حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣ لسنة ١٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣ لسنة ١٨ دستورية
– – – ١ – – –
تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم دستورية نص قانونى لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها ، لا يتعمق المسائل الدستورية التى يثيرها هذا النزاع ، ولا يعتبر فصلاً فيها بقضاء قطعى ، بل يعود الأمر فى شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا ، لتزن وفقاً لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها ، تحديداً لصحتها أو فسادها . وإذا تفصل محكمة الموضوع فى جدية دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ، فإن قرارها فى هذا الصدد إما أن يكون صريحاً أو مستفاداً ضمناً من عيون الأوراق . ويعتبر قراراً ضمنياً بقبول الدفع ، إرجاء الفصل فى النزاع الموضوعى إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية ، وكذلك تعليق حكمها فيه على الفصل فى المسائل الدستورية التى إتصل بها .
– – – ٢ – – –
المصلحة الشخصية والمباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في النزاع الموضوعي المتصل بها، وكان إبطال حق أقرباء المستأجر مصاهرة حتى الدرجة الثالثة في استمرار البقاء في العين المؤجرة بعد وفاة هذا المستأجر، مؤداه زوال حق هؤلاء الأقرباء في شغلها وأن تعود إلى أصحابها خالية من حق الإجارة عليها، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة في الدعوى الدستورية التي أقامها المدعون، تتوافر بإبطال هذا الحق إنهاء لوجوده.
– – – ٣ – – –
من المقرر قانوناً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن حق الملكية – وباعتباره منصرفاً محلاً إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية – نافذ في مواجهة الكافة ليختص صاحبها دون غيره بالأموال التي يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها؛ وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها. ولا أن يجردها المشرع من لوازمها، أو يفصل عنها بعض الأجزاء التي تكونها، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ولا أن يتذرع بتنظيمها إلى حد هدم الشيء محلها. ذلك أن إسقاط الملكية عن أصحابها – سواء بطريق مباشر أو غير مباشر – عدوان عليها يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون.
– – – ٤ – – –
السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق ، لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها ، إلا أن الحدود التى يبلغها هذا التنظيم ، لا يجوز أن ينفلت مداها إلى ما يعد أخذاً للملكية من أصحابها A taking of property . سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها ، أو عن طريق إقتحامها مادياً . بل أن إقتلاع المزايا التى تنتجها ، أو تهميشها ، مؤداه سيطرة آخرين فعلاً عليها ، physical appropriation ، أو تعطيل بعض جوانبها .
– – – ٥ – – –
إن المشرع وإن قرر في مجال تنظيم العلائق الإيجارية، من النصوص القانونية ما إرتآه كافلاً للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون صورياً أو منتحلاً. وكلما كان هذا التنظيم متحيفاً بأن مال بالميزان في اتجاه أحد أطرافها تعظيماً للحقوق التي يدعيها أو يطلبها، كان ذلك انحرافاً عن إطارها الحق، أو نكولاً عن ضوابط ممارستها، فلا يستقيم بنيانها. ويقع ذلك بوجه خاص إذا كان تنظيم المشرع للحق في استعمال الشيء – وهو أحد عناصر حق الملكية – مدخلاً لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها.
– – – ٦ – – –
لا يجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة، على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني في مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الإنتهاز، وكان قرين الإستغلال، إذ ليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس – وهو المستأجر – غابناً، ولا أن يكون تدخل المشرع شططاً قلباً لموازين الحق والعدل، فلا تتوافق – في إطار العلائق الإيجارية – مصالح طرفيها اقتصادياً، بل يختل التضامن بينهما اجتماعياً، ليكون صراعهما بديلاً عن التعاون بينهما.
كذلك لا يجوز أن يتحول حق المستأجر في استعمال العين – وهو حق مصدره العقد دائماً حتى مع قيام التنظيم الخاص للعلائق الإيجارية وتحديد أبعادها بقوانين استثنائية – إلى نوع من السلطة الفعلية يسلطها المستأجر مباشرة على الشيء المؤجر، مستخلصاً منه فوائده دون تدخل من المؤجر، إذ لو جاز ذلك، لخرج هذا الحق من إطار الحقوق الشخصية، وصار مشبهاً بالحقوق العينية، ملتئماً مع ملامحها وهو ما يناقض خصائص الإجارة بإعتبار أن طرفيها – وطوال مدتها – على اتصال دائم مما اقتضى ضبطها تحديداً لحقوقهما وواجباتهما، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً وإضراراً بحقوق مؤجرها، متدثرين في ذلك بعباءة القانون. ولأنها – فوق هذا – لا تقع على ملكية الشيء المؤجر، بل تنصب على منفعة يدرها، مقصودة في ذاتها، ومعلومة من خلال تعيينها، ولا ترتب للمستأجر بالتالي غير مجرد الحقوق الشخصية يباشرها قبل المدين.
– – – ٧ – – –
إن الحق في الإجارة لصيق أصلاً بشخص المستأجر، وكان ينبغي أن يعتبر هذا الحق منقضياً بوفاته، وأن يتوافر بها حق مؤجر العين في طلب إخلائها بعد انقطاع صلة هذا المستأجر بها، إلا أن المشرع آثر – بالنص المطعون عليه – أن ينقل منفعتها إلى ذوى قرباه مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، مستبدلاً هؤلاء بمستأجرها، لا بناء على تعاقد تم بينهما مثلما هو الأمر في شأن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإجارة، بل بقوة القانون.
ولا يعدو ذلك، أن يكون عدواناً على حق الملكية إخلالاً بأحد عناصرها، وافتئاتاً كذلك على ما هو مفترض من أن الأصل في النصوص القانونية التي اقتضتها الضرورة، أن يكون إعمالها بقدر توافر موجباتها التي يعكسها – في نطاق النزاع الراهن – تصاعد أزمة الإسكان وغلوائها مما اقتضى تدخل المشرع بقيود استثنائية للحد منها، ومن ثم تكون هذه الضرورة مناطاً لسريان هذه القيود بإعتبارها علة تقريرها، فلا تدور إلا معها.
وينبغي أن تظهر هذه الضرورة – في مجال تطبيقها على المساكن – في صورتها الضاغطة التي تسوغ تحميل المؤجر بتدابير من طبيعة استثنائية، فلا يجوز أن ينتحلها المشرع أو يتوهمها ليمد مجال عملها إلى فروض لا تسعها، ولا يمكن التسليم بها إلا بإفتراض أن مصالح مستأجر العين – وأصهاره من بعده – تعلو دوماً – ووفقاً للدستور – حقوق مؤجرها وترجحها، فلا يتوازيا حال أن الأصل في عقود القانون الخاص، ابتناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها، إلا بقدر الضرورة التي يتعين أن تخلى مكانها – عند فواتها – لحرية التعاقد، وهى الأصل في العقود جميعها. ولا يجوز بالتالي النظر إلى القوانين الإستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية بوصفها حلاً نهائياً ودائماً لمشكلاتها، فلا يتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع عليها، إنما تنال بصورة خطيرة من حق الملكية، ويكاد عصفها بمحتواها، أن يعطل تماماً أحد عناصرها ممثلاً في استعمال الشيء محلها.
– – – ٨ – – –
إن الحق في الإجارة لصيق أصلاً بشخص المستأجر، وكان ينبغي أن يعتبر هذا الحق منقضياً بوفاته، وأن يتوافر بها حق مؤجر العين في طلب إخلائها بعد انقطاع صلة هذا المستأجر بها، إلا أن المشرع آثر – بالنص المطعون عليه – أن ينقل منفعتها إلى ذوى قرباه مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، مستبدلاً هؤلاء بمستأجرها، لا بناء على تعاقد تم بينهما مثلما هو الأمر في شأن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإجارة، بل بقوة القانون.
ولا يعدو ذلك، أن يكون عدواناً على حق الملكية إخلالاً بأحد عناصرها، وافتئاتاً كذلك على ما هو مفترض من أن الأصل في النصوص القانونية التي اقتضتها الضرورة، أن يكون إعمالها بقدر توافر موجباتها التي يعكسها – في نطاق النزاع الراهن – تصاعد أزمة الإسكان وغلوائها مما اقتضى تدخل المشرع بقيود استثنائية للحد منها، ومن ثم تكون هذه الضرورة مناطاً لسريان هذه القيود باعتبارها علة تقريرها، فلا تدور إلا معها.
