حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢ لسنة ١٤ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢ لسنة ١٤ دستورية
تاريخ النشر : ١٥ – ٠٤ – ١٩٩٣

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (أ) من المادة ١٥ من قانون الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة، الصادر بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥، وذلك فيما تضمنه من عدم جواز الحجز علي أموال هذه الهيئات.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد وولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
إن قانون الهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة الصادر بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥ لا يعدو أن يكون حلقة فى التنظيم التشريعى للجمعيات الخاصة التى كان القانون المدنى يتولى ابتداء بيان أحكامها ثم آل الأمر إلى تفرقها و تشتتها فى تشريعات متعددة مما حمل المشرع على أن يجمعها فى صعيد واحد، و اقتضاه ذلك انتزاعها من صلب القانون المدنى، و إقرار تشريع خاص بها يستقل ببيان أحكامها تمثل بوجه خاص فى قانون الجميعات و المؤسسات الخاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٤ إذ أفرد تنظيماً متكاملاً لها متضمناً قواعد تأسيسها و شهرها و أغراضها و ميزانياتها و الجهة التى تودع فيها أموالها و قواعد انفاقها و واجباتها و أحكام الرقابة عليها و كيفية إدارتها. و قد دل هذا القرار بقانون على أن هذه الجمعيات تعد من أشخاص القانون الخاص، و تسرى عليها – فيما تباشره من أعمال – طبقاً لنظامها و فى حدود أغراضها – قواعد هذا القانون.

– – – ٢ – – –
الأصل فى نشاط الجمعية أن يتقيد بمبدأ التخصص بما مؤداه انحصاره فى حدود الأغراض المقصودة من إنشائها. و إذ كان ملحوظا أن غرض الجمعية قد يتمحض عن مصلحة عامة يكون نشاطها دائراً فى فلكها، مرتبطا بها، موجها لتحقيقها دون سواها، فقد قدر المشرع أن قيامها على هذه المصلحة و تكريسها لجهودها من أجل الوفاء بها، يقتضيها التمتع بقدر أكبر من الحقوق تعينها على إشباعها، دون ما إخلال بحقيقة هذه الجمعيات بوصفها من أشخاص القانون الخاص الاعتبارية، و لهذا نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٤ المشار إليه – فى المواد ٦٣،٦٤،٦٥ منه – على أن الجمعية تكون ذات منفعة عامة إذا كان يقصد بها تحقيق مصلحة عامة ، و أن اعتبارها كذلك لا يكون إلا بقرار من رئيس الجمهورية، و أن تمكينها من النهوض بالمصلحة العامة التى تقوم عليها و إشباعها لمتطلباتها، يقتضى من ناحية استثناءها من قيود الأهلية المتعلقة بتملكها للأموال، المنقولة منها و العقارية، و يخول رئيس الجمهورية من ناحية أخرى، أن يمنحها جانباً من خصائص السلطة العامة أو امتيازاتها. من بينها عدم جواز الحجز على أموالها كلها أو بعضها، و عدم جواز تملك أموالها بالتقادم، و جواز قيام الجهة الإدارية بنزع ملكية بعض الأموال لصالح الجمعية لتحقيق المنفعة العامة التى تستهدفها.

– – – ٣ – – –
من أجل دعم الهيئات العاملة فى ميدان رعاية الشباب و الرياضة بإعتبارها من الهيئات الخاصة ذات النفع العام، و التى تتوخى تنمية الشباب فى مراحل عمره المختلفة، و إتاحة الأوضاع المناسبة لتطوير ملكاتهم عن طريق توفير الخدمات الرياضية و القومية و الاجتماعية و الروحية و الصحية فى إطار السياسية العامة للدولة، و على ضوء التخطيط الذى يضعه المجلس الأعلى للشباب و الرياضة، تضمن قانون الهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة الصادر بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥ تنظيما شاملاً لها، مقرراً عدم سريان أحكام القانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٤ فى شأن الجمعيات و المؤسسات الخاصة عليها، و محدداً قواعد شهرها، و مؤكداً بصريح نص المادة ١٥ منه أن الهيئات الأهلية لرعاية الشباب و الرياضة تعتبر من ” الهيئات الخاصة ذات النفع العام ” و أن كلا منها يتمتع – و بنص القانون – بإمتيازات السلطة العامة الآتية :
“أ” عدم جواز الحجز على أموالها إلا استيفاء للضرائب و الرسوم المستحقة للدولة.
“ب” عدم جواز تملك هذه الأموال بمضى المدة .
“ج” جواز نزع الملكية للمنفعة العامة لصالحها.
كما نص هذا القانون على أن تعتبر أموال الهيئات من الأموال العامة فى تطبيق أحكام قانون العقوبات.

– – – ٤ – – –
من المقرر – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة الدستورية العليا – أن المصلحة الشخصية المباشرة – و هى شروط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، و ذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلاً بالحق فى الدعوى، و مرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية و ليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة ، و من ثم شرط المصلحة الشخصية المباشرة بإعتباره مبلوراً فكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية ، محدداً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، و منفصلاً دوما عن مطابقة النص التشريعى المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفة لضوابطه ، و مستلزماً أبداً أن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية موطئا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية . متى كان ذلك ، و كان النزاع فى الدعوى الموضوعية يدور فى جوهره حول صحة أو بطلان الحجز الذى أوقعه المدعون على أموال اتحاد كرة القدم ، فإن نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها – فى الطعن الماثل – يتحدد على ضوء ما تضمنته المادة ١٥ سالفة البيان من أحكام تتعلق بعدم جواز الحجز على أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة، و من ثم تنحصر المسألة الدستورية – فى الدعوى الراهنة – فى هذا النطاق و لا تتعداه إلى امتيازات السلطة العامة الأخرى التى خولتها هذه المادة لتلك الهيئات.

– – – ٥ – – –
متى كان المدعون ينعون على النص التشريعي المطعون فيه تعارضه مع الفقرة الأولى من المادة ٢٣٤ من القانون المدني التي تنص على أن أموال المدعين جميعها ضامنة للوفاء بديونه وأن الدائنين متساوون في هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون، وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح هو مخالفة النص التشريعي المطعون عليه لنص في الدستور، ولا تمتد رقابتها بالتالي لحالات التعارض بين القوانين واللوائح، ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، فإن النعي بمخالفة النص التشريعي المطعون لنص وارد في القانون المدني، لا يعدو أن يكون نعياً بمخالفة قانون لقانون، وهو ما لا يشكل مخالفة لأحكام الدستور، ولا تختص المحكمة الدستورية العليا بنظره.

– – – ٦ – – –
يفترض حق التقاضى – ابتداء و بداهة – تمكين كل متقاض من النفاذ إلى القضاء نفاذا ميسراً لا تثقله أعباء مالية، و لا تحول دونه عوائق إجرائية ، و لا يعدو هذا النفاذ – بما يعنيه من حق كل شخص فى اللجوء إلى القضاء و أن أبوابه المختلفة غير موصدة فى وجه من يلوذ بها ، و أن الطريق إليها معبد قانونا – أن يكون حلقة فى حق التقاضى تكملها حلقتان أخريان لا يستقيم بدونهما هذا الحق، و لا يكتمل وجوده فى غيبة إحداهما، ذلك أن قيام الحق فى النفاذ إلى القضاء لا يدل بذاته و لزوما على أن الفصل فى الحقوق التى تقام الدعوى لطلبها موكول إلى أيد أمينة عليها تتوافر لديها – و وفقا للنظم المعمول بها أمامها – كل ضمانة تقتضيها إدارة العدالة إدارة فعالة، بما مؤداه أن الحلقة الوسطى فى حق التقاضى هى تلك التى تعكس حيدة المحكمة و إستقلالها، و حصانة أعضائها و الأسس الموضوعية لضماناتها العملية، و هى بذلك تكفل بتكاملها المقاييس المعاصرة التى توفر لكل شخص حقا مكتملا و متكافئا مع غيره فى محاكمة منصفة و علنية تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ينشئها القانون ، تتولى الفصل – خلال مدة معقولة – فى حقوقه و إلتزاماته المدنية أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه، و يتمكن فى كنفها من عرض دعواه و تحقيق دفاعه و مواجهة أدلة خصمه رداً و تعقيباً فى إطار من الفرص المتكافئة، و بمراعاة أن تشكيل المحكمة، و أسس تنظيمها، و طبيعة القواعد الموضوعية و الإجرائية المعمول بها فى نطاقها ، و كيفية تطبيقها من الناحية العملية ، هى التى تحدد لتلك الحلقة الوسطى ملامحها الرئيسية . متى كان ما تقدم، و كان حق التقاضى لا تكتمل مقوماته أو يبلغ غايته ما لم توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفا يمثل التسوية التى يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يسعى إليها لمواجهة اخلال بالحقوق التى يدعيها، فإن هذه الترضية – و بإفتراض مشروعيتها و اتساقها مع أحكام الدستور – تندمج فى الحق فى التقاضى باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، و لارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة ، ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، و إنما غايتها اقتضاه منفعة يقرها القانون، و تتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها و حكم القانون بشأنها. و اندماج هذه الترضية فى الحق فى التقاضى ، مؤداه أنها تعتبر من مكوناته، و لا سبيل لفصلها عنه، و إلا فقد هذا الحق مغزاه، و آل سرابا.

– – – ٧ – – –
إنكار الحق فى الترضية القضائية سواء يمنعها ابتداء، أو بإقامة العراقيل فى وجه اقتضائها، أو بتقديمها متباطئة متراخية دون مسوغ، أو بإحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة فى ذاتها بصفة جوهرية ، لا يعدو أن يكون إهدارا للحماية التى يفرضها الدستور و القانون للحقوق التى وقع العدوان عليها، و إنكارا للعدالة فى جوهر خصائصها و أدق توجهاتها. و بوجه خاص كلما كان طريق الطعن القضائى لرد الأمور إلى نصابها ممتنعا أو غير منتج، و كان من المقرر أنه ليس لازما لإنكار العدالة و إهدار متطلباتها أن يقع العدوان على موجباتها من جهة القضاء ذاتها ، ذلك أن السلطة التشريعية أو التنفيذية قد تفرض من العوائق ما يحول دون بلوغ الترضية القضائية، سواء عن طريق حرمان الشخص من إقامة دعواه، أو من نظرها فى إطار من الموضوعية ، و وفق الوسائل القانونية السليمة. و من ثم لا يعتبر إنكار العدالة قائمة فى محتواه على الخطأ فى تطبيق القانون، و إنما هو الإخفاق فى تقديم الترضية القضائية الملائمة، و هو ما يتحقق بوجه خاص إذا كانت الوسائل القضائية المتاحة لا توفر لمن استنفدها الحماية اللازمة لصون حقوقه، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية القضائية التى يأملها ، لا طائل من ورائها.

– – – ٨ – – –
بغير اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها و حمل الملزمين بها على الرضوخ لها، فإن هذه الترضية تغدو هباء منثورا، و تفقد قيمتها من الناحية العملية، و هو ما يفيد بالضرورة إهدار الحماية التى فرضها الدستور و المشرع – كلاهما – للحقوق على اختلافها و تكريس العدوان عليها، و تعطيل دور القضاء المنصوص عليه فى المادة ٦٥ من الدستور فى مجال صونها و الدفاع عنها، و إفراغ حق اللجوء إليه من كل مضمون. و هو حق عنى الدستور بتوكيده فى المادة ٦٨ . كذلك فإن الترضية القضائية التى لا يقهر المدين بها على تنفيذها مباشرة إذا ما طل فيها، هى فى واقعها خروج على مبدأ خضوع الدولة للقانون، و نكول عن تأسيس العدالة و تثبيتها من خلال السلطة القضائية بأفراعها المختلفة و تنظيماتها المتعددة ، و هى السلطة التى تصدر أحكامها وفق القانون على ما تنص عليه المادة ١٦٥ من الدستور. و لا يعدو الامتناع عن تنفيذها أو عرقلة هذا التنفيذ أو تعطيله بعمل تشريعى، أن يكون عدوانا من السلطة التشريعية على الولاية الثابتة للسلطة القضائية، و اقتحاما للحدود الفاصلة بين هاتين السلطتين، و هو كذلك تدخل مباشر فى شئون العدالة، بما يقلص من دورها، و يناقض ما تدل عليه المادة ٧٢ من الدستور الواردة فى بابه الرابع، و من أن الحماية القضائية للحق أو الحرية – على أساس من سيادة القانون و خضوع الدولة لأحكامه – لازمها التمكين من اقتضائها و المعاونة فى تنفيذها و لو بإستعمال القوة عند الضرورة.

– – – ٩ – – –
للهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة دور ملحوظ فى مجال رعاية النشء و تنمية ملكاته، و تأهيله للنهوض بمسئولياته ، و تحمل تبعاته فى سبيل الارتقاء بأمته و دعم مكانتها فى أكثر الميادين أهمية. و تقديرا من المشرع لأهمية نشاطها و ضرورته، فقد خلع عليها وصف الهيئات ذات النفع العام، و خولها – تمكينا لها من مباشرة أغرضها فى هذا النطاق – جانبا من خصائص السلطة العامة، هى تلك التى نص عليها فى المادة ١٥ من قانونها، و كان تمتعها بامتيازات السلطة العامة على هذا النحو لا يجعلها فرعا أو جزءا من تنظيماتها، و كان الأصل فى هذه الهيئات أنها تباشر نشاطها بوصفها من أشخاص القانون الخاص، ملتزمة فى ذلك وسائل هذا القانون، مقيدة بنظمها و الأغراض التى تتوخاها، و ما كان المشرع ليجردها من مزاولة بعض مظاهر السلطة العامة اللازمة لمباشرة نشاطها و الاحال بينها و بين أداء رسالتها، و كان المشرع قد قرر بصريح نص المادة ١٥ المشار إليها أن هذه الهيئات تعد من الهيئات الخاصة ، فإن أموالها – و بالضرورة – تكون من الأموال الخاصة التى يجوز – فى الأصل – الحجز عليها و اقتضاء الحقوق منها. و ما قرره المشرع فى عجز المادة ١٥ سالفة البيان من أن أموال هذه الهيئات تعتبر من الأموال العامة فى تطبيق أحكام قانون العقوبات، يدل لزوما على أن أموالها لا تندرج أصلا تحت الأموال العامة، و إنما ألحقها المشرع مجازا بها ، و اعتبرها حكما جزءا منها، فى مجال تطبيق النصوص العقابية التى فرضها لحماية الأموال العامة ، متوخيا بذلك صون أموال هذه الهيئات من العبث بها و إحكام الرقابة عليها ، و زجر المتلاعبين فيها ، مع بقائها – فى غير هذا المجال – من الأموال الخاصة التى يجوز للدائن اقتضاء حقه منها، حال الامتناع عن الوفاء به اختيارا.

– – – ١٠ – – –
للهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة دور ملحوظ فى مجال رعاية النشء و تنمية ملكاته، و تأهيله للنهوض بمسئولياته ، و تحمل تبعاته فى سبيل الارتقاء بأمته و دعم مكانتها فى أكثر الميادين أهمية. و تقديرا من المشرع لأهمية نشاطها و ضرورته، فقد خلع عليها وصف الهيئات ذات النفع العام، و خولها – تمكينا لها من مباشرة أغرضها فى هذا النطاق – جانبا من خصائص السلطة العامة، هى تلك التى نص عليها فى المادة ١٥ من قانونها، و كان تمتعها بامتيازات السلطة العامة على هذا النحو لا يجعلها فرعا أو جزءا من تنظيماتها، و كان الأصل فى هذه الهيئات أنها تباشر نشاطها بوصفها من أشخاص القانون الخاص، ملتزمة فى ذلك وسائل هذا القانون، مقيدة بنظمها و الأغراض التى تتوخاها، و ما كان المشرع ليجردها من مزاولة بعض مظاهر السلطة العامة اللازمة لمباشرة نشاطها و الاحال بينها و بين أداء رسالتها، و كان المشرع قد قرر بصريح نص المادة ١٥ المشار إليها أن هذه الهيئات تعد من الهيئات الخاصة ، فإن أموالها – و بالضرورة – تكون من الأموال الخاصة التى يجوز – فى الأصل – الحجز عليها و اقتضاء الحقوق منها. و ما قرره المشرع فى عجز المادة ١٥ سالفة البيان من أن أموال هذه الهيئات تعتبر من الأموال العامة فى تطبيق أحكام قانون العقوبات، يدل لزوما على أن أموالها لا تندرج أصلا تحت الأموال العامة، و إنما ألحقها المشرع مجازا بها ، و اعتبرها حكما جزءا منها، فى مجال تطبيق النصوص العقابية التى فرضها لحماية الأموال العامة ، متوخيا بذلك صون أموال هذه الهيئات من العبث بها و إحكام الرقابة عليها ، و زجر المتلاعبين فيها ، مع بقائها – فى غير هذا المجال – من الأموال الخاصة التى يجوز للدائن اقتضاء حقه منها، حال الامتناع عن الوفاء به اختيارا.

– – – ١١ – – –
من المقرر أن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه و أن الدائنين جميعا متكافئون فى هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقا للقانون. و الأصل أن أموال المدين جميعها يجوز التنفيذ عليها، و للدائن بالتالى أن يتخذ فى شأنها الطرق التحفظية و التنفيذية. و لئن كان المشرع قد جرى أحيانا على استثناء بعض الأموال من الحجز عليها كتقريره عدم جواز الحجز على أدوات المرفق العام اللازمة لسيره لزوما حتميا، إلا أن هذا الاستثناء يظل منحصرا فى دائرته الضيقة، و مقيدا بدوافعه، و لا يجوز بالتالى أن يمتد إلى غير الأموال التى تعلق بها ، و لو كانت الاعتبارات التى وجهته فى حالة بذاتها ، متوافرة فى حالة أخرى لا نص عليها. و لا كذلك النص التشريعى المطعون عليه ، فقد قرر المشرع – فى مجال تطبيق أحكام القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥ – قاعدة عامة و استثناء منها ، أما القاعدة العامة فحاصلها امتناع الحجز على أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة جميعها – فى كافة مكوناتها و عناصرها – و لا استثناء من هذه القاعدة إلا أن يكون الدين الذى يراد التنفيذ بموجبه مستحقا للدولة و ناشئا عن ضرائبها و رسومها، أما غير الدولة من الدائنين فقد عطل المشرع – بالنص المطعون عليه – ضمانهم العام بأكمله. و حال بينهم و بين اقتضاء ديونهم من هذا الضمان فى أى من عناصره، و أهدر القيمة العملية لأية أحكام قضائية يكون هؤلاء قد حصلوا عليها، و أعاق تنفيذ مضمونها ، و أخل بمبدأ التكافؤ فى المعاملة القانونية بين الدائنين المتماثلة مراكزهم القانونية ، و جاوز حدود سياق القانون و خضوع الدولة لأحكامه ، و مال بولاية السلطة القضائية هابطا برسالتها فى أداء العدالة. و من ثم يقع النص التشريعى المطعون عليه فى حومة مخالفة أحكام المواد ٤٠،٦٤،٦٥،٦٨،٧٢،١٦٥ من الدستور.

– – – ١٢ – – –
من المقرر أن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه و أن الدائنين جميعا متكافئون فى هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقا للقانون. و الأصل أن أموال المدين جميعها يجوز التنفيذ عليها، و للدائن بالتالى أن يتخذ فى شأنها الطرق التحفظية و التنفيذية. و لئن كان المشرع قد جرى أحيانا على استثناء بعض الأموال من الحجز عليها كتقريره عدم جواز الحجز على أدوات المرفق العام اللازمة لسيره لزوما حتميا، إلا أن هذا الاستثناء يظل منحصرا فى دائرته الضيقة، و مقيدا بدوافعه، و لا يجوز بالتالى أن يمتد إلى غير الأموال التى تعلق بها ، و لو كانت الاعتبارات التى وجهته فى حالة بذاتها ، متوافرة فى حالة أخرى لا نص عليها. و لا كذلك النص التشريعى المطعون عليه ، فقد قرر المشرع – فى مجال تطبيق أحكام القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥ – قاعدة عامة و استثناء منها ، أما القاعدة العامة فحاصلها امتناع الحجز على أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة جميعها – فى كافة مكوناتها و عناصرها – و لا استثناء من هذه القاعدة إلا أن يكون الدين الذى يراد التنفيذ بموجبه مستحقا للدولة و ناشئا عن ضرائبها و رسومها، أما غير الدولة من الدائنين فقد عطل المشرع – بالنص المطعون عليه – ضمانهم العام بأكمله. و حال بينهم و بين اقتضاء ديونهم من هذا الضمان فى أى من عناصره، و أهدر القيمة العملية لأية أحكام قضائية يكون هؤلاء قد حصلوا عليها، و أعاق تنفيذ مضمونها ، و أخل بمبدأ التكافؤ فى المعاملة القانونية بين الدائنين المتماثلة مراكزهم القانونية ، و جاوز حدود سياق القانون و خضوع الدولة لأحكامه ، و مال بولاية السلطة القضائية هابطا برسالتها فى أداء العدالة. و من ثم يقع النص التشريعى المطعون عليه فى حومة مخالفة أحكام المواد ٤٠،٦٤،٦٥،٦٨،٧٢،١٦٥ من الدستور.

– – – ١٣ – – –
إن بطلان القاعدة العامة التى تضمنها النص التشريعى المطعون عليه و التى تتمثل فى عدم جواز الحجز على أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب و الرياضة جميعها، يعنى بالضرورة سقوط الاستثناء منها، ذلك أن كل استثناء يفترض دوما قيام القاعدة العامة التى يرد عليها ، و من ثم تكون قاعدة عدم جواز الحجز – سواء فى أصلها أو فى مجال الاستثناء منها – غير قائمة من الناحية الدستورية ، و هو ما يتعين الحكم به.

[الطعن رقم ٢ – لسنــة ١٤ ق – تاريخ الجلسة ٠٣ / ٠٤ / ١٩٩٣ – مكتب فني ٥ – رقم الجزء ٢ – رقم الصفحة ٢٤١ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن محكمة استئناف القاهرة أصدرت حكمها فى الاستئناف رقم ١٨٤٥ لسنة ١٠٣ قضائية قاضياً بإلزام المدعى عليه الأول وآخرين بالتضامن بأن يؤدوا للمدعين مبالغ جملتها ٦٨٠٠٠ جنيه مصرى، وتنفيذا لهذا الحكم أوقع المدعون حجز ما للمدين لدى الغير على الحساب الجارى لاتحاد كرة القدم لدى بنك مصر، فأقام المدعى عليه الأول الدعوى رقم ٥٥٦ لسنة ١٩٩٠ تنفيذ عابدين طالبا الحكم بعدم الاعتداد بهذا الحجز. وبجلسة ٢٧ مارس سنة ١٩٩١ قضت محكمة عابدين الجزئية فى منازعة تنفيذ موضوعية برفع هذا الحجز، فطعن المدعون فى هذا الحكم بالاستئناف رقم ٨٠ لسنة ١٩٩٠ م. س. كلى جنوب القاهرة. وأثناء نظره دفعوا بعدم دستورية نص المادة ١٥ من قانون الهيئات الخاصة لرعاية الشباب، فأقاموا الدعوى الماثلة بعد أن صرحت لهم محكمة الموضوع باتخاذ إجراءات رفعها. وحيث إن قانون الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥ لا يعد أن يكون حلقة فى التنظيم التشريعى للجمعيات الخاصة التى كان القانون المدنى يتولى ابتداء بيان أحكامها ثم آل الأمر إلى تفرقها وتشتتها فى تشريعات متعددة مما حمل المشرع على أن يجمعها فى صعيد واحد، واقتضاء ذلك انتزاعها من صلب القانون المدنى، وإقرار تشريع خاص يستقل ببيان إحكامها تمثل بوجه خاص فى قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٤،إذ أفرد تنظيما متكاملا لها متضمنا قواعد تأسيسها وشهرها واغراضها وميزانياتها والجهة التى تودع فيها أموالها وقواعد انفاقها وواجباتها وأحكام الرقابة عليها وكيفية إدارتها وقد دل هذا القرار بقانون على أمرين، أولهما: أن هذه الجمعيات تعد من أشخاص القانون الخاص، وتسرى عليها – فيما تباشره من أعمال – طبقا لنظامها وفى حدود أغراضها – قواعد هذا القانون. ثانيهما: أن الأصل فى نشاط الجمعية أنه يتقيد بمبدأ التخصص بما مؤداه إنحصاره فى حدود غرضها دون غيره من الأغراض. وإذ كان ملحوظا أن غرض الجمعية قد يتمحض عن مصلحة عامة يكون نشاطها دائرا فى فلكها، مرتبطا بها، موجها لتحقيقها دون سواها، فقد قرر المشرع أن قيامها على المصلحة وتكريسها لجهودها من أجل الوفاء بها، يقتضيها التمتع بقدر أكبر من الحقوق تعينها على أداء هذا الغرض، دون إخلال بحقيقتها بوصفها من أشخاص القانون الخاص الاعتبارية، ولهذا نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٣٢ لسنة ٩٦٤ المشار إليه فى المواد ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، منه على أن الجمعية تكون ذات منفعة عامة إذا كان يقصد بها تحقيق مصلحة عامة، وأن اعتبارها كذلك لا يكون إلا بقرار من رئيس الجمهورية، وأن تمكينها من النهوض بالمصلحة العامة التى تقوم عليها وإشباعها لمتطلباتها، يقتضى من ناحية استثناءها من قيود الأهلية المتعلقة بتملكها للأموال، المنقولة منها والعقارية، ويخول رئيس الجمهورية من ناحية أخرى أن يمنحها جانبا من خصائص السلطة العامة أو امتيازاتها من بينها عدم جواز الحجز على أموالها كلها أو بعضها، وعدم جواز تملك أموالها بالتقادم، وجواز قيام الجهة الإدارية بنزع ملكية بعض الأموال لصالح الجمعية لتحقيق المنفعة العامة التى تستهدفها. وحيث إنه من اجل دعم الهيئات العاملة فى ميدان رعاية الشباب والرياضة باعتبارها من الهيئات الخاصة ذات النفع العام، والتى تتوخى تنمية الشباب فى مراحل عمره المختلفة، وإتاحة الأوضاع المناسبة لتطوير ملكاتهم عن طريق توفير الخدمات الرياضية والقومية والإجتماعية والروحية والصحية فى إطار السياسة العامة للدولة، وعلى ضوء التخطيط الذى يضعه المجلس الأعلى للشباب والرياضة، صدر القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥ المشار إليه متضمنا إليه تنظيماً شاملاً لهذه الهيئات، مقررا عدم سريان أحكام القانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٤ فى شأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة عليها، ومحدداً قواعد شهرها، ومؤكداً بصريح نص المادة ١٥ منه أن الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة تعتبر من “الهيئات الخاصة ذات النفع العام” وأن كلا منها يتمتع – وبنص القانون – بامتيازات السلطة العامة الآتية: (أ) عدم جواز الحجز على أموالها إلا استيفاء للضرائب والرسوم المستحقة للدولة. (ب) عدم جواز تملك هذه الأموال بمضى المدة. (ج) جواز نزع الملكية للمنفعة العامة لصالحها. كما نص هذا القانون على أن تعتبر أموال هذه الهيئات من الأموال العامة فى تطبيق أحكام قانون العقوبات. وحيث إن البين من الأوراق، أن المدعين كانوا قد أوقعوا حجز ما للمدين لدى الغير على الحساب الجارى لاتحاد كرة القدم لدى بنك مصر وفاء لحقوقهم قبل هذا الاتحاد، غير أنه قضى برفع هذا الحجز ارتكانا لنص المادة ١٥ من قانون الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة، فطعنوا فى هذا الحكم ودفعوا بعدم دستورية النص سالفة البيان، وكان المقرر – على ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلاً بالحق فى الدعوى، ومرتبطا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة. ومن ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره مبلوراً فكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية، محدداً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومنفصلاً دوما عن مطابقة النص التشريعى المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، ومستلزماً أبداً أن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية موطئا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع فى الدعوى الموضوعية يدور فى جوهره حول صحة أو بطلان الحجز الذى أوقعه المدعون على أموال اتحاد كرة القدم، فإن نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها فى الطعن الماثل يتحدد على ضوء ما تضمنته المادة ١٥ سالفة البيان من احكام تتعلق بعدم جواز الحجز على أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة، ومن ثم تنحصر المسالة الدستورية – فى الدعوى الراهنة – فى هذا النطاق ولا تتعداه إلى الأحكام الأخرى التى انطوت عليها المادة ١٥ المشار إليها. وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعى المطعون فيها تعارضه مع الفقرة الأولى من المادة ٢٣٤ من القانون المدنى التى تنص على أن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه وأن الدائنين متساوون فى هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون. وحيث إن هذا النعى مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن مناط اختصاصها بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح هو مخالفة النص التشريعى المطعون عليه لنص فى الدستور ولا تمتد رقابتها بالتالى لحالات التعارض بين القوانين واللوائح ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، ومن ثم فإن النعى بمخالفة النص التشريعى المطعون لنص وارد فى القانون المدنى، لا يعدو ان يكون نعياً بمخالفة قانون لقانون، وهو ما لا يشكل مخالفة لأحكام الدستور، ولا تختص المحكمة الدستورية العليا بنظره. وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعى المطعون عليه مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية التى نص الدستور فى مادته الثانية على أنها المصدر الرئيسى للتشريع، بمقولة أن هذا النص قد وقع مناقضاً لمبدأ ألا تركة إلا بعد سداد الدين. وحيث إنه أيا كان وجه الرأى فى مدى تعارض النص المطعون عليه مع مبادئ الشريعة الإسلامية، فإن من المقرر – على ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها فى ٢٢ مايو ١٩٨٠، يدل على أن الدستور – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل، قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها – فيما تقره من النصوص التشريعة – بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلا ترد إليه هذه النصوص أو تستمد منه، لضمان توافقها مع تلك المبادئ ودون ما إخلال بالضوابط الأخرى التى فرضها الدستور على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها والنزول عليها فى ممارستها لاختصاصاتها الدستورية، وكان من المقرر كذلك أن كل مصدر ترد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقاً فى وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التى أقامها الدستور معياراً للقياس فى مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية التى يدعى إخلالها بتلك المبادئ وتراقبها المحكمة الدستورية العليا صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور التى تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قد قصد بإقراره لهذا القيد أن يكون مداه من حيث الزمان منصرفاً إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، هى تلك الصادرة بعد نفاذ التعديل الذى أدخله الدستور على مادته الثانية، بحيث إذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، وإذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه. متى كان ما تقدم، وكان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، ولم يلحقه أى تعديل من بعد، فإن النعى عليه – وحالته هذه – بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور، لا يكون له من سند. وحيث إن المدعين ينعون كذلك على النص التشريعى المطعون عليه أن الأصل المقرر قانوناً أنه إذا تقاعس المدين عن الوفاء بالدين اختياراً، كان للدائن أن يقتضيه جبراً عنه، وأنه لا يجوز للمشرع أن يقرر عدم جواز الحجز على أموال المدين فى مجموعها، لأن ذلك منه يخل بالضمان العام المقرر للدائن وإنه إذ كان النص المطعون عليه قد حصن أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة بأن ألحق أموالها بالأموال العامة التى لا يجوز الحجز عليها مهدرا بذلك حق الدائن فى انقضاء دينه منها، وممايزاً بين هذه الهيئات وغيرها من الجهات المدينة، ومعطلاً القيمة الحقيقية لحق التقاضى، بالإضافة إلى إخلاله بالتضامن الاجتماعى وإعاقته تنفيذ الأحكام القضائية، فإنه بذلك يكون مخالفاً لأحكام المواد ٧، ٤٠، ٦٨، ٧٢ من الدستور. وحيث إن هذا النعى – فى جوهرة – سديد، ذلك أن حق التقاضى يفترض ابتداء وبداهة تمكين كل متقاض من النفاذ إلى القضاء نفاذاً ميسراً لا تثقله أعباء مالية، ولا تحول دونه عوائق إجرائية، وكان هذا النفاذ – بما يعنيه من حق كل شخص فى اللجوء إلى القضاء وأن أبوابه المختلفة غير موصدة فى وجه من يلوذ بها، وأن الطريق إليها معبد قانوناً – لا يتعدى كونه حلقة فى حق التقاضى تكملها حلقتان أخريان لا يستقيم بدونهما هذا الحق، ولا يكتمل وجوده فى غيبة أى منهما، ذلك أن قيام الحق فى النفاذ إلى القضاء لا يدل بذاته ولزوماً على أن الفصل فى الحقوق التى تقام الدعوى لطلبها موكول إلى أيد أمينة عليها تتوافر لديها – ووفقاً للنظم المعمول بها أمامها – كل ضمانة تقتضيها إدارة العدالة إدارة فعالة، بما مؤداه أن الحلقة الوسطى فى حق التقاضى هى تلك التى تعكس حيدة المحكمة واستقلالها، وحصانة أعضائها والأسس الموضوعية لضماناتها العملية، وهى بذلك تكفل المقاييس المعاصرة التى توفر لكل شخص حقا مكتملاً ومتكافئاً مع غيره فى محاكمة منصفة وعلنية تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ينشئها القانون تتولى الفصل – خلال مدة معقولة – فى حقوقه والتزاماته المدينة أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه، ويتمكن فى كنفها من عرض دعواه وتحقيق دفاعه ومواجهة أدلة خصمه رداً وتعقيباً فى إطار من الفرص المتكافئة، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة، وأسس تنظيمها وطبيعة القواعد الموضوعية والاجرائية المعمول بها فى نطاقها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، هى التى تحدد لتلك الحلقة الوسطى ملامحها الرئيسية. متى كان ماتقدم، وكان حق التقاضى لا تكتمل مقوماته أو يبلغ غايته ما لم توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلا منصفاً يمثل التسوية التى يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يسعى إليها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، فإن هذه الترضية – وبافتراض مشروعيتها واتساقها مع أحكام الدستور – تندمج فى الحق فى التقاضى باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة، ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها. واندماج هذه الترضية فى الحق فى التقاضى، مؤداه أنها تعتبر من مكوناته، ولا سبيل لفصلها عنه، وإلا فقد هذا الحق مغزاه، وآل سراباً. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان إنكار الحق فى الترضية القضائية سواء بمنعها ابتداء، أو بإقامة العراقيل فى وجه اقتضائها، أو بتقديمها متباطئة متراخية دون مسوغ أو بإحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة فى ذاتها بصفة جوهرية، لا يعدو أن يكون إهدارا للحماية التى يفرضها الدستور والقانون للحقوق التى وقع العدوان عليها، وإنكاراً للعدالة فى جوهر خصائصها وأدق توجهاتها، وبوجه خاص كلما كان طريق الطعن القضائى لرد الأمور إلى نصابها ممتنعاً أو غير منتج، وكان من المقرر أنه ليس لازما لإنكار العدالة وإهدار متطلباتها أن يقع العدوان على موجباتها من جهة القضاء ذاتها، ذلك أن السلطة التشريعية أو التنفيذية قد تفرض من العوائق ما يحول دون بلوغ الترضية القضائية، سواء عن طريق حرمان الشخص من إعاقة دعواه، أو من نظرها فى إطار من الموضوعية، ووفق الوسائل القانونية السليمة. وإنما هو الإخفاق فى تقديم الترضية القضائية الملائمة، وهو ما يتحقق بوجه خاص إذا كانت الوسائل القضائية المتاحة لا توفر لمن استنفدها الحماية اللازمة لصون حقوقه، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية القضائية التى يأملها، لا طائل من ورائها. وحيث إنه بغير اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها وحمل الملزمين بها على الرضوخ لها، فإن هذه الترضية تغدو هباء منثوراً، وتفقد قيمتها من الناحية العملية، وهو ما يفيد بالضرورة إهدار الحماية التى فرضها الدستور والمشرع – كلاهما – للحقوق على اختلافها، وتكريس العدوان عليها، وتعطيل دور القضاء المنصوص عليه فى المادة ٦٥ من الدستور فى مجال صونها والدفاع عنها، وإفراغ حق اللجوء إليه من كل مضمون. وهو حق عنى الدستور بتوكيده فى المادة ٦٨. كذلك فإن الترضية القضائية التى لا يقهر المدين بها على تنفيذها مباشرة إذا ماطل فيها، هى فى واقعها خروج على مبدأ خضوع الدولة للقانون، ونكول عن تأسيس العدالة وتثبيتها من خلال السلطة القضائية بأفرعها المختلفة وتنظيماتها المتعددة، وهى السلطة التى تصدر أحكامها وفق القانون على ما تنص عليه المادة ١٦٥ من الدستور، ولا يعدو الامتناع عن تنفيذها أو عرقلة هذا التنفيذ أو تعطيله بعمل تشريعى، أن يكون عدوانا من السلطة التشريعية على الولاية الثابتة للسلطة القضائية، واقتحاما للحدود الفاصلة بين هاتين السلطتين، وهو كذلك تدخل مباشر فى شئون العدالة، بما يقلص من دورها، ويناقض دلالة المادة ٧٢ من الدستور الواردة فى بابه الرابع، من أن الحماية القضائية للحق أو الحرية – على أساس من سيادة القانون وخضوع الدولة لأحكامه – لازمها التمكين من اقتضائها والمعاونة فى تنفيذها ولو باستعمال القوة عند الضرورة. وحيث إن المشرع – تقديراً منه لأهمية دور الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة فى مجال رعاية النشء وتنمية ملكاته، وتأهيلة للنهوض بمسئولياته، وتحمل تبعاتها فى سبيل الارتقاء بأمته ودعم مكانتها فى أكثر الميادين أهمية – قد خلع على هذه الهيئات وصف الهيئات ذات النفع العام وخولها – تمكينا لها من مباشرة أغراضها فى هذا النطاق – جانباً من خصائص السلطة العامة، هى تلك التى نص عليها فى المادة ١٥ من قانونها، وكان تمتعها بامتيازات السلطة العامة على هذا النحو لا يجعلها فرعا منها أو جزاءاً من تنظيماتها، وكان الأصل فى هذه الهيئات أنها تباشر نشاطها بوصفها من أشخاص القانون الخاص ملتزمة فى ذلك وسائل هذا القانون، مقيدة بنظمها والأغراض التى تتوخاها، وما كان المشرع ليجردها من مزاولة بعض مظاهر السلطة العامة اللازمة لمباشرة نشاطها والإ حال بينها وبين أداء رسالتها، وكان المشرع قد قرر بصريح نص المادة ١٥ المشار إليها أن هذه الهيئات تعد من الهيئات الخاصة، فإن أموالها – وبالضرورة – تكون من الأموال الخاصة التى يجوز – فى الأصل – الحجز عليها واقتضاء الحقوق منها. وما قرره المشرع فى عجز المادة ١٥ سالفة البيان من أن أموال هذه الهيئات تعتبر من الأموال العامة فى تطبيق أحكام قانون العقوبات، يدل لزوما على أن أموالها لا تندرج أصلا تحت الأموال العامة، وإنما ألحقها المشرع مجازاً بها، واعتبرها حكما جزءاً منها، فى مجال تطبيق النصوص العقابية التى فرضها لحماية الأموال العامة، متوخيا بذلك صون أموال هذه الهيئات من العبث بها وإحكام الرقابة عليها، وزجر المتلاعبين فيها، مع بقائها – فى غير هذا المجال – من الأموال الخاصة التى يجوز للدائن اقتضاء حقه منها، حال الامتناع عن الوفاء به اختياراً. وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان من المقرر أن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه، وأن الدائنين جميعا متكافئون فى هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون، وكان الأصل أن أموال المدين جميعها يجوز التنفيذ عليها، وللدائن بالتالى ان يتخذ فى شأنها الطرق التحفظية والتنفيذية. ولئن كان المشرع قد جرى أحيانا على استثناء بعض الأموال من الحجز عليها كتقريره عدم جواز الحجز على أدوات المرفق العام اللازمة لسيرة لزوما حتميا، إلا أن هذا الاستثناء يظل منحصراً فى دائرته الضيقة، ومقيداً بدوافعه. ولا يجوز بالتالى أن يمتد إلى غير الأموال التى تعلق بها ولو كانت الاعتبارات التى وجهته فى حالة بذاتها متوافرة فى حالة أخرى لا نص عليها. ولا كذلك النص التشريعى المطعون عليه، فقد قرر المشرع – فى مجال تطبيق أحكام القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥ – قاعدة عامة واستثناء منها، أما القاعدة العامة فحاصلها امتناع الحجز على أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة جميعها – فى كافة مكوناتها وعناصرها – ولا استثناء من هذه القاعدة إلا أن يكون الدين الذى يراد التنفيذ بموجبه مستحقاً للدولة وناشئاً عن ضرائبها ورسومها. أما غير الدولة من الدائنين فقد عطل المشرع – بالنص المطعون عليه – ضمانهم العام بأكمله وحال بينهم وبين اقتضاء ديونهم من هذا الضمان فى أى من عناصره، وأهدر القيمة العملية لأية أحكام قضائية يكون هؤلاء قد حصلوا عليها، وأعاق تنفيذ مضمونها وأخل بمبدأ التكافؤ فى المعاملة القانونية بين الدائنين المتماثلة مراكزهم القانونية، وجاوز حدود سيادة القانون وخضوع الدولة لأحكامه، ومال بولاية السلطة القضائية هابطاً برسالتها فى أداء العدالة، ومن ثم يقع النص التشريعى المطعون عليه فى حومة مخالفة أحكام المواد ٤٠ ، ٦٨ ، ٧٢ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ١٦٥ من الدستور. وحيث إن بطلان القاعدة العامة التى تضمنها النص التشريعى المطعون عليه والتى تتمثل فى عدم جواز الحجز على أموال الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة جميعها، يعنى بالضرورة سقوط الاستثناء منها، ذلك أن كل استثناء يفترض دوما قيام القاعدة العامة التى يرد عليها، ومن ثم تكون قاعدة عدم جواز الحجز – سواء فى أصلها أو فى مجال الاستثناء منها – غير قائمة من الناحية الدستورية، وهو ما يتعين الحكم به. “فلهذه الأسباب” حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (أ) من المادة ١٥ من قانون الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة، الصادر بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٧٥، وذلك فيما تضمنه من عدم جواز الحجز على أموال هذه الهيئات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه ومقابل أتعاب المحاماة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى