حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١ لسنة ١ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١ لسنة ١ دستورية
تاريخ النشر : ٢١ – ٠٣ – ١٩٨٥

منطوق الحكم : عدم قبول دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة: أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣ بإضافة بعض الشركات والمنشآت إلي الجدول المرافق للقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت. ثانياً: بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التي آلت ملكيتها إلي الدولة وفقاً لأحكام القوانين أرقام ١١٧و ١١٨و ١١٩ لسنة ١٩٦١ والقوانين التالية لها تعويضاً اجمالياً.

الحكم

برياسة محمد على بليغ رئيس المحكمة وحضور مصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبدالمجيد ورابح لطفى جمعة وفوزى أسعد مرقس وشريف برهام نور أعضاء وأحمد محمد الحفنى المفوض وأحمد على فضل الله أمين السر .

– – – ١ – – –
يبين من تقصى قوانين التأميم التى تعلقت بها أحكام القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المشار – إبتداء من القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ و إنتهاء بالقرار بقانون رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٤ – أن المشرع إلتزم فيها جميعاً – بالنسبة لتقدير التعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة كلياً أو جزئياً – نهجاً عاماً قوامه أن يكون هذا التعويض معادلاً لكامل القيمة الحقيقية لحصص و أنصبة تلك المشروعات بعد تقويمها وفقاً للقواعد المحددة بالقوانين المذكورة

– – – ٢ – – –
إن السبيل الذى إرتآه المشرع محققاً للعدالة المطلقة فى نظام التأميم ما درجت عليه القوانين سالفة البيان – بوجه مضطرد و بغير إستثناء – من أن يكون التعويض المستحق لأصحاب أسهم و رؤوس أموال المشروعات المؤممة معادلاً لقيمة ما يملكونه فى هذه المشروعات جميعها و أياً ما بلغ مقدار هذا التعويض . و هو المبدأ الذى لم يحد عنه المشرع حتى بالنسبة للقرار بقانون رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٤ بتأميم بعض الشركات و المنشآت الذى أصدره بتاريخ ٢١ مارس سنة ١٩٦٤ ، و هو اليوم السابق مباشرة على صدور القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليه ، و قد تم نشرهما معاً فى ٢٤ مارس سنة ١٩٦٤ ، مما لا يستقيم معه القول بأن المشرع قصد من القرار بقانون المطعون عليه تعديل أسس أو قيمة التعويض التى سبق أن أرساها فى قوانين التأميم جميعها و من بينها القرار بقانون رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٤ المعاصر فى صدوره للقرار بقانون المطعون عليه.

– – – ٣ – – –
أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة ١٩٢٣ على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة و عدم المساس بها إلا على سبيل الإستثناء ، و فى الحدود و بالقيود التى أوردتها ، و ذلك بإعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى ، و حافزه إلى الإنطلاق و التقدم ، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها و الحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الإجتماعية فى خدمة الإقتصاد القومى و من أجل ذلك حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً على أصحابها إلا للمنفعة العامة و مقابل تعويض وفقاً للقانون ” المادة ٩ من كل دستور سنة ١٩٢٣ و دستور سنة ١٩٣٠ و المادة ١١ من دستور سنة ١٩٥٦ و المادة ٥ من دستور سنة ١٩٥٨ و المادة ١٦ من دستور سنة ١٩٦٤ و المادة ٣٤ من دستور سنة ١٩٧١” ، كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لإعتبارات الصالح العام و بقانون و مقابل تعويض ” المادة ٣٥ ” ، و حظر المصادرة العامة حظراً مطلقاً و لم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى ” المادة ٣٦ “.

– – – ٤ – – –
إن ملكية السندات الأسمية التى تحولت إليها القيمة الكاملة لأسهم و رؤوس أموال الشركات و المنشآت المؤممة قد إستقرت لأصاحبها بموجب قوانين التأميم ، بما تخوله لهم ملكية هذه السندات من حقوق كالتصرف فيها بالبيع بتداولها فى البورصة أو كوسيلة للوفاء بإلتزاماتهم قبل الدولة بقدر قيمتها ، و الإنتفاع بما تغله من ريع ، فإن مقتضى تطبيق الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليه من وضع حد أقصى للتعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة بما لا يجاوز ١٥ ألف جنيه ، إستيلاء الدولة دون مقابل على السندات الأسمية المملوكة لهم و الزائدة على هذا الحد و تجريدهم بالتالى من ملكيتها ، الأمر الذى يشكل إعتداء على الملكية الخاصة و مصادرة للأموال بالمخالفة لحكم المادة ٣٤ من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة ، و المادة ٣٦ منه التى تحظر المصادة العامة و لا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى . فضلاً عن أن النص التشريعى – محل الطعن – بوضعه حداً أقصى لما يملكه أصحاب المشروعات المؤممة من السندات الأسمية التى تحولت إليها حصصهم و أنصبتهم فى هذه المشروعات – و إن تعددت – يكون قد إنطوى على مخالفة لأحكام الدستور الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية طبقاً للمادة ٣٧ منه ، الأمر الذى يتضمن بدوره مساساً بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة ٣٤ من الدستور .

– – – ٥ – – –
إن المحكمة لا تتقيد – و هى بصدد أعمال رقابتها على دستورية التشريعات – بالوصف الذى يخلعه المشرع على القواعد التى يسنها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف و تنطوى على إهدار حق من الحقوق التى كفلها الدستور ، و إذ كانت المحكمة قد إنتهت – على ما سلف بيانه – إلى أن النص التشريعى المطعون عليه لا يقوم على تعديل التعويض المستحق عن التأميم ، و إنما يستهدف مصادرة ملكية السندات المستحقة لأصحاب المشروعات و التى تريد على الحد الأقصى المنصوص عليه فيه ، فإنه يكون قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور و وضع لحمايتها ضوابط و قواعد محددة ، الأمر الذى يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية .

– – – ٦ – – –
لما كانت نصوص القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ ترتبط بعضها ببعض إرتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة ، و من ثم فإن عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى و إبطال أثرها يستتبع بحكم هذا الإرتباط إبطال باقى نصوص القرار بقانون المطعون عليه ، بما يستوجب الحكم بعدم دستوريته برمته .

[الطعن رقم ١ – لسنــة ١ ق – تاريخ الجلسة ٠٢ / ٠٣ / ١٩٨٥ – مكتب فني ٣ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ١٦٢ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة. حيث أن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية. وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد اقام الدعوى رقم ٣٧٧٢ لسنة ١٩٧٤ مدنى كلى جنوب القاهرة طالبا الحكم بالزام المدعى عليهم بأن يؤدوا اليه سندات اسمية على الدولة بقيمة ما تم الاستيلاء عليه من حصصه فى الشركات التى أضافها القرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣ الى الجدول المرافق للقرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت، وبأن يدفعوا إليه ريع تلك السندات والتعويض عما لحقه من أضرار بسبب الاستيلاء على أمواله بغير مقابل. ودفع المدعى فى صحيفة دعواه بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣ سالف الذكر. وكذلك القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة وفقا لاحكام القوانين أرقام ١١٧ و١١٨ و١١٩ لسنة ١٩٦١ تعويضا إجماليا. وبتاريخ ١٨ أكتوبر سنة ١٩٧٥ قضت المحكمة بوقف الدعوى ليرفع المدعى دعواه الدستورية، فأقام دعواه الماثلة. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣ تأسيسا على انتفاء مصلحة المدعى فى هذا الشق من الدعوى بعد الغاء ما كانت تنص عليه هذه المادة من أثر رجعى – وهو محل الطعن عليها – بموجب القرار بقانون رقم ١٤٠ لسنة ١٩٦٤. وحيث إنه يبين من القرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣ باضافة بعض الشركات والمنشآت الى الجدول المرافق للقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت، أن المادة الثالثة منه كانت تنص على أن “ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ العمل بالقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليه”. ثم استبدل بهذا النص الآتى: “وينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره”. وذلك بموجب القرار بقانون رقم ١٤٠ لسنة ١٩٦٤ الذى قضت مادته الاخيرة بسريان هذا التعديل من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣. ولما كان مقتضى ذلك أعمال القرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣ بأثر مباشر من تاريخ نشره – بعد الغاء الاثر الرجعى الذى كانت تنص عليه المادة الثالثة منه وكان يرتد بتاريخ تأميم الشركات والمنشآت الواردة به الى تاريخ العمل بالقرار رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ ومن ثم تكون مصلحة المدعى فى الطعن بعدم دستورية هذه المادة – بعد تعديلها على الوجه المتقدم – غير قائمة، الامر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى فى هذا الشق. وحيث إنه عن الطعن بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤، فان المدعى ينعى على المادة الاولى منه أنها اذ قضت بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة وفقا لاحكام القوانين أرقام ١١٧ و١١٨ و١١٩ لسنة ١٩٦١ والقوانين التالية لها بتعويض اجمالى لا يجاوز ١٥ ألف جنيه أيا كان مجموع ما يملكونه فيها، بعد أن كان قد تم تعويضهم عنها فعلا طبقا لقوانين التأميم المشار إليها بما يساوى القيمة الفعلية لحصصهم فى تلك المشروعات بموجب سندات مستحقة فى ذمة الدولة وقابلة للتداول، فأن مؤدى هذا النص استيلاء الدولة – بغير مقابل – على ما يملكونه من سندات تزيد على الحد الاقصى من التعويض الاجمالى المشار اليه، الامر الذى يخالف ما تقضى به المادة الخامسة من دستور سنة ١٩٥٨ – الذى صدر التشريع المطعون عليه فى ظله – من أن الملكية الخاصة مصونة، وما تقضى به المادة ٣٦ من دستور سنة ١٩٧١ من أن المصادرة العامة للاموال محظورة، وأنه لا تجوز المصادرة الخاصة الا بحكم قضائى. وحيث إن المادة الاولى من القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليه والمعدل بالقانون رقم ٤ لسنة ١٩٦٦ تنص فى فقرتها الاولى على أن “جميع أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التى آلت ملكيتها الى الدولة وفقا لاحكام القوانين أرقام ١١٧ و١١٨ و١١٩ لسنة ١٩٦١ المشار اليها واحكام القوانين التالية لها، يعوض صاحبها عن مجموع ما يمتلكه من أسهم ورؤوس أموال فى جميع هذه الشركات والمنشآت بتعويض اجمالى قدره ١٥ ألف جنيه، ما لم يكن مجموع ما يمتلكه فيها أقل من ذلك فيعوض عنه بمقدار هذا المجموع. وفى فقرتها الثانية على أن “وتستثنى البنوك وشركات التامين وأجهزة الادخار والتأمين والمعاشات وصناديق التوفير والتأمين بالشركات وبالهيئات المختلفة من الحد الاقصى للتعويض المشار اليه بالفقرة السابقة”. وتنص المادة الثانية منه على أن “يتم التعويض المشار إليه فى المادة السابقة بسندات على الدولة وفقا لاحكام القوانين التى آلت بمقتضاها ملكية أسهم ورؤوس أموال هذه الشركات والمنشآت الى الدولة”. كما تنص مادته الثالثة والأخيرة على أن “ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره”. وقد تم هذا النشر فى ٢٤ مارس سنة ١٩٦٤. وحيث إنه يبين من تقصى قوانين التأميم التى تعلقت بها أحكام القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المشار اليه – ابتداء من القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ وانتهاء بالقرار بقانون رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٤ – أن المشرع التزم فيها جميعا – بالنسبة لتقدير التعويض المستحق لاصحاب المشروعات المؤممة كليا أو جزئيا – نهجا عاما قوامه ان يكون هذا التعويض معادلا لكامل القيمة الحقيقية لحصص وأنصبة أصحاب تلك المشروعات، بعد تقويمها وفقا للقواعد المحددة بالقوانين المذكورة. ويستفاد ذلك مما نصت عليه المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت من أن “تتحول اسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المشار أليها الى سندات أسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة ٤% سنويا وتكون السندات قابلة للتداول فى البورصة…” وما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون رقم ١١٨ لسنة ١٩٦١ بتقرير مساهمة الدولة فى بعض الشركات والمنشآت من أن “تؤدى الحكومة قيمة الحصة التى تساهم بها المؤسسات العامة فى رأس مال الشركات والمنشآت المشار اليها بموجب سندات اسمية على الدولة بفائدة ٤% سنويا لمدة خمس عشرة سنة وتكون السندات قابلة للتداول …” وما نصت عليه المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٦١ بتقرير بعض الاحكام الخاصة ببعض الشركات القائمة من أن “تسدد الحكومة قيمة الاسهم التى آلت ملكيتها اليها بموجب سندات على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة ٤% سنويا وتكون السندات قابلة للتداول…” وقد رددت الحكم الوارد فى هذه النصوص جميع قوانين التأميم الاساسية التالية ومن بينها القرار بقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٣ (مادة ٣) ورقم ٧٢ لسنة ١٩٦٣ (مادة ٢) ورقم ٧٣ لسنة ١٩٦٣ (مادة ٤) ورقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٤ (مادة ٢). وقد افصح المشرع صراحة عن هذ١ النهج الذى التزمه فى تحديد التعويض المستحق لاصحاب المشروعات المؤممة فى مختلف قوانين التأميم بما أورده فى المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ – وأشار اليه فى المذكرات الإيضاحية للقرارات بقوانين اللاحقة عليه – من أن “هذ التأميم اتخذ صورته العادلة فلم تؤول ملكية أسهم الشركات أو رؤوس أموال المنشآت الى الدولة بلا مقابل، بل عوض أصحابها عنها تعويضا عادلا اذ التزمت الدولة بأن تدفع أسهم تلك الشركات ورؤوس أموال المنشآت التى شملها التأميم فى شكل سندات اسمية على الدولة… وبذلك تكون الدولة قد عوضت المساهمين وأصحاب رؤوس الاموال عن حصصهم وأنصبتهم التى كانوا يملكونها بتلك الشركات والمنشآت على نحو روعيت فيه العدالة المطلقة…” كما استطردت تلك المذكرة الى القول “ثم أن هذه السندات تدفع عنها فائدة قدرها ٤% وتكفل ثبات قيمتها بطبيعتها كسندات على الدولة، وبذلك لا تكون تلك السندات معرضة للتغيرات التى تطرأ عادة على قيمة الاسهم ورؤوس الاموال تبعا للتيارات الاقتصادية التى تسود المشروعات المستثمرة فيها تلك الاموال…” وهو ما يكشف عن وجه اخر لما رآه من رعاية لاصحاب الاسهم ورؤوس الاموال فى المشروعات المؤممة – الى جانب تعويضهم الكامل عنها – بما ينم عن حرصه على النأى بسندات التعويض عن كل من شأنه انتقاص قيمتها أو المساس بها. وحيث إن مفاد ما تقدم أن السبيل الذى ارتآه المشرع محققا للعدالة المطلقة فى نظام التأميم ما درجت عليه القوانين سالفة البيان – بوجه مضطرد وبغير استثناء – من أن يكون التعويض المستحق لأصحاب أسهم ورؤوس اموال المشروعات المؤممة معادلا لقيمة ما يملكونه فى هذه المشروعات جميعها وأيا ما بلغ مقدار هذا التعويض، وهو المبدأ الذى لم يحد عنه المشرع حتى بالنسبة للقرار بقانون رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٤ بتأميم بعض الشركات والمنشآت الذى أصدره بتاريخ ٢١ مارس سنة ١٩٦٤، وهو اليوم السابق مباشرة على صدور القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليه، وقد تم نشرها معا فى ٢٤ مارس سنة ١٩٦٤، مما لا يستقيم معه القول بأن المشرع قصد من القرار بقانون المطعون عليه تعديل أسس أو قيمة التعويض التى سبق أن أرساها فى قوانين التأميم جميعها ومن بينها القرار بقانون رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٤ المعاصر فى صدوره للقرار بقانون المطعون عليه حسبما سلف بيانه. وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة ١٩٢٣ على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها الا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها، وذلك باعتبارها فى الاصل ثمرة النشاط الفردى، وحافزه الى الانطلاق والتقدم، فضلا عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى ومن أجل ذلك حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً على اصحابها الا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا للقانون (المادة ٩ من كل من دستور سنة ١٩٢٣ ودستور سنة ١٩٣٠ والمادة ١١ من دستور سنة ١٩٥٦ والمادة ٥ من دستور سنة ١٩٥٨ والمادة ١٦ من دستور سنة ١٩٦٤ والمادة ٣٤ من دستور سنة ١٩٧٠)، كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم الا لاعتبارات الصالح العام بقانون ومقابل تعويض (المادة ٣٥). يحظر المصادرة العامة حظرا مطلقا ولم يجز المصادرة الخاصة الا بحكم قضائى (المادة ٣٦). لما كان ذلك، وكانت ملكية السندات الاسمية التى تحولت اليها القيمة الكاملة لاسهم ورؤوس اموال الشركات والمنشآت المؤممة قد استقرت لاصحابها بموجب قوانين التأميم، بما تخوله لهم ملكية هذه السندات من حقوق كالتصرف فيها بالبيع بتداولها فى البورصة أو كوسيلة للوفاء بالتزاماتهم قبل الدولة بقدر قيمتها، أو الانتفاع بما تغله من ريع، فأن مقتضى تطبيق الفقرة الأولى من المادة الاولى من القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليه من وضع حد أقصى للتعويض المستحق لاصحاب المشروعات المؤممة بما لا يجاوز ١٥ ألف جنيه. استيلاء الدولة دون مقابل على السندات الاسمية المملوكة لهم والزائدة على هذا الحد وتجريدهم بالتالى من ملكيتها، الامر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة للاموال بالمخالفة لحكم المادة ٣٤ من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، والمادة ٣٦ منه التى تحظر المصادرة العامة ولا تجيز المصادرة الخاصة الا بحكم قضائى. فضلا عن أن النص التشريعى – محل الطعن – بوضعه حدا أقصى لما يملكه أصحاب المشروعات المؤممة من السندات الاسمية التى تحولت اليها حصصهم وأنصبتهم فى هذه المشروعات – وان تعددت – يكون قد أنطوى على مخالفة لاحكام الدستور الذى لا يجيز حد أقصى الا بالنسبة للملكية الزراعية طبقا للمادة ٣٧ منه، الامر الذى يتضمن بدوره مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة ٣٤ من الدستور سالفة البيان. وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما ذهبت اليه الحكومة من أن القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ بتعويض أصحاب اسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التى آلت ملكيتها الى الدولة وفقا لاحكام القوانين أرقام ١١٧، ١١٨، ١١٩ لسنة ١٩٦١ والقوانين التالية لها تعويضا اجماليا، قصد به تعديل التعويض المستحق لاصحاب المشروعات المؤممة وان تقدير التعويض ابتداء أو تعديله يعد من الملاءمات السياسية التى يستقل بها المشرع دون تعقيب، ذلك ان المحكمة لا تتقيد – وهى بصدد أعمال رقابتها على دستورية التشريعات – بالوصف الذى يخلعه المشرع على القواعد التى يبينها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف وتنطوى على اهدار حق من الحقوق التى كفلها الدستور، واذ كانت المحكمة قد انتهت – على ما سلف بيانه – الى ان النص التشريعى المطعون عليه لا يقوم على تعديل التعويض المستحق عن التاميم، وانما يستهدف مصادرة ملكية السندات المستحقة لأصحاب المشروعات والتى تزيد على الحد الاقصى المنصوص عليه فيه، فانه يكون قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة، الأمر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية. وحيث إنه لا وجه أيضا لما أثارته الحكومة من ان القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ المطعون عليه – بما تضمنه من إضافة القدر الزائد من السندات الاسمية على الحد الاقصى للتعويض الاجمالى عن التأميم الى ملكية الشعب – قد سعى الى الحد من تضخم ثروات الافراد وجاء استجابة لما يقرره الدستور من مبادئ فى شأن التضامن الاجتماعى وتحقيق كفاية الانتاج وعدالة التوزيع وتذويب الفوارق بين الطبقات. ذلك أنه فضلا عن أن ما ذهبت اليه الحكومة فى دفاعها – تبيانا لقصد المشرع من أصدار القرار بقانون المطعون عليه يؤكد ما خلصت اليه المحكمة من أن هذا التشريع قد تغيا أساسا استيلاء الدولة – بغير مقابل – على ما زاد من سندات التعويض على الحد الاقصى المقرر به. فان التزام المشرع بالعمل على تحقيق تلك المبادئ لا يعنى ترخصه فى تجاوز الضوابط والخروج على القيود التى تضمنتها مبادئ الدستور الاخرى ومنها صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها الا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى اوردتها نصوصه، وفضلا عن ذلك فان المشرع الدستورى قد عنى – فى التعديل الصادر بتاريخ ٢٢ مايو ١٩٨٠ – عند تحديد الاساس الاقتصادى للدولة فى المادة الرابعة من الدستور، بأن يستبدل بعبارة “ويهدف الى تذويب الفروق بين الطبقات” عبارة “ويؤدى الى تقريب الفوارق بين الدخول ويحمى الكسب المشروع ويكفل عدالة توزيع الاعباء والتكاليف العامة”. وهى ذات العبارة التى أوردها فى المادة ٢٣ منه والتى تنص على أن “ينظم الاقتصاد القومى وفقا لخطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل القومى وعدالة التوزيع، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، وزيادة فرص العمل، وربط الاجر بالانتاج، وضمان حد أدنى للأجور، ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول”. وحيث إنه لما تقدم يتعين الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الاولى من المادة الاولى من القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤. ولما كانت باقى أحكام هذا القانون مترتبة على الحكم الوارد بالفقرة المشار إليها، بما مؤداه ارتباط نصوصه بعضها ببعض ارتباطا لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم فإن عدم دستورية نص الفقرة الاولى من المادة الاولى وابطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط ابطال باقى نصوص القرار بقانون المطعون عليه، بما يستوجب الحكم بعدم دستوريته برمته. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة أولا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٣ باضافة بعض الشركات والمنشآت الى الجدول المرافق للقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت. ثايناُ: بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١٣٤ لسنة ١٩٦٤ بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التى آلت ملكيتها الى الدولة وفقا لاحكام القوانين أرقام ١١٧ و١١٨ و١١٩ لسنة ١٩٦١ والقوانين التالية لها تعويضا إجمالية. وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيها مقابل اتعاب المحاماة.

زر الذهاب إلى الأعلى