وينبغي أن تظهر هذه الضرورة – في مجال تطبيقها على المساكن – في صورتها الضاغطة التي تسوغ تحميل المؤجر بتدابير من طبيعة استثنائية، فلا يجوز أن ينتحلها المشرع أو يتوهمها ليمد مجال عملها إلى فروض لا تسعها، ولا يمكن التسليم بها إلا بافتراض أن مصالح مستأجر العين – وأصهاره من بعده – تعلو دوماً – ووفقاً للدستور – حقوق مؤجرها وترجحها، فلا يتوازيا حال أن الأصل في عقود القانون الخاص، ابتناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها، إلا بقدر الضرورة التي يتعين أن تخلى مكانها – عند فواتها – لحرية التعاقد، وهى الأصل في العقود جميعها. ولا يجوز بالتالي النظر إلى القوانين الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية بوصفها حلاً نهائياً ودائماً لمشكلاتها، فلا يتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع عليها، إنما تنال بصورة خطيرة من حق الملكية، ويكاد عصفها بمحتواها، أن يعطل تماماً أحد عناصرها ممثلاً في استعمال الشيء محلها.
– – – ٩ – – –
إن الحق في الإجارة لصيق أصلاً بشخص المستأجر، وكان ينبغي أن يعتبر هذا الحق منقضياً بوفاته، وأن يتوافر بها حق مؤجر العين في طلب إخلائها بعد انقطاع صلة هذا المستأجر بها، إلا أن المشرع آثر – بالنص المطعون عليه – أن ينقل منفعتها إلى ذوى قرباه مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، مستبدلاً هؤلاء بمستأجرها، لا بناء على تعاقد تم بينهما مثلما هو الأمر في شأن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإجارة، بل بقوة القانون.
ولا يعدو ذلك، أن يكون عدواناً على حق الملكية إخلالاً بأحد عناصرها، وافتئاتاً كذلك على ما هو مفترض من أن الأصل في النصوص القانونية التي اقتضتها الضرورة، أن يكون إعمالها بقدر توافر موجباتها التي يعكسها – في نطاق النزاع الراهن – تصاعد أزمة الإسكان وغلوائها مما اقتضى تدخل المشرع بقيود استثنائية للحد منها، ومن ثم تكون هذه الضرورة مناطاً لسريان هذه القيود باعتبارها علة تقريرها، فلا تدور إلا معها.
وينبغي أن تظهر هذه الضرورة – في مجال تطبيقها على المساكن – في صورتها الضاغطة التي تسوغ تحميل المؤجر بتدابير من طبيعة استثنائية، فلا يجوز أن ينتحلها المشرع أو يتوهمها ليمد مجال عملها إلى فروض لا تسعها، ولا يمكن التسليم بها إلا بافتراض أن مصالح مستأجر العين – وأصهاره من بعده – تعلو دوماً – ووفقاً للدستور – حقوق مؤجرها وترجحها، فلا يتوازيا حال أن الأصل في عقود القانون الخاص، ابتناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها، إلا بقدر الضرورة التي يتعين أن تخلى مكانها – عند فواتها – لحرية التعاقد، وهى الأصل في العقود جميعها. ولا يجوز بالتالي النظر إلى القوانين الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية بوصفها حلاً نهائياً ودائماً لمشكلاتها، فلا يتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع عليها، إنما تنال بصورة خطيرة من حق الملكية، ويكاد عصفها بمحتواها، أن يعطل تماماً أحد عناصرها ممثلاً في استعمال الشيء محلها.
– – – ١٠ – – –
الأقرباء بالمصاهرة – في مجال تطبيق النص المطعون فيه – يتربصون عادة بالمؤجر ختالاً، متخذين من إقامتهم في العين المؤجرة للمدة التي حددها المشرع، موطئاً لإستلابها، بعد توقعهم دنو أجل مستأجرها – لمرض أو لغيره – فإذا شغلها أحد هؤلاء الأقرباء بعد وفاة مستأجرها، انتقل حق الإنتفاع بها – إذا توفى بدوره – إلى من شاركوه من أصهاره سكناها كلما توافرت في شأنهم الشروط التي حددها المشرع. ومن هؤلاء إلى آخرين بالشروط عينها فلا ينتزعها منهم أحد، بل تتصل أيديهم بها تعاقباً عليها، لا ينفكون عنها أو يبرحونها. ومن ثم يكون الإصطناع طريقهم للتسلط عليها، والإنفراد بها من دون مؤجرها، فلا يفارقونها أبداً، ولو بعد العهد على العقد الأول، ما ظل زمامها بيد من يتداولونها، لا يتحولون عنها.
وليس ذلك إلا تعظيماً لحقوقهم يكاد أن ينقلب المكان المؤجر بها إرثاً يختصون بثماره دون وساطة من أحد، وهو ما يعدل انتزاع منافع الأعيان من ملاكها على وجه التأبيد.
ومن غير المتصور أن يكون مؤجر العين – وهو يملكها في الأعم من الأحوال قد عطل – مختاراً ونهائياً – حق استعمالها واستغلالها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، ولا أن يكون طرفا الإجارة قد تلاقت أرادتاهما – إبتداء – على أن يقحما عليها أشخاص غرباء عنها، دخلاء عليها.
– – – ١١ – – –
النص المطعون فيه، ينحدر كذلك بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، مرجحاً عليها مصالح لا تدانيها، ولا تقوم إلى جانبها أو تتكافأ معها. ومآل حمايتها حرمان مؤجر العين منها حرماناً مؤبداً، ترتيباً على إنتقال منفعتها إلى الغير إنتقالاً متتابعاً متصلاً ممتداً فى أغوار الزمن، وهو بعد إنتقال لا يعتد بإرادة المؤجر فى معدنها الحقيقى. بل يقوم فى صوره الأكثر شيوعاً على التحايل على القانون، والتدليس على المؤجر، وهو ما يعد إلتواء بالإجارة عن حقيقة مقاصدها، وإهداراً لتوازن لا يجوز أن يختل بين أطرافها.
– – – ١٢ – – –
النص المطعون فيه (المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧)، أنشأ حقوقاً مبتدأة – بعيدة في مداها – منحها لفئة بذاتها من أقرباء المستأجر الأصلي، اختصها دون مسوغ، واصطفاها في غير ضرورة، بتلك المعاملة التفضيلية التي تقدم المنفعة المجلوبة على مخاطر المفاسد ودرء عواقبها، وتلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها لازماً دفعاً لأفدحها.
– – – ١٣ – – –
كان ينبغي – من ثم – أن يترسم النص المطعون فيه تلك الضوابط التي تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية بما يكون كافلاً لمصالح أطرافها، غير مؤد إلى تنافرها، ليقيمها على قاعدة التضامن الإجتماعي التي أرستها المادة ٧ من الدستور. وهى بعد قاعدة مؤداها وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها ببعض ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفرقون بدداً، أو يتناحرون طمعاً، أو يتنابذون بغياً. وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها. وليس لفريق منهم أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها – عدواناً – أكثر علواً، ولا أن ينتحل منها ما يخل بالأمن الإجتماعي.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – وعلى ماجاء بصحيفة الدعوى الدستورية – تتحصل فيما قرره المدعون من أن مورثتهم المرحومة ………… كانت قد أجرت في ٢٢ / ٩ / ١٩٦١ – ولمدة عام – الشقة رقم ……. بالعقار رقم ……… شارع الدكتور عبد العزيز إسماعيل بميدان تريومف بمصر الجديدة – بقصد استعمالها سكنا . وبانتهاء المدة المتفق عليها للإجارة، تركها مستأجرها …………..، فقامت بتأجيرها لأخيه …………. الذي استقل بها مع زوجته وأولاده . وبعد انتقال أولاده جميعهم إلى مساكنهم الخاصة، ظل هذا المستأجر وزوجته يقيمان وحدهما بها إلى أن توفى، لتنفرد هي بشغلها مع تردد أختها ……………… عليها لزيارتها في هذا المسكن بصفة غير منتظمة . وبتاريخ ١٥ / ٩ / ١٩٨٩ توفيت زوجة المستأجرالثانى، وبعد أن طلب نجلها مهلة لإخلاء عين النزاع، فوجئ المدعون بإنذار عرض أجرة من مستأجرها الأول الذي كان عقده في شأنها قد صار منتهيا، فرفض المدعون عرضه، ثم أقاموا ضده الدعوى رقم ١٧٥١٦ لسنة ١٩٩٠ إيجارات شمال القاهرة بطلب الحكم بإخلاء العين من شاغليها وتسليمها . وأثناء تداولها بالجلسات . توفى المدعى عليه ………..، فعجل المدعون السير في الدعوى بعد انقطاعها، مختصمين فيها زوجته ………………. التي أقامت بدورها – ضد المدعين – الدعوى رقم ٤٨٤٤ لسنة ١٩٩٢ إيجارات كلى شمال القاهرة، بطلب الحكم بثبوت علاقتها الإيجارية معهم . وقد ضمت محكمة شمال القاهرة الابتدائية هذه الدعوى إلى الدعوى رقم ١٧٥١٦ لسنة ١٩٩٠ ليصدر فيهما حكم واحد، ثم قضت في الدعوى الأصلية برفضها ؛ وفى الدعوى الفرعية بثبوت العلاقة الإيجارية بينها والمدعى عليهم . فطعن المدعون في هذا الحكم باستئنافهم رقم ١٠٦٩ لسنة ١١١ ق، ثم دفعوا – أثناء نظره – بعدم دستورية نص المادة ٩٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . فقررت المحكمة – بتاريخ ٩ / ١٢ / ١٩٩٥ – تأجيل نظر استئنافهم لجلسة ١٤ / ١ / ١٩٩٦ لتقديم مايفيد الطعن بعدم الدستورية . ثم قضت بحكمها الصادر في ١٦ / ٤ / ١٩٩٦ بقبول استئنافهم شكلا، وفى الموضوع بتعليق نظره لحين الفصل في الدعوى الدستورية رقم ٤ لسنة ٥١ قضائية، مع إبقاء الفصل في المصروفات . وحيث إن المدعين، وإن دفعوا أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧المشار إليه، إلا أنهم حصروا نعيهم أمام المحكمة الدستورية العليا في أجزائها التي تتعلق بانتقال الإجارة إلى أقرباء المستأجر مصاهرة حتى الدرجة الثالثة إذا كانوا قد أقاموا بها – وإلى ماقبل وفاته – المدة التي عينها المشرع . ومن ثم يتحدد نطاق الطعن في هذه الأجزاء، فلايجاوزها إلى أقرباء المستأجر نسبا . وحيث إن المادة ٢٩ من هذا القانون – وفى مجال تطبيقها بالنسبة لأقرباء المستأجر مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، وعلى ضوء الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا بتاريخى ١٨ / ٣ / ١٩٩٥ و٦ / ٧ / ١٩٩٦ في الدعوىين رقمى ٦ لسنة ٩ قضائية، و ٤ لسنة ١٥ قضائية على التوالى – أصبحت تنص على مايأتى : مع عدم الإخلال بحكم المادة ٨ من هذا القانون، لاينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين، إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتي الوفاة أو الترك ٠ وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، يشترط لاستمرار عقد الإيجار إقامتهم في المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر، أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل. فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أوصناعى أو مهنى أو حرفى فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر، ويستمر لصالح ورثته. وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق في الاستمرار في شغل العين ٠ ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقدز وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الماثلة بعدم قبولها من وجهين، أولهما : أن المدعين وإن كانوا قد دفعوا أمام المحكمة الاستئنافية بعدم دستورية نص المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، إلا أن هذا المحكمة لم تصرح لهم برفع الدعوى الدستورية، ذلك أن طلبها منهم تقديم الدليل على إقامتها، لايدل على صدور هذا التصريح، ولايفيد معناه . ثانيهما : أن الفصل في الدعوى الدستورية لن يكون له من أثر على طلباتهم في الدعوى الموضوعية، تأسيسا على أن المستأجر الأصلى …………..، قد توفى في ١٠ / ٥ / ١٩٧٤، و زالت قرابة المصاهرة التي كان يرتبط بها مع أخت زوجته منذ الوفاة، فلاتمتد إليها الإجارة امتدادا قانونيا . وحيث إن هذا الدفع مردود في وجهه الأول، بأن تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم دستورية نص قانونى لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، لايتعمق المسائل الدستورية التي يثيرها هذا النزاع، ولايعتبر فصلا فيها بقضاء قطعى، بل يعود الأمر في شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا، لتزن وفقا لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها، تحديدا لصحتها أو فسادها . وإذ تفصل محكمة الموضوع في جدية دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإن قرارها في هذا الصدد إما أن يكون صريحا أو مستفادا ضمنا من عيون الأوراق . ويعتبر قرارا ضمنيا بقبول الدفع، إرجاء الفصل في النزاع الموضوعى إلى أن تقدم المدعية مايدل على رفع دعواها الدستورية، وكذلك تعليق حكمها فيه على الفصل في المسائل الدستورية التي اتصل بها . ومردود في وجهه الثانى : بأن المصلحة الشخصية والمباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في النزاع الموضوعى المتصل بها، وكان إبطال حق أقرباء المستأجر مصاهرة حتى الدرجة الثالثة في استمرار البقاء في العين المؤجرة بعد وفاة هذا المستأجر، مؤداه زوال حق هؤلاء الأقرباء في شغلها وأن تعود إلى أصحابها خالية من حق الإجارة عليها، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة في الدعوى الدستورية التي أقامها المدعون، تتوافر بإبطال هذا الحق إنهاء لوجوده . وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه – محددا نطاقا علي النحو المتقدم – مخالفته أحكام المواد ٢و٧و٣٢و٣٤ من الدستور، تأسيسا على عدة أوجه : أولها : أن وفاة أحد الزوجين، ينقلب بها المتوفى أجنبيا عن أقرباء الزوج الموجود على قيد الحياة، ذلك أن قرابة المصاهرة تزول بالوفاة أو الطلاق، بحسبانها قرابة اعتبارية موقوته بقيام سبب إنشائها، والنص المطعون فيه يعنى توريث الأقرباء بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة المسكن بدون وجه حق. ثانيها : أن أحكام الشريعة الإسلامية تجعل الحق في الأموال مطلقا جامعا مانعا، فلايزاحم آخرون أصحابها في شئ منها، إلا لمصلحة أولى بالاعتبار، ودون ما إضرار بهم أو بورثتهم، والأصل في عقد الإيجار وفقا لمبادئها ألا يشتمل على شرط يحل حراما أو يحرم حلالا، وأن يكون خاليا من الضرر والجهالة والخداع، وأن تتوافق الإرادتان علي أحكامه، وعلى الأخص مايتصل منها بمدة العقد، فلاتورث الإجارة بعد انتهاء المدة المتفق عليها، ولاتمتد بقوة القانون لتعلقها بالمنافع التي لايكون قدرها معلوما إلا إذا اتفق الطرفان على مدة الإجارة . وثالثها : أن النص المطعون فيه رجح مصلحة أقرباء المستأجر بالمصاهرة حتى الدرجة الثالثة في شغل العين المؤجرة، على حق مالكها في استردادها بوفاة المستأجر الأصلى، وهو مايمثل تغليبا لمصلحة مجلوبة على مضرة يجب دفعها، وإعلاء لشأن أقرباء المستأجر المتوفى حتى الدرجة الثالثة تهوينا من حقوق المؤجر وورثته، وإقحاما لغرباء علي العلاقة الإيجارية. وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه، أنه فيما خلا الزوجة التي تستمر إجارة زوجها لصالحها – بعد وفاته – أيا كانت مدة إقامتها في العين التي استأجرها للسكنى، فإن غيرها من أقربائه مصاهرة لا يبقون فيها بعد وفاته ما لم تكن قرابتهم لهذا المستأجر حتى الدرجة الثالثة، وكانت إقامتهم فيها مستقرة معتادة لا يتخللها انقطاع غير عارض ينفى نية الاستيطان بها، ويؤكد صفتها الوقتية . وليس لازما – وفقا لهذا النص – أن يكون هؤلاء الأقرباء ممن يعولهم المستأجر أو يرعاهم، ولا أن تبدأ إقامتهم في العين المؤجرة مع بدء الإجارة التي أبرمها . بل يفيد هؤلاء جميعا من حكم النص المطعون فيه، سواء أكان المستأجر المتوفى هو من عقد الإجارة ابتداء مع المؤجر، أم كان من توفى هو من امتد هذا العقد قانونا لمصلحته بعد وفاة المستأجر الأصلى، وبشرط أن تكون إقامتهم مع المستأجر مستقرة في هذا المسكن قبل الوفاة، وللمدة التي عينها المشرع . وحيث إن من المقرر قانوناً – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن حق الملكية – وباعتباره منصرفاً محلاً إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية – نافذ في مواجهة الكافة ليختص صاحبها دون غيره بالأموال التي يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها ؛ وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها . ولا أن يجردها المشرع من لوازمها، أو يفصل عنها بعض الأجزاء التي تكونها، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ولا أن يتذرع بتنظيمها إلى حد هدم الشىء محلها . ذلك أن إسقاط الملكية عن أصحابها – سواء بطريق مباشر أو غير مباشر – عدوان عليها يناقض ماهو مقرر قانونا من أن الملكية لاتزول عن الأموال محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون. وحيث إن السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى حمايتها . إلا أن الحدود التي يبلغها هذا التنظيم لايجوز بحال أن ينفلت مداها إلى مايعد أخذاً للملكية من أصحابها A taking of property. سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديا . بل أن اقتلاع المزايا التي تنتجها، أو تهميشها مؤداه سيطرة آخرين فعلا عليها، Physical appropriation، أو تعطيل بعض جوانبها . وحيث إن المشرع وإن قرر في مجال تنظيم العلائق الإيجارية، من النصوص القانونية ماارتآه كافلا للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لايجوز أن يكون صوريا أومنتحلا . وكلما كان هذا التنظيم متحيفا بأن مال بالميزان في اتجاه أحد أطرافها تعظيما للحقوق التي يدعيها أو يطلبها، كان ذلك انحرافا عن إطارها الحق، أو نكولا عن ضوابط ممارستها، فلايستقيم بنيانها . ويقع ذلك بوجه خاص إذا كان تنظيم المشرع للحق في استعمال الشئ – وهو أحد عناصر حق الملكية – مدخلا لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها . وحيث إنه فضلا عما تقدم، لايجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة، علي حقوق لايسوغها مركزه القانونى في مواجهة المؤجر، وإلاحض تقريرها على الانتهاز، وكان قرين الاستغلال، إذ ليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس – وهو المستأجر – غابنا، ولا أن يكون تدخل المشرع شططا قلبا لموازين الحق والعدل، فلاتتوافق – في إطار العلائق الإيجارية – مصالح طرفيها اقتصاديا، بل يختل التضامن بينهما اجتماعيا، ليكون صراعهما بديلا عن التعاون بينهما . كذلك لا يجوز أن يتحول حق المستأجر في استعمال العين – وهو حق مصدره العقد دائما حتي مع قيام التنظيم الخاص للعلائق الإيجارية وتحديد أبعادها بقوانين استثنائية – إلى نوع من السلطة الفعلية يسلطها المستأجر مباشرة على الشئ المؤجر، مستخلصا منه فوائده دون تدخل من المؤجر، إذ لو جاز ذلك، لخرج هذا الحق من إطار الحقوق الشخصية، وصار مشبها بالحقوق العينية، ملتئما مع ملامحها .وهو مايناقض خصائص الإجارة باعتبارأن طرفيها – وطوال مدتها – على اتصال دائم مما اقتضى ضبطها تحديداً لحقوقهما وواجباتهما، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازا وإضرارا بحقوق مؤجرها، متدثرين في ذلك بعباءة القانون . ولأنها – فوق هذا – لا تقع على ملكية الشىء المؤجر، بل تنصب على منفعة يدرها، مقصودة في ذاتها، ومعلومة من خلال تعيينها، ولا ترتب للمستأجر بالتالى غير مجرد الحقوق الشخصية يباشرها قبل المدين . وحيث إن الحق في الإجارة لصيق أصلا بشخص المستأجر، وكان ينبغى أن يعتبر هذا الحق منقضيا بوفاته، وأن يتوافر بها حق مؤجر العين في طلب إخلائها بعد انقطاع صلة هذا المستأجر بها، إلا أن المشرع آثر – بالنص المطعون عليه – أن ينقل منفعتها إلى ذوى قرباه مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، مستبدلا هؤلاء بمستأجرها، لا بناء على تعاقد تم بينهما مثلما هو الأمر في شأن التأجير من الباطن أو التنازل عن الإجارة، بل بقوة القانون . ولايعدو ذلك، أن يكون عدوانا على حق الملكية إخلالا بأحد عناصرها، وافتئاتا كذلك على ماهو مفترض من أن الأصل في النصوص القانونية التي اقتضتها الضرورة، أن يكون إعمالها بقدر توافر موجباتها التي يعكسها – في نطاق النزاع الراهن – تصاعد أزمة الإسكان وغلوائها مما اقتضى تدخل المشرع بقيود استثنائية للحد منها، ومن ثم تكون هذه الضرورة مناطا لسريان هذه القيود باعتبارها علة تقريرها، فلاتدور إلامعها . وينبغى أن تظهر هذه الضرورة – في مجال تطبيقها على المساكن – في صورتها الضاغطة التي تسوغ تحميل المؤجر بتدابير من طبيعة استثنائية، فلا يجوز أن ينتحلها المشرع أو يتوهمها ليمد مجال عملها إلى فروض لاتسعها، ولايمكن التسليم بها إلا بافتراض أن مصالح مستأجر العين – وأصهاره من بعده – تعلو دوما – ووفقا للدستور – حقوق مؤجرها وترجحها، فلايتوازيا حال أن الأصل في عقود القانون الخاص، ابتناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها، فلايميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها، إلا بقدر الضرورة التي يتعين أن تخلى مكانها – عند فواتها – لحرية التعاقد، وهى الأصل في العقود جميعها . ولايجوز بالتالى النظر إلى القوانين الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية بوصفها حلا نهائيا ودائما لمشكلاتها، فلايتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع عليها، إنما تنال بصورة خطيرة من حق الملكية، ويكاد عصفها بمحتواها، أن يعطل تماما أحد عناصرها ممثلا في استعمال الشئ محلها . وحيث إن الأقرباء بالمصاهرة – في مجال تطبيق النص المطعون فيه – يتربصون عادة بالمؤجر ختالا، متخذين من إقامتهم في العين المؤجرة للمدة التي حددها المشرع، موطئا لاستلابها، بعد توقعهم دنو أجل مستأجرها – لمرض أو لغيره – فإذا شغلها أحد هؤلاء الأقرباء بعد وفاة مستأجرها، انتقل حق الانتفاع بها – إذا توفى بدوره – إلى من شاركوه من أصهاره سكناها كلما توافرت في شأنهم الشروط التي حددها المشرع . ومن هؤلاء إلى آخرين بالشروط عينها فلاينتزعها منهم أحد، بل تتصل أيديهم بها تعاقبا عليها، لاينفكون عنها أو يبرحونها . ومن ثم يكون الاصطناع طريقهم للتسلط عليها، والانفراد بها من دون مؤجرها، فلا يفارقونها أبدا، ولو بعد العهد على العقد الأول، ما ظل زمامها بيد من يتداولونها، لايتحولون عنها . وليس ذلك إلا تعظيما لحقوقهم يكاد أن ينقلب المكان المؤجر بها إرثا يختصون بثماره دون وساطة من أحد، وهوما يعدل انتزاع منافع الأعيان من ملاكها على وجه التأبيد . ومن غير المتصور أن يكون مؤجر العين – وهو يملكها في الأعم من الأحوال قد عطل – مختاراً ونهائيا – حق استعمالها واستغلالها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، ولا أن يكون طرفا الإجارة قد تلاقت إرادتيهما – ابتداء – علي أن يقحما عليها أشخاص غرباء عنها، دخلاء عليها . وحيث إن النص المطعون فيه، ينحدر كذلك بحقوق المؤجر إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، مرجحا عليها مصالح لاتدانيها، ولاتقوم إلى جانبها أو تتكافأ معها . ومآل حمايتها حرمان مؤجر العين منها حرماناً مؤبداً، ترتيبا على انتقال منفعتها إلى الغير انتقالا متتابعا متصلا ممتدا في أغوار الزمن، وهو بعد انتقال لايعتد بإرادة المؤجر في معدنها الحقيقى ٠ بل يقوم في صوره الأكثر شيوعا على التحايل على القانون، والتدليس على المؤجر، وهو ما يعد التواء بالإجارة عن حقيقة مقاصدها، وإهداراً لتوازن لايجوز أن يختل بين أطرافها . وحيث إن ما تقدم مؤداه أن النص المطعون فيه، أنشا حقوقاً مبتدأة – بعيدة في مداها – منحها لفئة بذاتها من أقرباء المستأجر الأصلى، اختصها دون مسوغ، واصطفاها في غير ضرورة، بتلك المعاملة التفضيلية التي تقدم المنفعة المجلوبة علي مخاطر المفاسد ودرء عواقبها، وتلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها لازماً دفعا لأفدحها. وكان ينبغى – من ثم – أن يترسم النص المطعون فيه تلك الضوابط التي تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية بما يكون كافلا لمصالح أطرافها، غير مؤد إلى تنافرها، ليُقيمها على قاعدة التضامن الاجتماعى التي أرستها المادة ٧ من الدستور. وهى بعد قاعدة مؤداها وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لاتصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها ببعض ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلايتفرقون بددا، أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغيا. وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لايملكون التنصل منها أو التخلى عنها. وليس لفريق منهم أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها – عدوانا – أكثر علوا، ولا أن ينتحل منها مايخل بالأمن الاجتماعى. وحيث إن النص المطعون فيه قد نقض بما تقدم، الأحكام المنصوص عليها في المواد ٧ و٣٢ و٣٤ و ٤٠من الدستور. وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة ٢٩ المشار إليها، تلزم المؤجر – وفى كل الأحوال – بتحرير عقد إيجار لمن لهم الحق في شغل العين، وكان حكمها هذا مرتبطا بالأجزاء المطعون عليها من فقرتها الأولى، ارتباطا لايقبل التجزئة، فإنها تسقط في هذا النطاق، إذ لايتصور تطبيقها، وقد غدا النص الذي تستند إليه لإعمالها، منعدما .