حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٢ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٢ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ٠٦ – ١٩٩٨

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية الفقرة الثانية من المادة ٣٧ من قانون السجل العينى الصادر بالقانون رقم ١٤٢ لسنة ١٩٦٤ وبسقوط نص المادة ٣٨ من هذا القانون

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٦ يونيو سنة ١٩٩٨ الموافق ١١ صفر سنة ١٤١٩ ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حمدى محمد على وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٤٢ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

١ – السيد / فتحى محمد حسن عبد الجواد
٢ – السيد / مصطفى محمد حسن عبد الجواد
٣ – السيد / محمود محمد حسن عبد الجواد
٤ – السيد / أحمد محمد حسن عبد الجواد
ضد
١ – السيد الدكتور / رئيس مجلس الوزراء
٢ – السيد المستشار / وزير العدل
٣ – السيد الدكتور / محافظ الفيوم
الإجراءات

بتاريخ ١٩ يونيو سنة ١٩٩٥، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة ، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٣٧)، المادة (٣٨) من القرار بقانون رقم ١٤٢ لسنة ١٩٦٤ بنظام السجل العينى
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على المادة (٣٨) من القرار بقانون المشار إليه، وبرفضها فيما عدا ذلك
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم ٣٨١ لسنة ١٩٩٣ مدنى كلى الفيوم ضد السيدين / عبد المجيد سعيد عبد الله وأحمد حسن عبد الجواد والسيدة / عليه عبد التواب قطب، طالبين الحكم بتثبيت ملكيتهم لسبع وعشرين فداناً كائنة بناحية جبلة مركز سنورس، والمبين حدودها ومعالمها فى صحيفة تلك الدعوى ، على سند من أنهم حازوها بنية التملك – ومورثهم من قبلهم – مما يكسبهم ملكيتها
وبجلسة ٢٤ يناير سنة ١٩٩٥ قضت محكمة الفيوم الإبتدائية بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانونى بالنسبة إلى ١٩ سهم، ١٣ قيراط، ١٤ فدان من أطيان التداعى ، والمقيدة بالسجل العينى فى ملكية المدعى عليه الأول فى تلك الدعوى ، وبتثبيت ملكية المدعين لمساحة قدرها ١٩ سهم، ١٣ قيراط، ١٤ فدان من أطيان التداعى ، والمقيدة بالسجل العينى باسم مورثهم، وأقامت قضاءها فى ذلك على ما تنص عليه المادة (٣٧) من قانون السجل العينى الصادر بالقرار بقانون رقم ١٤٢ لسنة ١٩٦٤ من أن للسجل العينى قوة إثبات لصحة البيانات الواردة فيه. ولايجوز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل. فضلاً عن أن المادة (٣٨) من ذات القانون استلزمت لقيد الحقوق إستناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية أن ترفع الدعوى أو يصدر الحكم فيها خلال خمس سنوات من تاريخ سريان قانون السجل العينى على القسم المساحى الذى تقع فيه الأرض المطلوب الحكم بثبوت ملكيتها لواضع اليد عليها، وقد نص قرار وزير العدل على تطبيق نظام السجل العينى على القسم المساحى الكائنة به أرض التداعى وذلك إعتباراً من ١٨ / ١١ / ١٩٧٨.
وإذ لم يرتض المدعون الحكم الإبتدائى آنف البيان، فقد طعنوا عليه بالاستئناف رقم ٢٦٩ لسنة ٣١ قضائية أمام محكمة استئناف بنى سويف (مأمورية استئناف الفيوم)، وأثناء نظره دفعوا بعدم دستورية ما تنص عليه المادة (٣٧) من قانون السجل العينى من عدم جواز التمسك بالتقادم المكسب للملكية على خلاف ما هو ثابت بالسجل العينى . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعهم هذا، وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقاموا دعواهم الماثلة وضمنوا صحيفتها طلبهم الحكم بعدم دستورية هذا الحظر وكذلك المادة (٣٨) من قانون السجل العينى .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان المدعون يقولون بأنهم تملكوا عقار النزاع بالتقادم المكسب للملكية ، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تتوافر بإبطال ما تنص عليه المادة (٣٧) من قانون السجل العينى التى لا تجيز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل.
وحيث إن المادة (٣٨) من قانون هذا السجل، وإن أجازت استثناء من المادة السابقة عليها قيد الحقوق إستناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية ، إلا أنها تقيد مجال عمل هذا الاستثناء بالدعاوى التى ترفع أو التى يصدر حكم فيها خلال خمس سنوات من انقضاء المدة المنصوص عليها فى القرار الوزارى المشار إليه فى المادة الثانية من قانون الإصدار. ومن ثم يعتبر نص المادة (٣٨) من قانون السجل العينى ساقطاً إذا ما قضى بعدم دستورية قاعدة الحظر التى قررتها الفقرة الثانية من المادة (٣٧) من هذا القانون، تقديراً بأن الاستثناء من قاعدة ، يفترض بقاءها، فإذا أبطلتها المحكمة لمخالفتها للدستور، سقط الاستثناء معها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (٣٧) من قانون السجل العينى الصادر بالقرار بقانون رقم ١٤٢ لسنة ١٩٦٤ تنص على أن يكون للسجل العينى قوة إثبات لصحة البيانات الواردة به، وتقضى فقرتها الثانية بإنه لا يجوز التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل، بما مؤداه: أن بيانات السجل العينى فى شأن الملكية ، لها قوة تؤكد صحتها، ولايجوز تغييرها إذا كان التقادم سببا لكسبها.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه، مخالفته أحكام المواد (٨، ٤٠، ٣٤، ٦٨) من الدستور، وذلك من الأوجه الآتى بيانها: أولها: أن من حاز أراض فى مناطق لم يشملها السجل العينى ، يملكها بالتقادم. فإذا امتد إليها تطبيق هذا القانون، صار تملكها به مستحيلاً؛ وفى ذلك إهدار لتكافؤ الفرص.
فضلاً عن أن النص المطعون فيه يخل باستقرار أوضاع كثير من المزارعين الذين تملكوا أراضيهم بمقتضى عقود عرفية عزفوا عن تسجيلها، ولا تزال أيديهم متصلة بها من خلال حيازتها. غير أنهم فوجئوا بأن اللجان القائمة على تطبيق قانون السجل العينى لاتعير آذانها لحقوقهم، وأنها تقيد أراضيهم هذه بأسماء ملاكها القدامى أو ورثتهم بزعم أن التقادم لايجوز أن يناهض بياناً مثبتاً بالسجل العينى ثانيها: أن الذين يدعون الملكية بناء على أحد أسباب كسبها غير التقادم، يستطيعون تثبيتها من خلال اللجوء إلى قاضيهم الطبيعى ثم قيدها فى السجل العينى ، فإذا كان التقادم سبب كسبها، حيل بينهم وبين إثباتها. وفى ذلك تمييز دون مسوغ بين من يملكون، وتأبيد للنزاع حول الملكية ثالثها: – أن القيد الأول بالسجل العينى يستند إلى أعمال وقرارات إدارية وحرمان من تملك بالتقادم من تسجيل ملكيته على سند من مخالفتها للثابت بالسجل، مؤداه: أن تظل هذه الأعمال والقرارات بعيدة عن الرقابة القضائية
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط تحد من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التى لايجوز اقتحامها. وكلما كان هذا التنظيم منتهياً إلى إهدار الحقوق التى تناولها؛ أو مؤدياً إلى إرهاق محتواها بقيود لا تكفل فعاليتها، وبما ينال من مجالاتها الحيوية التى لا تقوم إلا بها، كان مخالفاً للدستور.
وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التى نص عليها، الحماية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ؛ وكان الأصل فى النصوص القانونية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها؛ وكان من المقرر أن الحقوق جميعها لا تنشأ ولا تنتقل إلا من خلال أسبابها التى حددها القانون، فقد صار متعيناً أن نستظهرما إذا كان قانون السجل العينى ملتزماً إطاراً منطقياً للدائرة التى يعمل فيها، كافلاً من خلالها تحقيق الأغراض التى رصد عليها، أم كان بالنصوص التى تضمنها مجاوزاً لها.
وحيث إن الشهر – وكلما كان شخصياً – لايحيط بكل صور التعامل التى يكون العقار محلها، وإنما تسجل الحقوق المشهرة ، وفقاً لأسماء أصحابها التى قد تختلط فيما بينها بالنظر إلى تشابهها. وكثيراً ما يكون العقار الواحد محلاً لأكثر من علاقة قانونية لايتحد أطرافها، فلا ترصد فى صحيفة واحدة تجمعها؛ وإنما تتفرق مواضعها فى السجل، فلا تسهل معرفتها. كذلك فإن تسجيل الأعمال القانونية التى يكون من شأنها إنشاء الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقلها أو تغييرها أو زوالها، لا يطهرها من عيوبها كلما كان الشهر شخصياً، ولا يحول دون الطعن عليها والنزاع فى شأن صحتها، بما يخل بالحماية الواجبة لكل ذى شأن فيها.
ولا كذلك أن يكون السجل عينياً، متطلباً قيد الحقوق العينية الأصلية المتعلقة بالعقار الواحد، وكذلك ما اتصل بهذا العقار من الحقوق العينية التبعية ، فضلاً عن التصرفات والأحكام النهائية المقررة لحق من الحقوق العينية الأصلية ، فى صحيفة واحدة تجمعها، تتضمن وصفاً للعقار من حيث أبعاده وحدوده وطبيعته، وما تعلق به من صور التعامل على اختلافها، وما نشأ أو ارتبط بها من الحقوق العينية وأصحابها، فلا يكون قيد هذه الحقوق فى السجل إلا لإثباتها بصورة مطلقة ، ضماناً لاستقرار أوضاعها، وبما يطهرها من عيوبها أياً كان نوعها أو مداها.
وحيث إن القوة المطلقة للقيود التى يثبتها السجل العينى فى صحائفه وفقاً لأحكامه، وإن كانت جوهر نظامه، ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونها، ولو كان هذا القيد قد تم خلافاً للحقيقة ، إلا أن شرط إجراء القيد – وعلى ما تنص عليه المادة الحادية عشرة من قانون السجل العينى – هو أن تكون الحقوق العينية التى يثبتها القيد فى صحائفه، قد أنشأتها أو قررتها أسباب كسبها، تقديراً بأن أسبابها هذه، تمثل روافدها التى لا يتصور أن يتجاهلها هذا السجل، شأنها فى ذلك شأن مصادر الحقوق الشخصية .
ولايجوز بالتالى أن ينفصل قيد الحقوق العينية الأصلية عن أسبابها التى رتبها القانون المدنى ، وحصرها.
بل إن أسبابها هذه، هى التى يكون الاستيثاق من صحتها سابقاً على قيد الحقوق التى أنشاتها أو نقلتها، فلا يكون من شأن السجل العينى تحوير بنيانها، ضماناً لتقيده بالأغراض التى رصد عليها، ولأن القيد فى هذا السجل لا يعتبر ركناً شكلياً لا تكتمل بغيره عناصر وجود الحقوق المراد إثباتها فيه، بل تظل لهذه الحقوق – حتى وإن لم تقيد – مقوماتها باعتبار أنها ترتد مباشرة إلى أسبابها التى أنتجتها، وهو ما تؤكده الفقرتان الثانية والثالثة من المادة (٢٦) من قانون السجل العينى بما قررتاه من أن الأعمال القانونية التى لا تقيد، لا تزول بكامل آثارها، وإن امتنع الاحتجاج بالحقوق العينية الأصلية التى أنشاتها أو نقلتها أو غيرتها أو أزالتها، سواء فى العلاقة بين أطرافها أو على صعيد الأغيار عنها.
وحيث إن الحيازة هى السيطرة المادية على الحق أو الشئ محل الحق من خلال أعمال مادية يأتيها الحائز ابتداءً أو انتقالاً من الغير، ويستبقيها – ولو كان مغتصباً للحق موضوعها – مع اقترانها بقصد استعمال هذا الحق محدداً على ضوء محتواه. ولا تعتبر الحيازة – باجتماع عنصريها هذين، وبالنظر إلى طبيعتها – حقاً عينياً أو شخصياً، ولا هى بحق أصلاً، ولكنها تنقل الحقوق موضوعها – وعند توافر شرائطها – إلى من يكسبونها بأثر رجعى يرتد إلى تاريخ بدئها. ولا تعتبر الحيازة بالتالى مجرد قرينة لايجوز دحضها على أن الحائز صار مالكاً للشئ محلها بعد أن حازه المدة التى عينها المشرع، ولكنها تتمحض سبباً مباشراً لنقل ملكية الحق موضوعها. والحيازة بذلك تحيل الأوضاع الفعلية التى استقر أمرها بعد أن امتد زمنها من خلال التقادم، إلى حقائق قانونية لا تتزعزع بها الملكية بعد اكتمال الحق فيها، وإنما تخلص لحائز اتصل بها، وظهر عليها أمداً، مباشراً سلطاتها دون اعتراض من مالكها.
وكان منطقياً أن يقدم المشرع على مصلحته التى أهمل الدفاع عنها ورد من يناهضونها على أعقابهم، مصلحة حائز اطمأن الناس إلى الأوضاع الظاهرة التى بسطها، والتى يقدرون معها أن امتداد زمنها، يقلبها إلى ملكية كاملة ، ولو كان مغتصباً للحق فيها.
وحيث إن الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، لا تقتصر على الصور التى تظهر الملكية فيها بوصفها الأصل الذى تتفرع عنه الحقوق العينية الأصلية جميعها، وإنما تمتد هذه الحماية إلى الأموال كلها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال حق ذو قيمة مالية ، سواء كان هذا الحق شخصياً أو عينياً أو كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية ، ذلك أن الحقوق العينية التى يكون العقار محلها، تعتبر مالاً عقارياً. أما ما يقع منها على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية – أياً كان محلها – فإنها تعد مالاً منقولاً وإلى هذه الأموال كلها، تنبسط الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ، فلا تخلص لغير أصحابها.
وحيث إن نظم الشهر على اختلافها – ماكان منها شخصياً أو عينياً – تفترض اشتقاق الحقوق التى تسجلها أو تقيدها فى صحائفها، من أسبابها التى حددها المشرع حصراً. تقديراً بأن أسبابها هذه هى التى تقيمها وفقاً للقانون، حتى ولو كان السجل عينياً؛ وكان ما يقيد فى هذا السجل، إما أن يكون تصرفاً قانونياً أو عملاً مادياً؛ وكان كلاهما مصدراً للحقوق العينية يُكْسبها وفقاً للشروط التى نص عليها القانون؛ فإن استكمالها لشروطها هذه، يظل مناط صحتها.
وما تنص عليه المادة (١٣) من قانون السجل العينى – والتى يتعلق حكمها بالقيد الأول – من أن الحقوق التى يطلب أصحابها قيدها فى السجل إستناداً إلى وضع اليد، لا يجوز إثباتها إذا كان فى المحررات المشهرة ما يناقضها، يعتبر انفلاتاً عن كل منطق.
ذلك أن التقادم، طويلاً كان أم قصيراً – وعلى ما تقضى به المادتان (٩٦٨، ٩٦٩) من القانون المدنى على التوالى – يعتبر سبباً ناقلاً للملكية من أصحابها فإذا كان طويلاً تمحض حيازة استطال زمنها مع اقترانها بقصد استعمال الحق موضوعها. فإن كان قصيراً، فإن واقعة الحيازة يظل لها دورها، وإنما ينبغى أن يدعمها حسن نية الحائز، واقتران يده على الشئ محلها بما يكون سبباً صحيحاً وفقاً للقانون ويعتبر كذلك كل سند يصدر عن شخص ليس مالكاً للشئ والحيازة بالتالى تناقض بالضرورة حقوق ملكية قائمة مشهر سندها.
وحيث إن القول بأن قانون السجل العينى ، يعتبر – بالنصوص التى تضمنها – ملغيا أحكام القانون المدنى فى شأن الحيازة المكسبة للملكية ، مردود أولاً : بأن الأصل فى النصوص القانونية ، هو أن تتحدد مضامينها على ضوء موضوعها، وبمراعاة مقاصدها، وبما لا يُخِْرجُ عبارة تضمنها النص عن سياقها.
ولا شأن لقانون السجل العينى بمصادر الحقوق العينية الأصلية فى غير مجال إثباتها، ومن ثم يبقيها، ممحصاً على ضوئها طبيعة الحقوق التى يراد إثباتها فى السجل ونطاقها، متوخياً من رصدها وتحقيق مشروعيتها، أن يحل تدريجيا محل نظام يكون الشهر فيه شخصيا، وليس للتسجيل بمقتضاه، ماللقيد فى السجل العينى من أثر ومردود ثانياً: بأن تعلق قيد الحقوق العينية فى السجل العينى بمجال إثباتها، هو ما تنص عليه المادة الأولى من قانون إصدار قانون هذا السجل، وكذلك الفقرة الأولى من المادة (٣٧) من هذا القانون اللتان تصرحان بأن شهر المحررات مرتبط بإثباتها فى السجل وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها فى القانون، وأن مؤدى إثباتها فيه، إسباغ قوة مطلقة على بياناتها، فلا تتزعزع صحتها.
ومردود ثالثاً: بأن إلغاء النصوص القانونية – وعلى ما تقضى به المادة الثانية من القانون المدنى – إما أن يكون صريحاً أو ضمنياً. وهو لايكون ضمنياً إلا إذا أعاد المشرع تنظيم موضوعها بما يناقض النصوص التى كان قد قررها فى شأن هذا الموضوع. ويفترض ذلك أن يكون التنظيمان القديم والجديد، دائرين حول المسائل عينها، وأنهما تعامدا بالتالى على محل واحد ولا كذلك القانون المدنى وقانون السجل العينى ، ذلك أن أولهما لا يتناول الحقوق العينية إلا على صعيد أسبابها التى تنشئها أو تنقلها، بعد استكمالها لعناصرها. ولا يتصور أن يكون قانون السجل العينى – وباعتباره لاحقاً للقانون المدنى – معدلاً من روافد حقوق لا يعنى بغير إثباتها.
وحيث إن ما تنص عليه المادة (٣٨) من قانون السجل العينى – واستثناء من حكم المادة السابقة عليها – من جواز قيد الحقوق إستناداً إلى وضع اليد المكسب للملكية ، إذا رفعت الدعوى أو صدر الحكم فيها خلال خمس سنوات من انقضاء المدة المنصوص عليها فى القرار الوزارى المشار إليه فى المادة الثانية من قانون الإصدار؛ مؤداه: أن الحيازة فى ذاتها، لا تناقض بالضرورة طبيعة السجل العينى ، ولا تحول – بخصائصها ولا بآثارها – دون قيد الحقوق الناشئة عنها؛ وكان القيد وإن تناول أصلاً الحقوق التى يكون سندها تصرفاً قانونياً، إلا أن النصوص التى تضمنها قانون السجل العينى ، لا تحول دون قيد الحقوق التى تكون الوفاة – وهى واقعة مادية – مصدراً لها.
وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه، حظر تملك الحقوق العينية الأصلية من خلال قيدها بالسجل العينى إذا كان التقادم سبب كسبها؛ وكانت دستورية النصوص القانونية تفترض ارتباطها عقلاً بأهدافها بما يقيم علاقة منطقية بين الوسائل وغاياتها؛ وكانت المذكرة الإيضاحية لهذا النص، تراه دارئاً لخطرين، أولهما: ألا يفاجأ من يملكون الحقوق العينية الأصلية المقيدة فى السجل، بآخرين ينازعونهم فيها من خلال اغتصابها عن طريق الحيازة . ثانيهما: – أن من يطلبون حقوقاً عينية أصلية يدعون تملكها بالحيازة ، يطرحون موقفاً يناهض القوة المطلقة التى أثبتها السجل، فلا يجوز قيدها؛ وكان هذان الخطران متوهمين، ذلك إن الحيازة لا تتمحض غصباً فى كل صورها وأحوالها وحتى وإن كانت كذلك، فإن الأوضاع العملية التى تستمد منها، هى التى قلبها المشرع إلى حقائق قانونية يتم التعامل على أساسها، فلا تكون أوضاعها الظاهرة إلا قرين مشروعيتها كذلك فإن التأشير الهامشى ، يرد عن الحيازة المخاطر التى يُدَّعى اتصالها بها، وبمقتضاه لا تقيد الحقوق العينية الأصلية التى تنقلها الحيازة فى السجل العينى ، إلا بعد التأشير بدعواها على هامش صحيفة السجل للوحدة العقارية المتعلقة بها، وصدور حكم نهائى بصحتها يرتد أثره إلى تاريخ هذا التأشير فلايكون التغيير فى السجل بناء على التملك بالتقادم، إلا فى الحدود التى يقوم فيها الدليل عليه نقياً كاملاً.
وحيث إنه متى كان ماتقدم؛ وكان النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ؛ ويقيم فيما بين الحقوق العينية الأصلية تمييزاً من جهة أسبابها لا يستند إلى أسس موضوعية تقتضيها طبيعة القيد فى السجل العينى ؛ وكانت تنمية الدخل القومى وفقاً لنص المادة (٢٣) من الدستور، لا يكفلها من أهمل أعياناً يملكها، أو تركها مواتاً متخلياً عنها؛ وإنما يرعاها من اتصل بهذه الأعيان، وبسط يده عليها لإحيائها واستثمارها؛ فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً أحكام المواد (٢٣، ٣٢، ٣٤، ٤٠) من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (٣٧) من قانون السجل العينى الصادر بالقانون رقم ١٤٢ لسنة ١٩٦٤ بنظام السجل العينى من حظر التملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل، وبسقوط نص المادة (٣٨) من هذا القانون، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى