حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢ لسنة ١٥ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢ لسنة ١٥ دستورية
تاريخ النشر : ١٦ – ٠١ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة: أولاً: بعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٨ في شأن إنشاء نقابات وإتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية من إلزام طالب التصريح بأن يؤدي إلي صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة رسماً نسبياً مقداره ٢٠% من الأجور والمرتبات التي يحصل عليها نتيجة التصريح المؤقت. ثانياً: بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من هذا القانون.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
قضاء هذه المحكمة فى شأن المادة ٢٧ من قانونها ، التى تخولها الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارستها لاختصاصاتها ، ويتصل النزاع المعروض عليها ، مؤداه أن مناط تطبيقها يفترض وجود خصومة أصلية طرح أمرها عليها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانون إنشائها ، وأن ثمة علاقة منطقية تقوم بين هذه الخصومة ، وما قد يثار عرضاً من تعلق الفصل فى دستورية بعض النصوص القانونية بها . ومن ثم تكون الخصومة الأصلية هى المقصودة بالتداعى أصلاً ، والفصل فى دستورية النصوص القانونية التى تتصل بها عرضاً ، مبلوراً إطاراً للخصومة الفرعية التى تدور مع الخصومة الأصلية وجوداً وعدماً ، فلا تقبل إلا معها . وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التى لا تعرض لدستورية النصوص القانونية التى تقوم عليها الخصومة الفرعية إلا بقدر إتصالها بالخصومة الأصلية ، وبمناسبتها . وشرط ذلك أن يكون تقرير بطلان هذه النصوص أو صحتها مؤثراً فى المحصلة النهائية للخصومة الأصلية أيا كان موضوعها أو أطرافها ، بما مؤداه أن مباشرة هذه المحكمة لرخصتها المنصوص عليها فى المادة ٢٧ من قانونها ، شرطها أولا : إستيفاء الخصومة الأصلية لشرائط قبولها . وثانياً : إتصال بعض النصوص القانونية عرضاً بها . وثالثاً : تأثير الفصل فى دستوريتها فى محصلتها النهائية .

– – – ٢ – – –
مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه فى المادة ٨ من الدستور ، مؤداه أن الفرص التى يعنيها الدستور ، هى تلك التى تتعهد الدولة بتقديمها . ويفترض إعمال هذا المبدأ أن يقع التزاحم عليها بين المتقدمين إليها . ولا يتصور فض التزاحم على هذه الفرص المحدودة ، إلا بترتيبهم فيما بينهم وفق أسس موضوعية يتحدد على ضوئها من يكون أولى من غيره بالحصول عليها . متى كان ذلك ، وكان إعمال النص المطعون فيه لا يتصل بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها ، فإن قالة مخالفته لنص المادة ٨ من الدستور ، لا يكون لها من سند .

– – – ٣ – – –
الإبداع ــ علمياً كان أم أدبياً أم فنياً أم ثقافياً ــ ليس إلا موقفاً حراً واعياً يتناول ألواناً من الفنون والعلوم تتعدد أشكالها ، وتتباين طرائق التعبير عنها ، فلا يكون نقلاً كاملاً عن آخرين ، ولا ترديداً لآراء وأفكار يتداولها الناس فيما بينهم ــ دون ترتيبها أو تصنيفها ، أو ربطها ببعض وتحليلها ــ ، بل يتعين أن يكون بعيداً عن التقليد والمحاكاة ، وأن ينحل عملاً ذهنياً وجهاً خلاقاً ، ولو لم يكن إبتكاراً كاملاً جديداً كل الجدة novelty ، وأن يتخذ كذلك ثوباً مادياً ــ ولو كان رسماً أو صوتاً أو صورة أو عملاً حركياً ــ فلا ينغلق على المبدع إستئثاراً ، بل يتعداه إلى آخرين إنتشاراً ، ليكون مؤثراً فيهم . ومن ثم كان الإبداع فى حياة الأمم إثراء لا ترفاً ، معمقاً رسالتها فى تغيير أنماط الحياة بها ، بل هو أداة إرتقائها ، لا ينفصل عن تراثها ، بل يتفاعل مع وجدانها ، كافلاً تقدمها من خلال إتصال العلوم والفنون ببعضها ، لكون بنيانها أكثر تكاملاً ، وحلقاتها أعمق إرتباطاً ، ومفاهيمها أبعد عطاءاً . وما تقدم مؤداه ، أن الإيداع فى العلوم الفنون ــ أيا كان لونها ــ ليس تسليماً بما هو قائم من ملامحها ، بل تغييراً فيها تعديلاً لبنيانها ، أو تطويراً لها ، ليؤكد المبدع بذلك إنفراده بإحداثها ، فلا يمكن نبتها لغيره ، إذ هو صانعها ، ولأن العناصر التى يضيفها لا ينقلها بتمامها عن سواه ، إنما تعود أصالتها Originality إلى إحتوائها على حد أدنى من عناصر الخلق التى تقارن الإبتكار ، فلا ينفصل عنها degree of creativity a minimal، بما يؤكد دلالتها على إستقلال مبدعها بها ، ويبلور نوع وعمق المشاعر التى تفاعل معها ، مستثيراً من خلالها قوة العقل ومعطياتها The creative powers of the mind ، فلا يكون نبتها إلا إلهاماً بصيراً . ويتعين على ضوء ما تقدم ، أن يكون الإيداع محل تقدير الأمم على تباين مذاهبها وتوجهاتها ، وأن تيسر الطريق إليه بكل الوسائل التى تملكها ، فلا ينعزل حبيساً أو يتمحض لهواً أو ترفاً ، بل ينحل جهداً ذهنياً فاعلاً intellectual labor ، ونظراً متوثباً فى تلك العلوم والفنون ، يعيد تشكيلها ، ويطرح أبعاداً جديدة لها ، كافلاً ذيوع الحقائق التى تتعلق بتطوير عناصرها ، ليكون نتاجها بعثاً من رقاد ، وثمارها حقاً عائداً إلى المواطنين فى مجموعهم ، يملكونها ويفيدون منها ، ينقلون عنها ويتأثرون بها ، على أن يكون مفهوماً أن الإبداع ليس بالضرورة إحياء كاملاً أو مبتدءاً ، ولا قفزاً فى الفراغ ، بل إتصالاً بما هو قائم إكمالاً لمحتواه ، وإنتقالاً بمداه إلى آفاق أرحب . ومن المتصور وبالتالى أن يكون الإبداع وئيداً فى خطاه ، وإن تعين دوماً أن يكون نهجاً متواصلاً على طريق يمتد أمداً ، رانياً لآفاق لا تنحصر أبعادها ، مبدداً مفاهيم متعثرة ، متخذاً من الابتكار ــ مهما ضؤل قدره ــ أسلوباً ثابتاً ، وعقيدة لا يتحول عنها ، لا إمتياز فى الإقتناع بها ، والدعوة إليها والحض عليها ، لأحد على غيره ، ليظل نهراً متجدداً ، ومتدفقاً دون إنقطاع .

– – – ٤ – – –
قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور عزز حرية التعبير بتلك التى يقتضيها إجراء البحوث العلمية وإنماؤها على تباين مناهجها وأنماطها ، ثم قرنها بالإبداع فنياً وأدبياً وثقافياً ، وأكمل حلقاتها حين خول كل فرد ــ بنص مادته الثالثة والستين ــ أن يتقدم بظلاماته إلى السلطة العامة التى يكون بيدها رد ما وقع عليه من الأعمال الجائرة والتعويض عن آثارها على أساس من الحق والعدل .

– – – ٥ – – –
البين من الأحكام التى إنتظمها القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٨ المشار إليه ، تغييها صون حرية الإبداع من خلال أدواتها فى قطاع المهن التمثيلية والسنمائية والموسيقية ، ليكون لكل منها نقابتها التى ترعى مصالح أعضائها العاملين بها ، وتكفل لمواهبهم وملكاتهم الذهنية الفرص التى تلائمها ، وعلى الأخص من خلال تشجيعها وتقرير المزايا التى تخصها ، وكان الإبداع بذلك لا ينفصل عن حرية التعبير ، بل هو من روافدها ، يتدفق عطاءاً عن طريق قنواتها ويتمحض فى عديد من صوره ــ حتى ما كان منها رمزياً ــ عن قيم وآراء ومعان يؤمن المبدعون بها ويدعون إليها ، ليكون مجتمعهم أكثر وعياً ، وبصر أفراده أحد نفاذاً إلى الحقائق والقيم الجديدة التى تحتضنها . ومن ثم كان الإبداع عملاً إنشائياً إيجابياً ، حاملاً لرسالة محددة ، أو ناقلاً لمفهوم معين ، مجاوزاً حدود الدائرة التى يعمل المبدع فيها ، كافلاً الاتصال الآخرين تأثيراً فيهم ، وإحداثاً لتغيير قد لا يكون مقبولاً من بعض فئاتهم . وما ذلك إلا لأن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها ، وأن وسائل مباشرتها يتعين أن ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها . ولا يتصور بالتالى أن يكون الإبداع على خلافها ، إذ هو من مداخلها ، بل أن قهر الإبداع عدواً مباشراً عليها ، بما مؤداه أن حرية التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصوص عليها فى المادة ٤٧ من الدستور ، إنما تمثل الإطار العام لحرية الإبداع التى بلورها بنص المادة ٤٩ بما يحول دون عرقلتها ، بل إنها توفر إنفاذ محتواها وسائل تشجيعها . ليكون ضمانها التزاماً على الدولة بكل أجهزتها .

– – – ٦ – – –
البين من الأحكام التى إنتظمها القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٨ المشار إليه ، تغييها صون حرية الإبداع من خلال أدواتها فى قطاع المهن التمثيلية والسنمائية والموسيقية ، ليكون لكل منها نقابتها التى ترعى مصالح أعضائها العاملين بها ، وتكفل لمواهبهم وملكاتهم الذهنية الفرص التى تلائمها ، وعلى الأخص من خلال تشجيعها وتقرير المزايا التى تخصها ، وكان الإبداع بذلك لا ينفصل عن حرية التعبير ، بل هو من روافدها ، يتدفق عطاءاً عن طريق قنواتها ويتمحض فى عديد من صوره ــ حتى ما كان منها رمزياً ــ عن قيم وآراء ومعان يؤمن المبدعون بها ويدعون إليها ، ليكون مجتمعهم أكثر وعياً ، وبصر أفراده أحد نفاذاً إلى الحقائق والقيم الجديدة التى تحتضنها . ومن ثم كان الإبداع عملاً إنشائياً إيجابياً ، حاملاً لرسالة محددة ، أو ناقلاً لمفهوم معين ، مجاوزاً حدود الدائرة التى يعمل المبدع فيها ، كافلاً الاتصال الآخرين تأثيراً فيهم ، وإحداثاً لتغيير قد لا يكون مقبولاً من بعض فئاتهم . وما ذلك إلا لأن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها ، وأن وسائل مباشرتها يتعين أن ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها . ولا يتصور بالتالى أن يكون الإبداع على خلافها ، إذ هو من مداخلها ، بل أن قهر الإبداع عدواً مباشراً عليها ، بما مؤداه أن حرية التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصوص عليها فى المادة ٤٧ من الدستور ، إنما تمثل الإطار العام لحرية الإبداع التى بلورها بنص المادة ٤٩ بما يحول دون عرقلتها ، بل إنها توفر إنفاذ محتواها وسائل تشجيعها . ليكون ضمانها التزاماً على الدولة بكل أجهزتها .

– – – ٧ – – –
الأصل فى النصوص الدستورية أنها تتكامل مع بعضها ، لتجمعها وحدة عضوية تضم أجزاءها ، وتوحد بين قيمها فلا تنعزل عن محيطها ، ولا ينظر إلى بعضها إستقلالاً عن سواها ، بل تتناغم فيما بينها بما يكفل تقابلها وتفاعلها ، لا تعارضها وتهادمها ، وكان الدستور بعد أن كفل حرية التعبير ــ ويندرج تحتها حرية الإبداع ــ بالمادتين ٤٧ و ٤٩ على التوالى ، أقام إلى جانبهما ــ وبنص المادة ٥٦ ــ الحرية النقابية ، فقد غدا لازماً إعمال أحكامها جميعاً ، بافتراض تواصل أجزائها وتضافر توجهاتها .

– – – ٨ – – –
الأصل فى النصوص الدستورية أنها تتكامل مع بعضها ، لتجمعها وحدة عضوية تضم أجزاءها ، وتوحد بين قيمها فلا تنعزل عن محيطها ، ولا ينظر إلى بعضها إستقلالاً عن سواها ، بل تتناغم فيما بينها بما يكفل تقابلها وتفاعلها ، لا تعارضها وتهادمها ، وكان الدستور بعد أن كفل حرية التعبير ــ ويندرج تحتها حرية الإبداع ــ بالمادتين ٤٧ و ٤٩ على التوالى ، أقام إلى جانبهما ــ وبنص المادة ٥٦ ــ الحرية النقابية ، فقد غدا لازماً إعمال أحكامها جميعاً ، بافتراض تواصل أجزائها وتضافر توجهاتها .

– – – ٩ – – –
قضاء المحكمة الدستورية العليا مضطرد على أن حق العمال والمهنيين فى تكوين تنظيمهم النقابى ، فرع من حرية الاجتماع ، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفاً إرادياً حراً لا تتدخل فيه الجهة الإدارية ، بل يستقل عنها ، ليظل بعيداً عن سيطرتها ، ومن ثم تنحل الحرية النقابية ، إلى قاعدة أولية فى التنظيم النقابى ، تمنحها بعض الدول ــ ومن بينها جمهورية مصر العربية ــ قيمة دستورية فى ذاتها ، لتكفل لكل عامل حق الإنضمام إلى المنظمة النقابية التى يطمئن إليها وإنتفاء واحدة أو أكثر من بينها ــ عن تعددها ــ ليكون عضواً فيها ، وفى أن ينعزل عنها جميعاً ، فلا يلج أياً من أبوابها ، وكذلك فى أن يعدل عن البقاء فيها منهياً عضويته بها .

– – – ١٠ – – –
التنظيم النقابى لا يعتبر قيداً على حرية الإيداع التى يمارسها العاملون فى المهن التمثيلية أو السينمائية أو الموسيقية ، بل هو يثريها من خلال رد كل عدوان عليها ، وتعميق مستوياتها وفق أكثر القيم تطويراً لمجتمعها . وهو إجراء تبناه القانون المنظم لهذه المهن حين أجاز ــ بعد أنشأ لكل منها نقابتها ــ إسناد أعمال بذواتها لغير العاملين فيها أو تخويلهم حق القيام بها خلال زمن محدد ، وذلك كلما كان أداؤها مطلوباً بالنظر إلى خبرة القائمين بتنفيذها ، أو تميز ملكاتهم أو عمق وعيهم ، أو ندرة مواهبهم ، ليكون الإبداع ــ وجوهره الإبتكار والتجديد ــ قوامها .

– – – ١١ – – –
المعايير والخصائص التى يقوم عليها التنظيم النقابى ، هى التى قننها الدستور بنص المادة ٥٦ ، التى تحتم إنشاءه وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها ، راعياً لدوره فى تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية التى إستهدفها ، مرتقياً بكفايتها ، إعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التى يمثلها ، وعمق إتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضاء هذا التنظيم ، وما ينبغى أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها فى مجموعها ، وتوكيداً لضرورة أن يظل العمل النقابى تقدمياً ، فلا ينحاز لمصالح جانبية أو ضيقة محدودة أهميتها ــ قطاعاً أو أثراً Sectional or lnfluential lnterests ، بل يكون متبنياً نهجاً أصيلاً مقبولاً من جموعهم ، قابلاً للتغيير على ضوء إرادتهم .

– – – ١٢ – – –
ما تنص عليه المادتان ٢ و ٥ من القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٨ من أن يكون لكل من المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية نقابتها التى دير سياستها وتكفل إستيفاء أهدافها ، قد توخى أن يكون إسهام أعضائها جماعياً بوصفهم شركاء فى تقرير نظمها وبرامجها ، وتحديد أولوياتهم وطرائق تنفيذها ، فلا تكون السيادة إلا لجموعهم ، ولا تفرض قوة من بينهم ــ بعيداً عن وزن أصواتها ــ هيمنتها على شئونهم ، بل يكون القرار بأيديهم ، نابعاً من قناعتهم كافلاً ضمان مصالحهم ــ سواء فى جوهر بنيانها أو عن طريق إنفاذ وسائل الدفاع عنها ودعمها ــ فلا يكون العمل النقابى ــ ومبناه بالضرورة الحوار والإقناع على ضوء تعدد الآراء وتنوعها ومقابلتها ببعض والتوفيق بينها قدر الإمكان ــ إملاء أو إلتواء ، بل تراضياً وإلتزاماً ، وإلا كان مجاوزاً حدوده Ultra vires Actions .

– – – ١٣ – – –
أقام المشرع لكل من المهن التمثيلية والسنمائية والموسيقية ــ ومن خلال مبدأ الحرية النقابية ــ إطاراً يؤمن مصالح أعضائها الذى إستوفوا شروط القيد بها ، وحق لهم بالتالى مباشرة كل الأعمال التى تدخل فى نشاطها ، لا قيد عليهم فى ذلك إلا أن يكون عائداً إلى دستور نقابتهم . ويظل لهؤلاء دوماً ــ إذا ما إستوفوا شروط القيد فى غير نقابتهم ــ حق الإنضمام إليها كذلك ، فلا يكون أيهم عندئذ دخيلاً عليها بل عضواً فاعلاً فيها ، فإذا لم يستوفها ، وأراد أن يزاول أعمالاً تدخل فى إختصاصها ، فإن الطريق إليها يظل متاحاً فى الحدود التى يصدر بها تصريح بمباشرتها وفق الأحكام المنصوص عليها فى الفقرة الثالثة من المادة ٥ المطعون عليها ، التى تدل بنصها على أنه فيما عدا الأحوال التى يصدر التصريح فيها لأغراض التبادل الثقافى بين مصر والدول العربية وغيرها ، أو لأوضاع إقتصادية تتعلق بالإنتاج ، فإن إصداره لمباشرة عمل محدد أو خلال فترة زمنية محددة ، يظل جائزاً لهؤلاء الذين يتميزون بخبراتهم المتفردة أو مواهبهم الواعية ، أو الذين يمثلون عنصر الندرة بين أقرانهم ، أو لا يقابلهم نظراء فى فنهم ، لتظل لحرية الإبداع مكناتها وأدواتها ، وقدراتها الفاعلة ، فلا ترتد على عقبيها ، بل يكون التمكين من أسبابها وتعميقها ، لازماً .

– – – ١٤ – – –
أن إستقلال كل من هذه المهن بنقابتها ، مبناه أن صور نشاط كل منها تنفرد بخصائص رئيسية تؤكد ذاتيتها وإستقلالها عن غيرها ، فلا تمتزج هذه المهن ببعضها ، ولو كان الإبداع مدارها . يؤيد ذلك قدرة الإبداع أو ملكتها ، تتنوع أشكالها وتتعدد مواقعها . ولو جاز القول بأن المبدعين جميعهم ــ وأيا كان مجال إبداعهم ــ تتحد مصالحهم ، لصار لازماً أن يشملهم تنظيم نقابى واحد يكون كافلاً لها مهيمناً عليها ، وغدا لغواً أن يكون لبعض المهن تنظيمها الخاص بها .

– – – ١٥ – – –
أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على ألا تتقيد إلا بكيوفها هى للعلائق القانونية على إختلافها ، ودون ما إعتداد بأوصافها التى أطلقها المشرع عليها .

– – – ١٦ – – –
الضريبة هى تلك الفريضة المالية التى تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها ، إسهاماً من جهتهم فى أعبائها ، ودون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها ، وكان مناط إستحقاق الرسم قانوناً ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها ، عوضاً عن تكلفتها ، وإن لم يكن بمقدارها ، وكانت نقابة المهن التمثيلية لا تقدم لمن سعى إليها لمباشرة أعمال تدخل فى إختصاصها ، غير الترخيص بمزاولتها ، ولا شأن لها بالأعمال التى أداها بعد صدوره ، ولا بقيمتها ، أو زمن إنجازها ، ولا بقبولها ممن يتلقونها أو إعراضهم عنها ، بل يعود الجهد فيها ــ إبتداء وإنتهاء ــ إلى من قام بإفراغها فى إطار من الخلق والإبتكار ، فلا كون إقتطاعها ــ ولحسابها ــ جزءاً من أجوره عنها ، مقابلاً لنشاط خاص بذلته من جانبها لمصلحته ، بل عدواناً من جهتها على حق العمل والانفراد بعائده ، وإخلالاً بالحماية التى كلفها الدستور للملكية الخاصة التى جرى قضاء هذه المحكمة على إتساعها للأموال جميعها ، فلا يجوز لأحد أن يجردها من عناصرها ، ولا إعتصار منتجاتها أو ملحقاتها أو ثمارها ، ولا أن يفصل عنها بعض الأجزاء التى تكونها ، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها ، ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرغ عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، لتظهر الملكية الخاصة ومصادرتها بتمامها أو من خلال إغتيال بعض أجزائها على طرفى نقيض ، تقديراً بأن وجودها وإنعدامها لا يستويان ، فلا يتلاقيا فى آن واحد .

– – – ١٧ – – –
الضريبة هى تلك الفريضة المالية التى تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها ، إسهاماً من جهتهم فى أعبائها ، ودون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها ، وكان مناط إستحقاق الرسم قانوناً ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها ، عوضاً عن تكلفتها ، وإن لم يكن بمقدارها ، وكانت نقابة المهن التمثيلية لا تقدم لمن سعى إليها لمباشرة أعمال تدخل فى إختصاصها ، غير الترخيص بمزاولتها ، ولا شأن لها بالأعمال التى أداها بعد صدوره ، ولا بقيمتها ، أو زمن إنجازها ، ولا بقبولها ممن يتلقونها أو إعراضهم عنها ، بل يعود الجهد فيها ــ إبتداء وإنتهاء ــ إلى من قام بإفراغها فى إطار من الخلق والإبتكار ، فلا كون إقتطاعها ــ ولحسابها ــ جزءاً من أجوره عنها ، مقابلاً لنشاط خاص بذلته من جانبها لمصلحته ، بل عدواناً من جهتها على حق العمل والانفراد بعائده ، وإخلالاً بالحماية التى كلفها الدستور للملكية الخاصة التى جرى قضاء هذه المحكمة على إتساعها للأموال جميعها ، فلا يجوز لأحد أن يجردها من عناصرها ، ولا إعتصار منتجاتها أو ملحقاتها أو ثمارها ، ولا أن يفصل عنها بعض الأجزاء التى تكونها ، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها ، ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرغ عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، لتظهر الملكية الخاصة ومصادرتها بتمامها أو من خلال إغتيال بعض أجزائها على طرفى نقيض ، تقديراً بأن وجودها وإنعدامها لا يستويان ، فلا يتلاقيا فى آن واحد .

– – – ١٨ – – –
الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص الجنائية ، تضبطها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها ، ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها ، ولا تزاحمها فى تطبيقها ما سواها من القواعد القانونية ، ذلك أن هذه النصوص تتصل مباشرة بالحرية الشخصية التى أعلى الدستور قدرها ، وألحقها دون غيرها بالحقوق الطبيعية باعتبارها من جنسها ، ليكون صونها إعلاء لقدر النفس البشرية ، متصلاً بأعماقها ، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيداً لقيمتها ، وبما لا إخلال فيه بالحق فى تنظيمها ، وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية ــ بطريق مباشرة أو غير مباشر ــ أخطر القيود وأبلغها أثراً ، لتعطل ممارستها ، أو ترهقها ــ دون ما ضرورة ــ بما ينافيها .

– – – ١٩ – – –
قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرعية الجزاء ــ جنائياً كان أم مدنياً أم تأديبياً ــ مناطها أن يكون متناسباً مع الأفعال التى أثمها المشرع ، أو حظرها أو قيد مباشرتها ، وأن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها ، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر لزومها ، نأياً بها عن أن تكون إيلاماً غير مبرر يؤكد قسوتها فى غير ضرورة ، ولا يجوز بالتالى أن تناقض ــ بمداها أو طرائق تنفيذها ــ القيم التى إرتضتها الأمم المتحضرة مؤكدة بها إرتقاء حسها ، تعبيراً عن نضجها على طريق تقدمها ، وإستواء فهمها لمعايير الحق والعدل التى لا يصادم تطبيقها ما يراه أوساط الناس تقييماً خلقياً واعياً لمختلف الظروف ذات الصلة بالجريمة . ذلك أن القانون الجنائى ، وإن إتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض ، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها ، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى إتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إرتكابها ، وهو بذلك يتغيا أن يحدد ــ ومن منظور إجتماعى ــ ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها إجتماعياً ممكناً . بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبرر إلا إذا كان مفيداً من وجهة إجتماعية ، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً ، غدا مخالفاً للدستور . ومفاد ما تقدم ، أنه كلما كان الجزاء الجنائى بغيضاً أو عاتياً ، أو كان متصلاً بأفعال لا يجوز تجريمها ، أو مجافياً بصورة ظاهرة للحدود التى يكون معها متناسباً مع الأفعال التى أثمها المشرع ، فإن هذا الجزاء لا يكون مبرراً ، ذلك أن السلطة التى يملكها المشرع فى مجال التجريم ، حدها قواعد الدستور ، فلا يجوز أن يؤثم المشرع أفعالاً فى غير ضرورة إجتماعية ، ولا أن يقرر عقوباتها بما يجاوز قدر هذه الضرورة .

– – – ٢٠ – – –
قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرعية الجزاء ــ جنائياً كان أم مدنياً أم تأديبياً ــ مناطها أن يكون متناسباً مع الأفعال التى أثمها المشرع ، أو حظرها أو قيد مباشرتها ، وأن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها ، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر لزومها ، نأياً بها عن أن تكون إيلاماً غير مبرر يؤكد قسوتها فى غير ضرورة ، ولا يجوز بالتالى أن تناقض ــ بمداها أو طرائق تنفيذها ــ القيم التى إرتضتها الأمم المتحضرة مؤكدة بها إرتقاء حسها ، تعبيراً عن نضجها على طريق تقدمها ، وإستواء فهمها لمعايير الحق والعدل التى لا يصادم تطبيقها ما يراه أوساط الناس تقييماً خلقياً واعياً لمختلف الظروف ذات الصلة بالجريمة . ذلك أن القانون الجنائى ، وإن إتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض ، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها ، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى إتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إرتكابها ، وهو بذلك يتغيا أن يحدد ــ ومن منظور إجتماعى ــ ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها إجتماعياً ممكناً . بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبرر إلا إذا كان مفيداً من وجهة إجتماعية ، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً ، غدا مخالفاً للدستور . ومفاد ما تقدم ، أنه كلما كان الجزاء الجنائى بغيضاً أو عاتياً ، أو كان متصلاً بأفعال لا يجوز تجريمها ، أو مجافياً بصورة ظاهرة للحدود التى يكون معها متناسباً مع الأفعال التى أثمها المشرع ، فإن هذا الجزاء لا يكون مبرراً ، ذلك أن السلطة التى يملكها المشرع فى مجال التجريم ، حدها قواعد الدستور ، فلا يجوز أن يؤثم المشرع أفعالاً فى غير ضرورة إجتماعية ، ولا أن يقرر عقوباتها بما يجاوز قدر هذه الضرورة .

– – – ٢١ – – –
أن قانون نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية ، بعد أن حدد حصراً ما يخص كلاً منها من الأعمال المهنية التى قصر مباشرتها ــ أصلاً ــ على المقيدين بجداولها ، عاقب بنص المادة ٥ مكرراً ، غير أعضائها الذين يقحمون أنفسهم على نشاطها ، دون تصريح منها يخولهم مباشرة بعض جوانبه ، وكان التجريم ــ وباعتباره واقعاً فى هذه الحدود ــ يتناول فى الأعم أعمالاً إبداعية تمثل بمكوناتها عطاءً دافقاً ، ونهراً متجدداً بعناصر الخلق التى تؤثر فى بناء الفرد روحياً وعقلياً ، وكانت العقوبة التى فرضها المشرع على مباشرة هذه الأعمال دون ترخيص بها ، هى الحبس والغرامة أو إحداهما ــ على إطلاق ــ دون قيد يتعلق بالحد الأقصى لأيهما ، فإنها تكون عبئاً باهظاً على أعمال الإبداع ، لتجاوز قسوتها ما يفترض أصلاً من تشجيعها وإنمائها والحض عليها بكل الوسائل ، عملاً بنص المادة ٤٩ من الدستور ، ولأن الأصل هو جوازها لولا القيود المهنية التى فرضها التنظيم النقابى فى شأنها . وهى بعد قيود ما كان ينبغى أن تصل وطأتها إلى حد إنفاذها من خلال جزاء جنائى يقيد الحرية الشخصية إعتسافاً ، مجاوزاً بذلك قدر الضرورة الاجتماعية التى لا يجوز أن يكون بنيان التجريم منفصلاً عن متطلباتها .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن الشركة المدعى عليها كانت تقوم باستغلال برج المنوفية بمدينة قويسنا منذ إنشائه عام ١٩٦٢ وذلك بموجب عقود قابلة للتجديد كان أخرها العقد الذى أبرم معها بتاريخ ١٥ / ٨ / ١٩٧٨ لمدة خمس سنوات نهايتها ١٤ / ٨ / ١٩٨٣ يجوز تجديدها لمدة مماثلة بذات القيمة الإيجارية. وبتاريخ ١٠ / ٢ / ١٩٨٣ أخطرت المحافظة الشركة المدعى عليها – بعزمها إنهاء العقد المبرم معها، وطرح عمليه استغلال البرج فى مزايدة علنية. وإذ أعلنت المحافظة عن هذه المزايدة، فقد أقامت المدعى عليها ضد المدعى وآخرين دعواها رقم ١٤٨٩ لسنة ١٩٨٣ مدنى كلى شبين الكوم بطلب الحكم لها بصفة مستعجلة بوقف إجراء تلك المزايدة ، وبأحقيتها فى الاستمرار فى استغلال هذا البرج بعد ١٤ / ٨ / ١٩٨٣ إلى أن تستهلك المبالغ التى كانت قد أنفقتها فى شأن الإنشاءات والترميمات التى أحدثتها فيه ، ولم تقنع المدعى عليها بدعواها هذه، ولكنها أتبعتها بالدعوى رقم ٥٢٨٩ لسنة ٣٧ قضائية التى أقامتها أمام محكمة القضاء الإدارى ضد المدعى وآخرين طالبة فى صحيفتها الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر عن المحافظة بإنهاء عقد الإيجار المبرم معها، وفى الموضوع الحكم بانعدام هذا القرار. واذ كانت محكمة شبين الكوم الابتدائية قد أجابت المدعى عليها إلى طلباتها، وكانت المحكمة الإستئنافيه بطنطا التى استؤنف أمامها هذا الحكم – بالاستئنافين رقمى ٢٢٧ و ٢٣٠ لسنة ١٦ قضائية – قد انتهت إلى عدم اختصاص محكمة أول درجة بالفصل فى النزاع الذى كان معروضا عليها، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى للاختصاص، فقد قررت هذه المحكمة ضم الدعوى المحالة إليها – والمقيدة أمامها برقم ١٢٤٨ لسنة ٣٨ قضائية – إلى الدعوى رقم ٥٢٨٩ لسنة ٣٧ قضائية، ليصدر فيهما حكم واحد• وإذ كانت محافظة المنوفيه قد أصدرت كذلك القرار رقم ٤٥ لسنة ١٩٨٤ متضمنا تشكيل اللجنة المنصوص عليها فيه، والتى عهدت إليها باستلام هذا البرج من المدعى عليها، فقد اختصمتها المدعى عليها بدعواها الثالثة – المقيده برقم ٣١٤٣ لسنة ٣٨ قضائية – والتى أقامتها أمام محكمة القضاء الإدارى بطلب وقف تنفيذ هذا القرار مع تعويضها عن الأضرار المترتبة عليه • وقد أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها فى الدعوى رقم ٣١٤٣ لسنة ٣٨ قضائية، بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً، وفى الدعويين المضمومتين – وهما الدعويان رقما ٥٢٨٩ لسنة ٣٧ قضائية و ١٢٤٨ لسنة ٣٨ قضائية – حكمها بعدم جواز نظرهما لسبق الفصل فى موضوعهما• ولم ترتض المدعى عليها هذين الحكمين، فطعنت عليهما – وعلى التوالى – بالطعنين رقمى ٢٥٣ لسنة ٣١ قضائية و ٨٦٥ لسنة ٣١ قضائيه أمام المحكمة الإدارية العليا التى انتهت إلى قبولهما شكلاً وفى الموضوع برفض الطعن رقم ٢٥٣ لسنة ٣١ قضائية، وبإلغاء الحكم محل الطعن رقم ٨٦٥ لسنة ٣١ قضائيه، وبقبول الدعويين المضمومتين رقمى ٥٢٨٩ لسنة ٣٧ قضائيه و ١٢٤٨ لسنة ٣٨ قضائيه – شكلاً ورفضهما موضوعاً. وقد طعنت المدعى عليها فى هذا الحكم بالبطلان أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم ١٣٩ لسنة ٣٣ قضائيه حيث قضت هذه بقبول الطعن شكلاً وببطلان الحكم المطعون فيه • وإذ كانت المدعى عليها من جهة أخرى قد طعنت أمام محكمة النقض فى قضاء المحكمة الاستئنافية بطنطا الصادر فى الاستئنافين رقمى ٢٢٧ و ٢٣٠ لسنة ١٦ قضائيه، وكانت محكمة النقض قد خلصت إلى نقض الحكم المطعون فيه ، وبإحالة النزاع إلى محكمة استئناف طنطا ” مأمورية شبين الكوم ” التى انتهت بجلسة ٢٣ مايو سنة ١٩٩٠ إلى الحكم برفض الإستئنافين وتأييد الحكم المستأنف ، فقد طعن المدعى على هذا الحكم أمام محكمة النقض بالطعن رقم ٣٤٣٤ لسنة ٦٠ قضائيه ، ولازال هذا الطعن منظوراً أمامها. وإذ ارتأى المدعى بصفته أن ثمة تنازعاً إيجابياً على الاختصاص بين جهتى القضاء العادى والإدارى ، فقد أقام دعواه الماثلة منتهيا إلى طلب الحكم بتعيين جهة القضاء الإدارى جهة مختصه بنظر النزاع مثار التنازع. ومن حيث إن مناط قبول دعوى الفصل فى تنازع الاختصاص الإبجابى وفقا للبند ( ثانيا ) من المادة ٢٥ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩، هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، ولا تتخلى إحداهما عن نظرها. وحيث إن هذه المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى، هى التى تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانونى الصحيح، مستظهرة فى سبيل ذلك حقيقة ماقصد إليه أطرافها، وما رموا إليه من وراء ادعاءاتهم غير مقيدة ببنيان ألفاظهم، بل وقوفا عند معانيها، وكان البين من الأوراق أن النزاع القائم بين كل من المدعى والمدعى عليها فى شأن الطبيعة القانونية لعقد الانتفاع ببرج المنوفية، ليس مردداً بين جهتين قضائيتين حتى تتدخل المحكمة الدستورية العليا ، لتحدد أولاهما بالفصل فيه، ذلك أنه وإن كان قضاء المحكمة الإدارية العليا قد خلص فى الطعنين رقمى ٢٥٣ و ٨٦٥ لسنة ٣١ قضائية، إلى أن العقد يعتبر إداريا، إلا أن إبطال المحكمة الإدارية العليا ذاتها للحكم الصادر عنها فى هذا الشأن، مؤداه زوال وجوده قانونا، فلا يبقى من بعد – محدداً لطبيعة هذا العقد – سوى الأحكام التى أصدرتها جهة القضاء العادى، والتى انتهت فيها إلى تقرير طبيعته المدنية وصولا منها إلى البت فى اختصاصها بنظر المنازعات الناشئة عنه، أو المترتبة عليه. وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان النزاع – فى الحدود التى تضمنتها الوقائع التى تتصل به – قد أضحى منحصراً فى القرار الصادر بطرح عملية استغلال برج المنوفية فى مزايدة عامه، ذلك أن قضاء المحكمة الاستئنافية بتأييد الحكم المطعون فيه أمامها يفيد تسليمها بأن الفصل فى مشروعية هذا القرار مما يدخل فى اختصاصها • متى كان ذلك، وكان القرار الصادر عن محافظة المنوفية بطرح عمليه استغلال برج المنوفية فى مزايدة عامة يدل على اتجاه إرادتها وانصرافها إلى إنهاء العقد الذى كان قائما بينها وبين المتعهد ، والتمهيد لعقد جديد يحل محل العقد الأول ويقوم مقامه، وكان تنفيذ هذا القرار قد اقتضى من محافظة المنوفية أن تسترد العين ممن يقوم باستغلالها لتعدها لمن يرسو عليه العطاء فى المزايدة الجديدة مما حملها على أن تشكل لجنة لتسلمها، فإن الطعن على قرار تشكيل هذه اللجنة أمام محكمة القضاء الإدارى من قبل الشركة المدعى عليها ، وقضاءها بقبول هذا الطعن شكلا ورفضه موضوعاً، يدل لزوما على إقرارها مشروعية القرار الصادر بطرح العين فى مزايدة عامة، وهو مايفيد اختصاصها بالفصل فيه. وحيث إن من المقرر قانوناً أن العقود التى تكون الإدارة طرفا فيها لاتعتبر جميعها من العقود الإدارية، ولا هى من العقود المدنية بالضرورة، وإنما مرد الأمر فى تكييفها القانونى إلى مقوماتها، وبوجه خاص إلى ما إذا كانت شروطها تدل على انتهاجها لوسائل القانون الخاص أوالعام ، وكان من المسلم كذلك أن هذه العقود لاتنتظمها مرحلة واحدة تبرم بعد انتهائها، بل تتداخل فى مجال تكوينها مراحل متعددة يمهد كل منها لما يليه ليكون خاتمتها العقد فى صورته الكاملة. ذلك أن الإدارة لاتتمتع – فى مجال إبرامها لعقودها – بالحرية ذاتها التى يملكها أشخاص القانون الخاص فى نطاق العقود التى يدخلون فيها، بل عليها أن تلتزم طرقاً بعينها توصلا إلى اختيار المتعاقد معها، وكثيراً ما تكون قراراتها الإدارية متضمنة إنهاء علاقة تعاقدية بعد نشوئها أو ممهدة لعلاقة قانونية جديدة لاتزال فى طور تكوينها. وسواء آل أمر هذه العلاقة الجديدة إلى إبرام الإدارة لعقد من عقود القانون الخاص أو لأحد العقود الإدارية، فإن قراراتها التى تتصل بالعقد سواء من ناحية الإذن به أو إبرامه أو اعتماده ، تنفصل عنه، ويجوز الطعن فيها بالتالى استقلالا عن العلاقة التعاقدية فى ذاتها• متى كان ذلك وكان قرار محافظ المنوفية بطرح عملية إستغلال برج المنوفية فى مزايدة عامة يعد منهيا لعقد قائم وسابقا على إبرام العقد الجديد، وكان هذا القرار قد صدر عن تلك المحافظة إعمالا للسلطة المخولة لها بمقتضى القوانين واللوائح، وتعبيرا عن إرادتها المنفردة إحداثا من جانبها لمركز قانونى معين يكون ممكنا وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة ترمى إلى بلوغها، فإن هذا القرار يكون إداريا، ويدخل الفصل فى مشروعيته فى اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها عملا بنص البند خامساً من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ .جهة القضاء الإدارى جهة مختصة بالفصل فى النزاع

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى