حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٤ لسنة ٢١ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٤ لسنة ٢١ دستورية
تاريخ النشر : ١٤ – ٠٦ – ٢٠٠١

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٦) من القانون رقم ٥١ لسنة ١٩٨١ بشأن تنظيم المنشآت الطبية.

الحكم

برئاسة محمد ولي الدين جلال رئيس المحكمة و عضوية عبد الرحمن نصير و عبد المجيد فياض و ماهر البحيري و محمد علي سيف الدين و عدلي محمود منصور و علي عوض محمد صالح ومحمد خيري طه عبد المطلب النجار رئيس هيئة المفوضين وناصر امام محمد حسن أمين السر .

– – – ١ – – –
الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص القانونية علي ما جري به قضاؤها مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين مالم يكن هذا التعارض منطويا – بذاته – علي مخالفة دستورية .

– – – ٢ – – –
من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا ان الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقا مطلقا ولا هي عصية علي التنظيم التشريعي وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ولا تفرض نفسها تحكما بل تمليها طبيعة الأموال محل المالكية والأغراض التي ينبغي رصدها عليها علي ضوء واقع اجتماعي معين في بيئة بذاتها لها توجيهاتها ومقوماتها وفي غطار هذه الدائرة وتقيدا بتخومها يفاضل المشرع بين البدائل ويرجع علي ضوء الموازنة الاتي يجريها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية وأولي يالرعاية وفقا لأحكام الدستور مستهديا في ذلك بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها وبمراعاة ان القيود التي يفرضها الدستور علي حق الملكية للحد من إطلاقها تعتبر مقصودة لذاتها بل غايتها خير الفربد والجماعة ويتفق ذلك مع الشريعة الغسلامية التي تقرر مبادؤها الكلية وأصولها الثابتة أن لولي الأمر أن يعمل علي دفع الضرر قدر الإمكان فإذا تزاحم ضرران كان تحمل اهونهما لازما اتقاء لأعظمهما ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام وينبغي من ثم أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر ذلك أن الملكية خلافة وهي باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التي تعكس بالقيود الاتي تفرضها الحدود المشروعة لممارسة مكانتها وهي حدود يجب إلتزامها لان العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التي كفلها الدستور لها .

– – – ٣ – – –
البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الصحية والبيئية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب بشأن مشروع القانون رقم ٥١ لسنة ١٩٨١ المشار إليه أن المستشفيات العلاجية – سواء كانت عيادات خاصة أو عيادات مجمعة أو دور نقاهة – تؤدي دورا هاما في تقديم الخدمة العلاجية للمواطنين مما جعل توسعها ومراقبتها وترشيد تكلفتها لازما لضمان وفاء مهنة الطب برسالتها السامية وكان المشرع علي ضوء هذه الأغراض واستلهاما لها قدر أن الوفاء بتلك الخدمة يقتضي ان تتواصل مباشرتها في الاعيان المؤجرة المتخذة مقارا لمزاولتها وإن تعددت يد القائمين عليها من أطباء أو أطباء أسنان متي ككان ذلك فإن تأجير الطبيب جزءا من العين الموجرة مقرا لعيادته الخاصة لواحد أو أكثر من هؤلاء وبترخيص مستقل لكل منهم لا يناقض في ذاته حق الملكية ولا يمس الحماية المقررة لها سيما وأنه يتم لقاء زيادة فرضها المشرع لمصلحة مالكي الأعيان المؤجرة بقصد استعمالها في هذا الغرض بل هو أدخل إلي تنظيم الملكية في إطار وظيفتها الاجتماعية .

– – – ٤ – – –
اطرد قضاء المحكمة الدستورية العليا علي أن مبدأ المساواة امام القانون وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها – مؤداه أنه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية ان تباشر اختصاصاتها التشريعية التي ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التي كفلها للحقوق جميعها سواء في ذلك تلك التي نص عليها أو التي حددها القانون وبمراعاة أن الحماية المتكافئة امام القانون التي اعتد الدستور بها لا تتناول القانون من مفهوم مجرد وإنما بالنظر إلي ان القانون تعبير عن سياسة محددة أنشاتها أوضاع لها مشكلاتها وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذاتها من خلال الوسائل التي حددها وكلما كان القانون مغايرا بين الأوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعا فيما بينها وكان تقديره في ذلك قائما علي أسس موضوعية مستهدفا غايات لانزاع في مشروعيتها وكافلا وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاور متطلبات تلك الغايات كان واقعا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع ولو تضمن تمييزا ولا ينال من مشروعيته الدستوريةأن تكون المساواة التي توخاها وسعي إليها بعيدة حسابيا عن الكمال لما كان ذلك وكان المشرع قد قصد بالنص الطعين تمكين المستشفيات والمراكز العلاجية من القيام بدورها في تقديم الخدمة العلاجية للمواطنين والتوسع فيها بقدر الامكان وبالتالي ترشيد تكلفة تلك الخدمة الحيوية بما يمكن من الوفاء بالرسالة السامية لمهنة الطب وهو ما يقتضي تواصل تلك الخدمة واستمرارها وتتنمية مقارها ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا يكون متبنيا تمييزا تحكميا منهيا عنه من زاوية دستورية .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية الرابعة كانت قد أقامت ضد المدعى عليهم الخامس والسادس والسابع الدعوى رقم ٨٤١ لسنة ١٩٩٨ مدنى، أمام محكمة بورسعيد الابتدائية، ابتغاء القضاء بإخلائهم من العين المبينة بالأوراق، والمؤجرة لأولهم بغرض استعمالها عيادة طبية، قولاً منها بأنه قام بتأجير هذه العين إلى المدعى عليهما السادس والسابع دون الحصول على موافقة كتابية من المالك، الأمر الذى يخول المؤجر إخلاءهم منها؛ وتدخلت باقى المدعيات خصوماً فى تلك الدعوى منضمات إلى المدعية الرابعة فى طلباتها، وقدمن جميعاً مذكرة دفعن فيها بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٦) من القانون رقم ٥١ لسنة ١٩٨١ بتنظيم المنشآت الطبية، وبعد تقديرها جدية الدفع صرحت محكمة الموضوع لهن برفع الدعوى الدستورية، فأقمن الدعوى الماثلة . وحيث إن النص الطعين، يجرى على النحو التالى : ” ويجوز لمن يستأجر عيادة خاصة أن يؤجر جزءاً منها لطبيب أو لأكثر للعمل معه فى نفس المقر وبترخيص مستقل لكل منهم وبموجب عقد تودع نسخة منه النقابة الفرعية المختصة، وفى هذه الحالة يكون المستأجر الأصلى ملزماً بدفع زيادة قدرها ٧٠% من القيمة الإيجارية للمالك ” . وحيث إن المدعيات ينعين على هذا النص مخالفته مبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور، تأسيساً على أنه غلَّ يد المالك عن طلب إخلاء المستأجر الطبيب من العين المؤجرة له لاستعمالها كعيادة طبية، إذا قام بتأجيرها من الباطن دون موافقة المالك، فى حين أن ذلك مكفول قانوناً لغيره من الملاك إذا كانت العين مؤجرة لغرض آخر، وكذلك مساسه بالملكية التى صانها الدستور بنص المادتين ٣٢ و ٣٤ منه، باعتبار أن حظر المشرع إخلاء المستأجر الطبيب من العين فى هذه الحالة، يعد تدخلاً فى استثمار مالكها لها؛ وانتقاصاً من حق الاستغلال المخول له قانوناً؛ هذا فضلاً عن مخالفته نص المادتين ٥٥٨، ٨٠٢ من القانون المدنى، بنقله ذلك الحق من المالك إلى المستأجر؛ فبات أقرب إلى نزع الملكية . وحيث إن هذا النعى فى وجهه الأخير مردود بأن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية، على ماجرى به قضاؤها، مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور؛ ولاشأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقاً بين قانونين مختلفين، مالم يكن هذا التعارض منطوياً – بذاته – على مخالفة دستورية . وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة، أن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقاً مطلقاً؛ ولاهى عصية على التنظيم التشريعى، وليس لها من الحماية مايجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لايتحدد نطاقها من فراغ، ولاتفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، على ضوء واقع اجتماعى معين فى بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها . وفى إطار هذه الدائرة، وتقيداً بتخومها؛ يفاضل المشرع بين البدائل، ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها، مايراه من المصالح أجدر بالحماية وأولى بالرعاية، وفقاً لأحكام الدستور، مستهدياً فى ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لاتعتبر مقصودة لذاتها؛ بل غايتها خير الفرد والجماعة؛ ويتفق ذلك مع الشريعة الإسلامية التى تقرر مبادؤها الكلية وأصولها الثابتة أن لولى الأمر أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان . فإذا تزاحم ضرران، كان تحمل أهونهما لازماً اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام . وينبغى من ثم أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولاتتنافر، ذلك أن الملكية خلافة، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس بالقيود التى تفرضها، الحدود المشروعة لممارسة مكناتها؛ وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها . وحيث إن البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الصحية والبيئية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب بشأن مشروع القانون رقم ٥١ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، أن المستشفيات العلاجية – سواء كانت عيادات خاصة أو عيادات مجمعة أو دور نقاهة – تؤدى دوراً هاماً فى تقديم الخدمة العلاجية للمواطنين، مماجعل توسعتها، ومراقبتها وترشيد تكلفتها، لازماً لضمان وفاء مهنة الطب برسالتها السامية؛ وكان المشرع على ضوء هذه الأغراض، واستلهاماً لها، قدر أن الوفاء بتلك الخدمة، يقتضى أن تتواصل مباشرتها فى الأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولتها وإن تعددت يد القائمين عليها من أطباء أو أطباء أسنان؛ متى كان ذلك فإن تأجير الطبيب جزءاً من العين المؤجرة المتخذة مقراً لعيادته الخاصة، لواحد أو أكثر من هؤلاء، وبترخيص مستقل لكل منهم، لايناقض فى ذاته حق الملكية، ولايمس الحماية المقررة لها، سيما وأنه يتم لقاء زيادة فرضها المشرع لمصلحة مالكى الأعيان المؤجرة بقصد استعمالها فى هذا الغرض؛ بل هو أدخل إلى تنظيم الملكية فى إطار وظيفتها الاجتماعية . وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطرد على أن مبدأ المساواة أمام القانون – وبقدر تعلقه بالحدود التى تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها – مؤداه أنه لا يجوز لأى من السلطتين التشريعية أو التنفيذية، أن تباشر اختصاصاتها التشريعية التى ناطها الدستور بها بمايخل بالحماية المتكافئة التى كفلها للحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها أو التى حددها القانون؛ وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التى اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشاتها أوضاع لها مشكلاتها؛ وأنه تغيا بالنصوص التى تضمنها تحقيق أغراض بذاتها من خلال الوسائل التى حددها، وكلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائماً على أسس موضوعية، مستهدفاً غايات لا نزاع فى مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لايجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعاً فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع ولوتضمن تمييزاً، ولاينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التى توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابياً عن الكمال . لما كان ذلك؛ وكان المشرع، قد قصد بالنص الطعين تمكين المستشفيات والمراكز العلاجية من القيام بدورها فى تقديم الخدمة العلاجية للمواطنين، والتوسع فيها بقدر الإمكان، وبالتالى ترشيد تكلفة تلك الخدمة الحيوية، بما يمكن من الوفاء بالرسالة السامية لمهنة الطب، وهو ما يقتضى تواصل تلك الخدمة واستمرارها، وتنمية مقارها؛ ومن ثم؛ فإن النص المطعون فيه لا يكون متبنياً تمييزاً تحكمياً منهياً عنه من زاوية دستورية، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى .

زر الذهاب إلى الأعلى