حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٠ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٠ لسنة ١٥ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٣ ديسمبر ١٩٩٤ الموافق ٢٩ جمادى الآخرة ١٤١٥ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: – الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين.
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى علي جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
:
فى القضية المقيد ة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٠ لسنة ١٥ قضائية دستورية
المقامة من
السيد / رئيس مجلس إدارة شركة الشرق للتأمين بصفته
ضد
١ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٢ – السيد / وزير العدل
٣ – السيد / وصفي جرجس عبد القدوس المحامى
٤ – السيد / عبد الله عبد المقصود عبد اللطيف المحامى
الإجراءات
بتاريخ ٤ سبتمبر سنة ١٩٩٣ أودع المدعى بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (٥٥) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، وذلك فيما قررته من جواز تنازل المحامى أو ورثته عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة مهنة حرة ولو كانت المحاماة أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة وما يرتبه هذا النص من آثار قانونية على ذلك التنازل.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقد نُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليه الثالث استأجر الشقة رقم (١) التى تملكها الشركة المدعية والكائنة فى العقار رقم (٩) بشارع تيتو بك كينى بالإسكندرية وذلك بموجب عقد إيجار مؤرخ ٥ يناير سنة ١٩٧٥، وبغرض استعمالها مكتباً للمحاماة ، وبتاريخ ١٥ يوليو سنة ١٩٩٢ تنازل المدعى عليه الثالث عن إيجار الشقة المذكورة إلى المدعى عليه الرابع للانتفاع بها فى ذات الغرض نظير ثمن إجمالى قدره خمسة آلاف جنيه، وكان المدعى بصفته قد أقام الدعوى رقم ٣٥٠٥ / ٩٢ مساكن أمام محكمة الإسكندرية الإبتدائية ضد المدعى عليهما الثالث والرابع بطلب الحكم بإخلائهما من العين المؤجرة ، إستناداً إلى نص الفقرة (ج) من المادة (١٨) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ التى تجيز للمؤجر طلب إخلاء المكان المؤجر فى حالة تنازل المستأجرعنه بغير إذن كتابى صريح من المالك، وإلى حكم
المحكمة الدستورية العليا
الصادر بجلسة ٢٧ مايو سنة ١٩٩٢ فى الدعوى الدستورية رقم ٢٥ لسنة ١١ قضائية الذى قضى بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٥٥) من قانون المحاماة الآنف بيانه. وأثناء نظر دعواه الموضوعية دفع المدعى بصفته بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (٥٥) المشار إليها، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية ، فقد صرحت له برفع دعواه الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة . وعقب قيدها، قضت المحكمة المذكورة بجلسة ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٩٣، بوقف الدعوى الموضوعية حتى يصدر حكم فى المسألة الدستورية .
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، إذ كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق بنزول المدعى عليه الثالث عن إجارة العين التى اتخذها مكتباً للمحاماة إلى المدعى عليه الرابع بوصفه محامياً لتمكينه من الانتفاع بها فى ذات الغرض، وكانت
المحكمة الدستورية العليا
سبق لها أن قضت فى الدعوى رقم ٢٥ لسنة ١١ قضائية دستورية بجلسة ٢٧ مايو سنة ١٩٩٢ بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (٥٥) من قانون المحاماة المشار إليه وذلك فيما قررته من جواز نزول المحامى أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة ، وما يرتبه هذا النص من آثار قانونية على التنازل المشار إليه، وقد نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بتاريخ ١٥ يونيو سنة ١٩٩٢، وكان من المقرر أن قضاء هذه المحكمة فى تلك الدعوى وفى حدود ما فصلت فيه فصلاً قاطعاً إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة ، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعى إلى نقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته، ومن ثم فإن مصلحة المدعى الشخصية المباشرة ، إنما تتحدد فى جواز نزول المحامى أو ورثته استثناء من حكم المادة (٢٠) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة مهنة المحاماة ، وتغدو الدعوى الراهنة فيما يجاوز هذا النطاق ويتعداه، غير مقبولة .
وحيث إن المدعى بصفته ينعى على الفقرة الثانية – الآنف بيانها – أنها فيما قررته من إيثارالمحامى أو ورثته بميزة النزول عن حق إيجار مكتب المحاماة لمن يزاول مهنة المحاماة ، وحرمان مالك العين من الحق فى أن يتقاسم مع المتنازل المقابل المعروض للتنازل عنها، تكون قد أخلت بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة فى المادتين (٣٢، ٣٤) منه، وانطوت كذلك على مخالفة لمبدأى تكافؤ الفرص ومساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليها فى المادتين (٨، ٤٠) من الدستور.
وحيث إن الدستور – اعلاء من جهته لقدر الملكية الخاصة ، ولدورها فى صون الأمن الاجتماعى وإرساء أسس التقدم – قد نص على أن حمايتها حق مكفول لكل فرد – وطنياً كان أم أجنبياً – ولم يجز بالتالى المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وبالقدر وفى الحدود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، باعتبار أنها – فى صورها الأكثر وقوعاً فى الحياة العملية – عائدة إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها العرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، ليختص من بعد بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا ينازعه فيها خصيم ليس بيده ما يسوغ انتقالها إليه، وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديدا لقيمتها، أو بما يؤول إلى استخدامها على وجه يعطل مصالح الجماعة ، وبوجه خاص ما يتعلق منها بالتنمية . بل يتعين دوماً أن تكون من وسائلها، وأن توفر لها من الحماية أسبابها التى تُعينها على أداء دورها، وإذ كانت الملكية فوق هذا وفى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى ، وليس لها من الحصانة ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، فقد ساغ تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل يمليها واقع اجتماعى معين فى بيئة بذاتها لها خصائصها ومقوماتها وتوجهاتها. وعلى ضوء هذا الواقع، وبمراعاة طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، يقرر المشرع إطار الموازنة التى يجريها ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور. متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة .
وحيث إن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، قد نص فى مادته الأولى على أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية فى تحقيق العدالة وتوكيد سيادة القانون، وضمان الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويمارسها المحامون وحدهم فى استقلال، ولا سلطان عليهم فى ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون، وكان هذا القانون تمكيناً لأداء المحامين لواجباتهم بما يرعى أصول المهنة وقيمها قد نص فى المادة (١٤) منه على حظر الجمع بين المحاماة وغيرها من الأعمال التى قرر منافاتها لها. ولم يجز بمقتضى نص المادة (٥٠) منه وفى الأحوال المنصوص عليها فى المادة (٤٩) حبس المحامى احتياطياً أو القبض عليه، وحتم ألا ترفع الدعوى العمومية عليه إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول. وقرن ذلك بالمادتين (٥١، ٥٤) التى تنص أولاهما على عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة ، وتقرر ثانيتهما معاقبة كل من أهان محامياً أو قام بالاعتداء عليه وكذلك كل من هدده أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يقارفون هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة ، وكان المشرع قد قدر بالنص المطعون فيه أن النهوض بمهنة المحاماة فى إطار الأغراض التى تتوخاها، يقتضى أن تتواصل مباشرتها بين أجيال القائمين عليها، فلا ينفصم اتصالهم بالأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولتها، بل يكون ارتباطهم بها مطرداً لا انقطاع فيه وفاءً بتبعاتها. متى كان ذلك، فإن نزول محام لأحد زملائه عن حق إجارة العين التى يستخدمها مكتبا للمحاماة وفى الحدود التى لا يتعارض فيها هذا التنازل مع الحقوق التى يقابلها، والمقررة لمالكها وفقاً للقواعد العامة لا يناقض فى ذاته حق الملكية ولا يخل بمقوماتها، بل هو أدخل إلى تنظيمها فى إطار وظيفتها الاجتماعية بفرض قيود عليها لا تخرجها عن طبيعتها.
وحيث إن النص التشريعى المطعون فيه قد نظم العلاقة الإيجارية فى بعض جوانبها مقرراً استثناء كل محام وورثته من بعده من الخضوع للقواعد العامة التى تضمنها القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك إذا تنازل لغيره من المحامين عن حق إجارة العين التى كان قد اتخذها مكتباً للمحاماة ، وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق انها سلطة تقديدية ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لايجوز تخطيها لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيداً وفعالاً، وكانت الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة فى مادته الثانية والثلاثين مناطها تلك الملكية التى لا تقوم على الاستغلال، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين، ولا تنافى مقاصدها الأغراض التى تتوخاها وظيفتها الاجتماعية ، وكان المشرع فى مجال تنظيم العلائق الإيجارية وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه كافلاً للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لايجوز أن يكون شكلياً، بل يتعين أن يكون حقيقة واقعة قانوناً، وإلا آل أمر هذه النصوص إلى إبطالها من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها، ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية لا يجوز أن تكون مدخلاً لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها، ولا أن يحصل من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانونى فى مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وناقض جوهر الملكية التى لا يجوز أن تكون ثمارها عائدة إلى غير أصحابها، بما مؤداه: ومن زاوية دستورية امتناع إهدار الحدود المنطقية التى يقوم بها التوازن فى العلاقة الإيجارية ، وهو ما يتحقق بالضرورة كلما انحدر الميزان كلية فى اتجاه مناقض للمصالح المشروعة لأحد طرفيها. وبوجه خاص من خلال تخويل مستأجر العين مزايا بعيدة فى مداها تخل بالحقوق الأصيلة التى كان ينبغى ضمانها لمؤجرها، إذ يعتبر ذلك اقتحاما لحق الملكية عاصفا بمقوماتها، وانتهاكاً لمجالاتها الحيوية التى لا يجوز المساس بها باعتبارها علة تقريرها ومناط حمايتها. ولا ينال مما تقدم أن يقال بأن النص المطعون فيه من قبيل التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن سواء كانت مهيأة للسكنى أو معدة لغير ذلك من الأغراض، ذلك أنه حتى وإن صح ذلك، إلا أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات التى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريان آثارها بأثر مباشر على عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها لا تعصمها من الخضوع للدستور، ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التى تباشرها
المحكمة الدستورية العليا
على دستورية القوانين، بل يتعين اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور.
وحيث إن المادة (٢٠) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه تنص على أنه يحق للمالك عند قيام المستأجر فى الحالات التى يجوز فيها بيع المتجر أو المصنع أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير ذلك من الأغراض، الحصول على ٥٠ % من ثمن البيع أو مقابل التنازل بحسب الأحوال بعد خصم قيمة المنقولات التى بالعين. وعلى المستأجر قبل إبرام الاتفاق إعلان المالك على يد محضر بالثمن المعروض، ويكون للمالك الحق فى الشراء إذا أبدى رغبته فى ذلك، وأودع الثمن مخصوماً منه نسبة ال ٥٠ % المشار إليها خزانة المحكمة الجزئية الواقع فى دائرتها العقار إيداعاً مشروطاً بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العين، وذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان. وبانقضاء ذلك الأجل يجوز للمستأجر أن يبيع لغير المالك مع إلتزام المشترى بأن يؤدى للمالك مباشرة نسبة ال ٥٠ % المشار إليها.
وحيث إن من المقرر وفقاً للقواعد العامة التى تنظم الروابط الإيجارية ، أن مستأجر العين التى يستخدمها فى السكن أو لغير ذلك من الأغراض، مقيد إذا أراد التنازل عن حق إجارتها إلى الغير، بأن يتم هذا التنازل بناء على نص فى القانون أو وفقاً لترخيص صادر عن مالكها صريحاً كان أم ضمنياً وسواء أكان هذا الترخيص مدرجاً فى عقد الإجارة الأصلية أم وارداً فى اتفاق لا حق على إبرامها. وإذ كان التنازل عن حق إجارة العين فى الأحوال التى يجوز فيها قد يؤول إلى حصول المتنازل على مبالغ ضخمة لا ينال منها مالكها شيئا أياً كان مقداره، بل ينفرد بها المتنازل من دونه، وكان ذلك بكل المقاييس ظلماً فادحاً يلحق بمالكها أبلغ الأضرار، فقد أقر المشرع نص المادة (٢٠) آنفة البيان التى عَدَل بها عما كان معمولا به قبلها من اختصاص مستأجر العين وحده بمقابل التنازل عنها، وليعيد بموجبها إلى العلائق الإيجارية توازناً كان قد اختل فيما بين أطرافها، وذلك من خلال أمرين يمثلان معاً حلاً منصفاً لمواجهة تنازل مستأجر العين عن حق إجارتها تنازلاً نافذاً فى حق مالكها: أولهما: أن يحصل مالكها على ٥٠ % من مقابل التنازل بعد خصم قيمة المنقولات التى فى العين، وهو تنازل يتم باتفاق بين المتنازل والمتنازل إليه فى شأن انتقال منفعة العين إليه، وليس لمالكها شأن فيه. ثانيهما: تقرير أولوية لمالكها فى الانتفاع دون المتنازل إليه بالعين التى قام بتأجيرها إلى المتنازل، وذلك بشرط أن يعلن عن رغبته هذه عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع فى دائراتها العقار ٥٠ % من مقابل التنازل المعروض، على أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها وتسليمها.
وحيث إن ما قرره النص المطعون فيه من استثناء النزول عن حق إجارة العين إذا صدر من محام حال حياته أو من ورثته من بعده من الخضوع للأحكام العامة التى تضمنتها المادة (٢٠) المشار إليها، قد دل بعبارة قاطعة لا لبس فيها على أن هذا النص لم يلتزم بالقواعد التى تنظم التنازل بوجه عام، بل أسقطها بتمامها ليمتنع على المالك بعدئذ الخيار بين حقين كفلتهما المادة (٢٠) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، هما أن يحصل على ٥٠ % من مقابل التنازل إذا أراد أعمال آثاره، أو أن يستعيد العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة مع إنهاء العلاقة الإيجارية التى ارتبطا بها فى شأنها. بيد أن النص المطعون فيه حرم من يملكون الأماكن المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولة مهنة المحاماة ، من هذين البديلين كليهما، واعتبر تنازل المحامين وورثتهم من بعدهم عن حق إجارة تلك الأعيان، نافذاً نفاذاً فورياً قبل ملاكها، ومقروناً باستمرار عقود الإيجار المبرمة فى شأنها لصالح المتنازل إليهم، بما مؤداه: التعرض لحق ملكيتهم على الأعيان المؤجرة من خلال منعهم من الاستئثار بمنافعها
وحيث إن قانون المحاماة بعد أن حرص على توكيد سيادة القانون من خلال دعم مهنة المحاماة ، والتمكين من أداء رسالتها، وبمراعاة أصول المهنة ومتطلباتها سعياً للنهوض بها، أتى بالنص المطعون فيه لتبدو الأحكام التى تضمنها غريبة فى بابها، منعزلة عن مجموع الأحكام التى يشتمل عليها هذا القانون، منافية بمضمونها للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة ، وهو تنظيم خاص توخى تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة ، بما لا يخل بمقوماتها، أو ينال من الأسس اللازمة للوفاء بتبعاتها محددة على ضوء الأغراض التى ترمى هذه المهنة إلى بلوغها. متى كان ذلك، فإن النص المطعون فيه يكون من فصلاً عن الأحكام التى تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام على رسالتها، ذلك أن الحقوق التى يرتبها للمحامين فيما بين بعضهم البعض لقاء التنازل عن الأعيان المتخذه مقاراً لمزاولة مهنة المحاماة ، لازمها إلغاء حقوق ملاكها إلغاء كاملاً ونهائياً، إذ تقدم للمحامين دون غيرهم من المتنازلين عن حق الإجارة ، ميزة استثنائية ينفردون بها، وتعصمهم من أن يؤدوا لمن يملكون الأعيان شيئاً منها ولو ضؤل، وتنقل إلى المتنازل إليه منفعة العين المؤجرة دون رضاء صاحبها، ولا يدخل ذلك فى نطاق التنظيم التشريعى لحق الملكية ، بل هو عدوان عليها، ذلك أن النص المطعون فيه يقدم المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة ، ولا يختار أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، منافياً بذلك المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق فى نطاقها، ومجاوزاً بذلك الحدود المنطقية لعلاقة كان ينبغى أن تتوازن فيها المصالح لا أن تتصادم، ومغلباً مصالح فئة بذاتها من المواطنين على سواهم بإيثار أفرادها بمزايا مالية يختصون بها دون غيرهم.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها بدءً بدستور ١٩٢٣ وانتهاءً بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون de jure، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للمصلحة العامة . ولئن نص الدستور فى المادة (٤٠) منه على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن ايراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ، ولا يدل البته على انحصاره فيها، إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة (٤٠) من الدستور، ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعى ، أو انتمائهم الطبقى ، أو ميولهم الحزبية ، أو نزعاتهم العرقية ، أو عصبيتهم القبلية ، أو إلى موقفهم من السلطة العامة ، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها، وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة .
متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه يتوخى بالمزايا والحقوق التى كفلها للمحامين دون سواهم، تفضيلهم على من عداهم من المستأجرين، واستبعاد هؤلاء من الإفادة منها رغم تماثلهم جميعاً فى مراكزهم القانونية ، ودون أن يستند هذا التمييز إلى مصلحة مشروعة ، بل عمد المشرع إلى نقيضها، فإن النص المطعون فيه يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية اللازمة لحمله، ومنهياً عنه بنص المادة (٤٠) من الدستور، باعتباره متبنياً تمييزاً تحكمياً. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة وأهدر مبدأ المساواة أمام القانون، فانه يكون مخالفاً لأحكم المواد (٣٢، ٣٤، ٤٠) من الدستور.
وحيث إنه لا محاجة فى القول بأن النص التشريعى المطعون فيه يوفر مزيداً من الرعاية للمحامين تقديراً لدورهم فى الدفاع عن حقوق المواطنين، ذلك أن قيام المحامين على واجباتهم الأصيلة ، ونهوضهم بمسئولياتها، لا يصلح سنداً لإهدار الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية فى المادتين (٣٢، ٣٤) منه، وهما تكفلان دعم الملكية الخاصة ممثلة فى رأس المال غير المستغل، وتقرران صونها فى إطار وظيفتها الاجتماعية ، وباعتبار أن الحماية الدستورية لحق الملكية تمتد إلى عناصره المختلفة ، ويندرج تحتها استعمال المالك للشئ فى كل ما أعد له، واستغلاله استغلالاً مباشراً أو غير مباشر، جنياً لثماره.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٥٥) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، فيما قررته من استثناء التنازل فيما بين المحامين بعضهم البعض فى شأن الأعيان المؤجرة المتخدة مقاراً لمزاولة مهنة المحاماة ، من الخضوع لحكم المادة (٢٠) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .