حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ٦ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ٦ دستورية
– – – ١ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ــ مناطها إرتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة لحسمها ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، وكان المدعى قد طلب فى دعواه الموضوعية تعويضه عن الأراضى المستولى عليها منه وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعى محدداً مقدار هذا التعويض على ضوء ثمن مثلها وقت الاستيلاء عليها ، فضلاً عن الريع المستحق عنها وما يستجد منه ، وكانت النصوص القانونية التى عينها المشرع مبيناً بها أسس هذا التعويض ومقداره ، هى التى تضمنتها المادتان ٥ و ٦ من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى ، والمادتان ٤ و ٥ من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام هذا القانون ، فإن هذه النصوص وحدها ، هى التى يتحدد على ضوئها موضوع الخصومة الدستورية ، وكذلك نطاق المصلحة الشخصية المباشرة فيها .
– – – ٢ – – –
الدعوى الدستورية تستقل بذاتيتها ومقوماتها وموجباتها عن الدعوى الموضوعية ، فلا تندمجان فى بعضهما ، ولا تتحدان فى أسس الفصل فى كل منهما ، ذلك أن الخصومة الدستورية ، غايتها الفصل فى التعارض المدعى به بين نصوص قانونية أقرها المشرع أو أصدرتها السلطة التنفيذية من جهة ، وقاعدة فى الدستور من جهة أخرى . ولا كذلك الخصومة الموضوعية التى تطرح فى جوانبها الأكثر شيوعاً نزاعاً حول حقوق يدعى الإخلال بها ، ويكون إثباتها أو نفيها ، مدار النضال بين أطرافها . متى كان ذلك ، وكان الدفع بالتقادم المسقط للحق ، يقتضى إبتداء تحديد ما إذا كان الحق المدعى به قد نشأ صحيحاً وفقاً للقانون ، وما إذا كانت المدة التى عينها المشرع لسقوطه قد إكتمل مداها بدءاً من التاريخ المحدد لسريانها ، أم أن عارضاً إعتراها مستوجباً وقفها أو إنقطاع جريانها . وجميعها من الشروط التى تنفرد محكمة الموضوع بتحقيقها والفصل فيها ، ولا شأن لها بالتالى بالخصومة الدستورية التى تنفصل فى موضوعها وبواعثها عنها ، والتى يدور النزاع فيها حول ما إذا كان التعويض المستحق قانوناً عن الأراضى الزراعية المستولى عليها ، يعتبر موافقاً أو مخالفاً للدستور .
– – – ٣ – – –
إلغاء المشرع لنصوص قانونية بذواتها ، يفترض أن يكون التنظيم التشريعى الصادر بإلغائها صحيحاً وفقاً للدستور ، فإذا تقرر بقضاء من هذه المحكمة بطلان هذا التنظيم بكامل أجزائه ، إعتبر أثره منعدماً فى شأن النصوص التى عطل سريانها ، فلا يزول وجودها .
– – – ٤ – – –
قضاء هذه المحكمة فى الدعوى رقم ٣ لسنة ١ المشار إليه ، لم يفصل فيما إذا كان التعويض المقدر وفقاً لأحكام القانونين رقمى ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ و ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليهما ، يعتبر عادلاً أم متدنياً ، ولا كان ذلك من شأنها باعتبار أن النزاع المعروض عليها فى تلك الخصومة ، كان منحصراً فى أموال نقلتها الدولة إليها بلا مقابل ، وما إذا كان نهجها هذا موافقاً أو مخالفاً للدستور ، فلا يتعداه إلى أسس أو مقدار التعويض التى فصلها هذان القانونان .
– – – ٥ – – –
القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليه ، قد أحال فى شأن أسس التعويض عن الأراضى المستولى عليها وفقاً لأحكامه ، إلى تلك التى تضمنها المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ فى شأن الإصلاح الزراعى ، وكانت أسس التعويض المحددة وفقاً لأحكام هذين القانونين ، هى ذاتها التى تبتها المادة ٩ من القرار بقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه وهى التى واجهتها هذه المحكمة بحكمها الصادر فى الدعوى رقم ٢٤ لسنة ١٥ قضائية دستورية ، منتهية إلى مخالفتها للدستور . ومن ثم فإن المادة ٥ من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ والمادة ٤ من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليهما ، تكونان قد جاوزتا الحدود التى رسمتها المادتان ٣٢ و ٣٤ من الدستور لصون الملكية الخاصة وأهدرتا كذلك مفهوم التعويض الكامل القائم على الاعتداد بكل العناصر التى تتصل بتقدير قيمة الأموال فى تاريخ نزعها من أصحابها وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعى المطعون عليها ، وكان المشرع قد تدخل ــ بالنصوص القانونية المطعون عليها ــ لإجراء مصادرة جزئية لبعض عناصر هذه الأموال ، يمثلها الفرق بين قيمتها الفعلية فى تاريخ الاستيلاء عليها ، وقيمتها المقدرة تشريعياً ، فإن توقيعها على هذا النحو ، يكون مناقضاً نص المادة ٣٦ من الدستور التى لا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى ، ولو فرضها المشرع مبتغياً بها أن يكون جزاءً إدارياً لا جنائياً . والذين يملكون ، يحوزون ــ وفقاً لنص المادة ٤٠ من الدستور ــ الحقوق عينها التى ترتبها الملكية لأصحابها ، وعلى الأخص فى مجال إقتضائها ، والانتفاع بضماناتها التى كفلها الدستور ، وكان تطبيق قوانين الاصلاح الزراعى فى شأن فئة من المواطنين تزيد ملكيتها من الأراضى الزراعية على حد معين ، لا يمثل عقاباً واقعاً فى مجال التأثيم ، ولا يدل على أن حقوقهم فى شأن الأموال الزائدة على هذا الحد يجوز إنتقاصها أو التمييز فى شأنها ، ولا على أن توزيعها على صغار المزارعين ، كان لتعويضهم عما عانوه من تسلط الإقطاع على أرزاقهم ، ذلك أن تصحيح أوضاعهم ، لا يجوز أن يخل بقيم العدل التى ينبغى بسطها على المواطنين فى مجموعهم ، فلا يكون إسباغها على فريق من بينهم ، حائلاً دون إمتداها لغيرهم ومنتهياً إلى حرمان من كانوا يملكون هذه الأموال قبل توزيعها ــ وقد جردوا منها ــ من الحق فى التعويض الكامل عنها ، شأنهم فى ذلك شأن من تنزع ملكيتهم وفقاً للقانون .