حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٧ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٧ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ٢٩ – ٠٥ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٣٧ لسنة ١٩٨١، من ألا تزيد على ثلاثة أشهر مدة الأجازة السنوية التي يجوز للعامل أن يضمها، ولو كان الحرمان من هذه الأجازة – فيما جاوز من رصيدها هذا الحد الأقصى – عائداً إلى رب العمل.

الحكم

برياسة عوض محمد عو ض المر رئيس المحكمة وحضور عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
إن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بجلستها المعقودة فى ٣ من يوليو ١٩٩٥ فى شأن طلب التفسير المقيد بجدولها تحت رقم ١٩ لسنة ١٧ قضائية ” تفسير ” قد خلص إلى أن حكم المادة ٤٧ من قانون العمل مقيد بالفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من هذا القانون ليدور فى فلكها ، وليتحدد مرماه بالتالى على ضوئها . ذلك أن حق العمال فى الحصول على شروط عمل منصفية ومرضية ، لا ينفصل عن تمتعهم بالأجر العادل دون تمييز لا يتعلق بقيمة العمل ، ولا عن حقهم فى الحصول على أجازاتهم السنوية ، وواجبهم فى الانتفاع بها ، باعتبار أن النهوض بالعمل يقتضيها ، ولأنها تصون قواهم وتكفل حيويتها . ولو جاز القول بأن المادة ٤٧ من قانون العمل ، تخول العمال حق الحصول على أجر عن كامل رصيد أجازاتهم هذه أيا كان مقداره ” لأهدر العمال طاقاتهم من خلال ترحيلها من عام إلى عام ، ليكون تجميعها فى النهاية ” مورداً مالياً ” يعتمدون عليه عند إنتهاء خدمتهم . وما لذلك شرع الحق فى الأجازة السنوية ، ولا هو من مقاصدها . ولا يجوز بالتالى النظر إلى المادة ٤٧ من قانون العمل باعتبار أنها توفر للعامل مقابلاً نقدياً لأجازاته السنوية التى لم يستعملها أياً كان رصيدها . بل يتعين تفسيرها بما يؤكد حق العامل فى أن يستعيد طاقاته وقدراته التى إستنزفها العمل صوناً للقوة البشرية الإنتاجية من أن تصير بدداً . ذلك أن النصوص القانونية لا تصاغ من فراغ ، ولا يجوز إنتزاعها من واقعها محدداً على ضوء المصلحة المقصودة منها ، وهى بعد مصلحة إجتماعية يجب أن تدور هذه النصوص معها ، ويفترض أن المشرع قد تغياها . وقد إنتهت هذه المحكمة ــ وعلى ضوء تفسيرها لإرادة المشرع التى قصد إلى تحقيقها بنص المادة ٤٧ من قانون العمل ــ إلى أن حق العامل فى الحصول على أجر عن أيام الأجازة التى يستحقها حال تركه العمل قبل إستعمالها ــ وذلك بالنسبة إلى المدة التى لم يحصل على أجازة عنها ــ لا يجوز أن يجاوز أجر ثلاثة أشهر . ومن المقرر فى قضاء هذه المحكمة ، أن التفسير التشريعى للنصوص القانونية لا يجوز أن يتخذ موطئاً للفصل فى دستوريتها ، تمهيداً لتقرير صحتها أو بطلانها ، ذلك أن المادة ٢٦ من قانونها ، لا تخولها غير إستصفاء إرادة المشرع وإستخلاصها ” دون تقييم لها ” وعلى تقدير أن النصوص القانونية إنما ترد إلى هذه الإرادة وتحمل عليها حملاً تقصياً لدلالتها ، وذلك سواء إلتأم مضمونها مع أحكام الدستور أم كان منافياً لها .

– – – ٢ – – –
إن حق العامل فى الأجازة السنوية مرتبط بعقد العمل ، ومن ثم يظل هذا الحق قائماً ــ بالشروط التى حددها المشرع ــ ما بقى عقد العمل نافذاً ، دالاً على إستمرار العامل فى خدمة رب العمل .

– – – ٣ – – –
إن ما تغياه المشرع من ضماحق العامل فى أجازة سنوية بالشروط التى حددها ، هو أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية . ولا يجوز بالتالى أن ينزل العامل عنها ، ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها ، وهو ما تردد بالفقرة الأخيرة من المادة ٤٣ من قانون العمل التى يدل حكمها على أن هذه الأجازة فريضة إقتضاها المشرع من كل من العامل ورب العمل ، فلا يملك أيهما إهدارها ، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها ، وإلا كان التخلى عنها إنهاكاً لقواه ، وتبديداً لطاقاتها مؤذناً بوهنها ثم إندثارها ، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التى يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون إنقطاع . وهو ما يعنى أن الحق فى الأجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه ، وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية . بما مؤداه أن طلب العامل أجازته السنوية ، لا يعتبر منشئاً للحق فيها ، ولا السكوت عنها مسقطاً لهذا الحق ، فلا خيار للعامل فى أن يفيد منها أو يعرض عنها وقد صار القانون مصدراً مباشراً لها ، بل إن ما يقابلها من الأجر ــ بعد الحصول عليها ــ يتعين أن يكون مكفولاً لكل عامل ، وإلا أحجم عنها . وضماناً لتحقيق الأغراض المقصودة من الأجازة السنوية ــ أن ضرورياً بالتالى ــ وضماناً لتحقيق الأغراض المقصودة من الأجازة السنوية ــ أن تنص الفقرة الأولى من المادة ٤٦ من قانون العمل على أن إشتغال العامل ــ أثناء الأجازة التى حصل عليها ــ عند رب عمل آخر ، يقتضى حرمانه من الأجر المستحق عنها ، فإذا كان قد تقاضاه ، كان رده متعيناً .

– – – ٤ – – –
إن الأجازة السنوية ــ وعلى ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة ٤٥ من قانون العمل ــ لا يجوز أن تقل عن ستة أيام متصلة . وفيما يجاوز هذا الحد الأدنى ، تؤكد الفقرتان الثانية والثالثة من هذه المادة ذاتها ، ضمانهما لحقين متوازيين أو متقابلين لكل من العامل ورب العمل ، أولهما حق العامل فى أن يطلب كتابة تأجيل أجازته السنوية إلى سنة أو سنين مقبلة ، بشرط ألا تزيد مدتها الجائز ضمها على ثلاثة أشهر ، ثانيهما حق رب العمل فى تحديد موعدها ثم تقصيرها بعد بدئها أو تأجيلها أو قطعها ــ إذا لم يكن العامل حدثاً ــ وذلك كلما كان هذا الإجراء مبرراً بمصلحة العمل ، مستنداً إلى متطلباتها .

– – – ٥ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها ، وتكون تخوماً لها لا يجوز إقتحامها أو تخطيها ، وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية ، فإن القواعد التى تقرها فى شأنه ، لا يجوز أن تنال من الحقوق التى كفل الدستور صونها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها .

– – – ٦ – – –
إن المشرع قد دل بالفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من قانون العمل ، على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الأجازة السنوية ” وعاءً إدخارياً ” من خلال ترحيل مددها التى تراخى فى إستعمالها ــ وأيا كان مقدارها ــ ثم تجميعها ليحصل العامل بعد إنتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر ، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد إقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده ، فلم يجز أن يحصل على أجر عن هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر ، وهى بعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للأجازة السنوية غاياتها ، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها ، إلا أن هذه المدة ــ التى حدد المشرع أقصاها ــ ينبغى أن يكون سريانها مقصوراً على تلك الأجازة التى قصد العامل إلى عدم الانتفاع بها من أجل تجميعها . فإذا كان تفويتها منسوباً إلى رب العمل ، ومنتهياً إلى الحرمان منها فيما يجاوز ثلاثة الأشهر ، كان مسئولاً عنها بكاملها . ويجوز للعامل عندئذ ــ وكأصل عام ــ أن يطلبها جملة أيا كان مقدارها إذا كان إقتضاء ما تجمع من أجازاته السنوية على هذا النحو ممكناً عيناً ، وألا تعين أن يكون التعويض عنها ، مساوياً ــ وعلى الأقل ــ لأجره عن هذا الرصيد أيا كان مقداره ، تقديراً بأن المدة التى إمتد إليها الحرمان من إستعمال تلك الأجازة ، سببها إجراء إتخذه رب العمل ، وعليه أن يتحمل تبعته .

– – – ٧ – – –
من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها ، وآثاراً يرتبها ، من بينها ــ وفى مجال حق العمل ــ ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً ، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها ، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها ، أو تناقض بأثرها ما ينبغى أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها . ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها ، عن متطلبات ممارستها ، وإلا كان تقريرها إنحرافاً بها عن غاياتها . إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة ١٣ تنظيم حق العمل ، إلا أنها لا يجوز أن تعطل جوهره ، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها ، وعلى جوهره ، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها ، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها ، ويندرج تحتها الحق فى الأجازة السنوية التى لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها ، وإلا كان ذلك منها عدواناً على سلامته صحياً ونفسياً ، وإخلالاً بأحد إلتزاماتها الجوهرية التى يعتبر نص القانون مصدراً مباشراً لها ، والتى لا يجوز للعامل أن يسقطها أو يتسامح فيها ، ونكولاً عن الحدود المنطقية التى ينبغى وفقاً للدستور أن تكون إطاراً لحق العمل ، وإستناراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه .

– – – ٨ – – –
الفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من قانون العمل المطعون عليها ، لا ترخص للعامل بأن يضم من مدة الأجازة السنوية التى قام بتجميعها ما يزيد عن ثلاثة شهور ، حماية منها للعامل حتى لا يبدد قواه ، وكان أكثر ما يهدد العامل أن تتذرع جهة العمل بواجبها فى تنظيمه لتحول دون حصول العامل على أجازة يستحقها . إذ يعتبر الحرمان منها ــ وفيما يجاوز الأشهر الثلاثة التى حددتها الفقرة المطعون عليها ــ تفويتاً لحق العامل فيما يقابلها من تعويض يتحدد مداه بقدر الأضرار التى رتبها هذا الحرمان ، ما كان منها مادياً أو معنوياً . وإذ كان الحق فى هذا التعويض ذا قيمة مالية ، فإنه يعتبر من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل ، وحقاً شخصياً يندرج فى إطار الحقوق التى تكفلها المادتان ٣٢ و ٣٤ من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة ، والتى جرى قضاء هذه المحكمة على إتساعها للأموال بوجه عام ، وإنصرافها بالتالى إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها ، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٧١١ لسنة ١٩٩٤ عمال جزئى القاهرة ضد شركة مصر للسياحة طالبا الحكم بأحقيته فى صرف المقابل النقدى لرصيد أجازاته الاعتيادية التى لم يستنفدها قبل تركه العمل، ومايترتب على ذلك من آثار، تأسيسا على أنه كان يعمل لدى شركة مصر للسياحة إلى أن انتهت خدمته بها فى ١٥ / ٧ / ١٩٩٣، وقد تقدم إليها بطلب صرف المقابل النقدى لرصيد أجازاته البالغ ٥٠٩ يوما، إلا أن الشركة اقتصرت على صرف مقابل نقدى لثلاثة أشهر فقط من ذلك الرصيد، مخالفة بذلك المادة ٤٧ من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٣٧ لسنة ١٩٨١، سيما وأن نظام العاملين بالقطاع العام قد أباح ضم رصيد الأجازات وترحيله إلى سنوات تالية دون قيد. وبتاريخ ٢٨ من مارس سنة ١٩٩٥ قضت المحكمة بإلزام شركة مصر للسياحة بأن تؤدى للمدعى مبلغ ثلاثة آلاف وأربعمائة وثلاثة وستين جنيها وسبعة عشر مليما . وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم فقد طعن عليه بالاستئناف رقم ٨٩ لسنة ١٩٩٥ أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية . وأثناء نظره دفع بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من قانون العمل. وقد قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، فأقامها. وحيث إن المادة ٤٥ من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٣٧ لسنة ١٩٨١ تقضى بما يأتى: – << يحدد صاحب العمل مواعيد الأجازة الاعتيادية حسب مقتضيات العمل وظروفه ولايجوز تقصيرها أو تأجيلها أو قطعها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل . وفى جميع الأحوال يجب أن يحصل العامل على أجازة سنوية مدتها ستة أيام متصلة على الأقل. وللعامل الحق فى تحديد موعد أجازته السنوية إذا كان متقدما لأداء الامتحان فى إحدى مراحل التعليم بشرط أن يخطر صاحب العمل قبل قيامه بالأجازة بأسبوعين على الأقل. ويجوز بناء على طلب كتابى من العامل ضم مدة الأجازة السنوية فيما زاد على الستة أيام المشار إليها، بشرط ألا تزيد بأية حال على ثلاثة أشهر>>. وحيث إن المادة ٤٧ من هذا القانون، تنص على أن للعامل الحق فى الحصول على أجره عن أيام الأجازة التى يستحقها حال تركه العمل قبل استعمالها، وذلك بالنسبة إلى المدة التى لم يحصل على أجازة عنها. وحيث إن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بجلستها المعقودة فى ٣ من يوليو ١٩٩٥ فى شأن طلب التفسير المقيد بجدولها تحت رقم ١ لسنة ١٧ قضائية << تفسير>> قد خلص إلى أن حكم المادة ٤٧ من قانون العمل، مقيد بالفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من هذا القانون ليدور فى فلكها، وليتحدد مرماه بالتالى على ضوئها . ذلك أن حق العمال فى الحصول على شروط عمل منصفة ومرضية ؛ لاينفصل عن تمتعهم بالأجر العادل دون تمييز لايتعلق بقيمة العمل ؛ ولا عن حقهم فى الحصول على أجازاتهم السنوية، وواجبهم فى الانتفاع بها، باعتبار أن النهوض بالعمل يقتضيها، ولأنها تصون قواهم وتكفل حيويتها . ولو جاز القول بان المادة ٤٧ من قانون العمل، تخول العمال حق الحصول على أجر عن كامل رصيد أجازاتهم هذه << أياً كان مقداره>>، لأهدر العمال طاقاتهم من خلال ترحيلها من عام إلى عام، ليكون تجميعها فى النهاية << مورداً مالياً >> يعتمدون عليه عند انتهاء خدمتهم . وما لذلك شُرع الحق فى الأجازة السنوية، ولا هو من مقاصدها . ولا يجوز بالتالى النظر إلى المادة ٤٧ من قانون العمل باعتبار أنها توفر للعامل مقابلا نقديا لأجازاته السنوية التى لم يستعملها أياً كان رصيدها . بل يتعين تفسيرها بما يؤكد حق العامل فى أن يستعيد طاقاته وقدراته التى استنزفها العمل صوناً للقوة البشرية الإنتاجية من أن تصير بدداً . ذلك أن النصوص القانونية لاتصاغ من فراغ، ولايجوز انتزاعها من واقعها محددا على ضوء المصلحة المقصودة منها، وهى بعد مصلحة اجتماعية يجب أن تدور هذه النصوص معها، ويفترض أن المشرع قد تغياها. وحيث إن هذه المحكمة – وعلى ضوء تفسيرها لإرادة المشرع التى قصد إلى تحقيقها بنص المادة ٤٧ من قانون العمل – قد انتهت إلى أن حق العامل فى الحصول على أجر عن أيام الأجازة التى يستحقها حال تركه العمل قبل استعمالها – وذلك بالنسبة إلى المدة التى لم يحصل على أجازة عنها – لايجوز أن يجاوز أجر ثلاثة أشهر. وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة، أن التفسير التشريعى للنصوص القانونية لايجوز أن يُتَّخذ موْطئا للفصل فى دستوريتها، تمهيدا لتقرير صحتها أو بطلانها، ذلك أن المادة ٢٦ من قانونها، لاتخولها غير استصفاء إرادة المشرع واستخلاصها << دون تقييم لها >> وعلى تقدير أن النصوص القانونية إنما تٌرد إلى هذه الإرادة وتَحمل عليها حملا تقصيا لدلالتها، وذلك سواء التأم مضمونها مع أحكام الدستور أم كان منافيا لها. وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من قانون العمل مخالفتها للمادتين ٢٣ و ٢٥ من الدستور التى تقضى أولاهما بأن ينظم الاقتصاد القومى وفقا لخطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل … وربط الأجر بالإنتاج؛ وثانيتهما بأن يكون لكل مواطن نصيب فى الناتج القومى يحدده القانون بمراعاة عمله أو ملكيته غير المستغلة . وسنده فى ذلك أن المركز القانونى للعامل يختلف اختلافا كليا عن مركز رب العمل، فلايملك العامل أن ينظم أجازاته، ولا أن يصرح بها لنفسه، ولا أن يعترض على تشغيله . فإذا استفاد رب العمل من إنتاجه خلال الأجازات القانونية، استحق بالتالى أجره عنها . وكان يتعين أن يكون الحد الأقصى لرصيد الأجازات – التى يجوز للعامل أن يضمها – ومقداره ثلاثة أشهر – قيدا على رب العمل لا على العامل الذى لايملك من أمره شيئا، بحيث إذا عمل أكثر من هذه المدة خلال أجازاته، استحق الأجر بقدر المدة التى عمل خلالها، وإلا كان الحرمان من هذا الأجر إثراءً لرب العمل دون سبب، وإفقارا للعامل بقدر هذا الإثراء. وحيث إن حق العامل فى الأجازة السنوية مرتبط بعقد العمل، ومن ثم يظل هذا الحق قائما – بالشروط التى حددها المشرع – مابقى عقد العمل نافذا، دالا على استمرار العامل فى خدمة رب العمل. وحيث إن ماتغياه المشرع من ضمان حق العامل فى أجازة سنوية بالشروط التى حددها، هو أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية . ولايجوز بالتالى أن ينزل العامل عنها، ولو كان هذا النزول ضمنيا بالامتناع عن طلبها، وهو ماتردد بالفقرة الأخيرة من المادة ٤٣ من قانون العمل التى يدل حكمها على أن هذه الأجازة فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل ورب العمل، فلايملك أيهما إهدارها، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلى عنها إنهاكا لقواه، وتبديدا لطاقاتها مؤذنا بوهنها ثم اندثارها ؛ وإضرارا بمصلحة العمل ذاتها التى يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع . وهو مايعنى أن الحق فى الأجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه ؛ وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صونا لقوتها الإنتاجية البشرية . بما مؤداه أن طلب العامل أجازته السنوية، لايعتبر منشئا للحق فيها، ولا السكوت عنها مسقطا لهذا الحق، فلاخيار للعامل فى أن يفيد منها أو يعرض عنها وقد صار القانون مصدرا مباشرا لها، بل إن مايقابلها من الأجر – بعد الحصول عليها – يتعين أن يكون مكفولا لكل عامل، وإلا أحجم عنها . ويقع كذلك باطلا بطلانا مطلقا كل اتفاق على خلافها . وكان ضروريا بالتالى – وضمانا لتحقيق الأغراض المقصودة من الأجازة السنوية – أن تنص الفقرة الأولى من المادة ٤٦ من قانون العمل على أن اشتغال العامل – أثناء الأجازة التى حصل عليها – عند رب عمل آخر، يقتضى حرمانه من الأجر المستحق عنها، فإذا كان قد تقاضاه، كان رده متعينا. وحيث إن الأجازة السنوية – وعلى ماتنص عليه الفقرة الأولى من المادة ٤٥ من قانون العمل – لايجوز أن تقل عن ستة أيام متصلة . وفيما يجاوز هذا الحد الأدنى، تؤكد الفقرتان الثانية والثالثة من هذه المادة ذاتها، ضمانهما لحقين متوازيين أو متقابلين لكل من العامل ورب العمل ؛ أولهما حق العامل فى أن يطلب كتابة تأجيل أجازته السنوية إلى سنة أو سنين مقبلة، بشرط ألا تزيد مدتها الجائز ضمها على ثلاثة أشهر؛ ثانيهما حق رب العمل فى تحديد موعدها ثم تقصيرها بعد بدئها أو تأجيلها أو قطعها – إذا لم يكن العامل حدثا – وذلك كلما كان هذا الإجراء مبررا بمصلحة العمل، مستندا إلى متطلباتها. وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية مالم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخوما لها لايجوز اقتحامها أو تخطيها ؛ وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن القواعد التى تقرها فى شأنه، لايجوز أن تنال من الحقوق التى كفل الدستور صونها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. وحيث إن المشرع قد دل بالفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من قانون العمل، على أن العامل لايجوز أن يتخذ من الأجازة السنوية << وعاءً ادخاريا >> من خلال ترحيل مددها التى تراخى فى استعمالها – وأيا كان مقدارها – ثم تجميعها ليحصل العامل بعد انتهاء خدمته على مايقابلها من الأجر ؛ وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده، فلم يجز أن يحصل على أجر عن هذا الرصيد إلا عن مدة لاتجاوز ثلاثة أشهر ؛ وهى بعد مدة قدر المشرع أن قِصَرها يعتبر كافلا للأجازة السنوية غاياتها، فلاتفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها ؛ إلا أن هذه المدة – التى حدد المشرع أقصاها – ينبغى أن يكون سريانها مقصوراً على تلك الأجازة التى قصد العامل إلى عدم الانتفاع بها من أجل تجميعها . فإذا كان تفويتها منسوبا إلى رب العمل ؛ ومنتهيا إلى الحرمان منها فيما يجاوز ثلاثة الأشهر ؛ كان مسئولا عنها بكاملها . ويجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن يطلبها جملة أيا كان مقدارها إذا كان اقتضاء ماتجمع من أجازاته السنوية على هذا النحو ممكنا عينا، وألا تعين أن يكون التعويض عنها، مساويا – وعلى الأقل – لأجره عن هذا الرصيد أيا كان مقداره ؛ تقديرا بأن المدة التى امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الأجازة، سببها إجراء اتخذه رب العمل، وعليه أن يتحمل تبعته. وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعا يقتضيها، وآثارا يرتبها، من بينها – وفى مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها منصفا وإنسانيا ومواتيا، فلاتنتزع هذه الشروط قسرا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها ؛ أو تناقض بأثرها ماينبغى أن يرتبط حقا وعقلا بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لاتحامل فيها . ومن ثم لايجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها ؛ وإلا كان تقريرها انحرافا بها عن غاياتها. وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة ١٣ تنظيم حق العمل، إلا أنها لايجوز أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئا لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها، ويندرج تحتها الحق فى الأجازة السنوية التى لايجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدوانا على سلامته صحيا ونفسيا ؛ وإخلالا بأحد التزاماتها الجوهرية التى يعتبر نص القانون مصدرا مباشرا لها، والتى لايجوز للعامل أن يسقطها أو يتسامح فيها ؛ ونكولا عن الحدود المنطقية التى ينبغى وفقا للدستور أن تكون إطارا لحق العمل، واستتارا بتنظيم هذا الحق للحد من مداه. وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة ٤٥ من قانون العمل المطعون عليها، لاترخص للعامل بأن يضم من مدة الأجازة السنوية التى قام بتجميعها مايزيد عن ثلاثة شهور، حماية منها للعامل حتى لايبدد قواه ؛ وكان أكثر مايهدد العامل أن تتذرع جهة العمل بواجبها فى تنظيمه لتحول دون حصول العامل على أجازة يستحقها . إذ يعتبر الحرمان منها – وفيما يجاوز الأشهر الثلاثة التى حددتها الفقرة المطعون عليها – تفويتا لحق العامل فيما يقابلها من تعويض يتحدد مداه بقدر الأضرار التى رتبها هذا الحرمان، ماكان منها ماديا أو معنويا . وإذ كان الحق فى هذا التعويض ذا قيمة مالية، فإنه يعتبر من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، وحقا شخصيا يندرج فى إطار الحقوق التى تكفلها المادتان ٣٢ و ٣٤ من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة، والتى جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام، وانصرافها بالتالى إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية.

زر الذهاب إلى الأعلى