حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٣ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٣ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٣ – ٠٤ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية المادتين ١٥٢ و١٥٦ من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ والمعدل بالقانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ مناطها أن يتوافر ثمة إرتباط بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع ، وكان البين من الأوراق أن المدعى قد أقام بناء بقرية شبر املس ، وأن الاتهام الجنائى ضده يدور حول مخالفته الشروط التى تطلبها قانون الزراعة للبناء فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها ، فإن مصلحته الشخصية المباشرة تتحقق بإبطال هذه الشروط جميعها ، محددة فى أصل قاعدة الحظر التى تحول دون أن يقيم المدعى مبانى فى هذه الأرض ، وأحوال الاستثناء من هذا الحظر فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى القرى ، وتعليق بدء البناء على شرط الحصول على ترخيص بذلك من المحافظ المختص . ومن ثم ينحصر نطاق المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها بصدر المادة ١٥٢ المشار إليها مع بنديها (ب) و (هـ) فضلاً عن فقرتها الأخيرة .

– – – ٢ – – –
أن المحكمة الدستورية العليا سبق أن واجهت بحكمها الصادر فى القضية رقم ٢٣ لسنة ٩ قضائية بجلستها المعقودة فى ٤ من مايو ١٩٩١ والمنشور فى الجريدة الرسمية بتاريخ ١٦ من يونيو ١٩٩١ ، هذه المسائل الدستورية عينها وخلص قضاؤها بشأنها إلى رفض الدعوى الدستورية التى أثارتها ، على أن سند من أن الأرض الزراعية تمثل مصدراً رئيسياً للتنمية ، وأن إستقطاع بعض أجزائها من خلال البناء زحفاً عليها ، يقلص حيزها ، ويحول دون إكتمال إستغلالها فى الأغراض التى ترصد أصلاً عليها ، فلا يكون تنظيم البناء فيها عدواناً ينال من ملكيتها ، بل توكيداً لوظيفتها الاجتماعية ، وكان قضاء المحكمة عن هذا النحو ، يعتبر فصلاً نهائياً فى المسائل التى حسمتها ، فلا يقبل تعقيباً منها ولا من غيرها ، فإن إثارتها من جديد ، يكون لغواً .

– – – ٣ – – –
القانون الجنائى وإن إتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض ومن خلال مجتمعهم بقصد ضبطها ، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى إتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إرتكابها ، وهو بذلك يتغيا أن يحدد ــ من منظور إجتماعى ــ ما لا يجوز التسامح فيه فى مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها إجتماعياً ممكناً ، بما مؤداه أن الجزاء عن أفعالهم لا يكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة إجتماعية ، فإذا كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً ، غدا مخالفاً للدستور .

– – – ٤ – – –
قانون الزراعة نظم البناء على الأرض الزراعية موازناً فى ذلك بين أمرين : أولهما ألا يقع عدواناً عليها يخرجها عن الأغراض التى تهيأت أصلاً لها ، فلا يكون إقتطاع بعض أجزائها دون ضابط ــ ولو بقصد البناء عليها ــ إلا منافياً لصون رقعتها مما يبددها عمداً أو إهمالاً . ثانيهما ألا يكون حظر البناء على الأرض الزراعية مطلقاً ، بل مقيداً بالضرورة ، وبقدرها ، ضماناً لأن تظل الأرض الزراعية بين أجيال يتعاقبون عليها ، ويضيفون إليها ، فلا تندثر عناصرها ، أو تتضاءل قواها .

– – – ٥ – – –
تأثيم الأفعال التى حظرها المشرع ــ وقد تغيا هذه الأغراض ــ يكون ملتزماً حدود الضرورة الإجتماعية التى لا ينفصل الجزاء الجنائى عنها باعتباره أسلوباً ملائماً لردع الجناة ، لا يحول بين السلطة القضائية ومباشرة مهمتها فى مجال تفريده ، فلا يكون قدره إلا مناسباً لوزن الجريمة وملابساتها . كما أن العقوبة الأصلية التى فرضها النص المطعون فيه ــ وهى الحبس والغرامة فى الحدود التى بينها المشرع ــ وإن كان توقيعها مكملاً الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة من إرتكبها ، إلا أن هاتين العقوبتين متضاممتان ، بل إن ثانيتهما هى الضمان النهائى لاقتلاع جذور العدوان على الأراضى الزراعية ، فلا تصبح كالصريم .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى إلى المحاكمة الجنائية فى القضية رقم ١٦٦٤لسنة ١٩٩١ جنح مستعجل زفتى، بتهمه أنه فى يوم ٥ / ٩ / ١٩٩١ بزمام قرية شبرا ملس مركز زفتى بمحافظة الغربية، أقام بناء على أرض زراعية بدون ترخيص، وطلبت النيابة العامة عقابه بمقتضى المادتين ١٥٢ و ١٥٦ من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ والمعدل بالقانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣ .وقد قضت محكمة جنح زفتى غيابياً بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل مع تغريمه ألفا من الجنيهات وإزالة المبنى، فعارض فى حكمها، ثم قضى فى المعارضة باعتبارها كأن لم يكن، فطعن استثنائياً فيه تحت رقم ١٢٧٣٦ لسنة ٩٢ قضائية، إلا أن محكمة الجنح المستأنفة بطنطا قضت حضورياً اعتبارياً برفض هذا الطعن – وقد عارض المدعى فى هذا الحكم، ودفع أثناء نظر معارضته بعدم دستورية أحكام القانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣ المعدل لقانون الزراعة . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وأذنت للمدعى برفع دعواه الدستورية فقد أقامها. وحيث إن المدعى وإن دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية قانون الزراعة فى مجمل الأحكام التى تضمنها، إلا أن صحيفة دعواه الدستورية تقصر الطعن على المادتين ١٥٢ و١٥٦ من هذا القانون، وبهما تتحدد نطاق الدعوى الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها. وحيث إنه عملاً بنص المادة ١٥٢ من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ المعدل بالقانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣، لايجوز لأحد أن يقيم مبان أو منشئآت فى الأرض الزراعية أو اتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيمها هذه الأرض لإقامة مبان عليها. ويعتبر فى حكم الأرض الزراعية، الأراضى البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية ويستثنى من هذا الحظر : (أ) الارض الواقعة داخل كردون المدن المعتمدة حتى ١ / ١٢ / ١٩٨١ مع عدم الاعتداد بأية تعديلات على الكردون اعتباراً من هذا التاريخ إلا بقرار من مجلس الوزراء. (ب) الأراضى الداخلة فى نطاق الحيز العمرانى للقرى، والذى يصدر بتحديده قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير. (ج) الأراضى التى تقيم عليها الحكومة مشروعات ذات نفع عام بشرط موافقة وزير الزراعة. (د) الأراضى التى تقام عليها مشروعات تخدم الإنتاج الزراعى أو الحيوانى والتى يصدر بتحديدها قرار من وزير الزراعة. (ه) الأراضى الواقعة بزمام القرى التى يقيم عليها المالك سكناً خاصاً به أو مبنى يخدم أرضه، وذلك فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة. وفيما عدا الحالة المنصوص عليها فى الفقرة (ج) يشترط فى الحالات المشار إليها آنفاً صدور ترخيص من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة آية مبان أو منشآت أو مشروعات ويصدر بتحديد شروط وإجراءات منح هذا الترخيص قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير. وحيث إن المدعى ينعى على المادة ١٥٢ المشار إليها، إخلالها بالحماية التى كفلها الدستور وأقرتها الشرائع السماوية للملكية الخاصة، وذلك من خلال القيود التى فرضتها على البناء فى الأرض الزراعية، وقصورها عن ملاحقة التطور العمرانى، ومايقتضيه من زيادة الأماكن المعدة للسكنى بالنظر إلى قلتها، وإهدارها لقيم الأسرة التى يلزم لصونها أن يكون إنشاء المسكن الخاص ممكنا باعتباره مستقراً لإيواء القاطنين فيه . فضلاً عن أن نطاق الحيز العمرانى الذى يجوز البناء فيه لازال محدداً بقانون فى مدن مصر، وبقرار من وزير الزراعة بالنسبة إلى قراها، وكان ينبغى أن يكون هذا النطاق مرناً لا جامداً. وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع ؛ وكان البين من الأوراق أن المدعى قد أقام بناء بقرية شبراملس، وأن الاتهام الجنائى ضده يدور حول مخالفته الشروط التى تطلبها قانون الزراعة للبناء فى الأرض الزراعية ومافى حكمها، فإن مصلحته الشخصية المباشرة تتحقق بإبطال هذه الشروط جميعها، محددة فى أصل قاعدة الحظر التى تحول دون أن يقيم المدعى مبانى فى هذه الأرض، وأحوال الاستثناء من هذا الحظر فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى القرى، وتعليق بدء البناء على شرط الحصول على ترخيص بذلك من المحافظ المختص . ومن ثم ينحصر نطاق المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها بصدر المادة ١٥٢ المشار إليها مع بنديها (ب) و (ه) فضلاً عن فقرتها الأخيرة. وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن واجهت بحكمها الصادر فى القضية رقم ٢٣ لسنة ٩ قضائية بجلستها المعقودة فى ٤ من مايو ١٩٩١ والمنشور فى الجريدة الرسمية بتاريخ ١٦ من يونيو ١٩٩١، هذه المسائل الدستورية عينها وخلص قضاؤها بشأنها إلى رفض الدعوى الدستورية التى أثارتها، على سند من أن الأرض الزراعية تمثل مصدراً رئيسياً للتنمية، وأن استقطاع بعض أجزائها من خلال البناء زحفاً عليها، يقلص حيزها، ويحول دون اكتمال استغلالها فى الأغراض التى ترصد أصلاً عليها، فلا يكون تنظيم البناء فيها عدواناً ينال من ملكيتها، بل توكيداً لوظيفتها الاجتماعية؛ وكان قضاء المحكمة عن هذا النحو، يعتبر فصلاً نهائياً فى المسائل التى حسمتها، فلا يقبل تعقيباً منها ولا من غيرها، فإن إثارتها من جديد، يكون لغوا. وحيث إن المادة ١٥٦ المطعون عليها – وعلى ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم ٣٧ لسنة ١٥ قضائية الصادر بجلستها المعقودة فى ٣١ / ٨ / ١٩٩٦ بعدم دستورية مانصت عليه فقرتها الثانية من عدم جواز وقف تنفيذ الغرامة – أصبحت تقرأ على النحو الآتى: – يعاقب على مخالفة أى حكم من أحكام المادة ١٥٢ من هذا القانون أو الشروع فيها بالحبس وبغرامة لاتقل عن عشرة آلاف جنية ولاتزيد على خمسين ألف جنيه، وتتعدد العقوبة بتعدد المخالفات . ويجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة المخالف. ولوزير الزراعة، حتى صدور الحكم فى الدعوى، وقف أسباب المخالفة بالطريق الإدارى على نفقة المخالف. وتوقف الإجراءات والدعاوى المرفوعة على من أقاموا بناء على الأراضى الزراعية فى القرى قبل تحديد الحيز العمرانى لها بالمخالفة لحكم المادة الثانية من القانون رقم ٣ لسنة ١٩٨٢ بإصدار قانون التخطيط العمرانى، إذا كانت المبانى داخلة فى نطاق الحيز العمرانى للقرية. وحيث إن الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ١٥٦ المطعون عليها، لاتتعلقان بالاتهام الجنائى، ولاتشملهما الخصومة الدستورية بالتالى. وحيث إن المدعى ينعى على المادة ١٥٦ المطعون عليها – محدد نطاقها على النحو المتقدم – مخالفتها للدستور تأسيساً عن أن الأفعال التى نسبتها النيابة العامة إليه، لايجوز تجريمها ذلك أن مايقيمه المالك على أرضه من مبان، لاينبئ عن خطورة إجرامية تقتضى أن يتدخل المشرع لمواجهتها بالنصوص العقابية. وحيث إن هذا النعى مردود أولاً: بأن القانون الجنائى وإن اتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض ومن خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى اتخاذه العقوبة آداة لتقويم مايصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد – من منظور اجتماعى – مالايجوز التسامح فيه فى مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أن الجزاء عن أفعالهم لايكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإذا كان مجاوزاًِ تلك الحدود التى لايكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور. ومردود ثانياً: بأن قانون الزراعة نظم البناء على الأرض الزراعية موازناً فى ذلك بين أمرين: أولهما ألا يقع عدوان عليها يخرجها عن الأغراض التى تهيأت أصلا لها، فلا يكون اقتطاع بعض أجزائها دون ضابط – ولو بقصد البناء عليها – إلا منافياً لصون رقعتها مما يبددها عمداً أو إهمالاً . ثانيهما ألا يكون حظر البناء على الأرض الزراعية مطلقاً، بل مقيداً بالضرورة، وبقدرها، ووفق ترخيص يصدر على ضوء شروط يبينها وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير، ضماناً لأن تظل الأرض الزراعية بين أجيال يتعاقبون عليها، ويضيفون إليها، فلا تندثر عناصرها، أو تتضاءل قواها. ومردود ثالثا : بأن تأثيم الأفعال التى حظرها المشرع – وقد تغيا هذه الأغراض – يكون ملتزماً حدود الضرورة الاجتماعية التى لاينفصل الجزاء الجنائى عنها باعتباره أسلوبا ملائما لردع عدوان محتمل عليها، لايحول بين السلطة القضائية ومباشرة مهمتها فى مجال تفريده، فلا يكون قدره إلا مناسبا لوزن الجريمة وملابساتها. ومردود رابعاً: بأن العقوبة الأصلية التى فرضها النص المطعون فيه – وهى الحبس والغرامة فى الحدود التى بينها المشرع – وإن كان توقيعها مكملاً الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة من ارتكبها، إلا أن هاتين العقوبتين متضاممتان، بل أن ثانيتهما هى الضمان النهائى لاقتلاع جذور العدوان على الأراضى الزراعية، فلا تصبح كالصريم. ولما كان النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى