حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٧ لسنة ١٦ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٧ لسنة ١٦ دستورية
تاريخ النشر : ٢٧ – ٠٤ – ١٩٩٥

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، وذلك فيما تضمنته – قبل تعديلها بالقانون رقم ٧ لسنة ١٩٩٥ – من تخويل أقلام كتاب المحاكم، حق اقتضاء الرسوم القضائية من غير المحكوم عليه نهائيا بها.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء وحنفى على جبالى المفوض وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
تقضى الفقرة الأولى من المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنه ١٩٤٤ بالرسوم القضائية والتوثيق فى المواد المدنية، بان يلزم المدعى بأداء الرسوم القضائية، كما يلزم بدفع الباقي منها عقب صدور الحكم ولو استؤنف وتنص فقررتها الثانية على انه [ ومع ذلك إذا صار الحكم نهائيا ن جاز لقلم الكتاب تحصيل الرسوم المستحقة من المحكوم عليه ] وقد أسفر حكم الفقرة الثانية من المادة ١٤ المشار إليها، عن مجافاته للمنطق وروح العدالة ن وتعقيده للقاضى، إذا يخول قلم كتاب المحكمة الحق فى تحصيل الرسوم القضائية من المدعى، ولو كان كاسبا لدعواه بحكم نهائى، مما كان مثارا للشكوى التى عايشها المواطنون، وكان كذلك مدعاة لظلمهم وإعناتهم، وإرهاقا لا قبل لهم به، ونكولا عن إحقاق الحق، وإهدارا للأصل فى قواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية، من إلزامها الخصم المحكوم عليه فى الدعوى، وبمصروفاتها .

– – – ٢ – – –
البين من مضبطة الجلسة الخمسين [ الفصل التشريعى السادس _ دور الانعقاد العادى ] المعقودة فى ٢١ فبراير سنه ١٩٩٥ إن مجلس الشعب ناقش تفصيلا تعديلا مقترحا فى شأن المادة ١٤ المشار إليها لمواجهة مساوئها فى تطبيق، وانحرافها عن صحيح حكم القانون وقد دعاه ذلك إلى إقرار قانون بتعديلها، هو القانون رقم ٧ لسنه ١٩٩٥ بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٩٠ لسنه ١٩٩٤، وذلك بإبدال مادته الرابعة عشرة، بمادة جديدة تدل بعباراتها على ان المدعى _ وقد أقام الخصومة القضائية ابتداء _ فأن عليه ان يتحمل مقدما بنفقاتها، والتى تتماثل أساسا فى الرسوم القضائية ، يؤديها عند تقديم صحيفتها إلى قلم كتاب المحكمة ويظل أمر هذه الرسوم قلقا إلى ان تفصل المحكمة فى الخصومة المطروحة عليها، وتحدد من يكون ملتزما بمصروفاتها، ليقع عبؤها عليه انتهاء والأصل أن يتحمل بمصروفات الدعوى من خسرها لا يتعداه إلى غيره ولا شان لسواه بها، ولا يعطل تراخيه فى الوفاء بها حق المحكوم له فى الحصول على صورة تنفيذية من الحكم .

– – – ٣ – – –
من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا، ان إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونيا بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة وذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التى تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكوما بها وحدها .

– – – ٤ – – –
الأصل فى الرسوم القضائية، هو أن يلزم من خسر الدعوى، وتتم تسويتها على هذا الأساس إذ ليس عدلا ولا قانونا ان يتحمل بها من كان محقا فى دعواه، وحمل على اللجوء إلى القضاء انتصافا، ودفعا لعدوان، وإلا كان الاعتصام بشريعة العدل ومنهاجه عبثا ولهوا، والذود عن الحقوق _ من خلال الإصرار على طلبها وتقريرها _إفكا وبهتانا بيد أن النص المطعون فيه نقض هذا الأصل الذي تمليه طبائع الأشياء ن ورد الساعين إلى الحق على أعقابهم، بأن حملهم برسوم قضائية لا يلتزمون بها أصلا، ولا شأن لهم بها فكان عقابا من خلال جزاء مالي لغير خطأ، وعدوانا منهيا عنه بنصوص الدستور إذ لا جريدة لهؤلاء حق تقطع من الحقوق التي ظفروا بها بمقتضى حكم نهائي، مبالغ مالية بقدر قيمة الرسوم القضائية التي ألزم هذا الحكم غيرهم بها ولكن قلم الكتاب اقتضاها منهم ناقلا تبعتها إليهما، مخالفا بذلك منطوق الحكم النهائي، ومتقولا على القاعدة العامة فى مصروفات الدعوى التي تبنيها المادتان ١٨٤، ١٨٦ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والتي تقضى أولاهما بأن مصاريف الدعوى _ ويدخل فى حسابها مقابل أتعاب المحاماة _أنما يتحملها الخصم المحكوم عليه بها فإذا تعدد المحكوم عليهم، جاز الحكم بقسمتها فيما بالتساوى، أو بنسبة مصلحة كل منهم فى الدعوى وفق ما تقدره المحكمة ولا يلزمون بالتضامن فى المصاريف إلا إذا كانوا متضامنين فى أصل التزامهم المقتضى به وتنص ثانيتهما على انه إذا أخفق كل من الخصمين فى بعض الطلبات، جاز الحكم بان يتحمل كل خصم بما دفعة من المصاريف، أو بتقسيم المصاريف بينهما ن على حسب ما تقدره المحكمة فى حكمها .

– – – ٥ – – –
مؤدى القاعدة التى تبلورها وتؤكدها المادتان ١٨٤،١٨٦ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، إن لمصاريف الدعوى أصلا يحكمها ويهيمن عليها يتحصل فى ألا يحكم بها _سواء بأكملها أو فى جزاء منها _ إلا على الخصم الذي خسر الدعوى، سواء بتمامها أو فى بعض جوانبها وهو ما يكفل قيام الخصومة القضائية على دورها فى إيصال الحقوق لذويها دون نقصان، فلا تكون نفقاتها عبئا إلا على هؤلاء الذين جحدوا تلك الحقوق، إعناتا أو مماطلة أو نكاية ن لترتد سهامهم إليهم، وكان الاستثناء التشريعى من هذه القاعدة منحصرا فى الأحوال التى قدر المشرع فيها أن مسار الخصومة القضائية أو ظروفها، تدل على مجاوزتها للحدود القانونية التى ينبغى أن يتقيد بها حق التقاضى، وتنكبها الأغراض التى شرع هذا الحق من اجل بلوغها، بأن كانت فى واقعها ” لددا أو اندفاعا أو تغريرا ” وهى أحوال حددتها حصرا المادة ١٨٥ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، التى تخول المحكمة أن تحكم بإلزام الخصم الذى كسب الدعوى كلها أو بعضها، بمصروفاتها، إذا كان الحق الذى يدعيه مسلما به من المحكوم عليه ن أو كان المحكوم عليه قد تسبب فى إنفاق مصاريف لا فائدة منها أو ترك خصمه على جهل بما فى يدة من المستندات القاطعة فى الدعوى، أو بمضمونها

– – – ٦ – – –
نص الفقرة الثانية من المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنه ١٩٤٤ بالرسوم القضائية والتوثيق فى المواد المدنية _ قبل تعديلها _ يخول أقلام كتاب المحاكم على اختلافها – كل وفقا لتقديره الخاص – أن تحمل بالرسوم القضائية غير المدينين المحكوم عليهم بها وهو ما يعنى تعديلها بإرادتها المنفردة، لمنطوق الحكم القاطع فى شان تلك الرسوم ولو كان نهائيا وإذ كان من المقرر أن كل حكم قطعي – ولو لم يكن نهائيا _ يعد حائزا لحجية الأمر المقتضى فإذا صار نهائيا بامتناع الطعن فيه بطريق من طرق الطعن العادية، غدا حائزا لقوة الأمر المقضى، وكان الحكم فى هاتين الحالتين كلتيهما، ولا يقوم على قرينه يجوز التدليل على عكسها، بل يرتد إلى قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها، ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، وكان مما ينافى قوة الحقيقة القانونية التى تكشفها الأحكام القضائية وتعبر عنها، أن يخول المشرع جهة ما، أن تعدل من جانبها الآثار القانونية التي رتبها الحكم القضائى، ما لم تكن هذه الجهة قضائية بالنظر إلى خصائص تكوينها، وكان موقعها من التنظيم القضائى، يخولها قانونا مراقبة هذا الحكم تصويبا لأخطائة الواقعية أو القانونية أو كليهما معا فإذا لم تكن تلك الجهة كذلك، فإن تعديل منطوق الحكم، أو الخروج عليه، يعد عدوانا على ولاية واستقلال القضاء، وتعطيلا لدوره فى مجال صون الحقوق والحريات على اختلافه للمادتين ٦٥، ١٦٥ من الدستور.

– – – ٧ – – –
إن استقلال القضاء – فى جوهر معناه وابعاد آثاره _ ليس مجرد عاصم من جموح السلطة التنفيذية يكفلها عن التدخل فى شئون العدالة، ويمنعها من التأثير فيها إضرارا بقواعد إدارتها بل هو فوق هذا، مدخل لسيادة القانون، التي كلفها الدستور بنص المادة ٦٤ بما يصون للشرعية بنيانها، ويرسم تخومها وقد قرن الدستور سيادة القانون ن بنص المادة ٦٥ التي تلزم الدولة بالخضوع لأحكامه، ليشكلا معا قاعدة للحكم فيها، وضابطا لتصرفاتها ثم عزز سيادة القانون، بنص المادة ٧٢ التي صاغها بوصفها ضمانا جوهريا لتنفيذ الموظفين المختصين للأحكام القضائية، إذا اعتبر امتناعهم عن إعمال مقتضاها، أو تعطيل تنفيذها، جريمة معاقبا عليها قانونا وما ذلك إلا توكيدا من الدستور لقوه الحقيقة الراجحة التي تقوم عليها الحكم القضائى وهى بعد حقيقة قانونية لا تجوز المماراة فيها .

– – – ٨ – – –
ما قرره النص المطعون فيه من ان لأقلام كتاب المحاكم ان تقضى الرسوم القضائية ممن ألزمهم الحكم النهائية بها، يفيد اختصاصها من غيرهم، وهو ما يعد انتحالا لولاية الفصل فى الخصومة القضائية، وهدارا لقوة الأمر المقضى التى تلازم الأحكام النهائية ولا تفارقها، ولو بعد الطعن عليها .

– – – ٩ – – –
خول الدستور _ بنص المادة ١٦٧ – السلطة التشريعية أن تعين لكل هيئة قضائية اختصاصاتها ولا يعنى هذا التفويض أكثر من مجرد الترخيص بتوزيع الولاية القضائية بأكملها فيما بين الهيئات القضائية جميعها، لتنال كل منها قسطا أو نصيبها منها، وبما يحول بين السلطة التشريعية وعزلها عن نظر منازعة بذاتها، مما كان ينبغي أصلا أن تفصل فيها

– – – ١٠ – – –
يخل النص المطعون فيه بالحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة ذلك ان اقتضاء الرسوم القضائية من غير المحكوم عليه بها، مؤداه أن تكون التزاما ذا قيمة مالية سلبية، واقعا عبؤه على غير المدين، ومجردا ذمته المالية – وهى لا تتنازل إلا مجموع الحقوق والديون التي لها قيمة مالية _ من بعض عناصرها الإيجابية باقتطاعها دون حق، وبالمخالفة لنصوص الدستور التى تمد حمايتها ألغى الأموال جميعها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء أكان حقا شخصيا أم عينيا، أم كان من حقوق الملكية الدبية أو الفنية أو الصناعية وذلك أن الحقوق العينية التي تقع على عقار – بما فى ذلك حق الملكية – تعتبر مالا عقاريا إما الحقوق العينية التي تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية _ أيا كان محلها _ فإنها تعد ما لا منقولا، بما مؤداه امتناع التميز بين الحقوق الشخصية والحقوق العينية فى مجال صونها من العدوان، بما يردع مغتصبها، ويحول دون اغتيالها أو تقويضها .

[الطعن رقم ٢٧ – لسنــة ١٦ ق – تاريخ الجلسة ١٥ / ٠٤ / ١٩٩٥ – مكتب فني ٦ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٦٧١ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٣١٠٢ لسنة ١٩٩٠ تجارى محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزام كل من الممثل القانونى لشركة التنمية الوطنية للشحن والتفريغ، والممثل القانونى لشركة القاهرة للتجارة والتوكيلات، بأن يدفعا له متضامنين مبلغ ٢٢٥ر٢٠٥٧٣٤ جنيها والمصاريف. وبجلسة ٣١ / ٥ / ١٩٩٢ حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليها الأولى بمبلغ ٩ر٩٢٢٣٩ والمدعي عليها الثانية بمبلغ ٥٠٧ر٢٠٥٣٤٩ جنيها، مع المناسب من المصاريف، ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة . بيد أن قلم الكتاب أعلن المدعى بأمر تقدير عن رسوم عن تلك الدعوى، مطالباً إياه بها إعمالا لنص المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ فى شأن الرسوم القضائية والتوثيق فى المواد المدنية . ومن ثم تظلم أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية من هذا الأمر . وبتاريخ ٢٧ / ٣ / ١٩٩٤ قضت المحكمة برفض هذا التظلم، تأسيساً على أن المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ تخول قلم الكتاب طلب الرسوم القضائية من المدعى، ولو كان كاسباً لدعواه . وإذلم يرتض المدعى هذا الحكم، فقد طعن عليه بطريق الاستئناف، وقيد هذا الطعن برقم ٢٧٥ لسنة ٥٠ قضائية. وأثناء نظر النزاع أمام المحكمة الاستئنافية، دفع بعدم دستورية المادة ١٤ المشار إليها . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد أجلت نظر دعواه حتى يتخذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوى الدستورية الماثلة . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ بالرسوم القضائية والتوثيق فى المواد المدنية، تقضى بأن يلزم المدعى بأداء الرسوم القضائية، كما يلزم بدفع الباقى منها عقب صدرو الحكم ولو استؤنف . وتنص فقرتها الثانية على أنه : [ومع ذلك إذا صار الحكم نهائياً، جاز لقلم الكتاب تحصيل الرسوم المستحقة من المحكوم عليه] وحيث إن حكم الفقرة الثانية من المادة ١٤ المشارإليها، أسفر عن مجافاته للمنطق وروح العدالة، وتعقيده للتقاضى، إذ يخول قلم كتاب المحكمة الحق فى تحصيل الرسوم القضائية من المدعى، ولو كان كاسباً لدعواه بحكم نهائى، مما كان مثاراً للشكوى التي عايشها المواطنون، وكان كذلك مدعاة لظلمهم وإعناتهم، وإرهاقاً لاقبل لهم به، ونكولاً عن إحقاق الحق، وإهداراً للأصل فى قواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية، من إلزامها الخصم المحكوم عليه فى الدعوى، بمصروفاتها . وحيث إن البين من مضبطة الجلسة الخمسين [الفصل التشريعى السادس دور الانعقاد العادى] المعقودة فى ٢١ فبراير سنة ١٩٩٥، إن مجلس الشعب ناقش تفصيلاً تعديلاً مقترحاً فى شأن المادة ١٤ المشار إليها لمواجهة مساوئها فى التطبيق ، وانحرافها عن صحيح حكم القانون، ولرد الأمور إلى نصابها . وقد دعاه ذلك إلى اقرار قانون بتعديلها، هو القانون رقم ٧ لسنة ١٩٥٩ بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤، وذلك بإبدال مادته الرابعة عشر ة، بمادة جديدة نصها الآتى : – “يلزم المدعى بأداء الرسوم المستحقة عقب تقديم صحيفة دعواه إلى قلم الكتاب، كما يلزم بأداء مايستحق عليها من رسوم أثناء نظرها، وحتى قفل باب المرافعة فيها . وتصبح الرسوم التزاماً على الطرف الذى الزمه الحكم بمصروفات الدعوى . وتتم تسويتها على هذا الأساس . ولايجوز الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم . وتسلم للمحكوم له صورة تنفيذية من الحكم دون توقف على تحصيل باقى الرسوم الملتزم بها الغير” وحيث إن النص المتقدم ، يدل بعبارته على أن المدعى – وقد أقام الخصومة القضائية ابتداء – فإن عليه أن يتحمل مقدماً بنفقاتها، والتى تتمثل أساساً فى الرسوم القضائية يؤديها عند تقديم صحيفتها إلى قلم كتاب المحكمة. ويظل أمر هذه الرسوم قلقا إلى أن تفصل المحكمة فى الخصومة المطروحة عليها، وتحدد من يكون ملتزماً بمصروفاتها، ليقع عبؤها عليه انتهاء. والأصل أن يتحمل بمصروفات الدعوى من خسرها لايتعداه إلى غيره . ولاشأن لسواه بها ولايعطل تراخيه فى الوفاء بها، حق المحكوم له فى الحصول على صورة تنفيذية من الحكم . وحيث إن المشرع أفصح كذلك بالنص المتقدم عن إلغاء القاعدة التى تضمنتها الفقرة الثانية من المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ – قبل تعديلها – والتى كانت تخول قلم كتاب المحكمة الخيار بين تحصيل الرسوم القضائية من المحكوم عليه بها، أو الرجوع بها على من يكون كاسباً لدعواه ولم يلزمه الحكم بمصروفاتها، وكان من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها . لايحول دون الطعن عليها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة . ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها . فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها . وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين . فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكوماً بها وحدها . وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط قبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المطاعن الدستورية لازما للفصل فى النزاع الموضوعى، وكان جوهرالطعن ينصب على الاختصاص المخول لأقلام كتاب المحاكم – فى ظل العمل بأحكام المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ قبل تعديلها – باقتضاء الرسوم القضائية من غير المحكوم عليه بها – ولو كان كاسبا لدعواه – فإن الفقرة الثانية من المادة ١٤ المشار إليها قبل تعديلها بالقانون رقم ٧ لسنة ١٩٩٥، هي التى يتحدد بها نطاق الطعن بعدم الدستورية . وهى كذلك التى دار حولها الدفع بعدم الدستورية ، المثار أمام محكمة الموضوع . وحيث إن المدعى ينعي على الفقرة الثانية المشار إليها، إخلالها بأحكام المواد ٣٤، ٣٥، ٣٦ من الدستور التى تكفل جميعها حقوق الملكية الخاصة، ولاتجيز تأميمها إلا للصالح العام، وبقانون، ومقابل تعويض . كما تحول دون مصادرتها مصادرة عامة . فإذا كان الأمر متعلقا بمصادرة خاصة، فلا تجوز إلا بحكم قضائى . كذلك فإن نزع الملكية مقيد بأن يكون متوخياً نفعاً عاماً ومقابل تعويض وفقاً للقانون . بيد أن النص المطعون فيه نقض هذه القواعد حين أجاز اقتضاء الرسوم القضائية من غير المدين بها، وأهدر بذلك قوة الأمر المقضى التى تحوزها الأحكام النهائية، وكان بالتالى مدخلاً لانتزاع أموال هؤلاء الذين لم يُحَمِّلهم الحكم النهائى بتلك الرسوم، وعدواناً على ولاية القضاء التى كفل الدستور أصلها، ولم يجز إلا توزيعها في حدود التفويض المخول للسلطة التشريعية بنص المادة ١٦٧ من الدستور . وهو ما يعنى أن تظل هذه الولاية ثابتة، فلا تنال السلطة التشريعية منها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر . وحيث إن الأصل فى الرسوم القضائية، هو أن يلزم بها من خسر الدعوى، وتتم تسويتها على هذا الأساس . إذ ليس عدلاً ولا قانوناً أن يتحمل بها من كان محقاً فى دعواه، وحُمل حملاً على اللجوء إلى القضاء انتصافاً، ودفعاً لعدوان، وإلا كان الاعتصام بشريعة العدل ومنهاجه عبثاً ولهوا، والذود عن الحقوق – من خلال الإصرار على طلبها وتقريرها – إفكا وبهتانا. بيد أن النص المطعون فيه نقض هذا الأصل الذى تمليه طبائع الأشياء، ورد الساعين إلى الحق على أعقابهم، بأن حملهم برسوم قضائية لا يلتزمون بها أصلاً، ولا شأن لهم بها . فكان عقاباً من خلال جزاء مالى لغير خطأ، وعدواناً منهياً عنه بنصوص الدستور. إذ لا جريرة لهؤلاء حتي تقتطع من الحقوق التي ظفروا بها بمقتضى حكم نهائى، مبالغ مالية بقدر قيمة الرسوم القضائية التي ألزم هذا الحكم غيرهم بها . ولكن قلم الكتاب اقتضاها منهم ناقلاً عبئها إليهم، مخالفاً بذلك منطوق الحكم النهائى، ومتغولاً على القاعدة العامة فى مصروفات الدعوي التى تبنتها المادتان ١٨٤، ١٨٦ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، التى تقضى أولاهما بأن مصاريف الدعوى – ويدخل فى حسابها مقابل أتعاب المحاماة – إنما يتحملها الخصم المحكوم عليه بها . فإذا تعدد المحكوم عليهم ، جاز الحكم بقسمتها فيما بينهم بالتساوى، أو بنسبة مصلحة كل منهم فى الدعوى وفق ما تقدره المحكمة . ولايلزمون بالتضامن فى المصاريف إلا إذا كانوا متضامنين فى أصل التزامهم المقضى به . وتنص ثانيتهما على أنه إذا أخفق كل من الخصمين فى بعض الطلبات، جاز الحكم بأن يتحمل كل خصم بما دفعه من المصاريف، أو بتقسيم المصاريف بينهما، على حسب ما تقدره المحكمة في حكمها . وحيث إن مؤدى القاعدة التى تبلورها وتؤكدها المادتان ١٨٤، ١٨٦ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، أن لمصاريف الدعوى أصلاً يحكمها . ويهيمن عليها يتحصل فى ألا يحكم بها – سواء بأكملها أو فى جزء منها – إلا على الخصم الذى خسر الدعوى، سواء بتمامها أو فى بعض جوانبها. وهو ما يكفل قيام الخصومة القضائية على دورها فى إيصال الحقوق لذويها دون نقصان، فلا تكون نفقاتها عبئاً إلا على هؤلاء الذين جحدوا تلك الحقوق، إعناتاً أومماطلة أو نكاية، لترتد سهامهم إليهم، وكان الاستثناء التشريعى من هذه القاعدة منحصراً فى الأحوال التى قدر المشرع فيها أن مسار الخصومة القضائية أو ظروفها، تدل على مجاوزتها للحدود القانونية التى ينبغى أن يتقيد بها حق التقاضى، وتنكبها الأغراض التى شرع هذا الحق من أجل بلوغها، بأن كانت فى واقعها لدداً أو اندفاعاً أو تغريراً، وهى أحوال حددتها حصراً المادة ١٨٥ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، التى تخول المحكمة أن تحكم بإلزام الخصم الذى كسب الدعوي كلها أو بعضها بمصروفاتها إذا كان الحق الذى يدعيه مسلماً به من المحكوم عليه، أو كان المحكوم عليه قد تسبب فى إنفاق مصاريف لافائدة منها، أو ترك خصمه على جهل بما فى يده من المستندات القاطعه فى الدعوى، أو بمضمونها . وحيث إن النص المطعون فيه يخول أقلام كتاب المحاكم على اختلافها – كل وفقا لتقديره الخاص – أن تُحَمِّل بالرسوم القضائية غير المدينين المحكوم عليهم بها . وهو ما يعنى تعديلها بإرادتها المنفردة لمنطوق الحكم القاطع فى شأن تلك الرسوم ولو كان نهائياً، وكان من المقرر أن كل حكم قطعى – ولو لم يكن نهائياً – يعد حائزاً لحجية الأمر المقضى . فإذا صار نهائياً بامتناع الطعن فيه بطريق من طرق الطعن العادية، غدا حائزاً لقوة الأمر المقضى، وكان الحكم فى هاتين الحالتين كلتيهما، لايقوم على قرينة قانونية يجوز التدليل على عكسها، بل يرتد إلى قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، وكان مما ينافى قوة الحقيقة القانونية التي تكشفها الأحكام القضائية، وتعبرعنها، أن يخول المشرع جهة ما، أن تعدل من جانبها الآثار القانونية التى رتبها الحكم القضائى ، ما لم تكن هذه الجهة قضائية بالنظر إلى خصائص تكوينها، وكان موقعها من التنظيم القضائى، يخولها قانونا مراقبة هذا الحكم تصويباً لأخطائه الواقعية أو القانونية أو كليهما معاً . فإذا لم تكن تلك الجهة كذلك، فإن تعديل منطوق الحكم، أو الخروج عليه، يعد عدواناً على ولاية واستقلال القضاء، وتعطيلاً لدوره فى مجال صون الحقوق والحريات على اختلافها بالمخالفة للمادتين ٦٥، ١٦٥ من الدستور . يؤيد ذلك أن هذا الاستقلال – فى جوهر معناه وأبعاد آثاره – ليس مجرد عاصم من جموح السلطة التنفيذية يكفها عن التدخل فى شئون العدالة، ويمنعها من التأثير فيها إضراراً بقواعد إدارتها . بل هو فوق هذا، مدخل لسيادة القانون، بما يصون للشرعية بنيانها، ويرسم تخومها . تلك السيادة التى كفلها الدستور بنص المادة ٦٤، وقرنها بمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة ٦٥، ليكونا معاً قاعدة للحكم فيها، وضابطاً لتصرفاتها . وحيث إن الدستور عزز كذلك سيادة القانون، بنص المادة ٧٢ التى صاغها بوصفها ضمانا جوهريا لتنفيذ الأحكام القضائية من قبل الموظفين المختصين، واعتبر امتناعهم عن إعمال مقتضاها، أو تعطيل تنفيذها جريمة معاقب عليها قانونا ً. وما ذلك إلا توكيداً من الدستور لقوة الحقيقة الراجحة التى يقوم عليها الحكم القضائى. وهى بعد حقيقة قانونية لا تجوز المماراة فيها . ولاجَرَم فى أن ما قرره النص المطعون فيه من أن لأقلام كتاب المحاكم أن تقتضى الرسوم القضائية ممن ألزمهم الحكم النهائى بها، يفيد اختصاصها بتحصيلها من غيرهم، وهو ما يعد انتحالاً لولاية الفصل فى الخصومة القضائية، وإهداراً لقوة الأمر المقضى التى تلازم الأحكام النهائية ولاتفارقها، ولو بعد الطعن عليها . وحيث إنه لا ينال مما تقدم ، قالة إن الدستور خول السلطة التشريعية أن تعين لكل هيئة قضائية اختصاصاتها، ذلك أن هذا التفويض المقرر بمقتضى نص المادة ١٦٧ من الدستور، لايعنى أكثر من مجرد الترخيص بتوزيع الولاية القضائية بأكملها فيما بين الهيئات القضائية جميعها، لتنال كل منها قسطها أو نصيبهامنها، وبما يحول بين السلطة التشريعية وعزلها عن نظر منازعة بذاتها، مما كان ينبغى أصلاً أن تفصل فيها . وحيث إن النص المطعون فيه يخل كذلك بالحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة. ذلك أن اقتضاء الرسوم القضائية من غير المحكوم عليه بها، مؤداه أن تكون التزاماً ذا قيمة مالية سلبية، واقعاً عبؤه على غير المدين، ومجرداً ذمته المالية – وهى لاتتناول إلامجموع الحقوق والديون التي لها قيمة مالية – من بعض عناصرها الإيجابية باقتطاعها دون حق، وبالمخالفة لنصوص الدستور التي تمد حمايتها إلى الأموال جميعها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء أكان حقاً شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية، ذلك أن الحقوق العينية التي تقع على عقار – بما فى ذلك حق الملكية – تعتبر مالا عقارياً . أما الحقوق العينية التى تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية – أيا كان محلها – فإنها تعد مالاً منقولاً، بما مؤداه امتناع التمييز بين الحقوق الشخصية والحقوق العينية فى مجال صونها من العدوان، بما يردع مغتصبها، ويحول دون اغتيالها، أو تقويضها . وحيث إنه متي كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً لأحكام المواد ٣٢، ٣٤ و ٦٤ و٦٥ و٧٢ و١٦٥ من الدستور. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة ١٤ من القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية، وذلك فيما تضمنته – قبل تعديلها بالقانون رقم ٧ لسنة ١٩٩٥ – من تخويل أقلام كتاب المحاكم حق اقتضاء الرسوم القضائية من غير المحكوم عليه نهائيا بها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى