حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٥ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٥ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ٠٣ – ٠٤ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية المادة ١٧ مكرراً من القانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، وكذلك الحكم بعدم دستورية المادة ٢٤ من قانون التخطيط العمراني الصادر بالقانون رقم ٣ لسنة ١٩٨٢.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان من المقرر كذلك أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، ومؤداه ألا تقبل الخصومة إلا من هؤلاء الذين أضيروا من جريان سريان النص المطعون عليه فى شأنهم ، سواء أكان هذا الضرر يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً ، وبشرط أن يكون هذا الضرر مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره ، عائداً فى مصدره إلى النص المطعون فيه ، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من إدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه ، دل ذلك على إنتفاء مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص القانونى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها . متى كان ما تقدم ، وكان النزاع الموضوعى يدور حول رفض شركة توزيع كهرباء القاهرة ، توصيل التيار الكهربائى لبعض وحدات العقار رقم ١٧ شارع ٢٦٣ بالمعادى على أساس عدم التقيد عند بناء هذا العقار بالردود القانونية ومخالفته قيود الارتفاع والشروط البنائية التى تتطلبها شركة المعادى للتنمية والتعمير ، مما أدى إلى صدور عدد من القرارات التى تقضى بإزالة بعض أدواره ، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية تتوافر فى الطعن بعدم دستورية المادة ١٧ مكرراً من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء ، وكذلك المادة ٢٤ من قانون التخطيط العمرانى .

– – – ٢ – – –
الجزاء الجنائى لا يفترض ، ولا عقوبة بغير نص يفرضها .

– – – ٣ – – –
قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء ، حدد حصراً الأفعال التى أثمها . ولئن كان هذا القانون لم يجز تزويد المبانى بالمرافق التى تلزمها إلا بعد صدور شهادة من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تفيد صدور ترخيص بإحداثها ، ومطابقتها لشروط التراخيص ، ولأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية ، إلا أن هذا الجزاء لا يتمحض عقاباً جنائياً ، بل هو نتيجة مترتبة بالضرورة على مخالفة نص المادة ٤ من هذا القانون التى تقضى بأن الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم فى شأن المبانى التى يراد إنشاؤها أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها ، يعتبر شرطاً لازماً لإجراء هذه الأعمال ، تقيداً بمواصفاتها ، وضماناً لخضوعها للأصول الفنية التى يقتضيها تنفيذها ، وبما يكفل سلامتها ، ودون ما إخلال بالقواعد الصحية التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون .

– – – ٤ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها لا يجوز إقتحامها أو تخطيطها . ويتمثل جوهر هذه السلطة ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد ، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها . وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطاً منطقياً بهذه الأغراض ــ وبافتراض مشروعيتها ــ كان هذا التنظيم موافقاً للدستور . والمبانى التى يقيمها أصحابها بدون ترخيص ، تفتقر فى الأعم من الأحوال لشروط متانتها . ولا تلتئم كذلك والأوضاع التنظيمية المتطلبة فيها ، بل تكون عملاً عشوائياً يهدد بتداعيها ، ويفقدها قيمة الجمالية ، بما يخل بأمن سكانها وجيرانهم ، ويحتم إخلاءها ، وتلك جميعها مضار تدخل المشرع لتوقيها درءاً لمفاسدها ، وبما لا مخالفة فيه للدستور .

– – – ٥ – – –
النص المطعون فيه لا يتضمن مساساً بحقوق الغير حسنى النية ، ذلك أن المادة ١٥ من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء ، تخول الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أن تصدر فى شأن الأعمال المخالفة ، قراراً بوقفها . ولها أيضاً أن تتخذ التدابير التى تحول بها دون الانتفاع بهذه الأعمال أو إجراء أعمال بناء جديدة فيها ، وذلك بشرط عدم الإضرار بحقوق الغير حسنى النية . وعليها كذلك أن تعلن عن الأعمال المخالفة بلافتة تعلنها فى مكان ظاهر بموقع العقار ، تبين فيها نطاق هذه الأعمال والتدابير التى إتخذتها بشأنها . ويعتبر المالك مسئولاً عن بقاء هذه اللافتة فى مكانها ــ ببياناتها الواضحة ــ إلى أن تزال المخالفة أو يتم تصحيحها . كذلك تقضى المادة ١٧ مكرراً (١) من هذا القانون ببطلان الأعمال القانونية التى يكون محلها وحدة أقيمت بالمخالفة لقيود الارتفاع المصرح بها قانوناً . وتجرم المادة ٢٢ مكرراً (٢) من هذا القانون ، عدم تضمين عقود بيع أو تأجير الوحدات الخاضعة لأحكامه ، البيانات المنصوص عليها فى مادته الثانية عشر مكرراً (١) . وهذه ــ بدورها ــ تقرر جزاءً مدنياً فى شأنها يتمثل فى عدم شهر عقود بيعها أو تأجيرها إذا لم تحرر على نموذج يتضمن ما تعلق من بياناتها بالترخيص الصادر فى شأن بنائها أو تعليتها ، والجهة التى صدر عنها هذا الترخيص ، والأدوار المرخص بها وعدد وحداتها ، وغير ذلك مما تحدده اللائحة التنفيذية .

– – – ٦ – – –
شروط تقسيم الأراضى المعدة للبناء ، لا تعتبر فى أغلب جوانبها وليدة الإرادة ، بل تصدر وفق أحكام قانون التخطيط العمانى ، وبما لا يعارضها ، وبمراعاة أن هذا التخطيط إما يكون عاماً أو تفصيلياً . ويعتبر أولهما شاملاً الصورة الإجمالية للمدن والقرى التى ينتظمها ، كافلاً إحتياجاتها العمرانية على المدى الطويل ، قائماً على ضوء أوضاعها البيئية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية ، ودون إخلال بمتطلبات الدفاع القومى ، ولا بوضع المدينة أو القرية بالنسبة إلى المحافظة والإقليم الواقعة به ، أو الأقاليم المحيطة ، وما تقضى به المخططات الإقليمية المعتمدة ، وغير ذلك من الأوضاع التى تبينها اللائحة التنفيذية . ويصدر ثانيهما بعد إعتماد التخطيط العام للمدينة أو القرية ، متضمناً إعداد التخطيط التفصيلى للمناطق التى يتكون منها التخطيط العام مشتملاً تحديداً على إرتفاع المبانى وطابعها المعمارى ، وكثافتها السكانية والبنائية ، وعدد وحداتها وأماكن خدماتها ومرافقها وشوارعها ، وحدود أبعاد قطع الأراضى ومساحاتها ، والأجزاء التى تشغلها المبانى منها ، والشروط الخاصة بالمناطق التاريخية والسياحية والأثرية بما يكفل الحفاظ عليها وفقاً للقوانين المنظمة لها ، وغير ذلك من الشروط التى تتوخى صون النواحى الجمالية . وللوحدة المحلية ــ وإلى أن يتم إعداد التخطيط العام والتخطيط التفصيلى ــ وضع مشروعات بخطط تفصيلية لبعض الأراضى بالمدينة أو القرية متضمنة إحتياجاتها العمرانية وشروط تقسيمها .

– – – ٧ – – –
عملاً بنص المادة ٢٢ من قانون التخطيط العمرانى ، لا يجوز تنفيذ مشروع تقسيم أو إدخال تعديل فى تقسيم معتمد أو قائم إلا بعد إعتماده وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها فى هذا القانون ولائحته التنفيذية . بل إن المادة ١٥ من هذا القانون ، صريحة فى إلزامها الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم بالوحدة المحلية المختصة ، بأن تتحقق قبل الانتهاء من فحص طلب إعتماد مشروع التقسيم ، من سلامته فنياً ، ومطابقته لأحكام هذا القانون .

– – – ٨ – – –
ما تغياه النص المطعون فيه من إعتبار الشروط الصادر بها قرار التقسيم ، شروطاً بنائية تأخذ حكم القواعد القانونية التى تتضمنها قوانين المبانى ولوائحها ، هو إعمال لهذه الشروط بوصفها شريعة نافذة ، فلا يتحلل أحد منها . ولا عدوان فى ذلك على ولاية السلطة التشريعية فى مجال إقرار القوانين وفقاً لنص المادة ٨٦ من الدستور ، ذلك أن هذه السلطة ذاتها هى التى تنظم بتشريعاتها قواعد البناء فى مدن مصر وقراها ، وهى قواعد لا يتصور أن تعارضها شروط التقسيم ، بل تستمد هذه الشروط ــ فى أغلبها ــ مصدرها المباشر من نص القانون . وحتى لو قيل بأن بعض الشروط التى تتضمنها قائمة التقسيم مصدرها الإتفاق ، وأنها بذلك تعتبر حقوق إرتفاق فى شأن المبانى محلها ، وأنها تتبادل ــ فيما بينها ــ مزاياها وأعباءها ، إلا أن إنقلابها بالنص المطعون فيه إلى قيود بنائية من نوع القيود التى تتضمنها القوانين واللوائح التى تنظم هذا الموضوع ، يفيد إنسلاخها عن صفتها كحقوق إرتفاق ، وإندراجها تحت القيود القانونية التى يقتضيها التنظيم العام لحق الملكية ، فلا يجوز تجاهلها ، بل يكون الحمل على تنفيذها عيناً ــ عند مخالفتها ــ لازماً .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية وآخرين، كانوا قد أقاموا ضد المدعى عليه السابع الدعوى رقم ١٤٣١٢ لسنة ١٩٩٥ مدنى شمال القاهرة بطلب إلزامه بتوصيل الكهرباء إلى الوحدات السكنية المملوكة لهم، والكائنة بالعقار رقم ١٧ شارع ٢٦٣ بالمعادى فى أدواره الرابع والخامس والسادس والسابع فوق الأرضى، وذلك على سند من أن قرار إزالة الدور الثامن بهذا العقار قد قضى بوقف تنفيذه من محكمة القضاء الإدارى، وأثناء نظر محكمة شمال القاهرة الابتدائية لهذه الدعوى، دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة ١٧ مكررا المضافة بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٩٢ إلى القانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ فى شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، وكذلك بعدم دستورية المادة ٢٤ من قانون التخطيط العمرانى الصادر بالقانون رقم ٣ لسنة ١٩٨٢. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للمدعية باللجوء إلى طريق الطعن بعدم الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة. وحيث إن النصين المطعون عليهما بعدم الدستورية فى الدعوى الراهنة يجريان كالآتى: أولا: المادة ١٧ مكررا من القانون رقم ١٠٦ لسنة ١٩٧٦ فى شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، ونصها: – << لايجوز للجهات القائمة على شئون المرافق، تزويد العقارات المبنية أو أى من وحداتها بخدماتها، إلا بعد تقديم صاحب الشأن شهادة من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تفيد صدور ترخيص بالمبانى المقامة، ومطابقتها لشروط الترخيص ولأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية >>. ثانيا: المادة ٢٤ من قانون التخطيط العمرانى الصادر بالقانون رقم ٣ لسنة ١٩٨٢، ونصها: << تعتبر الشروط الواردة بالقائمة المنصوص عليها بالمادة السابقة، شروطا بنائية تأتى فى مرتبة الأحكام الواردة بقوانين ولوائح المبانى، وتسرى على مناطق التقاسيم التى تناولتها، وعلى الوحدة المحلية المختصة مراقبة تطبيق تلك الشروط، والتمسك بها فى مواجهة المقسمين والمشترين واتخاذ كافة القرارات والإجراءات التى تكفل وضعها موضع التنفيذ وفقا لأحكام هذا القانون>>. وتنص المادة ٢٣ من هذا القانون – المحال إليها بمقتضى المادة الرابعة والعشرين – على مايأتى << يجب أن يذكر فى عقود التعامل على قطع التقسيم، القرار الصادر باعتماد التقسيم، وقائمة الشروط الخاصة به، وأن ينص فيها على سريان هذه القائمة على المشترين وخلفائهم مهما تعاقبوا. وعلى مصلحة الشهر العقارى والتوثيق مراعاة ذلك. وتعتبر قائمة الشروط المشار إليها جزءا من قرار التقسيم، وتسرى عليها أحكام هذا القانون، كما تعتبر الشروط الواردة بها حقوق ارتفاق يجوز للمشترين والمقسم أن يتمسكوا بها قبل بعضهم البعض >>. وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان من المقرر كذلك أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، ومؤداه ألا تقبل الخصومة إلا من هؤلاء الذين أضيروا من جريان سريان النص المطعون عليه فى شأنهم، سواء أكان هذا الضرر يتهددهم أم كان قد وقع فعلا، وبشرط أن يكون هذا الضرر مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره، عائدا فى مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور؛ أو كان من غير المخاطبين بأحكامه؛ أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لايعود إليه؛ دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص القانونى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النزاع الموضوعى يدور حول رفض شركة توزيع كهرباء القاهرة، توصيل التيار الكهربائى لبعض وحدات العقار رقم ١٧ شارع ٢٦٣ بالمعادى على أساس عدم التقيد عند بناء هذا العقار بالردود القانونية ومخالفته قيود الارتفاع والشروط البنائية التى تتطلبها شركة المعادى للتنمية والتعمير، مما أدى إلى صدور عدد من القرارات التى تقضى بإزالة بعض أدواره؛ فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية تتوافر فى الطعن بعدم دستورية المادة ١٧ مكررا من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، وكذلك المادة ٢٤ من قانون التخطيط العمرانى. وحيث إن المدعية تنعى على المادة ١٧ مكررا من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، مخالفتها للمادتين ٦٦ و١٨٤ من الدستور، تأسيسا على أن الجهات الإدارية والشرطة هى التى كان يتعين عليها أن تتولى بنفسها تنفيذ أحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، إلا أن المشرع افترض عجزها عن هذا التنفيذ، وآثر أن يتولاه حسنو النية الذين يستأجرون الوحدات السكنية أو يشترونها، وحرمهم من المرافق العامة التى تلزمها، مهدرا بذلك آدميتهم من خلال إيقاع عقوبة صارمة عليهم بغير حكم قضائى. وحيث إن هذا النعى بكل أوجهه مردود، أولا : بأن الجزاء الجنائى لايفترض، ولاعقوبة بغير نص يفرضها. ومردود ثانيا: بأن قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، حدد حصر الأفعال التى أثمها • ولئن كان هذا القانون لم يجز تزويد المبانى بالمرافق التى تلزمها إلا بعد صدور شهادة من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تفيد صدور ترخيص بإحداثها، ومطابقتها لشروط الترخيص، ولأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية، إلا أن هذا الجزاء لايتمحض عقابا جنائيا، بل هو نتيجة مترتبة بالضرورة على مخالفة نص المادة ٤ من هذا القانون التى تقضى بأن الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم فى شأن المبانى التى يراد إنشاؤها أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها، يعتبر شرطا لازما لإجراء هذه الأعمال، تقيدا بمواصفاتها، وضمانا لخضوعها للأصول الفنية التى يقتضيها تنفيذها، وبما يكفل سلامتها، ودون ما إخلال بالقواعد الصحية التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون. ومردود ثالثا : بأن الأصل فى سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوما لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها • ويتمثل جوهر هذه السلطة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها • وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطا منطقيا بهذه الأغراض – وبافتراض مشروعيتها – كان هذا التنظيم موافقا للدستور • والمبانى التى يقيمها أصحابها بدون ترخيص، تفتقر فى الأعم الأغلب من الأحوال لشروط متانتها • ولاتلتئم كذلك والأوضاع التنظيمية المتطلبة فيها، بل تكون عملا عشوائيا يهدد بتداعيها، ويفقدها قيمها الجمالية، بما يخل بأمن سكانها وجيرانهم، ويحتم إخلاءها، وتلك جميعها مضار تدخل المشرع لتوقيها درءا لمفاسدها، وبما لا مخالفة فيه للدستور. ومردود رابعا : بأن النص المطعون فيه لايتضمن مساسا بحقوق الغير حسنى النية، ذلك أن المادة ١٥ من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، تخول الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أن تصدر فى شأن الأعمال المخالفة، قرارا بوقفها. ولها أيضا أن تتخذ التدابير التى تحول بها دون الانتفاع بهذه الأعمال أو إجراء أعمال بناء جديدة فيها، وذلك بشرط عدم الإضرار بحقوق الغير حسنى النية. وعليها كذلك أن تعلن عن الأعمال المخالفة بلافتة تعلنها فى مكان ظاهر بموقع العقار، تبين فيها نطاق هذه الأعمال والتدابير التى اتخذتها بشأنها • ويعتبر المالك مسئولا عن بقاء هذه اللافتة فى مكانها – ببياناتها الواضحة – إلى أن تزال المخالفة أو يتم تصحيحها. كذلك تقضى المادة ١٧ مكررا (١) من هذا القانون ببطلان الأعمال القانونية التى يكون محلها وحدة أقيمت بالمخالفة لقيود الارتفاع المصرح بها قانونا، كذلك تجرم المادة ٢٢ مكررا (٢) من هذا القانون، عدم تضمين عقود بيع أو تأجير الوحدات الخاضعة لأحكامه، البيانات المنصوص عليها فى مادته الثانية عشر مكررا (١) • وهذه – بدورها – تقرر جزاء مدنيا فى شأنها يتمثل فى عدم شهر عقود بيعها أو تأجيرها إذا لم تحرر على نموذج يتضمن ماتعلق من بياناتها بالترخيص الصادر فى شأن بنائها أو تعليتها، والجهة التى صدر عنها هذا الترخيص، والأدوار المرخص بها وعدد وحداتها، وغير ذلك مما تحدده اللائحة التنفيذية. ومردود خامسا : بأن من يقومون بشراء مكان معد للسكنى أو باستئجاره، لايلتزمون وفقا للنص المطعون فيه، بمراقبة الخاضعين لأحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء لحملهم على التقيد بها، والامتناع عن مخالفتها • وحتى لو فعل – وهو غير متصور – فإن ذلك لايخولهم حقوقا ليس لها سند من أحكام هذا القانون ويندرج تحتها إدخالهم مرافق لمبان لم يصدر ترخيص بإنشائها، ولا بإجراء أعمال فيها، ولا بتعليتها أوتعديلها أو تدعيمها أو هدمها أو تشطيبها. وحيث إن المدعية تنعى على المادة ٢٤ من قانون التخطيط العمرانى، مخالفتها لنص المادة ٨٦ من الدستور، تأسيسا على معاملتها الشروط التى تتضمنها قائمة التقسيم – وهى شروط يتفق عليها الأفراد فيما بينهم – باعتبارها شروطاً بنائية ترقى مرتبتها إلى النصوص القانونية التى تشتمل عليها قوانين المبانى ولوائحها، واغتصابها بالتالى الاختصاص المقرر للسلطة التشريعية بمقتضى نص المادة ٨٦ من الدستور فى مجال إقرار القوانين، وهى ولاية لايجوز أن تتخلى عنها، ولا أن تعهد لغيرها بها. وحيث إن هذا النعى مردود، أولا : بأن شروط تقسيم الأراضى المعدة للبناء، لاتعتبر فى أغلب جوانبها وليدة الإرادة، بل تصدر وفق أحكام قانون التخطيط العمرانى، وبما لايعارضها، وبمراعاة أن هذا التخطيط إما يكون عاما أو تفصيليا. ويعتبر أولهما شاملا الصورة الإجمالية للمدن والقرى التى ينتظمها، كافلا احتياجاتها العمرانية على المدى الطويل، قائما على ضوء أوضاعها البيئية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، ودون إخلال بمتطلبات الدفاع القومى، ولا بوضع المدينة أو القرية بالنسبة إلى المحافظة والإقليم الواقعة به، أو الأقاليم المحيطة، وما تقضى به المخططات الإقليمية المعتمدة، وغير ذلك من الأوضاع التى تبينها اللائحة التنفيذية. ويصدر ثانيهما بعد اعتماد التخطيط العام للمدينة أو القرية، متضمنا إعداد التخطيط التفصيلى للمناطق التى يتكون منها التخطيط العام مشتملا تحديدا على ارتفاع المبانى وطابعها المعمارى، وكثافتها السكانية والبنائية، وعدد وحداتها وأماكن خدماتها ومرافقها وشوارعها، وحدود أبعاد قطع الأراضى ومساحاتها، والأجزاء التى تشغلها المبانى منها، والشروط الخاصة بالمناطق التاريخية والسياحية والأثرية بما يكفل الحفاظ عليها وفقا للقوانين المنظمة لها، وغير ذلك من الشروط التى تتوخى صون النواحى الجمالية. وللوحدة المحلية – وإلى أن يتم إعداد التخطيط العام والتخطيط التفصيلى – وضع مشروعات بخطط تفصيلية لبعض الأراضى بالمدينة أو القرية متضمنة احتياجاتها العمرانية وشروط تقسيمها. ومردود ثانيا : بأنه عملا بنص المادة ٢٢ من قانون التخطيط العمرانى، لايجوز تنفيذ مشروع تقسيم أو إدخال تعديل فى تقسيم معتمد أو قائم إلا بعد اعتماده وفقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها فى هذا القانون ولائحته التنفيذية • بل إن المادة ١٥ من هذا القانون، صريحة في إلزامها الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم بالوحدة المحلية المختصة، بأن تتحقق قبل الانتهاء من فحص طلب اعتماد مشروع التقسيم، من سلامته فنيا، ومطابقته لأحكام هذا القانون. ومردود ثالثا :بأن ماتغياه النص المطعون فيه من اعتبار الشروط الصادر بها قرار التقسيم، شروطا بنائية تأخذ حكم القواعد القانونية التى تتضمنها قوانين المبانى ولوائحها، هو إعمال لهذه الشروط بوصفها شريعة نافذة، فلايتحلل أحد منها. ولاعدوان فى ذلك على ولاية السلطة التشريعية فى مجال إقرار القوانين وفقا لنص المادة ٨٦ من الدستور، ذلك أن هذه السلطة ذاتها هى التى تنظم بتشريعاتها قواعد البناء فى مدن مصر وقراها، وهى قواعد لايتصور أن تعارضها شروط التقسيم، بل تستمد هذه الشروط – فى أغلبها – مصدرها المباشر من نص القانون. وحتى لو قيل بأن بعض الشروط التى تتضمنها قائمة التقسيم مصدرها الاتفاق، وأنها بذلك تعتبر حقوق ارتفاق فى شأن المبانى محلها، وأنها تتبادل – فيما بينها – مزاياها وأعباءها، إلا أن انقلابها بالنص المطعون فيه إلى قيود بنائية من نوع القيود التى تتضمنها القوانين واللوائح التى تنظم هذا الموضوع، يفيد انسلاخها عن صفتها كحقوق ارتفاق، واندراجها تحت القيود القانونية التى يقتضيها التنظيم العام لحق الملكية، فلا يجوز تجاهلها، بل يكون الحمل على تنفيذها عينا – عند مخالفتها – لازما.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى