حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ١٥ دستورية
– – – ١ – – –
الغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها و ترتبت بمقتضاها آ ثار قانونية بالنسية اليه تتحقق بابطالها مصلحته الشخصية المباشرة ذلك ان الاصل فى تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التى تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى الغائها فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة ، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ الغائها وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين ، فما نشأ من المراكز القانونية فى ظل القاعدة القانونية القديمة ، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها يظل محكوما بها وحدها .
– – – ٢ – – –
أحكام الشريعة الاسلامية هى التى تعين الورثة وتحدد أنصباءهم وتبين قواعد انتقال ملكيتها اليهم وهذه الاحكام جميعها قطيعة الثبوت و الدلالة فلا يجوز تحويرها أو الاتفاق على خلافها بل يعتبر مضمونها ساريا فى شأن المصريين جميعا ولو كانوا غير مسلمين ، بل ولو اتفقوا جميعا على تطبيق ملتهم و كان ما تقدم مؤداه ان الشريعة الاسلامية تعتبر مرجعا نهائيا فى كل ما يتصل بقواعد التوريث ومن بينها اذا كان الشخص يعتبر وارثا ام غير وارث ونطاق الحقوق المالية التى يجوز توزيعها بين الورثة ونصيب كل منهم فيها اذ يقوم الورثة مقام مورثهم فى هذه الحقوق ويحلون محله فى مجموعها وبمراعاة ان توزيعها شرعا لا يجعلها لواحد من بينهم يستأثر بها دون سواه ولا يخول مورثهم سلطة عليها فيما يجاوز ثلثها ليوفر بثلثيها حماية للأقربين ، وليكون مال الاسرة بين أحادها بما يوثق العلاقة بينهم ولا يوهنها وتلك حدود الله تعالى التى حتم التقيد بها ، فلا يتعداها لأحد بمجازاتها . وفى ذلك يقول تعالى حملا على إعمال قواعد المواريث وفقا لمضمونها [ يبين الله ان تضلوا ، والله بكل شئ عليم ]
– – – ٣ – – –
ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية ـ بعد تعديلها سنة ١٩٨٠ ـ من ان مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، انما يتمحض عن قيد يجب على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية ان تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل ومن بينها قانون ضريبة الايلولة الصادر بالقانون رقم ٢٢٨ لسنة ١٩٨٩ المطعون على بعض احكامها فلا يجوز لنص تشريعى ان يناقض الاحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها باعتبار ان هذه الاحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعا لأنها تمثل من الشريعة الاسلامية مبادؤها الكلية و أصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلا أو تبديلا . ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعا لتغير الزمان و المكان ، اذ هى عصية على التعديل و لا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها . وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأنها على مراقبة التقيد بها وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها . ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد أحكام الشريعة الاسلامية فى أ صولها ومبادئها الكلية ، اذ هى اطارها العام وركائزها الاصلية التى تفرض متطلباتها دوما بما يحول دون اقرار اية قاعدة قانونية على خلافها ، والا اعتبر ذلك تشهيا وانكارا لما علم من الدين بالضرورة . ولا كذلك الاحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا ذلك ان دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتند لسواها وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان و المكان لضمان مرونتها وحيويتها ، ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا ، ولا يعطل بالتالى حركتهم فى الحياة على ان يكون الاجتهاد دوما واقعا فى اطار الاصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها ملتزما ضوابطها الثابتة متحريا مناهج الاستدلال على الاحكام العملية و القواعد الضابطة لفروعها كافلا صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين و النفس والعقل و العرض والمال .
– – – ٤ – – –
البين من النصوص التى نظم بها المشرع ضريبة الايلولة انها تربط بين استحقاقها وواقعة الوفاة ذاتها وما يتصل بها من اغتناء ينجم عن تلك الحقوق المالية التى تركها المتوفى لتؤول لورثته وفقا لقواعد آمرة بينها الله تعالى محددا لكل منهم نصيبا مفروضا يصلهم بالمتوفى باعتبارهم أحق من غيرهم بالاموال التى خلفها وبما لا ظلم فيه لأحد من بينهم تقديرا بأن انصبتهم هذه التى فصلها القرآن الكريم هى التى اقتضاها عدل الله ورحمته بين عباده ليظل مقدارها ثابتا باعتبارها من حدوده التى لا يجوز لأحد ان يقربها و الا كان باغيا فلا تتغير ضوبطها بتغير الزمان والمكان ولا بما يطرأ على الناس من أوضاع عديدة تمليها عاداتهم أو أعرافهم بل يكون امرها عصيا على التعديل .
ان تقرير قواعد جامدة تتحدد على ضوئها حقوق الورثة الشرعية دون زيادة فيها او نقصان يعنى ان تخلص لذويها فلا ينازعهم فيها او يزاحمهم أحد فى طلبها و الا كان وارثا اضافيا على غير مقتضى الشرع فيما عدا ما يخرج من التركة ـ سابقا على توزيعها ـ من حقوق شرعية تتمثل فيما يكون لازما وتكفين ونقل ودفن المورث أو سداد ما عليه من ديون أو تنفيذا لوصاياه فى الحدود التى تجوز فيها الوصية .
ان الله عز و جل ما شرع حكما الا لتحقيق مصالح العباد ، وما أهمل مصلحة اقتضتها أحوالهم دون أن يورد حكما يكفلها ، وكان ما عداها من المصالح التى تناقضها ، وليس الا مصلحة متوهمة لا اعتبار لها ، ادخل الى ان تكون تشهيا أم انحرافا فلا يجوز تحكيمها ، وكان امرا مقضيا ، ان ما يعتبر شرعا يكون مأمورا به وجوبا ، ومطلوبا بالتالى طلبا لازما لا ترخص فيه .
– – – ٥ – – –
ان وعاء ضريبة الايلولة محل النزاع الماثل لا يتعلق أصلا الا بما يؤول لكل وارث من صافى الحقوق المالية التى خلفها مورثهم عليهم وفقا لانصبتهم الشرعية ، وكان مؤدى ذلك اقتطاع جزء من تلك الانصبة عن طريق هذه الضريبة ومقاسمة الدولة للورثة فى حقوق قصرها الشرع عليهم لتهدر بذلك نص المادة الثانية من الدستور التى ترد التشريعات جميعها الى القواعد الكلية فى الشريعة الاسلامية المقطوع بثبوتها ودلالتها .
– – – ٦ – – –
الضريبة التى يكون اداؤها واجبا وفقا للقانون ـ وعلى ما تنص عليه المادتان ٦١ ، ١١٩ من الدستور ـ هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية ويقوم تنظيمها على أسس موضوعية تقتضيها ، وتبرر بمضمونها فرضها على المخاطبين بها و بشرط ان تكون العدالة الاجتماعية إطارا لها وفقا لنص المادة ٣٨ من الدستور
ان العدالة الاجتماعية و ان تعددت صورها ، وكان مضمونها قد يتبدل بتغيير الزمان والمكان على ضوء القيم التى أرتضتها الجماعة لمفهوم الحق والعدل فى بيئة بذاتها ، وخلال زمن معين الا ان تطبيقها فى نطاق الضريبة تشى ببعض ملامحها الاصلية وبوجه خاص من خلال زاويتين : اولاهما : ان يكون ممكنا عقلا ربط عبئها بالأغراض الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية المقصودة منها . ثانيهما : ألا يكون قد تم إخلالا بحقوق ينبغى أن تخلص لأصحابها .
– – – ٧ – – –
الدستور ـ إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة كفل حمايتها لكل فرد ـ وطنيا كان ام أجنبيا ـ ولم يجز المساس بها الا على سبيل الاستثناء ، و فى الحدود التى يقتضيها تنظيمها ، ليختص صاحبها دون غيره بثمارها و منتجاتها وملحقاتها ، فلا يرد عنها معتد ولا يناجز سلطته فى شأنها من ليس بيده سند ناقل لها ليعتصم بها دون الآخرين ، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تعينها على أداء دورها وتقيها تعرض الاغيار لها سواء كان ذلك بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها ولم يعد جائزا بالتالى ان ينال المشرع من عناصرها ، ولا ان يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها ، ولا ان يفصلها عن أجزائها أو يدور اصلها او يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصبا ، وافتئاتا على كيانها أدخل الى مصادرتها .
– – – ٨ – – –
ان الدستور يعتبر مآبا لكل سلطة وضابطا لحركتها . والاصل فى النصوص التى يتضمنها انها تؤخذ باعتبارها مترابطة فيما بينها وبما يرد عنها التنافر و التعارض ، ويكفل اتساقها فى اطار وحدة عضوية تضمها ولا تفريق بين أجزائها ، بل تناغم توجهاتها لازما ، وكان الدستور اذ نص فى المادة ٣٤ علىأن الملكية الخاصة يجب صونها و ان حمايتها تمتد الى حق الارث ليكون مكفولا فقد دل بذلك على ان ما يؤول للعباد ميراثاٌ فى حدود أنصبتهم الشرعية ، يعتبر من عناصر ملكيتهم التى لا يجوز لأحد ان ينال منها .
– – – ٩ – – –
فرض ضريبة الايلولة بالمادة الاولى من القانون سالف الذكر مصادم لأحكام المواد ٢ ، ٣٤ ، ٣٨ ، ٦١ ، ١١٩ من الدستور ، فقد غدا متعينا الحكم بعدم دستوريتها ، واذ كانت باقى نصوص هذا القانون ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بنص مادته الاولى فانها تسقط تبعا لذلك .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن السيدة / …………… التركية الجنسية ، كانت قد توفيت دون وارث لها ، عدا ابنها بالتبنى السيد / ……………….، وذلك وفقاً لقضاء المحكمة الأهلية للحقوق بحكمها رقم ١٨٠١ لسنة ٤٥ المصادق عليه من القنصلية المصرية في استانبول في ١٥من فبراير سنة ١٩٦٢. وقد اشتملت تركتها على أطيان زراعية مساحتها فدانان وأربعة قراريط وسبعة عشر سهماً كائنة بمصر ، وإذ قدرت مأمورية الضرائب المختصة صافى تركتها بمبلغ ٢٨٤ر١٨٥٢ جنيهاً . فقد طعن ابنها بالتبنى على هذا القرار ، إلا أن لجنة الطعن قررت في ٢٧ من فبراير سنة ١٩٦٦ اعتماد التقدير الخاص بأصول التركة ، واعتبار الطاعن ابناً بالتبنى لمورثته . ولم يرتض وزير المالية ذلك ، فطعن على قرار لجنة الطعن من خلال دعواه رقم ٤٣٤٥ لسنة ١٩٦٦ ضرائب كلى جنوب القاهرة ، ناعياً على قرارها اعتباره الابن بالتبنى فرعا للمتوفاة ، حال أن بنوته لها غير حقيقية ، وكان يتعين بالتالى أن يأتى متأخراً بعد الفروع والأصول والأزواج ، وأن يزاد الرسم على مايؤول إليه من تركتها إلى أربعة أمثال باعتباره مشمولاً بعبارة “ومن عداهم من الورثة” المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون رقم ٢٤١ لسنة ١٩٤٤ بفرض رسم أيلولة على التركات . وإذ صدر قبل الفصل في النزاع الموضوعى قانون جديد هو قانون ضريبة الأيلولة الصادر بالقانون رقم ٢٢٨ لسنة ١٩٨٩ ، متوخياً إعادة تنظيم أوضاعها ، وكانت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مواد إصداره ، تقضى بأنه فيما عدا الحالات التي تم فيها ربط رسم الأيلولة المفروض بالقانون رقم ٢٤١ لسنة ١٩٤٤ بصفة نهائية ، تحدد قيمة عناصر التركة والضريبة المستحقة على كل وارث أو مستحق فيها وفقاً لأحكام هذا القانون ؛ وكان ما نصت عليه الفقرة الثانية من مادته السابعة عشرة من أن الابن بالتبنى يعتبر فرعاً للمورث ، إذا كان قانون الأحوال الشخصية للمورث الأجنبى يجيز التبنى ، قد دل على أن الشرائح الضريبية الخاصة بالفروع ، هي ذاتها التي تنطبق بالنسبة إليه ، ومن ثم فقد أحالت محكمة الموضوع أوراق الدعوى الموضوعية المطروحة عليها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية تلك الفقرة عملا بالبند ( أ ) من المادة ٢٩ من قانونها ، وذلك بعد أن تراءى لها أن تلك الفقرة تناهض قوله تعالى [ وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ] ، وأن الابن بالتبنى لا يجوز أن يلحق بالإبن نسبا ، ولا أن يعامل وفقا للشرائح الضريبية التي اختص بها المشرع الفروع والأصول والأزواج والمنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة ١٧ من قانون هذه الضريبة . وحيث إنه ولئن كان القانون رقم ٧٢٢ لسنة ١٩٩٦ بإلغاء ضريبة الأيلولة ، قد صدر أثناء نظر الدعوى الدستورية الراهنة ، ونص في مادته الثانية على أن يتجاوز في جميع الأحوال عما لم يسدد من رسم الأيلولة الذى كان مفروضا بالقانون رقم ٢٤١ لسنة ١٩٤٤ ومن ضريبة الأيلولة المفروضة بالقانون رقم ٢٢٨ لسنة ١٩٨٩، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها ، لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها ، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية ، هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها ، فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة ، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها ، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين ، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة ، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها ، يظل محكوما بها وحدها.إذ كان ذلك وكان القانون رقم ٧٢٢ لسنة ١٩٩٦ المشار إليه ، قد نص على التجاوز عما لم يسدد من ضريبة الأيلولة المفروضة بالقانون رقم ٢٢٨ لسنة ١٩٨٩ على ما سلف بيانه ، وكان مؤدى هذا التجاوز هو النزول عن اقتضاء الضريبة ، وهو مايعنى قيام الحق فيها ابتداء ؛ فإن بحث دستورية الفقرة الثانية من المادة ١٧ من القانون رقم ٢٢٨ لسنة ١٩٨٩ – رغم إلغائه – – يكون لازما . وحيث إن الفصل فيما إذا كان الأبناء بالتبنى يعتبرون شرعاً فروعاً لمورثهم – في تطبيق قانون تلك الضريبة – وخاضعين بالتالى للقواعد ذاتها التي يجوز إعمالها ضريبياً في شأن هؤلاء الفروع ، يفترض ابتداء – وعقلاً – أن يكون سريان قانون الضريبة المطعون عليها في شأن المخاطبين بها – والمتبنين من بينهم – جائزاً دستورياً ، فإذا كان بنيان هذه الضريبة لايقيمها على سند من الدستور ، بل يزيل أصل الحق فيها ، فإن ماتفرع عنها أو اتصل بها من القواعد القانونية ، يسقط تبعا لانهدام وجودها . وحيث إن المادة الأولى من قانون ضريبة الأيلولة الصادر بالقانون رقم ٢٢٨ لسنة ١٩٨٩، تنص على أن تفرض ضريبة على صافى مايؤول من أموال إلى كل وارث أو مستحق في تركة من يتوفى اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون ، وتستحق هذه الضريبة من تاريخ الوفاة . وعملاً بمادته الثانية ، تشمل الضريبة : أولاً جميع الأموال العقارية والمنقولة الموجودة في مصر وخارجها إذا كان المورث مصرياً سواء أكان مقيماً بمصر أم بالخارج . ثانيا جميع الأموال العقارية الموجودة في مصر إذا كان المورث أجنبياً أيا كان محل توطنه . ثالثاً جميع الأموال المنقولة الموجودة في مصر إذا كان المورث أجنبياً متوطناً فيها . وحيث إن المشرع قد دل بذلك على أن محل الضريبة أو وعاءها ، ينصب على الأموال العقارية والمنقولة أيا كان موقعها ، إذا كان من تركها مصريا ولو كان مقيما في الخارج . فإن كان أجنبيا ، دخلت أمواله العقارية الموجودة في مصر في وعاء الضريبة أيا كان المكان الذى يقيم فيه عادة . ولاتشمل الضريبة أمواله المنقولة الموجودة في مصر إلا إذا كان متوطنا فيها . وحيث إن التطور التاريخى لكل من ضريبة التركات وضريبة الأيلولة ، يدل على أن أولاهما فرضها المشرع بالمرسوم بقانون رقم ٩٥١ لسنة ١٩٥٢ على التركة في مجموع عناصرها ، وقبل تجزئتها وتوزيعها على الورثة . ومن ثم كان وعاؤها منصرفا إلى صافى قيمتها كوحدة متكاملة ، وذلك على خلاف ثانيتهما التي قرر المشرع سريانها في شأن صافى نصيب كل وارث أو مستحق في الأموال التي خلفها المتوفى بعد قسمتها ؛ وقد كان فرضهما منتقدا سيّما وأن ضرائب التركات لم تكن من بين النظم المالية والضريبية التي طبقها العرب في مصر بعد الفتح الإسلامى . بل أن مجلس الشورى في مناقشاته لهذا الموضوع إبان دور انعقاده العادى التاسع – وعلى ماهو ثابت بمضابط الجلسات خلال الفترة من ٣ إلى ٥ / ٢١ / ١٩٨٨ – ذهب أغلب المتحدثين فيه إلى مهاجمة مبدأ فرض كل من هاتين الضريبتين لتأثيرهما السلبى على التنمية ، إذ ليس من مقاصد الضريبة أن تكون طاردة للاستثمار ، بل يتعين أن تكون جاذبة لقواه ، فضلا عما يصاحب فرضهما من عيوب عملية تدفع بالممولين في نزاع متصل مع جهة الإدارة يمتد سنين عددا ، ولاتفرج خلالها عن تركتهم ، بل تمسكها إضرارا بهم ، فلايتعففون ، بل يتكففون ، وليس التذرع بالمصالح المرسلة أو بالتكافل الاجتماعى للدفاع عنها ، إلا باطل ألبس ثوب الحق . فالله سبحانه أعلم أين تكون المصلحة ، والمواريث من حدوده التي لايجوز لمؤمن أن يقربها [ تلك حدود الله فلاتقربوها ] . بل إن أمن كل مواطن ، يقتضى ألا يؤول جهده وماله إلى من لم يُرده أو من يحدده الشرع ، والقول بأن الدولة يجب أن تبسط يدها إلى هؤلاء الذين أفلتوا بثرواتهم من قبضتها ، لايستقيم ، ولايتصور أن يفرض المشرع ضريبة جديدة كجزاء على تهرب البعض من ضرائب سبق فرضها . وحيث إن أحكام الشريعة الإسلامية هي التي تعين الورثة وتحدد أنصباءهم ، وتبين قواعد انتقال ملكيتها إليهم ، وكانت هذه الأحكام جميعها قطعية الثبوت والدلالة ، فلا يجوز تحويرها أو الاتفاق على خلافها ، بل يعتبر مضمونها ساريا في شأن المصريين جميعا ، ولو كانوا غير مسلمين ، بل ولو اتفقوا جميعا على تطبيق قانون ملتهم . وكان ماتقدم مؤداه ، أن الشريعة الإسلامية تعتبر مرجعا نهائيا في كل ما يتصل بقواعد التوريث ، ومن بينها ماإذا كان الشخص يعتبر وارثا أم غير وارث ، ونطاق الحقوق المالية التي يجوز توزيعها بين الورثة ، ونصيب كل منهم فيها ، إذ يقوم الورثة مقام مورثهم في هذه الحقوق ، ويحلون محله في مجموعها، وبمراعاة أن توزيعها شرعا لايجعلها لواحد من بينهم يستأثر بها دون سواه ، ولا يخول مورثهم سلطة عليها فيما يجاوز ثلثها ليوفر بثلثيها حماية للأقربين ، وليكون مال الأسرة بين آحادها بما يوثق العلائق بينهم و لايوهنها . وتلك حدود الله تعالى التي حتم التقيد بها ، فلا يتعداها أحد بمجاوزتها . وفى ذلك يقول تعالى حملا على إعمال قواعد المواريث وفقا لمضمونها [ يبين الله لكم أن تضلوا ، والله بكل شئ عليم ] . وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن مانص عليه الدستور في مادته الثانية – بعد تعديلها في سنة ١٩٨٠ – من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع ، إنما يتمحض عن قيد يجب على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل – ومن بينها قانون ضريبة الأيلولة الصادر بالقانون رقم ٢٢٨ لسنة ١٩٨٩ المطعون على بعض أحكامها – فلا يجوز لنص تشريعى ، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها ، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً ، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادؤها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً . ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان ، إذ هي عصية على التعديل ، ولايجوز الخروج عليها ، أو الالتواء بها عن معناها . وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها ، على مراقبة التقيد بها ، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها . ذلك أن المادة الثانية من الدستور ، تقدم على هذه القواعد ، أحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية ، إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصيلة التي تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها ؛ وإلا اعتبر ذلك تشهياً وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة . ولاكذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً ، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها ، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان ، لضمان مرونتها وحيويتها ، ولمواجهة النوازل على اختلافها ، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً ، ولا يعطل بالتالى حركتهم في الحياة ، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها ؛ ملتزماً ضوابطها الثابتة ، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية ، والقواعد الضابطة لفروعها ، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال . وحيث إن البين من النصوص التي نظم بها المشرع ضريبة الأيلولة ، أنها تربط بين استحقاقها وواقعة الوفاة ذاتها ، وما يتصل بها من اغتناء ينجم عن تلك الحقوق المالية التي تركها المتوفى ، لتؤول لورثته وفقا لقواعد آمرة بينها الله تعالى محدداً لكل منهم نصيبا مفروضاً يصلهم بالمتوفى باعتبارهم أحق من غيرهم بالأموال التي خلفها ، وبما لاظلم فيه لأحد من بينهم ، تقديراً بأن أنصبتهم هذه – التي فصلها القرآن الكريم – هي التي اقتضاها عدل الله ورحمته بين عباده .ليظل مقدارها ثابتا باعتبارها من حدوده التي لا يجوز لأحد أن يقربها ، وإلا كان باغيا ، فلا تتغير ضوابطها بتغير الزمان والمكان ، ولا بما يطرأ على الناس من أوضاع جديدة تمليها عاداتهم أو أعرافهم ، بل يكون أمرها عصيا على التعديل . وحيث إن تقرير قواعد جامدة تتحدد على ضوئها حقوق الورثة الشرعية دون زيادة فيها أو نقصان ، يعنى أن تخلص لذويها فلا ينازعهم غيرهم فيها أو يزاحمهم أحد في طلبها ، وإلا كان وارثا إضافيا على غير مقتضى الشرع ، فيما عدا ما يخرج من التركة – سابقا على توزيعها – من حقوق شرعية تتمثل فيما يكون لازما لتجهيز وتكفين ونقل ودفن المورث أو سداد ما عليه من ديون أو تنفيذا لوصاياه في الحدود التي تجوز فيها الوصية . وحيث إن الله عز وجل ماشرع حكما إلا لتحقيق مصالح العباد ، وما أهمل مصلحة اقتضتها أحوالهم دون أن يورد في شأنها حكما يكفلها ؛ وكان ماعداها من المصالح التي تناقضها ، ليس إلا مصلحة متوهمة لا اعتبار لها ، أدخل إلى أن تكون تشهيا أو انحرافا، فلا يجوز تحكيمها ؛ وكان أمراً مقضيا ، أن ما يعتبر مفروضا شرعاً ، يكون مأموراً به وجوبا ، ومطلوبا بالتالى طلبا لازما لا ترخص فيه . وحيث إن وعاء ضريبة الأيلولة محل النزاع الماثل ، لا يتعلق أصلا إلا بما يؤول لكل وارث من صافى الحقوق المالية التي خلفها مورثهم بعد توزيعها عليهم وفقا لأنصبتهم الشرعية ؛ وكان مؤدى ذلك اقتطاع جزء من تلك الأنصبة عن طريق هذه الضريبة ومقاسمة الدولة للورثة في حقوق قصرها الشرع عليهم لتهدر بذلك نص المادة الثانية من الدستور التي ترد التشريعات جميعها إلى القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية المقطوع بثبوتها ودلالتها . وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد كذلك ، على أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقا للقانون – وعلى ما تنص عليه المادتان ٦١ و ٩١١ من الدستور – هي التي تتوافرلها قوالبها الشكلية ، ويقوم تنظيمها على أسس موضوعية تقتضيها ، وتبرر بمضمونها فرضها على المخاطبين بها ، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية إطاراً لها وفقا لنص المادة ٣٨ من الدستور . وحيث إن العدالة الاجتماعية وإن تعددت صورها ، وكان مضمونها قد يتبدل بتغير الزمان والمكان ، على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة لمفهوم الحق والعدل في بيئة بذاتها، وخلال زمن معين ، إلا أن تطبيقاتها في نطاق الضريبة تشى ببعض ملامحها الأصيلة ، وبوجه خاص من خلال زاويتين : أولاهما : أن يكون ممكنا عقلاً ربط عبئها بالأغراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المقصودة منها . ثانيتهما : ألا يكون فرضها قد تم إخلالا بحقوق ينبغى أن تخلص لأصحابها . وحيث إن البين من مضابط جلسات مجلس الشورى السابق الإشارة إليها ، أن وطأة ضريبة الأيلولة على المخاطبين بها لاتقابلها مصلحة مبررة ، بل تظهر جوانبها السلبية فيما قام الدليل عليه من أنها لا توفر للتنمية أسبابها ؛ ولا للاستثمار أو الادخار روافدهما من الثقة والاطمئنان ؛ ولا لقيمة العمل مناخها الملائم . كذلك فإن فرضها طريق إلى مزالق لها خطرها، من بينها أن الأموال محلها يتم تسريبها توقيا لها ، فإذا تعذر تجنبها ، فإن ما يبقى بعد الضريبة من هذه الأموال يظل ثروة خامدة خوفاً من تعقبها ظلماً وبهتاناً بعد انتقالها بالميراث إلى آخرين. بل إن ما كانت الدولة تتوقعه من تلك الضريبة ، سواء باعتبارها مصدراً لتمويل احتياجاتها أوبوصفها أداة تيسر توزيعها للثروة ، غدا وهما وسرابا بالنظر إلى ضآلة حصيلتها ولأن واقعتها المنشئة – وهى الوفاة – لا يترتب عليها تركيز الثروة ، بل تفتيتها . وحيث إن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة كفل حمايتها لكل فرد – وطنياً كان أم أجنبياً – ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود التي يقتضيها تنظيمها ، ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها ، فلا يرده عنها معتد ، ولا يناجز سلطته في شأنها من ليس بيده سند ناقل لها ، ليعتصم بها من دون الآخرين ، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تُعينها على أداء دورها ، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء كان ذلك بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها ؛ ولم يعد جائزا بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها ، ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها ، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها ، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصبا ، وافتئاتا على كيانها أدخل إلى مصادرتها . وحيث إن الدستور يعتبر مآباً لكل سلطة وضابطاً لحركتها . والأصل في النصوص التي يتضمنها أنها تؤخذ باعتبارها مترابطة فيما بينها، وبما يرد عنها التنافر والتعارض ، ويكفل اتساقها في إطار وحدة عضوية تضمها ، ولا تفرق بين أجزائها ، بل تجعل تناغم توجهاتها لازماً، وكان الدستور إذ نص في المادة ٣٤ على أن الملكية الخاصة يجب صونها ، وأن حمايتها تمتد إلى حق الإرث ليكون مكفولاً بها ، فقد دل بذلك على أن ما يؤول للعباد ميراثاً في حدود أنصبتهم الشرعية ، يعتبر من عناصر ملكيتهم التي لا يجوز لأحد أن ينال منهاً . وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان فرض ضريبة الأيلولة بالمادة الأولى من القانون سالف الذكر مصادماً لأحكام المواد ٢و٤٣و٨٣و١٦و٩١١ من الدستور ، فقد غدا متعيناً الحكم بعدم دستوريتها ، وإذ كانت باقى نصوص هذا القانون ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بنص مادته الأولى فإنها تسقط تبعا لذلك .