حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٩ لسنة ١٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٩ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٥ – ٠١ – ١٩٩٨
منطوق الحكم : عدم دستورية
مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك فيما تضمنته من افتراض علم مؤجر المكان أو جزء منه بالعقد السابق الصادر من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم .
الحكم
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ولى الدين جلال وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض وماهر البحيرى وعدلى محمود منصور أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .
– ١ –
دعوى دستورية – دعوى دستورية – المصلحة الشخصية المباشرة – مناطها
١ – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”. مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. ٢ – دعوى دستورية “نطاقها”. نطاق الطعن بعدم دستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذي أبداه المدعي أمام محكمة الموضوع.
١، ٢ – مناط المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ إرتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان من المقرر أن نطاق الطعن بعدم الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع ، وكان البين من الأوراق أن التهمة التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعى تتحصل فى تأجير الشقة محل الاتهام إلى المتهم الثانى ، وهو على علم بسبق قيام شريكه على الشيوع فى ملكيتها بتأجيرها إلى أخر ، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى منه ، قد إقتصر على ما تعلق من النص المطعون فيه بواقعة التأجير ، فإن نطاق الطعن الماثل لا يجاوز ما يتصل بهذه الواقعة ذاتها من إفتراض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه أو نائبيهم .
– ٣ –
جريمة – جرائم – قرائن قانونية
جرائم – قرائن قانونية. القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع – فرضها في مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها – قصور القرائن عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التي افترضها المشرع.
القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع ، وهو يفرضها فى مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها Evidentiary rules غايتها إفتراض واقعة بذاتها ــ لا تكتمل أركان الجريمة بعيداً عنها ــ وإعتبارها ثابتة بحكم القانون ، فلا يكون أمام المتهم إلا نفيها ، وهى بذلك تقصر عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التى إفترضها المشرع باعتبار أن الأصل هو جواز هدمها Rebuttable Presumption .
– ٤ –
دستور – دستور – افتراض البراءة – النظام الاتهامى – مواثيق دولية
٤ – دستور – افتراض البراءة – النظام الاتهامي – مواثيق دولية. افتراض براءة المتهم لا يعدو أن يكون استصحاباً للفطرة التي جبل الإنسان عليها – أصل البراءة جزء من خصائص النظام الاتهامي وضروري لحماية الحقوق التي كفلتها المادة ٦٧ من الدستور للمتهم – ترديد هذه المادة لما جاء في المواثيق الدولية – عدم جواز هدم افتراض البراءة بإعفاء النيابة من التزامها بإثبات الاتهام. ٥ – افتراض البراءة – حكم بات. ضرورة بقاء أصل البراءة قائماً إلى أن ينقضي من خلال حكم قضائي صار باتا يخلص إلى ثبوت الجريمة في حق مرتكبها.
٤، ٥ – إفتراض براءة المتهم ، لا يعدو أن يكون إستصحاباً للفطرة التى جبل الإنسان عليها ، وشرطاً لازماً للحرية المنظمة يكرس قيمها الأساسية التى لا يتصور أن تنفصل الجماعة عنها . وهو كذلك وثيق الصلة بالحق فى الحياة ، وبدعائم العدل التى تقوم على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها . ومن ثم كان أصل البراءة جزءاً من خصائص النظام الإتهامى Accusatorial system لازماً لحماية الحقوق الرئيسية التى كفلتها المادة ٦٧ من الدستور لكل متهم ، مرددة بها نص المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، والفقرة الثانية من المادة ١٤ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، بما مؤداه أن هذه البراءة لا يجوز تعليقها على شرط يحول دون إنفاذ محتواها ، ولا تعطيلها من خلال إتهام يكون متهاوياً ، ولا نقضها سواء بإعفاء النيابة من إلتزامها بالتدليل على صحة إتهامها ، أو عن طريق تدخلها هى أو غيرها للتأثير دون حق فى مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها النهائية . بل إن الإخلال بها ــ وبإعتبارها مبدأ بدهياً ــ An Axiomatic Precept يعد خطأ لا يغتفر A prejudicial Error مستوجباً نقض كل قرار لا يتوافق معها . إن أصل البراءة يعتبر بذلك جزءاً لا يتجزأ من محاكمة تتم إنصافاً باعتباره متسانداً مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها ، وتمثل فى مجموعها حداً أدنى من الحقوق اللازمة لإدارتها ، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الإتهام ، الوسائل عينها التى يتكافأ بها مركزيهما سواء فى مجال دحض التهمة أو إثباتها ، وهى بعد حقوق لا يجوز الحرمان منها أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر متهماً أو مشتبهاً فيه . وقد أقرتها الشرائع جميعها ــ لا لتظل المذنبين بحمايتها ــ وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة الجزاء المقررة للجريمة التى خالطتها شبهة إرتكابها بما يحول دون القطع بوقوعها ممن أسند إليهم الإتهام بإتيانها ، إذ لا يعتبر هذا الإتهام كافياً لهدم أصل البراءة ، ولا مثبتاً لواقعة تقوم بها الجريمة ، ولا حائلاً دون التدليل عليها ، بل يظل هذا الأصل قائماً إلى أن ينقض من خلال حكم قضائى صار باتاً بعد أن أحاط بالتهمة عن بصر وبصيرة ، وخلص إلى أن الدليل على صحتها ــ بكل مكوناتها ــ كان نقياً متكاملاً .
– ٦ –
جريمة – جريمة – اثباتها
جريمة “اثباتها”. من غير الجائز إثبات الجريمة دون دليل جازم يتبسط على عناصرها جميعاً.
كل جريمة يدعى إرتكابها ، لا يجوز إثباتها دون دليل جازم ينبسط على عناصرها جميعاً ، ولا يجوز كذلك إفتراض ثبوتها ــ ولو فى أحد عناصرها ماكان منها مادياً أو معنوياً ــ من خلال قرينة قانونية ينشئها المشرع إعتسافاً . ودون ذلك لا يكون أصل البراءة إلا وهماً .
– ٧ –
نصوص جنائية – نصوص جنائية – تجهيل
٧ – نصوص جنائية “تجهيل”. دستورية النصوص القانونية في المجال الجنائي تفترض صدور قانون يكون محدداً للجرائم التي أنشأها ومقرراً عقوبتها بما لا تجهيل فيه. ٨ – افتراض براءة المتهم – قرينة قانونية. إهدار المشرع – من خلال قرينة قانونية أحدثها – افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه، يخل بوسائل دفعها.
٧، ٨ – من المقرر أن دستورية النصوص القانونية التى ينشئها المشرع فى المجال الجنائى ، تفترض صدور قانون يكون محدداً للجرائم التى أنشأتها ، ومقرراً عقوباتها بما لا تجهيل فيه وبما لا يجاوز الضرورة ، ودون إخلال كذلك بحقوق الدفاع بشأن نفيها ، وبمراعاة أن النصوص العقابية الأكثر سوءاً ــ بالنظر إلى مضمونها ــ لا يجوز سريانها بأثر رجعى . وكلما أهدر المشرع ــ من خلال قرينة قانونية أحدثها ــ إفتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه ، كان ذلك إخلالاً بوسائل دفعها ، وإهداراً لتوازن بين الحقوق التى يملكها لدحضها ، وتلك التى تحوزها سلطة الإتهام لإثباتها
– ٩ –
افتراض البراءة – افتراض براءة – جرائم – ثبوتها
افتراض البراءة – جرائم “ثبوتها”. افتراض البراءة يضمن ألا يدان المتهم عن الجريمة ما لم يكن الدليل عليها مبرءاً من شبهة لها أساسها – ما تملكه النيابة العامة من وسائل إجرائية في مجال إثباتها للجريمة لا يوازنها إلا افتراض البراءة.
إفتراض البراءة يبدو أكثر ضرورة فى مجال حقوق الدفاع بالنظر إلى أن الوسائل الإجرائية التى تملكها النيابة العامة فى مجال إثباتها للجريمة ، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها ، ولا يوازنها إلا إفتراض البراءة لضمان ألا يدان عن الجريمة ما لم يكن الدليل عليها مبرءاً من كل شبهة لها أساسها Dans la doute, on acquitte ولا يجوز بالتالى أن تفسر النصوص العقابية ، باعتبارها نافية لأصل براءة المتهمين بمخالفتها ، ولا منهية لضرورة أن يكون الدليل على الإخلال بها منتجاً ومؤثراً ، بل يكون لكل متهم ــ وإرتكاناً إلى هذا الأصل ــ أن يظل ” إبتداء ” صامتاً ، وأن يفيد ” إنتهاء ” مما يعتبر شكاً معقولاً Doute raisonable محيطاً بالتهمة من جهة ثبوتها .
– ١٠ –
تشريع – تشريع – نص الفقرة الاولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ – افتراض البراءة – حرية شخصية
تشريع – تشريع ” المادة ١٦٩ من لائحة الاحوال الشخصية للاقباط الارثوذكس : حق التقاضى
تشريع: “نص الفقرة الأولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧: افتراض البراءة – حرية شخصية”. ما قرره هذا النص من قرينة قانونية بافتراض علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه في العين التي يملكانها إهدار لافتراض البراءة وعدوان على الحرية الشخصية.
مؤدى الفقرة الأولى من المادة ٨٢ هو إعفاء النيابة العامة من إلتزامها بتقديم الدليل على علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه فى العين التى يملكانها . وتلك هى القرينة القانونية التى أقحمها المشرع على إفتراض البراءة بما ينال من الحرية الشخصية التى تمثل النصوص العقابية أخطر القيود عليها ، والتى يعتبر ضمانها ضد كل صور التحامل والتسلط لازماً لصونها ، وعلى الأخص فى إطار محاكمة جنائية يعتبر إنصافها شرطاً لاستقامتها من الناحية الدستورية ، وتوكيداً لضرورة أن يكون زمامها بيد محكمة الموضوع وحدها ، فلا يكون قضاؤها فيها منفصلاً عن أعمال التحقيق التى تجريها بنفسها ، والتى تستخلص منها إقتناعها بقيام الجريمة المدعى بها أو إنتفائها .
– ١١ –
قانون اصلح للمتهم – قانون اصلح للمتهم – شرطه
قانون أصلح للمتهم “شرطه”. اتفاق القانونين اللاحق والسابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطاً مبدئياً للنظر في أصلحهما للمتهم.
جرى قضاء هذه المحكمة على أن إتفاق القانونين اللاحق والسابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطاً مبدئياً للنظر فى أصلحهما للمتهم .
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى وآخر فى القضية رقم ٥٧٢٣ لسنة ١٩٩٢ جنح قسم دمياط، بأنهما قاما فى ٢٠ / ٤ / ١٩٩٢ بدائرة قسم دمياط، بتأجير المكان المبين بالتحقيقات على خلاف مقتضى العقد السابق المبرم بشأنها . وطلبت معاقبتهما بالمادتين ٨٢ و ٨٤ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . وقد دانتهما محكمة جنح دمياط حضوريا للأول وغيابيا للثانى بتغريم كل منهما ألف جنيه والمصروفات، فاستأنف المدعى هذا الحكم برقم ١٤٩٤ لسنة ١٩٩٦ جنح مستأنف دمياط . وأثناء نظره، دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه التى تفترض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو أحد شركائه فى العقار . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، فقد صرحت برفع الدعوى الدستورية، فأقامها . وحيث إن المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضى بمايأتى : – فقرة أولى : << يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لاتقل عن خمسمائة جنيه ولاتجاوز ألفى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أجر مكانا أو جزءا منه أوباعه، ولوبعقد غير مشهر، أو مكن آخر منه وكان ذلك التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، ولوغير مشهر، صادر منه أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم ويفترض علم هؤلاء بالعقد السابق الصادر من أيهم . فقرة ثانية : ويعاقب بالعقوبة السابقة من يسبق إلى وضع يده، أو يشرع فى ذلك على خلاف مقتضى العقد السابق عليه، قبل استصدار حكم بأفضليته من القضاء المختص، ويفترض علم هذا المتعرض بالتعاقد السابق إذا كان زوجا لمن تعاقد معه أو من مكنه أو كان من أصوله أو فروعه، أو من أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة >> . وحيث إن المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أن << يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور، بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها . ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولوكان مسجلا . ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق التعاقد وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم المادة الأخيرة من المادة ١٣ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧. ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع منه من مخالفات لأحكام هذه المادة>>. وعملا بالفقرة الأولى من المادة ٢٤ من هذا القانون، تلغى جميع العقوبات المقيدة للحرية – وفيما عدا العقوبة المقررة لجريمة خلو الرجل – المنصوص عليها فى القوانين المنظمة لتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك دون إخلال بأحكام المادة السابقة. وحيث إن مؤدى ماتقدم من نصوص، أن جريمة تأجير مكان أو جزء منه أو بيعه أو تمكين آخر منه على خلاف مقتضى عقد سابق – ولوكان غير مشهر – صادر من المؤجر أو البائع أو الممكن أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم، مافتئت قائمة، مقتصرة عقوبتها على الغرامة، وفى إطار حديها اللذين قررتهما المادة ٨٢ آنفة البيان. وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها عقلا بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ؛ وكان من المقرر أن نطاق الطعن بعدم الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع ؛ وكان البين من الأوراق أن التهمة التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعى تتحصل فى تأجير الشقة محل الاتهام إلى المتهم الثانى، وهو على علم بسبق قيام شريكه على الشيوع فى ملكيتها بتأجيرها إلى آخر ؛ وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى منه، قد اقتصر على ماتعلق من النص المطعون فيه بواقعة التأجير، فإن نطاق الطعن الماثل لايجاوز مايتصل بهذه الواقعة ذاتها من افتراض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه أو نائبيهم. وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون فيها أن افتراضها علم المؤجر بالعقد السابق على تأجيرها الجديد، يعد إهداراً لأصل البراءة المقرر بمقتضى نص المادة ٦٧ من الدستور، حال أن هذا الأصل أحد الركائز الجوهرية التى لاتقوم المحاكمة المنصفة بدونها، ويعتبر لازما لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، ومتطلبا لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها من خلال قرينة قانونية يحدثها . هذا فضلا عن أن جريمة التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنا فيها، وكان لازما بالتالى أن تتحقق المحكمة بنفسها – وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها – من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة، وأن يكون هذا العلم يقينيا، لا ظنيا أو افتراضيا. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٦٧ من الدستور تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وحيث إن القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع، وهو يفرضها فى مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها Evidentiary rules غايتها افتراض واقعة بذاتها – لاتكتمل أركان الجريمة بعيدا عنها – واعتبارها ثابتة بحكم القانون، فلايكون أمام المتهم إلا نفيها، وهى بذلك تقصر عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التى افترضها المشرع باعتبار أن الأصل هو جواز هدمها Rebuttable presumption . وحيث إن افتراض براءة المتهم، لايعدو أن يكون استصحابا للفطرة التى جبل الإنسان عليها، وشرطا لازما للحرية المنظمة يكرس قيمها الأساسية التى لايتصور أن تنفصل الجماعة عنها . وهو كذلك وثيق الصلة بالحق فى الحياة، وبدعائم العدل التى تقوم على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها . ومن ثم كان أصل البراءة جزءا من خصائص النظام الاتهامى Accusatorial system لازما لحماية الحقوق الرئيسية التى كفلتها المادة ٦٧ من الدستور لكل متهم، مرددة بها نص المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والفقرة الثانية من المادة ١٤ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، بما مؤداه أن هذه البراءة لايجوز تعليقها على شرط يحول دون إنفاذ محتواها ؛ ولاتعطيلها من خلال اتهام جدياً كان أم متهاويا، ولانقضها سواء بإعفاء النيابة من التزامها بالتدليل على صحة اتهامها، أو عن طريق تدخلها هى أو غيرها للتأثير دون حق فى مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها النهائية .بل إن الإخلال بها – وباعتبارها مبدأ بدهيا – An Axiomatic Precept يعد خطأ لايغتفر A prejudicial Error مستوجبا نقض كل قرار لايتوافق معها. وحيث إن أصل البراءة يعتبر بذلك جزءا لايتجزأ من محاكمة تتم إنصافا باعتباره متساندا مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها، وتمثل فى مجموعها حداً أدنى من الحقوق اللازمة لإدارتها، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الاتهام، الوسائل عينها التى يتكافأ بها مركزيهما سواء فى مجال دحض التهمة أو إثباتها ؛ وهى بعد حقوق لايجوز الحرمان منها أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر متهما أو مشتبها فيه . وقد أقرتها الشرائع جميعها – لا لِتُظِل المذنبين بحمايتها – وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة الجزاء الجنائى فى شأن جريمة غير مقطوع بوقوعها ممن أسند إليهم الاتهام بإتيانها، إذ لايعتبر هذا الاتهام كافيا لهدم أصل البراءة، ولامثبتا لواقعة تقوم بها الجريمة، ولاحائلا دون التدليل عليها، بل يظل هذا الأصل قائما إلى أن يُنقض من خلال حكم قضائى صار باتا بعد أن أحاط بالتهمة عن بصر وبصيرة، وخلص إلى أن الدليل علي صحتها – بكل مكوناتها – كان نقيا متكاملا. وهو مايعنى أن كل جريمة يُدَّعى ارتكابها، لايجوز القول بثبوتها دون دليل جازم ينبسط على عناصرها جميعا، ولايجوز كذلك افتراض ثبوتها – ولوفى أحد عناصرها ماكان منها ماديا أو معنويا – من خلال قرينة قانونية ينشئها المشرع اعتسافا . ودون ذلك لايكون أصل البراءة إلا وهما. وحيث إن من المقرر كذلك أن دستورية النصوص القانونية التى ينشئها المشرع فى المجال الجنائى، تفترض صدور قانون يكون محددا للجرائم التى أنشأتها، ومقررا عقوباتها بما لاتجهيل فيه وبما لايجاوز الضرورة ؛ ودون إخلال كذلك بحقوق الدفاع بشأن نفيها، وبمراعاة أن النصوص العقابية الأكثر سوءا – بالنظر إلى مضمونها – لايجوز سريانها بأثر رجعى . وكلما أهدر المشرع – من خلال قرينة قانونية أحدثها – افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه، كان ذلك إخلالا بوسائل دفعها، وإهدارا لتوازن بين الحقوق التى يملكها لدحضها، وتلك التى تحوزها سلطة الاتهام لإثباتها. وحيث إن افتراض البراءة يبدو أكثر ضرورة فى مجال حقوق الدفاع بالنظر إلى أن الوسائل الإجرائية التى تملكها النيابة العامة فى مجال إثباتها للجريمة، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولايوازنها إلا افتراض البراءة لضمان ألا يدان عن الجريمة مالم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها Dans la doute, on acquitte ولايجوز بالتالى أن تفسر النصوص العقابية، باعتبارها نافية لأصل براءة المتهمين بمخالفتها، ولامنهية لضرورة أن يكون الدليل على الإخلال بها منتجا ومؤثرا، بل يكون لكل متهم – وارتكانا إلى هذا الأصل – أن يظل <<ابتداء>> صامتا، وأن يفيد <<انتهاء>> مما يعتبر شكا معقولا Doute raisonable محيطا بالتهمة من جهة ثبوتها . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون عليها، تدل على أن الجريمة المنصوص عليها فيها جريمة عمدية، مناطها قيام شخص بتأجير عين بذاتها أو جزء منها ولوبعقد غير مشهر كلما كان هذا التأجير يناقض عقدا سابقا صادراً عنه، أو عن نائبه، أوعن أحد شركائه، أو نائبيهم . ومن ثم يكون القصد الجنائى ركنا معنويا فى هذه الجريمة لازما لثبوتها. بيد أن المشرع قدر أن التعاقد الجديد المناقض للعقد السابق، قد لايكون صادرا عمن دخل فى العقد الأول، بل عن نائبه أو أحد شركائه أوعن وكيل لأيهما، فافترض علم هؤلاء جميعا بالعقد السابق، وكأنهم جميعا شخص واحد يقدر لأموره عواقبها، ويزنها فى إطار من القيود التى حدد بها المشرع نطاق الأعمال التى يجوز أن يباشرها، وهو افتراض لا دليل عليه، ومؤداه إعفاء النيابة العامة من التزامها بتقديم الدليل على علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه فى العين التى يملكانها . وتلك هى القرينة القانونية التى اقحمها المشرع على افتراض البراءة بما ينال من الحرية الشخصية التى تمثل النصوص العقابية أخطر القيود عليها، والتى يعتبر ضمانها ضد كل صور التحامل والتسلط لازما لصونها، وعلى الأخص فى إطار محاكمة جنائية يعتبر إنصافها شرطا لاستقامتها من الناحية الدستورية، وتوكيدا لضرورة أن يكون زمامها بيد محكمة الموضوع وحدها، فلايكون قضاؤها فيها منفصلا عن أعمال التحقيق التى تجريها بنفسها، والتى تستخلص منها قناعتها بقيام الجريمة المدعى بها أو انتفائها. وحيث إنه لما تقدم، تكون الفقرة المطعون عليها مخالفة لأحكام المواد ٤١ و ٦٧ و ٦٩ و ٨٦ و ١٦٥ من الدستور . والقول بأن الأحكام التى تضمنها القانون رقم ٤ لسنة ١٩٩٦فى شأن سريان قواعد القانون المدنى على صور بذواتها من العلائق الإيجارية، وإهدار كل قاعدة على خلافها، تعتبر أصلح للمتهم فى مجال تطيبقها على النزاع الماثل، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اتفاق القانونين اللاحق و السابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطا مبدئيا للنظر فى أصلحهما للمتهم . ولاكذلك الفقرة الثانية المطعون عليها التى خلص قضاء هذه المحكمة إلى تعارضها مع بعض الأحكام التى تضمنها.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى وآخر فى القضية رقم ٥٧٢٣ لسنة ١٩٩٢ جنح قسم دمياط، بأنهما قاما فى ٢٠ / ٤ / ١٩٩٢ بدائرة قسم دمياط، بتأجير المكان المبين بالتحقيقات على خلاف مقتضى العقد السابق المبرم بشأنها . وطلبت معاقبتهما بالمادتين ٨٢ و ٨٤ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . وقد دانتهما محكمة جنح دمياط حضوريا للأول وغيابيا للثانى بتغريم كل منهما ألف جنيه والمصروفات، فاستأنف المدعى هذا الحكم برقم ١٤٩٤ لسنة ١٩٩٦ جنح مستأنف دمياط . وأثناء نظره، دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه التى تفترض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو أحد شركائه فى العقار . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، فقد صرحت برفع الدعوى الدستورية، فأقامها . وحيث إن المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضى بمايأتى : – فقرة أولى : << يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لاتقل عن خمسمائة جنيه ولاتجاوز ألفى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أجر مكانا أو جزءا منه أوباعه، ولوبعقد غير مشهر، أو مكن آخر منه وكان ذلك التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، ولوغير مشهر، صادر منه أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم ويفترض علم هؤلاء بالعقد السابق الصادر من أيهم . فقرة ثانية : ويعاقب بالعقوبة السابقة من يسبق إلى وضع يده، أو يشرع فى ذلك على خلاف مقتضى العقد السابق عليه، قبل استصدار حكم بأفضليته من القضاء المختص، ويفترض علم هذا المتعرض بالتعاقد السابق إذا كان زوجا لمن تعاقد معه أو من مكنه أو كان من أصوله أو فروعه، أو من أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة >> . وحيث إن المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أن << يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور، بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها . ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولوكان مسجلا . ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق التعاقد وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم المادة الأخيرة من المادة ١٣ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧. ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع منه من مخالفات لأحكام هذه المادة>>. وعملا بالفقرة الأولى من المادة ٢٤ من هذا القانون، تلغى جميع العقوبات المقيدة للحرية – وفيما عدا العقوبة المقررة لجريمة خلو الرجل – المنصوص عليها فى القوانين المنظمة لتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك دون إخلال بأحكام المادة السابقة. وحيث إن مؤدى ماتقدم من نصوص، أن جريمة تأجير مكان أو جزء منه أو بيعه أو تمكين آخر منه على خلاف مقتضى عقد سابق – ولوكان غير مشهر – صادر من المؤجر أو البائع أو الممكن أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم، مافتئت قائمة، مقتصرة عقوبتها على الغرامة، وفى إطار حديها اللذين قررتهما المادة ٨٢ آنفة البيان. وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها عقلا بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ؛ وكان من المقرر أن نطاق الطعن بعدم الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع ؛ وكان البين من الأوراق أن التهمة التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعى تتحصل فى تأجير الشقة محل الاتهام إلى المتهم الثانى، وهو على علم بسبق قيام شريكه على الشيوع فى ملكيتها بتأجيرها إلى آخر ؛ وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى منه، قد اقتصر على ماتعلق من النص المطعون فيه بواقعة التأجير، فإن نطاق الطعن الماثل لايجاوز مايتصل بهذه الواقعة ذاتها من افتراض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه أو نائبيهم. وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون فيها أن افتراضها علم المؤجر بالعقد السابق على تأجيرها الجديد، يعد إهداراً لأصل البراءة المقرر بمقتضى نص المادة ٦٧ من الدستور، حال أن هذا الأصل أحد الركائز الجوهرية التى لاتقوم المحاكمة المنصفة بدونها، ويعتبر لازما لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، ومتطلبا لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها من خلال قرينة قانونية يحدثها . هذا فضلا عن أن جريمة التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنا فيها، وكان لازما بالتالى أن تتحقق المحكمة بنفسها – وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها – من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة، وأن يكون هذا العلم يقينيا، لا ظنيا أو افتراضيا. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٦٧ من الدستور تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وحيث إن القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع، وهو يفرضها فى مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها Evidentiary rules غايتها افتراض واقعة بذاتها – لاتكتمل أركان الجريمة بعيدا عنها – واعتبارها ثابتة بحكم القانون، فلايكون أمام المتهم إلا نفيها، وهى بذلك تقصر عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التى افترضها المشرع باعتبار أن الأصل هو جواز هدمها Rebuttable presumption . وحيث إن افتراض براءة المتهم، لايعدو أن يكون استصحابا للفطرة التى جبل الإنسان عليها، وشرطا لازما للحرية المنظمة يكرس قيمها الأساسية التى لايتصور أن تنفصل الجماعة عنها . وهو كذلك وثيق الصلة بالحق فى الحياة، وبدعائم العدل التى تقوم على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها . ومن ثم كان أصل البراءة جزءا من خصائص النظام الاتهامى Accusatorial system لازما لحماية الحقوق الرئيسية التى كفلتها المادة ٦٧ من الدستور لكل متهم، مرددة بها نص المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والفقرة الثانية من المادة ١٤ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، بما مؤداه أن هذه البراءة لايجوز تعليقها على شرط يحول دون إنفاذ محتواها ؛ ولاتعطيلها من خلال اتهام جدياً كان أم متهاويا، ولانقضها سواء بإعفاء النيابة من التزامها بالتدليل على صحة اتهامها، أو عن طريق تدخلها هى أو غيرها للتأثير دون حق فى مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها النهائية .بل إن الإخلال بها – وباعتبارها مبدأ بدهيا – An Axiomatic Precept يعد خطأ لايغتفر A prejudicial Error مستوجبا نقض كل قرار لايتوافق معها. وحيث إن أصل البراءة يعتبر بذلك جزءا لايتجزأ من محاكمة تتم إنصافا باعتباره متساندا مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها، وتمثل فى مجموعها حداً أدنى من الحقوق اللازمة لإدارتها، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الاتهام، الوسائل عينها التى يتكافأ بها مركزيهما سواء فى مجال دحض التهمة أو إثباتها ؛ وهى بعد حقوق لايجوز الحرمان منها أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر متهما أو مشتبها فيه . وقد أقرتها الشرائع جميعها – لا لِتُظِل المذنبين بحمايتها – وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة الجزاء الجنائى فى شأن جريمة غير مقطوع بوقوعها ممن أسند إليهم الاتهام بإتيانها، إذ لايعتبر هذا الاتهام كافيا لهدم أصل البراءة، ولامثبتا لواقعة تقوم بها الجريمة، ولاحائلا دون التدليل عليها، بل يظل هذا الأصل قائما إلى أن يُنقض من خلال حكم قضائى صار باتا بعد أن أحاط بالتهمة عن بصر وبصيرة، وخلص إلى أن الدليل علي صحتها – بكل مكوناتها – كان نقيا متكاملا. وهو مايعنى أن كل جريمة يُدَّعى ارتكابها، لايجوز القول بثبوتها دون دليل جازم ينبسط على عناصرها جميعا، ولايجوز كذلك افتراض ثبوتها – ولوفى أحد عناصرها ماكان منها ماديا أو معنويا – من خلال قرينة قانونية ينشئها المشرع اعتسافا . ودون ذلك لايكون أصل البراءة إلا وهما. وحيث إن من المقرر كذلك أن دستورية النصوص القانونية التى ينشئها المشرع فى المجال الجنائى، تفترض صدور قانون يكون محددا للجرائم التى أنشأتها، ومقررا عقوباتها بما لاتجهيل فيه وبما لايجاوز الضرورة ؛ ودون إخلال كذلك بحقوق الدفاع بشأن نفيها، وبمراعاة أن النصوص العقابية الأكثر سوءا – بالنظر إلى مضمونها – لايجوز سريانها بأثر رجعى . وكلما أهدر المشرع – من خلال قرينة قانونية أحدثها – افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه، كان ذلك إخلالا بوسائل دفعها، وإهدارا لتوازن بين الحقوق التى يملكها لدحضها، وتلك التى تحوزها سلطة الاتهام لإثباتها. وحيث إن افتراض البراءة يبدو أكثر ضرورة فى مجال حقوق الدفاع بالنظر إلى أن الوسائل الإجرائية التى تملكها النيابة العامة فى مجال إثباتها للجريمة، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولايوازنها إلا افتراض البراءة لضمان ألا يدان عن الجريمة مالم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها Dans la doute, on acquitte ولايجوز بالتالى أن تفسر النصوص العقابية، باعتبارها نافية لأصل براءة المتهمين بمخالفتها، ولامنهية لضرورة أن يكون الدليل على الإخلال بها منتجا ومؤثرا، بل يكون لكل متهم – وارتكانا إلى هذا الأصل – أن يظل <<ابتداء>> صامتا، وأن يفيد <<انتهاء>> مما يعتبر شكا معقولا Doute raisonable محيطا بالتهمة من جهة ثبوتها . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون عليها، تدل على أن الجريمة المنصوص عليها فيها جريمة عمدية، مناطها قيام شخص بتأجير عين بذاتها أو جزء منها ولوبعقد غير مشهر كلما كان هذا التأجير يناقض عقدا سابقا صادراً عنه، أو عن نائبه، أوعن أحد شركائه، أو نائبيهم . ومن ثم يكون القصد الجنائى ركنا معنويا فى هذه الجريمة لازما لثبوتها. بيد أن المشرع قدر أن التعاقد الجديد المناقض للعقد السابق، قد لايكون صادرا عمن دخل فى العقد الأول، بل عن نائبه أو أحد شركائه أوعن وكيل لأيهما، فافترض علم هؤلاء جميعا بالعقد السابق، وكأنهم جميعا شخص واحد يقدر لأموره عواقبها، ويزنها فى إطار من القيود التى حدد بها المشرع نطاق الأعمال التى يجوز أن يباشرها، وهو افتراض لا دليل عليه، ومؤداه إعفاء النيابة العامة من التزامها بتقديم الدليل على علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه فى العين التى يملكانها . وتلك هى القرينة القانونية التى اقحمها المشرع على افتراض البراءة بما ينال من الحرية الشخصية التى تمثل النصوص العقابية أخطر القيود عليها، والتى يعتبر ضمانها ضد كل صور التحامل والتسلط لازما لصونها، وعلى الأخص فى إطار محاكمة جنائية يعتبر إنصافها شرطا لاستقامتها من الناحية الدستورية، وتوكيدا لضرورة أن يكون زمامها بيد محكمة الموضوع وحدها، فلايكون قضاؤها فيها منفصلا عن أعمال التحقيق التى تجريها بنفسها، والتى تستخلص منها قناعتها بقيام الجريمة المدعى بها أو انتفائها. وحيث إنه لما تقدم، تكون الفقرة المطعون عليها مخالفة لأحكام المواد ٤١ و ٦٧ و ٦٩ و ٨٦ و ١٦٥ من الدستور . والقول بأن الأحكام التى تضمنها القانون رقم ٤ لسنة ١٩٩٦فى شأن سريان قواعد القانون المدنى على صور بذواتها من العلائق الإيجارية، وإهدار كل قاعدة على خلافها، تعتبر أصلح للمتهم فى مجال تطيبقها على النزاع الماثل، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اتفاق القانونين اللاحق و السابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطا مبدئيا للنظر فى أصلحهما للمتهم . ولاكذلك الفقرة الثانية المطعون عليها التى خلص قضاء هذه المحكمة إلى تعارضها مع بعض الأحكام التى تضمنها.
– ١ –
دعوى دستورية – دعوى دستورية – المصلحة الشخصية المباشرة – مناطها
١ – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”. مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. ٢ – دعوى دستورية “نطاقها”. نطاق الطعن بعدم دستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذي أبداه المدعي أمام محكمة الموضوع.
١، ٢ – مناط المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ إرتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان من المقرر أن نطاق الطعن بعدم الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع ، وكان البين من الأوراق أن التهمة التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعى تتحصل فى تأجير الشقة محل الاتهام إلى المتهم الثانى ، وهو على علم بسبق قيام شريكه على الشيوع فى ملكيتها بتأجيرها إلى أخر ، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى منه ، قد إقتصر على ما تعلق من النص المطعون فيه بواقعة التأجير ، فإن نطاق الطعن الماثل لا يجاوز ما يتصل بهذه الواقعة ذاتها من إفتراض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه أو نائبيهم .
– ٣ –
جريمة – جرائم – قرائن قانونية
جرائم – قرائن قانونية. القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع – فرضها في مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها – قصور القرائن عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التي افترضها المشرع.
القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع ، وهو يفرضها فى مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها Evidentiary rules غايتها إفتراض واقعة بذاتها ــ لا تكتمل أركان الجريمة بعيداً عنها ــ وإعتبارها ثابتة بحكم القانون ، فلا يكون أمام المتهم إلا نفيها ، وهى بذلك تقصر عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التى إفترضها المشرع باعتبار أن الأصل هو جواز هدمها Rebuttable Presumption .
– ٤ –
دستور – دستور – افتراض البراءة – النظام الاتهامى – مواثيق دولية
٤ – دستور – افتراض البراءة – النظام الاتهامي – مواثيق دولية. افتراض براءة المتهم لا يعدو أن يكون استصحاباً للفطرة التي جبل الإنسان عليها – أصل البراءة جزء من خصائص النظام الاتهامي وضروري لحماية الحقوق التي كفلتها المادة ٦٧ من الدستور للمتهم – ترديد هذه المادة لما جاء في المواثيق الدولية – عدم جواز هدم افتراض البراءة بإعفاء النيابة من التزامها بإثبات الاتهام. ٥ – افتراض البراءة – حكم بات. ضرورة بقاء أصل البراءة قائماً إلى أن ينقضي من خلال حكم قضائي صار باتا يخلص إلى ثبوت الجريمة في حق مرتكبها.
٤، ٥ – إفتراض براءة المتهم ، لا يعدو أن يكون إستصحاباً للفطرة التى جبل الإنسان عليها ، وشرطاً لازماً للحرية المنظمة يكرس قيمها الأساسية التى لا يتصور أن تنفصل الجماعة عنها . وهو كذلك وثيق الصلة بالحق فى الحياة ، وبدعائم العدل التى تقوم على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها . ومن ثم كان أصل البراءة جزءاً من خصائص النظام الإتهامى Accusatorial system لازماً لحماية الحقوق الرئيسية التى كفلتها المادة ٦٧ من الدستور لكل متهم ، مرددة بها نص المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، والفقرة الثانية من المادة ١٤ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، بما مؤداه أن هذه البراءة لا يجوز تعليقها على شرط يحول دون إنفاذ محتواها ، ولا تعطيلها من خلال إتهام يكون متهاوياً ، ولا نقضها سواء بإعفاء النيابة من إلتزامها بالتدليل على صحة إتهامها ، أو عن طريق تدخلها هى أو غيرها للتأثير دون حق فى مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها النهائية . بل إن الإخلال بها ــ وبإعتبارها مبدأ بدهياً ــ An Axiomatic Precept يعد خطأ لا يغتفر A prejudicial Error مستوجباً نقض كل قرار لا يتوافق معها . إن أصل البراءة يعتبر بذلك جزءاً لا يتجزأ من محاكمة تتم إنصافاً باعتباره متسانداً مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها ، وتمثل فى مجموعها حداً أدنى من الحقوق اللازمة لإدارتها ، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الإتهام ، الوسائل عينها التى يتكافأ بها مركزيهما سواء فى مجال دحض التهمة أو إثباتها ، وهى بعد حقوق لا يجوز الحرمان منها أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر متهماً أو مشتبهاً فيه . وقد أقرتها الشرائع جميعها ــ لا لتظل المذنبين بحمايتها ــ وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة الجزاء المقررة للجريمة التى خالطتها شبهة إرتكابها بما يحول دون القطع بوقوعها ممن أسند إليهم الإتهام بإتيانها ، إذ لا يعتبر هذا الإتهام كافياً لهدم أصل البراءة ، ولا مثبتاً لواقعة تقوم بها الجريمة ، ولا حائلاً دون التدليل عليها ، بل يظل هذا الأصل قائماً إلى أن ينقض من خلال حكم قضائى صار باتاً بعد أن أحاط بالتهمة عن بصر وبصيرة ، وخلص إلى أن الدليل على صحتها ــ بكل مكوناتها ــ كان نقياً متكاملاً .
– ٦ –
جريمة – جريمة – اثباتها
جريمة “اثباتها”. من غير الجائز إثبات الجريمة دون دليل جازم يتبسط على عناصرها جميعاً.
كل جريمة يدعى إرتكابها ، لا يجوز إثباتها دون دليل جازم ينبسط على عناصرها جميعاً ، ولا يجوز كذلك إفتراض ثبوتها ــ ولو فى أحد عناصرها ماكان منها مادياً أو معنوياً ــ من خلال قرينة قانونية ينشئها المشرع إعتسافاً . ودون ذلك لا يكون أصل البراءة إلا وهماً .
– ٧ –
نصوص جنائية – نصوص جنائية – تجهيل
٧ – نصوص جنائية “تجهيل”. دستورية النصوص القانونية في المجال الجنائي تفترض صدور قانون يكون محدداً للجرائم التي أنشأها ومقرراً عقوبتها بما لا تجهيل فيه. ٨ – افتراض براءة المتهم – قرينة قانونية. إهدار المشرع – من خلال قرينة قانونية أحدثها – افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه، يخل بوسائل دفعها.
٧، ٨ – من المقرر أن دستورية النصوص القانونية التى ينشئها المشرع فى المجال الجنائى ، تفترض صدور قانون يكون محدداً للجرائم التى أنشأتها ، ومقرراً عقوباتها بما لا تجهيل فيه وبما لا يجاوز الضرورة ، ودون إخلال كذلك بحقوق الدفاع بشأن نفيها ، وبمراعاة أن النصوص العقابية الأكثر سوءاً ــ بالنظر إلى مضمونها ــ لا يجوز سريانها بأثر رجعى . وكلما أهدر المشرع ــ من خلال قرينة قانونية أحدثها ــ إفتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه ، كان ذلك إخلالاً بوسائل دفعها ، وإهداراً لتوازن بين الحقوق التى يملكها لدحضها ، وتلك التى تحوزها سلطة الإتهام لإثباتها
– ٩ –
افتراض البراءة – افتراض براءة – جرائم – ثبوتها
افتراض البراءة – جرائم “ثبوتها”. افتراض البراءة يضمن ألا يدان المتهم عن الجريمة ما لم يكن الدليل عليها مبرءاً من شبهة لها أساسها – ما تملكه النيابة العامة من وسائل إجرائية في مجال إثباتها للجريمة لا يوازنها إلا افتراض البراءة.
إفتراض البراءة يبدو أكثر ضرورة فى مجال حقوق الدفاع بالنظر إلى أن الوسائل الإجرائية التى تملكها النيابة العامة فى مجال إثباتها للجريمة ، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها ، ولا يوازنها إلا إفتراض البراءة لضمان ألا يدان عن الجريمة ما لم يكن الدليل عليها مبرءاً من كل شبهة لها أساسها Dans la doute, on acquitte ولا يجوز بالتالى أن تفسر النصوص العقابية ، باعتبارها نافية لأصل براءة المتهمين بمخالفتها ، ولا منهية لضرورة أن يكون الدليل على الإخلال بها منتجاً ومؤثراً ، بل يكون لكل متهم ــ وإرتكاناً إلى هذا الأصل ــ أن يظل ” إبتداء ” صامتاً ، وأن يفيد ” إنتهاء ” مما يعتبر شكاً معقولاً Doute raisonable محيطاً بالتهمة من جهة ثبوتها .
– ١٠ –
تشريع – تشريع – نص الفقرة الاولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ – افتراض البراءة – حرية شخصية
تشريع – تشريع ” المادة ١٦٩ من لائحة الاحوال الشخصية للاقباط الارثوذكس : حق التقاضى
تشريع: “نص الفقرة الأولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧: افتراض البراءة – حرية شخصية”. ما قرره هذا النص من قرينة قانونية بافتراض علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه في العين التي يملكانها إهدار لافتراض البراءة وعدوان على الحرية الشخصية.
مؤدى الفقرة الأولى من المادة ٨٢ هو إعفاء النيابة العامة من إلتزامها بتقديم الدليل على علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه فى العين التى يملكانها . وتلك هى القرينة القانونية التى أقحمها المشرع على إفتراض البراءة بما ينال من الحرية الشخصية التى تمثل النصوص العقابية أخطر القيود عليها ، والتى يعتبر ضمانها ضد كل صور التحامل والتسلط لازماً لصونها ، وعلى الأخص فى إطار محاكمة جنائية يعتبر إنصافها شرطاً لاستقامتها من الناحية الدستورية ، وتوكيداً لضرورة أن يكون زمامها بيد محكمة الموضوع وحدها ، فلا يكون قضاؤها فيها منفصلاً عن أعمال التحقيق التى تجريها بنفسها ، والتى تستخلص منها إقتناعها بقيام الجريمة المدعى بها أو إنتفائها .
– ١١ –
قانون اصلح للمتهم – قانون اصلح للمتهم – شرطه
قانون أصلح للمتهم “شرطه”. اتفاق القانونين اللاحق والسابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطاً مبدئياً للنظر في أصلحهما للمتهم.
جرى قضاء هذه المحكمة على أن إتفاق القانونين اللاحق والسابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطاً مبدئياً للنظر فى أصلحهما للمتهم .
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى وآخر فى القضية رقم ٥٧٢٣ لسنة ١٩٩٢ جنح قسم دمياط، بأنهما قاما فى ٢٠ / ٤ / ١٩٩٢ بدائرة قسم دمياط، بتأجير المكان المبين بالتحقيقات على خلاف مقتضى العقد السابق المبرم بشأنها . وطلبت معاقبتهما بالمادتين ٨٢ و ٨٤ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . وقد دانتهما محكمة جنح دمياط حضوريا للأول وغيابيا للثانى بتغريم كل منهما ألف جنيه والمصروفات، فاستأنف المدعى هذا الحكم برقم ١٤٩٤ لسنة ١٩٩٦ جنح مستأنف دمياط . وأثناء نظره، دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه التى تفترض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو أحد شركائه فى العقار . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، فقد صرحت برفع الدعوى الدستورية، فأقامها . وحيث إن المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضى بمايأتى : – فقرة أولى : << يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لاتقل عن خمسمائة جنيه ولاتجاوز ألفى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أجر مكانا أو جزءا منه أوباعه، ولوبعقد غير مشهر، أو مكن آخر منه وكان ذلك التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، ولوغير مشهر، صادر منه أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم ويفترض علم هؤلاء بالعقد السابق الصادر من أيهم . فقرة ثانية : ويعاقب بالعقوبة السابقة من يسبق إلى وضع يده، أو يشرع فى ذلك على خلاف مقتضى العقد السابق عليه، قبل استصدار حكم بأفضليته من القضاء المختص، ويفترض علم هذا المتعرض بالتعاقد السابق إذا كان زوجا لمن تعاقد معه أو من مكنه أو كان من أصوله أو فروعه، أو من أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة >> . وحيث إن المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أن << يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور، بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها . ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولوكان مسجلا . ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق التعاقد وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم المادة الأخيرة من المادة ١٣ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧. ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع منه من مخالفات لأحكام هذه المادة>>. وعملا بالفقرة الأولى من المادة ٢٤ من هذا القانون، تلغى جميع العقوبات المقيدة للحرية – وفيما عدا العقوبة المقررة لجريمة خلو الرجل – المنصوص عليها فى القوانين المنظمة لتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك دون إخلال بأحكام المادة السابقة. وحيث إن مؤدى ماتقدم من نصوص، أن جريمة تأجير مكان أو جزء منه أو بيعه أو تمكين آخر منه على خلاف مقتضى عقد سابق – ولوكان غير مشهر – صادر من المؤجر أو البائع أو الممكن أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم، مافتئت قائمة، مقتصرة عقوبتها على الغرامة، وفى إطار حديها اللذين قررتهما المادة ٨٢ آنفة البيان. وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها عقلا بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ؛ وكان من المقرر أن نطاق الطعن بعدم الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع ؛ وكان البين من الأوراق أن التهمة التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعى تتحصل فى تأجير الشقة محل الاتهام إلى المتهم الثانى، وهو على علم بسبق قيام شريكه على الشيوع فى ملكيتها بتأجيرها إلى آخر ؛ وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى منه، قد اقتصر على ماتعلق من النص المطعون فيه بواقعة التأجير، فإن نطاق الطعن الماثل لايجاوز مايتصل بهذه الواقعة ذاتها من افتراض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه أو نائبيهم. وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون فيها أن افتراضها علم المؤجر بالعقد السابق على تأجيرها الجديد، يعد إهداراً لأصل البراءة المقرر بمقتضى نص المادة ٦٧ من الدستور، حال أن هذا الأصل أحد الركائز الجوهرية التى لاتقوم المحاكمة المنصفة بدونها، ويعتبر لازما لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، ومتطلبا لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها من خلال قرينة قانونية يحدثها . هذا فضلا عن أن جريمة التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنا فيها، وكان لازما بالتالى أن تتحقق المحكمة بنفسها – وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها – من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة، وأن يكون هذا العلم يقينيا، لا ظنيا أو افتراضيا. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٦٧ من الدستور تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وحيث إن القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع، وهو يفرضها فى مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها Evidentiary rules غايتها افتراض واقعة بذاتها – لاتكتمل أركان الجريمة بعيدا عنها – واعتبارها ثابتة بحكم القانون، فلايكون أمام المتهم إلا نفيها، وهى بذلك تقصر عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التى افترضها المشرع باعتبار أن الأصل هو جواز هدمها Rebuttable presumption . وحيث إن افتراض براءة المتهم، لايعدو أن يكون استصحابا للفطرة التى جبل الإنسان عليها، وشرطا لازما للحرية المنظمة يكرس قيمها الأساسية التى لايتصور أن تنفصل الجماعة عنها . وهو كذلك وثيق الصلة بالحق فى الحياة، وبدعائم العدل التى تقوم على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها . ومن ثم كان أصل البراءة جزءا من خصائص النظام الاتهامى Accusatorial system لازما لحماية الحقوق الرئيسية التى كفلتها المادة ٦٧ من الدستور لكل متهم، مرددة بها نص المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والفقرة الثانية من المادة ١٤ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، بما مؤداه أن هذه البراءة لايجوز تعليقها على شرط يحول دون إنفاذ محتواها ؛ ولاتعطيلها من خلال اتهام جدياً كان أم متهاويا، ولانقضها سواء بإعفاء النيابة من التزامها بالتدليل على صحة اتهامها، أو عن طريق تدخلها هى أو غيرها للتأثير دون حق فى مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها النهائية .بل إن الإخلال بها – وباعتبارها مبدأ بدهيا – An Axiomatic Precept يعد خطأ لايغتفر A prejudicial Error مستوجبا نقض كل قرار لايتوافق معها. وحيث إن أصل البراءة يعتبر بذلك جزءا لايتجزأ من محاكمة تتم إنصافا باعتباره متساندا مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها، وتمثل فى مجموعها حداً أدنى من الحقوق اللازمة لإدارتها، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الاتهام، الوسائل عينها التى يتكافأ بها مركزيهما سواء فى مجال دحض التهمة أو إثباتها ؛ وهى بعد حقوق لايجوز الحرمان منها أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر متهما أو مشتبها فيه . وقد أقرتها الشرائع جميعها – لا لِتُظِل المذنبين بحمايتها – وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة الجزاء الجنائى فى شأن جريمة غير مقطوع بوقوعها ممن أسند إليهم الاتهام بإتيانها، إذ لايعتبر هذا الاتهام كافيا لهدم أصل البراءة، ولامثبتا لواقعة تقوم بها الجريمة، ولاحائلا دون التدليل عليها، بل يظل هذا الأصل قائما إلى أن يُنقض من خلال حكم قضائى صار باتا بعد أن أحاط بالتهمة عن بصر وبصيرة، وخلص إلى أن الدليل علي صحتها – بكل مكوناتها – كان نقيا متكاملا. وهو مايعنى أن كل جريمة يُدَّعى ارتكابها، لايجوز القول بثبوتها دون دليل جازم ينبسط على عناصرها جميعا، ولايجوز كذلك افتراض ثبوتها – ولوفى أحد عناصرها ماكان منها ماديا أو معنويا – من خلال قرينة قانونية ينشئها المشرع اعتسافا . ودون ذلك لايكون أصل البراءة إلا وهما. وحيث إن من المقرر كذلك أن دستورية النصوص القانونية التى ينشئها المشرع فى المجال الجنائى، تفترض صدور قانون يكون محددا للجرائم التى أنشأتها، ومقررا عقوباتها بما لاتجهيل فيه وبما لايجاوز الضرورة ؛ ودون إخلال كذلك بحقوق الدفاع بشأن نفيها، وبمراعاة أن النصوص العقابية الأكثر سوءا – بالنظر إلى مضمونها – لايجوز سريانها بأثر رجعى . وكلما أهدر المشرع – من خلال قرينة قانونية أحدثها – افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه، كان ذلك إخلالا بوسائل دفعها، وإهدارا لتوازن بين الحقوق التى يملكها لدحضها، وتلك التى تحوزها سلطة الاتهام لإثباتها. وحيث إن افتراض البراءة يبدو أكثر ضرورة فى مجال حقوق الدفاع بالنظر إلى أن الوسائل الإجرائية التى تملكها النيابة العامة فى مجال إثباتها للجريمة، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولايوازنها إلا افتراض البراءة لضمان ألا يدان عن الجريمة مالم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها Dans la doute, on acquitte ولايجوز بالتالى أن تفسر النصوص العقابية، باعتبارها نافية لأصل براءة المتهمين بمخالفتها، ولامنهية لضرورة أن يكون الدليل على الإخلال بها منتجا ومؤثرا، بل يكون لكل متهم – وارتكانا إلى هذا الأصل – أن يظل <<ابتداء>> صامتا، وأن يفيد <<انتهاء>> مما يعتبر شكا معقولا Doute raisonable محيطا بالتهمة من جهة ثبوتها . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون عليها، تدل على أن الجريمة المنصوص عليها فيها جريمة عمدية، مناطها قيام شخص بتأجير عين بذاتها أو جزء منها ولوبعقد غير مشهر كلما كان هذا التأجير يناقض عقدا سابقا صادراً عنه، أو عن نائبه، أوعن أحد شركائه، أو نائبيهم . ومن ثم يكون القصد الجنائى ركنا معنويا فى هذه الجريمة لازما لثبوتها. بيد أن المشرع قدر أن التعاقد الجديد المناقض للعقد السابق، قد لايكون صادرا عمن دخل فى العقد الأول، بل عن نائبه أو أحد شركائه أوعن وكيل لأيهما، فافترض علم هؤلاء جميعا بالعقد السابق، وكأنهم جميعا شخص واحد يقدر لأموره عواقبها، ويزنها فى إطار من القيود التى حدد بها المشرع نطاق الأعمال التى يجوز أن يباشرها، وهو افتراض لا دليل عليه، ومؤداه إعفاء النيابة العامة من التزامها بتقديم الدليل على علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه فى العين التى يملكانها . وتلك هى القرينة القانونية التى اقحمها المشرع على افتراض البراءة بما ينال من الحرية الشخصية التى تمثل النصوص العقابية أخطر القيود عليها، والتى يعتبر ضمانها ضد كل صور التحامل والتسلط لازما لصونها، وعلى الأخص فى إطار محاكمة جنائية يعتبر إنصافها شرطا لاستقامتها من الناحية الدستورية، وتوكيدا لضرورة أن يكون زمامها بيد محكمة الموضوع وحدها، فلايكون قضاؤها فيها منفصلا عن أعمال التحقيق التى تجريها بنفسها، والتى تستخلص منها قناعتها بقيام الجريمة المدعى بها أو انتفائها. وحيث إنه لما تقدم، تكون الفقرة المطعون عليها مخالفة لأحكام المواد ٤١ و ٦٧ و ٦٩ و ٨٦ و ١٦٥ من الدستور . والقول بأن الأحكام التى تضمنها القانون رقم ٤ لسنة ١٩٩٦فى شأن سريان قواعد القانون المدنى على صور بذواتها من العلائق الإيجارية، وإهدار كل قاعدة على خلافها، تعتبر أصلح للمتهم فى مجال تطيبقها على النزاع الماثل، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اتفاق القانونين اللاحق و السابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطا مبدئيا للنظر فى أصلحهما للمتهم . ولاكذلك الفقرة الثانية المطعون عليها التى خلص قضاء هذه المحكمة إلى تعارضها مع بعض الأحكام التى تضمنها.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى وآخر فى القضية رقم ٥٧٢٣ لسنة ١٩٩٢ جنح قسم دمياط، بأنهما قاما فى ٢٠ / ٤ / ١٩٩٢ بدائرة قسم دمياط، بتأجير المكان المبين بالتحقيقات على خلاف مقتضى العقد السابق المبرم بشأنها . وطلبت معاقبتهما بالمادتين ٨٢ و ٨٤ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . وقد دانتهما محكمة جنح دمياط حضوريا للأول وغيابيا للثانى بتغريم كل منهما ألف جنيه والمصروفات، فاستأنف المدعى هذا الحكم برقم ١٤٩٤ لسنة ١٩٩٦ جنح مستأنف دمياط . وأثناء نظره، دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه التى تفترض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو أحد شركائه فى العقار . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، فقد صرحت برفع الدعوى الدستورية، فأقامها . وحيث إن المادة ٨٢ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضى بمايأتى : – فقرة أولى : << يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لاتقل عن خمسمائة جنيه ولاتجاوز ألفى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أجر مكانا أو جزءا منه أوباعه، ولوبعقد غير مشهر، أو مكن آخر منه وكان ذلك التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، ولوغير مشهر، صادر منه أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم ويفترض علم هؤلاء بالعقد السابق الصادر من أيهم . فقرة ثانية : ويعاقب بالعقوبة السابقة من يسبق إلى وضع يده، أو يشرع فى ذلك على خلاف مقتضى العقد السابق عليه، قبل استصدار حكم بأفضليته من القضاء المختص، ويفترض علم هذا المتعرض بالتعاقد السابق إذا كان زوجا لمن تعاقد معه أو من مكنه أو كان من أصوله أو فروعه، أو من أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة >> . وحيث إن المادة ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أن << يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور، بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها . ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولوكان مسجلا . ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق التعاقد وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم المادة الأخيرة من المادة ١٣ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧. ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع منه من مخالفات لأحكام هذه المادة>>. وعملا بالفقرة الأولى من المادة ٢٤ من هذا القانون، تلغى جميع العقوبات المقيدة للحرية – وفيما عدا العقوبة المقررة لجريمة خلو الرجل – المنصوص عليها فى القوانين المنظمة لتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك دون إخلال بأحكام المادة السابقة. وحيث إن مؤدى ماتقدم من نصوص، أن جريمة تأجير مكان أو جزء منه أو بيعه أو تمكين آخر منه على خلاف مقتضى عقد سابق – ولوكان غير مشهر – صادر من المؤجر أو البائع أو الممكن أو من نائبه أو من أحد شركائه أو نائبيهم، مافتئت قائمة، مقتصرة عقوبتها على الغرامة، وفى إطار حديها اللذين قررتهما المادة ٨٢ آنفة البيان. وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها عقلا بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ؛ وكان من المقرر أن نطاق الطعن بعدم الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع ؛ وكان البين من الأوراق أن التهمة التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعى تتحصل فى تأجير الشقة محل الاتهام إلى المتهم الثانى، وهو على علم بسبق قيام شريكه على الشيوع فى ملكيتها بتأجيرها إلى آخر ؛ وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى منه، قد اقتصر على ماتعلق من النص المطعون فيه بواقعة التأجير، فإن نطاق الطعن الماثل لايجاوز مايتصل بهذه الواقعة ذاتها من افتراض علم المؤجر بالعقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه أو نائبيهم. وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون فيها أن افتراضها علم المؤجر بالعقد السابق على تأجيرها الجديد، يعد إهداراً لأصل البراءة المقرر بمقتضى نص المادة ٦٧ من الدستور، حال أن هذا الأصل أحد الركائز الجوهرية التى لاتقوم المحاكمة المنصفة بدونها، ويعتبر لازما لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، ومتطلبا لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها من خلال قرينة قانونية يحدثها . هذا فضلا عن أن جريمة التأجير أو البيع أو التمكين على خلاف مقتضى عقد سابق، من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنا فيها، وكان لازما بالتالى أن تتحقق المحكمة بنفسها – وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها – من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة، وأن يكون هذا العلم يقينيا، لا ظنيا أو افتراضيا. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٦٧ من الدستور تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وحيث إن القرائن القانونية جميعها تعتبر من عمل المشرع، وهو يفرضها فى مجال الجريمة باعتبارها قواعد تتعلق بإثباتها Evidentiary rules غايتها افتراض واقعة بذاتها – لاتكتمل أركان الجريمة بعيدا عنها – واعتبارها ثابتة بحكم القانون، فلايكون أمام المتهم إلا نفيها، وهى بذلك تقصر عن أن تؤكد بصفة نهائية صحة الواقعة التى افترضها المشرع باعتبار أن الأصل هو جواز هدمها Rebuttable presumption . وحيث إن افتراض براءة المتهم، لايعدو أن يكون استصحابا للفطرة التى جبل الإنسان عليها، وشرطا لازما للحرية المنظمة يكرس قيمها الأساسية التى لايتصور أن تنفصل الجماعة عنها . وهو كذلك وثيق الصلة بالحق فى الحياة، وبدعائم العدل التى تقوم على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها . ومن ثم كان أصل البراءة جزءا من خصائص النظام الاتهامى Accusatorial system لازما لحماية الحقوق الرئيسية التى كفلتها المادة ٦٧ من الدستور لكل متهم، مرددة بها نص المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والفقرة الثانية من المادة ١٤ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، بما مؤداه أن هذه البراءة لايجوز تعليقها على شرط يحول دون إنفاذ محتواها ؛ ولاتعطيلها من خلال اتهام جدياً كان أم متهاويا، ولانقضها سواء بإعفاء النيابة من التزامها بالتدليل على صحة اتهامها، أو عن طريق تدخلها هى أو غيرها للتأثير دون حق فى مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها النهائية .بل إن الإخلال بها – وباعتبارها مبدأ بدهيا – An Axiomatic Precept يعد خطأ لايغتفر A prejudicial Error مستوجبا نقض كل قرار لايتوافق معها. وحيث إن أصل البراءة يعتبر بذلك جزءا لايتجزأ من محاكمة تتم إنصافا باعتباره متساندا مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها، وتمثل فى مجموعها حداً أدنى من الحقوق اللازمة لإدارتها، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الاتهام، الوسائل عينها التى يتكافأ بها مركزيهما سواء فى مجال دحض التهمة أو إثباتها ؛ وهى بعد حقوق لايجوز الحرمان منها أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر متهما أو مشتبها فيه . وقد أقرتها الشرائع جميعها – لا لِتُظِل المذنبين بحمايتها – وإنما لتدرأ بمقتضاها وطأة الجزاء الجنائى فى شأن جريمة غير مقطوع بوقوعها ممن أسند إليهم الاتهام بإتيانها، إذ لايعتبر هذا الاتهام كافيا لهدم أصل البراءة، ولامثبتا لواقعة تقوم بها الجريمة، ولاحائلا دون التدليل عليها، بل يظل هذا الأصل قائما إلى أن يُنقض من خلال حكم قضائى صار باتا بعد أن أحاط بالتهمة عن بصر وبصيرة، وخلص إلى أن الدليل علي صحتها – بكل مكوناتها – كان نقيا متكاملا. وهو مايعنى أن كل جريمة يُدَّعى ارتكابها، لايجوز القول بثبوتها دون دليل جازم ينبسط على عناصرها جميعا، ولايجوز كذلك افتراض ثبوتها – ولوفى أحد عناصرها ماكان منها ماديا أو معنويا – من خلال قرينة قانونية ينشئها المشرع اعتسافا . ودون ذلك لايكون أصل البراءة إلا وهما. وحيث إن من المقرر كذلك أن دستورية النصوص القانونية التى ينشئها المشرع فى المجال الجنائى، تفترض صدور قانون يكون محددا للجرائم التى أنشأتها، ومقررا عقوباتها بما لاتجهيل فيه وبما لايجاوز الضرورة ؛ ودون إخلال كذلك بحقوق الدفاع بشأن نفيها، وبمراعاة أن النصوص العقابية الأكثر سوءا – بالنظر إلى مضمونها – لايجوز سريانها بأثر رجعى . وكلما أهدر المشرع – من خلال قرينة قانونية أحدثها – افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه، كان ذلك إخلالا بوسائل دفعها، وإهدارا لتوازن بين الحقوق التى يملكها لدحضها، وتلك التى تحوزها سلطة الاتهام لإثباتها. وحيث إن افتراض البراءة يبدو أكثر ضرورة فى مجال حقوق الدفاع بالنظر إلى أن الوسائل الإجرائية التى تملكها النيابة العامة فى مجال إثباتها للجريمة، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولايوازنها إلا افتراض البراءة لضمان ألا يدان عن الجريمة مالم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها Dans la doute, on acquitte ولايجوز بالتالى أن تفسر النصوص العقابية، باعتبارها نافية لأصل براءة المتهمين بمخالفتها، ولامنهية لضرورة أن يكون الدليل على الإخلال بها منتجا ومؤثرا، بل يكون لكل متهم – وارتكانا إلى هذا الأصل – أن يظل <<ابتداء>> صامتا، وأن يفيد <<انتهاء>> مما يعتبر شكا معقولا Doute raisonable محيطا بالتهمة من جهة ثبوتها . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ٨٢ المطعون عليها، تدل على أن الجريمة المنصوص عليها فيها جريمة عمدية، مناطها قيام شخص بتأجير عين بذاتها أو جزء منها ولوبعقد غير مشهر كلما كان هذا التأجير يناقض عقدا سابقا صادراً عنه، أو عن نائبه، أوعن أحد شركائه، أو نائبيهم . ومن ثم يكون القصد الجنائى ركنا معنويا فى هذه الجريمة لازما لثبوتها. بيد أن المشرع قدر أن التعاقد الجديد المناقض للعقد السابق، قد لايكون صادرا عمن دخل فى العقد الأول، بل عن نائبه أو أحد شركائه أوعن وكيل لأيهما، فافترض علم هؤلاء جميعا بالعقد السابق، وكأنهم جميعا شخص واحد يقدر لأموره عواقبها، ويزنها فى إطار من القيود التى حدد بها المشرع نطاق الأعمال التى يجوز أن يباشرها، وهو افتراض لا دليل عليه، ومؤداه إعفاء النيابة العامة من التزامها بتقديم الدليل على علم المؤجر بالتعاقد السابق الصادر من نائبه أو من شريكه فى العين التى يملكانها . وتلك هى القرينة القانونية التى اقحمها المشرع على افتراض البراءة بما ينال من الحرية الشخصية التى تمثل النصوص العقابية أخطر القيود عليها، والتى يعتبر ضمانها ضد كل صور التحامل والتسلط لازما لصونها، وعلى الأخص فى إطار محاكمة جنائية يعتبر إنصافها شرطا لاستقامتها من الناحية الدستورية، وتوكيدا لضرورة أن يكون زمامها بيد محكمة الموضوع وحدها، فلايكون قضاؤها فيها منفصلا عن أعمال التحقيق التى تجريها بنفسها، والتى تستخلص منها قناعتها بقيام الجريمة المدعى بها أو انتفائها. وحيث إنه لما تقدم، تكون الفقرة المطعون عليها مخالفة لأحكام المواد ٤١ و ٦٧ و ٦٩ و ٨٦ و ١٦٥ من الدستور . والقول بأن الأحكام التى تضمنها القانون رقم ٤ لسنة ١٩٩٦فى شأن سريان قواعد القانون المدنى على صور بذواتها من العلائق الإيجارية، وإهدار كل قاعدة على خلافها، تعتبر أصلح للمتهم فى مجال تطيبقها على النزاع الماثل، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اتفاق القانونين اللاحق و السابق مع أحكام الدستور يعتبر شرطا مبدئيا للنظر فى أصلحهما للمتهم . ولاكذلك الفقرة الثانية المطعون عليها التى خلص قضاء هذه المحكمة إلى تعارضها مع بعض الأحكام التى تضمنها.