حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٧ لسنة ٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٧ لسنة ٨ دستورية
تاريخ النشر : ٢٣ – ٠١ – ١٩٩٢

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة ٥ من المرسوم بقانون رقم ٩٨ لسنة ١٩٤٥ بشأن المتشردين والمشتبه فيهم وبسقوط أحكام المواد المرتبطة بها، وهي المواد ٦، ١٣، ١٥ منه.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد وماهر البحيرى أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم اقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع و فى الحدود التى تقدر فيها جديته .

– – – ٢ – – –
الأصل المقرر دستورياً هو عدم سريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها فلا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ، و إن السلطة التشريعية تتخذ قراراتها بالأغلبية المطلقة للحاضرين من أعضائها ، و انه استثناء من هاتين القاعدتين أجاز الدستور فى غير المواد الجنائية – النص فى القانون على رجعية الآثار التى يرتبها ، على أن يكون ذلك بموافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية فى مجموعهم ، و هى أغلبية خاصة فرضها الدستور كضمانة أساسية للحد من الآثار التى تحدثها الرجعية فى محيط العلاقات القانونية و توكيدا لخطورتها فى الأعم الأغلب من الأحوال ، باعتبار ما قد تؤول إليه من مساس بالحقوق و إخلال بالاستقرار . إذ كان ذلك ، و كان البين من مضبطتى مجلس الأمة فى جلستيه الحادية و الأربعين و السادسة و الأربعين المنعقدتين على التوالى فى ٢٢ ، ٣٠ يونية سنة ١٩٧٠ أن الاقتراع النهائى على مشروع القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ قد تم نداء بالاسم باعتباره متضمناً أثراً رجعياً ، و كانت رجعية هذا الأثر حقيقة قانونية دار حولها النقاش فى المجلس التشريعى ، و قد أسفر الاقتراع عن الموافقة على هذا المشروع فى مجموع مواده بأغلبية ٢٨٧ عضوا من مجموع أعضاء المجلس البالغ عددهم وقتئذ ثلاثمائة و ستين عضواً ، فإن قالة انتفاء الأغلبية الخاصة التى استلزمها الدستور لإقرار القوانين رجعية الأثر ، تكون فاقدة لأساسها حرية بالرفض .

– – – ٣ – – –
الأصل المقرر دستورياً هو عدم سريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها فلا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ، و إن السلطة التشريعية تتخذ قراراتها بالأغلبية المطلقة للحاضرين من أعضائها ، و انه استثناء من هاتين القاعدتين أجاز الدستور فى غير المواد الجنائية – النص فى القانون على رجعية الآثار التى يرتبها ، على أن يكون ذلك بموافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية فى مجموعهم ، و هى أغلبية خاصة فرضها الدستور كضمانة أساسية للحد من الآثار التى تحدثها الرجعية فى محيط العلاقات القانونية و توكيدا لخطورتها فى الأعم الأغلب من الأحوال ، باعتبار ما قد تؤول إليه من مساس بالحقوق و إخلال بالاستقرار . إذ كان ذلك ، و كان البين من مضبطتى مجلس الأمة فى جلستيه الحادية و الأربعين و السادسة و الأربعين المنعقدتين على التوالى فى ٢٢ ، ٣٠ يونية سنة ١٩٧٠ أن الاقتراع النهائى على مشروع القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ قد تم نداء بالاسم باعتباره متضمناً أثراً رجعياً ، و كانت رجعية هذا الأثر حقيقة قانونية دار حولها النقاش فى المجلس التشريعى ، و قد أسفر الاقتراع عن الموافقة على هذا المشروع فى مجموع مواده بأغلبية ٢٨٧ عضوا من مجموع أعضاء المجلس البالغ عددهم وقتئذ ثلاثمائة و ستين عضواً ، فإن قالة انتفاء الأغلبية الخاصة التى استلزمها الدستور لإقرار القوانين رجعية الأثر ، تكون فاقدة لأساسها حرية بالرفض .

– – – ٤ – – –
استيفاء المادة الثالثة من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ المطعون عليها للشكلية التى تطلبها الدستور لاقرار القوانين رجعية الأثر ، لا يعصمها من الخضوع للرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين ، و ذلك كلما كان حكمها منطويا على إهدار لحق من الحقوق التى كفلها الدستور ، أو يفرض قيوداً عليه تؤدى إلى الإنتقاص منه ، ذلك أن الدستور يتميز بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة و السمو بحسبانه كفيل الحريات و موئلها، و عماد الحياة الدستورية و أساس نظامها ، فحق لقواعده – بالتالى – أن تستوى على القمة من البنيان القانونى للدولة و أن تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام ، اعتبارا بأن أحكام الدستور هى أسمى القواعد الآمرة التى تلتزم الدولة بالخضوع لها فى تشريعها و قضائها ، و فى مجال مباشرتها لسلطتها التنفيذية ، و فى اطار هذا الالتزام ، و بمراعاة حدوده ، تكون موافقة النصوص التشريعية لأحكام الدستور رهنا ببراءتها مما قد يشوبها من مثالب دستورية ، سواء فى ذلك تلك التى تقوم على مخالفة شكلية للأوضاع الاجرائية التى يتطلبها الدستور ، أم تلك التى يكون مبناها مخالفة لقواعده الموضوعية التى تعكس مضامينها القيم و المثل التى بلورتها الإرادة الشعبية ، و كذلك الأسس التى تنظم الجماعة ، و ضوابط حركتها .

– – – ٥ – – –
استيفاء المادة الثالثة من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ المطعون عليها للشكلية التى تطلبها الدستور لاقرار القوانين رجعية الأثر ، لا يعصمها من الخضوع للرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين ، و ذلك كلما كان حكمها منطويا على إهدار لحق من الحقوق التى كفلها الدستور ، أو يفرض قيوداً عليه تؤدى إلى الإنتقاص منه ، ذلك أن الدستور يتميز بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة و السمو بحسبانه كفيل الحريات و موئلها، و عماد الحياة الدستورية و أساس نظامها ، فحق لقواعده – بالتالى – أن تستوى على القمة من البنيان القانونى للدولة و أن تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام ، اعتبارا بأن أحكام الدستور هى أسمى القواعد الآمرة التى تلتزم الدولة بالخضوع لها فى تشريعها و قضائها ، و فى مجال مباشرتها لسلطتها التنفيذية ، و فى اطار هذا الالتزام ، و بمراعاة حدوده ، تكون موافقة النصوص التشريعية لأحكام الدستور رهنا ببراءتها مما قد يشوبها من مثالب دستورية ، سواء فى ذلك تلك التى تقوم على مخالفة شكلية للأوضاع الاجرائية التى يتطلبها الدستور ، أم تلك التى يكون مبناها مخالفة لقواعده الموضوعية التى تعكس مضامينها القيم و المثل التى بلورتها الإرادة الشعبية ، و كذلك الأسس التى تنظم الجماعة ، و ضوابط حركتها .

– – – ٦ – – –
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها المشرع بضوابط معينه تحد من اطلاقها و ترسم بالتالى حدودا لممارستها لا يجوز تخطيها ، و كان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية تنظيم موضوع معين ، فإن تشريعاتها فى هذا الاطار لا يجوز أن تنال من الحق محل الحماية الدستورية ، و ذلك باقتحامها – بالنقص أو الانتقاص – المنطقة التى اعتبرها الدستور مجالا حيويا لهذا الحق لضمان فعاليته .

– – – ٧ – – –
البين من استقراء أحكام الدستور و ربطها ببعض فى اطار من الوحدة العضوية التى تجمعها ، و بما يقتضية تحقيق الاتساق و التكامل بينها ، أنه فى مجال حق العمل و التأمين الاجتماعى ، كفل الدستور أمرين ، أولهما أن العمل ليس ترفاً و لا هو منحة من الدولة تبسطها أو تقبضها تحكما أو اعناتا ، ذلك أن الفقرة الأولى من المادة ١٣ من الدستور نظمته بوصفة حقا لكل مواطن ، و واجباً يلتزم بأدائه ، و شرفا يرنو إليه ، و هو باعتباره كذلك ، و لأهميته فى تقدم الجماعة و اشباع احتياجاتها ، توليه الدولة تقديرها إذا امتاز العمال فى النهوض بتبعاته . أما فقرتها الثانية فتؤكد أن الأصل فى العمل أن يكون اراديا قائما على الاختيار الحر ، فلا يحمل عليه المواطن حملاً إلا أن يكون ذلك وفق قانون و بوصفة تدبيراً استثنائيا لأداء خدمة عامة ، و بمقابل عادل . و هى شروط تطلبها الدستور فى العمل الإلزامى ، و ألزم المشرع بمراعاتها مقيدا سلطته فى مجال تنظيمه حتى لا يتحول العمل إلى نوع من السخرة المجافية فى مضمونها للحق فى العمل بوصفة شرفا و المناقضة للمادة ١٣ من الدستور بفقرتيها .

– – – ٨ – – –
لئن كان الأجر العادل مشروطا بالفقرة الثانية من المادة ١٣ من الدستور ، لأداء العمل الذى تقتضية الدولة قسرا من مواطنيها نزولا على دواعى الخدمة العامة و وفاء بمتطلباتها ، فإن الوفاء بهذا الأجر يكون بالضرورة التزاما أحق بالحماية الدستورية كلما كان مقابلا لعمل تم اداؤه فى اطار رابطة عقدية أو فى نطاق علاقة تنظيمية ارتبط طرفاها بها ، و تقرر أجر العامل من خلالها ، و ذلك انطلاقا من ضرورة التمكين للقيم الأصلية الخلقية و الاجتماعية التى يلتزم المجتمع بالتحلى بها و العمل فى سبيلها ، على ما تنص عليه المادة ١٢ من الدستور ، و نزولا على حقيقة أن الأجر و فرص العمل وربطهما معاً بالانتاجية تمثل جميعها ملامح أساسية لخطة التنمية الشاملة التى تنظم اقتصاد الدولة ، و التى تتوخى زيادة الدخل القومى و ضمان عدالة توزيعه وفقا لحكم المادة ٢٣ من الدستور .

– – – ٩ – – –
الدستور ، إذ عهد فى المادة ١٢٣ منه إلى المشرع تنظيم قواعد منح المرتبات و المعاشات و التعويضات و الإعانات و المكافآت التى تتقرر على خزانة الدولة و حالات الاستثناء منها ، و الجهات التى تتولى تطبيقها ، فإن هذا التنظيم التشريعى يكون مجانبا أحكام الدستور ، منافيا لمقاصده ، إذا تعرض للحقوق التى يتناولها بما يؤدى إلى اهدارها أو افراغها من مضمونها ، ذلك أن الحق فى المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه – ينهض التزاما على الجهة التى تقرر عليها . و تدل قوانين التأمين الإجتماعى المتعاقبة على أن المعاش الذى تتوافر شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه ببلوغه سن التقاعد المنصوص عليه بنظام التوظف المعامل به ، إنما يعتبر التزاما مترتبا بنص اللقانون فى ذمة الجهة المدنية . و إذ كان الدستور قد خطا خطوة أبعد فى اتجاه دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة فى المادة ١٧ منه ، تقرير معاش يواجه به المواطنون بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون ، فذلك ، لأن مظلة التأمين الإجتماعى – التى يحدد المشرع نطاقها – هى التى تفرض بمداها واقعا أفضل يؤمن المواطن فى غده ، و ينهض بموجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع وفقا لنص المادة ٧ من الدستور .

– – – ١٠ – – –
لما كان الثابت من الأوراق ، إن المدعين بعد انتهاء خدمتهم بالقوات المسلحة التى استحقوا عنها معاش التقاعد العسكرى ، وفق للقوانين المنظمة له ، قد عينوا بإحدى الجمعيات التعاونية الاستهلاكية و استمروا يجمعون بين معاشاتهم هذه و رواتبهم عن عملهم فى الجمعية حتى فبراير سنة ١٩٦٥ ، إلى أن تقرر حرمانهم من هذا المعاش ، فأقاموا الدعوى الموضوعية لاقتضائه ، و إذ نظم القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ بعض أوضاع العاملين فى هذه الجمعيات ، و كان مؤدى نص المادة الثالثة من هذا القانون المطعون عليها، أن يسرى الحظر الذى تقرر بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ و اعتباراً من تاريخ نفاذه – على العاملين بالجمعيات التى تملكها الدولة أو تساهم فيها ، و كان هذا الحظر ينطوى على إهدار حقهم فى معاش المقرر لهم قبل عملهم بتلك الجمعية ، و كان قيام الحق فى معاشاتهم تلك منفصلاً عن الحق فى رواتبهم التى استحقوها بعد التعيين فيها ، مرده إن هذين الحقين يختلفان مصدراً مصدراً و سببا ، ذلك أنه بينما يعتبر نص القانون مصدرا مباشرا للحق فى معاشاتهم ، فإن رابطة العمل التعاقدية هى المصدر المباشر للحق فى مرتباتهم ، و من جهة أخرى يعتبر المعاش مستحقا عن مدد خدمتهم السابقة بالقوات المسلحة وفقاً للقواعد التى قررها المشرع فى هذا الصدد ، و ذلك خلافا للحق فى رواتبهم إذ يقوم مقابلا لعمل قاموا بأدائه للجمعية المشار إليها بعد إحالتهم إلى التقاعد ، و العدوان التشريعى على أحد هذين الحقين ، لا يعدو أن يكون إنكاراً لوجوده و حرمانا لهم من الحق فى اقتضائه جبرا عند المنازعة فيه ، بعد أن أصبح دينا فى ذمة الجهة الملتزمة بأدائه و ليس ذلك إلا إهدارا للحق فى الملكية الخاصة الذى كفل الدستور أصله ، و أحاطه – فى المادة ٣٤ منه – بالحمايه اللازمة لصون ، تلك الحماية التى جرى قضاء هذه المحكمة على انصرافها إلى الحقوق العينية و الشخصية على السواء ، و على اتساعها بالتالى للأموال بوجه عام ، و ذلك انطلاقا من أن الملكية الخاصة فضلا عن كونها من مصادر الثروة القومية التى يتعين تنميتها و الحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى ، فإنها تعد ثمرة مباشرة لنشاط الفرد و نتاجا لعمله فى الأغلب من الأحوال ، و حافزه دوما إلى التطور و التقدم ، بالبناء على ما تقدم تكون الرجعية التى تضمنها النص المطعون عليه مناقضة فى محتواها الموضوعى للمادة ٣٤ من الدستور ، و يتعين – من ثم – الحكم بعدم دستوريتها .

– – – ١١ – – –
لا محاجة للقول بأن الرجعية التى أجازها الدستور – فى غير المواد الجنائية – تفترض لزماً أو على الأقل فى اغلب الأحوال و أعمها المساس بالحقوق المكتسبة ، و يندرج تحتها الحق فى المعاش محل النزاع الراهن ، ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على التمتع بالحقوق التى كفل الدستورأصلها ، لا يجوز أن يصل مداها إلى حد اهدارها كلية أو تقليصها ، و لا تعدو سلطته فى نطاقها مجرد تنظيمها وفق أسس موضوعية لا تؤثر فى جوهرها ، فإذا جاوز المشرع نطاق سلطته فى مجال تنظيم الحقوق التى أحاطها الدستور بالحماية ، وقع التشريع الصادر عنه فى حومه المخالفة الدستورية ، سواء عمل به بأثر مباشر أو بأثر رجعى .

– – – ١٢ – – –
لما كانت المادة الثانية من القانون المطعون عليه تقضى بالتجاوز عن استرداد ما سبق صرفه من معاشات بالمخالفة لأحكامه ، و كان ترخص الدولة فى النزول من جانبها عما صرفته منها لبعض العاملين بالمنشآت و الجمعيات التعاونية التى تملكها أو تساهم فيها ، يفترض عدم استحقاقهم أصلا لها خلال الفترة التى امتد إليها الأثر الرجعى لنص المادة الثالثة من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ المطعون عليها ، فإن سقوط هذا الأثر الرجعى فى محتواه الموضوعى لعدم دستوريته ، يستلزم الحكم بسقوط المادة الثانية و ذلك لارتباطهما معا ارتباطا لا يقبل التجزئة إذ لا يتصور قيام المادة الثانية منفصلة عن الأثر الرجعى للحظر الذى حال دون حصول المدعين خلال فترة عملهم بالجمعية على معاشاتهم المستحقة قبل التعيين فيها .

– – – ١٣ – – –
لما كانت المادة الثانية من القانون المطعون عليه تقضى بالتجاوز عن استرداد ما سبق صرفه من معاشات بالمخالفة لأحكامه ، و كان ترخص الدولة فى النزول من جانبها عما صرفته منها لبعض العاملين بالمنشآت و الجمعيات التعاونية التى تملكها أو تساهم فيها ، يفترض عدم استحقاقهم أصلا لها خلال الفترة التى امتد إليها الأثر الرجعى لنص المادة الثالثة من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ المطعون عليها ، فإن سقوط هذا الأثر الرجعى فى محتواه الموضوعى لعدم دستوريته ، يستلزم الحكم بسقوط المادة الثانية و ذلك لارتباطهما معا ارتباطا لا يقبل التجزئة إذ لا يتصور قيام المادة الثانية منفصلة عن الأثر الرجعى للحظر الذى حال دون حصول المدعين خلال فترة عملهم بالجمعية على معاشاتهم المستحقة قبل التعيين فيها .

[الطعن رقم ٢٧ – لسنــة ٨ ق – تاريخ الجلسة ٠٤ / ٠١ / ١٩٩٢ – مكتب فني ٥ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ١٠٣ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين بعد أن أحيلوا إلى التقاعد من خدمة القوات المسلحة عينوا بالجمعية التعاونية الاستهلاكية إلى أن انتهت خدمة بعضهم فيها فى غضون سنة ١٩٦٧ وبالنسبة إلى آخرين منهم خلال سنة ١٩٦٨ ، وقد ظلوا يجمعون بين معاشاتهم العسكرية ومرتباتهم من هذه الجمعية حتى سنة ١٩٦٥ إذ تقرر حرمانهم من الحق فى الجمع بينهما ، فأقاموا لاقتضاء هذا الحق الدعوى رقم ١٢٥٢ لسنة ٢٢ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى التى انتهت إلى رفضها ، فطعنوا فى حكمها أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم ١٢٠٨ لسنة ١٩ قضائية ، فقضى بقبوله شكلاً ، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ، وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وبإحالتها إلى اللجنة القضائية لضباط القوات المسلحة ، وأمام هذه اللجنة دفع المدعون بعدم دستورية المادة الثالثة من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ فيما نصت عليه من العمل بأحكامه اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ بعدم جواز الجمع بين مرتب الوظيفة فى الشركات التى تساهم فيها الدولة وبين المعاش المستحق قبل التعيين فيها . وإذ قدرت اللجنة جدية هذا الدفع وحددت للمدعين موعداً غايته ثلاثة أشهر لرفع الدعوى الدستورية ، فقد أقاموا الدعوى الماثلة . وحيث إن القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ كان ينص على حظر الجمع بين مرتب الوظيفة فى الشركات التى تساهم فيها الدولة وبين المعاش المستحق قبل التعيين فيها ، وإذ ارتأت وزارة الخزانة أن روح هذا القانون وأهدافه يقتضيان سريان الحظر المشار إليه على العاملين بالمنشآت والجمعيات التى تملكها أو تساهم فيها الدولة ، فقد صدر القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ الذى نص فى مادته الأولى على أن ” تسرى أحكام القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ بعدم جواز الجمع بين مرتب الوظيفة فى الشركات التى تساهم فيها الدولة وبين المعاش المستحق قبل التعيين فيها ، على العاملين بالمنشآت وبالجمعيات التعاونية التى تملكها أو تساهم فيها الدولة ، كما نص فى مادته الثانية على أن ” يتجاوز عن استرداد ما سبق صرفه من معاشات بالمخالفة لأحكام هذا القانون ، وفى مادته الثالثة على أن ” يعمل بهذا القانون من تاريخ العمل بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ المشار إليه ” . وحيث إن المدعين ينعون على القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ سالف البيان مخالفته مبدأ الفصل بين السلطات وانطوائه على تحصين أعمال إدارية من رقابة القضاء وخروجه على مبدأ عدم رجعية القوانين فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون ، وذلك بمقولة أن هذا القانون صدر كتشريع مفسر لأحكام القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ منتهكاً بذلك السلطة الأصلية للقضاء فى مجال تفسير النصوص التشريعية ، وأن القانون المطعون فيه ليس عملاً تشريعياً فى حقيقة الأمر إذ لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً ألبس شكل القانون توقياً لمخاصمة هذا القرار الذى صدر فى شأن أشخاص محصورين بذواتهم بما يتعارض ومبدأ تجرد القاعدة القانونية ، ومن جهة أخرى فقد كان يتعين على السلطة التشريعية أن تقر المادة الثالثة من القانون المطعون فيه والمتضمنة أثراً رجعياً بالأغلبية الخاصة المنصوص عليها فى المادة ١٦٣ من دستور سنة ١٩٦٤ – الذى صدر فى ظله ذلك القانون – وهى أغلبية أعضاء المجلس التشريعى ، فلا تكفى بشأنها أغلبية الحاضرين منهم ، وقد خلت مضابط مجلس الأمة مما يفيد توافر هذه الأغلبية الخاصة عند إقراره للمادة المشار إليها ، الأمر الذى يصمها بعدم الدستورية لعدم استيفائها الشكل الذى تطلبه الدستور لإقرارها . هذا بالإضافة إلى أن تقرير الأثر الرجعى قد اخل بمبدأ المساواة أمام القانون بين فئتين تماثل أفرادهما فى مراكزهم القانونية هما فئة المدعين الذين حرمهم القانون المطعون فيه من حقوقهم المكتسبة ، وفئة أخرى من نظرائهم الذين تجاوز المشرع عن استرداد ما سبق صرفه لهم من معاش بالمخالفة لأحكام القانون المطعون فيه ، وترتيباًُ على ذلك ينعى المدعون على القانون المطعون فيه مخالفته لأحكام المواد ٤٠ ، ٦٨ ، ١٦٥ من الدستور القائم والمادة ١٦٣ من دستور سنة ١٩٦٤ . وحيث إن ولاية هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية – وعلى ما جرى به قضاؤها – لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة فى قانونها ، وكان نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع وفى الحدود التى تقدر فيها جديته ، وكان المدعون فى الدعوى الماثلة قد دفعوا أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية ما قررته المادة الثالثة من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ من العمل بأحكامه اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ ، وكان التصريح الصادر عن محكمة الموضوع برفع الدعوى الدستورية منحصراً فى هذا النطاق وحده ، فإن الطعن على المادتين الأولى والثانية من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ يكون مجاوزاً ذلك النطاق الذى تتحدد به المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها بما مؤداه انتفاء اتصال الدعوى الماثلة – فى خصوص هاتين المادتين – بالمحكمة الدستورية العليا اتصالاً مطابقاً للأوضاع التى رسمها قانونها والتى لا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع للمصلحة العامة كى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية وفقاً لها . وحيث إن المدعين ينعون على نص المادة الثالثة من القانون المطعون فيه انسحابها إلى الماضى دون أن تقرها السلطة التشريعية بالأغلبية الخاصة المنصوص عليها فى المادة ١٦٣ من دستور سنة ١٩٦٤ . وحيث إن هذا النعى مردود بأن الأصل المقرر دستورياً هو عدم سريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها فلا يترتب عليها اثر فيما وقع قبلها ، وإن السلطة التشريعية تتخذ قراراتها بالأغلبية المطلقة للحاضرين من أعضائها وأنه استثناء من هاتين القاعدتين أجاز الدستور – فى غير المواد الجنائية – النص فى القانون على رجعية الآثار التى يرتبها على أن يكون ذلك بموافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية فى مجموعهم ، وهى أغلبية خاصة فرضها الدستور كضمانة أساسية للحد من الآثار التى تحدثها الرجعية فى محيط العلاقة القانونية وتوكيداً لخطورتها فى الأعم الأغلب من الأحوال باعتبار ما قد تؤول إليه من مساس بالحقوق وإخلال بالاستقرار ، إذ كان ذلك ، وكان البين من مضبطتى مجلس الأمة فى جلستيه الحادية والأربعين والسادسة والأربعين المنعقدتين على التوالى فى ٢٢ ، ٣٠ يونيه سنة ١٩٧٠ أن الاقتراع النهائى على مشروع القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ قد تم نداء بالاسم باعتباره متضمناً أثراً رجعياً وكانت رجعية هذا الأثر حقيقة قانونية دار حولها النقاش فى المجلس التشريعى ، وقد أسفر الاقتراع عن الموافقة على هذا المشروع فى مجموع مواده بأغلبية ٢٨٧ عضواً من مجموع أعضاء المجلس البالغ عددهم وقتئذ ثلاثمائة وستين عضواً ، فإن قالة انتفاء الأغلبية الخاصة التى استلزمها الدستور لإقرار القوانين رجعية الأثر تكون فاقدة لأساسها حرية بالرفض . وحيث إن استيفاء المادة الثالثة المطعون عليها للشكلية التى تطلبها الدستور لإقرار القوانين رجعية الأثر على ما سلف بيانه ، لا يعصمها من الخضوع للرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين كلما كان حكمها منطوياً على إهدار لحق من الحقوق التى كفلها الدستور ، أو يفرض قيوداً عليه تؤدى إلى الانتقاص منه ، ذلك أن الدستور يتميز بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية ، وأساس نظامها ، فحق لقواعده – بالتالى – أن تستوى على القمة من البنيان القانونى للدولة وأن تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام ، اعتباراً بأن أحكام الدستور هى أسمى القواعد الآمرة التى تلتزم الدولة بالخضوع لها فى تشريعها وقضائها ، وفى مجال مباشرتها لسلطتها التنفيذية ، وفى إطار هذا الالتزام ، وبمراعاة حدوده ، تكون موافقة النصوص التشريعية لأحكام الدستور رهنا ببراءتها مما قد يشوبها من مثالب دستورية ، سواء فى ذلك تلك التى تقوم على مخالفة شكلية للأوضاع الإجرائية التى يتطلبها الدستور ، أم تلك التى يكون مبناها مخالفة لقواعده الموضوعية التى تعكس مضامينها القيم والمثل التى بلورتها الإرادة الشعبية ، وكذلك الأسس التى تنتظم الجماعة ، وضوابط حركتها . وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها المشرع بضوابط معينة تحد من إطلاقها وترسم بالتالى حدوداً لممارستها لا يجوز تخطيها ، وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية تنظيم موضوع معين ، فإن تشريعاتها فى هذا الإطار لا يجوز أن تنال من الحق محل الحماية الدستورية ، وذلك باقتحامها – بالنقص أو الانتقاص – المنطقة التى اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لهذا الحق لضمان فعاليته . وحيث إن البين من استقراء أحكام الدستور وربطها ببعض فى إطار من الوحدة العضوية التى تجمعها ، وبما يقتضيه تحقيق الاتساق والتكامل بينها ، أنه فى مجال حق العمل والتأمين الاجتماعى ، كفل الدستور أمرين ، أولهما أن العمل ليس ترفاً ولا هو منحة من الدولة تبسطها أو تقبضها تحكماً أو إعناتاً ، ذلك أن الفقرة الأولى من المادة ١٣ من الدستور نظمته بوصفه حقاً لكل مواطن ، وواجباً يلتزم بأدائه ، وشرفاً يرنو إليه ، وهو باعتباره كذلك ولأهميته فى تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها توليه الدولة تقديرها ، إذا امتاز العامل فى النهوض بتبعاته . أما فقرتها الثانية فتؤكد أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائماً على الاختيار الحر ، فلا يحمل عليه المواطن حملاً إلا أن يكون ذلك وفق قانون وبوصفه تدبيراً استثنائياً لأداء خدمة عامة وبمقابل عادل . وهى شروط تطلبها الدستور فى العمل الإلزامى ، وألزم المشرع بمراعاتها مقيداً سلطته فى مجال تنظيمه حتى لا يتحول العمل إلى نوع من السخرة المجافية فى مضمونها للحق فى العمل بوصفه شرفاً والمناقضة للمادة ١٣ من الدستور بفقرتيها إذ كان ذلك ، وكان الأجر العادل مشروطاً بالفقرة الثانية من المادة ١٣ آنفة البيان ، لأداء العمل الذى تقتضيه الدولة قسراً من مواطنيها نزولاً على دواعى الخدمة العامة ووفاء بمتطلباتها ، فإن الوفاء بهذا الأجر يكون بالضرورة التزاماً أحق بالحماية الدستورية كلما كان مقابلاً لعمل تم أداؤه فى إطار رابطة عقدية أو فى نطاق علاقة تنظيمية ارتبط طرفاها بها وتقرر أجر العامل من خلالها ، وذلك انطلاقاً من ضرورة التمكين للقيم الأصيلة الخلقية والاجتماعية التى يلتزم المجتمع بالتحلى بها والعمل فى سبيلها على ما تنص عليه المادة ١٢ من الدستور ، ونزولاً على حقيقة أن الأجر وفرص العمل وربطهما معاً بالإنتاجية تمثل جميعها ملامح أساسية لخطة التنمية الشاملة التى تنظم اقتصاد الدولة والتى تتوخى زيادة الدخل القومى وضمان عدالة توزيعه وفقاً لحكم المادة ٢٣ من الدستور ، ثانيهما إن الدستور إذ عهد فى المادة ١٢٣ منه إلى المشرع تنظيم قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التى تتقرر على خزانة الدولة وحالات الاستثناء منها ، والجهات التى تتولى تطبيقها ، فإن هذا التنظيم التشريعى يكون مجانباً أحكام الدستور منافياً لمقاصده إذا تعرض للحقوق التى يتناولها بما يؤدى إلى إهدارها أو إفراغها من مضمونها ، ذلك أن الحق فى المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه – ينهض التزاماً على الجهة التى تقرر عليها . وتدل قوانين التأمين الاجتماعى المتعاقبة على أن المعاش الذى تتوافر شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه ببلوغه سن التقاعد المنصوص عليه بنظام التوظف المعامل به إنما يعتبر التزاماً مترتباً بنص القانون فى ذمة الجهة المدينة . وإذا كان الدستور قد خطا خطوة أبعد فى اتجاه دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة فى المادة ١٧ منه ، تقرير معاش يواجه به المواطنون بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون ، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى – التى يحدد المشرع نطاقها – هى التى تفرض بمداها واقعاً أفضل يؤمن المواطن فى غده ، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع وفقاً لنص المادة ٧ من الدستور . وحيث إن الثابت من الأوراق ، إن المدعين بعد انتهاء خدمتهم بالقوات المسلحة التى استحقوا عنها معاش التقاعد العسكرى ، وفقاً للقوانين المنظمة له ، قد عينوا بإحدى الجمعيات التعاونية الاستهلاكية واستمروا يجمعون بين معاشاتهم هذه ورواتبهم عن عملهم فى الجمعية حتى فبراير سنة ١٩٦٥ ، إلى أن تقرر حرمانهم من هذا المعاش ، فأقاموا الدعوى الموضوعية لاقتضائه ، وإذ نظم القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ بعض أوضاع العاملين فى هذه الجمعيات ، وكان مؤدى نص المادة الثالثة من هذا القانون أن يسرى الحظر الذى تقرر بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ – واعتباراً من تاريخ نفاذه – على العاملين بالجمعيات التعاونية التى تملكها الدولة أو تساهم فيها ، وكان هذا الحظر ينطوى على إهدار حقهم فى المعاش المقرر لهم قبل عملهم بتلك الجمعية ، وكان قيام الحق فى معاشاتهم تلك منفصلاً عن الحق فى رواتبهم التى استحقوها بعد التعيين فيها مرده إن هذين الحقين يختلفان مصدراً وسبباً ، ذلك أنه بينما يعتبر نص القانون مصدراً مباشراً للحق فى معاشاتهم ، فإن رابطة العمل التعاقدية هى المصدر المباشر للحق فى مرتباتهم ، ومن جهة أخرى يعتبر المعاش مستحقاً عن مدد خدمتهم السابقة بالقوات المسلحة وفقاً للقواعد التى قررها المشرع فى هذا الصدد ، وذلك خلافاً للحق فى رواتبهم إذ يقوم مقابلاً لعمل قاموا بأدائه للجمعية المشار إليها بعد إحالتهم إلى التقاعد ، والعدوان التشريعى على أحد هذين الحقين لا يعدو أن يكون إنكاراً لوجوده وحرماناً لهم من الحق فى اقتضائه جبراً عند المنازعة فيه بعد أن أصبح ديناً فى ذمة الجهة الملتزمة بأدائه . وليس ذلك إلا إهداراً للحق فى الملكية الخاصة الذى كفل الدستور أصله ، وأحاطه – فى المادة ٣٤ منه – بالحماية اللازمة لصونه ، تلك الحماية التى جرى قضاء هذه المحكمة على انصرافها إلى الحقوق العينية والشخصية على السواء ، وعلى اتساعها بالتالى للأموال بوجه عام ، وذلك انطلاقاً من ان الملكية الخاصة فضلاً عن كونها من مصادر الثروة القومية التى يتعين تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى ، فإنها تعد ثمرة مباشرة لنشاط الفرد ونتاجاً لعمله فى الأغلب من الأحوال ، وحافزه دوماً إلى التطور والتقدم ، وبالبناء على ما تقدم تكون الرجعية التى تضمنها النص المطعون عليه مناقضة فى محتواها الموضوعى للمادة ٣٤ من الدستور ، ويتعين – من ثم – الحكم بعدم دستوريتها . وحيث إنه لا محاجة للقول بأن الرجعية التى أجازها الدستور – فى غير المواد الجنائية – تفترض لزوماً أو على الأقل فى أغلب الأحوال وأعمها المساس بالحقوق المكتسبة ، ويندرج تحتها الحق فى المعاش محل النزاع الراهن ، ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على التمتع بالحقوق التى كفل الدستور أصلها لا يجوز أن يصل مداها إلى حد إهدارها كلية أو تقليصها ، ولا تعدو سلطته فى نطاقها مجرد تنظيمها وفق أسس موضوعية لا تؤثر فى جوهرها ، فإذا جاوز المشرع نطاق سلطته فى مجال تنظيم الحقوق التى أحاطها الدستور بالحماية ، وقع التشريع الصادر عنه فى حومة المخالفة الدستورية سواء عمل به بأثر مباشر أو بأثر رجعى . وحيث إن المادة الثانية من القانون المطعون عليه تقضى بالتجاوز عن استرداد ما سبق صرفه من معاشات بالمخالفة لأحكامه ، وإذ كان ترخص الدولة فى النزول من جانبها عما صرفته منها لبعض العاملين بالمنشآت والجمعيات التعاونية التى تملكها او تساهم فيها ، يفترض عدم استحقاقهم أصلاً لها خلال الفترة التى امتد إليها الأثر الرجعى لنص المادة الثالثة المطعون عليها ، فإن سقوط هذا الأثر الرجعى فى محتواه الموضوعى لعدم دستوريته – على ما سلف بيانه – يستلزم الحكم بسقوط المادة الثانية وذلك لارتباطهما معاً ارتباطاً لا يقبل التجزئة إذ لا يتصور قيام المادة الثانية منفصلة عن الأثر الرجعى للحظر الذى حال دون حصول المدعين خلال فترة عملهم بالجمعية على معاشاتهم المستحقة قبل التعيين فيها . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الثالثة من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٧٠ وذلك فيما نصت عليه ” ويعمل به من تاريخ العمل بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٢ المشار إليه ” وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى