حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٣ لسنة ١٣ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٣ لسنة ١٣ دستورية
تاريخ النشر : ٢٣ – ١٢ – ١٩٩٣

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية القانون رقم ٢٢٩ لسنة ١٩٨٩ بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء ونجيب جمال الدين علما المفوض ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر

– – – ١ – – –

البين من الاطلاع على أحكام القانون رقم ٢٢٩ لسنه ١٩٨٩ بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين فى الخارج، أنه بعد أن نص فى مادته الأولى على أن تفرض ضريبة على الأجور والمرتبات التى يتقاضاها عن عملهم بالخارج العاملون بالدولة والقطاع العام، والعاملون بنظم أو كادرات خاصة الحاصلون على إعارة أو أجازة خاصة بدون مرتب للعمل فى الخارج قضى فى الفقرة الأولى من مادته الثانية بأن تحدد قيمة الضريبة المنصوص عليها فى المادة السابقة على الوجه الأتى :
” أ ” العاملون بالدرجات الرابعة والخامسة والسادسة، أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة، عشرون جنيها شهريا .
” ب ” العاملون من الدرجتين الثانية والثالثة، أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة، أربعون جنيها شهريا .
“ج” العاملون من الدرجتين مدير عام والأولى، أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة، ثمانون جنيها شهريا .
“د” العاملون بالدرجات فوق مدير عام، أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة، مائه وعشرون جنيها شهريا

مادة ٢ من قانون رقم ٢٢٩ لسنة ١٩٨٩ – فرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج – مقضي بعدم الدستورية

– – – ٢ – – –

وفقا للفقرة الثانية من القانون رقم ٢٢٩ لسنه ١٩٨٩ المشار إليه لا تخضع الأجور والمرتبات والبدلات المشار إليها فى هذه المادة للضريبة العامة على الدخل فى مصر وتنص مادته الثالثة على أن ” يكون سداد هذه الضريبة سنويا وبالطريقة التى تحددها اللائحة التنفيذية ” وتسرى الضريبة المنصوص عليها فى هذا القانون – وعملا بمادته الرابعة – على العامل الحاصل على إجازة خاصة لمرافقة الزوج الذى يعمل فى الخارج متى ثبت التحاقه بأى عمل فى الخارج خلال مدة الأجازة وحظرت مادته الخامسة على الجهات الإدارية المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القانون، تجديد الإعارة أو الأجازة للعاملين الخاضعين لأحكامه، إلا يعد تقديم ما يفيد سداد هذه الضريبة على النحو المبين به، وخولت مادته السادسة وزير المالية بالإتفاق مع وزير الإقتصاد والتجارة الخارجية، إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون

مادة ٢ من قانون رقم ٢٢٩ لسنة ١٩٨٩ – فرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج – مقضي بعدم الدستورية
مادة ٣ من قانون رقم ٢٢٩ لسنة ١٩٨٩ – فرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج – مقضي بعدم الدستورية
مادة ٤ من قانون رقم ٢٢٩ لسنة ١٩٨٩ – فرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج – مقضي بعدم الدستورية

– – – ٣ – – –

ليس ثمة مصلحة مشروعة ترويجى من وراء إقرار تنظيم تشريعى يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال تقرير ضريبة تفتقر إلى قوالبها الشكلية، أو لا تتوافر فى أركانها ودوافعها الأسس الموضوعية التى ينبغى أن تقوم عليها ذلك أن جباية الأموال – فى ذاتها – لا تعتبر هدفا يحميه الدستور بل يتعين أن تكون هذه الجباية وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه

– – – ٤ – – –

من المقرر أن الضوابط التى يفرضها الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان تقيدهما بأحكامه، هى ضوابط آمرة لا تبديل فيها ولا مهرب منها، وليس لأى جهة أو سلطة بالتالى أن تبغى عنها حولا، أو أن تنقضها من أطرافها، أو أن تجعل لها عوجا، أو أن تتحلل من بأسها أمدا، إذ هى باقية دوما، نافذة أبدا، لتفرض – بزواجرها ونواهيها – كملة الدستور على المخاطبين بها، فلا ينسلخون منها ولتكون قواعده مآبا لكل سلطة، وضابطا لحركتها، ومتكئا لأعمالها وتصرفاتها على اختلافها، ومرتفقا لتوجهاتها، وكان لكل ضريبة وعاء – يعبر عنه أحيانا ” بقاعدة الضريبة ” tax base – ويتمثل فى المال الذى تفرض عليه، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تحديد دين الضريبة، يفترض التوصل إلى تقدير حقيقى لقيمة المال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يعد شرطا لازما لعدالة الضريبة، ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، وإذ كان ذلك، تعين أن يكون وعاء الضريبة ممثلا فى المال المحمل بعبئها، محققا ومحددا على أسس واقعية يكون ممكنا معها الوقوف على حقيقته على اكمل وجه ولا يكون الوعاء محققا إلا إذا كان ثابتا بعيدا عن شبهة الاحتمال أو الترخص ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها، وإنما يتحدد مرتبطا بوعائها، وباعتباره منسوبا إليه، ومحمولا عليه، وفق الشروط التى يقدر المشروع معها واقعية المشرع معها واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها، والغاية من تقرير الضريبة هو ان يكون هذا الوعاء مصرفها فإذا حدد المشرع وعاء للضريبة التى فرضها بأن حصره فى اجور العاملين ومرتباتهم التى يتقاضونها عن عملهم فى الخارج، تعين أن يكون دين الضريبة منفصما عن وعائها، وليس نتاجا لتحقق الدخل المحمل بعبئها، بل محددا وفقا لاعتبار آخر، دلل ذلك على أن الرابطة المنطقية والحتمية بين وعاء الضريبة ومبلغها متخلفة بتمامها بما يناقض الأسس الموضوعية للضريبة التى تقرر هذه المحكمة أنها تعتبر قواما لها من زاوية دستورية ، وبغيرها تنحل الضريبة عدما

– – – ٥ – – –

البين من أحكام القانون رقم ٢٢٩ لسنه ١٩٨٩ المشار إليه، أنها تتوخى فرض ضريبة على صور بعينها من صور الدخل، تتمثل فى أجور العاملين المصريين ومرتباتهم التى يحصلون عليها لقاء عملهم فى الخارج وبالتالى يكون الإيراد المحقق الذى نجم فعلا عن هذا العمل، وعاء للضريبة، وكان يتعين بالتالى أن يرد دين الضريبة أو مبلغها – إلى المال المحمل بعبئها من ناحية، وأن يكون متناسبا مع مقداره زيادة أو نقصانا من ناحية أخرى، بما يصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة إلا أن القانون المطعون فيه غض بصره عن الدخل المحقق من العمل فى الخارج وجعل دين الضريبة مرتبطا بواقعة أخرى لا صلة لها بوعائها، إذ حدد مقداره على ضوء الدرجة الوظيفة التى كان العامل يشغلها قبل مغادرته جمهورية مصر العربية، وجعل مبلغها بالنسبة إلى كل درجه رقما ثابتا مقدرا تبعا لموقعها من البنيان الهرمى الوظيفى على النحو المبين تفصيلا فى مادته الثانية، وبذلك أفرغ مادته الأولى التى عين بها وعاء الضريبة من مضمونها، لتغدو هائمة فى الفراع، منعزلة عن واقعها، بعد أن انفكت الضريبة التى فرضها التى فرضها عن الدخل المحقق من العمل فى الخارج المتخذ وعاء لها، وهو ما يناقض الأسس الموضوعية التى لاتقوم الضريبة من الناحية الدستورية إلا بها، بما مؤداه انعدامها، ذلك أن الضريبة التى يكون أداؤها واجبا وفقا للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان ٦١ و ١١٩ من الدستور – هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية على النحو المتقدم بيانه، وتكون العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى ضابطا لها فى الحدود المنصوص عليها فى المادة ٣٨ من الدستور، ويندرج تحتها أن يكون دين الضريبة متناسبا مع مقدار الدخل لها وتلك هى العدالة فى توزيع الأعباء والتكاليف العامة التى اعتبرتها المادة الرابعة من الدستور – بعد تعديلها – من خصائص النظام الاشتراكى الديمقراطى الذى يقوم عليه الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية متى كان ما تقدم، فإن انعدام الضريبة يكون منافيا لاستحقاقها، ولوجوبها دينا فى ذمة الممول، ولجواز تكليفه بأدائها، ذلك أن تحصيل الضريبة وفقا لأحكام المواد ٣٨ ،٦١ ،١١٩ من الدستور، يفترض توافر مقوماتها، والأسس الواقعية لعدالتها، وجميعها متخلفة بالنسبة إلى الضريبة التى فرضها القانون المطعون فيه

– – – ٦ – – –

أفرد الدستور بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة، وصدره بالنص فى المادة ٤٠ على أن المواطنين لدى القانون سواء، وكان مبدأ المساواة أمام القانون، هو ما رددته الدساتير المصرية جميعها إعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يتوخاها، تتمثل أصلا فى صون حقوق المواطنين وتامين حرياتهم فى مواجهة صور من التمييز تنال منها أو تقيد ممارستها وغدا هذا المبدأ فى جوهرة وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، والتى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التى يقررها القانون ويكون مصدرا لها، وكانت السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية المتماثلة التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، وكان القانون المطعون فيه قد صدر – حسبما يبين من عنوانه – بفرض ضريبة على مرتبات العاملين فى الخارج، إلا أن النصوص التى فصل بها المشرع أحكام هذه الضريبة، ومن بينها تحديده للمخاطبين بها، يدل على أنه قصر تطبيقها على العاملين فى الدولة والقطاع العام أيا كانت طبيعة النظم الوظيفية التى يخضعون لها، وبذلك أخرج من مجال سريانها غير هؤلاء ممن يحققون دخلا ناجما عن عملهم فى الخارج ومتوالد عنه، وهم فئة من المواطنين تتوافر بالنسبة إليها عين الواقعة المنشئة للضريبة التى فرضها على العاملين فى الدولة ووحداتها الاقتصادية، مما مؤداه اتحاد هاتين الفئتين فى المركز القانونى، وكان ينبغى من ثم إخضاعهما معا لقاعدة قانونية واحدة يتحقق من خلالها التكافؤ فى المعاملة القانونية غير أن القانون المطعون فيه مايزبين هاتين الفئتين بأن اختص إحداهما بأحكامه، دون أن يستند فى هذا التمييز إلى أسس موضوعية، وأضحى هذا التميز بالتالى تحكميا، ومنهيا عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور

– – – ٧ – – –

لما كان القانون المطعون فيه، قد حدد لكل درجه وظيفية ضريبة ثابتة نص عليها فى صلبه، وكان الشاغلون لهذه الدرجة يتفاوتون فيما بينهم فيما قد يحصلون عليه من دخل لقاء عملهم خارج جمهورية مصر العربية، وكان هذا التباين فى مقدار المال المحمل بالضريبة، لازمة أن مراكزهم القانونية غير متماثلة بالنسبة إليه، فإن إخضاعهم جميعا لضريبة واحدة ثابت مبلغها، يعتبر كذلك _ ومن هذه الناحية – مناهضا لمبدأ المساواة أمام القانون

– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع علي الأوراق ، والمداولة ٠ حيث ان الوقائع على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعية بوصفها عاملة بوظيفة من الدرجة الثالثة باحدى شركات القطاع العام التابعة لوزارة الإسكان كانت قد حصلت علي أجازة بدون مرتب لمدة عام ، وقد طالبتها جهة عملها الأصلى بأن تؤدى لمصحلة الضرائب مبلغ ٥٦ر٨٥٤ جنيهاً مقومة بالدولار الأمريكى عن أجازتها هذه ، ارتكانا من جانبها لأحكام القانون رقم ٢٢٩ سنة ١٩٨٩ بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين فى الخارج ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية رقم ٣٧٩ سنة ١٩٨٩ ، وإذ لم ترتض المدعية الوفاء بهذا المبلغ ، فقد أقامت ضد المدعى عليهم وأمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم ٣٤٣٨ لسنة ٤٤ قضائية طالبة الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير المالية رقم ٣٧٩ سنة ١٩٨٩ المشار اليه ، وفي الموضوع بالغاء هذا القرار ، ومايترتب علي ذلك من آثار ، والأمر باحالة الأوراق الي المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية أحكام القانون رقم ٢٢٩ سنة ١٩٨٩، وإذ قررت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع ، وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقامت الدعوي الماثلة ٠ وحيث إن البين من الاطلاع علي أحكام القانون رقم ٢٢٩ سنة ١٩٨٩ بفرض ضريبة علي مرتبات العاملين المصريين في الخارج ، أنه بعد أن نص في مادته الأولى علي أن “تفرض ضريبة علي الأجور والمرتبات التي يتقاضاها عن عملهم بالخارج العاملون بالدولة والقطاع العام والعاملون بنظم أو كادرات خاصة الحاصلون على اعارة أو أجازة خاصة بدون مرتب للعمل في الخارج” قضى في مادته الثانية بأن “تحدد الضريبة المنصوص عليها في المادة السابقة علي الوجه الأتى : – (أ) العاملون بالدرجات الرابعة والخامسة والسادسة عشرون جنيها شهريا أو مايعادلها من الكادرات الخاصة ٠ (ب) العاملون من الدرجتين الثانيه والثالثة أربعون جنيها شهريا أو مايعادلهما من الكادرات الخاصة ٠ (ج) العاملون من الدرجتين مدير عام والأولي ثمانون جنيها شهريا أو مايعادلهما من الكادرات الخاصة ٠ (د) العاملون بالدرجات فوق مدير عام مائة وعشرون جنيها شهريا أو مايعادلها من الكادرات الخاصة ٠ ولا تخضع الأجور والمرتبات والبدلات المشار اليها في هذه المادة للضريبة العامة علي الدخل في مصر٠ “وتنص مادته الثالثة على أن يكون سداد هذه الضريبة سنويا وبالطريقة التى تحددها اللائحة التنفيذية٠ وتسرى الضريبة المنصوص عليها في هذا القانون وعملا بمادته الرابعة علي العامل الحاصل علي أجازة خاصه لمرافقة الزوج الذى يعمل في الخارج متى ثبت التحاقه بأى عمل في الخارج خلال مدة الأجازة ، وحظرت مادته الخامسة علي الجهات الإدارية المنصوص عليها في المادة الأولي من هذا القانون ، تجديد الاعارة أو الأجازة للعاملين الخاضعين لأحكامه ، الا بعد تقديم ما يفيد سداد هذه الضريبة علي النحو المبين به ٠ وخولت مادته السادسة وزير المالية بالاتفاق مع وزير الأقتصاد والتجارة الخارجيه ، اصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون ٠ وحيث إن من بين ما تنعاه المدعية علي أحكام القانون رقم ٢٢٩ سنة ١٩٨٩ بفرض ضريبة علي مرتبات العاملين المصريين في الخارج ، تعارضها ونص المادة ( ٨٣) من الدستور فيما قررته من قيام النظام الضريبى على العدالة الإجتماعية ، قولا منها بأن القانون المطعون فيه اختص بأحكامه طائفة بذاتها من المواطنين ، هم العاملون بالدولة والقطاع العام والعاملون بنظم وكادرات خاصة الحاصلون علي إعارة أو أجازة خاصة بدون مرتب للعمل بالخارج ثم أخضعهم للضريبة بعد تقسيمهم الي طبقات كل بحسب الطبقة التى تندرج تحتها درجته الوظيفية ودون ما اعتداد بالأجر أو المرتب الذي يتقاضونه عن عملهم بالخارج ، وهو مايخل بعدالة الضريبة من ناحية ، وكذلك بمبدأ المساواة من ناحية أخرى المنصوص عليهما في المادتين ٣٨ ، ٠ ٤ من الدستور ٠ وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره ، ذلك أنه ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجى من وراء اقرار تنظيم تشريعى يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال تقرير ضريبة تفتقر الي قوالبها الشكلية أو لا تتوافر فى أركانها ود وافعها الأسس الموضوعية التي ينبغى أن تقوم عليها ، ذلك أن جباية الأموال في ذاتها لا تعتبر هدفا يحميه الدستور ، بل يتعين أن تكون هذه الجباية وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه ٠ وحيث إن من المقرر أن الضوابط التي يفرضها الدستور علي السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان تقيدهما بأحكامه ، هي ضوابط آمرة لاتبديل فيها ولا مهرب منها ، وليس لأى جهة أو سلطة بالتالى أن تبغي عنها حولا ، أو أن تنقضها من أطرافها ، أو أن تجعل لها عوجا ، أو أن تتحلل من بأسها أمداً ، إذ هى باقية دوما ، نافذة أبدا ، لتفرض – بزواجرها ونواهيها – كلمة الدستور علي المخاطبين بها ، فلا ينسلخون منها • ولتكون قواعده مآبا لكل سلطة ، وضابطا لحركتها ، ومتكئا لأعمالها وتصرفاتها على اختلافها ، ومرتفقا لتوجهاتها ، وكان لكل ضريبة وعاء – يعبرعنه احيانا بقاعده الضريبة Tax base – ويتمثل فى المال الذى تفرض عليه ،وكان قضاء هذه المحكمة قد جري علي أن تحديد دين الضريبة يفترض التوصل الى تقدير حقيقى لقيمة المال الخاضع لها ، باعتبار أن ذلك يعد شرطا لازما لعدالة الضريبة ، ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة ، إذ كان ذلك كذلك ، تعين أن يكون وعاء الضريبة ممثلا في المال المحمل بعبئها ، مُحققا ومُحددا علي أسس واقعية يكون ممكنا معها الوقوف علي حقيقته على أكمل وجه ، ولايكون الوعاء محققا الا اذا كان ثابتا بعيدا عن شبهة الاحتمال أو الترخص ، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها ، انما يتحدد مرتبطا بوعائها ، وباعتباره منسوبا اليه ، ومحمولا عليه ، وفق الشروط التي يقدر المشرع معها واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور ، وبغير ذلك لايكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى ، ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها ، والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها ، فإذا حدد المشرع وعاءً للضريبة التي فرضها بأن حصره في أجور العاملين ومرتباتهم التى يتقاضونها عن عملهم في الخارج ، تعين أن يكون دين الضريبة محددا بمبلغ معين متأتيا من مصدر هذا الدخل دون سواه ، ومترتبا علي وجوده حقيقة لاحكما ومرتبطا بمقداره واقعا لا مجازا فاذا كان دين الضريبة منفصما عن وعائها ، وليس نتاجا لتحققه ، بل محددا وفقا لاعتبار آخر ، دل ذلك على أن الرابطة المنطقية والحتمية بين وعاء الضريبة ومبلغها متخلفة بتمامها بما يناقض الأسس الموضوعية للضريبة التي تقرر هذه المحكمة أنها تعتبر قواما لها من زاوية دستورية ، وبغيرها تنحل الضريبة عدما ٠ وحيث أن البين من أحكام القانون رقم ٢٢٩ سنة ١٩٨٩ المشار إليه ، إنها تتوخى فرض ضريبة على صور بعينها من صور الدخل ، تتمثل فى أجور العاملين المصريين ومرتباتهم التى يحصلون عليها لقاء عملهم فى الخارج ، وبالتالى يكون الإيراد المحقق الذى نجم فعلاً عن هذا العمل ، وعاء للضريبة ، وكان يتعين بالتالى أن يرد دين الضريبة أو مبلغها إلى المال المحمل بعبئها من ناحية وأن يكون متناسبا مع مقداره زيادة أو نقصانا من ناحية أخرى بما يصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة ، إلا أن القانون المطعون فيه غض بصره عن الدخل المحقق من العمل فى الخارج ، وجعل دين الضريبة مرتبطاً بواقعة أخرى لاصلة لها بوعائها ، إذ حدد مقداره على ضوء الدرجة الوظيفية التى كان العامل يشغلها قبل مغادرته جمهورية مصر العربية ، وجعل مبلغها بالنسبة إلى كل درجة رقما ثابتاً مقدرا تبعاً لموقعها من البنيان الهرمى الوظيفى على النحو المبين تفصيلاً فى مادته الثانية ، وبذلك أفرغ مادته الأولى التى عين بها وعاء الضريبة من مضمونها ، لتغدو هائمه فى الفراغ ، منعزله عن واقعها ، بعد أن إنفكت الضريبة التى فرضها عن الدخل المحقق من العمل في الخارج المتخذ وعاء لها ، وهو مايناقض الأسس الموضوعية التى لا تقوم الضريبة من الناحية الدستورية إلا بها ، بما مؤداه إنعدامها ، ذلك أن الضريبة التى يكون أداؤها واجبا وفقاً للقانون وعلى ماتدل عليه المادتان (١٦) و(٩١١) من الدستور هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية على النحو المتقدم بيانه ، وتكون العدالة الإجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى ضابطاً لها فى الحدود المنصوص عليها فى المادة (٨٣) من الدستور ، ويندرج تحتها أن يكون دين الضريبة متناسباً مع مقدار الدخل الخاضع لها ، وتلك هى العدالة فى توزيع الأعباء والتكاليف العامة التى إعتبرتها المادة الرابعة من الدستور بعد تعديلها من خصائص النظام الإشتراكى الديمقراطى الذى يقوم عليه الأساس الإقتصادى لجمهورية مصر العربية متى كان ماتقدم ، فإن إنعدام الضريبة يكون منافياً لإستحقاقها ، ولوجوبها ديناً فى ذمة الممول ولجواز تكليفه بأدائها ، ذلك أن تحصيل الضريبة وفقاً لأحكام المواد ٨٣،١٦، ١١٩ ن الدستور ، يفترض توافر مقوماتها والأسس الواقعية لعدالتها ، وجميعها متخلفة بالنسبة إلى الضريبة التى فرضها القانون المطعون فيه ٠ وحيث إنه بالإضافة إلى ماتقدم ، فإنه إذ أفرد الدستور بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة ، وصدره بالنص فى المادة (٠٤) منه على أن المواطنين لدى القانون سواء، وكان مبدأ المساواه أمام القانون ، هو مارددته الدساتير المصرية جميعها بإعتباره أساس العدل والحرية والسلام الإجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يتوخاها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم فى مواجهة صور من التمييز تنال منها أو تقيد ممارستها ، وغدا هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقريرالحماية القانونية المتكافئة التى لاتمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة ، والتى لايقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور ، بل يمتد مجال اعمالها الى تلك التى يقررها القانون ويكون مصدرا لها ، وكانت السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، لايجوز بحال ان تؤول الى التمييز بين المراكز القانونية المتماثلة التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها امام القانون ، وكان القانون المطعون فيه قد صدر حسبما يبين من عنوانه بفرض ضريبة على مرتبات العاملين فى الخارج ، الا ان النصوص التى فصل بها المشرع احكام هذه الضريبة ، ومن بينها تحديده للمخاطبين بها ، يدل على انه قصر تطبيقها على العاملين فى الدولة والقطاع العام ايا كانت طبيعة النظم الوظيفية التى يخضعون لها ، وبذلك اخرج من مجال سريانها غير هؤلاء ممن يحققون دخلا ناجما عن عملهم فى الخارج ومتولداً عنه ، وهم فئة من المواطنين تتوافر بالنسبة اليها عين الواقعة المنشئة للضريبة التى فرضها على العاملين فى الدولة ووحداتها الاقتصادية ، مما موداه إتحاد هاتين الفئتين فى المركز القانونى ، وكان ينبغى من ثم اخضاعهما معا لقاعدة قانونية واحدة يتحقق من خلالها التكافؤ فى المعاملة القانونية• غير ان القانون المطعون فيه مايز بين هاتين الفئتين بان اختص احداهما باحكامه دون ان يستند فى هذا التميز الى اسس موضوعية ، واضحي هذا التميز بالتالى تحكميا ومنهيا عنه بنص المادة (٤٠ ) من الدستور ٠ ومن ناحية أخرى ، فانه لما كان القانون المطعون فيه قد حدد لكل درجة وظيفية ضريبة ثابتة نص عليها فى صلبه ، وكان الشاغلون لهذه الدرجة يتفاوتون فيما بينهم فيما قد يحصلون عليه من دخل لقاء عملهم خارج جمهورية مصر العربية ، وكان هذا التباين فى مقدار المال المحمل بالضريبة ، لازمه ان مراكزهم القانونية غير متماثلة بالنسبة اليه ، فان اخضاعهم جميعا لضريبة واحدة ثابت مبلغها ، يعتبر كذلك ومن هذه الناحية مناهضا لمبدأ المساواة امام القانون ٠ متى كان ذلك ، فان القانون المطعون فيه يكون مخالفا لاحكام المواد ٤ ، ٣٨ ، ٤٠ ، ٦١ ، ١١٩ ن الدستور ٠

زر الذهاب إلى الأعلى