حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٣١ لسنة ٢١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٣١ لسنة ٢١ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الاحد ٩ يونيو سنة ٢٠٠٢ الموافق ٢٨ ربيع الاول سنة ١٤٢٣ هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : أنور رشاد العاصى وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوى وماهر سامى يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه
وحضور السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٢٣١ لسنة ٢١ قضائية دستورية
المقامة من
عبد الجواد عبد السلام حماده
ضد
١ – رئيس مجلس الشعب بصفته
٢ – وزير العدل بصفته
٣ – رئيس مجلس الوزراء بصفته
الإجراءات
بتاريخ الثامن والعشرين من نوفمبر سنة ١٩٩٩, أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة , طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من نص المادة (١٥٢) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ فيما تضمنته من عبارة أو إتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيم هذه الأرض وسقوط نص المادة (١٥٦) من ذات القانون فيما تضمنته من عقوبة بشأن تقسيم الأرض الزراعية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين طلبت فيهما أصلياً:عدم قبول الدعوى واحتياطياً: رفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة وجهت إلى المدعى فى هذه الدعوى تهمتين قُيّدت بهما الجنحة رقم ١٠٤ لسنة ١٩٩٠ قسم كفر الشيخ، التهمة الأولى وصفها أنه أقام بناء على أرض زراعية بدون ترخيص، والتهمة الثانية أنه قام بتقسيم قطعة أرض زراعية بقصد البناء عليها دون تصريح من الجهة المختصة ، وطلبت عقابه بالمادة (١٥٢) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦، ومحكمة أول درجة حكمت بإدانته. طعن المدعى فى هذا الحكم بالاستئناف رقم ٣٢٦٥ لسنة ١٩٩٩ جنح مستأنف كفر الشيخ وأثناء نظر الدعوى دفع بعدم دستورية نص المادة (١٥٢) من القانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ بشأن الزراعة وذلك فيما تضمنته من عبارة أو إتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيم هذه الأرض وبسقوط المادة (١٥٦) من ذات القانون فيما تضمنته من عقوبة بشأن مخالفة الحظر الذى اشتملت عليه عبارة النص الطعين، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (١٥٢) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ – المطعون على عبارة فى الشطر الأخير منها – تنص على أن يحظر إقامة أية مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية أو إتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيم هذه الأرض لإقامة مبان عليها.
وقد تناولت الفقرتان الثانية والثالثة من ذات المادة تحديداً للحالات المستثناة من الحظر المقرر فى الفقرة الأولى بعد صدور ترخيص بذلك من الجهة المختصة . كما تضمنت المادة (١٥٦) من ذات القانون العقوبة المقررة على مخالفة أى حكم من أحكام المادة (١٥٢) سالفة البيان.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة فيها بحكمها الصادر بجلسة ٤ / ٥ / ١٩٩١ فى القضية رقم ٢٣ لسنة ٩ قضائية دستورية .
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى فإنه مردود، ذلك أنه من المقرر أن حجية الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية إنما يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت للجدل فى الخصومة الدستورية وفصلت فيها المحكمة بقضاء قاطع, لما كان ذلك وكانت الفقرة الأولى من المادة (١٥٢) قد انطوت على حظر إتيان فعلين مختلفين، يغاير أحدهما الآخر فى مبناه ومعناه، حيث انصرف الحظر فيما يتعلق بالفعل الأول إلى إقامة أية مبان أو منشآت فى الأراضى الزراعية ، بينما جاء الحظر فى الفعل الثانى على إتخاذ إجراءات فى شأن تقسيم الأراضى الزراعية بقصد إقامة مبان عليها، وكان الحكم الصادر فى الدعوى رقم ٢٣ لسنة ٩ قضائية دستورية قد قضى برفض الدعوى بعد أن حدد نطاقها بما تعلق فى النص الطعين بفعل البناء على أرض زراعية بدون ترخيص والبندين ( ب، ه ) من ذات المادة , حال أن نطاق الدعوى الماثلة قد حدده المدعى بنعيه على النص الطعين فيما تضمنه بشأن الفعل الثانى ، حين حظر إتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيم هذه الأرض ، فإن نطاق الدعويين يكون قد تباين تبايناً، تصير معه حجية الحكم السابق غير مانعة من قبول الدعوى الحالية ، وهو ما يوجب رفض الدفع.
وحيث إن المصلحة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة لنظرها لازماً للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية ، إذ كان ذلك وكان النزاع الموضوعى قد تعلق بتوجيه الاتهام إلى المدعى بارتكابه جريمتين، إحداهما تقسيم أرض زراعية لإقامة مبان عليها، وكانت المسألة الدستورية المثارة تدور حول مدى شرعية ما تضمنه النص الطعين بشأن حظر إتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيم أرض زراعية ، فإن حسم تلك المسألة الدستورية من شأنه أن يؤثر تأثيراً جوهرياً على الفصل فى الطلبات الموضوعية مما تتحقق معه مصلحة شخصية للمدعى فى إقامة دعواه الماثلة .
وحيث إن نعى المدعى قام على أن حظر النص الطعين إتخاذ أى إجراء فى شأن تقسيم الأرض الزراعية ثم فرض عقوبة جنائية على مخالفة ذلك يتعارض مع الشريعة الإسلامية التى اعتبرت القسمة من الأعمال المباحة وبالتالى فإن تأثيم أى إجراء يتخذ فى شأنها دون مبرر وبغير تحديد للركن المادى لتلك الجريمة ينطوى على مخالفة نص المادتين (٢، ٦٦) من الدستور.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن البين من نص المادة (١٥٢) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ أن الفقرة الأولى منها، حظرت ضمن ما حظرته اتخاذ أى إجراء فى شأن تقسيم الأراضى الزراعية لإقامة مبان عليها ، ثم حدد باقى النص أحوال وشروط الاستثناء من هذا الحظر، ومن بعد جاء نص المادة (١٥٦) من ذات القانون مبيناً العقوبة الجنائية المقررة على من يقارف هذا الفعل، بما مؤداه: أن المشرع فى شأن هذا النص، لم يحظر ومن ثم لم يؤثم الفعل المجرد لتقسيم الأراضى وإنما هو حظر وأثم فعل تقسيم الأراضى الزراعية بقصد البناء عليها، واعتبر أى إجراء من إجراءات هذا التقسيم تقسيماً، لما يترتب عليه من إخراج الأراضى الزراعية من دائرة الانتفاع الزراعى بها، وهو فى ذلك كله، قد استهدف – فى حدود سلطته التقديرية فى تنظيم الحقوق – الحد من التعدى على الأراضى الزراعية بما يترتب عليه من اقتطاع أجزاء منها للبناء عليها فتتقلص مساحتها تباعاً، وينتج عن ذلك تدهور أدائها لدورها فى تزويد المواطنين بحاجاتهم الغذائية ، لينعكس ذلك آثاراً سلبية تصيب الاقتصاد القومى فى مجموعه بأضرار بالغة ، إذ كان ذلك وكانت مبادئ الشريعة الإسلامية التى كفل الدستور رد النصوص التشريعية إليها لضمان توافقها معه، توجب درء الضرر عن مجموع الناس، وأجازت لولى الأمر أن يتدخل لتنظيم وترشيد حق الملكية تحقيقاً لمصلحة الجماعة ووفاء باحتياجاتها، وكان المشرع قد إلتزم جميع هذه المبادئ والقواعد فى النص الطعين، وجعل إتخاذ أى إجراء من إجراءات تقسيم الأرض الزراعية هو الركن المادى لهذه الجريمة التى تتكامل أركانها بتوافر الركن المعنوى وهو قصد البناء عليها، فإن النعى على النص الطعين بمخالفته الدستور يكون نعياً غير صحيح، وهو ما يوجب رفض الدعوى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، ومصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات, ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .