حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٣ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٣ لسنة ١٥ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٢ ديسمبر سنة ١٩٩٥الموافق ٩رجب سنة ١٤١٦ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: – فاروق عبدالرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله اعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / أحمد عطيه أحمد منسى أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٣ لسنة ١٥ قضائية دستورية
المقامة من
الدكتور / حازم مسعد الطيبى
ضد
١. السيد / رئيس مجلس الوزراء
٢. السيد / رئيس جامعة المنوفيه
الإجراءات
فى الثانى من ديسمبر ١٩٩٣ أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (٨٩) من القرار بقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ بتنظيم الجامعات، وذلك فيما تضمنته من عدم جعل إجازة مرافقة الزوج المرخص له بالسفر أمراً وجوبياً على جهة الإدارة ، وكذلك فيما تضمنته من عدم النص على ألا تقل هذه الإجازة عن مدة بقاء الزوج فى الخارج، وذلك لمخالفتها من هذين الوجهين، للمواد (٩، ١٣، ٤٠) من الدستور.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقد نُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان يعمل مدرساً لجراحة العظام بكلية طب شبين الكوم. وقد صدر قرار رئيس جامعة المنوفيه رقم ٢٠٥ / ١٩٨٨ بمنحه إجازة خاصة بدون مرتب لمدة عام لمرافقة زوجته المتعاقدة بالسعودية .
وفى ٣ / ٩ / ١٩٨٩ صدر قرار السيد الدكتور رئيس الجامعة رقم ٦٧١ لسنة ١٩٧٩ بتجديد هذه الاجازة لمدة عام ثان اعتباراً من ٢٧ / ١ / ١٩٨٩، على ألا تجاوز الإجازة مدة بقاء زوجته بالخارج.
ونظراً لأن المؤسسة العلاجية التى تعمل فيها زوجته، كانت قد وافقت على تجديد عقد عمل زوجته لمدة ثالثة ، فقد طلب تجديد إجازته لمرافقتها، إلا أن جهة عمله رفضت ذلك، ونبهت عليه بضرورة الحضور فوراً لاستلام عمله، فتظلم من قرارها.
وإذ لم يتلق رداً، فقد أقام الدعوى رقم ٥٦٠٢ لسنة ٤٤ قضائية ، أمام محكمة القضاء الإدارى ، طالباً الحكم، أصلياً: بإلغاء قرار رفض تجديد إجازته الخاصة بدون مرتب لمرافقة زوجته التى تعمل بالسعودية ، مع ما يترتب على ذلك من آثار، من بينها إلزام الجامعة بتجديد هذه الإجازة حتى ٢ / ١ / ١٩٩٠، واحتياطياً: بتحديد أجل لرفع الدعوى بعدم دستورية نص المادة (٨٩) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ . وأثناء نظر دعواه الموضوعية ، أخطرته جهة عمله، برفضها إحالة أبحاثه العلمية إلى اللجنة العلمية المختصة بفحصها، تمهيداً لترشيحه للترقى لوظيفة أستاذ مساعد، مبررة قرارها هذا بعدم عودته إلى جهة عمله. وقد تظلم من هذا القرار إلى رئيس الجامعة ، إلا أن خدمته أُنهيت اعتباراً من التاريخ التالى لإنهاء إجازته، مما حمله على أن يضمن دعواه الموضوعية ، طلبين إضافيين هما إلغاء قرار رفض عرض أبحاثه على اللجنة المختصة ، وكذلك قرار إنهاء خدمته.
وبجلسة ٢٧ / ٩ / ١٩٩٣ أعادت محكمة الموضوع دعواه إلى المرافعة ، وخولته إقامة دعواه الدستورية للطعن بعدم دستورية المادة (٨٩) من قانون تنظيم الجامعات، فرفعها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الماثلة ، بعدم اختصاص
المحكمة الدستورية العليا
ولائيا بنظرها، تأسيساً على أن ما طلبه المدعى فيها، هو الحكم بعدم دستورية نص المادة (٨٩ ) من قانون تنظيم الجامعات، إستناداً إلى ما تضمنته من تخويلها الجهة الإدارية حق منح أو رفض الإجازة الخاصة التى يطلبها أحد الزوجين لمرافقة الزوج الآخر المرخص له بالسفر إلى الخارج، وكذلك إغفالها النص على ألا تقل هذه الإجازة عن مدة بقاء الزوج فى الخارج، وهو مايعنى – فى تقدير هيئة قضايا الدولة – أن تحل
المحكمة الدستورية العليا
محل السلطة التشريعية فى مجال مباشرتها لولايتها المنصوص عليها فى المادة (٨٦) من الدستور، وذلك من خلال إبدال نص قانونى بغيره، وهو ما لا يدخل فى اختصاص
المحكمة الدستورية العليا
.
وحيث إن الدفع بعدم اختصاص
المحكمة الدستورية العليا
بنظر الدعوى الماثلة ، مردود أولاً: – بأن المدعى أقر فى مذكرته التى قدمها إلى هذه المحكمة ، أنه لا يتوخى بدعواه هذه، غير مجرد الحكم بعدم دستورية نص المادة (٨٩) المطعون عليها، ليكون إبطالها مؤدياً بالضرورة – ودون تدخل تشريعى – إلى مساواته بمن يتماثلون معه فى مراكزهم القانونية ، وهم العاملون المدنيون فى الدولة الذين يمنحون هذه الإجازة الخاصة دون قيد .
أما ماعدا ذلك من طلباته، فليس إلا استطراداً غير دقيق، يعتذر عنه؛ ومردود ثانياً: – بأن العبرة دائماً بما قصد إليه المدعى حقيقة من دعواه، ولا اعتداد بالعبارات التى أفرغ طلباته فيها، إذا كانت مجافية فى مبناها الحق، للمعانى التى أراد حملها عليها.
ولم يقصد المدعى بدعواه الدستورية ، غير مجرد إبطال المادة (٨٩) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ الصادر بشأن تنظيم الجامعات، لتحيلها
المحكمة الدستورية العليا
عدماً بعد تجريدها من قوة نفاذها منذ إقرارها، وهو ما يدخل فى ولايتها؛ ومردود ثالثاً: بأن الدستور، وإن خول السلطة التشريعية أصلاً اختصاص إقرار النصوص القانونية ، باعتبار أن ذلك مما يدخل فى نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها، إلا أن إقرار هذه النصوص لا يعصمها من الخضوع للرقابة القضائية التى تباشرها
المحكمة الدستورية العليا
فى شأن دستوريتها، وهى رقابة غايتها إبطال ما يكون منها مخالفاً للدستور، ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التى أهدرتها ضمناً، سواء كان إخلالها بها مقصوداً ابتداءً، أم كان قد وقع عرضا؛ ومردود رابعاً: بأن حق أحد الزوجين فى أن يرافق الزوج الآخر عند سفره للمدة التى يبقاها فى الخارج، لا يعدو أن يكون أثراً مترتباً قانوناً على إلغاء السلطة التقديرية التى تباشرها الجهة الإدارية فى شأن منح هذه الإجازة الخاصة أو رفضها .
وإذ كان إنكار المدعى لمشروعية مباشرة تلك السلطة ، هو مدار دعواه الدستورية وغايتها، فإن القول بانحسار اختصاص
المحكمة الدستورية العليا
عن الفصل فيها، لايكون قائماً على سند من القانون.
وحيث إن المادة (٨٩) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ بشأن تنظيم الجامعات، تنص على أنه مع مراعاة حسن سير العمل فى القسم وفى الكلية أوالمعهد، يجوز الترخيص لعضو هيئة التدريس فى إجازة خاصة بدون مرتب، لمرافقة الزوج المرخص له فى السفر إلى الخارج لمدة سنة على الأقل . ويكون الترخيص بقرار من رئيس الجامعة بناء على طلب عميد الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكانت السلطة التقديرية التى خولتها المادة (٨٩) المشار إليها لجهة الإدارة ، فى مجال منح الإجازة الخاصة أو رفضها، هى مدار قراراتها المتظلم منها سواء ما صدر منها برفض هذه الإجازة ، أو ما نشأ عن هذا الرفض من آثار، ومن بينها عدم عرض أبحاثه العلمية على اللجنة المختصة لبحثها، وإنهاء خدمته، فإن الفصل فى دعواه الموضوعيه، يكون متوقفاً على الفصل فى دستورية النص المطعون فيه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية المباشرة .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، أنه يثير بالضرورة الحماية التى كفلها الدستور للأسرة المصرية ، وهى حماية لا تمييز فيها بين الأسر بعضها البعض بالنظر إلى تماثل مركزها القانونى ، ولأنها جميعاً أساس بنيان مجتمعها، قوامها الدين والأخلاق والوطنية ، وقد ظل طابعها الأصيل – بما يقوم عليه من قيم وتقاليد – مرعياً. ولكن النص المطعون فيه أخل بذلك، مُهْدرا أيضا الحق فى العمل، ومناقضاً بالتالى أحكام المواد (٩، ١٣، ٤٠ ) من الدستور.
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة – واختيار الزوج مدخلها – من الحقوق التى كفلها الدستور على ماجرى عليه قضاء
المحكمة الدستورية العليا
، ذلك أن هذا الحق وثيق الصلة بالحرية الشخصية ، وهى الحرية الأصل التى تهيمن على الحياة بكل أقطارها، ولا تكتمل الشخصية الإنسانية فى غيبتها، وهو كذلك من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية ، أو تقوض روابطها، أو تعمل بعيداً عنها، أو تتقرر إنعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة التى يعيش الفرد فى كنفها، بل تزكيها، وتتعاظم بقيمتها، بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ذلك أن الزوجين – ومن خلال الأسرة التى كوناها – يمتزجان فى وحدة يرتضيانها، يتكاملان بها، ويتوجان بالوفاء جوهرها، ليظل نبتها مترامياً على طريق نمائها، وعبر امتداد زمنها، مؤكداً حق الشريكين فيها، فى أن يتخذا من خلالها أدق قراراتهما وأوثقها ارتباطاً بمصائرهما، بما يصون لحياتهما الشخصية أعمق أغوارها، فلا يقتحمها المشرع متغولاً على أسرارها وأنبل غاياتها، وإلا كان ذلك عدواناً ينال من الدائرة التى تظهر فيها الحياة العائلية ، فى صورتها الأكثر تآلفاً وتراحماً.
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة – محدد على النحو المتقدم – لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها – على امتداد مراحل بقائها – لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلبا فى ترابطها أو فى القيم والتقاليد التى تنصهر فيها وبما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم، وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليمياً وتربوياً، فلا تتفرق الأسرة التى تضمهم جميعاً – وهى الوحدة الأساسية لمجتمعها The Basic Unit of Society – بدداً، ولا يكون التعاون بين أفرادها، هامشياً Marginal أو مرحلياً أو انتقائياً، بل عريضاً وفاعلاً، ليظل اتصالهم ببعض، كافلاً لدمجهم فى محيطها Family Integration وإشرابهم مبادئها وتقاليدها التى لا زال الدين يشكلها فى الأعم من مظاهرها، وعلى الأخص فى مجال اختيار أنماط الحياة التى يتعايش معها أفراد الأسرة الواحدة . ويرتضونها طريقاً لتوجهاتهم بما يصون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها. وكلما كان التنظيم التشريعى لبنيان الأسرة ملتئماً مع الدين والأخلاق والوطنية ، نابعاً من ضرورة إسهامها فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية على تباين مستوياتها، فان قَوْدَها لها يكون واقعاً حياً، منبئاً حقاً وعدلاً، عن إطار تقدمى لمجتمعها.
وحيث إن دورة الحياة Life Cycle التى تمتد إليها العلائق الزوجية ، قوامها المودة والرحمة ، وجوهرها مباشرة أفرادها لمسئولياتهم إنصافاً، وبوجه خاص من خلال التقيد بجوانبها التى حددتها القواعد الآمرة للدين، أو التى يقتضيها صون كرامتهم الأصيلة Innate Dignity أو ضمان أمنهم بيئياً Environmental Security أو التمكين من إنماء ملكاتهم Empowerment of Potentials وبذلك وحده يكون بنيان الأسرة أونسيجها، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر.
وحيث إن دستور جمهورية مصر العربية نص فى المواد (٩، ١٠، ١١، ١٢ ) على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية ، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد – هو ما ينبغى الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة ، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وكذلك التوفيق بين عملها فى مجتمعها، وواجباتها فى نطاق أسرتها – وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة الإسلامية – هو ما ينبغى أن تتولاه الدولة ، وتنهض عليه، باعتباره واقعاً فى نطاق مسئوليتها، مشمولاً بإلتزاماتها التى كفلها الدستور.ومجتمعها مقيد كذلك بضرورة التمكين للقيم المصرية الأصيلة ، وبصون الأخلاق وحمايتها، وبأن يكون للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية – محدد موقعها ودورها على ضوء أعمق مستوياتها وأرفعها شأناً – روافد لا انقطاع لجريانها.
وحيث إن الدستور بذلك، أقام من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها – إطاراً للأسرة ، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – فى تراثها وتقاليدها ومناحى سلوكها – عن دورها الاجتماعى ، ولا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسياً بها. وإلتزامها بالخلق القويم، لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيطها ليهيمن على طرائقها فى الحياة وليس التعبير عن الوطنية – فى محتواها الحق – رنيناً مجرداً من المضمون، بل انتماء مطلقاً لآمال المواطنين، وانحيازاً صارماً لطموحاتهم يقدم مصالحهم – فى مجموعها – على ما سواها. والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتها انفلاتاً بئيساً، ولاحريتها نهباً لقهر أو طغيان، ولا حقوقها إنطلاقاً بلا قيد، ولاواجباتها تشهياً بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعى بين آحادها.
وحيث إن البين من المادة (٦٩ ) من قانون العاملين المدنيين فى الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٨، أن المشرع صاغها من بندين، يجرد أولهما الجهة الإدارية من سلطتها التقديرية فى شأن منح الإجازة الخاصة التى ينظمها، ضماناً لوحدة الأسرة ، وإلتزاماً بقيمها وتقاليدها، وتنظيماً لشئونها بما يوفق بين عمل المرأة وواجباتها قبل أسرتها. ويمنح ثانيهما هذا الاختصاص لتلك الجهة ، فى شأن الإجازة التى يطلبها العامل فى غير الأحوال التى يحكمها البند الأول من تلك المادة التى جرى نصها كا لآتى :
(١) يمنح الزوج أو الزوجة إذا سافر أحدهما إلى الخارج للعمل أو الدراسة لمدة ستة أشهر على الأقل، أجازه بدون مرتب . ولايجوز أن تجاوز هذه الإجازة مدة بقاء الزوج فى الخارج. ويسرى هذا الحكم سواء كان الزوج المسافر من العاملين فى الحكومة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص.
ويتعين على الجهة الإدارية أن تستجيب لطلب الزوج أو الزوجة فى جميع الأحوال.
(٢) يجوز للسلطة المختصة منح العامل إجازة بدون مرتب للأسباب التى يبديها العامل وتقدرها السلطة المختصة ووفقاً للقواعد التى تتبعها.
وحيث إن المذكرة الإيضاحية للمادة (٦٩) المشار إليها، تقرر فى وضوح أن المشرع قد وازن – من خلال بنديها – بين رعاية العامل المتزوج وصيانة الأسرة ، وبين حسن سير العمل. وهو مايعنى أن بندها الأول يعكس مصالح الأسرة ، ويكفل وحدتها، بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أوصالها، وبعثرة جهودها، وتنازع أفرادها، وعلى الأخص من خلال تفرق أبنائها بين أبوين لا يتواجدان معاً، بما يرتد سلباً على صحتهم النفسية والعقلية والبدنية ، ويقلص الفرص الملائمة لتعليمهم، وإعدادهم لحياة لا تكون الأسرة معها بنياناً متهافتاً، أو متهاوياً.
وهذا الاتجاه، هو ما يدل عليه التنظيم القائم بفرنسا، ذلك أن المادة (٤٧) من مرسومها رقم ٨٥ – ٩٨٦ الصادر فى ١٦ / ٩ / ١٩٨٥ – تقرر ما يأتى
La mise en disponibilité est accordée est accor deé droit au fonctionnaire , sur sa demande
a) pour donner des soins au conjoint , a un enfant ou un ascendant a la suite dun accident ou dune maladie graves .
b) ……………………………………………………
C) pour suivre son conjoint lors que celui – ci est astreint a etablir sa résidence habituelle , a raison de sa profession , en une lieu éloigné du lieu d exercice des fonctions du fonctionnaire.
وهى بذلك تدل على أن الموظفين العامين – وبناء على طلبهم – لايوضعون بقوة القانون خارج الجهة التى يعملون بها، مع بقائهم تحت تصرفها le mise en disponibilité إلا فى أحوال محددة ، من بينها أن يكون هذا الإجراء لازماً لتقديم الرعاية لزوج أصيب فى حادثة جسيمة أوبمرض خطير، أو ليلحق الموظف العام بزوج – اضطر بسبب مهنته – لأن يقيم على وجه الاعتياد بعيدا عن مكان مباشرة المهام الوظيفية .
وحيث إن وحدة الأسرة – فى الحدود التى كفلها الدستور – يقتضيها أمران: –
أولهما : – أن تماسكها وعدم إنفراطها، توكيد لقيمها العليا، وصون لأفرادها، فلاينحرفون طريقاً أو ينفلتون سلوكاً، ليظل تأسيسها على الدين والخلق، إطاراً.
ثانيهما: – أن الوطنية التى ينبغى أن تتحلى الأسرة بها، تفقد مقوماتها، إذا لم يوفر المشرع لأفرادها مناخاً ملائماً، يعزز قوة الوطن ولا يضعفها أو ينحيها. ووحدة الأسرة هى الضمان الأولى ، والمبدئى ، لإشرابهم غريزة القتال والنضال، ليكون لأمتهم هيبتها ومكانتها، فلا تنكص على عقبيها، وجلاً أو تفريطاً.
وحيث إن النص المطعون فيه، يخول الجهة الإدارية التى يتبعها عضو هيئة التدريس، سلطة تقديرية تترخص معها فى منح الإجازة الخاصة التى يطلبها هذا العضو لمرافقة زوجها أو زوجته التى أذن لأيهما بالسفر إلى الخارج، وكان منح الجهة الإدارية تلك الاجازة أو منعها، يتم وفقاً لمطلق تقديرها، على ضوء ما يكون متطلباً فى نظرها لحسن سير العمل، وكانت الأسرة التى حرص الدستور على صون وحدتها، وأقامها على الدين والخلق والوطنية ، هى الأسرة المصرية بأعرافها وتقاليدها وتضامنها وتراحمها واتصال روابطها، فإن الحماية التى كفلها الدستور لها، لا تتحدد بالنظر إلى موقعها من البنيان الاجتماعى ، ولا بطبيعة عمل أحد الأبوين أو كليهما، ولا بواقعة خضوعهما أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام، بل يتعين أن يكون مفهوم الأسرة ومتطلباتها، نائياً بها عما يقوض بنيانها، أو يضعفها، أو يؤول إلى إنحرافها، وإلا كان ذلك هدماً لها، وإخلا لاً بوحدتها التى ما قصد الدستور صونها لذاتها، بل بوصفها طريقاً وحيداً لإرساء مقوماتها على قواعد محددة لا يستقيم أمرها بغيرها .
وحيث إن النص المتقدم، يخل كذلك بفرص العمل، وبحرية إجراء البحوث العلمية التى تتهيأ فى الخارج لأحد الزوجين وفقاً للنظم المعمول بها فى جمهورية مصر العربية ، ذلك أن الجهة الإدارية ، هى التى توفر بنفسها إمكان الانتفاع بهذه الفرص أو مباشرة تلك الحرية ، من خلال تراخيص السفر التى تمنحها للعاملين فيها. ولا يسوغ من بعد، أن تخل بوحدة الأسرة وترابطها، من خلال منعها أحد الزوجين من اللحاق بالآخر، ليكون انفصالهما فارقاً لبنيان الأسرة ، نافياً تلاحمها، مقيماً شريعتها على غير الحق والعدل.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها، بدءاً بدستور ١٩٢٣، وانتهاءً بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة ، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها.
وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك، إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين، فى حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام
ولئن نص الدستور فى المادة (٤٠) على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ، ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك، لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك، أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة (٤٠) من الدستور، ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعى ، أو انتمائهم الطبقى ، أو ميولهم الحزبية ، أو نزعاتهم العرقية ، أو عصبيتهم القبلية ، أو إلى موقفهم من السلطة العامة ، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لاتظاهرها أسس موضوعية تقيمها؛ وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكميه من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بانكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة .
وحيث إن النص المطعون فيه، قد أفرد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، بتنظيم خاص ينال من وحدة الأسرة وترابطها، ويخل بالأسس التى تقوم عليها، وبالركائز التى لا يستقيم مجتمعها بدونها، ومايز بذلك – وعلى غير أسس موضوعية – بينهم وبين غيرهم من العاملين المدنيين فى الدولة ، فإنه بذلك يكون متبنياً تمييزاً تحكمياً، منهياً عنه بنص المادة (٤٠) من الدستور.
وحيث إنه على ضوء ماتقدم، يكون النص المطعون فيه قد وقع فى حمأة مخالفة أحكام المواد (٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ٤٠، ٤٩) من الدستور.
وحيث إن الحكم ببطلان النص المطعون فيه – على ماتقدم – يعنى الرجوع فى شأن المسائل التى كان ينظمها، إلى القواعد المقررة بصددها فى قانون العاملين المدنيين بالدولة .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (٨٩) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ بشأن تنظيم الجامعات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .