حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٧ لسنة ٤ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٧ لسنة ٤ دستورية
– – – ١ – – –
أن الفقرة الأولى من المادة ١٧٥ من الدستور قد نصت على أن “تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح …” كما قضت المادة ١٧٨ من الدستور بأن “تنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية …” و نصت ١ / ٤٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ على أن “أحكام المحكمة فى الدعاوى الدستورية …. ملزمة لجميع سلطات الدولة و للكافة” – و مؤدى ذلك أن الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية – و هى بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستورى – تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم فى الدعاوى التى صدرت فيها، و إنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة و تلتزم بها جميع سلطات الدولة، سواء أكانت هذه الأحكام قد إنتهت إلى عدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أم إلى دستوريته و رفض الدعوى على هذا الأساس، و ذلك لعموم نصوص المادتين ١٧٥ و ١٧٨ من الدستور و المادة ١ / ٤٩ من قانون المحكمة المشار إليه، و لأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين التى إختصت بها المحكمة الدستورية العليا دون غيرها هى رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغى قوة نفاذه أو إلى تقرير دستوريته وبالتالى سلامته من جميع العيوب و أوجه البطلان.
– – – ٢ – – –
لما كان ذلك، وكانت المدعية تطلب الحكم بعدم دستورية المادة ٢٢٦ من القانون المدني التي سبق لهذه المحكمة أن قضت برفض الدعوى بعدم دستوريتها على ما سلف بيانه، وكان قضاؤها هذا له حجية مطلقة حسمت الخصومة بشأن دستورية هذا النص حسماً قاطعاً مانعاً من نظر أي طعن يثور من جديد بشأنه، فإن المصلحة في الدعوى الماثلة بالنسبة للطعن على هذه المادة تكون منتفية وبالتالي يتعين الحكم بعدم قبولها.
– – – ٣ – – –
أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح – المنوطة بالمحكمة الدستورية العليا – تستهدف أصلاً صون الدستور القائم و تأكيد إحترامه و حمايته من الخروج على أحكامه، و سبيل هذه الرقابة التحقق من إلتزام سلطة التشريع بما يورده الدستور فى مختلف نصوصه من ضوابط و قيود و من ثم فأنه يتعين – عند الفصل فيما يثار فى شأن هذه التشريعات من مطاعن تستهدف نقض قرينة الدستورية – إستظهار هذه الضوابط و القيود و تحديدها و ذلك للتعرف على مدى مخالفة تلك التشريعات لها.
– – – ٤ – – –
أنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها على نحو ما سلف – أن المشرع الدستورى أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة – و هى بصدد وضع التشريعات – بالإتجاء إلى مبادئ الشريعة لإستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، و هو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور فى تقريرها إلى مجلس الشعب و الذى أقره المجلس بجلسة ١٩ يولية سنة ١٩٧٩ و أكدته اللجنة التى أعدت مشروع التعديل و قدمته إلى المجلس فناقشه و وافق عليه بجلسة ٣٠ أبريل سنة ١٩٨٠ إذ جاء فى تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها تلزم المشرع بالإلتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته مع إلزامه بعدم الإلتجاء إلى غيرها، فإذا لم يجد فى الشريعة الإسلامية حكماً صريحاً فأن وسائل إستنباط الأحكام من المصادر الإجتهادية فى الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة و التى لا تخالف الأصول و المبادئ العامة للشريعة ….”.
– – – ٥ – – –
أن سلطة التشريع إعتباراً من تاريخ العمل بتعديل العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – أصبحت مقيدة فيما تسنه من تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة على هذا التاريخ، بمراعاة أن تكون هذه التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية و بحيث لا تخرج – فى الوقت ذاته – عن الضوابط و القيود التى تفرضها النصوص الدستورية الأخرى على سلطة التشريع فى صدد الممارسة التشريعية. فهى التى يتحدد بها – مع ذلك القيد المستحدث – النطاق الذى تباشر من خلاله المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية التشريعات.
– – – ٦ – – –
إلزام المشرع بإتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع على ما سلف بيانه لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه الإلزام بحيث إذا إنطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله أى فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الأعمال و من ثم، فأن هذه التشريعات تكون بمنأى عن أعمال هذا القيد، و هو مناط الرقابة الدستورية. و يؤيد هذا النظر ما أوردته اللجنة العامة فى مجلس الشعب بتقريرها المقدم بجلسة ١٥ سبتمبر سنة ١٩٨١ و الذى وافق عليه المجلس من أنه “كان دستور سنة١٩٧١ أول دستور فى تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع، ثم عدل الدستور عام ١٩٨٠ لتكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، و هذا يعنى عدم جواز إصدار أى تشريع فى المستقبل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كما يعنى ضرورة إعادة النظر فى القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة ١٩٧١ و تعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية”. و إستطرد تقرير اللجنة إلى أن “الإنتقال من النظام القانونى القائم حالياً فى مصر و الذى يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانونى الإسلامى المتكامل يقتضى الإناه و التدقيق العملى، و من هنا، فأن تقنين المتغيرات الإقتصادية و الإجتماعية التى لم تكن مألوفة، أو معروفة و كذلك ما جد فى عالمنا المعاصر و ما يقتضيه الوجود فى المجتمع الدولى من حالات و علاقات و معاملات، كل ذلك يستأهل الروية و يتطلب جهوداً، و من ثم فأن تغيير النظام القانونى جميعه ينبغى أن يتاح لواضعيه و القائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة فى إطار القرآن و السنة و أحكام المجتهدين من الأئمة و العلماء….”.
– – – ٧ – – –
أن أعمال المادة الثانية من الدستور – بعد تعديها – على ما تقدم بيانه و إن كان مؤداه إلزام المشرع بإتخاذ بمادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى لما يضعه من تشريعات بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام بما يترتب عليه من إعتباره مخالفاً للدستور إذا لم يلتزم بذلك القيد. إلا أن قصر هذا الإلزام على تلك التشريعات لا يعنى إعفاء المشرع من تبعة الإبقاء على التشريعات السابقة – رغم ما قد يشوبها من تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، و إنما يلقى على عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادرة إلى تنقية نصوص هذه التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة الذكر، تحقيقاً للإتساق بينها و بين التشريعات اللاحقة فى وجوب إتفاقها جميعاً مع هذه المبادئ و عدم الخروج عليها.
– – – ٨ – – –
ولما كان مبنى الطعن مخالفة المادة ٢٢٧ من القانون المدني للمادة الثانية من الدستور تأسيساً على أن الفوائد التي أجازت تلك المادة الإتفاق عليها تعد من الربا المحرم شرعاً طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية التي جعلتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسي للتشريع وإذ كان القيد المقرر بمقتضى هذه المادة – بعد تعديلها بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية – لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه حسبما سلف بيانه، وكانت المادة ٢٢٧ من القانون المدني الصادر سنة ١٩٤٨ لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، ومن ثم، فإن النعي عليها، وحالتها هذه – بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون في غير محله. الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى في هذا الشق منها.
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليهم من الثالث إلى الأخير كانوا قد استصدروا حكماً من محكمة الاسكندرية. الابتدائية فى الدعوى رقم ٩٢٩ لسنة ١٩٧١ تجارى كلى بإلزام الشركة المدعية بأن تدفع لهم مبلغ ٧٥٧٢٥.٨٨٥ جنيهاً والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية. وتأيد هذا الحكم استئنافياً فى القضية رقم ٤٥٤ لسنة ٣٥ ق استئناف الاسكندرية فاستشكلت الشركة المدعية فى التنفيذ بالنسبة لمتجمد الفوائد القانونية أمام محكمة تنفيذ الاسكندرية بالقضية رقم ١٠٧٣ لسنة ٨١ ت الاسكندرية ودفعت بعدم دستورية المادتين ٢٢٦ و ٢٢٧ من القانون المدنى. وبجلسة ١٧ ديسمبر سنة ١٩٨١ صرحت محكمة تنفيذ الاسكندرية للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية فأقامت المدعية الدعوى الماثلة. وحيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بتاريخ ٤ مايو سنة ١٩٨٥ فى الدعوى رقم ٢٠ لسنة ١ قضائية “دستورية” برفض الطعن بعدم دستورية المادة ٢٢٦ من القانون المدنى التى تنص على أنه ” إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين فى الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها أربعة فى المائة فى المسائل المدنية وخمسة فى المائة فى المسائل التجارية. وتسرى هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجارى تاريخاً آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره”. وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بتاريخ ١٦ مايو سنة ١٩٨٥. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ١٧٥ من الدستور قد نصت على أن “تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح…..” كما قضت المادة ١٧٨ من الدستور بأن “تنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية….” ، ونصت المادة ٤٩ / ١ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ على أن “أحكام المحكمة فى الدعاوى الدستورية.. ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة”. – ومؤدى ذلك أن الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية – وهى بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستورى – تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم فى الدعاوى التى صدرت فيها، وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة، سواء أكانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أم إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس، وذلك لعموم نصوص المادتين ١٧٥و ١٧٨ من الدستور والمادة ٤٩ / ١ من قانون المحكمة المشار إليه، ولأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين التى اختصت بها المحكمة الدستورية العليا دون غيرها هى رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغى قوة نفاذه أو إلى تقرير دستوريته وبالتالى سلامته من جميع العيوب وأوجه البطلان. لما كان ذلك، وكانت المدعية تطلب الحكم بعدم دستورية المادة ٢٢٦ من القانون المدنى التى سبق لهذه المحكمة أن قضت برفض الدعوى بعدم دستوريتها على ما سلف بيانه، وكان قضاؤها هذا له حجية مطلقة حسمت الخصومة بشأن دستورية هذا النص حسماً قاطعاً مانعاً من نظر أى طعن يثور من جديد بشأنه، فإن المصلحة فى الدعوى الماثلة بالنسبة للطعن على هذه المادة تكون منتفية، وبالتالى يتعين الحكم بعدم قبولها. وحيث إن الدعوى فى شقها الخاص بالطعن على المادة ٢٢٧ من القانون المدنى قد استوفت أوضاعها القانونية . وحيث إن المدعية تنعى على المادة ٢٢٧ من القانون المدنى أنها إذ تقضى بجواز الاتفاق على اقتضاء فوائد سواء أكان ذلك فى مقابل تأخير الوفاء أم فى أية حالة أخرى تشترط فيها الفوائد تكون قد انطوت على مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية التى أصبحت طبقاً للمادة الثانية من الدستور “المصدر الرئيسى للتشريع”. وذلك باعتبار أن تلك الفوائد تمثل زيادة فى الدين بغير مقابل، فهى من الربا المتفق على تحريمه أخذاً بقوله تعالى ” وأحل الله البيع وحرم الربا ” . وحيث إن القانون المدنى الصادر بالقانون رقم ١٣١ لسنة ١٩٤٨ فى ١٦ يولية سنة ١٩٤٨ والمعمول به ابتداء من ١٥ أكتوبر سنة ١٩٤٩ ينص فى المادة ٢٢٧ منه – محل الطعن – على أنه “(١) يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على سعر آخر للفوائد سواء أكان ذلك فى مقابل تأخير الوفاء أم فى أية حالة أخرى يشترط فيها الفوائد، على ألا يزيد هذا السعر على سبعة فى المائة، فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا السعر وجب تخفيضها إلى سبعة فى المائة وتعين رد ما دفع زائداً على هذا القدر.(٢) وكل عمولة أو منفعة، أياً كان نوعها، اشترطها الدائن إذا زادت هى والفائدة المتفق عليها على الحد الأقصى المتقدم ذكره تعتبر فائدة مستترة، وتكون قابلة للتخفيض، إذ ما ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لاتقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد أداها ولا منفعة مشروعة”. وحيث إنه يبين من تعديل الدستور الذى تم بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ أن المادة الثانية أصبحت تنص على أن ” الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع”. بعد أن كانت تنص عند صدور الدستور فى ١١ سبتمبر سنة ١٩٧١ على أن “الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع” والعبارة الأخيرة من هذا النص لم يكن لها سابقة فى أى من الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور سنة ١٩٢٣ وحتى دستور سنة ١٩٦٤. وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح – المنوطة بالمحكمة الدستورية العليا – تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وتأكيد احترامه وحمايته من الخروج على أحكامه، وسبيل هذه الرقابة التحقق من التزام سلطة التشريع بما يورده الدستور فى مختلف نصوصه من ضوابط وقيود ومن ثم فإنه يتعين – عند الفصل فيما يثار فى شأن هذه التشريعات من مطاعن تستهدف نقض قرينة الدستورية – استظهار هذه الضوابط والقيود وتحديدها وذلك للتعرف على مدى مخالفة تلك التشريعات لها. وحيث إنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها على نحو ما سلف – أن المشرع الدستورى أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه الزام هذه السلطة – وهى بصدد وضع التشريعات – بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور فى تقريرها إلى مجلس الشعب والذى أقره المجلس بجلسة ١٩ يولية سنة ١٩٧٩ وأكدت اللجنة التى أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس فناقشه ووافق عليه بجلسة ٣٠ أبريل سنة ١٩٨٠ إذ جاء فى تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها ” تلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية البحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها، فإذا لم يجد فى الشريعة الإسلامية حكماً صريحاً، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية فى الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة والتى لاتخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة…”. ولما كان مفاد ما تقدم، أن سلطة التشريع اعتباراً من تاريخ العمل بتعديل العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – أصبحت مقيدة فيما تسنه من تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة على هذا التاريخ، بمراعاة أن تكون هذه التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية وبحيث لا تخرج – فى الوقت ذاته – عن الضوابط والقيود التى تفرضها النصوص الدستورية الأخرى على سلطة التشريع فى صدد الممارسة التشريعية. فهى التى يتحدد بها – مع ذلك القيد المستحدث – النطاق الذى تباشر من خلاله المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية التشريعات. لما كان ذلك وكان إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع على ما سلف بيانه لاينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه الإلزام بحيث إذا انطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله أى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الاعمال ومن ثم، فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن أعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية. ويؤيد هذا النظر ما أوردته اللجنة العامة فى مجلس الشعب بتقريرها المقدم بجلسة ١٥ سبتمبر سنة ١٩٨١ والذى وافق عليه المجلس من أنه ” كان دستور سنة ١٩٧١ أول دستور فى تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع، ثم عدل الدستور عام ١٩٨٠ لتكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وهذا يعنى عدم جواز إصدار أى تشريع فى المستقبل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كما يعنى ضرورة إعادة النظر فى القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة ١٩٧١ وتعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. ” واستطرد تقرير اللجنة إلى أن “الانتقال من النظام القانونى القائم حالياً فى مصر والذى يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانونى الإسلامى المتكامل يقتضى الاناة والتدقيق العملى، ومن هنا، فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى لم تكن مألوفة، أو معروفة وكذلك ما جد فى عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود فى المجتمع الدولى من حالات وعلاقات ومعاملات، كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهوداً، ومن ثم فإن تغيير النظام القانونى جميعه ينبغى أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة فى إطار القرآن والسنة وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء……”. وحيث إن أعمال المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها – على ما تقدم بيانه وإن كان مؤداه إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى لما يضعه من تشريعات بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام بما يترتب عليه من اعتباره مخالفاً للدستور إذا لم يلتزم بذلك القيد، إلا أن قصر هذا الإلزام على تلك التشريعات لايعنى اعفاء المشرع من تبعه الابقاء على التشريعات السابقة رغم ما قد يشوبها من تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وإنما يلقى على عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادرة إلى تنقية نصوص هذه التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة الذكر، تحقيقاً للاتساق بينها وبين التشريعات اللاحقة فى وجوب اتفاقها جميعاً مع هذه المبادئ وعدم الخروج عليها. وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم، ولما كان مبنى الطعن مخالفة المادة ٢٢٧ من القانون المدنى للمادة الثانية من الدستور تأسيساً على أن الفوائد التى أجازت تلك المادة الاتفاق عليها تعد من الربا المحرم شرعاً طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية التى جعلتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسى للتشريع وإذ كان القيد المقرر بمقتضى هذه المادة – بعد تعديلها بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية – لا يتأتى أعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه حسبما سلف بيانه، وكانت المادة ٢٢٧ من القانون المدنى الصادر سنة ١٩٤٨ لم يلحقها أى تعديل بعد التاريخ المشار إليه، ومن ثم، فإن النعى عليها، وحالتها هذه – بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور وأيا كان وجه الرأى فى تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون فى غير محله. الأمر الذى يتعين معه الحكم برفض الدعوى فى هذا الشق منها. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة أولاً : بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية المادة ٢٢٦ من القانون المدنى. ثانياً : برفض الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية المادة ٢٢٧ من القانون المدنى. وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماه.