حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٨ لسنة ١١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٨ لسنة ١١ دستورية
– – – ١ – – –
إن ما دفعت به الحكومة من عدم قبول الدعوى إستناداً إلى أن المحكمة الدستورية العليا سبق أن قضت فى الدعوى رقم ٣٠ لسنة ٢ قضائية دستورية بالطعن فى دستورية القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ برفض الدعوى ، مردود بما هو مقرر قانوناً ، من أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية و المانعة من نظر أى طعن دستورى جديد يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها و فصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها ، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة و لم يكن مثاراً للنزاع أمامها ، و لم تفصل فيه بالفعل ، فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضى ، و من ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة للحكم فى الدعوى الدستورية السابقة ، و لما كان الحكم الصادر من هذه المحكمة فى الدعوى رقم ٣٠ لسنة ٢ قضائية دستورية ، قد إقتصر على الفصل فيما أثير من نزاع حول مدى إختصاص رئيس الجمهورية بإصدار القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ إستناداً إلى نص المادة ٥٣ من دستور سنة ١٩٥٨ ، و فيما أثير من طعن على الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ فحسب ، دون أن تعرض المحكمة لما ورد فيه من نصوص أخرى و دون أن يتضمن حكمها السابق بالتالى فصلاً قضائياً فى دستوريتها ، فإن حجية هذا الحكم تكون مقصورة فى هذا النطاق دون أن تمتد إلى المادة السادسة من القانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليها فى هذه الدعوى و يكون الدفع بعدم القبول على غير أساس متعين الرفض .
– – – ٢ – – –
النص فى المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ فى شأن تنظيم المؤسسات العلاجية على أن تؤول ملكية المستشفيات المبينة فى الكشف المرافق لهذا القانون إلى الدولة ………….. و فى مادته السادسة على أن تتولى تقدير فيمة هذه المستشفيات لجان تشكل على الوجه الآتى : مستشار من مجلس الدولة رئيساً ، ممثل لوزارة الصحة ، ممثل من المستشفى تختاره الجهة التى كانت تديره أعضاء ، و يجوز للجنة أن تستعين فى أداء مهمتها بمن ترى لزوماً للإستعانة بهم من الموظفين أو غيرهم . و تصدر قرارات اللجنة بالأغلبية ، و عند التساوى يرجح الجانب الذى منه الرئيس ، و تكون هذه القرارات نهائية غير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن ” ، مؤداه أن المشرع لم يسبغ على لجان التقييم سالفة البيان ولاية الفصل فى خصومات تتعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً للإجراءات و ضمانات معينة ، و إنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تقدير قيمة المستشفيات التى آلت ملكيتها نفاذاً لهذا القرار بقانون للدولة توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى قد يستحق فانوناً لأصحابها مقابل أيلولة ملكيتها إلى الدولة ، دون أن يفرض على تلك اللجان إخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم و تقديم أسانيدهم و تحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات ، إلى غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى ، و من ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية و تعتبر قراراتها إدارية و ليست قرارات قضائية .
– – – ٣ – – –
النص فى المادة “٦٨” من الدستور على ” التقاضى حق مصون و مكفول للناس كافة و لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى و يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ” ، ظاهر منه أن الدستور لم يقف عند تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ، و قد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة ، و ذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية و حسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات ، و قد ردد النص المشار إليه ما قررته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد ، و ذلك حين خولهم حقوقاً لا تقوم و لا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق بإعتباره الوسيلة التى كفل حمايتها و التمتع بها و رد العدوان عليها .
– – – ٤ – – –
إن الدساتير السابقة قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء و أنهم متساوون فى الحقوق و الواجبات العامة ، كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة “٤٠” منه ، و لما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها ، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – و هو قيام المنازعة على حق من حقوق أفرادها – ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم و بين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق .
– – – ٥ – – –
المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ بتنظيم المؤسسات العلاجية ، إذ نصت على أن قرارات لجان التقييم – المشكلة طبقاً لأحكامه – قرارات نهائية و غير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن ، و هى قرارات إدارية تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء و إنطوت على مصادرة لحق التقاضى و إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق مما يخالف المادتين “٤٠” ، “٦٨” من الدستور ، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستوريتها .
بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى بصفته كان قد أقام الدعوى رقم ٤٤٣١ لسنة ٣٩ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بإلغاء قرار لجنة التقييم المشكلة طبقاً لنص المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ بتنظيم المؤسسات العلاجية فيما تضمنه من تقدير قيمة مستشفى جمعية ثمرة التوفيق القبطية الخيرية والتعويض عنها، وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية تلك المادة من القانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ المشار إليه، فيما نصت عليه من أن قرارات لجان التقييم – المشكلة طبقاً لأحكامه – تكون نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن، لما بدا للمحكمة من مخالفة هذا الحكم الذى أوردته لنص المادتين ٤٠، ٦٨ من الدستور، فقد قضت بجلسة ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٨٩ بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتها. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى إستناداً إلى أن هذه المحكمة سبق أن قضت فى الدعوى رقم ٣٠ لسنة ٢ قضائية دستورية بالطعن فى دستورية القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ المشار إليه برفض الدعوى، وهو دفع مردود بما هو مقرر قانوناً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – من أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية والمانعة من نظر أى طعن دستورى جديد يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم يكن مثاراً للنزاع أمامها، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي، ومن ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة للحكم فى الدعوى الدستورية السابقة، ولما كان الحكم الصادر من هذه المحكمة فى الدعوى رقم ٣٠ لسنة ٢ قضائية دستورية، قد اقتصر على الفصل فيما أثير من نزاع حول مدى اختصاص رئيس الجمهورية بإصدار القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ استناداً إلى نص المادة ٥٣ من دستور سنة ١٩٥٨ وفيما أثير من طعن على الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ فحسب، دون أن تعرض المحكمة لما ورد فيه من نصوص أخرى ودون أن يتضمن حكمها السابق بالتالى فصلاً قضائياً فى دستوريتها، فإن حجية هذا الحكم تكون مقصورة فى هذا النطاق دون أن تمتد إلى المادة السادسة من القانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليها فى هذه الدعوى ويكون الدفع بعدم القبول على غير أساس متعين الرفض. وحيث إن القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ فى شأن تنظيم المؤسسات العلاجية بنص فى مادته الأولى على أن “تؤول ملكية المستشفيات المبينة فى الكشف المرافق لهذا القانون إلى الدولة….” وفى مادته السادسة على أن “تتولى تقدير قيمة هذه المستشفيات لجان تشكل على الوجه الآتي: مستشار من مجلس الدولة رئيساً، ممثل لوزارة الصحة، ممثل من المستشفى تختاره الجهة التى كانت تديره أعضاء، ويجوز للجنة أن تستعين فى أداء مهمتها بمن ترى لزوماً للاستعانة بهم من الموظفين أو غيرهم، وتصدر قرارات اللجنة بالأغلبية، وعند التساوى يرجح الجانب الذى منه الرئيس وتكون هذه القرارات نهائية غير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن”. وحيث إن مؤدى هذا النص أن المشرع لم يسبغ على لجان التقييم المشكلة طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ سالف البيان – ولاية الفصل فى خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات وضمانات معينة، وإنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تقدير قيمة المستشفيات التى آلت ملكيتها نفاذاً لهذا القرار بقانون للدولة توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى قد يستحق قانوناً لأصحابها مقابل أيلولة ملكيتها إلى الدولة، دون أن يفرض على تلك اللجان أخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدر من قرارات، إلى غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضي، ومن ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية. وحيث إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء” وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة، وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما قررته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد، وذلك حين خولهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمياتها والتمتع بها ورد العدوان عليها. وحيث إنه من ناحية أخرى فإن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة ٤٠ منه، ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة على حق من حقوق أفرادها – ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق. لما كان ذلك، فإن نص المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤ بتنظيم المؤسسات العلاجية، إذ نصت على أن قرارات لجان التقييم – المشكلة طبقاً لأحكامه – وهى قرارات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن وهى قرارات إدارية – على ما سلف بيانه – تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء وانطوت على مصادرة لحق التقاضى وإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق مما يخالف المادتين ٤٠، ٦٨ من الدستور، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستوريتها. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة السادسة من القرار بقانون رقم ١٣٥ لسنة ١٩٦٤بتنظيم المؤسسات العلاجية فيما تضمنته من النص على أن تكون قرارات لجان التقييم نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن .