حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٩ لسنة ١٥ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٩ لسنة ١٥ دستورية
تاريخ النشر : ١٥ – ٠٥ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة ٣٤ مكرراً (٢) من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والإجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المعدل بالقرار رقم ٤٤٠ لسنة ١٩٨٦، وذلك فيما نصت عليه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا مارس العضو مهنة غير تجارية في الداخل.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
المصلحة فى الدعوى الدستورية ــ وهى شرط لقبولها ــ مناطها إرتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ، وكان النزاع الموضوعى يدور حول حرمان المدعى من المبلغ الشهرى الإضافى بسبب مزاولته داخل البلاد لمهنة المحاماة ، فإن نطاق الطعن الماثل ينحصر فيما يتصل بهذا النزاع من أجزاء المادة ٣٤ مكرراً (٢) من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨٠ ، ولا شأن للدعوى الماثلة بغير ذلك من أحكامها .

– – – ٢ – – –
القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ المشار إليه ، وإن أنشأ صندوقاً كافلاً الخدمات الصحية والإجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى عينها ، ونص على إنصرافها إليهم وإلى أسرهم ، إلا أن هذا القانون خلال من كل تحديد لها سواء فى نوعها أو مداها ، وعهد بتفصيلها وتحديد ضوابطها إلى وزير العدل ، مصدراً فى شأنها ما يناسبها من القرارات التى يوافق عليها المجلس الأعلى للهيئات القضائية . ولا يعتبر التنظيم الصادر عن وزير العدل فى هذا الشأن ، منطوياً على حرمان من مزايا كفلها ذلك القانون ، إذ يفترض الحرمان منها أن يكون أصلها مقرراً إبتداءً بمقتضى أحكامه ، وهو ما لا دليل عليه من نصوصه التى تدخل بها المشرع ــ لا ليحدد تفصيلاً ماهية الخدمات الصحية والاجتماعية التى قرر ضمانها من خلال الصندوق ــ بل ليكل إلى وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية ، أمر بيانها وشروط إقتضائها . ويؤيد هذا النظر أن الدولة هى التى توفر بنفسها مصادر تمويل هذا الصندوق ، وينبغى بالتالى أن يكون إنفاذ الخدمات التى يقدمها وما يترتب عليها من أعباء يتحملها ، متطوراً ، ومرتبطاً دوماً بموارده .

– – – ٣ – – –
المادة ١٤٤ من الدستور تقضى بأن يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها . وله أن يفوض غيره فى ذلك . ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه . ومن المقرر ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه ، إستقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها ، وكان قانون صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى حددها ، لا يتضمن تحديداً لقواعد الانتفاع بها ، فإن بيان وزير العدل لشروط وقفها ــ إعمالاً لسلطته فى مجال تنظيم هذا الصندوق وتقرير قواعد الإنفاق منه ــ لا يكون منطوياً على تعديل لهذا القانون . هذا فضلاً عما إستقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن الرقابة التى تتولاها فى شأن الشرعية الدستورية ، مناطها التعارض المدعى به بين نص تشريعى وقاعدة فى الدستور ، ولا شأن لها بما قد يقع بين التشريعات الأصلية والفرعية ، من تناقض .

– – – ٤ – – –
المادة ١٤٤ من الدستور تقضى بأن يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها . وله أن يفوض غيره فى ذلك . ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه . ومن المقرر ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه ، إستقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها ، وكان قانون صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى حددها ، لا يتضمن تحديداً لقواعد الانتفاع بها ، فإن بيان وزير العدل لشروط وقفها ــ إعمالاً لسلطته فى مجال تنظيم هذا الصندوق وتقرير قواعد الإنفاق منه ــ لا يكون منطوياً على تعديل لهذا القانون . هذا فضلاً عما إستقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن الرقابة التى تتولاها فى شأن الشرعية الدستورية ، مناطها التعارض المدعى به بين نص تشريعى وقاعدة فى الدستور ، ولا شأن لها بما قد يقع بين التشريعات الأصلية والفرعية ، من تناقض .

– – – ٥ – – –
إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور إذ ناط بالدولة ــ وفقاً لمادته السابعة عشرة ــ أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية ــ الاجتماعية منها والصحية ــ بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم وعجزهم عن العمل أو شيخوختهم ” فى الحدود التى بينها القانون ” ، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها ، هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لا تمتهن فيها آدميته ، والتى توفر لحريته الشخصية متطلباتها ولضمانه الحق فى الحياة أهم روافدها ، بما يكفل إنتماءه للجماعة التى يعيش فى محيطها ، ويصون مقوماتها . متى كان ذلك ، وكان مناط طلب الإنتفاع بالخدمات الاجتماعية والصحية التى عينها المشرع ، أن يكون القانون الصادر بها قد فصلها مبيناً كذلك شروط إستحقاقها ليكون سريانها على الأشخاص المشمولين بها لازماً عند تحققها ، وكان القانون الصادر فى شأن صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى حددها ، قد جاء مجهلاً بنوعها ونطاقها وشروط طلبها ، فإن قالة إهدار النص المطعون فيه للمادة ١٧ من الدستور ، لا يكون لها من محل .

– – – ٦ – – –
خلو صحيفة الدعوى الماثلة من بيان صور من العوار التى تقوم بها المخالفة الدستورية ، لا يحول دون إستظهار هذه المحكمة لها ، وتجليتها ، تقديراً بأن قضاءها برفض الدعوى الدستورية يفترض إتساق النصوص المطعون عليها وأحكام الدستور جميعها ، فلا تصادم أياً منها ، وإلا كان الحكم بعدم دستوريتها لازماً .

– – – ٧ – – –
البين من أحكام الدستور بما يحقق تكاملها ويكفل عدم إنعزال بعضها عن بعض فى إطار الوحدة العضوية التى تجمعها وتصون ترابطها ، أن حق العمل وفقاً لنص المادة ١٣ من الدستور ، لا يمنح تفضلاً ، ولا يتقرر إيثاراً ، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره ، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه ، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل ، وبها تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها فى تقدم الجماعة وإشباع إحتياجاتها . بما يصون للقيم الخلقية روافدها .

– – – ٨ – – –
كلما كان العمل ذهنياً قائماً على الإبتكار ، كان لصيقاً بحرية الإبداع ، وصار تشجيعه مطلوباً عملاً بنص المادة ٤٩ من الدستور التى تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمى والإبداع الأدبى والفنى والثقافى مع ضمان وسائل تشجيعها ، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير ملكاته وقدراته ، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائزة تحد منها ، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها . وصقل عناصر الخلق فيها وإذكائها ، كافل لحيويتها ، فلا تكون هامدة ، بل إن التقدم فى عديد من مظاهره يرتبط بها .

– – – ٩ – – –
الملكية الخاصة ــ التى كفل الدستور صونها بنص المادتين ٣٢ ، ٣٤ ــ ترتد فى العديد من جوانبها ومصادرها ، وكذلك فى الأعم من صورها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها و وسيلة تراكمها . وقد جرى قضاء المحكمة على أن الدستور ــ إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيد لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعى ، كفل حمايتها لكل فرد ، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة ــ فى الأعم من الأحوال ــ إلى جهد صاحبها بذل من أجلها الوقت والعرق والمال ، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها ، معبداً بها وكافلاً من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها ، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها فلا يرده عنها معتد ، بل يقيمها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها ، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها ، بما يعينها على أداء دورها .

– – – ١٠ – – –
الخدمات الاجتماعية والصحية التى كفلها الصندوق الخاص بها لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم كذلك ، لا تعتبر من أعمال التبرع التى يقدمها الصندوق لمستحقيها ، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم مع المعاش الأصلى على إشباع الحد الأدنى من إحتياجاتهم بثاً للاطمئنان فى نفوسهم ، فلا يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقاً كفلها الدستور لكل مواطن .

– – – ١١ – – –
المبلغ الشهرى الإضافى مكمل للمعاش الأصلى لأعضاء الهيئات القضائية ، ويتضافران معاً فى مجال ضمان الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية . ولا يجوز بالتالى أن يكون الحق فى المبلغ الشهرى الإضافى حائلاً دون إمتهان عضو الهيئة القضائية ــ بعد تقاعده ــ أعمالاً يمارسها لا يكون بها طاقة عاطلة تفرض أعباءها على غيرها ، ولا يركن باحترافها إلى حياة راكدة وراء جدران مغلقة ، تتهادم بها تلك القيم التى تعلو بقدره وتؤكد إرتقاءه . ومن غير المتصور وقد توخى القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ ــ المشار إليه ــ وعلى ما يبين من تقرير اللجنة التشريعية ــ تقرير قواعد موحدة للرعاية الصحية والاجتماعية تضم أعضاء الهيئات القضائية وأسرهم ، أن يكون الحق فى الحصول عليها معلقاً على شرط الامتناع عن العمل ، وهو أحد الحقوق التى كفلها الدستور لكل مواطن . ولا يسوغ كذلك ــ فى منطق الأمور ــ أن يرتد النص المطعون فيه عن قيم الحق والعدل ، ليحجبها دون سند من الدستور ، عن هؤلاء الذين كفلوا دوماً إرساء مقوماتها .

– – – ١٢ – – –
مبدأ المساواة ، ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية ، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها ، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء . وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير ، لتنظيم موضوع محدد ، وأن تغاير من خلال هذا التنظيم ــ ووفقاً لمقاييس منطقية ــ بين مراكز لا تتحد معطياتها ، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها ، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة ، ولا ينقض محتواه ، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها ، بالأغراض المشروعة التى يتوخاها . فإذا قام الدليل على إنفصال هذه النصوص عن أهدافها ، أو كان إتصال الوسائل بالمقاصد واهياً ، كان التمييز إنفلاتاً وعسفاً ، فلا يكون مشروعاً دستورياً .

– – – ١٣ – – –
النص المطعون فيه ، وإن وحد بين أعضاء الهيئات القضائية فى شأن الأسس التى يتم على ضوئها حساب معاشهم التكميلى ممثلاً فى المبلغ الشهرى الإضافى ، إلا أنه كفل إقتضاءه لمن يباشرون عملاً يتقاضون عنه بدلاً أو مكافأة ، ومنعه عمن يزاولون مهنة غير تجارية ، مخالفاً بذلك مبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية ، إذ ليس مفهوماً أن يكون العمل مباحاً إذا كان أجره محدداً فى شكل بدل أو مكافأة ، ومحظوراً إذا إتخذ الأجر تسمية أخرى . بل أن النص المطعون فيه يفتح للتحايل أبواباً عريضة ، إذ يمكن دائماً تسمية مقابل العمل بالبدل أو المكافأة بغض النظر عن حقيقته . ومزاولة إحدى المهن غير التجارية ، لا يعدو أن يكون عملاً شأنها فى ذلك شأن أى عمل آخر ، ومن غير المتصور أن يكون التمييز بين صور الأعمال تحكمياً ، ولا أن يناهض التمييز التشريعى أحد الحقوق التى كفلها الدستور ، وليس حق العمل إلا وثيق الصلة بالملكية وبالحرية الشخصية وبالحق فى الإبداع ، وجميعها من الحقوق التى حرص الدستور على صونها . وإهدارها أو تقييدها لا يستند إلى مصلحة مشروعة ، بل يناقضها .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد عين بهيئة قضايا الدولة بوظيفة مندوب مساعد اعتباراً من ١٦ / ١٠ / ١٩٥٦ ، وظل يتدرج فى وظائفها إلى أن أحيل إلى التقاعد اعتباراً من ٢٢ / ٤ / ١٩٨٧ ، ثم قُيِّد بجدول المحامين فى ٢٨ / ١٠ / ١٩٨٧ . وبتاريخ ١٧ / ١٢ / ١٩٨٩ تقدم إلى السيد المستشار رئيس مجلس إدارة صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية طالباً صرف المبلغ الشهرى الإضافى المقرر بمقتضى نص المادة ٣٤ مكرراً (١) من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ المعدل بقراره رقم ٠٤٤ لسنة ١٩٨٦ ، والمستحق للمحالين إلى التقاعد من أعضاء الهيئات القضائية . وإذ لم يتلق رداً على طلبه خلال ستين يوماً من تاريخ تقديمه ، فقد أقام الدعوى رقم ٣٤٢٣ لسنة ٤٤ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بأحقيته فى صرف المبلغ المشار إليه اعتباراً من نوفمبر ١٩٨٧. وبجلسة ١٤ يونية سنة ١٩٩٣، دفع المدعى بعدم دستورية المادة ٣٤ مكرراً (٢) من قرار وزير العدل المشار إليه فيما تضمنته من وقف صرف المبلغ الشهرى الإضافى بالنسبة لمن يمارس – بعد إحالته إلى التقاعد – مهنة غير تجارية ، فقررت المحكمة بجلسة ٢٦ يولية ١٩٩٣ تأجيل نظر الدعوى لجلسة ١٨ / ١٠ / ١٩٩٣ لإقامة الدعوى الدستورية ، فأقام دعواه الماثلة . وعقب قيدها ، قضت المحكمة المذكورة بجلسة ٨ / ١١ / ١٩٩٣ ، بوقف الدعوي الموضوعية إلى حين الفصل فى المسألة الدستورية . وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية ، تقضى بأن ينشأ بوزراة العدل صندوق تكون له الشخصية الاعتبارية ، تخصص له الدولة الموارد اللازمة لتمويل وكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية للأعضاء الحاليين والسابقين للهيئات القضائية التى حددتها – وهى القضاء والنيابة العامة ، ومجلس الدولة ، وإدارة قضايا الحكومة والنيابة الإدارية – على أن يصدر بتنظيم هذا الصندوق ، وقواعد الإنفاق منه ، قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية . وحيث إن وزير العدل أصدر بعدئذ القرار رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية ؛ متضمناً تحديد الأغراض التى يقوم عليها هذا الصندوق ووسائل تنفيذها ومتابعتها ؛ وصور الخدمات الصحية والاجتماعية التى يقدمها ومداها ؛ ومايخرج من نطاق مايتحمله الصندوق من تكلفتها . ثم أصدر وزير العدل القرار رقم ٤٤٠ لسنة ١٩٨٦ فى شأن صرف مبلغ شهرى إضافى لأصحاب المعاشات من أعضاء الهيئات القضائية والمستحقين عنهم ، مضيفاً بمقتضاه إلى قراره رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ خمس مواد جديدة ، من بينها المادتان ٣٤ مكررا (١) و٣٤ مكرراً (٢) اللتان تجريان على النحو الآتى : مادة ٣٤ مكررا (١) : يصرف لكل من استحق أو يستحق معاشاً من أعضاء الهيئات القضائية المنصوص عليها فى القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ وانتهت خدمته فيها للعجز ، أو ترك الخدمة بها لبلوغ سن التقاعد، أو أمضى فى عضويتها مددا مجموعها خمسة عشر عاماً على الأقل ، مبلغ شهرى إضافى مقداره ( …… ) عن كل سنة من مدد العضوية ومدد الاشتغال بعد التخرج بعمل نظير أو بالمحاماة التى حسبت فى المعاش وتعويض الدفعة الواحدة ، بما فيها المدد المحسوبة بالقرار بقانون رقم ٨٥ لسنة ١٩٧١ بجواز إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية ، وبالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٣ بشأن إعادة بعض أعضاء الهيئات القضائية إلى وظائفهم الأصلية ومدد الإعارة والندب والإجازات والبعثات والمنح والتجنيد والاستبقاء والاستدعاء للاحتياط ، دون مضاعفة أية مدة ولاإضافة مدد أخرى زائدة أو اعتبارية أو افتراضية ، ويجبر كسر الشهر شهراً وتحسب كسور الجنيه جنيها ، ويكون مقدار الحد الأدني لإجمالى المبلغ الشهرى الإضافى خمسين جنيهاً . فإذا كان العضو يتقاضى – بالإضافة إلى معاشه – معاشاً استثنائياً أو معاشاً آخر صرف له بعد ترك الخدمة عن عمل التحق به أو مهنة مارسها ، خصمت قيمته من المبلغ الشهرى الإضافى ” . مادة ٣٤ مكرراً (٢) : يوقف صرف المبلغ الشهرى الاضافى إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً عدا المكافآت والبدلات ، أو التحق بأى عمل خارجها ، أو مارس مهنة تجارية أو غير تجارية فى الداخل أو الخارج ، ويعود الحق فى صرفه فى حالة ترك العمل أو المهنة . ويمتنع صرف المبلغ الشهرى الإضافى لمن انهيت خدمته بحكم جنائى أو تأديبى ، ومن أحيل إلى المعاش أو نقل إلى وظيفة أخرى لسبب يتصل بتقارير الكفاية أو لفقد الثقة والاعتبار أو فقد أسباب الصلاحية لغير الأسباب الصحية ، ولمن استقال اثناء نظر الدعوى التأديبية أو الطلب المتعلق بالصلاحية أو أثناء اتخاذ أية إجراءات جنائية ضده . وحيث إن من المقرر – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع ؛ وكان النزاع الموضوعى يدور حول حرمان المدعى من المبلغ الشهري الإضافى بسبب التحاقه بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه مرتبا – وهو تعيينه محافظاً للبحيرة فى الفترة من ٦ / ٥ / ١٩٩٢ حتى ١٦ / ١ / ١٩٩٦ – فإن نطاق الطعن الماثل ينحصر فيما يتصل بهذا النزاع من أجزاء المادة ٣٤ مكرراً (٢) من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨٠ ، ولاشأن للدعوى الماثلة بغير ذلك من أحكامها . وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه – محدداً إطاراً على النحو المتقدم – مخالفته للمادة ١٢٢ من الدستور التى تنص على أن يعين القانون قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التى تتقرر على خزانة الدولة ، وينظم القانون أحوال الاستثناء منها والجهات التى تتولى تطبيقها ؛ وذلك تأسيساً على أن القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ قد كفل لأعضاء الهيئات القضائية الخدمات الصحية والاجتماعية التى حددها – ومن بينها المبلغ الشهرى الإضافى – فلا يجوز لأداة أدنى مرتبة من القانون ممثله فى قرار وزير العدل المشار إليه ، أن تعدل من قواعد استحقاقها، وإلا كان ذلك منها عملاً مخالفاً للدستور . وحيث إن القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ المشار إليه ، وإن أنشأ صندوقاً كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى عينها ، ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم ، إلا أن هذا القانون خلا من كل تحديد لها سواء فى نوعها أو مداها ، وعهد بتفصيلها وتحديد ضوابطها إلى وزير العدل ، مصدراً فى شأنها مايناسبها من القرارات التى يوافق عليها المجلس الأعلي للهيئات القضائية . ولايعتبر التنظيم الصادر عن وزير العدل فى هذا الشأن ، منطوياً على حرمان من مزايا كفلها ذلك القانون ، إذ يفترض الحرمان منها أن يكون أصلها مقرراً ابتداءً بمقتضى أحكامه ، وهو مالادليل عليه من نصوصه التى تدخل بها المشرع – لاليحدد تفصيلاً ماهية الخدمات الصحية والاجتماعية التى قررضمانها من خلال الصندوق – بل ليكل إلى وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، أمر بيانها وشروط اقتضائها . يؤيد هذا النظر أن الدولة هى التى توفر بنفسها مصادر تمويل هذا الصندوق ، وينبغى بالتالى أن يكون إنفاذ الخدمات التى يقدمها ومايترتب عليها من أعباء يتحملها ، متطوراً، ومرتبطاً دوماً بموارده . وحيث إن المدعى قد ذهب إلى أن الأصل فى اللوائح التنفيذية أنها لاتعدل أحكاما تضمنتها قوانين قائمة ؛ وأن ماقرره النص المطعون فيه من وقف صرف المبلغ الشهرى الإضافى إذا مارس العضو داخل البلاد أو خارجها مهنة غير تجارية ، يتضمن خروجاً على هذا الأصل . وحيث إن المادة ١٤٤ من الدستور تقضى بأن يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بماليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها. وله أن يفوض غيره فى ذلك . ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه . وحيث إن من المقرر – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارت اللازمة لتنفيذه ، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها ؛ وكان قانون صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى حددها ، لايتضمن تحديداً لقواعد الانتفاع بها ، فإن بيان وزير العدل لشروط وقفها – إعمالا لسلطته فى مجال تنظيم هذا الصندوق وتقرير قواعد الإنفاق منه – لايكون منطوياً على تعديل لهذا القانون. هذا فضلاً عما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن الرقابة التي تتولاها فى شأن الشرعية الدستورية ، مناطها التعارض المدعى به بين نص تشريعى وقاعدة فى الدستور ، ولاشأن لها بما قد يقع بين التشريعات الأصلية والفرعية ، من تناقض . وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه ، مخالفته للمادة ١٧ من الدستور التى تقضي بأن تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى ، ومعاشات العجز عن العمل ، والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعاً وذلك وفقاً للقانون . وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور إذ ناط بالدولة – وفقاً لمادته السابعة عشرة – أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية – الاجتماعية منها والصحية – بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم وعجزهم عن العمل أو شيخوختهم << فى الحدود التى بينها القانون >> ، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التي لا تمتهن فيها آدميته ، والتى توفر لحريته الشخصية متطلباتها ولضمانة الحق فى الحياة أهم روافدها ، بما يكفل انتماءه للجماعة التى يعيش فى محيطها ، ويصون مقوماتها . متى كان ذلك ؛ وكان مناط طلب الانتفاع بالخدمات الاجتماعية والصحية التى عينها المشرع ، أن يكون القانون الصادر بها قد فصلها مبينا كذلك شروط استحقاقها ليكون سريانها على الاشخاص المشمولين بها لازماً عند تحققها ؛ وكان القانون الصادر فى شأن صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى حددها ، قد جاء مجهلاً بنوعها ونطاقها وشروط طلبها ، فإن قالة إهدار النص المطعون فيه للمادة ٧ ١ من الدستور ، لايكون لها من محل . وحيث إن خلو صحيفة الدعوى الماثلة من بيان صورمن العوار التى تقوم بها المخالفة الدستورية ، لايحول دون استظهار هذه المحكمة لها ، وتجليتها ، تقديرا بأن قضاءها برفض الدعوى الدستورية يفترض اتساق النصوص المطعون عليها وأحكام الدستور جميعها ، فلا تصادم أياً منها ، وإلا كان الحكم بعدم دستوريتها لازماً . وحيث إن البين من أحكام الدستور بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض في إطار الوحده العضوية التي تجمعها وتصون ترابطها ، أن حق العمل وفقاً لنص المادة ١٣ من الدستور، لايمنح تفضلا ، ولايتقرر إيثارا ، ولايجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره ، بل يعتبر أداؤه واجباً لاينفصل عن الحق فيه ، ومدخلا إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل ، وبها تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها فى تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها . بما يصون للقيم الخلقيةروافدها . وكلما كان العمل ذهنيا قائما على الابتكار ، كان لصيقا بحرية الإبداع ، وصار تشجيعه مطلوبا عملاً بنص المادة ٤٩ من الدستور التى تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمى والإبداع الأدبى والفنى والثقافى مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالا حرا لتطوير ملكاته وقدراته ، فلايجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها ، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها . وصقل عناصر الخلق فيها وإذكائها ، كافل لحيويتها ، فلاتكون هامدة ، بل أن التقدم فى عديد من مظاهره يرتبط بها . وحيث إن الملكية الخاصة – التى كفل الدستور صونها بنص المادتين ٣٢ ، ٣٤ – ترتد فى عديد من جوانبها ومصادرها؛ وكذلك فى الأعم من صورها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها فى الأغلب . وقد جرى قضاء المحكمة ، على أن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيدا لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعى، كفل حمايتها لكل فرد ، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة – فى الأعم من الأحوال – إلى جهد صاحبها بذل من أجلها الوقت والعرق والمال ، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها ، معبدا بها وكافلا من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها ، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها فلايرده عنها معتد ، بل يقيها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها ، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها ، بما يعُينها على أداء دورها . وحيث إن الخدمات الاجتماعية والصحية التى كفلها الصندوق الخاص بها لأعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم كذلك ، لاتعتبر من أعمال التبرع التى يقدمها الصندوق لمستحقيها ، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم مع المعاش الأصلى على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثا للاطمئنان فى نفوسهم ، فلا يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقا كفلها الدستورلكل مواطن . وحيث إن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للهيئات القضائية ، كانت قد أعدت مذكرة عرضتها على هذا المجلس في ٣٠ من يناير سنة ١٩٨٦ مرفقا بها مشروع القرارالمطعون فيه، متضمنا تعديل القرار السابق عليه ، وكافلاً – ولأول مرة – تقرير مبلغ شهرى إضافى لأعضاء الهيئات القضائية باعتباره معاشاً تكميليا يواجهون به الارتفاع المتزايد فى الأسعار، فضلا عن انحدار دخولهم إلي أكثر من نصفها بعد إحالتهم إلى التقاعد ، مما اقتضي موازنتها بهذا المبلغ الشهرى الإضافى . وحيث إن ماتقدم مؤداه ، أن هذا المبلغ مكمل للمعاش الأصلى لأعضاء الهيئات القضائية ، وأنهما معا يتضافران فى مجال ضمان الحد الأدنى لمتطلباتهم المعيشية . ولايجوز بالتالى أن يكون الحق فى المبلغ الشهرى الإضافى حائلا دون امتهان عضو الهيئة القضائية – بعد تقاعده – أعمالا يمارسها لايكون بها طاقة عاطلة تفرض أعباءها على غيرها ، ولايركن باحترافها إلى حياة راكدة وراء جدران مغلقة ، تتهادم بها تلك القيم التى تعلو بقدره وتؤكد ارتقاءه . ومن غير المتصور وقد توخى القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ – المشار إليه – وعلى مايبين من تقرير اللجنة التشريعية – تقرير قواعد موحدة للرعاية الصحية والاجتماعية تضم أعضاء الهيئات القضائية وأسرهم ، أن يكون الحق فى الحصول عليها معلقا على شرط الامتناع عن العمل ، وهو أحد الحقوق التى كفلها الدستور لكل مواطن . ولايسوغ كذلك – فى منطق الأمور – أن يرتد النص المطعون فيه عن قيم الحق والعدل ، ليحجبها دون سند من الدستور ، عن هؤلاء الذين كفلوا دوما إرساء مقوماتها . وحيث إن المدعى ينعى كذلك على النص المطعون تمييزه من جهة بين من يمارسون أعمالاً يتقاضون عنها مكافأة أو بدلاً ، وبين من يزاولون مهنة غير تجارية ، ذلك أنه كفل للأولين دون الآخرين الحق فى المبلغ الشهرى الإضافي بالمخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور. وحيث إن مبدأ المساواة ، ليس مبدأ تلقينيا جامداً منافيا للضرورة العملية ، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها ، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء . وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ماتراه ملائما من التدابير ، لتنظيم موضوع محدد ؛ وأن تغاير من خلال هذا التنظيم – ووفقا لمقاييس منطقية – بين مراكز لاتتحد معطياتها ، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها ، إلا أن مايصون مبدأ المساواة ، ولاينقض محتواه ، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيما تشريعيا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها ، بالأغراض المشروعة التى يتوخاها . فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها ، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيا ، كان التمييز انفلاتا وعسفا ، فلايكون مشروعا دستوريا . وحيث إن النص المطعون فيه ، وإن وحد بين أعضاء الهيئات القضائية فى شأن الأسس التى يتم على ضوئها حساب معاشهم التكميلى ممثلاً فى المبلغ الشهرى الإضافى ، إلا أنه كفل اقتضاءه لمن يباشرون عملاً يتقاضون عنه بدلاً أو مكافأة ، ومنعه عمن يزاولون مهنة غير تجارية ، مخالفا بذلك مبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية ، إذ ليس مفهوما أن يكون العمل مباحا إذا كان أجره محدداً فى شكل بدل أو مكافأة ؛ ومحظوراً إذا اتخد الأجر تسمية أخرى . بل أن النص المطعون فيه يفتح للتحايل أبواباً عريضة ، إذ يمكن دائما تسمية مقابل العمل بالبدل أو المكافأة بغض النظر عن حقيقته . ومزاولة إحدى المهن غير التجارية ، لاتعدو أن يكون عملاً شأنها فى ذلك شأن أى عمل آخر ، ومن غير المتصور أن يكون التمييز بين صور الأعمال تحكميا ، ولا أن يناهض التمييز التشريعى أحد الحقوق التى كفلها الدستور ، وليس حق العمل إلا وثيق الصلة بالملكية وبالحرية الشخصية وبالحق فى الإبداع ، وجميعها من الحقوق التى حرص الدستور على صونها . وإهدارها أو تقييدها لايستند إلى مصلحة مشروعة ، بل يناقضها . وحيث إن النص المطعون فيه – فيما قرره من وقف صرف المبلغ الشهرى الإضافى بالنسبة لمن يزاولون بعد انتهاء خدمتهم مهنة غير تجارية – قد جاء بذلك مخالفاً لأحكام المواد ١٣ و ٣٢ و ٣٤ و ٤٠ ٤١ و ٤٩ من الدستور .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى