حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣ لسنة ١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣ لسنة ١ دستورية
– – – ١ – – –
إن نظرية أعمال السيادة، و إن كانت فى أصلها الفرنسى قضائية النشأة ولدت فى ساحة القضاء الإدارى الفرنسى، و تبلورت فى رحابه، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرجع إلى بداية نظامنا القضائى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب تشريعاته المتعاقبة المنظمة للمحاكم و مجلس الدولة. و آخرها ما ورد فى قانونى السلطة القضائية و مجلس الدولة اللذين إستبعدا أعمال السيادة من ولاية القضاء العادى و القضاء الإدارى على السواء تحقيقاً للإعتبارات التى تقتضى – نظراً لطبيعة هذه الأعمال – النأى بها عن الرقابة القضائية و ذلك لدواعى الحفاظ على كيان الدولة، و إستجابة لمقتضيات أمنها فى الداخل و الخارج و رعاية لمصالحها الأساسية. و قد وجدت هذه الإعتبارات صدى لدى القضاء الدستورى فى الدول التى أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين فإستبعدت المسائل السياسية من نطاق هذه الرقابة، و هى صورة من أعمال السيادة التى لا تنبسط عليها رقابة القضاء فى النظام المصرى.
– – – ٢ – – –
إن نظرية أعمال السيادة، و إن كانت فى أصلها الفرنسى قضائية النشأة ولدت فى ساحة القضاء الإدارى الفرنسى، و تبلورت فى رحابه، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرجع إلى بداية نظامنا القضائى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب تشريعاته المتعاقبة المنظمة للمحاكم و مجلس الدولة. و آخرها ما ورد فى قانونى السلطة القضائية و مجلس الدولة اللذين إستبعدا أعمال السيادة من ولاية القضاء العادى و القضاء الإدارى على السواء تحقيقاً للإعتبارات التى تقتضى – نظراً لطبيعة هذه الأعمال – النأى بها عن الرقابة القضائية و ذلك لدواعى الحفاظ على كيان الدولة، و إستجابة لمقتضيات أمنها فى الداخل و الخارج و رعاية لمصالحها الأساسية. و قد وجدت هذه الإعتبارات صدى لدى القضاء الدستورى فى الدول التى أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين فإستبعدت المسائل السياسية من نطاق هذه الرقابة، و هى صورة من أعمال السيادة التى لا تنبسط عليها رقابة القضاء فى النظام المصرى
– – – ٣ – – –
إن أعمال السيادة التى تخرج عن مجال الرقابة القضائية، و إن كانت لا تقبل الحصر و التحديد و كان المرد فى تحديدها إلى القضاء ليقرر ما يعتبر من أعمال السيادة و ما لا يعتبر منها بحسب ظروف كل حالة على حدة، إلا أن هذه الأعمال يجمعها إطار عام هى أنها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة عليا و سيادة داخلية و خارجية مستهدفة تحقيق المصالح العليا للجماعة، و السهر على إحترام دستورها و الإشراف على علاقتها مع الدول الأخرى، و تأمين سلامتها و أمنها فى الداخل و الخارج. لما كان ذلك، و كان القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه قد صدر فى شأن يتعلق بالأراضى الزراعية التى تم الإستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ و القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ متضمناً عدم أحقية ملاكها فى التعويض عن هذه الأراضى، فتعرض بذلك للملكية الخاصة، و هى من الحقوق التى عنى الدستور بالنص على صونها، و تحديد الحالات التى يجوز فيها نزعها جبراً عن مالكها، و وضع القيود و الضوابط لحمايتها، و التى ينبغى على سلطة التشريع أن تلتزمها و إلا جاء عملها مخالفاً للدستور. و من ثم لا يكون ذلك القرار بقانون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية.
– – – ٤ – – –
إن أعمال السيادة التى تخرج عن مجال الرقابة القضائية، و إن كانت لا تقبل الحصر و التحديد و كان المرد فى تحديدها إلى القضاء ليقرر ما يعتبر من أعمال السيادة و ما لا يعتبر منها بحسب ظروف كل حالة على حدة، إلا أن هذه الأعمال يجمعها إطار عام هى أنها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة عليا و سيادة داخلية و خارجية مستهدفة تحقيق المصالح العليا للجماعة، و السهر على إحترام دستورها و الإشراف على علاقتها مع الدول الأخرى، و تأمين سلامتها و أمنها فى الداخل و الخارج. لما كان ذلك، و كان القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه قد صدر فى شأن يتعلق بالأراضى الزراعية التى تم الإستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ و القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ متضمناً عدم أحقية ملاكها فى التعويض عن هذه الأراضى، فتعرض بذلك للملكية الخاصة، و هى من الحقوق التى عنى الدستور بالنص على صونها، و تحديد الحالات التى يجوز فيها نزعها جبراً عن مالكها، و وضع القيود و الضوابط لحمايتها، و التى ينبغى على سلطة التشريع أن تلتزمها و إلا جاء عملها مخالفاً للدستور. و من ثم لا يكون ذلك القرار بقانون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية
– – – ٥ – – –
إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة ١٩٢٣ على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة و حرمتها بإعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى، و حافزه على الإنطلاق و التقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها و الحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الإجتماعية فى خدمة الإقتصاد القومى. و من أجل ذلك، حظرت تلك الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها إلا للمنفعة العامة و مقابل تعويض وفقاً للقانون [المادة ٩ من كل من دستور سنة ١٩٢٣ و دستور سنة ١٩٣٠ و المادة ١١ من دستور سنة ١٩٥٦ و المادة ٥ من دستور سنة ١٩٥٨ و المادة ١٦ من دستور سنة ١٩٦٤ و المادة ٣٤ من دستور سنة ١٩٧١] كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لإعتبارات الصالح العام و بقانون و مقابل تعويض”المادة ٣٥”. بل إنه إمعاناً فى حماية الملكية الخاصة و صونها من الإعتداء عليها بغير حق حظر هذا الدستور المصادرة العامة حظراً مطلقاً، كما لم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى “المادة ٣٦”.
– – – ٦ – – –
إستيلاء الدولة على ملكية الأراضى الزراعية الزائدة على الحد الأقصى الذى يقرره القانون للملكية الزراعية يتضمن نزعاً لهذه الملكية الخاصة بالنسبة للقدر الزائد جبراً عن صاحبها، و من ثم وجب أن يكون حرمانه من ملكه مقابل تعويض، و إلا كان إستيلاء الدولة على أرضه بغير مقابل مصادرة خاصة لها لا تجوز إلا بحكم قضائى وفقاً لحكم المادة “٣٦” من الدستور.
– – – ٧ – – –
إذا كانت المادة ٣٧ من الدستور قد سكتت عن النص صراحة على تقرير حق التعويض بالنسبة للإستيلاء على الأراضى الزراعية المجاوزة للحد المقرر قانوناً، فإن ما إستهدفه المشرع الدستورى من إيراد هذا النص هو تقرير مبدأ تعيين حد أقصى للملكية الزراعية بما لا يسمح بقيام الإقطاع و يضمن حماية الفلاح و العامل الزراعى من الإستغلال، فكان مجال ذلك النص الدستورى مقصوراً على تقرير هذا المبدأ و محصوراً فى إرساء حكمه، و لم يكن إيراد هذا النص بصدد تنظيم الإستيلاء على الأراضى الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى. و بالتالى لم يكن ثمة مقتض فى هذا الصدد لتأكيد مبدأ التعويض عن الإستيلاء على الأراضى الزراعية الزائدة عن هذا الحد إجتزاء بما تغنى عنه المبادئ الأساسية الأخرى التى يتضمنها الدستور و التى تصون الملكية الخاصة، و تنهى عن نزعها إلا لمنفعة عامة و مقابل تعويض، و لا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. كما لا ينال من ذلك ما أثارته الحكومة من أن القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ قد جاء إستجابة من المشرع لما يقرره الدستور فى مادته الرابعة من أن الأساس الإقتصادى للدولة يهدف إلى تذويب الفوارق بين الطبقات، و فى مادته السابعة من أن التضامن الإجتماعى أساس المجتمع ذلك أن إلتزام المشرع بالعمل على تحقيق تلك المبادئ لا يعنى ترخصه فى تجاوز الضوابط و الخروج على القيود التى تضمنتها مبادئ الدستور الأخرى و منها صون الملكية الخاصة و عدم المساس بها إلا على سبيل الإستثناء و فى الحدود و بالقيود التى أوردتها نصوصه.
– – – ٨ – – –
إن تشريعات الإصلاح الزراعى المتعاقبة التى صدر بها المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢، و القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ و القرار بقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ و التى وضعت حداً أقصى للملكية الزراعية، و قررت الإستيلاء على ما يزيد عن هذا الحد لم تغفل حق الملاك فى التعويض عن أراضيهم المستولى عليها، و إنما قررت حقهم فى التعويض عنها وفقاً للقواعد و الأسس التى نصت عليها تلك القوانين. بل أن القرار بقانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٣ فى شأن حظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية و ما فى حكمها قد إعتنق هذا النظر، فنص فى المادة الرابعة منه على أن يؤدى إلى ملاك تلك الأراضى تعويض يقدر وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢.
– – – ٩ – – –
إن القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه، إذ نص فى مادته الأولى على أيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تتم الإستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالإصلاح الزراعى و القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المعدل له إلى الدولة دون مقابل، يكون قد جرد ملاك تلك الأراضى المستولى عليها من ملكيتهم لها بغير مقابل، فشكل بذلك إعتداء على هذه الملكية الخاصة و مصادرة لها بالمخالفة لحكم كل من المادة ٣٤ من دستور سنة ١٩٧١ التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، و المادة ٣٦ منه التى تحظر المصادرة العامة للأموال و لا تجيز المصادرة الخصاة إلا بحكم قضائى، مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤.
– – – ١٠ – – –
إن القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه، إذ نص فى مادته الأولى على أيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تتم الإستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالإصلاح الزراعى و القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المعدل له إلى الدولة دون مقابل، يكون قد جرد ملاك تلك الأراضى المستولى عليها من ملكيتهم لها بغير مقابل، فشكل بذلك إعتداء على هذه الملكية الخاصة و مصادرة لها بالمخالفة لحكم كل من المادة ٣٤ من دستور سنة ١٩٧١ التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، و المادة ٣٦ منه التى تحظر المصادرة العامة للأموال و لا تجيز المصادرة الخصاة إلا بحكم قضائى، مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات والمداولة. حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية. وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم ٥٦٨٥ لسنة ١٩٧٤ مدنى كلى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية طالبين الحكم بالزام المدعى عليهم متضامنين بتسليمهما سندات اسمية على الدولة بمبلغ ١٩٦٠٠ جنيهاً قيمة التعويض المستحق لهما عن أراضيهما الزراعية التى استولت عليها الحكومة تنفيذاً لأحكام القرار بقانون ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الاصلاح الزراعى، والتى امتنعت الدولة عن تسليمها لهما بحجة أن القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ قد قضى بأيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى والقرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المعدل له – إلى الدولة دون مقابل. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعيان بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤. وبجلسة ٢٢ فبراير سنة ١٩٧٦ رخصت المحكمة للمدعيين برفع دعواهما الدستورية خلال شهرين، فأقاما الدعوى الماثلة. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه – يعتبر عملاً من الأعمال السياسية التى تستهدف الحفاظ على كيان الدولة الاقتصادى وتحقيق سياستها العليا فى القضاء على الاقطاع وتذويب الفوارق بين الطبقات، وهو بهذه المثابة يعد من أعمال السيادة التى تنحسر عنها الرقابة على دستورية القوانين. وحيث إن نظرية أعمال السيادة، وأن كانت فى أصلها الفرنسى قضائية النشأة ولدت فى ساحة القضاء الإدارى الفرنسى، وتبلورت فى رحابه، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرجع إلى بداية نظامنا القضائى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب تشريعاته المتعاقبة المنظمة للمحاكم ومجلس الدولة. وآخرها ما ورد فى قانونى السلطة القضائية ومجلس الدولة اللذين استبعدا أعمال السيادة من ولاية القضاء العادى والقضاء الإدارى على السواء تحقيقاً للاعتبارات التى تقتضى – نظراً لطبيعة هذه الأعمال – النأى بها عن الرقابة القضائية وذلك لدواعى الحفاظ على كيان الدولة، واستجابة لمقتضيات أمنها فى الداخل والخارج ورعاية لمصالحها الاساسية. وقد وجدت هذه الاعتبارات صدى لدى القضاء الدستورى فى الدول التى أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين فأستبعدت المسائل السياسية من نظاق هذه الرقابة، وهى صورة من أعمال السيادة التى لاتنبسط عليها رقابة القضاء فى النظام المصرى. وحيث إن أعمال السيادة التى تخرج عن مجال الرقابة القضائية، وأن كانت لاتقبل الحصر والتحديد وكان المرد فى تحديدها إلى القضاء ليقرر ما يعتبر من أعمال السيادة وما لايعتبر منها بحسب ظروف كل حالة على حده، إلا أن هذه الاعمال يجمعها اطار عام هى انها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة عليا وسيادة داخلية وخارجية مستهدفة تحقيق المصالح العليا للجماعة، والسهر على احترام دستورها والاشراف على علاقتها مع الدول الأخرى، وتأمين سلامتها وأمنها فى الداخل والخارج. لما كان ذلك، وكان القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه قد صدر فى شأن يتعلق بالاراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ والقرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ متضمناً عدم أحقية ملاكها فى التعويض عن هذه الأراضى، فتعرض بذلك للملكية الخاصة، وهى من الحقوق التى عنى الدستور بالنص على صونها، وتحديد الحالات التى يجوز فيها نزاعها جبراً عن مالكها، ووضع القيود والضوابط لحمايتها، والتى ينبغى على سلطة التشريع أن تلتزمها وإلا جاء عملها مخالفاً للدستور. ومن ثم لايكون ذلك القرار بقانون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها فى هذا الصدد بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى غير قائم على أساس، متعيناً رفضه. وحيث إن مما ينعاه المدعيان على القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه أنه إذ قضى بأيلولة ملكية الأراضى الزراعية – التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى، والقرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المعدل له – إلى الدولة دون مقابل يكون قد انطوى على اعتداء على الملكية الخاصة، ومصادرة لها، وذلك بالمخالفة لحكم كل من المادة ٣٤ من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة والمادة ٣٦ منه التى تحظر المصادرة العامة، ولاتجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. وحيث إن المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى بعد أن نص فى مادته الأولى على أنه “لايجوز لأى شخص أن يمتلك من الأراضى الزراعية أكثر من مائتى فدان. وكل عقد يترتب عليه مخالفة هذا الحكم يعتبر باطلاً ولايجوز تسجيلة” قضى فى مادته الخامسة بأن “يكون لمن استولت الحكومة على أرضه، وفقاً لأحكام المادة الأولى، الحق فى تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأراضى. مضافاً إليه قيمة المنشآت والآلات الثابتة وغير الثابتة، والأشجار. وتقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية..” كما نص فى مادته السادسة على أن “يؤدى التعويض سندات على الحكومة.. وتستهلك خلال أربعين سنة. وتكون هذه السندات أسمية.. ويصدر مرسوم بناء على طلب وزير المالية والاقتصاد بتعيين مواعيد وشروط استهلاك هذه السندات وشروط تداولها”. وإذ صدر بعد ذلك القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الاصلاح الزراعى ونص فى مادته الأولى على أنه “لايجوز لأى فرد أن يمتلك من الاراضى الزراعية أكثر من مائة فدان ويعتبر فى حكم الأراضى الزراعية ما يملكه الأفراد من الأراضى البور والاراضى الصحراوية..” وفى مادته الثالثة على أن “تستولى الحكومة على ملكية ما يجاوز للحد الأقصى الذى يستبقيه المالك” قضى فى مادته الرابعة بأن “يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذاً لأحكام هذا القانون الحق فى تعويض يقدر وفقاً للأحكام الواردة فى هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ المشار إليه وبمراعاة الضريبة السارية فى ٩ سبتمبر سنة ١٩٥٢” كما نصت مادته الخامسة على أن “يؤدى التعويض سندات أسمية على الدولة لمدة ١٥ سنة… وتكون السندات قابلة للتداول فى البورصة – ويصدر قرار من وزير الخزانة بكيفية أصدار هذه السندات…”. وحيث إنه فى ٢١ مارس سنة ١٩٦٤ صدر القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه، ونص فى مادته الأولى على أن “الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ والقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليهما، تؤول ملكيتها إلى الدولة دون مقابل” ، وفى مادته الثانية على أنه “يلغى كل نص يخالف أحكام هذا القانون” ، وانتهى فى مادته الثالثة والأخيرة إلى النص على أن ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره. وقد تم نشره فى الجريدة الرسمية فى ٢٣ مارس سنة ١٩٦٤. وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة ١٩٢٣ على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة وحرمتها باعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى، وحافزه على الانطلاق والتقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى. ومن أجل ذلك، حظرت تلك الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها الا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المادة ٩ من كل دستور سنة ١٩٢٣ ودستور ١٩٣٠ والمادة ١١ من دستور سنة ١٩٥٦ والمادة ٥ من دستور سنة ١٩٥٨ والمادة ١٦ من دستور سنة ١٩٦٤ والمادة ٣٤ من دستور سنة ١٩٧١) كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم الا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض (المادة ٣٥). بل أنه امعاناً فى حماية الملكية الخاصة وصونها من الاعتداء عليها بغير حق حظر هذا الدستور المصادرة العامة حظراً مطلقاً، كما لم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى (المادة ٣٦). لما كان ذلك، وكان استيلاء الدولة على ملكية الأراضى الزراعية الزائدة على الحد الأقصى الذى يقرره القانون للملكية الزراعية يتضمن نزعاً لهذه الملكية الخاصة بالنسبة للقدر الزائد جبراً عن صاحبها، ومن ثم وجب أن يكون حرمانه من ملكه مقابل تعويض، وإلا كان استيلاء الدولة على أرضه بغير مقابل مصادرة خاصة لها لاتجوز إلا بحكم قضائى وفقاً لحكم المادة (٣٦) من الدستور. ولايقدح فى هذا النظر ما ذهبت إليه الحكومة من أن المادة ٣٧ من الدستور قد سكتت عن النص صراحة على تقرير حق التعويض بالنسبة للاستيلاء على الأراضى الزراعية المجاوزة للحد المقرر قانوناً، ذلك أن ما استهدفه المشرع الدستورى من إيراد هذا النص هو تقرير مبدأ تعيين حد أقصى للملكية الزراعية بما لايسمح بقيام الاقطاع ويضمن حماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، فكان مجال ذلك النص الدستورى مقصوراً على تقرير هذا المبدأ ومحصوراً فى أرساء حكمه، ولم يكن إيراد هذا النص بصدد تنظيم الاستيلاء على الاراضى الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى. وبالتالى لم يكن ثمة مقتض فى هذا الصدد لتأكيد مبدأ التعويض عن الاستيلاء على الأراضى الزراعية الزائدة عن هذا الحد اجتزاء بما تغنى عنه المبادىء الاساسية الاخرى التى يتضمنها الدستور والتى تصون الملكية الخاصة، وتنهى عن نزاعها إلا لمنفة مقابل تعويض، ولاتجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى كما لاينال من ذلك ما أثارته الحكومة من أن القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ قد جاء استجابة من المشرع لم يقرره الدستور فى مادته الرابعة من أن الأساس الاقتصادى للدولة يهدف إلى تذويب الفوارق بين الطبقات، وفى مادته السابعة من أن التضامن الاجتماعى أساس المجتمع ذلك أن التزام المشرع بالعمل على تحقيق تلك المبادىء لايعنى ترخصه فى تجاوز الضوابط والخروج على القيود التى تضمنتها مبادىء الدستور الأخرى ومنها صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها الا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها نصوصه. وحيث إنه تمشياً مع هذا المفهوم الصحيح لأحكام الدستور، فإن تشريعات الاصلاح الزراعى المتعاقبة التى صدر بها المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢، والقرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ والقرار رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ والتى وضعت حداً أقصى للملكية الزراعية، وقررت الاستيلاء على ما يزيد عن هذا الحد لم تغفل حق الملاك فى التعويض عن أراضيهم المستولى عليها، وإنما قررت حقهم فى التعويض عنها وفقاً للقواعد والاسس التى نصت عليها تلك القوانين. بل ان القرار بقانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٣ فى شأن حظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما فى حكمها قد اعتنق هذا النظر، فنص فى المادة الرابعة منه على أن يؤدى إلى ملاك تلك الأراضى تعويض يقدر وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢. وحيث إنه على مقتضى ما تقدم، فإن القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون فيه، إذ نص فى مادته الأولى على أيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى والقرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المعدل له إلى الدولة دون مقابل، يكون قد جرد ملاك تلك الأراضى المستولى عليها عن ملكيتهم لها بغير مقابل، فشكل بذلك اعتداء على هذه الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم كل من المادة ٣٤ من دستور سنة ١٩٧١ التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، والمادة ٣٦ منه التى تحظر المصادرة العامة للأموال ولا تجيز المصادرة الخاصة الا بحكم قضائى، مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٠٤ لسنة ١٩٦٤. ولما كان ذلك، وكانت باقى مواد هذا القانون مترتبة على مادته الأولى، بما مؤداه ارتباط نصوصه بعضها ببعض ارتباطاً لايقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم، فإن عدم دستورية نص المادة الأولى وابطال اثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط – أن يلحق ذلك الابطال باقى نصوص هذا القرار بقانون المطعون فيه، بما يستوجب الحكم بعدم دستوريته برمته.