن له سلطة التحقيق أو من القاضى المختص بتفتيش المسكن سواء قام به الآمر نفسه أم إذن لمأمور الضبط القضائى بإجرائه ، فجاء نص المادة ٤٤ من الدستور المشار إليه عاماً مطلقاً لم يرد عليه ما يخصصه أو يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستورى يستلزم فى جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائى المسبب و ذلك صوناً لحرمة المسكن التى تنبثق من الحرية الشخصية التى تعلق بكيان الفرد و حياته الخاصة و مسكنه الذى يأوى إليه و هو موضع سره و سكينته ، و لذلك حرص الدستور – فى الظروف التى صدر فيها – على التأكيد على عدم إنتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله أو بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائى مسبب دون أن يستثنى من ذلك حالة التلبس بالجريمة التى لا تجيز – وفقاً للمادة ٤١ من الدستور – سوى القبض على الشخص و تفتيشه أينما وجد . يؤكد ذلك أن مشروع لجنة الحريات التى شكلت بمجلس الشعب عند إعداد الدستور كان يضمن نص المادة ٤٤ إستثناء حالة التلبس من حكمها غير أن هذا الإستثناء قد أسقط فى المشروع النهائى لهذه المادة و صدر الدستور متضمناً نص المادة ٤٤ الحالى حرصاً منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه .
لما كان ما تقدم و كان نص المادة ٤٤ من الدستور واضح الدلالة – على ما سبق ذكره – على عدم إستثناء حالة التلبس من الضمانتين اللتين أوردهما – أى صدور أمر قضائى و أن يكون الأمر مسبباً – فلا يحق القول بإستثناء حالة التلبس من حكم هاتين الضمانتين قياساً على إخراجها من ضمانة صدور الأمر القضائى فى حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه ، ذلك بأن الإستثناء لا يقاس عليه كما أنه لا محل للقياس عند وجود النص الدستورى الواضح الدلالة . و لا يغير من ذلك ما جاء بعجز المادة ٤٤ من الدستور بعد إيرادها هاتين الضمانتين سالفتى الذكر من أن ذلك ” وفقاً لأحكام القانون ” لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض المشرع العادى فى إخراج حالة التلبس بالجريمة من الخضوع للضمانتين اللتين إشترطهما الدستور فى المادة ٤٤ سالفة الذكر ، و القول بغير ذلك إهدار لهاتين الضمانتين و تعليق أعمالهما على إرادة المشرع العادى و هو ما لا يفيده نص المادة ٤٤ من الدستور و إنما تشير عبارة ” وفقاً لأحكام القانون ” إلى الإحالة إلى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بالتفتيش و بيان كيفية صدوره و تسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التى يتم بها هذا التفتيش . لما كان ذلك و كانت المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠ – المطعون فيها – تنص على أن ” لمأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم و يضبط فيه الأشياء و الأوراق التى تفيد فى كشف الحقيقة إذا إتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه ” مما مفاده تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى إجراء تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس بجناية أو بجنحة دون أن يصدر له أمر قضائى مسبب ممن يملك سلطة التحقيق و هو ما يخالف حكم المادة ٤٤ من الدستور على ما سلف بيانه ، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث أن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث أن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة العامة أسندت إلى المتهمين في الجناية رقم ٢٨ لسنة ١٩٨٠ مخدرات الأزبكية المقيدة برقم ١٠١٤ لسنة ١٩٨٠ كلي مخدرات القاهرة ارتكابهم جرائم صنع وإحراز وحيازة جواهر مخدرة بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانونا، وأحيل المتهمون إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمتهم حيث رأت المحكمة أن رجال الضبطية القضائية قاموا بتفتيش مسكني المتهمين الأول والثاني دون إذن من النيابة العامة استنادا إلى قيام حالة التلبس إعمالا لنص المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية التي أجازت لمأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم. وإذ تراءى لمحكمة الجنايات بجلسة ٢٨ أكتوبر سنة ١٩٨١ عدم دستورية نص هذه المادة – وهو لازم للفصل في الدعوى – تأسيسا على أن ثمت تناقضا بين هذا النص وما تقضي به المادة ٤٤ من الدستور من عدم جواز دخول المساكن ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون، فقد قضت بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية.
وحيث إن إدارة قضايا الحكومة قد طلبت رفض الدعوى استنادا إلى أن المادة ٤٤ من الدستور وأن نصت على عدم جواز دخول المنازل ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب كقاعدة عامة إلا أنها تركت بيان ذلك إلى أحكام التشريع العادي، وإلى أن المادة ٤١ من الدستور تجيز تفتيش الشخص دون أمر قضائي في حالة التلبس مما يجوز معه من باب أولى تفتيش مسكنه في حالة التلبس بضبط الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة باعتبار أن الحرية الشخصية أسمى من حرمة المسكن.
وحيث أن الدستور قد حرص – في سبيل حماية الحريات العامة – على كفالة الحرية الشخصية لاتصالها بكيان الفرد منذ وجوده فأكدت المادة ٤١ من الدستور على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس” كما نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن “للمساكن حرمة” ثم قضت الفقرة الأولى من المادة ٤٥ منه بأن “لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون” غير أن الدستور لم يكتف في تقرير هذه الحماية الدستورية بإيراد ذلك في عبارات عامة كما كانت تفعل الدساتير السابقة التي كانت تقرر كفالة الحرية الشخصية وما تفرع عنها من حق الأمن وعدم القبض أو الاعتقال وحرمة المنازل وعدم جواز دخولها أو مراقبتها (المواد ٨ من دستور سنة ١٩٢٣، ٤١ من دستور سنة ١٩٥٦، ٢٣ من دستور سنة ١٩٦٤) تاركة للمشرع العادي السلطة الكاملة دون قيود في تنظيم هذه الحريات، ولكن أتى دستور سنة ١٩٧١ بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية وما يتفرع عنها من حريات وحرمات ورفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية – ضمنها المواد من ٤١ إلى ٤٥ منه – حيث لا يجوز للمشرع العادي أن يخالف تلك القواعد وما تضمنته من كفالة لصون تلك الحريات وإلا جاء عمله مخالفا للشرعية الدستورية.
وحيث أن المشرع الدستوري – توفيقا بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفي حرمة مسكنه وحياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه قد أجاز تفتيش الشخص أو المسكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركا للمشرع العادي أن يحدد الجرائم التي يجوز فيها التفتيش والإجراءات التي يتم بها. ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة ٤١ من الدستور على أنه “الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس” وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون ثم نصت المادة ٤٤ من الدستور على أن “للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون” وهذا النص الأخير وإن كان قد ميز بين دخول المساكن وبين تفتيشها إلا أنه جمعهما في ضمانات واحدة متى كانا يمثلان انتهاكا لحرمة المسكن التي قدسها الدستور.
وحيث أنه يبين من المقابلة بين المادتين ٤١، ٤٤ من الدستور سالفتي الذكر أن المشرع الدستوري قد فرق في الحكم بين تفتيش الأشخاص وتفتيش المساكن فيما يتعلق بضرورة أن يتم التفتيش في الحالين بأمر قضائي ممن له سلطة التحقيق أو من القاضي المختص كضمانة أساسية لحصول التفتيش تحت إشراف مسبق من القضاء، فقد استثنت المادة ٤١ من الدستور من هذه الضمانة حالة التلبس بالجريمة بالنسبة للقبض على الشخص وتفتيشه فضلا عن عدم اشتراطها تسبيب أمر القاضي المختص أو النيابة العامة بالتفتيش في حين أن المادة ٤٤ من الدستور لم تستثن حالة التلبس من ضرورة صدور أمر قضائي مسبب ممن له سلطة التحقيق أو من القاضي المختص بتفتيش المسكن سواء قام به الآمر بنفسه أم أذن لمأمور الضبط القضائي بإجرائه، فجاء نص المادة ٤٤ من الدستور المشار إليه عاما مطلقا لم يرد عليه ما يخصصه أو يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستوري يستلزم في جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائي المسبب وذلك صونا لحرمة المسكن التي تنبثق من الحرية الشخصية التي تتعلق بكيان الفرد وحياته الخاصة ومسكنه الذي يأوي إليه وهو موضع سره وسكينته، ولذلك حرص الدستور – في الظروف التي صدر فيها – على التأكيد على عدم انتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله أو بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائي مسبب دون أن يستثنى من ذلك حالة التلبس بالجريمة التي لا تجيز – وفقا للمادة ٤١ من الدستور – سوى القبض على الشخص وتفتيشه أينما وجد. يؤكد ذلك أن مشروع لجنة الحريات التي شكلت بمجلس الشعب عند إعداد الدستور كان يضمن نص المادة ٤٤ استثناء حالة التلبس من حكمها غير أن هذا الاستثناء قد أسقط في المشروع النهائي لهذه المادة وصدر الدستور متضمنا نص المادة ٤٤ الحالي حرصا منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه.
لما كان ما تقدم وكان نص المادة ٤٤ من الدستور واضح الدلالة – على ما سبق ذكره – على عدم استثناء حالة التلبس من الضمانتين اللتين أوردهما – أي صدور أمر قضائي وأن يكون الأمر مسببا – فلا يحق القول باستثناء حالة التلبس من حكم هاتين الضمانتين قياسا على إخراجها من ضمانة صدور الأمر القضائي في حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه، ذلك بأن الاستثناء لا يقاس عليه كما أنه لا محل للقياس عند وجود النص الدستوري الواضح الدلالة. ولا يغير من ذلك ما جاء بعجز المادة ٤٤ من الدستور بعد إيرادها هاتين الضمانتين سالفتي الذكر من أن ذلك “وفقا لأحكام القانون” لأن هذه العبارة لا تعني تفويض المشرع العادي في إخراج حالة التلبس بالجريمة من الخضوع للضمانتين اللتين اشترطهما الدستور في المادة ٤٤ سالفة الذكر، والقول بغير ذلك إهدار لهاتين الضمانتين وتعليق أعمالهما على إرادة المشرع العادي وهو ما لا يفيده نص المادة ٤٤ من الدستور وإنما تشير عبارة “وفقا لأحكام القانون” إلى الإحالة إلى القانون العادي في تحديد الجرائم التي يجوز فيها صدور الأمر بالتفتيش وبيان كيفية صدوره وتسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التي يتم بها هذا التفتيش. لما كان ذلك وكانت المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠ – المطعون فيها – تنص على أن “لمأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم ويضبط فيه الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة إذا اتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه” مما مفاده تخويل مأمور الضبط القضائي الحق في إجراء تفتيش مسكن المتهم في حالة التلبس بجناية أو جنحة دون أن يصدر له أمر قضائي مسبب ممن يملك سلطة التحقيق وهو ما يخالف حكم المادة ٤٤ من الدستور على ما سلف بيانه، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة ٤٧ من قانون الإجراءات الجنائية.

زر الذهاب إلى الأعلى