حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٢ لسنة ٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٢ لسنة ٨ دستورية
تاريخ النشر : ٢٣ – ٠١ – ١٩٩٢

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣، وذلك فيما تضمنته من سريان العقوبات الانضباطية المقررة بمادته الأولي بأثر رجعي يرتد إلي أول يناير سنة ١٩٦٣.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض ورأفت محمد عبد الواحد امين السر .

– – – ١ – – –
لما كان القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ ، قد نشر فى الجريدة الرسمية فى ١١ مارس سنة ١٩٦٣ ، و عمل به – وفقا لنص المادة الثانية منه ” المطعون عليها ” – بأثر رجعى اعتبارا من أول يناير سنة ١٩٦٣ ، و كان هذا القرار بقانون قد صدر مضيفا إلى القانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ فى شأن شروط الخدمة و الترقية لضباط القوات المسلحة، مادة جديدة برقم ١١٣ مكررا تخول نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، عندما تكون هذه القوات فى خدمة الميدان ، أن يوقع على الضباط الذين يرتكبون إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥ من قانون الأحكام العسكرية العقوبات الإنضباطية التى حددتها ، و يندرج تحتها تنزيل الضابط إلى رتبة ضابط صف أو عسكرى . متى كان ذلك ، و كان القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ المشار إليه قد ألغى بالقرار بقانون رقم ١٨ لسنة ١٩٦٧ ، إلا أن هذا الإلغاء لا يحول بين هذه المحكمة و بين الفصل فى دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ المطعون عليها فى الدعوى الماثلة . ذلك أن أحكام هذا القرار بقانون ، هى التى جرى تطبيقها خلال فترة نفاذها فى حق مورث المدعين ، و ترتبت بمقتضاها أثار قانونية بالنسبة إليه تتمثل فى تجريده من رتبته و إنهاء خدمته ، و هى آثار لم يسقطها القرار بقانون رقم ١٨ لسنة ١٩٦٧ ، إذ عمل به بأثر مباشر اعتباراً من تاريخ نشره فى ٦ يوليه سنة ١٩٦٧ و بالتالى ظل الأثر الرجعى لنص المادة الثانية المطعون عليها قائما ، و ظل باقيا كذلك ما رتبته من آثار العقوبة الانضباطية التى وقعتها السلطة القيادية ، و هى عقوبة نازع مورث المدعين فى مشروعيتها بالنسبة إليه ، بمقولة تعلقها بأفعال لم تكن النصوص القانونية المعمول بها عند إرتكابها تقرر فى شأنها هذه العقوبة المجحفة بما يعدم أساس فرضها . إذ كان ذلك، و كان مناط المصلحة الشخصية و المباشرة فى الدعوى الدستورية – و هى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية و ذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع ، فإن مصلحة المدعين فى الطعن على الأثر الرجعى الذى تضمنته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٣٢ لسنة ١٩٦٣ المشار إليه – و الذى تعلق به المركز القانونى لمورثهم – تكون قائمة .

– – – ٢ – – –
لما كان القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ ، قد نشر فى الجريدة الرسمية فى ١١ مارس سنة ١٩٦٣ ، و عمل به – وفقا لنص المادة الثانية منه ” المطعون عليها ” – بأثر رجعى اعتبارا من أول يناير سنة ١٩٦٣ ، و كان هذا القرار بقانون قد صدر مضيفا إلى القانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ فى شأن شروط الخدمة و الترقية لضباط القوات المسلحة، مادة جديدة برقم ١١٣ مكررا تخول نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، عندما تكون هذه القوات فى خدمة الميدان ، أن يوقع على الضباط الذين يرتكبون إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥ من قانون الأحكام العسكرية العقوبات الإنضباطية التى حددتها ، و يندرج تحتها تنزيل الضابط إلى رتبة ضابط صف أو عسكرى . متى كان ذلك ، و كان القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ المشار إليه قد ألغى بالقرار بقانون رقم ١٨ لسنة ١٩٦٧ ، إلا أن هذا الإلغاء لا يحول بين هذه المحكمة و بين الفصل فى دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ المطعون عليها فى الدعوى الماثلة . ذلك أن أحكام هذا القرار بقانون ، هى التى جرى تطبيقها خلال فترة نفاذها فى حق مورث المدعين ، و ترتبت بمقتضاها أثار قانونية بالنسبة إليه تتمثل فى تجريده من رتبته و إنهاء خدمته ، و هى آثار لم يسقطها القرار بقانون رقم ١٨ لسنة ١٩٦٧ ، إذ عمل به بأثر مباشر اعتباراً من تاريخ نشره فى ٦ يوليه سنة ١٩٦٧ و بالتالى ظل الأثر الرجعى لنص المادة الثانية المطعون عليها قائما ، و ظل باقيا كذلك ما رتبته من آثار العقوبة الانضباطية التى وقعتها السلطة القيادية ، و هى عقوبة نازع مورث المدعين فى مشروعيتها بالنسبة إليه ، بمقولة تعلقها بأفعال لم تكن النصوص القانونية المعمول بها عند إرتكابها تقرر فى شأنها هذه العقوبة المجحفة بما يعدم أساس فرضها . إذ كان ذلك، و كان مناط المصلحة الشخصية و المباشرة فى الدعوى الدستورية – و هى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية و ذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع ، فإن مصلحة المدعين فى الطعن على الأثر الرجعى الذى تضمنته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٣٢ لسنة ١٩٦٣ المشار إليه – و الذى تعلق به المركز القانونى لمورثهم – تكون قائمة .

– – – ٣ – – –
البين من المادة ١١٣ مكررا التى أضافها القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ إلى أحكام القانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ فى شأن شروط الخدمة و الترقية لضباط القوات المسلحة ، إن العقوبات الانضباطية التى قررتها و التى يجوز للقادة توقيعها بغية أحكام سيطرتهم على مرؤوسيهم ، و لتقويم أعوجاجهم عند مخالفتهم القوانين أو الأوامر أو التقاليد العسكرية ، أو خروجهم على موجباتهم و عدم التقيد الصارم بها ، هى فى تكييفها الصحيح جزاء عن جرائم تأديبية قوامها إخلال المرؤسين بواجباتهم التى تمليها قواعد الانضباط و مقتضيات النظام العسكرى . و من ثم تعتبر هذه العقوبات الانضباطية وثيقة الصلة بضمان الطاعة الواعية للأوامر ، و العمل بموجبها دون إبطاء أو كلل . و تبرز طبيعتها التأديبية بوجه خاص أثناء خدمة الميدان ، إذ يعتبر القادة ملتزمين بمراعاة القواعد الانضباطية و تطبيقها بكل حزم و دعمها بين أفراد وحداتهم بالقوة و الصلابة اللازمين ، و ذلك لضمان طاعتهم المطلقة لأوامر رؤسائهم و عدم التردد فى تنفيذها ، أو تنفيذها فى غير توقيتاتها المحددة ، و بما يحول دوما دون معارضتها ، و يصون لوحداتهم بالتالى خصائصها القتالية العالية .

– – – ٤ – – –
الطبيعة التأديبية للعقوبات الانضباطية المنصوص عليها فى المادة ١١٣ مكررا ، لا ينال منها أن يكون توقيعها حال مقارفة أحد الضباط لإحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥ من قانون الأحكام العسكرية ، ذلك أن تقرير عقوبات جنائية عن تلك الجرائم قد تصل إلى الإعدام و انعقاد الإختصاص فى شأن المحاكمة عنها لقضاة عسكريين ، لا يحول دون تقرير مساءلة تأديبية عن هذه الأفعال ذاتها ، و انعقاد الإختصاص فى شأن تقدير الجزاء على ارتكابها للقادة و الرؤساء فى وحداتهم بوصفهم مسئولين عن الإنضباط فيها ، و من ثم تستقل العقوبة الانضباطية فى مجال تطبيقها و إجراءاتها و السلطة المختصة بتوقيعها عن العقوبة الجنائية ، باعتبار أن الفعل الواحد قد يكون جريمة مسلكية و جريمة جنائية فى آن واحد ، و أن توقيع العقوبة التأديبية فى شأن واقعة بعينها لا يحول دون رفع الدعوى الجنائية عن هذه الواقعة ذاتها ، و إنه و إن صح القول بأن الجزاء الانضباطى لا يكون محاطا فى توقيعه بالضمانات ذاتها التى توفرها المحاكمة الجنائية ، إلا هذا الجزاء تقتضيه ضرورة سيطرة القادة و الرؤساء على وحداتهم و إقرار النظام الدقيق بين أفرادها ، و يتعين بالتالى ألا يطول أمد توقيعه ، و أن يكون مؤثرا و فعالاً . و ليس أدل على إستقلال الجزاء الانضباطى عن العقوبة الجنائية من أن هذه العقوبة إنما تكون فى الأصل عن جريمة يعين القانون أركانها فى صلبه ، و لا يتخلى كلية عن تحديدها إلى أداة أدنى ، و ذلك خلافا للخطأ الانضباطى ، ذلك أن المشرع قد يعهد بأمر تحديده إلى سلطة لائحية ، و غالبا ما تقرر أكثر من جزاء للخطأ الواحد كى تقدر السلطة المختصة بتوقيعه ما يكون مناسبا – من بينها – لكل حالة على حدة ، و هو ما أكدته المادة ٢٤ من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٦ حين ناطت أمر تحديد الجرائم و العقوبات الانضباطية إلى قرار يصدر عن السلطات العسكرية المختصة طبقا للقانون ، و ذلك خلافا للنهج الذى احتذاه هذا القانون فى شأن الجرائم العسكرية و العقوبات المقررة لها ، إذ بين فى صلبه كافة أحكامها .

– – – ٥ – – –
الطبيعة التأديبية للعقوبات الانضباطية المنصوص عليها فى المادة ١١٣ مكررا ، لا ينال منها أن يكون توقيعها حال مقارفة أحد الضباط لإحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥ من قانون الأحكام العسكرية ، ذلك أن تقرير عقوبات جنائية عن تلك الجرائم قد تصل إلى الإعدام و انعقاد الإختصاص فى شأن المحاكمة عنها لقضاة عسكريين ، لا يحول دون تقرير مساءلة تأديبية عن هذه الأفعال ذاتها ، و انعقاد الإختصاص فى شأن تقدير الجزاء على ارتكابها للقادة و الرؤساء فى وحداتهم بوصفهم مسئولين عن الإنضباط فيها ، و من ثم تستقل العقوبة الانضباطية فى مجال تطبيقها و إجراءاتها و السلطة المختصة بتوقيعها عن العقوبة الجنائية ، باعتبار أن الفعل الواحد قد يكون جريمة مسلكية و جريمة جنائية فى آن واحد ، و أن توقيع العقوبة التأديبية فى شأن واقعة بعينها لا يحول دون رفع الدعوى الجنائية عن هذه الواقعة ذاتها ، و إنه و إن صح القول بأن الجزاء الانضباطى لا يكون محاطا فى توقيعه بالضمانات ذاتها التى توفرها المحاكمة الجنائية ، إلا هذا الجزاء تقتضيه ضرورة سيطرة القادة و الرؤساء على وحداتهم و إقرار النظام الدقيق بين أفرادها ، و يتعين بالتالى ألا يطول أمد توقيعه ، و أن يكون مؤثرا و فعالاً . و ليس أدل على إستقلال الجزاء الانضباطى عن العقوبة الجنائية من أن هذه العقوبة إنما تكون فى الأصل عن جريمة يعين القانون أركانها فى صلبه ، و لا يتخلى كلية عن تحديدها إلى أداة أدنى ، و ذلك خلافا للخطأ الانضباطى ، ذلك أن المشرع قد يعهد بأمر تحديده إلى سلطة لائحية ، و غالبا ما تقرر أكثر من جزاء للخطأ الواحد كى تقدر السلطة المختصة بتوقيعه ما يكون مناسبا – من بينها – لكل حالة على حدة ، و هو ما أكدته المادة ٢٤ من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٦ حين ناطت أمر تحديد الجرائم و العقوبات الانضباطية إلى قرار يصدر عن السلطات العسكرية المختصة طبقا للقانون ، و ذلك خلافا للنهج الذى احتذاه هذا القانون فى شأن الجرائم العسكرية و العقوبات المقررة لها ، إذ بين فى صلبه كافة أحكامها .

– – – ٦ – – –
الأصل فى النصوص الدستورية أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة ، و أن المعانى التى تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التنافر أو التعارض . هذا بالإضافة إلى أن هذه النصوص إنما تعمل فى إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا متماسكا بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالا لا يعزلها عن بعضها البعض ، و إنما يقيم منها فى مجموعها ذلك البنيان الذى يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ، و لا أن ينظر إليها بوصفها هائمة فى الفراغ ، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعى ، و إنما يتعين دوما أن تحمل مقاصدها بمراعاة أن الدستور وثيقة تقدمية لا ترتد مفاهيمها إلى حقبة ماضية و إنما تمثل القواعد التى يقوم عليها ، و التى صاغتها الإرادة الشعبية ، إنطلاقة إلى تغيير لا تصد عن التطور آفاقه الرحبة .

– – – ٧ – – –
الأصل فى النصوص الدستورية أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة ، و أن المعانى التى تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التنافر أو التعارض . هذا بالإضافة إلى أن هذه النصوص إنما تعمل فى إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا متماسكا بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالا لا يعزلها عن بعضها البعض ، و إنما يقيم منها فى مجموعها ذلك البنيان الذى يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ، و لا أن ينظر إليها بوصفها هائمة فى الفراغ ، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعى ، و إنما يتعين دوما أن تحمل مقاصدها بمراعاة أن الدستور وثيقة تقدمية لا ترتد مفاهيمها إلى حقبة ماضية و إنما تمثل القواعد التى يقوم عليها ، و التى صاغتها الإرادة الشعبية ، إنطلاقة إلى تغيير لا تصد عن التطور آفاقه الرحبة .

– – – ٨ – – –
إن الدستور إذ نص فى المادة ٦٥ منه على خضوع الدولة للقانون و إن استقلال القضاء و حصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق و الحريات ، فقد دل بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها – و أيا كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها و تكون بذاتها ضابطا لأعمالها و تصرفاتها فى أشكالها المختلفة ، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد ، و لكنها تباشر نيابة عن الجماعة و لصالحها . و لئن صح بأن السلطة لا تعتبر مشروعة ما لم تكن وليدة الإرادة الشعبية و تعبيرا عنها ، إلا أن إنبثاق هذه السلطة عن تلك الإرادة و ارتكازها عليها لا يفيد بالضرورة إن من يمارسها مقيد بقواعد قانونية تكون عاصما من جموحها و ضمانا لردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها ، و كان حتما بالتالى أن تقوم الدولة فى مفهومها المعاصر – و خاصة فى مجال توجهها نحو الحرية – على مبدأ مشروعية السلطة مقترنا و معززا بمبدأ الخضوع للقانون باعتبارهما مبدآن متكاملان لا تقوم بدونهما المشروعية فى أكثر جوانبها أهمية ، و لأن الدولة القانونية هى التى تتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه و حرياته ، و لتنظيم السلطة و ممارستها فى إطار من المشروعية ، و هى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله و حصانته لتصبح القاعدة القانونية محورا لكل تنظيم ، و حدا لكل سلطة ، و رادعا ضد العدوان .

– – – ٩ – – –
إن الدستور إذ نص فى المادة ٦٥ منه على خضوع الدولة للقانون و إن استقلال القضاء و حصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق و الحريات ، فقد دل بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها – و أيا كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها و تكون بذاتها ضابطا لأعمالها و تصرفاتها فى أشكالها المختلفة ، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد ، و لكنها تباشر نيابة عن الجماعة و لصالحها . و لئن صح بأن السلطة لا تعتبر مشروعة ما لم تكن وليدة الإرادة الشعبية و تعبيرا عنها ، إلا أن إنبثاق هذه السلطة عن تلك الإرادة و ارتكازها عليها لا يفيد بالضرورة إن من يمارسها مقيد بقواعد قانونية تكون عاصما من جموحها و ضمانا لردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها ، و كان حتما بالتالى أن تقوم الدولة فى مفهومها المعاصر – و خاصة فى مجال توجهها نحو الحرية – على مبدأ مشروعية السلطة مقترنا و معززا بمبدأ الخضوع للقانون باعتبارهما مبدآن متكاملان لا تقوم بدونهما المشروعية فى أكثر جوانبها أهمية ، و لأن الدولة القانونية هى التى تتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه و حرياته ، و لتنظيم السلطة و ممارستها فى إطار من المشروعية ، و هى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله و حصانته لتصبح القاعدة القانونية محورا لكل تنظيم ، و حدا لكل سلطة ، و رادعا ضد العدوان .

– – – ١٠ – – –
إن الدستور إذ نص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى ، و فى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب … و هو يمارسها و يحميها على الوجه المبين فى الدستور ، و فى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى . فإن مؤدى هذه النصوص – مرتبطة بالمادة ٦٥ من الدستور – أنه فى مجال حقوق المواطن و حرياته الأساسية . فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها ، و تتقيد هى بها . إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدولة الديمقراطية بإطراد فى مجتمعاتها ، و استقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة . و فى هذا الإطار ، و إلتزاما بأبعاده ، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها و حرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية ، و لا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها . بل أن خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية ، و ضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان و كرامته و شخصيته المتكاملة ، و يندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور فى المادة ٤١ منه و اعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا تمس ، من بينها ألا تكون العقوبة الجنائية التى توقعها الدولة بتشريعاتها مهينة فى ذاتها ، أو ممعنة فى قسوتها ، أو منطوية على تقييد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة ، أو متضمنة معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد . كذلك فإنه مما ينافى مفهوم الدولة القانونية على النحو السالف بيانه أن تقرر الدولة سريان عقوبة تأديبية بأثر رجعى ، و ذلك بتطبيقها على أفعال لم تكن حين إتيانها تشكل ذنبا إداريا مؤاخذا عليه بها مثلما هو الحال فى الدعوى الراهنة .

– – – ١١ – – –
إن الدستور إذ نص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى ، و فى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب … و هو يمارسها و يحميها على الوجه المبين فى الدستور ، و فى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى . فإن مؤدى هذه النصوص – مرتبطة بالمادة ٦٥ من الدستور – أنه فى مجال حقوق المواطن و حرياته الأساسية . فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها ، و تتقيد هى بها . إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدولة الديمقراطية بإطراد فى مجتمعاتها ، و استقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة . و فى هذا الإطار ، و إلتزاما بأبعاده ، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها و حرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية ، و لا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها . بل أن خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية ، و ضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان و كرامته و شخصيته المتكاملة ، و يندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور فى المادة ٤١ منه و اعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا تمس ، من بينها ألا تكون العقوبة الجنائية التى توقعها الدولة بتشريعاتها مهينة فى ذاتها ، أو ممعنة فى قسوتها ، أو منطوية على تقييد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة ، أو متضمنة معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد . كذلك فإنه مما ينافى مفهوم الدولة القانونية على النحو السالف بيانه أن تقرر الدولة سريان عقوبة تأديبية بأثر رجعى ، و ذلك بتطبيقها على أفعال لم تكن حين إتيانها تشكل ذنبا إداريا مؤاخذا عليه بها مثلما هو الحال فى الدعوى الراهنة .

– – – ١٢ – – –
إن أعمال حكم المادة ١١٣ مكررا من القانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ المضافة بالقرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ – الذى نشر فى الجريدة الرسمية فى ١١ مارس سنة ١٩٦٣ – بأثر رجعى يرتد إلى أول يناير سنة ١٩٦٣ ، مؤداه أن العقوبات الانضباطية المقررة بها لم تكن قائمة فى تاريخ وقوع الفعل محل المؤاخذة التأديبية فى الدعوى المماثلة ، و من ثم يكون نص المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ – الذى أعمل هذه الرجعية – مخالفا فى هذا النطاق لأحكام المواد ١ ، ٣ ، ٤ ، ٦٥ من الدستور .

[الطعن رقم ٢٢ – لسنــة ٨ ق – تاريخ الجلسة ٠٤ / ٠١ / ١٩٩٢ – مكتب فني ٥ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٨٩ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن مورث المدعين كان قد أقام الدعوى رقم ١١٦٩ لسنة ٢٦ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد وزير الحربية طالباً فيها الحكم بإلغاء قرار نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بعزله إلى رتبة عسكرى وما يترتب على ذلك من آثار . وإذ أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية للعاملين بوزارة الحربية التى انتهت فى ٢٧ مارس سنة ١٩٧٣ إلى عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظرها ، فقد طعن المدعى على حكمها أمام الدائرة الاستئنافية بمحكمة القضاء الإدارى ، إلا أن هذه المحكمة أحالتها إلى اللجنة المختصة بها – وهى – اللجنة القضائية لضباط القوات البرية – حيث قيدت أمامها برقم ١٣٣ لسنة ١٩٧٩ برية . وإذ تبين لهذه اللجنة أن مورث المدعين كان نقيباً حين أصدر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة قراراً بمعاقبته انضباطياً وذلك بتنزيله إلى درجة عسكرى لعدم قيامه بواجبه فى الميدان ، وكان هذا الجزاء يفتقر – فى تقدير اللجنة – إلى نص قانونى يستند إليه إذ وقعته سلطة قيادية إعمالاً للمادة ١١٣ مكرراً من القانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩) فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة المضافة إليه بالقرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ الذى تنص مادته الثانية على العمل بحكم المادة ١١٣ مكرراً بأثر رجعى اعتباراً من أول يناير سنة ١٩٦٣ ، مستهدفة بهذه الرجعية تغطية الفترة التى قام فيها نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بتوقيع عقوبات عن أفعال لم تكن القوانين المعمول بها آنئذ تقرر جزاء انضباطياً على ارتكابها ، فقد أحالت اللجنة المشار إليها نص المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ على هذه المحكمة للفصل فى دستورية ما قررته من العمل بأحكام المادة ١١٣ مكرراً سالفة البيان اعتباراً من أول يناير سنة ١٩٦٣ قولاً منها بأن حكمها يتضمن مخالفة لنص المادة ٦٦ من الدستور لفرضها عقوبات عن أفعال سابقة على صدور هذا القرار بقانون ، وهى أفعال يتطلب قانون الأحكام العسكرية ألا توقع فى شأنها عقوبة إلا بحكم قضائى بوصفها منطوية على تهم لا تجوز مواجهتها بعقوبة انضباطية تفتقر إلى ضمانات المحاكمة الجنائية العسكرية . وحيث إن القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ الذى نشر فى الجريدة الرسمية فى ١١ مارس سنة ١٩٦٣ ، وعمل به اعتباراًٍ من أول يناير سنة ١٩٦٣ قد نص فى مادته الأولى على إضافة مادة جديدة برقم ١١٣ مكرراً إلى القانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة تخول نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عندما تكون القوات فى خدمة الميدان ، أن يوقع على الضباط الذين يرتكبون إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥ من قانون الأحكام العسكرية : العقوبات الانضباطية الآتى بيانها : ١ – حرمان الضابط من أقدميته فى الرتبة ٢ – تنزيله من رتبته إلى رتبة أدنى منها ٣ – تنزيله إلى درجة ضابط صف أو عسكرى . كما نص هذا القرار بقانون – فى مادته الثانية – على أن ينشر فى الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من أول يناير سنة ١٩٦٣ . وحيث إنه وإن كان القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ المشار إليه قد الغى بالقرار بقانون رقم ١٨ لسنة ١٩٦٧ ، إلا أن هذا الإلغاء لا يحول بين هذه المحكمة – وعلى ما جرى عليه قضاؤها – وبين الفصل فى دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ المطعون عليها فى الدعوى الماثلة . ذلك أن أحكام هذا القرار بقانون هى التى جرى تطبيقها خلال فترة نفاذها فى حق مورث المدعين ، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتمثل فى تجريده من رتبته وإنهاء خدمته ، وهى آثار لم يسقطها القرار بقانون رقم ١٨ لسنة ١٩٦٧ ، إذ عمل به بأثر مباشر اعتباراً من تاريخ نشره فى ٦ يوليه سنة ١٩٦٧، وبالتالى ظل الأثر الرجعى لنص المادة الثانية المطعون عليها قائماً ، وظل باقياً كذلك ما رتبته من آثار العقوبة الانضباطية التى وقعتها السلطة القيادية ، وهى عقوبة نازع مورث المدعين فى مشروعيتها بالنسبة إليه ، بمقولة تعلقها بأفعال لم تكن النصوص القانونية المعمول بها عند ارتكابها تقرر فى شأنها هذه العقوبة المجحفة بما يعدم أساس فرضها . إذ كان ذلك ، وكان مناط المصلحة الشخصية والمباشرة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع ، فإن مصلحة المدعين فى الطعن على الأثر الرجعى الذى تضمنته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ المشار إليه – والذى تعلق به المركز القانونى لمورثهم – تكون قائمة . وحيث إن البين من المادة ١١٣ مكرراً التى أضافها القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ إلى أحكام القانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ المشار إليها ، أن العقوبات الانضباطية التى قررتها والتى يجوز للقادة توقيعها بغية إحكام سيطرتهم على مرؤوسيهم ولتقويم اعوجاجهم عند مخالفتهم القوانين أو الأوامر أو التقاليد العسكرية أو خروجهم على موجباتها وعدم التقيد الصارم بها ، هى فى تكييفها الصحيح جزاء عن جرائم تأديبية قوامها إخلال المرؤوسين بواجباتهم التى تمليها قواعد الانضباط ومقتضيات النظام العسكرى ، ومن ثم تعتبر هذه العقوبات الانضباطية وثيقة الصلة بضمان الطاعة الواعية للأوامر ، والعمل بموجبها دون إبطاء أو كلل . وتبرز طبيعتها التأديبية بوجه خاص أثناء خدمة الميدان ، إذ يعتبر القادة ملتزمين بمراعاة القواعد الانضباطية وتطبيقها بكل حزم ودعمها بين أفراد وحداتهم بالقوة والصلابة اللازمين ، وذلك لضمان طاعتهم المطلقة لأوامر رؤسائهم وعدم التردد فى تنفيذها ، أو تنفيذها فى غير توقيتاتها المحددة ، وبما يحول دوماً دون معارضتها ، ويصون لوحداتهم بالتالى خصائصها القتالية العالية . وحيث إنه لا ينال من الطبيعة التأديبية للعقوبات الانضباطية المنصوص عليها فى المادة ١١٣ مكرراً المشار إليها ، أن يكون توقيعها حال مقارفة أحد الضباط لإحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥ من قانون الأحكام العسكرية ، ذلك أن تقرير عقوبات جنائية عن تلك الجرائم قد تصل إلى الإعدام وانعقاد الاختصاص فى شأن المحاكمة عنها لقضاة عسكريين ، لا يحول دون تقرير مساءلة تأديبية عن هذه الأفعال ذاتها ، وانعقاد الاختصاص فى شأن تقدير الجزاء على ارتكابها للقادة والرؤساء فى وحداتهم بوصفهم مسئولين عن الانضباط فيها ، ومن ثم تستقل العقوبة الانضباطية فى مجال تطبيقها وإجراءاتها والسلطة المختصة بتوقيعها عن العقوبة الجنائية ، باعتبار أن الفعل الواحد قد يكون جريمة مسلكية وجريمة جنائية فى آن واحد ، وأن توقيع العقوبة التأديبية فى شأن واقعة بعينها لا يحول دون رفع الدعوى الجنائية عن هذه الواقعة ذاتها ، وأنه وإن صح القول بأن الجزاء الانضباطى لا يكون محاطاً فى توقيعه بالضمانات ذاتها التى توفرها المحاكمة الجنائية ، إلا أن هذا الجزاء تقتضيه ضرورة سيطرة القادة والرؤساء على وحداتهم وإقرار النظام الدقيق بين أفرادها ، ويتعين بالتالى ألا يطول أمد توقيعه ، وأن يكون مؤثراً وفعالاً . وليس أدل على استقلال الجزاء الانضباطى عن العقوبة الجنائية من أن هذه العقوبة إنما تكون فى الأصل عن جريمة يعين القانون أركانها فى صلبه ولا يتخلى كلية عن تحديدها إلى أداة أدنى ، وذلك خلافاً للخطأ الانضباطى ، ذلك أن المشرع قد يعهد بأمر تحديده إلى سلطة لائحية ، وغالباً ما تقرر أكثر من جزاء للخطأ الواحد كى تقدر السلطة المختصة بتوقيعه ما يكون مناسباً – من بينها – لكل حالة على حدة ، وهو ما أكدته المادة ٢٤ من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٦ حين ناطت أمر تحديد الجرائم والعقوبات الانضباطية إلى قرار يصدر عن السلطات العسكرية المختصة طبقاً للقانون ، وذلك خلافاً للنهج الذى احتذاه هذا القانون فى شأن الجرائم العسكرية والعقوبات المقررة لها إذ بين فى صلبه كافة أحكامها . وحيث إنه إذ كان ذلك ، تعين القول بأن العقوبة الانضباطية التى وقعتها السلطة الرئاسية فى حق مورث المدعين ، هى عقوبة من طبيعة تأديبية ، ولا شأن لها بالمجال الجنائى ، وإن ما قررته المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ من سريان أحكامه بأثر رجعى ، إنما توخى تغطية فترة زمنية لم تكن فيها هذه العقوبة قائمة ، الأمر الذى يحتم إخضاع حكمها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية . وحيث إن الأصل فى النصوص الدستورية أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة ، وأن المعانى التى تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التنافر أو التعارض . هذا بالإضافة إلى أن هذه النصوص إنما تعمل فى إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض ، وإنما يقيم منها فى مجموعها ذلك البنيان الذى يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولا يجوز بالتالى أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة فى الفراغ ، أو باعتبارها قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعى ، وإنما يتعين دوماً أن تحمل مقاصدها بمراعاة أن الدستور وثيقة تقدمية لا ترتد مفاهيمها إلى حقبة ماضية وإنما تمثل القواعد التى يقوم عليها والتى صاغتها الإرادة الشعبية ، انطلاقة إلى تغيير لا يصد عن التطور آفاقه الرحبة . وحيث إن الدستور إذ نص فى المادة ٦٥ منه على خضوع الدولة للقانون وإن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ، فقد دل بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها – وأياً كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة ، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد ، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها . ولئن صح القول بأن السلطة لا تعتبر مشروعة ما لم تكن وليدة الإرادة الشعبية وتعبيراً عنها ، إلا أن انبثاق هذه السلطة عن تلك الإرادة وارتكازها عليها لا يفيد بالضرورة أن من يمارسها مقيد بقواعد قانونية تكون عاصماً من جموحها وضماناً لردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها ، وكان حتماً بالتالى أن تقوم الدولة فى مفهومها المعاصر – وخاصة فى مجال توجهها نحو الحرية – على مبدأ مشروعية السلطة مقترناً ومعززاً بمبدأ الخضوع للقانون باعتبارهما مبدآن متكاملان لا تقوم بدونهما المشروعية فى أكثر جوانبها أهمية ، ولأن الدولة القانونية هى التى تتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته ، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار من المشروعية ، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محوراً لكل تنظيم ، وحدا لكل سلطة ، ورادعاً ضد العدوان . وحيث إن الدستور ينص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى ، وفى مادته الثالثة على أن السايادة للشعب …وهو يمارسها ويحميها على الوجه المبين فى الدستور ، وفى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى . وحيث إن مؤدى هذه النصوص – مرتبطة بالمادة ٦٥ من الدستور – أنه فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية ، فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها ، وتتقيد هى بها ، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد فى مجتمعاتها ، واستقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة . وفى هذا الإطار ، والتزاماً بأبعاده ، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية ، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيوداً تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها . بل أن خضوع الدولة للقانون محدداً على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة ، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور فى المادة ٤١ منه واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا تمس ، من بينها ألا تكون العقوبة الجنائية التى توقعها الدولة بتشريعاتها مهينة فى ذاتها ، أو ممعنة فى قسوتها ، أو منطوية على تقييد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة أو متضمنة معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد . كذلك فإنه مما ينافى مفهوم الدولة القانونية على النحو السالف بيانه أن تقرر الدولة سريان عقوبة تأديبية بأثر رجعى ، وذلك بتطبيقها على أفعال لم تكن حين أتيانها تشكل ذنباً إدارياً مؤاخذاً عليه بها مثلما هو الحال فى الدعوى الراهنة . وحيث إنه لما كان ذلك ، وكان إعمال حكم المادة ١١٣ مكرراً المضافة بالقرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ بأثر رجعى يرتد إلى أول يناير سنة ١٩٦٣ ، مؤداه أن العقوبات المقررة بها لم تكن قائمة فى تاريخ وقوع الفعل محل المؤاخذة التأديبية فى الدعوى الماثلة ، فإن نص المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ يكون مخالفاً فى هذا النطاق لأحكام المواد ١ ، ٣ ، ٤ ، ٦٥ من الدستور . وحيث إنه لما تقدم ، يتعين الحكم بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ فيما تضمنته من سريان العقوبات الانضباطية المقررة بمادته الأولى بأثر رجعى يرتد إلى أول يناير سنة ١٩٦٣ . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٣ ، وذلك فيما تضمنته من سريان العقوبات الانضباطية المقررة بمادته الأولى بأثر رجعى يرتد إلى أول يناير سنة ١٩٦٣ ، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى