حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١٤ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١٤ دستورية
– – – ١ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ــ وهى شرط لقبول الدعاوى الدستورية ــ مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة على محكمة الموضوع ، وكان النزاع الموضوعى ــ وفى مجال إستحقاق المدعى عليها لنفقتها ــ مبناه إنكار حقها فى العمل ، فإن الفقرة الخامسة من المادة الأولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية ــ وفى مجال تطبيق أجزائها التى تتعلق بعمل الزوجة وشروط هذا العمل ــ هى التى يتحدد على ضوئها موضوع الدعوى الدستورية الماثلة ، وبها وحدها تقوم المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى .
– – – ٢ – – –
نفقة الزوجة مناطها إحتباسها لحق زوجها عليها ــ ولو كانت موسرة أو مختلفة معه فى الدين ــ ليملك زوجها عليها تلك المنافع التى ينفرد بالاستمتاع بها بحكم قصرها عليه بإذن من الله تعالى ، ومن خلال تسليمها نفسها لزوجها تسليماً فعلياً أو حكمياً . والنفقة بذلك حق ثابت لها على زوجها فى نكاح صحيح . ومن ثم كان إحتباسها أو إستعدادها لتمكين زوجها منها ، سبباً لوجوبها ، وكان قدرها مرتبطاً بكفايتها ، وبشرط ألا تقل عما يكون لازماً لاستيفاء إحتياجاتها الضرورية ، إمتثالاً لقوله تعالى ” لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قدر عليه رزقه ، فلينفق مما أتاه الله ، لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها ” ” اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن ، لتضيقوا عليهن ” بما مؤداه أن عصيانها زوجها فيما يباشره عليها من الحقوق التى يوجبها النكاح ، يدل على نشوزها ، ويعتبر مسقطاً لنفقتها بالنظر إلى ترفعها وإبائها أن تطاوع زوجها ، وتجاهلها أن حقوق الزوجين و واجباتهما تتقابل فيما بينها ، فلا يتقيد زوجها بالإنفاق عليها مع إرتفاعها عن أوامره . فإذا ظلمها زوجها بعد توبتها ، كان معتدياً ” فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ” .
– – – ٣ – – –
نفقة الزوجة مناطها إحتباسها لحق زوجها عليها ــ ولو كانت موسرة أو مختلفة معه فى الدين ــ ليملك زوجها عليها تلك المنافع التى ينفرد بالاستمتاع بها بحكم قصرها عليه بإذن من الله تعالى ، ومن خلال تسليمها نفسها لزوجها تسليماً فعلياً أو حكمياً . والنفقة بذلك حق ثابت لها على زوجها فى نكاح صحيح . ومن ثم كان إحتباسها أو إستعدادها لتمكين زوجها منها ، سبباً لوجوبها ، وكان قدرها مرتبطاً بكفايتها ، وبشرط ألا تقل عما يكون لازماً لاستيفاء إحتياجاتها الضرورية ، إمتثالاً لقوله تعالى ” لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قدر عليه رزقه ، فلينفق مما أتاه الله ، لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها ” ” اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن ، لتضيقوا عليهن ” بما مؤداه أن عصيانها زوجها فيما يباشره عليها من الحقوق التى يوجبها النكاح ، يدل على نشوزها ، ويعتبر مسقطاً لنفقتها بالنظر إلى ترفعها وإبائها أن تطاوع زوجها ، وتجاهلها أن حقوق الزوجين و واجباتهما تتقابل فيما بينها ، فلا يتقيد زوجها بالإنفاق عليها مع إرتفاعها عن أوامره . فإذا ظلمها زوجها بعد توبتها ، كان معتدياً ” فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ” .
– – – ٤ – – –
مفاد الفقرة الخامسة من المادة الأولى المطعون عليها ، أن الأصل هو ألا تخرج المرأة من بيت زوجها إلا إذا أذن لها بذلك ــ صريحاً كان هذا الإذن أم ضمنياً ــ ما لم يكن خروجها مبرراً بحكم الشرع أو كان عذرها فيه عرفاً صحيحاً أو ضرورة ملجئة ، بما مؤداه جواز خروجها بغير إذن زوجها لتمريض أحد أبويها أو تعهده أو لطلبها حقاً من القاضى ، أو لقضاء حوائجها أو لزيارة محرم مريض ، أو لتهدم منزلها أو إذا أعسر زوجها بنفقتها . ولا يكون خروجها للعمل المشروع إلا بإذن زوجها ، فإذا أذن لها ، فلا يجوز أن يمنعها من العمل إلا إذا قام الدليل على أن مضيها فيه ، كان إنحرافاً منها عن الحدود المنطقية للحق فى العمل ، أو مجافياً لمصلحة أسرتها . قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور ــ بعد تعديلها فى ١٩٨٠ ــ من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، إنما يتمحض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل ــ ومن بينها أحكام القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ــ فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية المقطوع بثبوتها ودلالتها ، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً ، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية أصولها الكلية التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً . ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان ، ولا أن يكون تطبيقها متفاوتاً ولا نهجاً متبايناً ، إذ هى عصية على التعديل فلا يجوز الخروج عليها أو تنحيتها أو الالتواء بها عن مقاصدها أو إلباسها غير توجهاتها ، بل تظل فى مضامينها ومراميها قواعد كلية تتوخى أغراضاً لا تفريط فيها .
– – – ٥ – – –
مفاد الفقرة الخامسة من المادة الأولى المطعون عليها ، أن الأصل هو ألا تخرج المرأة من بيت زوجها إلا إذا أذن لها بذلك ــ صريحاً كان هذا الإذن أم ضمنياً ــ ما لم يكن خروجها مبرراً بحكم الشرع أو كان عذرها فيه عرفاً صحيحاً أو ضرورة ملجئة ، بما مؤداه جواز خروجها بغير إذن زوجها لتمريض أحد أبويها أو تعهده أو لطلبها حقاً من القاضى ، أو لقضاء حوائجها أو لزيارة محرم مريض ، أو لتهدم منزلها أو إذا أعسر زوجها بنفقتها . ولا يكون خروجها للعمل المشروع إلا بإذن زوجها ، فإذا أذن لها ، فلا يجوز أن يمنعها من العمل إلا إذا قام الدليل على أن مضيها فيه ، كان إنحرافاً منها عن الحدود المنطقية للحق فى العمل ، أو مجافياً لمصلحة أسرتها . قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور ــ بعد تعديلها فى ١٩٨٠ ــ من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، إنما يتمحض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل ــ ومن بينها أحكام القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ــ فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية المقطوع بثبوتها ودلالتها ، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً ، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية أصولها الكلية التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً . ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان ، ولا أن يكون تطبيقها متفاوتاً ولا نهجاً متبايناً ، إذ هى عصية على التعديل فلا يجوز الخروج عليها أو تنحيتها أو الالتواء بها عن مقاصدها أو إلباسها غير توجهاتها ، بل تظل فى مضامينها ومراميها قواعد كلية تتوخى أغراضاً لا تفريط فيها .
– – – ٦ – – –
تنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأن هذه القواعد على مراقبة التقيد بها والنزول عليها وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها ، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم القواعد الكلية للشريعة الإسلامية على ما دونها ، تقديراً بأن مبادئها الأصيلة ، تمثل ركائزها التى تفرض متطلباتها دوماً على كل قاعدة قانونية تعارضها ، وبما يحول دون إقرار قاعدة قانونية على خلافها ، وإلا كان ذلك تشهياً وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة .
– – – ٧ – – –
أما الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً ، فإن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ، ولا تمتد لسواها ، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها ، ولمواجهة النوازل على إختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً ، على أن يكون الاجتهاد واقعاً دوماً فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية ، مقيماً الأحكام العملية بالاعتماد فى إستنباطها على الأدلة الشرعية ، متوخياً من خلالها تحقيق المقاصد الشرعية فى عموم تطبيقاتها بما تقوم عليه من صون الدين والبدن والعقل والعرض والمال . وتلك هى الشريعة فى أصولها ومنابتها ، شريعة غير جامدة لا يكون الاجتهاد فيها ــ بما يقوم عليه من إستفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص عليه ــ إلا باباً مفتوحاً ينفذ إلى مبادئها الكلية ولا يعارضها ، يتقيد بضوابطها الجوهرية ، ولا يعطل مقاصدها .
– – – ٨ – – –
من المقرر ، أن إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه ، توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بين عباده ، مرده أن هذه القواعد تسعها الشريعة الإسلامية ، إذ هى غير متعلقة على نفسها ، ولا تضفى قدسية على اقوال أحد الفقهاء فى شأن من شئونها . ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدالها بغيرها .
– – – ٩ – – –
الآراء الاجتهادية ليس لها ــ فى ذاتها ــ قوة ملزمة متعدية لغير القائلين بها ، ولا يجوز بالتالى إعتبارها شرعاً ثابتاً متقرراً لا يجوز أن ينقض ، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى ، وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل إجتهاد ، بل إن من الصحابة من تردد فى الفتيا تهيباً ، ومن ثم صح القول بأن إجتهاد أحد من الفقهاء ، ليس أحق بالاتباع من إجتهاد غيره . وربما كان أضعفها سنداً ، أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ، ولو كان مخالفاً لأقوال إستقر عليها العمل زمناً .
– – – ١٠ – – –
من المقرر أن الاحتباس حق للزوج ، فإذا نزل عنه صراحة أو ضمناً ، ظل ملزماً بالإنفاق على زوجته باعتبار أن تفويت الاحتباس كان من جهته . ويجوز بالتالى للزوجة أن تعمل خارج بيتها نهاراً أو ليلاً برضاء زوجها ، فإذا كان عقد الزواج مقترناً بشرط عمل المرأة ، صح العقد وسقط الشرط عند الحنفية باعتباره منافياً لمقتضى العقد ، وإن كان الحنابلة يصححون هذه الشروط ويوجبون الوفاء بها ، لقوله ” صلى الله عليه وسلم ” : ” إن أحق ما وفيتم به من الشروط ، ما إستحللتم به الفروج ” . بل إن من الفقهاء من يفترض رضاء الرجل بعمل زوجته ، إذا تزوجها وهو عالم باحترافها .
– – – ١١ – – –
المرأة شريكة الرجل فى عمارة الأرض وغيرها من أشكال الحياة وإنماطها بما يتفق مع طبيعتها ، ولا يخل بكمال رعايتها لأسرتها وفق تعاليم دينها ، تقديراً بأن عملها لا يجوز أن ينفصل عن الضوابط الشرعية سواء فى حدودها أو آدابها ، وأن إنكار حقها فى العمل على إطلاق ، قد يوقعها فى الضيق والحرج ، فلا ييسر شئونها ، أو يعينها على أداء مسئوليتها حتى نحو بيتها وأفراده . بل إن ممارستها لأعمال ينهض بها مجتمعها ولا يعارضها الشرع ، ينفض عنها عوامل الخمول ، ويستنهض ملكاتها ، فلا يكون نشاطها إلا تواجداً ميسراً للحياة وفق متطلباتها من أوضاع العصر ، يفتح أمامها أبواباً للعمل الصالح ، بدءاً من طلبها العلم وتعليمه ، إلى معاونتها لنفسها ولأسرتها ، إلى إقتحام آفاق جديدة تنمو بها مداركها ويتحدد على ضوئها بنيان مجتمعها . وإنعزال المرأة عنها يقلص إهتماماتها وعلمها ووعيها . وتواصلها مع الحياة والناس من حولها ــ وكلما كان تفاعلها معها ومعهم جاداً خيراً ــ يثير يقظتها ولا يشينها . وإذا كان الإحسان إلى المرأة فى ذاتها يفترض تربيتها وتقويمها وتعليمها وإحصانها وغض بصرها وأن تدع ما يريبها إلى ما لا يريبها ، إلا أن منعها من عمل جائز شرعاً لرجحان المصلحة فيه ، إهدار لآدميتها . وردها عن العمل المشروع لاحتمال إنحرافها ، مؤداه أن أنوثتها وطهرها لا يجتمعان ، وأن دينها لن يعصمها من الانزلاق ، وأن تساويها مع الرجل ــ وفيما عدا الدائرة المحدودة التى تظهر فيها فوارق التمييز بينهما ــ ليس أصلاً ثابتاً فى عقيدتها ، وأن توحدها مع الرجل فى أصل نشأتها وتكاليفها ومثوبتها وجزائها ، لا يرشحها للعمل الصالح . سواء فى مجال الإعمار أو غيره مما هو مشروع من مظاهر الحضارة ، وأن صونها لحرمتها وتساميها عن المباذل ، يقتضيها أن تقر فى بيتها ، فلا يكون شأن واجباتها الاجتماعية شأن الرجل ، وهو ما نفاه تعالى حين أمرهما معاً بأن يسعيا بين الناس معروفاً ، وأن ينهيا عما يعد مذكراً خبيثاً ، وكذلك حين كفل لهما ــ عز وجل ــ الجزاء الأوفى عن صالح أعمالهم ” من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ، فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ” . إن المرأة عضو فى مجتمعها ، ودينها يقفها عند حدود شريعتها وتوازنها المقسط . وبقدر تقيدها بأوامرها ونواهيها ، وقيامها بالأعمال التى لا تسحق أنوثتها ، ولا تخل كذلك بمصلحة أسرتها ، فإن منعها منها لا يكون إلا إفتئاتاً على إنسانيتها . إن المشرع لا يرخص للمرأة بالعمل خارج بيتها لمجرد ضمان إستقلالها إقتصادياً سواء عن زوجها أو عن أسرتها ، وإنما لأن هذا العمل يؤثر فى كثير من نواحى الحياة الإجتماعية والاقتصادية ، وقد يكون مطلوباً منها وجوباً أو يصون ماء وجهها أن يراق . وهو فى الأعم يكفل الخير لمجتمعها ، ويمتد إلى كيان الأسرة ذاتها بما تقوم عليه من تعاون أعضائها وتآلفهم .
– – – ١٢ – – –
يلزم أن يكون عمل المرأة مناسباً لطبيعتها موائماً لفطرتها ، وألا يخل بمسئوليتها كراعية لبيتها وزوجها و ولدها ، وأن يكون إستثمارها لوقتها موازناً بين واجباتها قبل أسرتها ، وبين دورها باعتبارها عنصراً منتجاً ومفيداً فى مجتمعها . القول بأن خير حال المرأة أن تقر فى بيتها مردود بأن لها ما عليها معروفاً ، فلا يقوم زوجها بإيوائها وحمايتها ورعايتها والإنفاق عليها ليقهر إرادتها ، ولا ليمحق كيانها بما يباشره من سلطان كاسر عليها ، بل هى كالرجل مدعوة لتحقيق الخير لمجتمعها . ومن خلال تفاعلها مع الجماعة التى تعيش بينها ــ وعلى ضوء إرتباطها بتعاليم دينها ــ تتحدد أنماط سلوكها وإتجاهاتها وقيمها . بل إنها تطور ما يكون موروثاً منها وفق الأدوار التى تتطلبها بيئتها ، وإباحتها هى الأصل ما لم يقم الدليل على تحريمها . وتحكيم القانون فى علاقاتها بغيرها ليس حلاً ملائماً . كذلك فإن إستقلال شخصها لا يعنى بالضرورة إنعزالها عن بيتها ، ولا تمردها على زوجها ، ولا أن تنقل لأسرتها ما يعارض مثلها من أوضاع مجتمعها . ولا دليل على أن عمل المرأة يوهن علاقاتها بزوجها ، أو يقلص من دوره ، بل ربما كان تكيفها مع واقعها أكثر إحتمالاً تبعاً لنضجها وإستقرارها نفسياً وإنفعالياً ، فلا يمتد القلق والتوتر إلى أسرتها ، بل ينداح عن دائرتها ، وكثيراً ما تظفر المرأة ــ ومن خلال عملها ــ بفرض تكفل إيجابيتها وقدرتها على الابتكار ، فلا تكون حركتها فى بيتها إلا إمتداداً لثقتها بنفسها ، ونهراً متدفقاً بأشكال من المودة والعون التى ترجوها لبيتها وزوجها .
– – – ١٣ – – –
إن المرأة وإن كانت سكناً للرجل ، إلا أنهما مكلفان معاً بأن يضربا فى الأرض ، ” فامشوا فى مناكبها ” فلا تكون لهما إلا ذلولاً . وليس عملها مجالاً تتصاول فيه مع زوجها أو تتفاضل به عليه ، ولا إستمداداً لغلبة تدعيها ، فلا تزال القوامة لرجلها يأذن لها ــ إبتداءً ــ بالعمل ، أو يمنعها منه ، وفق ما يراه ضرورياً لمصلحة أسرتها . فإذا خولها هذا الحق ، لم يكن بذلك مخالفاً لقوله تعالى ” وقرن فى بيوتكن ” إذ لا يتعلق هذا الأمر بغير أزواج النبى عليه السلام على ما خلص إليه أغلب المفسرين ، مستندين فى ذلك إلى أن النساء على عهده كن يخرجن مع الرجال إلى ميادين القتال ، ويزاولن التجارة وغيرها من الأعمال خارج بيوتهن حتى ما كان منها سياسياً . ولم يكن دورهن بالتالى محدوداً ، ولا مقيداً فى جوازه بالضرورة ، وإلا كان محظوراً أصلاً . والقول بأن حبسها وراء جدران بيتها لا زال مطلوباً ، ليس إلا تقليداً مترسباً يروضها على إهمال ذاتها ومسئوليتها قبل مجتمعها . وهو ما لا يستقيم ، فعملها لا يجرح عفافها ولا حياءها إلا بقدر إنحرافها عن عقيدتها . والاحتجاج بفساد الزمان لمنعها من العمل ، سوء ظن بها ، ومؤداه أن يكون موقفها من الأوضاع الخاطئة ــ التى لا يتناهى زمنها ــ سلبياً ، فلا تعمل لتقويمها أو دفعها بعد إدراكها لطبيعتها وأبعادها . والقاعدة الشرعية هى إختيار الأيسر لا الأحوط . والاعتدال فى تطبيق قاعدة سد الذرائع ــ لا الغلو فيها ــ هو الذى يصون لدائرة المباح إتساعها ، فلا يضيقها ، توكيداً لقوله تعالى ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ” ” ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ” . والشريعة غايتها أن تقيم بين الرجل والمرأة جسوراً يطرقانها لعمارة الأرض ، لا تتحقق بقطعها ، بل بتواصلها وتواجدهما معاً ، فكلاهما قوة منتجة لها حظها من كسبها ” إنى لا أضيع أجر عمل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ” وعملها قد يدنيها من قدراتها الألصق بتكوينها . وإنعزالها تماماً عن مجتمعها ينتكس بها عثاراً ، ويفقدها حيويتها وقدراتها على التأثير فى بيئتها .
– – – ١٤ – – –
الأصل فى النصوص الدستورية أنها تتكامل فيما بينها فى إطار من الوحدة العضوية التى تجمعها ، فلا تتفرق توجهاتها أو تنعزل عن بعضها ، بل يكون نسيجها متآلفاً بما يحول دون تهادمها أو تناقضها . وما نصت عليه المادة ١١ من الدستور من أن تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى مجتمعها ، ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية ، قد دل على أن عمل المرأة فى مجتمعها ، لا يجوز أن يخل بواجباتها قبل اسرتها أو يجور عليها ، تقديراً بأن مسئولياتها أصلاً وإبتداء ، تحتم عليها أن تحسن تدبير شئون بيتها وأولادها ، وعلى الأخص من خلال تربيتهم ورعايتهم بصورة رشيدة حانية ، وأن يكون لزوجها معهم المودة الغامرة والسكينة النفسية والعصبية ، فلا يكون عقلها وقلبها ويدها إلا موقفاً متوازناً بين واجباتها قبلهم ــ وهم مسئوليتها الأساسية ــ وبين عملها ، بما مؤداه أن إحتياجاتها إلى العمل أو تفوقها فيه أو كسبها منه ، لا يجوز أن يصرفها عن روابطها الأصيلة بأسرتها ، ولا أن يبدد تماسكها . بل ينبغى أن يكون حق بيتها من الأمن والاستقرار مقدماً على ما سواه ، وأن يتضامن مجتمعها معها فيما يعينها على التوفيق بين مسئولياتها الأسرية والمهنية ، وأن يوفر لها كذلك ظروفاً تناسبها فيما تتولاه من عمل . وما ذلك إلا لأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، فلا يكون تواصيهم بالخير إلا تعبيراً عن تراحمهم . والدستور فوق هذا يعهد إلى الدولة ذاتها بأن تتخذ من التدابير ما يكون لازماً للتوفيق بين عمل المرأة وواجباتها قبل أسرتها ، وأن يكون إجتهادها فى ذلك عملاً دءوباً ، فلا تكون المواءمة بينهما توقياً لتعارضهما ، أمراً مندوباً ، بل مطلوباً طلباً جازماً ، ليقوم بالقسط ميزانها عدلاً ورحمة . إن المادة ١١ من الدستور ــ وقد ناطت بالدولة أن تعمل على التوفيق بين عمل المرأة فى مجتمعها و واجباتها قبل أسرتها ــ قد دلت ضمناً على أن عمل المرأة من الحقوق التى كفلها الدستور ، ذلك أن التوفيق بين أمرين يفترض وجودهما ، وإمكان تعارض متطلباتهما ، وتناقض المصالح التى يستهدفانها .
– – – ١٥ – – –
لئن كان بعض الفقهاء يسقطون نفقة الزوجة إذا نهاها زوجها عن حرفتها ، ولم تمتثل لطلبه أن تقر فى بيتها باعتبار أن الاحتباس عندئذ لا يكون كاملاً ، وأن كسبها المال بنفسها مؤداه أن إحتباسها قد صار ناقصاً ، فلا يقبل منها إلا برضاه ، وكان آخرون قد ذهبوا إلى أن إحترافها عملاً يجعلها خارج منزلها نهاراً وعند زوجها ليلاً ، يسقط نفقتها عنها إذا منعها زوجها من الخروج وعصته ، إلا أن الشريعة الإسلامية ــ فى مبادئها الكلية المقطوع بثبوتها ودلالتها ــ لا تتضمن حكماً فاصلاً فى شأن نفقة الزوجة العاملة سواء من حيث إثباتها أو نفيها . ومن ثم يكون وجوبها وسقوطها من المسائل الاجتهادية التى يقرر ولى الأمر فى شأنها من الحلول العملية وما يناسبها ، غير مقيد فى ذلك باجتهادات السابقين ، بل يجوز أن يشرع على خلافها ، وأن ينظم شئون العباد فى بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها وظروفها الخاصة ، بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله ، مستلهماً فى ذلك حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة متلاقية معها ، وهى بعد مصالح لا تتناهى جزيئياتها أو تنحصر تطبيقاتها ، ولكنها تتحدد تبعاً لما يطرأ عليها من تغيير وتطور . ومن ثم كان حقاً عند الخيار بين أمرين ، مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثماً ، وكان واجباً كذلك ألا يشرع ولى الأمر حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عسراً ، وإلا كان مصادماً لقوله تعالى ” ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج ” وذلك وحده هو الذى ييسر للشريعة مرونتها ، ويمدها دوماً بقواعد يكتمل بها نماؤها وتكفل حيويتها .
– – – ١٦ – – –
إن المشرع قد وازن بالفقرة المطعون عليها ــ وفى إطار دائرة الاجتهاد ــ بين حق الزوج فى الاحتباس الكامل ، وبين صورة من الاحتباس يرتضيها وتتحقق بها فى الجملة مقاصد النكاح ، فأجاز لكل امرأة أن تعمل بإذن زوجها سواء أكان هذا الإذن صريحاً أم ضمنياً ، فإذا أذنت بالعمل ، وكان عملها مشروعاً ، فإن مضيها فيه يكون حقاً مكفولاً لها ، فلا يمنعها زوجها منه ، أو يردها عنه ، بعد أن رخص لها به ، إلا أن يقوم الدليل بعد مباشرتها لهذا العمل على إساءتها إستعمال الحق فيه إنحرافاً عن الأغراض التى يبتغيها ، أو كان أداؤها لعملها منافيا ً لمصلحة أسرتها . ولا مخالفة فى ذلك للدستور ، وذلك لأمرين : أولهما : أن مصلحة الأسرة والحق فى العمل لا يتوازيان ، بل ينبغى تغليبها وتقديمها على هذا الحق ، فلا يكون إلا مسخراً لها يخدمها ويطور بنيانها ، فإذا قصر عن متطلباتها أو نقضها ، كان حرثاً فى البحر لا يصلح للأسرة حياتها أو يثريها ، بل يفسد دروبها ويمزق روابطها ويقوض أمنها وإستقرارها . ولا يجوز بالتالى أن يعطل عمل المرأة أمومتها ، ولا أن يدل على إنقطاعها لذاتها ومطالبها وأهوائها ، ولا أن يباعد ــ بوجه عام ــ بينها وبين واجباتها قبل أسرتها ، بل إن كمال دينها يقتضيها أن يكون إيثارها لبيتها على ما عداه تعبيراً عن فهمها الحق لجوهر عقيدتها . وما النساء إلا شقائق الرجال ، ولا تقوم الحياة بينهما على التناضل ، بل يكون التعاون ملاكها . وليس من صوره تخليها عن بيتها لتباشر أعمالاً تستنفد وقتها أو تنوء بها أو لا تلتئم وطبيعتها ، بل ينبغى أن يكون عملها نافعاً لمجتمعها وغير ضار ببيتها ، تقديراً بأن الزوجين شريكان يتقاسمان الجهد ليقيما حياتهما على سوائها بالغين بها قدر الإمكان ، حظها من الكمال ، فلا يشوهها أحدهما . ثانيهما : أن إساءتها إستعمال الحق فى العمل ، ينقض من جانبها الأغراض التى يتوخاها ، ويعتبر خطأ منها ناشئاً على الأخص من إتجاه قصدها إلى الإضرار بالغير ، أو لتحقيق مصلحة محدودة أهميتها ، أو مصلحة لا إعتبار لها ، أو ترجحها الأضرار التى تقارنها رجحاناً كبيراً أو تساويها ، ومن ثم يكون معيار سوء إستعمال الحق موضوعياً لا ذاتياً ، ويفترض ذلك بالضرورة ــ وفى نطاق الدعوى الماثلة ــ أن يكون سوء إستعمال المرأة لحقها فى العمل ، إنحرافاً بهذا الحق عن تلك المصالح التى تصون لأسرتها ترابطها ووحدتها . إذ كان ما تقدم ، وكانت الفقرة (٥) من المادة الأولى المطعون عليها ، لا تناقض أحكام الدستور فى مجموعها ، فإن النعى بخروجها عليها ، يكون فاسداً .
– – – ١٧ – – –
متى كان قضاء هذه المحكمة فى الدعوى الماثلة ، قد خلص إلى إتفاق نص الفقرة (٥) من المادة الأولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية مع الدستور ، بما يترتب على ذلك من آثار من بينها أن زوجته لا تعتبر ناشزاً فى مجال تطبيق أحكام هذا القانون فى شأن حقها فى العمل ، فإن مصلحة المدعى فى الطعن على المادة ١١ مكرراً ثانياً من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ المشار إليه ــ والتى حدد بها المشرع الآثار التى رتبها على إمتناع الزوجة عن طاعة زوجها دون حق ــ تغدو منتفية .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليها عزة عبد العال عيد ، كانت قد أقامت الدعوى رقم ١٨٣ سنة ١٩٩١ شرعى جزئى قسم أول المنصورة ضد المدعى بطلب الحكم بفرض نفقة لها ولصغيرها بأنواعها الثلاثة من تاريخ طرده لها من منزل الزوجيه الحاصل فى ٥ / ٧ / ١٩٩٠، وذلك على سند من أنها تزوجته بصحيح العقد الشرعى المؤرخ ١٣ / ٣ / ١٩٨٤ ورزقت منه بالصغيرين أحمد وياسر ، إلا أنه امتنع عن الإنفاق عليهم رغم قدرته ويساره . وبعد أن أحالت محكمة الموضوع الدعوى إلى التحقيق ، قضت بجلسة ٨ / ٣ / ١٩٩٢ حضوريا بفرض نفقه مؤقتة للمدعية وصغيريها أحمد وياسر ، وذلك اعتبارا من تاريخ رفع الدعوى . ثم أعادتها إلى المرافعه لجلسه ١٩ / ٤ / ١٩٩٢ . وبتلك الجلسه قدم المدعى عليه إنذار طاعة معلن منه للمدعية ، ودفع بعدم دستورية أحكام القانون رقم ١٠٠ سنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية . كما قدمت المدعيه صورة اعتراضهاعلى هذا الإنذار، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة ٢٤ / ٦ / ١٩٩٢ ، وصرحت للمدعى باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة ٠ وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية – والمعدل بالقانون رقم ١٠٠ سنة ١٩٨٥ – تقضى بما يأتى : << تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولوحكما حتى لوكانت موسرة أو مختلفة معه فى الدين . ولايمنع مرض الزوجة من استحقاقها النفقة وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضى به الشرع . ولاتجب النفقة للزوجة إذا ارتدت ، أو امتنعت مختارة عن تسليم نفسها دون حق أو اضطرت إلى ذلك لسبب ليس من قبل الزوج أو خرجت دون إذن زوجها . ولايعتبر سببا لسقوط نفقة الزوجة ، خروجها من مسكن الزوجية – دون إذن زوجها – فى الأحوال التى يباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد به نص أو جرى به عرف أو قضت به ضرورة . ولاخروجها للعمل المشروع مالم يظهر أن استعمالها لهذا الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق ، أو مناف لمصلحة الأسرة ، وطلب منها الزوج الامتناع عنه >> . وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة على محكمة الموضوع ؛ وكان النزاع الموضوعى – وفى مجال استحقاق المدعى عليها لنفقتها – مبناه إنكار حقها فى العمل ، فإن الفقرة الخامسة من المادة الأولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية – وفى مجال تطبيق أجزائها التى تتعلق بعمل الزوجة وشروط هذا العمل – هى التى يتحدد على ضوئها موضوع الدعوى الدستورية الماثلة ، وبها وحدها تقوم المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى . وحيث إن المدعى ينعى على هذه الفقرة ، مخالفتها لأحكام المادتين ٢ و ٩ من الدستور التى تقضى أولاهما بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ،وثانيتهما بأن الأسرة أساسها الدين . هذا فضلا عن أن عرفا دستوريا قد استقر على أن المسلمين لايخضعون فى أحوالهم الشخصية لغير شريعتهم . وفى تفصيل ذلك نوه المدعى بأن حكم الفقرة المطعون عليها يناقض ماينبغى أن تكون عليه صلة الزوجة بزوجها ، وذلك من عدة وجوه : أولها : انطواؤه على تحريض كل زوجة تحريضا خفيا على أن تستهر بزوجها مما يجعل الحياة الزوجية شغبا وتطاحنا وصخبا – لا سكَنا أو طمأنينة . وما من زوج مؤمن يقبل عصيان زوجته لأوامره التى تمنعها من الخروج من منزلها . والقانتة هى التى ترعى زوجها، و تحفظ عرضه وماله ، ولوكان غائبا عنها . وهي التي قرن الإسلام طاعتها لزوجها بإقامتها لفرائضها الدينية . وليس من العدل أن يُحْمل الرجل على الإنفاق على زوجته التى لم تمتثل لطلبه بالامتناع عن العمل ، تقديرا بأن الأصل أن ترعى الزوجة بيتها رعاية كاملة لاتتهيأ إلا بالاحتباس الكامل الذى تتفرغ الزوجة بمقتضاه لشئون زوجها وتصون أولاده ، وتتحقق به المودة والرحمة وغيرهما من مقاصد النكاح . ثانيهما : أن الزوج ولوتفاهم أصلا مع زوجته على أن تعمل ، إلا أن رضاءه بالاحتباس الناقص فترة من الزمن ، لايحول دون منعها بعدئذ من العمل استصحابا للحق فى الاحتباس الكامل باعتباره من الحقوق الشرعية التى لايجوز الاتفاق على خلافها . ثالثها : أن ماتدعيه كل زوجة من أنها تساعد زوجها بكسبها من عملها ، لايستقيم شرعا ، إذ ليس للزوج حق فى مال زوجته . وخروجها للعمل يناقض قوله تعالى << وقرن فى بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى >> وهو نص يفيد قطعا حق الزوج فى أن يمسك زوجته بمنزل الزوجية ويمنعها من الخروج إلا بإذنه . وعمل المرأة رغم اعتراض زوجها عليه ، يناقض بذاته مصلحة الأسرة . رابعها : أن مشروعية عمل المرأة لاتكون إلا على ضوء التعاليم الدينية ، ولا شأن لها بما يعد عرفا ، ولابما يقع فى نطاق الضرورة ، ذلك أن أولهما إنما يتحدد على ضوء أوضاع كل عصر ، فلايكون إلا عرفا فاسدا . كذلك فإن الضرورة من الرخص التى لايجوز تطبيقها فى غير موضعها . وحيث إن البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الدينية والاجتماعية والاوقاف بمجلس الشعب ، فى شأن الاقتراح الخاص بمشروع هذا القانون رقم ١٠٠ سنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، وكذلك من المذكرة الإيضاحية لهذا القانون ، أن المشرع حدد الأحوال التى لاتسقط فيها نفقة الزوجة ، ويندرج تحتها خروجها للعمل المشروع إذا أذنها الزوج بالعمل ، أو عملت دون اعتراضه ، أو تزوجها عالما بعملها ، مالم يظهر أن عملها كان مشوبا بإساءتها استعمال الحق، أو منافيا لمصلحة الأسرة ، وطلب منها زوجها الامتناع عنه . وحيث إن نفقة الزوجة مناطها احتباسها لحق زوجها عليها – ولوكانت موسرة أو مختلفة معه فى الدين – ليملك زوجها عليها تلك المنافع التى ينفرد بالاستمتاع بها بحكم قصرها عليه بإذن من الله تعالى ، ومن خلال تسليمها نفسها لزوجها تسليما فعليا أو حكميا . والنفقة بذلك حق ثابت لها على زوجها فى نكاح صحيح . ومن ثم كان احتباسها أو استعدادها لتمكين زوجها منها ، سببا لوجوبها ؛ وكان قدرها مرتبطا بكفايتها ، وبشرط ألا تقل عما يكون لازما لاستيفاء احتياجاتها الضرورية ، امتثالا لقوله تعالى << لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قُدر عليه رزقه ، فلينفق مما اتاه الله ، لايكلف الله نفسا إلا ما أتاها << اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولاتضاروهن ، لتضيقوا عليهن >> بما مؤداه أن عصيانها زوجها فيما يباشره عليها من الحقوق التى يوجبها النكاح ، يدل على نشوزها، ويعتبر مسقطا لنفقتها بالنظر إلى ترفعها وإبائها أن تطاوع زوجها ، وتجاهلها أن حقوق الزوجين وواجباتهما تتقابل فيما بينها ، فلايتقيد زوجها بالإنفاق علىها مع ارتفاعها عن أوامره . فإذا ظلمها زوجها بعد توبتها ، كان معتديا <<فإن أطعنكم فلاتبغوا عليهن سبيلا >> . وحيث إن مفاد الفقرة الخامسة من المادة الأولى المطعون عليها ، أن الأصل هو ألا تخرج المرأة من بيت زوجها إلا إذا أذن لها بذلك – صريحا كان هذا الإذن أم ضمنيا – مالم يكن خروجها مبررا بحكم الشرع أو كان عذرها فيه عرفا صحيحا أو ضرورة ملجئة ، بما مؤداه جواز خروجها بغير إذن زوجها لتمريض أحد أبويها أو تعهده أولطلبها حقا من القاضي ؛ أو لقضاء حوائجها أو لزيارة محرم مريض ؛ أو لتهدم منزلها أو إذا أعسر زوجها بنفقتها . ولايكون خروجها للعمل المشروع إلا بإذن زوجها ، فإذا أذن لها ، فلايجوز أن يمنعها من العمل إلا إذا قام الدليل علي أن مضيها فيه ، كان انحرافا منها عن الحدود المنطقية للحق في العمل ، أو مجافيا لمصلحة أسرتها . ولاتتعلق الدعوى الدستورية الماثلة بغير الضوابط التى أقامتها الفقرة (٥) المطعون عليها لحق المرأة فى العمل ، باعتبار أن النزاع الموضوعى يدور حول إنكار زوجها لهذا الحق وادعاء سقوط نفقتها بالتالى لنشوصها . وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن مانصت عليه المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها فى ١٩٨٠ – من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، إنما يتمحض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل – ومن بينها أحكام القانون رقم ١٠٠ سنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية – فلايجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية المقطوع بثبوتها ودلالتها ، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية أصولها الكلية التى لاتحتمل تأويلا أو تبديلا . ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعا لتغير الزمان والمكان ، ولاأن يكون تطبيقها متفاوتا ولانهجها متباينا ، إذ هى عصية على التعديل ، فلايجوز الخروج عليها أو تنحيتها أو الالتواء بها عن مقاصدها أو إلباسها غير توجهاتها ، بل تظل فى مضامينها ومراميها قواعد كلية تتوخى أغراضا لاتفريط فيها . وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأن هذه القواعد على مراقبة التقيد بها والنزول عليها وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها ، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم القواعد الكلية للشريعة الإسلامية على مادونها ، تقديرا بأن مبادئها الأصيلة ، تمثل ركائزها التى تفرض متطلباتها دوما على كل قاعدة قانونية تعارضها ، وبما يحول دون إقرار قاعدة قانونية على خلافها ، وإلا كان ذلك تشهيا وإنكارا لما علم من الدين بالضرورة . ولاكذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا ، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ، ولاتمتد لسواها ، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها ، ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا ، على أن يكون الاجتهاد واقعا دوما فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية ، مقيما الأحكام العملية بالاعتماد فى استنباطها على الأدلة الشرعية ، متوخيا من خلالها تحقيق المقاصد الشرعية فى عموم تطبيقاتها بما تقوم عليه من صون الدين والبدن والعقل والعرض والمال . وتلك هى الشريعة فى أصولها ومنابتها ، شريعة غير جامدة لايكون الاجتهاد فيها – بما يقوم عليه من استفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لانص عليه – إلابابا مفتوحا ينفذ إلي مبادئها الكلية ولايعارضها ؛ يتقيد بضوابطها الجوهرية ، ولايعطل مقاصدها . وحيث إن من المقرر كذلك فى قضاء هذه المحكمة ، أن إعمال حكم العقل فيما لانص فيه ، توصلا لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بين عباده ، مرده أن هذه القواعد تسعها الشريعة الإسلامية ، إذ هى غير منغلقة على نفسها ، ولاتضفى قدسية على أقوال أحد الفقهاء فى شأن من شئونها . ولاتحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدالها بغيرها . فالأراء الاجتهادية ليس لها – فى ذاتها – قوة ملزمة متعدية لغير القائلين بها ، ولايجوز بالتالى اعتبارها شرعا ثابتا متقررا لايجوز أن ينقض ، وإلا كان ذلك نهيا عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى ، وإنكارا لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل اجتهاد ، بل إن من الصحابة من تردد فى الفتيا تهيبا ، ومن ثم صح القول بان اجتهاد أحد من الفقهاء، ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره . وربما كان أضعفها سندا ، أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ، ولوكان مخالفا لأقوال استقر عليها العمل زمنا . وحيث إن من المقرر أن الاحتباس حق للزوج ، فإذا نزل عنه صراحة أو ضمنا ، ظل ملزما بالإنفاق على زوجته باعتبار أن تفويت الاحتباس كان من جهته . ويجوز بالتالى للزوجة أن تعمل خارج بيتها نهارا أو ليلا برضاء زوجها ، فإذا كان عقد الزواج مقترنا بشرط عمل المرأة، صح العقد وسقط الشرط عند الحنفية باعتباره منافيا لمقتضى العقد ، وإن كان الحنابلة يصححون هذه الشروط ويوجبون الوفاء بها، لقوله صلى الله عليه وسلم << إن أحق ماوفيتم به من الشروط ، مااستحللتم به الفروج >> . بل إن من الفقهاء من يفترض رضاء الرجل بعمل زوجته ، إذا تزوجها وهو عالم باحترافها . وحيث إن المرأة شريكة الرجل فى عمارة الأرض وغيرها من أشكال الحياة وانماطها بما يتفق مع طبيعتها ، ولايخل بكمال رعايتها لأسرتها وفق تعاليم دينها ، تقديرا بأن عملها لايجوز أن ينفصل عن الضوابط الشرعية سواء فى حدودها أو آدابها ، وأن إنكار حقها فى العمل على إطلاق ، قد يوقعها فى الضيق والحرج ، فلاييسر شئونها ، أو يعينها على أداء مسئوليتها حتى نحو بيتها وأفراده . بل إن ممارستها لأعمال ينهض بها مجتمعها ولايعارضها الشرع ، ينفض عنها عوامل الخمول ، ويستنهض ملكاتها ، فلايكون نشاطها إلا تواجدا مُيَسِّرا للحياة وفق متطلباتها من أوضاع العصر ، يفتح أمامها أبوابا للعمل الصالح ، بدءا من طلبها العلم وتعليمه ، إلى معاونتها لنفسها ولأسرتها ، إلى اقتحام آفاق جديدة تنمو بها مداركها ويتحدد على ضوئها بنيان مجتمعها . وانعزال المرأة عنها يقلص اهتماماتها وعلمها ووعيها . وتواصلها مع الحياة والناس من حولها – وكلما كان تفاعلها معها ومعهم جادا خيرا – يثير يقظتها ولايشينها . وربما حملها تعقد مجتمعها المعاصر ، واتساع دائرة احتياجاتها على مغادرة بيتها لقضائها . وإذا كان الإحسان إلى المرأة فى ذاتها يفترض تربيتها وتقويمها وتعليمها وإحصانها وغض بصرها وأن تدع مايريبها إلى مالايريبها ، إلا أن منعها من عمل جائزشرعا لرجحان المصلحة فيه ، إهدار لآدميتها . وردها عن العمل المشروع لاحتمال انحرافها ، مؤداه أن أنوثتها وُطهرها لايجتمعان ؛ وأن دينها لن يعصمها من الانزلاق ؛ وأن تساويها مع الرجل – وفيما عدا الدائرة المحدودة التى تظهر فيها فوارق التمييز بينهما – ليس أصلا ثابتا فى عقيدتها ؛ وأن توحدها مع الرجل فى أصل نشأتها وتكاليفها ومثوبتها وجزائها ، لاترشحها للعمل الصالح . سواء فى مجال الإعمار أو غيره مما هو مشروع من مظاهر الحضارة ؛ وأن صونها لحرمتها وتساميها عن المباذل ، يقتضيها أن تقر فى بيتها ، فلايكون شأن واجباتها الاجتماعية شأن الرجل ، وهو مانفاه تعالى حين أمرهما معا بأن يسعيا بين الناس معروفاً ، وأن ينهيا عما يعد منكرا خبيثاً ، وكذلك حين كفل لهما – عزوجل – الجزاء الأوفى عن صالح أعمالهم > من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون < . إن المرأة عضو فى مجتمعها ، ودينها يقفها عند حدود شريعتها وتوازنها المقسط . وبقدر تقيدها بأوامرها ونواهيها ، وقيامها بالأعمال التى لاتسحق أنوثتها ، ولاتخل كذلك بمصلحة أسرتها ، فإن منعها منها لايكون إلا افتئاتا على إنسانيتها . وحيث إن المشرع لايرخص للمرأة بالعمل خارج بيتها لمجرد ضمان استقلالها اقتصاديا سواء عن زوجها أو عن أسرتها ، وإنما لأن هذا العمل يؤثر فى كثير من نواحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، وقد يكون مطلوبا منها وجوبا أويصون ماء وجهها أن يراق . وهو فى الأعم يكفل الخير لمجتمعها ، ويمتد إلى كيان الأسرة ذاتها بما تقوم عليه من تعاون أعضائها وتآلفهم . وشرط ذلك أن يكون عملها مناسبا لطبيعتها موائما لفطرتها ؛ وألايخل بمسئوليتها كراعية لبيتها وزوجها وولدها ؛ وأن يكون استثمارها لوقتها موازنا بين واجباتها قبل أسرتها ، وبين دورها باعتبارها عنصرا منتجا ومفيدا فى مجتمعها . وحيث إن القول بأن خير حال المرأة أن تقر فى بيتها مردود بأن لها مثل ماعليها معروفا ، فلايقوم زوجها بإيوائها وحمايتها ورعايتها والإنفاق عليها ليقهر إرادتها ، ولاليمحق كيانها بما يباشره من سلطان كاسر عليها ، بل هي كالرجل مدعوة لتحقيق الخير لمجتمعها . ومن خلال تفاعلها مع الجماعة التي تعيش بينها – وعلي ضوء ارتباطها بتعاليم دينها – تتحدد أنماط سلوكها واتجاهاتها وقيمها . بل إنها تطور مايكون موروثا منها وفق الأدوار التى تتطلبها بيئتها ؛ وإباحتها هى الأصل مالم يقم الدليل على تحريمها . وتحكيم القانون فى علاقاتها بغيرها ليس حلا ملائما . كذلك فإن استقلال شخصها لايعنى بالضرورة انعزالها عن بيتها، ولاتمردها علي زوجها، ولا أن تنقل لأسرتها مايعارض مُثُلها من أوضاع مجتمعها . ولادليل على أن عمل المرأة يوهن علاقاتها بزوجها ، أو يقلص من دوره ، بل ربما كان تكيفها مع واقعها أكثر احتمالا تبعا لنضجها واستقرارها نفسيا وانفعاليا ، فلايمتد القلق والتوتر إلي أسرتها، بل ينداح عن دائرتها ، وكثيرا ماتظفر المرأة – ومن خلال عملها – بفرص تكفل إيجابيتها وقدرتها على الابتكار ، فلاتكون حركتها في بيتها إلا امتدادا لثقتها بنفسها ، ونهرا متدفقا بأشكال من المودة والعون التي ترجوها لبيتها ولزوجها . وحيث إن المرأة وإن كانت سكنا للرجل ، إلا أنهما مُكلفَّان معا بأن يضربا فى الأرض ، << فامشوا فى مناكبها >> فلاتكون لهما إلا ذلولا . وليس عملها مجالا تتصاول فيه مع زوجها أو تتفاضل به عليه ، ولا استمدادا لغلبة تدعيها ، فلاتزال القوامة لرجلها يأذن لها – ابتداءً – بالعمل ، أو يمنعها منه ، وفق مايراه ضروريا لمصلحة أسرتها . فإذا خولها هذا الحق، لم يكن بذلك مخالفا لقوله تعالى << وقرن في بيوتكن >> إذ لايتعلق هذا الأمر بغير أزواج النبى عليه السلام على ماخلص إليه أغلب المفسرين ، مستندين في ذلك إلي أن النساء على عهده كن يخرجن مع الرجال إلى ميادين القتال ، ويزاولن التجارة وغيرها من الأعمال خارج بيوتهن حتى ماكان منها سياسيا. ولم يكن دورهن بالتالى محدودا ، ولامقيدا فى جوازه بالضرورة ، وإلا كان محظورا أصلا . والقول بأن حبسها وراء جدران بيتها لازال مطلوبا ، ليس إلا تقليدا مترسبا يروضها على إهمال ذاتها ومسئوليتها قبل مجتمعها . وهو مالايستقيم ، فعملها لايجرح عفافها ولاحياءها إلا بقدر انحرافها عن عقيدتها . والاحتجاج بفساد الزمان لمنعها من العمل ، سوء ظن بها ؛ ومؤداه أن يكون موقفها من الأوضاع الخاطئة – التى لايتناهى زمنها – سلبيا ، فلاتعمل لتقويمها أو دفعها بعد إدراكها لطبيعتها وأبعادها . والقاعدة الشرعية هى اختيار الأيسر لا الأحوط . والاعتدال فى تطبيق قاعدة سد الذرائع – لا الغلو فيها – هو الذى يصون لدائرة المباح اتساعها، فلايضيقها ، توكيدا لقوله تعالى << يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر >> << ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون >> . والشريعة غايتها أن تقيم بين الرجل والمرأة جسورا يطرقانها لعمارة الأرض ، لاتتحقق بقطعها ، بل بتواصلها وتواجدهما معا ، فكلاهما قوة منتجة لها حظها من كسبها << إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض >> وعملها قد يدنيها من قدراتها الألصق بتكوينها . وانعزالها تماما عن مجتمعها ينتكس بها عثارا ، ويفقدها حيويتها وقدراتها على التأثير فى بيئتها . وحيث إن الأصل فى النصوص الدستورية أنها تتكامل فيما بينها فى إطار من الوحدة العضوية التى تجمعها ، فلاتتفرق توجهاتها أو تنعزل عن بعضها ، بل يكون نسيجها متآلفا بما يحول دون تهادمها أو تناقضها . وحيث إن ما نصت عليه المادة ١١ من الدستور من أن تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى مجتمعها ، ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية ؛ قد دل على أن عمل المرأة فى مجتمعها ، لايجوز أن يخل بواجباتها قبل أسرتها أو يجور عليها ، تقديرا بأن مسئوليتها أصلا وابتداء ، تحتم عليها أن تحسن تدبير شئون بيتها وأولادها ، وعلى الأخص من خلال تربيتهم ورعايتهم بصورة رشيدة حانية ، وأن يكون لزوجها معهم المودة الغامرة والسكينة النفسية والعصبية ، فلايكون عقلها وقلبها ويدها إلا موقفا متوازنا بين واجباتها قبلهم – وهم مسئوليتها الأساسية – وبين عملها ؛ بما مؤداه أن احتياجها إلى العمل أو تفوقها فيه أو كسبها منه ، لايجوز أن يصرفها عن روابطها الأصيلة بأسرتها ، ولا أن يبدد تماسكها . بل ينبغى أن يكون حق بيتها من الأمن والاستقرار مقدما على ماسواه ، وأن يتضامن مجتمعها معها فيما يعُينها على التوفيق بين مسئولياتها الأسرية والمهنية ، وأن يوفر لها كذلك ظروفا تناسبها فيما تتولاه من عمل . وماذلك إلا لأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، فلايكون تواصيهم بالخير إلا تعبيرا عن تراحمهم . والدستور فوق هذا يعهد إلى الدولة ذاتها بأن تتخذ من التدابير مايكون لازما للتوفيق بين عمل المرأة وواجباتها قبل أسرتها ، وأن يكون اجتهادها فى ذلك عملا دءوبا ، فلاتكون المواءمة بينهما توقيا لتعارضهما ، أمرا مندوبا ، بل مطلوبا طلبا جازما ، ليقوم بالقسط ميزانها عدلا ورحمة . وحيث إن المادة ١١ من الدستور – وقد ناطت بالدولة أن تعمل على التوفيق بين عمل المرأة فى مجتمعها وواجباتها قبل أسرتها – قد دلت ضمنا على أن عمل المرأة من الحقوق التى كفلها الدستور، ذلك أن التوفيق بين أمرين يفترض وجودهما ، وإمكان تعارض متطلباتهما ، وتناقض المصالح التى يستهدفانها . ولئن كان بعض الفقهاء يسقطون نفقتها إذا نهاها زوجها عن حرفتها ، ولم تمتثل لطلبه أن تقر فى بيتها باعتبار أن الاحتباس عندئذ لايكون كاملا ، وأن كسبها المال بنفسها مؤداه أن احتباسها قد صار ناقصا ، فلايقبل منها إلابرضاه ؛ وكان آخرون قد ذهبوا إلى أن احترافها عملا يجعلها خارج منزلها نهارا وعند زوجها ليلا ، يسقط نفقتها عنها إذا منعها زوجها من الخروج وعصته ، إلا أن الشريعة الإسلامية – فى مبادئها الكلية المقطوع بثبوتها ودلالتها – لاتتضمن حكما فاصلا فى شأن نفقة الزوجة العاملة سواء من حيث إثباتها أو نفيها . ومن ثم يكون وجوبها وسقوطها من المسائل الاجتهادية التى يقرر ولى الأمر فى شأنها من الحلول العملية مايناسبها ، غيرمقيد فى ذلك باجتهادات السابقين ، بل يجوز أن يشرع على خلافها ، وأن ينظم شئون العباد فى بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها وظروفها الخاصة ، بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله ، مستلهما فى ذلك حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة متلاقية معها ، وهى بعد مصالح لاتتناهى جزئياتها أو تنحصر تطبيقاتها ، ولكنها تتحدد تبعا لما يطرأ عليها من تغيير وتطور . ومن ثم كان حقا عند الخيار بين أمرين ، مراعاة أيسرهما مالم يكن إثما ، وكان واجبا كذلك ألايشرع ولى الأمرحكما يضيق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عسرا ، وإلا كان مصادما لقوله تعالى << مايريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج >> وذلك وحده هو الذي ييسر للشريعة مرونتها ، ويمدها دوما بقواعد يكتمل بها نماؤها وتكفل حيويتها . وحيث إن المشرع قد وازن بالفقرة المطعون عليها – وفى إطار دائرة الاجتهاد – بين حق الزوج فى الاحتباس الكامل ، وبين صورة من الاحتباس يرتضيها وتتحقق بها فى الجملة مقاصد النكاح ، فأجاز لكل إمراة أن تعمل بإذن زوجها سواء أكان هذا الإذن صريحا أم ضمنيا، فإذا أذنها بالعمل ، وكان عملها مشروعا ، فإن مضيها فيه يكون حقا مكفولا لها ، فلايمنعها زوجها منه ، أو يردها عنه ، بعد أن رخص لها به ، إلا أن يقوم الدليل بعد مباشرتها لهذا العمل علي إساءتها استعمال الحق فيه انحرافا عن الأغراض التي يبتغيها ، أو كان أداؤها لعملها منافيا لمصلحة أسرتها .ولامخالفة فى ذلك للدستور ، وذلك لأمرين : أولهما : أن مصلحة الأسرة والحق فى العمل لايتوازيان ، بل ينبغى تغليبها وتقديمها على هذا الحق ، فلايكون إلامسخرا لها يخدمها ويطور بنيانها ، فإذا قصر عن متطلباتها أو نقضها ، كان حرثا فى البحر لايُصلح للأسرة حياتها أو يثريها ، بل يفسد دروبها ويمزق روابطها ويقوض أمنها واستقرارها . ولايجوز بالتالى أن يعطل عمل المرأة أمومتها ، ولا أن يدل على انقطاعها لذاتها ومطالبها وأهوائها ، ولا أن يباعد – بوجه عام – بينها وبين واجباتها قبل أسرتها ، بل إن كمال دينها يقتضيها أن يكون إيثارها لبيتها على ماعداه تعبيرا عن فهمها الحق لجوهر عقيدتها .وما النساء إلا شقائق الرجال ، ولاتقوم الحياة بينهما على التناضل ، بل يكون التعاون مِلاكُها . وليس من صوره تخليها عن بيتها لتباشر أعمالا تستنفد وقتها أو تنوء بها أو لاتلتئم وطبيعتها ، بل ينبغى أن يكون عملها نافعا لمجتمعها وغير ضار ببيتها ، تقديرا بأن الزوجين شريكان يتقاسمان الجهد ليقيما حياتهما على سوائها بالغين بها قدر الإمكان ، حظها من الكمال ، فلا يشوهها أحدهما . ثانيهما : أن إساءتها استعمال الحق فى العمل ، ينقض من جانبها الأغراض التي يتوخاها ، ويعتبر خطأ منها ناشئا على الأخص من اتجاه قصدها إلى الإضرار بالغير ، أو لتحقيق مصلحة محدودة أهميتها ، أو مصلحة لا اعتبار لها ، أو ترجحها الأضرار التى تقارنها رجحانا كبيرا أو تساويها ، ومن ثم يكون معيار سوء استعمال الحق موضوعيا لا ذاتيا . ويفترض ذلك بالضرورة – وفى نطاق الدعوى الماثلة – أن يكون سوء استعمال المرأة لحقها فى العمل ، انحرافا بهذا الحق عن تلك المصالح التى تصون لأسرتها ترابطها ووحدتها . وحيث إنه إذ كان ماتقدم ، وكانت الفقرة (٥) من المادة الأولى المطعون عليها، لاتناقض أحكام الدستور فى مجموعها ، فإن النعى بخروجها عليها ، يكون فاسدا . وحيث إن المادة ١١ مكرراً ثانيا من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ التى أضافها إليه القانون رقم ١٠٠ سنة ١٩٨٥ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، تقضى بما يأتى : << إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق ، توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع. وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها . وعليه أن يبين فى هذا الإعلان المسكن . وللزوجة الاعتراض على هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوما من تاريخ هذا الإعلان، وعليها أن تبين فى صحيفة الاعتراض الأوجه الشرعية التى تستند إليها فى امتناعها عن طاعته ، وإلا حكم بعدم قبولها اعتراضها ، ويعتد بوقف نفقتها من تاريخ انتهاء الاعتراض إذا لم تتقدم به فى الميعاد >> . وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة ١١ مكرراً ثانيا، مخالفتها أحكام الشريعة الإسلامية بمقولة أنها تضمنت ثلاثة مواعيد متناقضة لسقوط النفقة : أولها : سقوطها من وقت امتناع الزوجة عن طاعة زوجها . وثانيها : من وقت رفضها دعوة الزوج إياها للعودة إلى مسكن الزوجية . وثالثها : بعد انتهاء الثلاثين يوما المحددة لاعتراضها على دعوتها العودة إلى هذا المسكن إذا لم تتقدم باعتراضها خلال هذا الميعاد . والصحيح – عند المدعى – هو سقوط نفقتها من وقت امتناعها عن طاعة زوجها بغير حق أو عذر . أما دعوة الزوج لها بالعودة إلى مسكن الزوجية ، واعتراضها على دعوته هذه أو عدم اعتراضها عليها ، فليس بدليل على بداية وقت نشوزها . وحيث إن قضاء هذه المحكمة فى الدعوى الماثلة ، قد خلص إلى اتفاق نص الفقرة (٥) من المادة الأولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية مع الدستور ، بما يترتب على ذلك من آثار من بينها أن زوجته لاتعتبر ناشزا فى مجال تطبيق أحكام هذا القانون فى شأن حقها فى العمل ؛ فإن مصلحة المدعى فى الطعن على المادة ١١ مكررا ثانيا من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ المشار إليه – والتى حدد بها المشرع الآثار التى رتبها على امتناع الزوجة عن طاعة زوجها دون حق – تغدو منتفية .