حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤ لسنة ١٤ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤ لسنة ١٤ دستورية
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم ابو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .
– – – ١ – – –
إن المصلحة الشخصية المباشرة – و هى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن الحكم فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلا بالحق فى الدعوى ، و مرتبطا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية – و ليس بهذه المسألة فى ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة. و بذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مبلورا فكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية، محدا نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، و منفصلا دوما عن مطابقة النص التشريعى المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، و مستلزما أبدا أن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية موطئا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية، فإذا لم يكون له بها صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة . إذ كان ذلك، و كانت لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بالشركة التى يتبعها المدعيان لم تصدر بعد، و كان نص الفقرة الأولى من المادة ٨ من القانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ بشأن إصدار قانون المحاماة هو ما جرى تطبيقه عليهما، و ترتبت بمقتضاه آثار قانونية فى حقهما ممثلة فيها وجه إليهما من ملاحظة فنية لقيامهما بالدفاع عن رئيس مجلس إدارة شركة القطاع العام التابعين لها فى دعوى تأديبية مقامة ضده عن أحد أخطائه الشخصية التى يسأل عنها فى ذمته المالية ، و كان النزاع فى الدعوى الموضوعية يدور حول صحة أو بطلان هذه الملاحظة ، فإن المسألة الدستورية المرتبطة بنزاعهم الموضوعى و المؤثرة فيه، و التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها – فى الدعوى الماثلة – إنما يتحدد إطارها و نطاقها فى نص الفقرة الأولى من المادة ٨ سالفة البيان، و ذلك فيما قررته من عدم جواز مزاولة محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهات التى يعملون بها و إلا كان العمل باطلا. و إنحصار المسألة الدستورية فى هذا النطاق ، مؤداه عدم قبول الدعوى فيما جاوز هذ الشق فيها ، و هو ما يتعين الحكم به.
– – – ٢ – – –
ما ينعاه المدعون من أن النص التشريعى المطعون فيه حظر على محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، مزاولة أعمال المحامة لغير الشركة التى يعملون بها – و أخل بذلك بمبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور، مردود ، ذلك أن هيئات القطاع العام و شركاته الصادرفى شأنها القانون رقم ٩٧ لسنة ١٩٨٣، و إن استعيض عنها بالشركات القابضة و الشركات التابعة لها بحسب الأحوال بمقتضى نص المادة الثانية من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ – و المعمول به اعتبارا من ٢٠ يوليو سنة ١٩٩١ – إلا أن المادة الرابعة من قانون الإصدار المشار إليه صريحة فى نصها على استمرار معاملة العاملين فى هيئات القطاع العام و شركاته المنقولين إلى الشركات الجديدة بنوعيها – و الموجودين بالخدمة فى تاريخ العمل بهذا القانون – وفقا لجميع الأنظمة و القواعد التى تنظم شئونهم الوظيفية ، و ذلك إلى أن تصدر لوائح أنظمة العاملين بالشركات المنقولين إليها طبقا لأحكام القانون المرافق . كما نصت المادة ٤٢ من قانون شركات قطاع الأعمال العام على أن تتولى الشركة بالاشتراك مع النقابة العامة للمحامين وضع لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بها وفق الأسس المبينة فيها. و إلى أن تصدر هذه اللائحة تسرى فى شأنهم أحكام قانون الإدارات القانونية بالهيئات العامة و المؤسسات العامة و الوحدات التابعة لها . متى كان ذلك، و كانت لائحة النظام الخاص لأعضاء الإدارة القانونية بالشركة التى يتبعها المدعيان لم تصدر بعد ، و كانت المادة الثانية عشر من إلقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣ بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات و الهيئات العامة و الوحدات التباعة لها – تتطلب فيمن يعين فى إحدى الوظائف الفنية بالإدارات القانونية ، أن تتوافر فيه الشروط المقررة فى نظام العاملين المدنيين بالدولة أو بالقطاع العام حسب الأحوال . كما تقضى مادته الرابعة و العشرين بأن يعمل فيما لم يرد فيه نص فى هذا القانون بأحكام الشريعة السارية بشأن العاملين المدنيين بالدولة او القطاع العام على حسب الأحوال ، و كذلك باللوائح و النظم المعمول بها فى الجهات المنشأة بها الإدارات القانونية، فإن هذا القانون – الذى لازال ساريا فى حق المدعيين – لا يكون قد أخرجهم من عداد العاملين بالقطاع العام الذين تنظم أوضاعهم أحكام القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٨. إذ كان ذلك ، و كان نظام العاملين بالقطاع العام قد حظر على العامل بالذات أو بالوساطة الجمع بين عمله و أى عمل آخر إذا كان من شأنه الإخلال بواجبات وظيفته أو مقتضياتها أو الحط من كرامتها أو القيام – بغير موافقة الجهة المختصة – بأعمال للغير بأجر أو بغيره أو مزاولة أية أعمال تجارية أو الإشتراك فى أوجه نشاط مشروع أو منشأة تمارس نشاطا مماثلا أو مرتبطا بالنشاط الذى تمارسه الشركة التى يعمل بها، تعين أن ترد هذه القيود جميعها إلى أصل واحد يمثل فى إيجاب أن يكرس العامل بشركات القطاع العام – و هى من أشخاص القانون الخاص – وقته وجهده لأعمال الشركة التابع لها ، باعتبار أن هذا الالتزام جزء من علاقة العمل بالجهة التى قبل الالتحاق بها طواعيه و اختيارا، و يتكامل مع عناصر أخرى مناطها خضوعه و تبعيته لجهة عمله و إشرافها و توجيهها و رقابتها عليه بالتالى ، لتقيم هذه العناصر فى مجموعها بنيان مركزه القانونى.
– – – ٣ – – –
لم يغير قانون المحاماة من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التى تربط شركات القطاع بمحامى إدارتها القانونية ، بل إنه حمل هذه الشركات – بنص المادة ١٧٣ منه – برسوم القيد و الاشتراكات الخاصة بالمحامين العاملين فى إدارتها القانونية ، و كان ما قرره النص المطعون فيه من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحامة لغير الجهة التى يعملون بها إلا و كان باطلا ، يندرج فى إطار الضوابط التى حدد بها المشرع واجباتهم تحديدا قاطعا، و كان الحظر الذى أتى به النص التشريعى المطعون فيه، مستهدفا بتقريرة تنظيم أوضاع العمل بالإدارات القانونية بشركات القطاع العام بما لا يخل بمصالح أعضائها التى لا تتعارض مع طبيعة شركة القطاع العام و بنيانها و ما يقتضيه توجيه نشاطها بأكمله نحو تحقيق أهدافها، إنما يندرج فى إطار سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، و الأصل فيها أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة . و إذ كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم ، فإن النعى على النص التشريعى المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقرا إلى دعامته.
– – – ٤ – – –
لم يغير قانون المحاماة من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التى تربط شركات القطاع بمحامى إدارتها القانونية ، بل إنه حمل هذه الشركات – بنص المادة ١٧٣ منه – برسوم القيد و الاشتراكات الخاصة بالمحامين العاملين فى إدارتها القانونية ، و كان ما قرره النص المطعون فيه من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحامة لغير الجهة التى يعملون بها إلا و كان باطلا ، يندرج فى إطار الضوابط التى حدد بها المشرع واجباتهم تحديدا قاطعا، و كان الحظر الذى أتى به النص التشريعى المطعون فيه، مستهدفا بتقريرة تنظيم أوضاع العمل بالإدارات القانونية بشركات القطاع العام بما لا يخل بمصالح أعضائها التى لا تتعارض مع طبيعة شركة القطاع العام و بنيانها و ما يقتضيه توجيه نشاطها بأكمله نحو تحقيق أهدافها، إنما يندرج فى إطار سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، و الأصل فيها أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة . و إذ كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم ، فإن النعى على النص التشريعى المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقرا إلى دعامته.
– – – ٥ – – –
إن عموم القاعدة القانوية لا يعنى انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال ، و إنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص. و يتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا ، و كان نص المادة ٨ المطعون فيه – بالشروط التى حدد بها نطاق و مجال تطبيقنه – يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محددة بذاوتها و انسحابه إلى أشخاص بأوصافهم، و كان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية و لا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا . و مرد ما تقدم أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. و تعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها . فإذا كان النص التشريعى المطعون فيه بما انطوى عليه من التمييز مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه منطقيا بها أو اعتباره مدخلا إليها ، فإن ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية ، و متبينا بالتالى تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة ٤٠ المشار إليها. إذ كان ذلك، و كان ما قرره النص المشار إليه من عدم جواز مزاولة محامى الإدارت القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، مبناه قاعدة عامة مجردة تستند إلى أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، و كان النص المطعون فيه إذ ورد فى عبارة عامة لا تخصيص فيها ، و التى نظمها القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣ ممن يعملون فى شركات القطاع العام على على اختلافها، و أيا كانت طبيعة نشاطها، و سواء فى ذلك ما يقوم منها بالأعمال المصرفية أو يباشر غيرها من الأعمال . إذا كان ذلك، و كان هؤلاء المحامين قد انتظمتهم أسس موحدة فى مجال التقيد بالأحكام التى تضمنها النص المطعون فيه، فإن قالة التمييز بينهم فى نطاق تطبيقها تكون مفتقرة إلى ما يقيمها.
– – – ٦ – – –
إن عموم القاعدة القانوية لا يعنى انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال ، و إنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص. و يتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا ، و كان نص المادة ٨ المطعون فيه – بالشروط التى حدد بها نطاق و مجال تطبيقنه – يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محددة بذاوتها و انسحابه إلى أشخاص بأوصافهم، و كان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية و لا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا . و مرد ما تقدم أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. و تعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها . فإذا كان النص التشريعى المطعون فيه بما انطوى عليه من التمييز مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه منطقيا بها أو اعتباره مدخلا إليها ، فإن ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية ، و متبينا بالتالى تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة ٤٠ المشار إليها. إذ كان ذلك، و كان ما قرره النص المشار إليه من عدم جواز مزاولة محامى الإدارت القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، مبناه قاعدة عامة مجردة تستند إلى أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، و كان النص المطعون فيه إذ ورد فى عبارة عامة لا تخصيص فيها ، و التى نظمها القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣ ممن يعملون فى شركات القطاع العام على على اختلافها، و أيا كانت طبيعة نشاطها، و سواء فى ذلك ما يقوم منها بالأعمال المصرفية أو يباشر غيرها من الأعمال . إذا كان ذلك، و كان هؤلاء المحامين قد انتظمتهم أسس موحدة فى مجال التقيد بالأحكام التى تضمنها النص المطعون فيه، فإن قالة التمييز بينهم فى نطاق تطبيقها تكون مفتقرة إلى ما يقيمها.
.
– – – ٧ – – –
إن عموم القاعدة القانوية لا يعنى انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال ، و إنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص. و يتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا ، و كان نص المادة ٨ المطعون فيه – بالشروط التى حدد بها نطاق و مجال تطبيقنه – يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محددة بذاوتها و انسحابه إلى أشخاص بأوصافهم، و كان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية و لا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا . و مرد ما تقدم أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. و تعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها . فإذا كان النص التشريعى المطعون فيه بما انطوى عليه من التمييز مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه منطقيا بها أو اعتباره مدخلا إليها ، فإن ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية ، و متبينا بالتالى تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة ٤٠ المشار إليها. إذ كان ذلك، و كان ما قرره النص المشار إليه من عدم جواز مزاولة محامى الإدارت القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، مبناه قاعدة عامة مجردة تستند إلى أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، و كان النص المطعون فيه إذ ورد فى عبارة عامة لا تخصيص فيها ، و التى نظمها القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣ ممن يعملون فى شركات القطاع العام على على اختلافها، و أيا كانت طبيعة نشاطها، و سواء فى ذلك ما يقوم منها بالأعمال المصرفية أو يباشر غيرها من الأعمال . إذا كان ذلك، و كان هؤلاء المحامين قد انتظمتهم أسس موحدة فى مجال التقيد بالأحكام التى تضمنها النص المطعون فيه، فإن قالة التمييز بينهم فى نطاق تطبيقها تكون مفتقرة إلى ما يقيمها.
– – – ٨ – – –
ما نصت عليه المادة ٩ من قانون المحاماة من جواز أن يزوال المحامى أعمال المحاماة فى الجهات التى عينتها – و من بينها البنوك – على أن تكون علاقته بها علاقة وكالة ولو اقتصر عمله عليها ، لا ينطوى على تمييز مخالف للدستور بين المخاطبين بحكمها و غيرهم من محامى الإدارت القانونية ، ذلك أن دلالة عبارتها تنصرف إلى المحامين الذين يمارسون فى استقلال أعمال المحاماة بوصفها مهنة حرة ، و لا يرتبطون فى شأنها برابطة تبعية مع أية جهة . و آية ذلك أن الأصل فى التفسير هو التوفيق بين النصوص المختلفة بما يزيل شبهة التعارض بينها. و يدل استقراء أحكام قانون المحاماة على أن كلمة ” المحامى ” كلما وردت فى هذا القانون دون تخصيص ، وجب حملها على المقيدين منهم بجداول المحامين التى ينظمها ذلك القانون من غير العاملين بالإدارات القانونية فى الجهات المنصوص عليها فيه. و بذلك يكون لكل من النص التشريعى المطعون فيه، و نص المادة ٩ من قانون المحاماة، مجال عمل لا يمزج بين نطاقيهما ، و لا تدخله شبهة التعارض بين أحكامها . ذلك أن النص الأول لا ينظم إلا علاقة عمل بين شركة القطاع العام من ناحية و المحامين العاملين فى إدارتها القانونية من ناحية أخرى، فى حين يتمحض مجال تطبيق المادة٩ من قانون المحاماة عن علاقة وكالة تقوم على حرية المحامى فى قبول التوكيل أو عدم قبوله فى دعوى معينة وفق ما يمليه عليه اقتناعه ، و التزاماً باصول المهنة و متطلباتها.
– – – ٩ – – –
ما قررته المادة ٦٠ من قانون المحاماة من أن يكون النظام الأساسى للشركات المنصوص عليها فيها – و هى الشركات الخاصة التى يتطلب القانون مراقبة حساباتها – متضمنا تعين مستشار قانونى لها من المحامين المقبولين أمام محاكم الإستئناف على الأقل و إلا امتنع قبول تسجيلها فى السجل التجارى ، إنما يتمحض عن ميزة يقتصر سريانها على المحامين من غير العاملين فى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، غايتها توفير فرص عمل لهم بالشركات الخاصة التى يتكون رأسمالها من مساهمات فردية و لا كذلك شركات القطاع العام التى تملك الدولة أسهمها بالكامل أو يكون لها على الأقل أغلبية رأسمالها لضمان توجيه نشاطها وفق ما يمليه الصالح العام. إذ كان ما تقدم، و كان إعمال مبدأ المساواة يفترض التماثل فى المراكز القانونية ، فإن قالة التمييز بين محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من ناحية ، و بين المخاطبين بنص المادة ٦٠ من قانون المحاماة من ناحية أخرى – و هما فئتان لا تتحد مراكزهما القانونية – لا يكون لها محل.
– – – ١٠ – – –
ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعى المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه فى المادة ٨ من الدستور ، مردود بأن مضمون هذا المبدأ إنما يتصل بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، و إن إعماله يقع عند تزاحمهم عليها، و إن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – فى مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض ، و هى أولوية تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. و من ثم يكون مجال إعمال مبدأ تكافؤ الرص فى نطاق تطبيق النص التشريعى المطعون عليه منتفيا، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، بما لا مخالفة – من هذه الناحية – لأحكام الدستور.
– – – ١١ – – –
ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعى المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه فى المادة ٨ من الدستور ، مردود بأن مضمون هذا المبدأ إنما يتصل بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، و إن إعماله يقع عند تزاحمهم عليها، و إن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – فى مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض ، و هى أولوية تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. و من ثم يكون مجال إعمال مبدأ تكافؤ الرص فى نطاق تطبيق النص التشريعى المطعون عليه منتفيا، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، بما لا مخالفة – من هذه الناحية – لأحكام الدستور.
– – – ١٢ – – –
مناط اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فى دستورية القوانين و الوائح هو مخالفة النص التشريعى المطعون عليه لنص فى الدستور، و لا تمتد رقابتها بالتالى إلا إلى حالات التعارض بين القوانين و اللوائح، و لا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة . و لا يعدو النعى بمخالفة النص التشريعى المطعون فيه لنص وارد فى قانون المحاماة أن يكون نعيا بمخالفة قانون لقانون، و لا يشكل بالتالى مخالفة دستورية مما تختص المحكمة الدستورية العليا بنظرها .
– – – ١٣ – – –
النعى بأن النص التشريعى المطعون فيه ينتكس بمبدأ تطور التشريع إلى الأحسن، مردود بأن إعراض السلطة التشريعية عن إتجاه تقدمى – بفرض صحة هذا النعى – لا ينطوى بالضرورة على مخالفة لأحكام الدستور. و لا يصلح بذاته وجها لتجريح نص تشريعى، ذلك أن مناط الرقابة القضائية على الدستورية هو التقيد بالضوابط التى فرضها الدستور على السلطتين التشريعية و التنفيذية فى مجال ممارستها لولاية إقرار القوانين أو إصدارها ، فإذا ما أقر قانون أو صدر قرار بقانون ملتزما حدودها، كان موافقا للدستور، و لايجوز تعييبه.
– – – ١٤ – – –
إن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون فيه لمبادئ معمول بها فى بعض الدول، لا ترقى فى ذاتها إلى مرتبة المخالفة الدستورية ، ذلك أن المفاهيم التى تصوغ بعض الدول تشريعاتها على ضوئها لا تعتبر بمثابة نصوص دستورية مندمجة فى دستور جمهورية مصر العربية ، لا تستنهض بالتالة ولاية المحكمة الدستورة العليا.
– – – الإجراءات – – –
بتاريخ ١٩ فبراير سنة ١٩٩٢ أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبين الحكم بعدم دستورية المادة ٨ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعيين كانا قد طعنا أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية على القرار الصادر من التفتيش الفني على الإدارات القانونية بالهيئات العامة وشركات القطاع العام التابع لوزارة العدل بتقدير كفايتهما، وذلك فيما تضمنه من توجيه ملحوظة فنية لهما لقيامهما بالمرافعة عن رئيس مجلس إدارة شركة القطاع العام التي يتبعانها – في دعوى تأديبية مقامة ضده – بالمخالفة لنص المادة ٨ من قانون المحاماة، وكذلك القرار الصادر برفض اعتراضهما عليها، طالبين الحكم بوقف تنفيذ هذين القرارين ثم بإلغائهما.
وقد قضت المحكمة المذكورة بعدم اختصاصها بنظر الطعن وإحالته إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، التي قضت بدورها بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها – بحالتها – إلى المحكمة الابتدائية بالإسكندرية – حيث قيدت بجدولها برقم ٧٥٢ لسنة ١٩٨٩ عمال كلي. وإذ دفعا أثناء نظر دعواهما بعدم دستورية المادة ٨ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، كما تدخلت شركة القطاع العام التي يتبعانها خصما منضما إليهما في ذات طلباتهما، فقد أقاموا الدعوى الدستورية الماثلة، بعد أن صرحت لهم محكمة الموضوع باتخاذ إجراءات رفعها.
وحيث إن المادة ٨ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ – المطعون عليها – تنص على الآتي:
فقرة أولى: “مع عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز لمحامي الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والمؤسسات الصحفية أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها، وإلا كان العمل باطلاً”. فقرة ثانية: “كما لا يجوز للمحامي في هذه الإدارات القانونية الحضور أمام المحاكم الجنائية إلا في الادعاء بالحق المدني في الدعاوى التي تكون الهيئة أو الشركة أو المؤسسة طرفاً فيها، وكذلك الدعاوى التي ترفع على مديريها أو العاملين بها بسبب أعمال وظائفهم”.
فقرة ثالثة: “ولا يسري هذا الحظر بالنسبة للقضايا الخاصة بهم وبأزواجهم وبأقاربهم حتى الدرجة الثالثة، وذلك في غير القضايا المتعلقة بالجهات التي يعملون بها”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة – قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع؛ بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلاً بالحق في الدعوى، ومرتبطاً بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة. وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مبلوراً فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محدداً نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومنفصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، ومستلزماً أبداً أن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية، فإذا لم يكن له بها من صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة. إذ كان ذلك، وكان المدعيان الأول والثاني من محامي الإدارة القانونية لدى المدعية الثالثة – وهي من شركات القطاع العام التي يسري عليها النص التشريعي المطعون فيه – وكانت هيئات القطاع العام وشركاته الصادر في شأنها القانون رقم ٩٧ لسنة ١٩٨٣، وإن استعيض عنها بالشركات القابضة والشركات التابعة لها بحسب الأحوال بمقتضى نص المادة الثانية من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ – والمعمول به اعتباراً من ٢٠ يوليو سنة ١٩٩١ – إلا أن المادة الرابعة من قانون الإصدار المشار إليه صريحة في نصها على استمرار معاملة العاملين في هيئات القطاع العام وشركاته المنقولين إلى الشركات الجديدة بنوعيها – والموجودين بالخدمة في تاريخ العمل بهذا القانون – وفقاً لجميع الأنظمة والقواعد التي تنظم شئونهم الوظيفية، وذلك إلى أن تصدر لوائح أنظمة العاملين بالشركات المنقولين إليها طبقاً لأحكام القانون المرافق. كما نصت المادة ٤٢ من قانون شركات قطاع الأعمال العام على أن تتولى الشركة بالاشتراك مع النقابة العامة للمحامين وضع لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بها وفق الأسس المبينة فيها، وأنه إلى أن تصدر هذه اللائحة تسري في شأنهم أحكام قانون الإدارات القانونية بالهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها. إذ كان ذلك، وكانت لائحة النظام الخاص بأعضاء الإدارة القانونية بالشركة التي يتبعها المدعيان لم تصدر بعد، وكان نص الفقرة الأولى من المادة ٨ من القانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ بشأن إصدار قانون المحاماة هو ما جرى تطبيقه عليهما، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية في حقهما ممثلة فيما وجه إليهما من ملاحظة فنية لقيامهما بالدفاع عن رئيس مجلس إدارة شركة القطاع التابعين لها في دعوى تأديبية مقامة ضده – لا عن خطأ مرفقي – بل عن أحد أخطائه الشخصية التي يسأل عنها في ذمته المالية، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية يدور حول صحة أو بطلان هذه الملاحظة، فإن المسألة الدستورية المرتبطة بنزاعهم الموضوعي والمؤثرة فيه، والتي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها – في الدعوى الماثلة – إنما يتحدد إطارها ونطاقها في نص الفقرة الأولى من المادة سالفة البيان، وذلك فيما قررته من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً. وانحصار المسألة الدستورية في هذا النطاق، مؤداه عدم قبول الدعوى فيما جاوز هذا الشق منها، وهو ما يتعين الحكم به.
وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعي المطعون فيه إخلاله بمبدأي تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ومساواتهم لدى القانون، وذلك بما أقامه من التمييز بين محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من ناحية ونظرائهم في بنوك القطاع العام المتماثلين معهم في المركز القانوني من ناحية أخرى، وبمقولة أنه خول الفئة الثانية من دونهم – وعلى ما تقضي به المادة ٩ من القانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ – حق ممارسة مهنة المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها. هذا بالإضافة إلى انطوائه على حرمانهم من المزية التي كفلتها المادة ٦٠ من هذا القانون لزملائهم المحامين ذوي المكاتب الخاصة وذلك فيما قررته من تعيين مستشارين قانونيين من بينهم للشركات الخاصة المشار إليها فيها، مفرقاً في ذلك بين المنتمين لمهنة واحدة هي مهنة المحاماة، ومخالفاً كذلك مبدأ تطور التشريع إلى الأحسن، إذ قدر النص التشريعي المطعون فيه، البطلان كجزاء على مخالفة الحظر المنصوص عليه في فقرته الأولى، وهو جزاء لم يكن وارداً في قانون المحاماة الملغى، وينافيه الحق الأصيل لكل محام – على ما تنص عليه المادة ٤ من ذات القانون – في ممارسة مهنته عن أية جهة دون قيد.
وحيث إن ما ينعاه المدعون على النص التشريعي المطعون فيه – فيما فرضه من حظر على محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من مزاولة أعمال المحاماة لغير الشركة العاملين بها – من إخلال بمبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين المنصوص عليه في المادة ٤٠ من الدستور، مردود ذلك أن القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣ بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة والوحدات التابعة لها – والذي ما زال ساريا في شأن المدعيين – لم يخرجهم من عداد العاملين بها. وآية ذلك ما نصت عليه المادة ١٢ من قانون هذه الإدارات من أنه يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف الفنية بالإدارات القانونية أن تتوافر فيه الشروط المقررة في نظام العاملين المدنيين بالدولة أو بالقطاع العام حسب الأحوال، وما قررته كذلك المادة ٢٤ منه من أن يعمل فيما لم يرد فيه نص في هذا القانون بأحكام التشريعات السارية بشأن العاملين المدنيين بالدولة أو بالقطاع العام على حسب الأحوال، وكذلك باللوائح والنظم المعمول بها في الجهات المنشأة بها الإدارات القانونية، مما مؤداه اعتبار أعضاء الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من الخاضعين لنظام العاملين في القطاع العام الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٨ – والذي ما زال ساريا بدوره في شأن المدعيين على الوجه السابق بيانه – وكان هذا النظام قد حظر على العامل بالذات أو بالوساطة الجمع بين عمله وأي عمل آخر إذا كان من شأنه الإخلال بواجبات وظيفته أو مقتضياتها أو الحط من كرامتها. أو القيام بأعمال للغير – إلا بموافقة من الجهة المختصة – أو مزاولة أية أعمال تجارية أو الاشتراك في أوجه نشاط المشروعات أو المنشآت التي تمارس نشاطاً مماثلاً أو مرتبطاً بالنشاط الذي تمارسه الشركة العامل بها، وكانت هذه القيود جميعها مردها إلى أصل واحد يتمثل في إيجاب أن يكرس العامل بشركات القطاع العام – وهي من أشخاص القانون الخاص – وقته وجهده لأعمال الشركة التابع لها، وهو التزام لا ينفك عنه، ويعتبر جزءا من علاقة العمل بالجهة التي قبل الالتحاق بها طواعية واختياراً، متكاملاً مع عناصر أخرى مناطها خضوعه وتبعيته لجهة عمله وإشرافها وتوجيهها ورقابتها عليه بالتالي، لتقيم هذه العناصر في مجموعها بنيان مركزه القانوني. إذ كان ذلك، وكان قانون المحاماة لم يغير من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التي تربط شركات القطاع العام بمحامي إداراتها القانونية، بل أنه حمل هذه الشركات – بنص المادة ١٧٣ منه – برسوم القيد والاشتراكات الخاصة بالمحامين العاملين في إداراتها القانونية، وكان ما قرره النص المطعون فيه من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً، يندرج في إطار الضوابط التي حدد بها المشرع واجباتهم تحديداً قاطعاً، وكان الحظر الذي آتى به النص التشريعي المطعون فيه مستهدفاً بتقريره تنظيم أوضاع العمل بالإدارات القانونية بشركات القطاع العام بما لا يخل بمصالح أعضائها التي لا تتعارض مع طبيعة شركات القطاع العام وبنيانها وما يقتضيه توجيه نشاطها بأكمله نحو تحقيق أهدافها، إنما يندرج في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والأصل فيها أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم، فإن النعي على النص التشريعي المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقراً إلى دعامته.
وحيث إن عموم القاعدة القانونية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لا يعني انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديداً، وكان النص المطعون فيه – بالشروط التي حدد بها نطاق ومجال تطبيقه – يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محددة بذواتها وانسحابه إلى أشخاص بأوصافهم، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة ٤٠ المشار إليها، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها، فإذا كان النص التشريعي المطعون فيه بما انطوى عليه من التمييز مصادماً لهذه الأغراض مجافياً لها بما يحول دون ربطه منطقياً بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن ذلك النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية ومتبنيا تمييزاً تحكميا بالمخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور. إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص التشريعي المطعون فيه من عدم جواز مزاولة محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التي يعملون بها مبناه قاعدة عامة مجردة مستندة إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أي نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان النص المطعون فيه إذ ورد في عبارة عامة لا تخصيص فيها، وأتى مطلقا غير مقيد، بما يعني انصرافه إلى محامي الإدارات القانونية جميعها التي نظمها القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣ ممن يعملون في شركات القطاع العام على اختلافها، وأيا كانت طبيعة نشاطها، وسواء في ذلك ما يقوم منها بالأعمال المصرفية أو يباشر غيرها من الأعمال، فإن هؤلاء المحامين – وأيا كانت شركة القطاع العام التي يعملون بها – تكون قد انتظمتهم أسس موحدة في مجال التقيد بالأحكام التي تضمنها النص التشريعي المطعون فيه، وتكون قالة التمييز بينهم في نطاق تطبيقها، مفتقرة إلى ما يقيمها. ولا ينال نص المادتين ٩، ٦٠ من قانون المحاماة مما تقدم، ذلك أن استقراء أحكام هذا القانون يدل على أنه كلما أورد ذلك القانون كلمة المحامي دون تخصيص، تعين حملها على المقيدين منهم بجداول المحامين التي ينظمها هذا القانون من غير العاملين بالإدارات القانونية في الجهات المنصوص عليها فيه. كذلك فإن القاعدة في التفسير هي التوفيق بين النصوص المختلفة بما يزيل شبهة التعارض بينها. إذ كان ذلك، فإن ما قررته المادة ٩ من قانون المحاماة من جواز أن يزاول المحامي أعمال المحاماة في الجهات التي عينتها – ومن بينها البنوك – على أن تكون علاقته بها علاقة وكالة ولو اقتصر عمله عليها، إنما ينصرف إلى من يزاول من المحامين أعمال المحاماة بوصفها مهنة حرة يمارسونها في استقلال، ولا يرتبطون في شأنها برابطة تبعية مع أية جهة، وبذلك يكون لكل من النص التشريعي المطعون فيه، ونص المادة ٩ من قانون المحاماة، مجال عمل لا يمزج بين نطاقيهما، ولا تداخله شبهة التعارض بين أحكامها. وآية ذلك أن النص التشريعي المطعون فيه لا ينظم إلا علاقة عمل بين شركة القطاع العام من ناحية والمحامين العاملين في إدارتها القانونية من ناحية أخرى. في حين يتمحض مجال تطبيق المادة ٩ من قانون المحاماة عن علاقة وكالة تقوم على حرية المحامي في قبول التوكيل أو عدم قبوله في دعوى معينة وفق ما يمليه اقتناعه. كذلك فإن ما قررته المادة ٦٠ من قانون المحاماة من أن يكون النظام الأساسي للشركات المنصوص عليها فيها – وهي الشركات الخاصة التي يتطلب القانون مراقبة حساباتها – متضمنا تعيين مستشار قانوني لها من المقبولين أمام محاكم الاستئناف على الأقل وإلا امتنع قبول تسجيلها في السجل التجاري، إنما يتمحض عن ميزة يقتصر سريانها على المحامين من غير العاملين في الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، غايتها توفير فرص عمل لهم بالشركات الخاصة التي يتكون رأسمالها من مساهمات فردية. ولا كذلك شركات القطاع العام التي تملك الدولة أسهمها بالكامل أو يكون لها على الأقل أغلبية رأسمالها لضمان توجيه نشاطها وفق ما يمليه الصالح العام. إذ كان ذلك، وكان إعمال مبدأ المساواة يفترض التماثل في المراكز القانونية، فإن قالة التمييز بين محامي الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من ناحية وبين المخاطبين بنص المادة ٦٠ من قانون المحاماة من ناحية أخرى – وهما فئتان لا تتحد مراكزهما القانونية – لا يكون لها محل.
وحيث إن ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعي المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة ٨ من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأ يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند تزاحمهم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – في مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام، إذ كان ذلك، فإن مجال إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في نطاق تطبيق النص المطعون عليه يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، بما لا مخالفة فيه – من هذه الناحية – لأحكام الدستور.
وحيث إن ما ينعاه المدعون على النص التشريعي المطعون فيه من تعارضه مع المادة ٤ من قانون المحاماة سالف البيان التي تنص على أن يمارس المحامي مهنة المحاماة منفرداً أو شريكاً مع غيره من المحامين أو في صورة شركة مدنية للمحاماة، كما يجوز له أن يمارسها في الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والخاص والمؤسسات الصحفية وفي البنوك والشركات الخاصة والجمعيات طبقاً لأحكام هذا القانون، مردود بأنه – أيا كان وجه الرأي في التعارض المدعى به – فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح هو مخالفة النص التشريعي المطعون فيه لنص في الدستور ولا تمتد رقابتها بالتالي إلى حالات التعارض بين القوانين واللوائح ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة ولا يعدو النعي بمخالفة النص التشريعي المطعون لنص وارد في قانون المحاماة أن يكون نعياً بمخالفة قانون لقانون، ولا يشكل بالتالي مخالفة لأحكام الدستور مما تختص المحكمة الدستورية العليا بنظرها.
وحيث إن ما أثاره المدعون من أن النص التشريعي المطعون فيه ينتكس بمبدأ تطور التشريع إلى الأحسن، مردود بأن إعراض السلطة التشريعية عن اتجاه تقدمي – بفرض صحة ما قرره المدعون في هذا الصدد – لا ينطوي بالضرورة على مخالفة لأحكام الدستور، ولا يصلح بذاته وجها لتجريح نص تشريعي. ذلك أن مناط الرقابة القضائية على الدستورية هو التقيد بالضوابط التي فرضها الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجال ممارستهما لولاية إقرار القوانين أو إصدارها، فإذا ما أقر قانون أو صدر قرار بقانون ملتزماً حدودها، كان موافقاً للدستور ولا يجوز تعييبه.
وحيث إن قالة مخالفة النص التشريعي المطعون فيه لمبادئ معمول بها في بعض الدول، لا ترقى في ذاتها إلى مرتبة المخالفة الدستورية، ذلك أن المفاهيم التي تصوغ بعض الدول تشريعاتها على ضوئها لا تعتبر بمثابة نصوص دستورية مندمجة في دستور جمهورية مصر العربية، ولا تستنهض بالتالي ولاية المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن النص التشريعي المطعون فيه – بتحديده السالف بيانه – لا مخالفة فيه للدستور من نواح أخرى.