حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٦ لسنة ١٢ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٦ لسنة ١٢ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٥ أكتوبر سنة ١٩٩٦الموافق ٢٢ جمادى الأولى سنة ١٤١٧ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور / محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبدالحميد خلاف وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور / عبد المجيد فياض
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٢٦ لسنة ١٢ قضائية دستورية
المقامة من
السيد / سعد محمد أحمد
السيدة / نادية نور الدين عبد السلام مصطفى
ضد
١. السيد / رئيس مجلس الوزراء
٢. السيد / وزير العدل
٣. السيد المستشار / النائب العام
الإجراءات
بتاريخ ٢٩ من إبريل سنة ١٩٩٠، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة (٢٠٨) مكرراً (أ) من قانون
الإجراءات
الجنائية .
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن هيئة الرقابة الإدارية ، كانت قد أبلغت النيابة العامة ما ورد إليها من معلومات عن قيام المدعى الأول – إبان شغله لمناصبه السابقة وهى : وزير القوى العاملة ، رئيس الاتحاد العام لعمال نقابات مصر، رئيس النقابة العامة للصناعات الغذائية ، رئيس مجلس إدارة المؤسسة النقابية العمالية – بالتواطؤ مع بعض معاونيه بتلك الجهات، بإسناد مشروعات باهظة التكاليف إلى مكاتب وشركات غير متخصصة ، تربطه بأصحابها والمسئولين عنها صلة القربى أو الصداقة الوطيدة ، وذلك بالأمر المباشر أو فى مناقصة صورية أو بأسعار مغالى فيها، مقابل حصوله منهم على منافع مالية ، مما أضر بالمال العام وإذ أصدر النائب العام – وأثناء تحقيق النيابة العامة مع المدعى الأول فيما هو منسوب إليه من اتهامات – الأمر رقم ٤ لسنة ١٩٨٨ بتاريخ ٧ يونيو سنة ١٩٨٨ – إعمالاً للمادة (٢٠٨) مكرراً (أ) من قانون
الإجراءات
الجنائية – بمنع كل من سعد محمد أحمد، ووجدى محمد أحمد من التصرف فى أموالهما العقارية والمنقولة وإدارتها، وسريان هذا المنع على الأموال العقارية والمنقولة التى يمتلكها زوجتاهما وأولادهما القصر – عدا الراتب أو المعاش الحكومى – وتكليف إدارة أمناء الاستثمار بالبنك الأهلى بإدارة هذه الأموال، فقد تظلم المدعيان من هذا الأمر أمام محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية – دائرة الجنح المستأنفة من عقدة فى غرفة المشورة – وطلبا الحكم بإلغائه وأثناء نظر تظلمهما، دفعا بعدم دستورية نص المادة (٢٠٨) مكرراً (أ) من قانون
الإجراءات
الجنائية وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية ، فقد صرحت لهما بإقامة دعواهما الدستورية ، فأقاما الدعوى الماثلة
وحيث إن المدعيين ينعيان على نص الفقرة الأولى من المادة (٢٠٨) مكرراً من قانون
الإجراءات
الجنائية، إخلالها بأحكام المواد (٢، ٣٤، ٦٧) من الدستور، تأسيساً على أن ما قرره النص المطعون فيه من جواز منع زوجة المتهم من التصرف فى أموالها أو إدارتها، إنما يناقض ماكفلته الشريعة الإسلامية للزوجة من ذمة مالية تستقل بها عن زوجها. كذلك فإن الأصل فى الملكية الخاصة ، هو صونها من العدوان. فإذا منع المتهم من التصرف فى أمواله أو إدارتها بأمر من النائب العام، كان ذلك بمثابة فرض للحراسة عليها بغير حكم قضائى ، وقد أهدر النص المطعون فيه – فوق هذا – أصل البراءة المفترض فى كل متهم، إذ لم يتطلب سوى وجود دلائل كافية على جدية الاتهام، لإعمال مقتضاه.
وحيث إن المادة (٢٠٨) مكرراً من قانون
الإجراءات
الجنائية تنص على أن:
فقرة أولى : يجوز للنائب العام إذا قامت من التحقيق دلائل كافية على جدية الاتهام فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات وغيرها من الجرائم التى تقع على الأموال المملوكة للحكومة أو الهيئات والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لهما من الأشخاص الاعتبارية العامة ، أن يأمر ضماناً لتنفيذ ما عسى أن يقضى به من الغرامة أو رد المبالغ أو قيمة الأشياء محل الجريمة أو تعويض الجهة المجنى عليها، بمنع المتهم من التصرف فى أمواله أو إدارتها أو غير ذلك من
الإجراءات
التحفظية .
فقرة ثانية : كما يجوز له أن يأمر بتلك
الإجراءات
بالنسبة لأموال زوج المتهم وأولاده القصر ضماناً لما عسى أن يقضى به من رد المبالغ أو قيمة الأشياء محل الجريمة أو تعويض الجهة المجنى عليها مالم يثبت أن هذه الأموال إنما آلت إليهم من غير مال المتهم.
فقرة ثالثة : ويجب على النائب العام عند الأمر بالمنع من الإدارة ، أن يعين لإدارة الأموال وكيلاً، يصدر ببيان قواعد اختياره، وتحديد واجباته قرار من وزير العدل.
وحيث إن البين مما تقدم، أن القيود التى فرضها النص المطعون فيه على أموال بعض المتهمين، سواء فى مجال إدارتهم لها أو تصرفهم فيها، مخولة للنائب العام وحده، إذ هو الذى يأمر بفرضها ضماناً لتحقيق أغراض بذواتها حددها هذا النص حصراً. ولا يصدر النائب العام هذا الأمر، إلا بناء على تحقيق تقوم بمقتضاه دلائل كافية على جدية الاتهام فى الجرائم التى عينها المشرع دون غيرها. بل أن هذه القيود، يجوز أن تمتد من المتهمين إلى أموال زوجاتهم وأولادهم القصر، مالم يقم الدليل على أيلولتها إليهم من غير مال المتهم.
وحيث إن من المقرر – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن الدساتير المصرية جميعها ترد المواطنين جميعاً إلى قاعدة واحدة ، تقيم مساواتهم أمام القانون، باعتبارها مناطاً للعدل، وجوهر الحرية ، ومفترضاً للسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الأغراض التى تتوخاها، تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم، فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها هدماً لمحتواها أو تقييداً لممارستها. وغدا أمر هذه المساواة متصلاً بضمان الحقوق والحريات جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور، أو التى كفلتها النظم المعمول بها، ضماناً لمصالح لها اعتبارها.
وحيث إن الدستور وإن نص فى مادته الأربعين، على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بذواتها، هى تلك التى يكون التمييز فيها قائماً على أساس من الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، يبلور شيوعها عملاً، ولايشى البتة بإستناده إليها دون غيرها، وإلا جاز التمييز بين المواطنين فيما عداها مما لا يقل عنها خطراً، كتفضيل بعضهم على بعض بناء على مولدهم، أو على قدر ثرواتهم، أو لعصبيتهم القبلية ، أو مراكزهم الاجتماعية ، أو على أساس من ميولهم وآرائهم، أو لغير ذلك من صور التمييز التى تفتقر فى بنيانها إلى أسس موضوعية تسوغها. ولا يتصور بالتالى أن يكون الدستور قد قصد إلى حمايتها، ولا أن تقرها السلطة التشريعية فى مجال تنظيمها للحقوق والحريات على إختلافها، إذ هى تعارضها، ولا تقيمها على ضوء من الحق والعدل.
وحيث إن مبدأ المساواة ، ليس مبدأً تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية ، ولا هو بقاعدة صماء iron rule تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده ؛ وكان دفعها الضرر الأكبر بالضرر الأقل لازماً؛ إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولاهشيماً معبراً عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها إعتدالاً فى مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أوعسفاً. ومن الجائز بالتالى ، أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقاً لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل real and not feigned differencies، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة ، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها، بالأغراض المشروعة التى يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز إنفلاتاً لا تبصر فيه. كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، إذ يعتبر التمييز عندئذ مستنداً إلى وقائع يتعذر أن يُحْمَل عليها، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن أصل البراءة مفترض فى كل متهم، فقد ولد الإنسان حراً، مطهراً من الخطيئة ودنس المعصية ، لم تنزلق قدماه إلى شر، ولم تتصل يده بجورأو بهتان. ويفترض وقد كان سوياً حين ولد حياً، أنه ظل كذلك متجنباً الآثام على تباينها، نائياً عن الرذائل على اختلافها، ملتزماً طريقاً مستقيماً لا يتبدل إعوجاجاً. وهو افتراض لا يجوز أن يهدم توهماً، بل يتعين أن ينقض بدليل مستنبط من عيون الأوراق وبموازين الحق، وعن بصر وبصيرة . ولا يكون ذلك كذلك إلا إذا أدين بحكم انقطع الطريق إلى الطعن فيه، فصار باتاً.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان أصل البراءة يتصل بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، ولا شأن له بطبيعة أو خطورة الجريمة موضوعها، ولا بنوع أو قدر عقوبتها ؛ وكان هذا الأصل كامناً فى كل فرد، كافلاً حمايته سواء فى المراحل المؤثرة السابقة على محاكمته جنائياً، أو أثناءها، وعلى امتداد حلقاتها ؛ وكان النص المطعون فيه قد أجاز فرض قيود على أموال الأشخاص – الذين توافرت من خلال التحقيق معهم دلائل كافية على تورطهم فى إحدى الجرائم التى عينها – تحول دون إدارتهم لها أو تصرفهم فيها – وهى قيود لا سند لها من النصوص الدستورية ذاتها – ممايزاً بذلك بين هؤلاء وغيرهم من المواطنين، بل بينهم وبين غيرهم من المتهمين المدعى ارتكابهم جرائم أخرى غير التى حددها هذا النص ؛ وكان هؤلاء وهؤلاء يضمهم جميعاً مركز قانونى واحد، هو افتراض كونهم أسوياء، لا ينقض الاتهام – عند وجوده، ولا مجرد التحقيق من باب أولى – أصل براءتهم، ولا يفرق بينهم فى الحقوق التى يتمتعون بها. ذلك أن صور التمييز التى تخل بمساواتهم أمام القانون – وإن تعذر حصرها – إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو استبعاد أو تفضيل، يجاوز الحدود المنطقية لتنظيم الحقوق والحريات التى كفلها الدستور والقانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو من خلال تقييد آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان مناط فرض القيود التى تضمنها النص المطعون فيه، لا يرتبط حتى بصدور إتهام محدد فى شأن شخص بعينه، بل مبناها قيام دلائل كافية من التحقيق على رجحان اتهامه بإحدى الجرائم التى حددها، وكانت هذه الدلائل لاتلتبس بقوة الأمر المقضى ، ولا تأخذ مجراه فى شأن هؤلاء المتهمين، ولا تعتبر بالتالى حكماً لا رجوع فيه يدينهم عنها، فإن التمييز بينهم وبين غيرهم – وعلى غير سند من الدستور – وأصل البراءة يجمعهم – يكون منافياً حكم العقل Unreasonable ظاهر التحكم palpably arbitrary، ومخالفاً بالتالى لحكم المادة (٤٠) من الدستور.
وحيث إن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيداً لإسهامها فى صون الأمن الاجتماعى – كفل حمايتها لكل فرد – وطنياً كان أم أجنبياً – ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة – فى الأعم من الأحوال – إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، مُعبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً فى كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته فى شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تُعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يُغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية .ودون ذلك تفقد الملكية ضمانتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها أدخل إلى مصادرتها.
وحيث إنه من المقرر كذلك، أن حق الملكية من الحقوق التى يجوز التعامل فيها، وبقدر اتساع قاعدتها تتعدد روافدها، وتتنوع استخداماتها، لتشكل نهراً يتدفق بمصادر الثروة القومية التى لا يجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديداً لقيمتها، ولا تنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها، وضرورة تقييدها نأياً بها عن الانتهاز أو الإضرار بحقوق الآخرين. ذلك أن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى ، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها. ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين، فى بيئه بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها. وفى إطار هذه الدائرة، وتقيداً بتخومها، يفاضل المشرع بين البدائل، ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية وفقاً لأحكام الدستور، مستهدياً فى ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة .
وينبغى من ثم، أن يكون لحق الملكية إطار محدد، تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر، ذلك أن الملكية خلافة ، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية ، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب إلتزامها، لأن العدوان عليها، يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها.
وحيث إن القيود التى فرضها النص المطعون فيه على أموال المخاطبين بأحكامه، ليس مدخلها الاتفاق، بل مصدرها نص القانون. وهى بعد لا تقتصر على حرمانهم من إدارة أموالهم بل تتعداها إلى منعهم من التعامل فيها، وتمتد منهم إلى أولادهم القصر وزوجاتهم بالشروط التى بينها وفى كل ذلك تنال هذه القيود من ملكيتهم، وتقوض أهم خصائصها لتكون – فى مضمونها وأثرها – صورة من صور الحراسة يفرضها المشرع عليها – بعيداً عن صدور حكم قضائى بها – بالمخالفة لنص المادة (٣٤) من الدستور التى تقضى بأن الملكية الخاصة مصونة ، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا بحكم قضائى . ذلك أن ما توخاه الدستور بنص المادة (٣٤)، هو أن تكون الملكية لأصحابها يباشرون عليها كل الحقوق المتفرعة عنها، لتظل أيديهم متصلة بها، لا تغل عنها، ولاتُرَد عن حفظها وإدارتها، بل يحيط أصحابها بها، وبأشكال من التعامل يقدورن ملاءمة الدخول فيها. وإذا جاز استثناء أن تفرض قيود على الأموال موضوعها، فلايكون ذلك إلا بنص خاص، وعند الضرورة ، وفى أحوال بذواتها، من بينها أن يكون فرض هذه القيود فى شأن بعض الأموال، متصلاً بوظيفتها الاجتماعية ، أو لقيام مخاطر فى شأنها تختلف فيما بينها فى درجتها وحدتها. ومن ثم كان تقييمها عملاً قضائياً، وكان دفعها كذلك لازماً. وعلى الأخص من خلال تعيين محكمة الموضوع لأمين عليها يتولى حفظها وإدارتها صوناً وإنماء لها.
ويتعين بالتالى أن تتناول الحراسة – ومن خلال الخصومة القضائية وإجراءاتها – أشياء يتهددها خطر عاجل توقياً لضياعها أو تلفها أو تبديد ريعها، لتكون وديعة عند الأمين عليها يبذل فى شأن رعايتها العناية التى يبذلها الشخص المعتاد، ثم يردها – مع غلتها المقبوضة – إلى ذويها بعد استيفاء الحراسة لأغراضها. بما مؤداه: أن الحراسة – بالنظر إلى طبيعتها ومداها – لا تعدو أن تكون إجراء تحفظياً لا تنفيذياً، وأن الخطر العاجل الذى يقتضيها يعتبر شرطاً موضوعياً متطلباً لفرضها، وأن صفتها الوقتية تحول دون استمرارها بعد زوال مبرراتها، وأن الحكم بها لا يمس أصل الحقوق المتنازع عليها، ولا يعتبر قضاء بإثباتها أو نفيها، وأن توقيعها يخول الحارس انتزاع الأموال محلها من حائزها وتسليمها مع توابعها – ولو لم ينص الحكم عليها – ليباشر فى شأنها – لا مجرد الأعمال التحفظية بل كل الأعمال التى تلائم طبيعتها وظروفها، وتقتضيها المحافظة عليها وإدارتها بما فى ذلك رد المخاطر عنها وتوقيها قبل وقوعها.
وحيث إن الحراسة – على ضوء مقاصد الدستور، وبمراعاة ماتقدم – تعتبر تسلطاً على الأموال المشمولة بها فى مجال صونها وإدارتها فلا يكفى لفرضها مجرد أمر على عريضة يصدر فى غيبة الخصوم، بل يكون توقيعها فصلاً فى خصومة قضائية تقام وفقاً لإجراءاتها المعتادة ، وتباشر علانية فى مواجهة الخصوم جميعهم، وعلى ضوء ضماناتها القانونية التى تتكافأ معها مراكزهم وأسلحتهم، لتكون خاتمها – إذا توافر الدليل على قيام الخطر العاجل فى شأن أموال بذاتها – تعيين حارس قضائى عليها، يكون نائباً عن أصحابها، يباشر سلطته عليها فى الحدود التى يبينها الحكم الصادر بفرضها، فلا يجاوزها أياً كان نطاقها، وهو مايعنى أن تدخل القاضى لايكون إلالضرورة ، وبقدرها، وأن فرض قيود على بعض الأموال عن طريق حراستها، لايكون إلا من خلال الخصومة القضائية فصلاً فى جوانبها، وإلا كان تحميل المال بها – فى غيبتها – عملاً مخالفاً لنص المادة (٣٤) من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الأوامر التى يصدرها النائب العام فى شأن أموال المخاطبين بالنص المطعون فيه، وإن جاز التظلم منها إلى جهة قضائية عملاً بنص المادة (٢٠٨) مكرراً (ب) من قانون
الإجراءات
الجنائية ، إلا الآثار التى ترتبها تظل نافذة ، ما بقيت قائمة ، لتمثل عدواناً على الملكية مستنداً إلى نص القانون، وإلى مجرد دلائل من التحقيق يرجح معها الاتهام، وهى بعد دلائل يستقل النائب العام بتقييمها، وليس لها قوة اليقين القضائى .
وحيث إنه متى كان ماتقدم، فإن النص المطعون عليه يكون مخالفاً للمواد (٣٢، ٣٤، ٤٠) من الدستور.
وحيث إن الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (٢٠٨) مكرراً (أ) من قانون
الإجراءات
الجنائية وكذلك المادة (٢٠٨) مكرراً (ب) من هذا القانون ترتبط جميعها بالنص المطعون فيه ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، ولا يتصور إعمالها إلا بوجوده، فإنها تسقط تبعاً للحكم بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (٢٠٨) مكرراً (أ) من قانون
الإجراءات
الجنائية الصادر بالقانون رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠، وبسقوط فقرتيها الثانية والثالثة وكذلك المادة (٢٠٨) مكرراً (ب) من هذا القانون، وألزمت الحكومة المصروفات ومائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .