حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٥ لسنة ١٣ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٥ لسنة ١٣ دستورية
– – – ١ – – –
ولاية المحكمة الدستورية العليا – على ما يقضى به البند”ب” من المادة٢٩ من قانونها، و ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقا للأوضاع المقرر قانونا ، و إذ كان نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم مباشرتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع ، و فى الحدود التى تقدر فيها جديته، و كان المدعى فى الدعوى الماثلة قد دفع أمام محكمة الموضوع برفع الدعوى الدستورية منحصرا فى هذا النطاق وحده لا يتعداه ، فإن ما تضمنته الدعوى الماثلة من طعن على غير النص التشريعى الذى تعلق به التصريح الصادر عن محكمة الموضوع، يعتبر مجاوزا النطاق الذى تتحدد به المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، بما مؤداه انتفاء اتصال الدعوى الدستورية – فى خصوص المادة ١١ من القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ المشار إليه، و المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٨٦ لسنة ١٩٨٦ بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية و المادة التاسعة من هذا القانون ذاته – بالمحكمة الدستورية العليا اتصالاً مطابقا للأوضاع التى رسمها قانونها ، و التى لا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع لضرورة تقتضيها المصلحة العامة كى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية وفقا لها الأمر الذى يتعيون معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى تلك النصوص .
– – – ٢ – – –
إنه و إن كان القرار بقانون رقم ١٨٦ لسنة ١٩٨٦ بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية قد نص فى مادته الثانية على إلغاء أحكام القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ المشار إليه بتمامها بما فى ذلك الثالثة عشرة منه المطعون عليها ، إلا أن صدور هذا القانون مقررا إلغاء تلك المادة، و زوال الإعفاء الجمركى الذى كان معمولاً به وفقا لأحكام نظام استثمار رأس المال العربى و الأجنبى اعتبارا من تاريخ العمل بها ، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية ممن طبق عليهم هذا النص خلال فترة نفاذه، و جرت آثاره فى حقهم.
– – – ٣ – – –
الأصل فى القاعدة القانونية هو سريانها اعتبارا من تاريخ العمل بها على الوقائع التى تتم فى ظلها و حتى إلغائها ، فإذا حلت محل القاعدة القديمة قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، و يقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ، و بذلك يتحدد النطاق الزمنى لكل من القاعدتين ، و تغدو المراكز القانونية التى اكتمل تكوينها و ترتبت آثارها فى ظل القانون القديم ، خاضعة لحكمه وحده. متى كان ذلك ، و كانت المادة ١٣ المطعون فيها – و هى نص غير عقابى – قد سرى حكمها من اليوم التالى لنشر القانون الذى يتضمنها فى الجريدة الرسمية – على ما سبق بيانه – فإنها لا تكون منطوية على رجعية ، بل مستصحبة الأصل فى القوانين الذى رددته المادة ١٨٧ من الدستور ، و هو سريانها بأثر مباشر على ما يقع من تاريخ العمل بها، و عدم جريان آثارها فيما وقع قبلها .
– – – ٤ – – –
لا تعتبر الضريبة الجمريكة التى يدور النزاع الراهن حول استحقاقها أو الإعفاء منها ضريبة محلية يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، و يتحدد المخاطبون بها فى إطار هذه الدائرة وحدها، بل هى ضريبة عامة يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد الحدود الإقليمية للدولة و بغض النظر عن تقسيماتها الإدارية أو فواصلها الجغرافية، مرتبا لدينها فى ذمة الممول.
– – – ٥ – – –
الأصل فى الضريبة أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا بما لها من ولاية على إقليمها، و أن قانونها يبين حدود العلاقة بين الملتزم بالضريبة من ناحية، و بين الدولة التى تفرضها من ناحية أخرى، سواء فى مجال تحديد الأشخاص الخاضعين لها، أو الأموال التى تسرى عليها ، و شروط سريانها ، و سعر الضريبة ، و كيفية تحديد وعائها، و قواعد تحصيلها، و أحوال الإعفاء منها، و الجزاء على مخالفة أحكامها. و قانون الضريبة إذ يصدر على هذا النحو، فإنه ينظم رابطتها تنظيما شاملا يدخل فى مجال القانون العام، و يبرز ما للخزانة العامة من حقوق قبل الممول. و أمتيازتها عند مباشرتها، و بوجه خاص فى مجال توكيده حق الإدارة المالية فى المبدأة بتنفيذ دين الضريبة على الممول، و اعتباره محاولة التخلص منها جريمة معاقبا عليها قانونا.
– – – ٦ – – –
حق الخزانة العامة فى جباية الضريبة ، يقابله حق الممول فى فرضها و تحصيلها على أسس عادلة.
– – – ٧ – – –
الإلتزام بالضريبة ليس التزاما تعاقديا ناشئا عن التعبير المتبادل عن إرادتين متطابقتين، بل مرد هذا الإلتزام إلى نص القانون وحده، فهو مصدره المباشر – و هو ما يملكه و لى الأمر و يجد دليله الشرعى فى رعاية مصلحة الجماعة التى يمثلها – و إذ تتدخل الدولة لتقرير الضريبة و تحصيلها، فليس ذلك باعتبارها طرفا فى رابطة تعاقدية أيا كان مضمونها، و لكنها تفرض – فى اطار القانون العام – الأسس الكاملة لعلاقة قانونية ضريبية لا يجوز التبديل أو التعديل فيها بالاتفاق على خلافها. و لا يعنى إقرار السلطة التشريعية لضريبة معينة ، أن الخاضعين لها قد أنابوها عنهم فى القبول بها، وأن علاقتهم فى مجالها هى علاقة تعاقدية أو شبه تعاقدية، ذلك أن إقرار السلطة التشريعية لتنظيم معين، إنما يتم فى إطار ممارستها لولايتها المستمدة مباشرة من الدستور و التى لا يجوز لها النزول عنها . و تأتى الضريبة العامة فى موقع الصداره من مهامها لاتصالها من الناحية التاريخية بوجود المجالس التشريعية ذاتها، و لما ينطوى عليه فرضها من تحميل المكلفين بها اعباء مالية يتعين تقريرها بموازين دقيقة، و لضرورة تقتضيها. و لو كان حق الدولة فى استئداء الضريبة ناشئا عن علاقة تعاقدية أو أية علاقة أخرى تشتبه بها، لكان لها حق التخلى عنها و إسقاطها باتفاق لاحق ، و هو ما يناقض حقيقة أن الضريبة العامة لا يفرضها إلا القانون و لا يتقرر الإعفاء منها إلا وفقا لأحكامه على ما تقضى به المادة ١١٩ من الدستور.
– – – ٨ – – –
متى كان عدول المشرع بالقانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ – المشار إليه – عن الإعفاء الجمركى الذى كان مقررا بمقتضى قانون نظام استثمار رأس المال العربى و الاجنبى و المناطق الحرة الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ قد تقرر لأغراض بعينها لها أساسها من المصلحة العامة ، و هى مصلحة معتبرة يجوز بناء الأحكام الشرعية عليها، و دل عليها ما قررته اللجنة المشتركة من لجنتى الخطة و الموازنة و الشئون الاقتصادية و مكتب لجنة الشئون الدستورية و التشريعية من أن التعريفة الجمركية يتعين أن تظل محتفظة بدورها كأداة موجهة للسياسة الاقتصادية و المالية للدولة ، و أن قصورها عن أداء هذا الدور – ازاء الزيادة المطردة فى القوانين الاستثنائية التى تقرر اعفاء ضريبيا، وكذلك بالنظر إلى انتفاء الأغراض الحيوية التى يتعين أن يكون الإعفاء من أداء الضريبة الجمركية مرتبطاً بها – آل إلى تقلص الموارد السيادية للدولة بما يهدد حصيلتها، و يفقد التعريفة الجمركية مقوماتها كأداة يمكن من خلالها التأثير فى الأوضاع الاقتصادية و المالية . لما كان ذلك فإن إلغاء الإعفاء الجمركى الذى كان مقررا بقانون نظام استثمار رأس المال العربى و الأجنبى يكون قد تقرر بأثر مباشر، و فى إطار رابطة قانونية يحكمها القانون العام أصلاً، و تستمد مصدرها المباشر من نص القانون، و ارتكن إلى مصلحة مشروعة تقرها مبادئ الشريعة الإسلامية، بما لا مخالفة فيه للمواد ٢،٦٦،١٨٧ من الدستور.
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة. حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن نيابة الشئون المالية والتجارية اتهمت المدعى – فى الدعوى الماثلة – بأنه: (١) هرب البضائع المبينة الوصف والقيمة بالأوراق من أداء الضريبة الجمركية المستحقة عنها، وكان ذلك بقصد الاتجار فيها مع علمه بأمر تهريبها لكونها أجنبية الصنع دون أن تكون مصحوبة بما يفيد أداء الضريبة الجمركية المستحقة عنها. (٢)استورد البضائع المبينة الوصف والقيمة بالتهمة الأولى دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة. وقدمته إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنوب القاهرة فى الجنحة رقم ٤٣ لسنة ١٩٩١جنح شئون مالية لمعاقبته بالمواد ٥ / ١ – ٣، ١٣، ٢٦، ٤٣، ١٢١، ١٢٢، ١٢٤، ١٢٤ مكرراً من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣، وبالمادتين ١، ١٥ من القانون رقم ١١٨ لسنة ١٩٧٥ فى شأن الاستيراد والتصدير. وأمام محكمة الموضوع دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة ١٣ من القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ بتنظيم الإعفاءات الجمركية، وإذ قدرت المحكمة جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين ١١، ١٣ من القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ المشار إليه ، وكذلك المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٨٦ لسنة ١٩٨٦ بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية، والمادة التاسعة منه. وحيث إن ولاية المحكمة الدستورية العليا – على ما يقضى به البند (ب) من المادة ٢٩ من قانونها، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لاتقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقا للأوضاع المقررة قانونا، وكان نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم مباشرتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التى تقدر فيها جديته، وكان المدعى فى الدعوى الماثلة قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادة ١٣ من القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ بتنظيم الإعفاءات الجمركية، وكان التصريح الصادر من محكمة الموضوع برفع الدعوى الدستورية منحصرا فى هذا النطاق وحده لايتعداه، فإن ماتصمنته الدعوى الماثلة من طعن على غير النص التشريعى الذى تعلق به التصريح الصادر عن محكمة الموضوع، يعتبر مجاوزاً النطاق الذى تتحدد به المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، بما مؤداه انتفاء اتصال الدعوى الدستورية فى خصوص المادة ١١ من القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ المشار إليه، والمادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٨٦ لسنة ١٩٨٦ بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية والمادة التاسعة من هذا القانون ذاته – بالمحكمة الدستورية العليا اتصالاً مطابقاً للأوضاع التى رسمها قانونها والتى لا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع لضرورة تقتضيها المصلحة العامة كى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية وفقا لها، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى تلك النصوص. وحيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ ١٠ أبريل سنة ١٩٧٨ صدر قرار مجلس الوزراء رقم ٣٥٥ لسنة ١٩٧٨ متضمناً إعفاء كافة عناصر الأصول الرأسمالية اللازمة للشركة المصرية لمنتجات الألومنيوم – التى يعمل المدعى مديرا ماليا لها – من الضرائب والرسوم الجمركية على أن يحظر التصرف فى الأشياء التى تم إعفاؤها بموجب هذا القرار قبل خمس سنين من تاريخ ورودها ما لم تؤد الضرائب والرسوم الجمركية التى تم الإعفاء منها. وقد صدر القرار استناداً للفقرة الأخيرة من المادة ١٦ من قانون نظام استثمار رأس المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ والتى تخول رئيس الجمهورية – أو من يفوضه – بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار، إعفاء كافة الأصول الرأسمالية اللازمة لإنشاء المشروعات المقبولة فى نطاق أحكام ذلك القانون من كل أو بعض الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم أو تأجيل استحقاقها وذلك كله بشرط عدم التصرف فى الأشياء محل الإعفاء أو التأجيل أو التقسيط لمدة خمس سنين من تاريخ ورودها أو لمدة التقسيط أو التأجيل بحسب الأحوال، وإلا حصلت عنها الضرائب والرسوم السابق الإعفاء منها أو تأجيلها أو تقسيطها. وحيث إنه تطبيقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء رقم ٣٥٥ لسنة ١٩٧٨ المشار إليه – استصدر المدعى من الهيئة العامة للاستثمار فى ٣١ يوليو سنة ١٩٧٨ و ٢٤ سبتمبر سنة ١٩٧٨ و ٢٥ نوفمبر سنة ١٩٧٨ ثلاثة تصاريح لاستيراد سيارتين (ميكروباص) وثالثة للنقل، وقام باستيرادها فعلا والإفراج عنها بعد إعفائها من الضريبة الجمركية . وبتاريخ ١٨ من يوليو ١٩٩٣ صدر القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ بتنظيم الإعفاءات الجمركية ليعمل به اعتباراً من ٢٩ يوليو سنة ١٩٨٣ – وهو اليوم التالى لنشره فى الجريدة الرسمية – وقد أعاد هذا القانون تنظيم الإعفاءات الجمركية على أسس جديدة قدر أنها أكثر إحكاماً من تلك التى كانت قائمة قبل صدوره قاصدا بذلك ترشيدها، وأن يكون تقريرها وفق معايير وضوابط أدنى إلى تحقيق العدالة بين المخاطبين بها، وأكفل لبلوغ الغاية المقصودة من فرض الضريبة الجمركية. وبعد أن حدد هذا القانون الجهات والأشخاص الذين تسرى فى شأنهم نظم الإعفاء الجمركى التى أحدثها ابتداء من تاريخ العمل به، حظر فى المادة ١١ منه على المستفيدين منها أن يبرموا فى شأن الأشياء المعفاة من الضريبة الجمركية تصرفا أياً كان نوعه يناقض الأغراض التى تقرر الإعفاء من أجلها ، وإلا كان تصرفهم فيها تهربا جمركيا معاقبا عليه بالعقوبات المنصوص عليها فى القانون الجمركى. وقرن القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ ماتقدم بإسقاط الإعفاءات الجمركية السابقة على صدوره أيا كان موردها من نصوص القوانين المختلفة، فنص فى المادة ١٣ منه على أنه فيما عدا الإعفاءات الجمركية المقررة بموجب اتفاقيات مبرمة بين الحكومة المصرية والدول والمنظمات الدولية والإقليمية والجهات الأجنبية، يعمل بالأحكام المنظمة للإعفاءات الجمركية الواردة بهذا القانون، ويلغى كل نص يخالفها ورد فى القوانين التى عددتها هذه المادة حصرا، ومن بينها نظام استثمار رأس المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤. وحيث إن المدعى ينعى على المادة ١٣ من القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ بتنظيم الإعفاءات الجمركية عدم دستوريتها من عدة أوجه، أولها: إهدارها للحقوق المكتسبة وإخلالها بالمراكز القانونية التى اكتمل وجودها قبل نفاذ هذا القانون، وهو ما يعتبر ارتدادا بآثاره إلى ماقبل العمل بأحكامه وتقريراً لرجعية لا تجاوز إلا بنص خاص، وبموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب عملا بالمادة ١٨٧ من الدستور. ثانيها: اطراحها علاقة تعاقدية تعتبر الدولة طرفا فيها إذ أن طلبه إقامة مشروع معين وفقا لقانون نظام استثمار المال العربى والأجنبى يعد إيجابا من جانبه ، اقترن بموافقة الهيئة العامة للاستثمار وقبولها سريان الإعفاءات الجمركية التى نص عليها هذا القانون فى حقه، بما يخوله بيع الأشياء المعفاة بعد انتهاء مدة الإعفاء دون اخطار مصلحة الجمارك بتصرفه فيها ، أو أداء الضريبة الجمركية عنها. وإذ كان الأصل الشرعى هو الوفاء بالعقود بما فى ذلك المزايا المقررة بها، فإن النص التشريعى المطعون عليه – فيما قرره من إلغاء الإعفاءات الجمركية السابقة على العمل به – يكون مخالفا لنص المادة الثانية من الدستور. وثالثها: أن تصرفه فى الاشياء المعفاة وفقاً لأحكام نظام استثمار رأس المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ – كان مباحا وأضحى بعد العمل بالقانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ بتنظيم الإعفاءات الجمركية جريمة معاقبا عليها، وهو ما يتضمن رجعية لنص عقابى بالمخالفة لنص المادة ٦٦ من الدستور. وحيث إنه وإن كان القرار بقانون رقم ١٨٦ لسنة ١٩٨٦ بإصدار قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية، قد نص فى مادته الثانية على إلغاء أحكام القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ المشار إليه بتمامها بما فى ذلك المادة الثالثة عشرة منه المطعون عليها، إلا أن صدور ذلك القانون مقرراً إلغاء هذه المادة وزوال الإعفاء الجمركى الذى كان معمولا به وفقاً لأحكام نظام استثمار رأس المال العربى والأجنبى اعتبارا من تاريخ العمل بها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية ممن طبق عليهم هذا النص خلال فترة نفاذه وجرت آثاره فى حقهم، ذلك أن الأصل فى القاعدة القانونية هو سريانها اعتبارا من تاريخ العمل بها على الوقائع التى تتم فى ظلها وحتى إلغائها. فإذا الغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها. وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين لتغدو المراكز القانونية التى نشأت واكتمل تكوينها وترتب آثارها فىظل القانون القديم، خاضعة لحكمه وحده. وحيث إن المناعى التى آثارها المدعى فى شأن دستورية النص المطعون فيه مبتغياً بها تقرير بطلانه وإنهاء كل الآثار المترتبة على إعماله مردود عليها بأن المادة ١٣ المطعون فيها – وهى نص غير عقابى – قد سرى حكمها اعتبارا من اليوم التالى لنشر القانون الذى يتضمنها فى الجريدة الرسمية – على ماسبق بيانه – وبالتالى لا تكون منطوية على رجعية، بل مستصحبة الأصل فى القوانين الذى رددته المادة ١٨٧ من الدستور، وهو سريانها بأثر مباشر على ما يقع من تاريخ العمل بها، وعدم انسحابها وجريان آثارها فيما وقع قبلها. ومن جهة أخرى لا تعتبر الضريبة الجمركية التى يدور النزاع الراهن حول استحقاقها أو الإعفاء منها ضريبة محلية يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها فى إطار هذه الدائرة وحدها، بل هى ضريبة عامة يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد الحدود الإقليمية للدولة، وبغض النظر عن تقسيماتها الإداريةأو فواصلها الجغرافية، مرتبا لدينها فى ذمة الممول . متى كان ذلك وكان الأصل فى الضريبة أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً بما لها من ولاية على إقليمها، وأن قانونها يبين حدود العلاقة بين الملتزم بالضريبة من ناحية، وبين الدولة التى تفرضها من ناحية أخرى، سواء فى مجال تحديد الأشخاص الخاضعين لها، أو الأموال التى تسرى عليها، وشروط سريانها وسعر الضريبة وكيفية تحديد وعائها وقواعد تحصيلها، وأحوال الإعفاء منها، والجزاء على مخالفة أحكامها، وكان قانون الضريبة إذ يصدر على هذا النحو فإنه ينظم رابطتها تنظيما شاملاً يدخل فى مجال القانون العام، ويبرز ما للخزانة العامة من حقوق قبل الممول وامتيازاتها عند مباشرتها وبوجه خاص فى مجال توكيده حق الإدارة المالية فى المبادأة بتنفيذ دين الضريبة على الممول، واعتباره محاولة التخلص منها جريمة معاقبا عليها قانوناً، وإذ كان حق الخزانة العامة فى جباية الضريبة يقابله حق الممول فى فرضها وتحصيلها على أسس عادلة، إلا أن من المحقق أن الالتزام بالضريبة ليس التزاماً تعاقدياً ناشئاً عن التعبير المتبادل عن إرادتين متطابقتين، بل مرد هذا الالتزام إلى نص القانون وحده فهو مصدره المباشر، وهو ما يملكه ولى الأمر ويجد دليله الشرعى فى رعاية مصلحة الجماعة التى يمثلها. وإذ تتدخل الدولة لتقرير الضريبة وتحصيلها، فليس ذلك باعتبارها طرفا فى رابطة تعاقدية أيا كان مضمونها، ولكنها تفرض – إطارالقانون العام – الأسس الكاملة لعلاقة قانونية ضريبية لا يجوز التبديل أو التعديل فيها بالاتفاق على خلافها. ولا يعنى إقرار السلطة التشريعية لضريبة معينة أن الخاضعين لها قد أنابوها عنهم فى القبول بها، وأن علاقتهم فى مجالها هى علاقة تعاقدية أو شبه تعاقدية، ذلك أن إقرار السلطة التشريعية لتنظيم معين إنما يتم فى إطار ممارستها لولايتها المستمدة مباشرة من الدستور والتى لايجوز لها النزول عنها، وتأتى الضريبة العامة فى موقع الصدارة من مهامها لاتصالها من الناحية التاريخية بوجود المجالس التشريعية ذاتها، ولما ينطوى عليه فرضها من تحميل المكلفين بها أعباء مالية يتعين تقريرها بموازين دقيقة، ولضرورة تقتضيها. ولو كان حق الدولة فى استئداء الضريبة ناشئا عن علاقة تعاقدية أو أية علاقة أخرى تشتبه بها، لكان لها حق التخلى عنها وإسقاطها باتفاق لاحق، وهو مايناقض حقيقة أن الضريبة العامة لا يفرضها إلا القانون، ولا يتقرر الإعفاء منها إلا وفقا لأحكامه على مايقضى به المادة ١١٩ من الدستور. وليس لأحد – بالتالى – أن يعدلها بإرادته المنفردة أو باتفاق لاحق ينال منها. متى كان ذلك، وكان عدول المشرع بالقانون رقم ٩١ لسنة ١٩٨٣ – المشار إليه – عن الإعفاء الجمركى الذى كان مقررا بمقتضى قانون نظام استثمار رأس المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ قد تقرر لأغراض بعينها لها أساسها من المصلحة العامة، وهى مصلحة معتبرة يجوز بناء الأحكام الشرعية عليها، ودل عليها ما قررته اللجنة المشتركة من لجنتى الخطة والموازنة والشئون الاقتصادية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية من أن التعريفة الجمركية يتعين أن تظل محتفظة بدورها كأداة موجهة للسياسة الاقتصادية والمالية للدولة، وأن قصورها عن أداء هذا الدور – إزاء الزيادة المطردة فى القوانين الاستثنائية التى تقرر إعفاءً ضريبياً، وكذلك بالنظر إلى إنتفاء الأغراض الحيوية التى يتعين أن يكون الإعفاء من أداء الضريبة الجمركية مرتبطاً بها – آل إلى تقلص الموارد السيادية للدولة بما يهدد حصيلتها، ويفقد التعريفة الجمركية مقوماتها كأداة يمكن من خلالها التأثير فى الأوضاع الاقتصادية والمالية. لما كان ذلك، فإن إلغاء الإعفاء الجمركى الذى كان مقررا بقانون نظام استثمار رأس المال العربى والأجنبى يكون قد تقرر بأثر مباشر، وفى إطار رابطة قانونية يحكمها القانون العام أصلاً ، وتستمد مصدرها المباشر من نص القانون، وارتكن إلى مصلحة مشروعة تقرها مبادئ الشريعة الإسلامية ، بما لا مخالفة فيه المواد ٢، ٦٦، ١٨٧ من الدستور. وحيث إن النص التشريعى المطعون عليه لايتعارض مع الدستور من أوجه أخرى. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.