حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٢ لسنة ١٢ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٢ لسنة ١٢ دستورية
تاريخ النشر : ٢٠ – ٠١ – ١٩٩٤

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : بشأن رفض دعوى طلب الحكم بعدم دستورية نص المادة ٢٣ / ١ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت أول يناير١٩٩٤ الموافق ١٩ رجب سنة ١٤١٤ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضورالسادة المستشارين : الدكتور / محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور / عبد المجيد فياض ومحمد عبد القادر عبد الله اعضاء
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
:
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٢٢ لسنة ١٢ قضائية دستورية
المقامة من

رفعت زغلول مصطفى
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد / وزير المالية
٤ – السيد / وزير العدل
٥ – السيدة / كريمة سيد أحمد
٦ – ورثة المرحومة / تحية بيومى حسانين وهم:
بدر وسيد وإبتسام وفتحية وعلية عبد السيد عبدالله وابراهيم محمد حمدى
الإجراءات

بتاريخ ١٤ إبريل ١٩٩٠ أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (٢٣ / ١) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١، فيما تضمنه من اعتبار التصرفات التالية للتصرف الأول بالبيع، باطلة ولو كانت مسجلة ، مع إلزام المدعى عليهما الخامس والسادس بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها، الحكم أصلياً: بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليها الخامسة كانت قد اشترت من مورثة المدعى عليهم فى الدعوى الماثلة ، العقار المبين الحدود والمعالم بالأوراق، بموجب عقد البيع الإبتدائى المؤرخ ١٩٧٨ / ٧ / ٢٠، كما قام الورثة أنفسهم – بعد وفاة مورثتهم المذكورة وبوصفهم خلفاً عاماً لها – ببيع العقار ذاته مرة ثانية ، إلى المدعى فى الدعوى الماثلة بموجب عقد البيع المشهر برقم ٦٢٠ لسنة ١٩٨٨توثيق شمال القاهرة بتاريخ ١٩٨٨ / ٢ / ٢٨، مما حمل المشترى الأول على أن يقيم أمام محكمة الزيتون الجزئية الدعوى المقيدة برقم ١٩٣ لسنة ١٩٨٩ التى قضى فيها ببطلان عقد البيع المشهر المشار إليه آنفاً، ومحو التسجيلات الخاصة به وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ ١٩٧٨ / ٧ / ٢٠ وبرفض طلب فسخه، وإذ طعن على هذا الحكم استئنافياً أمام محكمة شمال القاهرة الإبتدائية (مدنى مستأنف شمال القاهرة )، وكان الحاضر عن المدعى فى الدعوى الماثلة ، قد دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من الماده (٢٣) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١، فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعه، فقد أقام الدعوى الراهنة، وحصر فى صحيفتها المسألة الدستورية فى الجملة الأخيرة الواردة فى الفقرة الأولى من المادة (٢٣) المشار إليها ونصها ويبطل كل تصرف بالبيع لا حق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا . وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (٢٣) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص على أن يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور، بذاته أو بالوساطة ، أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها، ويبطل كل تصرف بالبيع لا حق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا.
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المشار إليها أن ما تضمنته من بطلان البيع اللاحق ولو كان مسجلاً، ينطوى على إهدار لأحكام القانون المدنى وقانون التسجيل خاصة بعد أن صار الشهر العقارى الدعامة الأساسية التى يقوم عليها الائتمان. وإهدار إجراءاته التى توخى بها المشرع حماية الملكية الخاصة ، يعتبر إخلالاً بها بالمخالفة للدستور الذى كفل صونها من العدوان بنص المادة (٣٤) منه.
وحيث إن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة ، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أو ردها باعتبارها مترتبة – فى الأصل – على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزه على الإنطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الإنتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية ، تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز التفريط فيها أو إستخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة ، وكانت الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة ، لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى ، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور. متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة .
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان الدستور قد كفل فى مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم فى جوهرها على الاستغلال، وهو يرد إنحرافها كلما كان إستخدامها متعارضاً مع الخير العام للجماعة ، مؤكداً دعمها بشرط قيامها على الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها، مراعيا فى ذلك أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية ، وكان البين من الأحكام التى اختص بها الدستور الملكية الخاصة أن صونها من العدوان رهن بتوافر الشرائط التى تطلبها فيها ويندرج تحتها نأيها عن الإستغلال، وإلتزامها مصالح الجماعة والعمل على تحقيقها ودون مناهضتها بالاتفاق على خلافها، وكان المشرع فى نطاق سلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق، قد سن النص المطعون فيه، مقرراً العمل به من تاريخ نشره، ودالاً بمقتضاه على أن الأسبق إلى شراء وحدة من مالكها – ولو كان ذلك قبل تسجيل عقده وبقاؤها بالتالى من الناحية القانونية على ذمة من ابتاعها منه – هو الأجدر بالحماية ضماناً للثقة المشروعة فى التعامل، فإذا باع مالكها الوحدة ذاتها لغير من تعاقد معه على شرائها أولاً، كان ذلك نوع من التعامل فيها يقوم على التحايل والانتهاز، وهو ما دعا المشرع إلى أن يبطل البيوع اللا حقة لتصرفه الأول فيها باعتبار أن محلها قد غدا من الأموال التى لايجوز التعامل فيها – لا بناء على طبيعتها، ولا لأن بيعها يعتبر منافياً للغرض الذى خصص لها ورصدت عليه – وإنما لأن هذا التعامل يعتبر منهياً عنه بنص فى القانون، وغير مشروع بالتالى .
وحيث إن النص المطعون فيه – فيما تضمنه من قاعدة آمرة ناهية – قد تقرر على ضوء أسس موضوعية بعد أن شاع التعامل فى الوحدة الواحدة أكثر من مرة ، إنحرافاً عن الحق وتمادياً فى الباطل، واستمراء للزور والبهتان، وجلباً للمال الحرام إيثاراً واثراءً، وضماناً لموارد متجدده اهتبالا وانتهابا، وافتئاتاً على الحقوق الثابتة إنكاراً، وسعيا من مالكها لنقض ما تم من جهته عدواناً، فقد كان أمراً محتوماً أن يرده المشرع على أعقابه بإهدار سوء قصده جزاءً وفاقاً، وأن يقرر بالتالى – وزجراً لتلاعبه – بطلان البيوع اللا حقة جميعها – وقوامها الانتهاز والتحايل على ما سلف البيان – بطلاناً مطلقاً لضمان إنعدامها، باعتبار أن العدم لا يصير وجوداً ولو أجيز، ولأن بطلان هذه البيوع مؤداه: أن لكل ذى مصلحة أن يتمسك ببطلانها، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها. ولا يعدو بطلان العقد أن يكون جزاءً على عدم استجماعه لأركانه كاملة مستوفية لشروطها، وهو ما نحاه النص المطعون عليه بناء على اعتبارات موضوعية ، ولحماية مصلحة عامة لايجوز أن تختل، ضماناً لتعامل يتوخى رعاية الحقوق لا إهدارها أو الانتقاص منها، وبثًا للثقة المشروعة التى ينبغى أن يكون محاطاً بها، ملتزماً إطارها، وقمعاً لكل صور الإنحراف التى تفسده المعام لات وتنال منها، ولو كان محل الإلتزام قد أضحى غير مشروع حكماً – لاطبيعة – بناء على نص ناه فى القانون ولا مخالفة فى ذلك كله للدستور ذلك ان النص المطعون فيه قد سرى بأثر مباشر اعتباراً من تاريخ العمل به، وتحدد مجال البطلان – وفقاً لاحكامه – بالعقود اللاحقه التى تم بها بيع الوحده ذاتها لغير من تعاقد مالكها على شرائها منه أولاً، وارتد هذا البطلان إلى قاعدة آمره لا يجوز التحلل منها أو إهدارها باعتبارها أصون للمصالح الاجتماعية والاقتصادية المرتبطه بها وادعى إلى تنحية المصلحة الفردية التى تناقضها، وبوصفها واقعه فى المجال الطبيعى للنظام العام، وهو يتحدد دائرة ومفهوماً، تخوماًٍ ونطاقاً، على ضوء العوامل الاجتماعية والاقتصادية الغالبة فى بيئة بذاتها خلال زمن معين – متى كان ذلك وكان القانون المدنى قد نص فى المادة (١٣٥) منه على أنه إذا كان محل الإلتزام مخالفاً للنظام العام، كان العقد باطلاً، وكان النص المطعون فيه دامغاً لمشروعية المحل فى عقود البيع اللاحقه، مقرراً بطلانها، مجرداً إياها من الآثار المترتبه عليها كأعمال قانونية ، فإن تسجيلها يكون معدوم الأثر لوروده على غير محل، ذلك أن العقد الباطل من عدم وجوداً من الناحية القانونية ، وهو إنعدام لاتتعدد مراتبه أو يتدرج، بل هو درجة واحدة لاتفاوت فيها، وبه يعود المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها عند التعاقد ما لم يكن ذلك مستحيلاً، فيجوز عندئذ الحكم بتعويض عادل.
وحيث إن المدعى قد قرر – فى تدليلة على مخالفة النص المطعون عليه للدستور – أن الفرض فى العقد الأسبق أنه غير مسجل بما مؤداه: بقاء الوحده محل النزاع بيد مالكها وجواز تصرفه فيها وذلك خلافا للعقد اللاحق إذ هو مسجل. ومن المقرر أن الأسبق إلى تسجيل العقد هو الأحق والأجدر بنقل الملكية إليه، ذلك أن التسجيل – وقد ورد فى شأن أحد العقود المنشئة لحق من الحقوق العينية الأصلية – يفيد لزوماً جواز الاحتجاج بأثره الناقل للملك، سواء فيما بين المتعاقدين أو فى مواجهة الأغيار، وكان ما قرره المدعى على النحو المتقدم مردوداً أولاً بأن المفاضلة بين عقدين تغليباً لأحدهما وترجيحاً لأحد المركزين القانونيين على الآخر، يفترض أن هذين العقدين مستوفيان لأركانهما ولشروط صحتهما، وهو ما تخلف فى تطبيق أحكام النص التشريعى المطعون عليه، ذلك أن عقد البيع اللاحق – وقد اعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً بناء على نص ناه فى القانون – قد أضحى من عدماً لا مجال لانفاذه، بما مؤداه: زوال كافة الآثار التى رتبها وعودة الأوضاع إلى حالها قبل إبرامه كلما كان ذلك ممكناً، وذلك خلافاً للعقد الأول إذ لا شبهة فى صحته ونفاذه وترتيبه إلتزاماً شخصياً على البائع بالعمل على اتخاذ
الإجراءات
اللازمة لنقل ملكية المبيع. ومردودا ثانياً بأن تسجيل عقد ما، لا يدل بالضرورة على صحته ونفاذه، ذلك أن العقد المسجل قد يكون صورياً أوباطلاً أو مستحيل التنفيذ أو منفسخاً.
وحيث إنه لا محل كذلك للقول بأن تدخل المحكمة الجنائية يعتبر لازماً لتقرير بطلان عقد البيع اللاحق فى شأن الوحدة ذاتها إعمالاً للنص المطعون فيه الذى اعتبر مالكها متصرفاً فيها بهذا العقد مخاتلة أو تواطؤاً، ومرتكباً بالتالى لجريمة محدد عقوبتها لا محل لذلك، ذلك أن البيع اللاحق أبرم بالمخالفة لقاعدة آمرة تعد بذاتها مصدراً مباشراً لبطلانه، ومجرد إعمالها يعتبر كافياً لإيقاع الجزاء المقترن بها.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من تعارض بين النص المطعون فيه وبين كل من القانون المدنى وقانون تنظيم الشهر العقارى، مردود – وبفرض صحة هذا الإدعاء – بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اختصاصها بالفصل فى المسائل الدستورية مبناه مخالفة نص فى قانون أو لائحة لقاعدة فى الدستور، فلا يمتد لحالات التعارض بين القوانين واللوائح أو بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة .
وحيث إنه لما كان ماتقدم، فإن قالة مخالفة النص المطعون فيه للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ، تكون مفتقرة إلى دعامتها مجردة منها، حرية بالإعراض عنها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور من أوجه أخرى .
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى