حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٣ لسنة ٧ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٣ لسنة ٧ دستورية
– – – ١ – – –
إن المشرع – بما نص عليه البند “ب”من المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا – قد دل على أن الدعوى الدستورية لا ترفع من الخصم إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته ، و لا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر ، و هذه الأوضاع الإجرائية تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالاً جوهرياً تغيا بها المشرع مصلحة عامة قوامها انتظام التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها و فى الموعد الذى حدده ، إذ كان ذلك ، و كان الثابت من الأوراق أن المدعى الثالث وحده – دون المدعين الآخرين – هو الذى اتهم فى الدعوى الموضوعية و أثار الدفع بعدم دستورية القرار المطعون فيه ، فإن دعوى المدتعين الأول الثانى و الرابع لا تكون قد اتصلت بهذه المحكمة وفقاً للأوضاع التى نص عليها قانونها ، و يتعين بالتالى الحكم بعدم قبولها .
– – – ٢ – – –
إن المادة ٦٦ من الدستور تنص على أن ” العقوبة شخصية ، و لا جريمة و لا عقوبة إلا بناء على قانون ، و لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ، و لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون “، و قد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن حكم هذا النص لا يعدو أن يكون توكيداً لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الإختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم أو العقاب ، و ذلك لإعتبارات تقدرها السلطة التشريعية الأصلية و فى الحدود التى يبينها القانون الصادر عنها، و إذ يعهد المشرع إلى السلطة التنفيذية بهذا الإختصاص ، فإن عمله لا يعتبر من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة ١٠٨ من الدستور ، و لا يندرج كذلك تحت اللوائح التننفيذية التى نظمتها المادة ١٤٤ منه ، و إنما مرد الأمر فى تقرير هذا الإختصاص إلى نص المادة ٦٦ من الدستور التى تتنطوى على تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم و العقاب .
– – – ٣ – – –
لما كانت الواقعة محل الإتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية تتمثل فى قيام المدعى – بوصفة أحد التجار بمحافظة سوهاج – بحيازة و تخزين كميات من السمسم مخالفا بذلك الحظر المنصوص عليه فى قرار محافظ سوهاج رقم ٣٣ لسنة ١٩٨٥ المطعون عليه ، و كان هذا الحظر لا يعدو أن يكون قيداً على تداول سلعة من السلع التموينية هى السمسم ، و هو قيد ناطت السلطة التشريعية اتخاذه بوزير التموين دون غيره ، إذ يختص هذا الوزير – لضمان تموين البلاد و توفير العدالة فى توزيع المواد التموينية و بعد موافقة لجنة التموين العليا – بإصدار القرارات المنصوص عليها فى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين و يندرج تحتها فرض القيود على انتاج أى مادة أو سلعة و تداولها و استهلاكها بما فى ذلك توزيعها ، و كذلك فرض قيود أية مادة أو سلعة من جهة إلى أخرى ، و هى قيود حددت الفقرة الرابعة من المادة ٥٦ من المرسوم بقانون المشار إليها الجزاء على مخالفتها بقولها : ” يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى هذه المادة على مخالفة أحكام قرارات وزير التموين و التجارة الداخلية الصادرة تنفيذا لهذا القانون ، و يجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل … ” ، و هذا النهج الذى التزمه المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ ، احتذاه كذلك المرسوم بقانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٠الخاص بشئون التسعير الجبرى و تحديد الأرباح ، ذلك أنه بعد أن خول هذا المرسوم بقانون وزير التموين فى المادة الخامسة منه أن يتخذ بقرارات يصدرها التدابير المتعلقة بتعيين المقادير التى يجوز شراؤها أو تملكها أو حيازتها من أية سلعة ، و بتقرير الوسائل اللازمة لمنع التلاعب بأسعار السلع و المواد الخاضعة لأحكام ذلك المرسوم بقانون و تعيين مواصفاتها ، و بإلزام أصحاب المصانع و المستوردين بتسليم مقادير معينة من أى سلعة أو مادة إلى الجمعيات التعاونية لتقوم بعرضها للبيع لأعضائها ، نص فى الفقرة الأخيرة من مادته التاسعة على أن ” يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة على مخالفة القرارات التى تصدر تنفيذاً للمادة ٥ من هذا القانون ، و يجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل ” . لما كان ذلك ، و كان المشرع على ما تقدم بيانه ، قد عهد إلى وزير التموين دون غيره – فى نطاق التدابير التى يتخذها لضمان تموين البلاد من المواد و السلع و لتحقيق العدالة فى توزيعها مع الإلتزام بجداول الأسعار الخاصة بها – بسلطة تقرير عقوبات على مخالفة القرارات التى يتخذها فى هذا الصدد تكون أقل من تلك المنصوص عليها فى القانون ، فإن تجريم المادة الثانية من القرار المطعون عليه الصادر من محافظ سوهاج للواقعة محل الإتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية ، لا يعدو أن يكون انتحالاً لإختصاص مقرر لوزير التموين فى شأن التدابير التى ينفرد بإتخاذها وفقاً لأحكام كل من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ و المرسوم بقانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ المشار إليهما ، و اغتصاباً فى هذا المجال ، و من ثم يقع حكم المادة الثانية من القرار المشار إليه فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه و المادة ٦٦ من الدستور .
– – – ٤ – – –
النص فى الفقرة الأولى من المادة ٢٧ من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ على أن ” يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى اختصاص وحدات الإدارة المحلية وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات و الإختصاصات التنفيذية المقررة للوزاراء بمقتضى القوانين و اللوائح ، و يكون المحافظ فى دائرة إختصاصه – رئيساً لجميه الأجهزة و المرافق المحلية ” ، إنما توخى تنظيم الأمور المتعلقة بالإدارة المحلية و ذلك بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات و الإختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية بوزارتها المختلفة ، و قد قصد الشارع بالنص سالف الذكر أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة و المرافق العامة التابعة لهم – السلطات و الإختصاصات المقررة للوزاراء فى هذا الصدد ، دون أن يجاوزا ذلك إلى تخويلهم الإختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية و لا إلى تقرير اختصاصهم بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب ، و ذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الإختصاص – فى أى من هاتين الحالتين – إلى الوزراء ، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته و لا يجوز أن تفوض غيرها فيه ، و هو فى كل الأحوال اختصاص تشريعى لا تشمله عبارة ” السلطات و الإختصاصات التنفيذية الواردة بنص المادة ١ / ٢٧ سالفة البيان.
– – – ٥ – – –
النص فى الفقرة الأولى من المادة ٢٧ من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ على أن ” يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى اختصاص وحدات الإدارة المحلية وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات و الإختصاصات التنفيذية المقررة للوزاراء بمقتضى القوانين و اللوائح ، و يكون المحافظ فى دائرة إختصاصه – رئيساً لجميه الأجهزة و المرافق المحلية ” ، إنما توخى تنظيم الأمور المتعلقة بالإدارة المحلية و ذلك بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات و الإختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية بوزارتها المختلفة ، و قد قصد الشارع بالنص سالف الذكر أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة و المرافق العامة التابعة لهم – السلطات و الإختصاصات المقررة للوزاراء فى هذا الصدد ، دون أن يجاوزا ذلك إلى تخويلهم الإختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية و لا إلى تقرير اختصاصهم بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب ، و ذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الإختصاص – فى أى من هاتين الحالتين – إلى الوزراء ، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته و لا يجوز أن تفوض غيرها فيه ، و هو فى كل الأحوال اختصاص تشريعى لا تشمله عبارة ” السلطات و الإختصاصات التنفيذية الواردة بنص المادة ١ / ٢٧ سالفة البيان.
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة اتهمت المدعى الثالث بأنه فى يوم ٢٨ فبراير سنة ١٩٨٥ بدائرة مركز طهطا وبصفته تاجراً للغلال حاز للاتجار كمية من السمسم المبينة بالأوراق رغم صدور قرار يحظر ذلك طوال موسم ١٩٨٤ / ١٩٨٥ ، وأحالته إلى المحكمة الجنائية فى القضية رقم ١٢٨١ لسنة ١٩٨٥ جنح طوارئ سوهاج طالبة عقابه بالمواد ١ ، ٧ من قرار وزير التموين رقم ٢٧٢ لسنة ١٩٨٤ بشأن توريد محصول السمسم ، وكذلك المواد ١ ، ٢ من قرار محافظ سوهاج رقم ٣٣ لسنة ١٩٨٥ الصادر فى ١٤ فبراير سنة ١٩٨٥ ، وبجلسة ١٤ مايو سنة ١٩٨٥ دفع الحاضر عن المتهم بعدم دستورية قرار محافظ سوهاج سالف الذكر فقررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة ٢٩ أكتوبر سنة ١٩٨٥ مع التصريح للمتهم بإقامة الدعوى بعدم دستورية القرار المشار إليه ، فأقام المدعى الثالث والمدعون الآخرون الدعوى الماثلة . وحيث إن المشرع – بما نص عليه البند (ب) من المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ – قد دل على أن الدعوى الدستورية لا ترفع من الخصم إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته ، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر ، وهذه الأوضاع الإجرائية – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالاً جوهرية تغيا بها المشرع مصلحة عامة قوامها انتظام التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها وفى الموعد الذى حدده ، إذ كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن المدعى الثالث وحده – دون المدعين الآخرين – هو الذى اتهم فى الدعوى الموضوعية وأثار الدفع بعدم دستورية القرار المطعون فيه ، فإن دعوى المدعين الأول والثانى والرابع لا تكون قد اتصلت بهذه المحكمة وفقاً للأوضاع التى نص عليها قانونها ، ويتعين بالتالى الحكم بعدم قبولها . وحيث إن الثابت من الأوراق ، أنه بتاريخ ١٤ فبراير سنة ١٩٨٥ أصدر محافظ سوهاج القرار رقم ٣٣ لسنة ١٩٨٥ مشيراً فى ديباجته إلى قانون نظام الحكم المحلى الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ ” وإلى ” قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢٧٢ لسنة ١٩٨٤ بتكليف الحائزين لمساحات مزروعة سمسماً بتوريد كميات محصول السمسم موسم ٨٤ / ١٩٨٥ ” ، وإلى ” قرار وزير الزراعة رقم ٧٤٦ لسنة ١٩٨٤ بنظام توريد السمسم موسم ٨٣ / ١٩٨٤ ” ، وكانت المادة الأولى من قرار المحافظ المشار إليه قد حظرت على تجار المحافظة حيازة السمسم أو تخزينه وذلك طوال العام ، ونصت المادة الثانية منه على أن كل مخالفة لأحكام ذلك القرار تطبق فى شأنها العقوبات المنصوص عليها بالقرار الوزارى رقم ٢٧٢ لسنة ١٩٨٤ . وحيث إن البين من ديباجة وأحكام قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢٧٢ لسنة ١٩٨٤ أنه صدر استناداً إلى المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين ، قاضياً فى مادته الأولى بإلزام الحائزين لمساحات مزروعة سمسماً بالمحافظات التى حددها – ومن بينها محافظة سوهاج – بتوريد كامل إنتاجهم من محصول السمسم موسم ٨٤ / ١٩٨٥ إلى الجهات التى عينها هذا القرار ومستثنياً من ذلك المزارع التابعة لوزارة الزراعة والزراع أعضاء الجمعيات التعاونية الزراعية المتعاقدين مع الوزارة لإنتاج تقاوى الإكثار بشرط توريدهم كميات السمسم المتعاقدين عليها بالكامل ، وتكفلت المادة الثانية من هذا القرار بتحديد الحد الأدنى لمعدلات التوريد ، ثم نصت المادة السابعة على أن ” يعاقب كل حائز بغرامة قدرها مائة جنيه عن كل أردب يقصر فى توريده ، وفى جميع الأحوال تضبط الكميات موضوع المخالفة ويحكم بمصادرتها ” . وحيث إنه يبين من مقارنة نصوص قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم ٢٧٢ لسنة ١٩٨٤ بنصوص القرار المطعون فيه ، أن الأول يتعلق بالتزام زارعى السمسم بتوريد إنتاجهم منه إلى الجهات التى حددها وزير التموين وإلا عوقب المخالف بالعقوبات المنصوص عليها فى المادة السابعة منه ، بينما حظر الثانى على تجار المحافظة حيازة السمسم أو تخزينه لديهم طوال العام ، وقضى بمعاقبة المخالفين منهم لأحكامه بالعقوبات المنصوص عليها فى قرار وزير التموين المشار إليه ، ومن ثم تكون الواقعة محل التجريم فى قرار وزير التموين سالف البيان مختلفة عن تلك التى أثمها القرار المطعون عليه وإن أحال هذا القرار فى شأن العقوبات التى تقضى بها المحكمة على مخالفة أحكامه إلى قرار وزير التموين المشار إليه ، ومن ثم تكون الجريمة التى أنشأها القرار المطعون عليه مختلفة فى أركانها عن تلك التى نص عليها قرار وزير التموين آنف البيان ، بما مؤداه استقلالها عنها وعدم ارتباطها بها . ومن حيث إن صحيفة الدعوى الماثلة تنعى على القرار المطعون عليه إنشاءه لجريمة وتقريره لعقوبة مما تستقل السلطة التشريعية – دون مصدر القرار – بتحديدها ، هذا بالإضافة على أن السمسم من الحبوب الحقلية التى يتم إنتاجها فى مصر وأن فرض قيود على تخزينه يخل بحرمة الملكية الخاصة وبحرية التجارة ، وأنه على ضوء ما تقدم جميعه ، يكون القرار المطعون عليه مخالفاً لأحكام المواد ٣٤ ، ٦٦ ، ٨٦ من الدستور . وحيث إن المادة ٦٦ من الدستور تنص على ان ” العقوبة شخصية ، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ” ، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن حكم هذا النص لا يعدو أن يكون توكيداً لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم أو العقاب ، وذلك لاعتبارات تقدرها السلطة التشريعية الأصلية وفى الحدود التى يبينها القانون الصادر عنها ، وإذ يعهد المشرع إلى السلطة التنفيذية بهذا الاختصاص ، فإن عمله لا يعتبر من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة ١٠٨ من الدستور ، ولا يندرج كذلك تحت اللوائح التنفيذية التى نظمتها المادة ١٤٤ منه . وإنما مرد الأمر فى تقرير هذا الاختصاص إلى نص المادة ٦٦ من الدستور التى تنطوى على تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم والعقاب على ما سلف البيان . وحيث إنه إذ كان ما تقدم ، وكانت الواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية تتمثل فى قيام المدعى – بوصفه أحد التجار بمحافظة سوهاج – بحيازة وتخزين كميات من السمسم مخالفاً بذلك الحظر المنصوص عليه فى المادة الأولى من القرار المطعون عليه ، وكان هذا الحظر لا يعدو قيداً على تداول سلعة من السلع التموينية هى السمسم ، وهو قيد ناطت السلطة التشريعية اتخاذه بوزير التموين دون غيره ، إذ يختص هذا الوزير – لضمان تموين البلاد وتوفير العدالة فى توزيع المواد التموينية وبعد موافقة لجنة التموين العليا – بإصدار القرارات المنصوص عليها فى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين ويندرج تحتها فرض القيود على إنتاج أى مادة أو سلعة وتداولها واستهلاكها بما فى ذلك توزيعها ، وله كذلك فرض قيود على نقل أية مادة أو سلعة من جهة إلى أخرى وهى قيود حددت الفقرة الرابعة من المادة ٥٦ من المرسوم بقانون المشار إليها الجزاء على مخالفتها بقولها : ” يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى هذه المادة على مخالفة أحكام قرارات وزير التموين والتجارة الداخلية الصادرة تنفيذاً لهذا القانون ، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل … ” ، وهذا النهج الذى التزمه المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ احتذاه كذلك المرسوم بقانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ الخاص بشئون التسعير الجبرى وتحديد الأرباح ، ذلك ان هذا المرسوم بقانون الأخير بعد أن خول وزير التموين فى المادة الخامسة منه أن يتخذ بقرارات يصدرها التدابير المتعلقة بتعيين المقادير التى يجوز شراؤها أو تملكها أو حيازتها من أية سلعة ، وبتقرير الوسائل اللازمة لمنع التلاعب بأسعار السلع والمواد الخاضعة لأحكام هذا المرسوم بقانون وتعيين مواصفاتها ، وبإلزام أصحاب المصانع والمستوردين بتسليم مقادير معينة من أى سلعة أو مادة إلى الجمعيات التعاونية لتقوم بعرضها للبيع لأعضائها ، نص فى الفقرة الأخيرة من مادته التاسعة على أن ” يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة على مخالفة القرارات التى تصدر تنفيذاً للمادة ٥ من هذا القانون ، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل ” . لما كان ذلك ، وكان المشرع على ما تقدم بيانه ، قد عهد إلى وزير التموين دون غيره – فى نطاق التدابير التى يتخذها لضمان تموين البلاد من المواد والسلع ولتحقيق العدالة فى توزيعها مع الالتزام بجداول الأسعار الخاصة بها – بسلطة تقرير عقوبات على مخالفة القرارات التى يتخذها فى هذا الصدد تكون أقل من تلك المنصوص عليها فى القانون ، فإن تجريم المادة الثانية من القرار المطعون عليه الصادر من محافظ سوهاج للواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية لا يعدو أن يكون انتحالاً لاختصاص مقرر لوزير التموين فى شأن التدابير التى ينفرد باتخاذها وفقاً لأحكام كل من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ والمرسوم بقانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ المشار إليهما واغتصاباً لسلطته فى هذا المجال ، ومن ثم يقع حكم المادة الثانية من القرار المشار إليه فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه والمادة ٦٦ من الدستور آنفة البيان . وحيث إنه لا ينال مما تقدم ، ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة ٢٧ من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ من أن ” يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى اختصاص وحدات الإدارة المحلية وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح ، ويكون المحافظ فى دائرة اختصاصه – رئيساً لجميع الأجهزة والمرافق المحلية ” . ذلك أن ما توخاه القانون المشار إليه لا يعدو تنظيم الأمور المتعلقة بالإدارة المحلية وذلك بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية بوزاراتها المختلفة ، وقد قصد المشرع بالنص سالف الذكر ان يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق العامة التابعة لهم – السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء فى هذا الصدد ، دون أن يجاوز ذلك إلى تخويلهم الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية ولا إلى تقرير اختصاصهم بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب ، وذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الاختصاص – فى أى من هاتين الحالتين – على الوزراء ، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته ولا يجوز أن تفوض غيرها فيه ، وهو فى كل الأحوال اختصاص تشريعى لا تشمله عبارة ” السلطات والاختصاصات التنفيذية ” الواردة بنص المادة ٢٧ / ١ سالفة البيان . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الثانية من قرار محافظ سوهاج رقم ٣٣ لسنة ١٩٨٥ ، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .