حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٣ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٣ لسنة ١٥ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٥ فبراير سنة ١٩٩٤الموافق ٢٤ شعبان سنة ١٤١٤هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم ابو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف ومحمد علي سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء
وحضور السيد المستشار نجيب جمال الدين علما المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٢٣لسنة ١٥ قضائية دستورية
المقامة من
الأستاذ / فوزى محمد حشمت المحامي
ضد
السيد / رئيس الجمهورية
السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء
الإجراءات
بتاريخ ٢٧ يونيه ١٩٩٣ أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا
، طالبا الحكم أولا : بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بعدم دستورية نص المادتين ٧٦ ، ٧٧ من الدستور لتعارضهما مع أحكام بابه الثالث الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة وخاصة المادتين ٤٠ ، ٦٢ منه ، وما يترتب على ذلك من آثار من حيث إلغاء هذين النصين أو تفسيرهما بما يتفق وحكم الدستور .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها .
وبعد تحضير الدعوي أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوي علي الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع علي الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع على مايبين من صحيفة الدعوى وسائرالأوراق تتحصل فى أن المدعي اقامها بوصفها دعوى أصلية طالباَ أصلياً الحكم بعدم دستورية المادتين ٧٦ ، ٧٧ من الدستور ، واحتياطياً تفسير هاتين المادتين بما يتفق وأحكام الدستور ، وقال شرحاً لها أن الرقابة علي دستورية القوانين في مصر مرت بمراحل متعدده بلغت نهاية مطافها بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ بإصدار قانون
المحكمة الدستورية العليا
، وأنه وإن كانت المادة ٢٩ من هذا القانون قد خولت هذه المحكمة مباشرة رقابتها على دستورية القوانين واللوائح من خلال الدفع الفرعي ، إلا أن نصوص الدستور لا تحول دون نظر الدعوي الأصلية بعدم الدستورية باعتبار أن من كان مختصاً بالفرع يكون كذلك مختصاً بالأصل. هذا بالإضافة إلى أنه من غير المنطقى أن يؤول إلي
المحكمة الدستورية العليا
أمر الرقابة التى كانت للمحاكم علي اختلافها مع حرمانها من مواجهة المسائل الدستورية عن طريق الدعوي الأصلية التي تعتبر المجال الطبيعى لرقابتها ، ولو كان الأمر المعروض عليها متعلقاً بالتعارض بين نصين فى الدستور أو بالتفسير الصحيح لهما، إذ يمتد اختصاص
المحكمة الدستورية العليا
إلى هاتين الحالتين باعتبار أن الدستور يعد قانوناً أساسياً لا يجوز أن تتعارض أحكامه فيما بينها ، ولأن اعمال أحكام الدستور دون تناقض ، أو تفسيرها بما يوفق بينها ، لا يعتبر تعديلاً لها بل توكيداً لمضمونها لضمان احترامها وتجانسها.
وحيث إن المدعي أقام دعواه الأصلية الماثلة بمقولة أن المادتين ٧٦ ، ٧٧ من الدستور تناقضان الأحكام التي تضمنها بابه الثالث الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة وبوجه خاص المادتان ٤٠ ، ٦٢ منه ، ذلك أن اولى المادتين المطعون عليهما تنظم ترشيح السلطة التشريعية لرئيس الجمهورية ، وتورث ثانيتهما هذه الوظيفة باجازتها تولي أعباءها بصفة مؤبدة ، وهو ما يتعارض بوجه خاص ومبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة ٤٠ من الدستور ، ويخل كذلك بما قررته المادة ٦٢ منه من ضمان حق كل مواطن فى الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى في الاستفتاء وفقاً لاحكام القانون .
وحيث إن ما ساقه المدعى مردود أولا بأن الرقابة على الشرعية الدستورية تفترض دستوراً مدونا جامداً تتصدر احكامه القواعد القانونية الأدني مرتبة منها وتعلوها ، ذلك أن الدستور يمثل أصلا وكلما كان مواكبا لتطور النظم الديموقراطيه ، هادفا إلى حماية الحرية الفردية ودعم انطلاقها إلي آفاق مفتوحة تكون بذاتها عاصماً من جموح السلطة أو إنحرافها ضمانة رئيسية لإنفاذ الإرادة الشعبية في توجهها نحو مثلها الأعلى وبوجه خاص فى مجال ارسائها نظاما للحكم لا يقوم على هيمنة السلطة وانفرادها ، بل يعمل على توزيعها فى اطار ديموقراطى بين الأفرع المختلفة التى تباشرها لضمان توازنها وتبادل الرقابة فيما بينها ، وعلى ان يكون بعناصره مستجيباً للتطور، ملتزماً إرادة الجماهير، مقرراً مسئولية القائمين بالعمل العام أمامها ، مبلورا لطاقاتها وملكاتها ، مقيداً بما يحول دون اقتحام الحدود المنطقية لحقوقها الثابته ولحرياتها الأصيلة ، رادعاً بالجزاء كل إخلال بها أو نكول عنها ، وكان الدستور فوق هذا يولي الاعتبار الأول لمصالح الجماعة بما يصون مقوماتها ، ويكفل ان ماء قيمها الاجتماعية والخلقية ، بالغا من خلال ضمانها ما يكون في تقديره محققاً للتكافل بين أفرادها ، نابذاً انغلاقها ، كافلاً الرعاية للحقائق العلمية ، عاملاً علي الارتقاء بالفنون علي تباين ألوانها ، مقيماً حرية الإبداع علي دعائمها ، وكان الدستور بالحقوق التي يقررها ، والقيود التي يفرضها وأيا كان مداها أو نطاقها لا يعمل في فراغ ، ولا ينتظم مجرد قواعد آمرة لا تبديل فيها إلا من خلال تعديلها وفقاً للأوضاع التي ينص عليها ، اذ هو وثيقة تقدمية نابضة بالحياة ، تعمل من أجل تطوير مظاهرها في بيئة بذاتها متخذة من الخضوع للقانون إطاراً لها ، ولا مناص من الرجوع اليها تغليبا لأحكامها التى تتسنم القواعد الآمره ، ولان الشرعية الدستورية فى نظاقها هي التي تكفل ارتكازالسلطة علي الإرادة العامة ، وتقوم اعوجاجها ،ومنها تستمد السلطة فعاليتها ، بما يعزز الأسس التي تنهض بها الجماعة ويرعى تقدمها. متى كان ماتقدم ، وكان من المقرر أنه سواء كان الدستور قد بلغ غاية الآمال المعقودة عليه فى مجال تنظيم العلاقة بين الدولة ومواطنيها ، أم كان قد أغفل بعض جوانبها أو تجنبها ، فإن الدستور يظل دائماً فوق كل هامة ، معتلياً القمة من مدارج التنظيم القانونى باعتبار أن حدوده قيد علي كل قاعدة تدنوه بما يحول دون خروجها عليها،وهو ما عقد للدستورالسيادة كحقيقة مستقر أمرها فى الوجدان والضمير الجمعى ، وهى بعد حقيقة مستعصية على الجدل رددتها ديباجة دستور جمهورية مصر العربية بإعلانها انعقاد عزم الإرادة الشعبية التي منحته لنفسها علي الدفاع عنه وحمايته وضمان احترامه، وليس لأحد بالتالى أن يكون لأحكام الدستور عصياً ، ولا أن يعرض عنها إنكاراً لها .
ومردود – ثانيا – بأن الدستور لا يندرج في مفهوم القوانين التي تباشر
المحكمة الدستورية العليا
الرقابة عليها في نطاق ولايتها المنصوص عليها في صدر المادة ٢٩ من قانونها ، ذلك ان الدستور مظهر الإراده الشعبية ونتاجها في تجمعاتها المختلفة المترامية علي امتداد النطاق الاقليمي للدولة ، ولا يعدو تبنيها للدستور ان يكون توكيدا لعزمها على أن تصوغ الدولة – بمختلف تنظيماتها – تصرفاتها واعما لها وفق أحكامه، باعتباره قاعدة لنظام الحكم فيها ، واطاراً ملزماً لحقوق الجماهير وحرياتها ، عماداً للحياة الدستورية بكل اقطارها ، وهو بذلك ضابط لها يحدد ملامحها ويقيم بنيانها وفق قواعد جامده لايجوز تعديلها باتباع الأوضاع الإجرائية التى تعدل بها القوانين الصادرة من السلطة التشريعية ، بل وفق قواعد شكلية معقده متزمته ، هى تلك المنصوص عليها فى المادة ١٨٩ من الدستور ، بما مؤداه ان النصوص الدستورية تغاير النصوص القانونيه في مصدرها ومرتبتها ،وهي مغايره لازمها ان تكون الاراده الأعلى التي تصدرعنها النصوص الدستورية مُحددة – إملاءً – للقيود التى تعمل السلطتان التشريعية والتنفيذية في اطارها ، ومبلورة لقواعد أمرة هي الأحق بالنزول عليها احتكاماًإليها وامتثالاً لها . وإذ كان الدستور قد أقام كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية مبيناً حدود العلاقة بينهما لتباشر كلا منهما ولايتها وفق القواعد التى ضبطها الدستور بها ، فإن تأسيس هاتين السلطتين علي مقتضي أحكام الدستور ، يفترض انبثاقهما عن قواعده ، ويدل على أن النصوص القانونية التي اقرتها السلطة التشريعية أو اصدرتها السلطة التنفيذية – وأيا كان موضعها أو نطاق تطبيقها أو طبيعة الموضوع الذي تتولاه بالتنظيم – هى فى حقيقة تكييفها ومنزلتها دون القواعد الدستورية اهمية ووزناً ، ذلك أن مشروعيتها الدستورية لا تقاس إلا علي ضوء احكام الدستور ، الشكلية منها والموضوعية . ومن ثم يكون الدستور مرجعا نهائيا لصحتها أو بطلانها .
ومردود – ثالثا – بأن النصوص الدستورية لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها ، ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع احكامها وربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة . ويتعين دوماً أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل ، بل تتجانس معانيها وتتضافر توجهاتها ، ولا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها ، ذلك ان انفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها علي المخاطبين بها ، يفترض العمل بها فى مجموعها ، وشرط ذلك اتساقها وترابطها والنظر إليها باعتبار أن لكل نص منها مضموناً ذاتياً لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها او يسقطها ، بل يقوم إلى جوارها متسانداً معها ، مقيداً بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التي تجمعها .
ومردود – رابعا – بأن الدستور وقانون
المحكمة الدستورية العليا
كلاهما ، إذ قصرا ولاية
المحكمة الدستورية العليا
– في مجال مراقبة الشرعية الدستورية – علي النصوص القانونية دون غيرها سواء فى ذلك تلك التي أقرتها السلطة التشريعية أو التى أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها الدستورية ، فإن قالة إخضاع الدستور لهذه الرقابة ، تكون مجاوزة حدود هذه الولاية ، مقوضة لتخومها .
وحيث إن المدعى توخى بطلبه الاحتياطى أن تفسر
المحكمة الدستورية العليا
نص المادتين ٧٦ ، ٧ ٧ من الدستور بما يزيل ما تصوره من تعارض بينهما وبين أحكامه .
وحيث إن هذا الطلب مردود بأن تفسير
المحكمة الدستورية العليا
للنصوص الدستورية لا يكون إلا من خلال خصومة قضائية تدخل في ولايتها ، وترفع إليها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، وكلما كان إعمال النصوص الدستورية – فى نطاق هذه الخصومة – لازما للفصل فى المسائل التي تثيرها والتي تدعي هذه المحكمة لتقول كلمتها فيها وأكثر ما يقع ذلك فى الدعاوى الدستورية إذ يتحدد موضوعها بالفصل في التعارض المدعي به بين نص تشريعي وقاعدة في الدستور.
متى كان ذلك ، وكان الطلب الاحتياطى المقدم من المدعي لا يطرح على
المحكمة الدستورية العليا
خصومة قضائية مما تقدم ، بل يقوم في مبناه على قالة تصادم بعض النصوص الدستورية وتماحيها بادعاء تعارضها فيما بينها ، فإن هذا الطلب يكون بدوره مجاوزاً ولاية
المحكمة الدستورية العليا
.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل اتعاب المحاماة.