حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٨ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٨ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ٢٥ – ٠٩ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١بشأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان النزاع الموضوعى يتعلق بوحدة سكنية تخلف المدعى ــ وبصفته مالكاً ــ عن تسليمها إلى من إبتاعها منه ، فإن مصلحته ــ وعلى ضوء الدعوى الجنائية التى إتهم فيها ــ تنحصر فى الفصل فى دستورية الفقرة الثانية من المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه ــ وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من يبيعون وحدة سكنية ، ويخلون ــ دون مقتض ــ بالتزامهم بتسليمها لأصحابها فى الموعد المحدد .

– – – ٢ – – –
الأصل فى العقود ــ وباعتبارها شريعة المتعاقدين تقوم نصوصها مقام القانون فى الدائرة التى يجيزها ــ هو ضرورة تنفيذها فى كل ما تشمل عليه ، فلا يجوز نقصها أو تعديلها إلا بإتفاق الطرفين أو وفقاً للقانون . وكلما نشأ العقد صحيحاً ملزماً ، كان تنفيذه واجباً ، فقد إلتزم المدين بالعقد ، فإذا لم يقم بتنفيذه ، كان ذلك خطأ عقدياً سواء نشأ هذا الخطأ عن عمد أو إهمال أو عن مجرد فعل لا يقترن بأيهما . ومن ثم تظهر المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين فى تنفيذ عقد نشأ صحيحاً ملزماً ، وهى تتحقق بتوافر أركانها ، وليس ثمة ما يحول بين المشرع وبين أن يقيم مسئولية جنائية إلى جانبها ، فلا يكون إجتماعهما أمراً عصياً أو مستبعداً ، بل متصوراً فى إطار دائرة بذاتها ، هى تلك التى يكون الإخلال بالالتزام العقدى فيها قد أضر بمصلحة إجتماعية لها وزنها . وهو ما يعنى أن الدستور لا يتضمن قاعدة كلية أو فرعية يمكن ردها إلى النصوص التى إنتظمها أو ربطها بها ، تحول دون تدخل المشرع لتأثيم واقعة النكول عن تنفيذ إلتزام لم ينشأ مباشرة عن نص القانون ، وإنما كان العقد مصدره المباشر ، وبشرط أن يكون هذا التأثيم محدداً بصورة واضحة لعناصر الجريمة التى أحدثها المشرع . وهذه القاعدة ذاتها هى التى صاغها المجلس الدستورى الفرنسى وذلك على النحو التالى :
A ucun principe ou regle de valeur constitutionnelle n,interdit au legislateur d, eriger en infraction le manquement a des obligations qui ne resultent pas directement de la loi elle – meconnaissance par une personne d, obligations contractuelles ayant force obligations contractuelles ayant force obligatoire a son egard peut donc faire l, opjet d, une repression penale des lors que le legislateur definit de facon precise et complete les elements constitutifs des infractions qu, il vise .
{ nom ٨٢ – ١٤٥ DC, ١٠ november ١٩٨٢, Rec. P. ٦٤ }
يؤيد ما تقدم ، أن الحرية الشخصية التى يكفلها الدستور ، لا تخول أى فرد حقاً مطلقاً فى أن يتحرر نهائياً فى كل وقت ، وتحت كل الظروف ، من القيود عليها ، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها تقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها ، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها ، دون إخلال بأمن أعضائها .
” The liberty secured to every person does not import an absolute right in each person to be, at all times and in all circumstances, wholly free from rstraint. There are manifold restraints to which every person is necessarily subject for the common good, On any other basis organized society could not exist with safety to its members ” Jacobson V. Massachusetts, ١٩٧ U. S. ١١, ٢٦ (١٩٠٥) .

– – – ٣ – – –
الأصل فى العقود ــ وباعتبارها شريعة المتعاقدين تقوم نصوصها مقام القانون فى الدائرة التى يجيزها ــ هو ضرورة تنفيذها فى كل ما تشمل عليه ، فلا يجوز نقصها أو تعديلها إلا بإتفاق الطرفين أو وفقاً للقانون . وكلما نشأ العقد صحيحاً ملزماً ، كان تنفيذه واجباً ، فقد إلتزم المدين بالعقد ، فإذا لم يقم بتنفيذه ، كان ذلك خطأ عقدياً سواء نشأ هذا الخطأ عن عمد أو إهمال أو عن مجرد فعل لا يقترن بأيهما . ومن ثم تظهر المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين فى تنفيذ عقد نشأ صحيحاً ملزماً ، وهى تتحقق بتوافر أركانها ، وليس ثمة ما يحول بين المشرع وبين أن يقيم مسئولية جنائية إلى جانبها ، فلا يكون إجتماعهما أمراً عصياً أو مستبعداً ، بل متصوراً فى إطار دائرة بذاتها ، هى تلك التى يكون الإخلال بالالتزام العقدى فيها قد أضر بمصلحة إجتماعية لها وزنها . وهو ما يعنى أن الدستور لا يتضمن قاعدة كلية أو فرعية يمكن ردها إلى النصوص التى إنتظمها أو ربطها بها ، تحول دون تدخل المشرع لتأثيم واقعة النكول عن تنفيذ إلتزام لم ينشأ مباشرة عن نص القانون ، وإنما كان العقد مصدره المباشر ، وبشرط أن يكون هذا التأثيم محدداً بصورة واضحة لعناصر الجريمة التى أحدثها المشرع . وهذه القاعدة ذاتها هى التى صاغها المجلس الدستورى الفرنسى وذلك على النحو التالى :
A ucun principe ou regle de valeur constitutionnelle n,interdit au legislateur d, eriger en infraction le manquement a des obligations qui ne resultent pas directement de la loi elle – meconnaissance par une personne d, obligations contractuelles ayant force obligations contractuelles ayant force obligatoire a son egard peut donc faire l, opjet d, une repression penale des lors que le legislateur definit de facon precise et complete les elements constitutifs des infractions qu, il vise .
{ nom ٨٢ – ١٤٥ DC, ١٠ november ١٩٨٢, Rec. P. ٦٤ }
يؤيد ما تقدم ، أن الحرية الشخصية التى يكفلها الدستور ، لا تخول أى فرد حقاً مطلقاً فى أن يتحرر نهائياً فى كل وقت ، وتحت كل الظروف ، من القيود عليها ، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها تقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها ، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها ، دون إخلال بأمن أعضائها .
” The liberty secured to every person does not import an absolute right in each person to be, at all times and in all circumstances, wholly free from rstraint. There are manifold restraints to which every person is necessarily subject for the common good, On any other basis organized society could not exist with safety to its members ” Jacobson V. Massachusetts, ١٩٧ U. S. ١١, ٢٦ (١٩٠٥) .

– – – ٤ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط ترسم تخومها وتحد منها ، فلا يكون الإخلال بها إلا عدواناً على هذه الحقوق سواء عن طريق تهميشها أو بإهدار مجالاتها الحيوية التى لا تتنفس إلا من خلالها .

– – – ٥ – – –
ما نص عليه الدستور فى المادة ٧ من قيام المجتمع على أساس من التضامن الإجتماعى ، يعنى وحدة الجماعة فى بنيانها ، وتدخل مصالحها لا تصادمها ، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها ، وإتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيراً ، فلا يتفرقون بدداً أو يتناحرون طمعاً ، أو يتنابذون بغياً ، وهم بذلك شركاء فى مسئوليتهم قبلها ، لا يملكون التنصل منها أو التخلى عنها ، وليس فريق منهم بالتالى أن يتقدم على غيره إنتهازاً ، ولا أن ينال من الحقوق قدراً منها يكون به ــ عدواناً ــ أكثر علواً . بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها ، التى تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق ، وتتهيأ معها تلك الحماية التى ينبغى أن يلوذ بها ضعفاؤهم ، ليجدوا فى كنفها الأمن والاستقرار .

– – – ٦ – – –
القانون الجنائى وإن إتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم ، أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم ، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى إتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها ، وهو بذلك يتغيا أن يحدد ــ ومن منظور إجتماعى ــ ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها إجتماعياً ممكناً ، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة إجتماعية ، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً ، غدا مخالفاً للدستور .

– – – ٧ – – –
التجريم المقرر بالفقرة المطعون عليها مرده إلى الضرورة الاجتماعية التي يمثلها أن صور التعامل في تلك الأعيان من خلال بيعها، ينبغي أن يحيطها ما يكون كافلاً لصدقها ويبعد بها عن الالتواء، فلا يكون هذا التعامل زيفاً أو تربحاً غير مشروع بل حقاً وإنصافاً، لتعايش البيوع الأغراض التي يرتجيها المتبايعون منها، فلا يتوهمها أطرافها على غير حقيقتها.
غموض النصوص العقابية يعني انفلاتها من ضوابطها وتعدد تأويلاتها، فلا تكون الأفعال التي منعها المشرع أو طلبها محددة بصورة يقينية، بل شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو خفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها. ولا كذلك الفقرة المطعون عليها التي صاغها المشرع مؤثماً بحكمها من يبيعون أو يؤجرون أعياناً، ولا يقومون اختياراً – في الموعد المحدد – بتسليمها لمشتريها أو مستأجريها.
كذلك فإن الفقرة المطعون عليها تتعلق – في بعض جوانبها – بمن يعرضون على الغير وحدة سكنية لتمليكها أو تأجيرها، ولا يخل الجزاء المقرر بها بوجود عقد بيعها أو إجارتها، ولا ينال كذلك من الآثار التي يرتبها.
كما أن قضاء هذه المحكمة وإن جرى على أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها يقتضي أن تتوازن خصائصها مع وطأة عقوبتها؛ وكان ذلك مؤداه أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التي تناسبها، إلا أن ما يكون من الجزاء ملائماً لجريمة بذاتها، ينبغي أن يتحدد على ضوء درجة خطورتها ونوع المصالح التي ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفاً للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة La disproportion manifeste بين مداه وطبيعة الجريمة التي تعلق بها. ودون ذلك يعني إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التي فرضتها.
الضرورة الاجتماعية التي تقرر الجزاء المنصوص عليه بالفقرة المطعون عليها لصونها، تبلور تلك الضوابط التي لا يتصور أن يتم التعامل في الأعيان بعيداً عنها، وإلا كان هذا التعامل انتهازاً وضرباً من التحايل، فلا يطمئن من كان طرفاً فيه للحقوق التي تتولد عنه إذا صار أمرها نهباً وكان لازماً بالتالي أن يقرن المشرع العقوبة التي فرضتها الفقرة المطعون عليها في شأن الجريمة التي حددتها، بجزاء مالي يردع من يرتكبونها عن العودة إليها، وينذر غيرهم بأثقالها، فلا يقدمون عليها.
الجزاء المالي المقرر بالفقرة المطعون عليها، وإن تمثل في التزام بائع الوحدة السكنية بأن يؤدي لمن ابتاعها مثلي مقدار المقدم المدفوع، إلا أن جزاء على هذا النحو ليس أمراً فجاً، ولا يتمحض كذلك غلواً، بل إن لهذا الجزاء نظائره كلما كان لازماً لردع من ينكثون بعهودهم مثلما فعل المشرع بنص المادة ١٠٣ من القانون المدني التي أوردها في شأن العربون.
كذلك فإن القول بأن عبارة “دون مقتض” التي تضمنها النص المطعون فيه لا تقل في غموضها عن عبارة “التخلف عن تسليم الوحدة السكنية” مردود بأن هاتين العبارتين متكاملتان في تحديدهما لعناصر الجريمة التي حددتها الفقرة المطعون عليها، ذلك أنهما تواجهان امتناع بائع العين عن تسليمها أو تراخيه في ذلك عن الموعد المحدد، وتقرران أن لذلك جزاء جنائياً مشروطاً بألا يكون الإخلال بهذا الالتزام ناشئاً عن سبب أجنبي، بما لا مخالفة فيه الدستور.
وبذلك تفارق هذه المسئولية، تلك التي تنشأ وفقاً لأحكام القانون المدني عن الإخلال بالالتزام بالتسليم، باعتباره متفرعاً عن الالتزام بنقل ملكية شيء ومنصرفاً كذلك إلى تحقيق غاية، لا إلى مجرد بذل عناية. فإذا لم يتم التسليم كاملاً – ولو بسبب أجنبي كقوة قاهرة هلك بها المبيع أو تلف قبل تسليمه – ظل البائع مسئولاً. وما ذلك إلا لأن المشرع تغيا بالمسئولية الجنائية التي قررتها الفقرة المطعون عليها، أن يرد عن التعامل المشروع في الأعيان التي عناها، أبواباً ينفذ التحايل منها، فإذا انقطع دابره، لعذر قام ببائعها وحال دون تسليمه العين لمشتريها، فإن اعتباره مسئولاً جنائياً عن عدم تسليمها، يكون أمراً منهياً عنه دستورياً، على تقدير أن وقوع جريمة ما يفترض إرادة ارتكابها.
فضلاً عن أن الجريمة التي أحدثتها الفقرة المطعون عليها قوامها أن شخصاً باع وحدة سكنية يملكها، ولم يقم مختاراً بتسليمها في الموعد المحدد، وهى جريمة لا يتم إثباتها بعيداً عن تدخل سلطة الاتهام للتدليل على توافر أركانها هذه بأوصافها التي حددها المشرع. وإثباتها لها مؤداه نقضها لبراءة ذمة متهمها مما يثقلها، حال أن هذه البراءة هي الأصل في الحقوق الشخصية جميعها. وبنفيها لهذا الأصل، يكون للمتهم بالجريمة محل النزاع الموضوعي – وفي إطار وسائل الدفاع التي يملكها أن يقيم الدليل على توافر مقتض حال دون تسليمه الوحدة التي باعها في موعدها. ولا مخالفة في ذلك للقواعد التي يقوم عليها النظام ألاختصامي للعدالة الجنائية. ولا لافتراض البراءة المقرر بنص المادة ٦٧ من الدستور.

[الطعن رقم ٤٨ – لسنــة ١٨ ق – تاريخ الجلسة ١٥ / ٠٩ / ١٩٩٧ – مكتب فني ٨ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٨٥٤ – تم رفض هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية فى القضية رقم ١ لسنة ١٩٩٢ جنح أمن دولة الدخيلة، متهمة إياه بأنه فى غضون شهر يونيه ١٩٨٩ بدائرة قسم الدخيلة قد تخلف – بصفته مالكا – ودون مقتض عن تسليم الوحدة السكنية التى ابتاعها منه السيد / محمد العريف إبراهيم، مخالفا بذلك أحكام المواد ١ و ١٣ / ٥ و ٧١ و ٨ / ١ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكذلك الفقرة الثانية من المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فضلا عن المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات . وإذ قضى غيابيا بحبس المتهم ستة أشهر، فقد عارض فى هذا الحكم، وقضى فى معارضته بقبولها شكلا ورفضها موضوعا، مما دعاه إلى الطعن استئنافيا فى الحكم الصادر فيها، فقضى غيابيا فى استئنافه بقبوله كذلك شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف، وإذ عارض فى هذا الحكم ودفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ٢٣ من القانون ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامها . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضى بأن <<يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور . بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا >> . وتنص فقرتها الثانية على أن << ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من المادة ١٣ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧>> . وتقضى فقرتها الثالثة بأن << ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع من مخالفات لأحكام هذه المادة >> . وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعى يتعلق بوحدة سكنية تخلف المدعى – وبصفته مالكا – عن تسليمها إلى من ابتاعها منه، فإن مصلحته – وعلى ضوء الدعوى الجنائية التى اتهم فيها تنحصر فى الفصل فى دستورية الفقرة الثانية من المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من يبيعون وحدة سكنية، ويخلون – دون مقتض – بالتزامهم بتسليمها لأصحابها فى الموعد المحدد . وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه – محددا نطاقا على النحو المتقدم – مخالفته لنص المادة ٦٦ من الدستور، وذلك تأسيسا على عدة وجوه : أولها : أن المشرع وإن جاز أن يحدد بالنصوص القانونية ماهية الأفعال التى يعتبر إتيانها أو تركها جريمة معاقبا عليها قانونا؛ إلا أن ذلك لايعنى إطلاق يده بعيدا عن إطار الشرعية الدستورية، ذلك أن مايعتبر جريمة أسبق تاريخيا من كل الدساتير الوضعية، هذا فضلا عن أن الجريمة فى الشريعة الإسلامية تمثلها تلك الأفعال التى زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير، وهى كذلك أفعال لاينهى المشرع عنها، إلا على ضوء تقديره لإضرارها بمصالح الجماعة سواء فى عقائدها أو حياة أفرادها أو أموالهم أو أعراضهم، ويتعين بالتالى أن يكون تجريم إتيان الأفعال أو الامتناع عنها، مرتبطا بعلة تأثيمها، وهو مايعنى انتفاء الجريمة التى لاتبررها علة شرعية . ثانيها : أن الأصل فى النصوص العقابية – وعلى ماجرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – أن تصاغ فى حدود ضيقة تعريفا بالأفعال التى جرمها المشرع وتحديدا لمضمونها، فلايكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور لكل مواطن . والنص المطعون فيه لايجرم سلوكا محددا أتاه المدعى عن عمد وإرادة واعية، وإنما أثم واقعة مادية هى تخلفه عن تسليم وحدة سكنية باعها إلى آخر أيا كان سبب ذلك، بل ولوكان عدم تسليمها ليس مترتبا على نتيجة قصد إليها . ولايزيل هذا العوار، أن يكون النص المطعون فيه قد شرط لقيام الجريمة التى حددها، أن يكون تخلفه عن تسليم تلك الوحدة <<دون مقتض>>، ذلك أن هذه العبارة أكثر غموضا من تعبير << التخلف عن التسليم>> . ثالثها : أن النص المطعون فيه ينقض افتراض البراءة، إذ يُحَمِّل المتهم عبء إثبات توافر المقتضى المسوغ للتخلف عن التسليم، وإلا حقت عليه العقوبة المقررة قانونا . رابعها : أن النص المطعون فيه استعمل تعبير المالك ليدل به على كل من المؤجر والبائع، وهو مايعنى أن يؤخذ النص مطلقا ليشمل التجريم كليهما . كذلك فإن عبارة << مثلى المقدم >> يمكن حملها على عقدى البيع والإجارة، مما يؤكد غموض النص العقابى . خامسها : أن النص المطعون فيه اصطنع التجريم فى مسألة تحكمها قواعد المسئولية المدنية . بل إن العقوبة التى فرضها لهذه الجريمة، تزيد عما يعتبر معقولا لتناسبها مع الأفعال التى أثمها، ومن ثم يكون توقيعها إيلاما غير مبرر وقسوة لا ضرورة لها، خاصة وأن هذه العقوبة هى ذاتها التى فرضها قانون العقوبات لجريمة النصب التى تمس مرتكبها فى شرفه واعتباره . وحيث إن الأصل فى العقود – وباعتبارها شريعة المتعاقدين تقوم نصوصها مقام القانون فى الدائرة التى يجيزها – هو ضرورة تنفيذها فى كل ماتشمل عليه، فلايجوز نقضها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين أو وفقا للقانون . وكلما نشأ العقد صحيحا ملزما، كان تنفيذه واجبا، فقد التزم المدين بالعقد، فإذا لم يقم بتنفيذه، كان ذلك خطأ عقديا سواء نشأ هذا الخطأ عن عمد أو إهمال أو عن مجرد فعل لايقترن بأيهما . ومن ثم تظهر المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين فى تنفيذ عقد نشأ صحيحا ملزما، وهى تتحقق بتوافر أركانها؛ وليس ثمة مايحول بين المشرع وبين أن يقيم مسئولية جنائية إلى جانبها، فلايكون اجتماعهما أمرا عصيا أومستبعدا، بل متصورا فى إطار دائرة بذاتها، هى تلك التى يكون الإخلال بالالتزام العقدى فيها قد أضر بمصلحة اجتماعية لها وزنها . وهو مايعنى أن الدستور لايتضمن قاعدة كلية أو فرعية يمكن ردها إلى النصوص التى انتظمها أو ربطها بها، تحول دون تدخل المشرع لتأثيم واقعة النكول عن تنفيذ التزام لم ينشأ مباشرة عن نص القانون، وإنما كان العقد مصدره المباشر، وبشرط أن يكون هذا التأثيم مٌحدِّدا بصورة واضحة لعناصر الجريمة التى أحدثها المشرع . وهذه القاعدة ذاتها هى التى صاغها المجلس الدستورى الفرنسى وذلك على النحو الآتى: Aucun principe ou régle de valeur constitutionnelle n interdit au législateur d eriger en infraction le manquement à des obligations qui ne résultent pas directement de la loi elle – même . la méconnaissance par une personne d obligations contractuelles ayant force obligatoire à son égard peut donc faire l objet d une répression pénale des lors que le législateur définit de facon précise et compléte les éléments constitutifs des infractions qu il vise . (DC, ١٠ november ١٩٨٢ , Rec . p . ٦٤ ١٤٥ – ٨٢) يؤيد ماتقدم، أن الحرية الشخصية التى يكفلها الدستور، لاتخول أى فرد حقا مطلقا فى أن يتحرر نهائيا فى كل وقت، وتحت كل الظروف، من القيود عليها، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها تقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها، دون اخلال بأمن أعضائها . ” The liberty secured to every preson does not import an absolute right in each person to be, at all times and in all circumstances, wholly free from restraint. There are manifold restraints to which every person is necessarily subject for the common good . On any other basis organized society could not exist with safety to its members ” Jacobson V . Massachusetts, ١٩٧ U . S ١١, ٢٦ (١٩٥٠). ) وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط ترسم تخومها وتحد منها، فلايكون الإخلال بها إلا عدوانا على هذه الحقوق سواء عن طريق تهميشها أوبإهدار مجالاتها الحيوية التى لاتتنفس إلا من خلالها . وحيث إن مانص عليه الدستور فى المادة ٧ من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعى، يعنى وحدة الجماعة فى بنيانها، وتداخل مصالحها لاتصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفرقَون بدداً أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغياً، وهم بذلك شركاء فى مسئوليتهم قبلها، لايملكون التنصل منها أو التخلى عنها، وليس لفريق منهم بالتالى أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال من الحقوق قدراً منها يكون به عدوانا أكثر علواً. بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها، التى تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التى ينبغى أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا فى كنفها الأمن والاستقرار . وحيث إن القانون الجنائى وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم، أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد – ومن منظور اجتماعى – مالايجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيا ممكنا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لايكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لايكون معها ضروريا، غدا مخالفاً للدستور. وحيث إن الفصل فى دستورية الفقرة المطعون عليها، يتحدد على ضوء اتصال عقوبتها بالأغراض التى يتوخاها الجزاء الجنائى باعتباره عقاباً واقعا بالضرورة فى إطار اجتماعى، منطويا غالبا من خلال قوة الردع على تقييد للحرية الشخصية، ومستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تبرره، كتلك التى تتعلق بضمان جريان التعامل فى الأموال بما يرد عنها أشكالا من التحايل تقوض الحماية المقررة لها. وحيث إن من المقرر قانونا – وعلى ماتقضى به المادة ٢٠٦ من القانون المدنى – أن الالتزام بنقل حق عينى يتضمن الالتزام بتسليم الشئ والمحافظة عليه حتى التسليم؛ وكان ذلك مؤداه أن التزامين يتفرعان عن الالتزام الأصلى بنقل الملكية، أولهما : محافظة بائع العين عليها إلى حين تسليمها، وثانيهما : تسليمها فعلا إلى من ابتاعها، وإن كان أولهما لايعدو أن يكون التزاما ببذل عناية، وثانيهما بتحقيق غاية بذاتها، فلايعتبر تسليمها قد تم صحيحا إلا إذا تمكن مشتريها من حيازتها والانتفاع بها دون عائق، ولولم يستول عليها استيلاء ماديا. وحيث إن المشرع قدر بالفقرة المطعون عليها أن بعض من يبيعون وحدات سكنية لايسلمونها لأصحابها فى الموعد المحدد، مما يخل بالحقوق الناشئة عن ملكيتهم لها، ويهدر كذلك الثقة المشروعة التى ينبغى أن تسود تعاملهم فيها، فلايكون امتناعهم دون مقتض عن تسليمها إلا صورة من صور التدليس فى الأعم من الأحوال يقارنها انتفاعهم بالأعيان التى باعوها واحتفاظهم بثمنها دون مقابل يعود على أصحابها منها، وإعادة بيعها أحيانا سعيا لنقض ماتم من جهتهم عدوانا، فلايكون التزامهم بالتسليم ناجزا محققا، بل معلقا متراخيا . ومن ثم تدخل المشرع بالجزاءالجنائى لحمل البائعين على إيفاء تعهداتهم مااستطاعوا، فلاينغلق الطريق إلي إنفاذها، ولاينال الجمود مسراها، وعلى الأخص كلما كان شراء العين بقصد استغلالها أو استعمالها فى أغراض الإسكان. وحيث إن ماتقدم مؤداه، أن التجريم المقرر بالفقرة المطعون عليها مرده إلى الضرورة الاجتماعية التى يمثلها أن صور التعامل فى تلك الأعيان من خلال بيعها، ينبغى أن يحيطها مايكون كافلا لصدقها ويبعد بها عن الالتواء، فلايكون هذا التعامل زيفا أو تربحا غير مشروع بل حقا وإنصافا، لتعايش البيوع الأغراض التى يرتجيها المتبايعون منها، فلايتوهمها أطرافها على غير حقيقتها . وحيث إن ماينعاه المدعى من أن الفقرة المطعون عليها لاتتضمن تعريفا واضحا بماهية الأفعال التى جرمتها، مردود أولا : بأن الجزاء الجنائى المقرر بها يفترض أن مالكا قد اختار ألايقوم بتسليم الوحدة التى باعها فى الموعد المحدد . وليس التسليم بواقعة مجردة من ملامحها، بل يتم أصلا – ومالم يتفق المتبايعان على غير ذلك – على ضوء الحالة التى كان عليها المبيع عند التعاقد، وبافتراض أن الشئ المبيع كان معينا وقت العقد تعيينا كافيا، وبمراعاة أن تسليمه يمتد إلى ملحقاته وإلى كل ما أعد بصفة دائمة لاستعماله، وبما يتفق وطبيعة المبيع . ولاتجهيل فى ذلك كله بمادية الأفعال التى أثمها المشرع . ومردود ثانيا : بأن الفقرة المطعون عليها لاتؤثم واقعة التخلف عن التسليم فى ذاتها، بل سلوكا اتصل بها، وكان مؤديا إليها . ومردود ثالثا : بأن الفقرة المطعون عليها تفترض اتجاه إرادة الجانى إلى الأفعال التى أثمتها، مع قصده إلى تحقيق نتيجتها بعد العلم بدلالتها الإجرامية، وهو مادلت عليه بنصها على انتفاء التجريم كلما وجد المقتضى المانع من التسليم . ومردود رابعا : بأن الجريمة التى عينتها الفقرة المطعون عليها، وقد توافر ركناها – ماكان منهما ماديا أو معنويا – فإن القول بالتباسها بغيرها، أو أن خفاء قد غشيها وجهل بمضمونها، يكون لغوا . وحيث إن ماينعاه المدعى على الفقرة المطعون عليها من اتساعها لكل من يؤجر وحدة سكنية أو يمٌلكها للغير، ولايقوم – فى الموعد المحدد – بتسليمها بعد تأجيرها أو بيعها، مما يجهل بدائرة المخاطبين بحكمها، مردود أولا : بأن الفقرة المشار إليها تضمنها قانون ينظم مسائل متعددة، من بينها تلك الأحكام التى تتعلق بمن يعرضون وحدة سكنية على الغير لتمليكها أو استئجارها، وكان منطقيا بالتالى أن يكون تسليمها بعد بيعها أو إجارتها لازما، وأن يمتد التنظيم التشريعى للفقرة المطعون عليها إلى هاتين الصورتين معا . ومردود ثانيا : بأن غموض النصوص العقابية يعنى انفلاتها من ضوابطها وتعدد تأويلاتها، فلاتكون الأفعال التى منعها المشرع أو طلبها محددة بصورة يقينية، بل شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو خفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها . ولاكذلك الفقرة المطعون عليها التى صاغها المشرع مؤثما بحكمها من يبيعون أو يؤجرون أعيانا، ولايقومون اختيارا – فى الموعد المحدد – بتسليمها لمشتريها أو مستأجريها . ومردود ثالثا : بأن الفقرة المطعون عليها تتعلق – فى بعض جوانبها – بمن يعرضون على الغير وحدة سكنية لتمليكها أو تأجيرها، ولايخل الجزاء المقرر بها بوجود عقد بيعها أو إجارتها، ولاينال كذلك من الآثار التى يرتبها . وحيث إن ماينعاه المدعى على الفقرة المطعون عليها من فرضها لعقوبة لاتتسم بمعقوليتها، فلايكون توقيعها إلا تعبيرا عن قسوتها فى غير ضرورة، ومنافاتها بالتالى للحدود المنطقية التى ينبغى أن تكون إطارا لها، مردود أولا : بأن قضاء هذه المحكمة وإن جرى على أن الشخص لايزر غير سوء عمله، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها يقتضى أن تتوازن خصائصها مع وطأة عقوبتها؛ وكان ذلك مؤداه أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التى تناسبها، إلا أن مايكون من الجزاء ملائما لجريمة بذاتها، ينبغى أن يتحدد على ضوء درجة خطورتها ونوع المصالح التى ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاءالجنائى لايكون مخالفا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة la disproportion manifeste بين مداه وطبيعة الجريمة التى تعلق بها . ودون ذلك يعنى إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التى فرضتها . ومردود ثانيا : بأن الضرورة الاجتماعية التى تقرر الجزاء المنصوص عليه بالفقرة المطعون عليها لصونها، تبلور تلك الضوابط التى لايتصور أن يتم التعامل فى الأعيان بعيدا عنها، وإلا كان هذا التعامل انتهازا وضربا من التحايل، فلايطمئن من كان طرفا فيه للحقوق التى تتولد عنه إذا صار أمرها نهبا، وكان لازما بالتالى أن يقرن المشرع العقوبة التى فرضتها الفقرة المطعون عليها فى شأن الجريمة التى حددتها، بجزاء مالى يردع من يرتكبونها عن العودة إليها، وينذر غيرهم بأثقالها، فلايقدمون عليها . ومردود ثالثا : بأن الجزاء المالى المقرر بالفقرة المطعون عليها، وإن تمثل فى التزام بائع الوحدة السكنية بأن يؤدى لمن ابتاعها مثلى مقدار المقدم المدفوع، إلا أن جزاءً على هذا النحو ليس أمرا فجا، ولايتمحض كذلك غلوا، بل إن لهذا الجزاء نظائره كلما كان لازما لردع من ينكثون بعهودهم، مثلما فعل المشرع بنص المادة ١٠٣ من القانون المدنى التى أوردها فى شأن العربون. ومردود رابعا : بأن المشرع ماكان ليخول المستأجر بالفقرة المطعون عليها استكمال الأعمال الناقصة فى العين المؤجرة، إلا لضمان صلاحيتها للاستعمال، والانتفاع بها بالتالى فى الأغراض التى عقدت الإجارة من أجلها، ذلك أن أجرة العين تقابل منفعتها، وينبغى من ثم استيفاؤها بتمامها . وحيث إن ماينعاه المدعى من أن عبارة << دون مقتض >> التى تضمنها النص المطعون فيه لاتقل فى غموضها عن عبارة << التخلف عن تسليم الوحدة السكنية >>، مردود بأن هاتين العبارتين متكاملتان فى تحديدهما لعناصر الجريمة التى حددتها الفقرة المطعون عليها، ذلك أنهما تواجهان امتناع بائع العين عن تسليمها أو تراخيه فى ذلك عن الموعد المحدد، وتقرران لذلك جزاء جنائيا مشروطا بألايكون الإخلال بهذا الالتزام ناشئا عن سبب أجنبى، بما لامخالفة فيه للدستور. وبذلك تفارق هذه المسئولية، تلك التى تنشأ وفقا لأحكام القانون المدنى عن الإخلال بالإلتزام بالتسليم،باعتباره متفرعا عن الالتزام بنقل ملكية شئ، ومنصرفا كذلك إلى تحقيق غاية، لا إلى مجرد بذل عناية . فإذا لم يتم التسليم كاملا – ولو بسبب أجنبى كقوة قاهرة هلك بها المبيع أو تلف قبل تسليمه – ظل البائع مسئولا . وماذلك إلا لأن المشرع تغيا بالمسئولية الجنائية التى قررتها الفقرة المطعون عليها، أن يرد عن التعامل المشروع فى الأعيان التى عناها، أبوابا ينفذ التحايل منها، فإذا انقطع دابره، لعذر قام ببائعها وحال دون تسليمه العين لمشتريها، فإن اعتباره مسئولا جنائيا عن عدم تسليمها، يكون أمرا منهيا عنه دستوريا، على تقدير أن وقوع جريمة ما يفترض إرادة ارتكابها. وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المطعون عليها إلقاؤها على المتهم عبء التدليل على توافر المقتضى سبيلا وحيدا للتخلص من مسئوليته الجنائية، مما يناقض افتراض البراءة المقرر بنص المادة ٦٧ من الدستور. وحيث إن هذا النعى مردود بأن الجريمة التى أحدثتها الفقرة المطعون عليها قوامها أن شخصا باع وحدة سكنية يملكها، ولم يقم مختارا بتسليمها فى الموعد المحدد، وهى جريمة لايتم إثباتها بعيدا عن تدخل سلطة الاتهام للتدليل على توافر أركانها هذه بأوصافها التى حددها المشرع . وإثباتها لها مؤداه نقضها لبراءة ذمة متهمها مما يثقلها، حال أن هذه البراءة هى الأصل فى الحقوق الشخصية جميعها . وبنفيها لهذا الأصل، يكون للمتهم بالجريمة محل النزاع الموضوعى – وفى إطار وسائل الدفاع التى يملكها – أن يقيم الدليل على توافر مقتض حال دون تسليمه الوحدة التى باعها فى موعدها . ولامخالفة فى ذلك للقواعد التى يقوم عليها النظام الاختصامى للعدالة الجنائية . ولا لافتراض البراءة المقرر بنص المادة ٦٧ من الدستور. وحيث إن الفقرة المطعون عليها – فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى الاتهام الجنائى المنسوب إلى المدعى – لاتناقض حكما آخر ورد فى الدستور. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

زر الذهاب إلى الأعلى