حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١٢ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١٢ دستورية
– – – ١ – – –
إن مؤدى نص المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا أن الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم دستورية نص تشريعى تقدر محكمة الموضوع جديته ، و لا تقبل إلا برفعها خلال الأجل الذى حددته لذلك بما لا يجاوز ثلاثة أشهر ، و كان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن هذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها – تتعلق بالنظام العام بإعتبارها شكلاً جوهريا فى التقاضى تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها ، و فى الموعد الذى حدده ، و كان الثابت من الصورة الرسمية لمحضر جلسة ٨ يناير سنة ١٩٩٠ أن محكمة الموضوع التى أثير أمامها الدفع بعدم دستورية نص المادة ٣٥ من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى ، قررت فى هذه الجلسة ذاتها تأجيل نظر الدعوى المطروحة أمامها لجلسة ٩ أبريل سنة ١٩٩٠ ليرفع المدعيان قبل إنعقادها دعوييهما بعدم دستورية النص التشريعى المطعون عليه ، و كان المدعيان قد قاما بإيداع صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا بتارريخ ٧ أبريل سنة ١٩٩٠ أى قبل إنقضاء الأجل الذى حددته محكمة الموضوع لرفع الدعوى الدستورية ، فإن قالة تجاوز المدعيين لهذا الميعاد تكون فاقدة لأساسها ، الأمر الذى يتعين معه رفض الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة .
– – – ٢ – – –
إن طبيعة الأوامر على العرائض تقتضى المفاجأة و المباغتة ، و هى تصدر عن القاضى فى حدود سلطته الولائية و لا تستند إلى سلطته القضائية ، و بالتالى لا تراعى فى شأنها القواعد التى رسمها القانون فى مجال رفع الدعاوى و تحقيقها و الفصل فيها ، و إنما تقرر هذه الأوامر إجراء وقتيا لا تفصل بموجبه فى موضوع الحق المتنازع عليه، و لا تحسم الخصومة المتعلقة به ، و هى بالنظر إلى طبيعتها تصدر فى غيبة الخصوم ، و بغير إعلان المدعى عليه أو إطلاعه على مستندات خصمه أو تمكينه من دحض إدعاءاته . و ليس لازماً تسبيبها إلا إذا صدر الأمر خلافاً لأمر سابق ، لأن الإجراء الذى يتخذه القاضى بمناسبتها لا يعدو أن يكون إجراء وقتيا أو تحفظيا، فإن هذه الأوامر لا تحوز الحجية التى يستنفذ بها سلطته ، بل تجوز له مخالفتها بأمر جديد .
– – – ٣ – – –
متى كان القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى يتوخى أساسا تهيئة علم الكافة بما وقع من تصرفات على العقارات التى يتعاملون فيها وفقاً لقواعد ميسرة بعيدة عن التعقيد لا ينوء بعبئها من يطلبون شهر محرراتهم أو تحملهم ما لا يطيقون ، و كان الأصل المقرر وفقاً لنص المادتين ٢٠ ، ٢١ من هذا القانون هو أن تتم إجراءات الشهر فى جميع الأحوال بناء على طلب كل ذى شأن أو من يقوم مقامه ، و أن تقدم طلبات الشهر – على النموذج المعد لذلك – إلى المأمورية التى يقع العقار فى دائرة اختصاصاتها ، مشتملة كذلك على البيانات المنصوص عليها فى المادة ٢٢ من القانون ، و جميعها لازمة لإجراء الشهر ، و من ثم نص القانون فى المادة ٢٧ منه على أن تعيد المأمورية إلى طالب الشهر نسخة من طلبه مؤشراً عليها برأيها فى قبول إجراء الشهر أو ببيان ما يتعين أن يستوفيه فيه . و قد تقرر المأمورية سقوط أسبقية الطلب جزاء وفاقا على إهمال مقدمه استكمال ما نقص من بياناته أو تقديم الأوراق التى تؤيدها خلال أجل معين ، بما مؤداه انتفاء حقه فى التقدم على من يلونه فى طلباتهم إذ لا يجوز لهؤلاء أن يتحملوا تبعة تقصيره . متى كان ذلك ، و كان القانون قد نظم فى المادة ٣٥ منه الكيفية التى يتظلم بها من أشر على طلبه بإستيفاء بيان لا يرى وجها له ، و كذلك من تقرر سقوط أسبقية طلبه بناء على تخلفه ، فلم تخوله هذه المادة حق الطعن المباشر فى قرار استيفاء البيان أو إسقاط الأسبقية ، و إنما أقام المشرع من جهة القضاء مرجعاً للتظلم منه بطريق غير مباشر ، ذلك أن المنازعة التى يثيرها تطبيق نص المادة ٣٥ من قانون تنظيم الشهر العقارى لا ينهض سببها إلا بعد قيام جهة الشهر بإبلاغ من تقدم إليها لشهر محرره بضرورة استيفاء بيان معين أو بسقوط أسبقية طلبه بناء على ادعائها عدم استكماله، فإن هو سعى إلى التظلم من هذا القرار كان عليه أن يطلب من أمين مكتب الشهر إعطاء المحرر رقما مؤقتا ليعرض هذا الأمين على قاضى الأمور الوقتية أمر إبقاء أو إلغاء ذلك الرقم .
– – – ٤ – – –
قرار قاضى الأمور الوقتية إبقاء الرقم الوقتى يعنى التأشير بذلك فى دفتر الشهر و دفتر الفهارس و إستكمال ما يكون متبقيا من إجراءات الشهر ، فإن هو قرر إلغاء الرقم الوقتى ، وجب أن تصادر بقوة القانون الكفالة التى حددتها المادة ٣٥، و أن يرد المحرر ذاته لصاحبه بعد التأشير عليه بمضمون و تاريخ القرار و تاريخه. و فى كل حال يكون قرار قاضى الأمور الوقتية فاصلا فى موضوع المنازعة المطروحة عليه محددا ما آل إليه مصيرها على ما تنص عليه المادة ٣٦ من القانون، و هو بعد قرار يتعين أن يكون مسببا، كما قرر المشرع أن يكون نهائيا، و أن يصدر فى إطار الموازنة التى أجرها بين ضرورة إنهاء هذه المنازعة بالسرعة الكافية إستقرارا للحقوق من ناحية ، و ما تقتضيه دراستها و فحصها قبل صدور القرار المتعلق بها من إتاحة الوقت الكافى للإحاطة بعناصرها المختلفة من ناحية أخرى.
– – – ٥ – – –
دل المشرع بنص المادة ٣٥ المشار إليها على أن قاضى الأمور الوقتية إذ يفصل فى المنازعة المتعلقة بإبقاء الرقم الوقتى بصفة نهائية أو إلغائه، فإن تقديره جواز شهر المحرر أو القائمة ليس منفلتا من أية قاعدة قانونية يتقيد بها، بل مرد الأمر فى هذا التقدير إلى توافر الشروط التى يتطلبها القانون لشهر المحرر أو القائمة أو تخلفها، و بعد سماعه وجهة نظر المتظلم و إيضاحاته وقوفا منه على حقيقة الأسانيد التى أقام عليها تظلمه، و دون إخلال بحق مكتب الشهر العقارى المختص فى أن يدلى كذلك أمامه بوجهة نظره موضحا موقفه. و من ثم تتمحض هذه المنازعة عن خصومة قضائية أسند المشرع الفصل فيها إلى قاضى الأمور الوقتية ليحسم بصفة نهائية – و على ضوء توافر الشروط التى يتطلبها القانون لشهر المحرر أو تخلفها – خلافا بين طرفين فى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى كفل بها المشرع أن يكون القاضى ملما بكافة جوانب الموضوع المعروض عليه و ألا يفصل فيه إلا بعد أن تتهيأ له سبل دراستها و فحصها و بعد وقوفه على وجهة نظر كل من الخصمين اللذين يدور بينهما النزاع حول إبقاء الرقم الوقتى بصفة نهائية أو إلغائه. و القرار الذى يصدر عن قاضى الأمور الوقتية فى هذا النطاق ليس إلا قرارا قضائيا حاسما للخصومة محددا به وفقا للقانون خاتمتها، و هو بعد قرار يتعين أن يكون مشتملاً على الأسباب التى بنى عليها كى يكون له مأخذه من الأوراق و حكم القانون .
– – – ٦ – – –
إذ كان قرار قاضى الأمور الوقتية بإبقاء أو بإلغاء الرقم الوقتى لا يعدو أن يكون حكما بمعنى الكلمة، فإن حظر الطعن فى هذا القرار، يدل على اتجاه إرادة المشرع إلى قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها هذا الحكم على درجة واحدة، و هو ما يستقل المشرع بتقديره فى إطار سلطته فى مجال تنظيم الحقوق و بمراعاة ما يقتضيه الصالح العام. و من ثم تكون قالة مخالفة نص المادة ٦٨ من الدستور على غير أساس.
– – – ٧ – – –
غير سديد ما نعاه المدعيان من مخالفة نص المادة ٣٥ من قانون تنظيم الشهر العقارى – فيما تضمنته من عدم جواز الطعن فى قرار قاضى الأمور الوقتية بإبقاء أو بإلغاء الرقم الوقتى – لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور ، ذلك أن مبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، و لا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا. ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعايتها إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم . فإذا كان النص التشريعى منطويا على تمييز يعتبر مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها، أو اعتباره مدخلا إليها، فإن التمييز يكون تحكميا، و غير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية ، و مجافيا من ثم لنص المادة ٤٠ من الدستور . إذ كان ذلك، و كان المشرع قد أفرد تنظيما قضائيا لحسم النزاع الذى قد يثور بين الشهر العقارى و أصحاب الحقوق حول مدى توافر الشروط التى يتطلبها القانون لشهر محرراتهم أو تخلفها، محددا قواعده و إجراءاته وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، و كان قصر هذا التنظيم عليهم قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة ممثلة فى سرعة إنهاء المنازعة الدائرة بين أطرافها دون إخلال بما تقتضيه دراستها و فحصها من تهيئة الأسس الكافية للفصل فيها، فإن القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية المشروعة، و مؤدية إليها بما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة أمام القانون.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعيين كانا قد تقدما بالطلب رقم ٦٧٩ لسنة ١٩٨٦ إلى مأمورية الرمل بالإسكندرية وذلك لتسجيل عقد بيع صادر لهما عن كامل أرض وبناء العقار رقم ٩ شارع الإيمان سيدي جابر، وتحصلا على أسبقية برقم ٢٣٩ بتاريخ ١٠ فبراير سنة ١٩٨٧. بيد أن الشهر العقاري أسقط هذه الأسبقية مما حدا بهما إلى تقديم طلب شهر مؤقت قيد برقم ٢٠١٥ لسنة ١٩٨٧ إعمالاً لنص المادة ٣٥ من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقاري. وإذ أوجب هذا القانون على أمين مكتب الشهر – في هذه الحالة – إعطاء المحرر رقماً مؤقتاً وأن يرفع الأمر إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية التي يقع المكتب في دائرتها، فقد عرض الأمين الأمر على هذا القاضي بعريضة تم قيدها برقم ٣٧ لسنة ١٩٨٨، فأصدر قراره بإلغاء الرقم المؤقت للشهر والتأشير بذلك في دفتر الشهر. وقد تظلم المدعيان من هذا القرار أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية عملاً بنص المادة ١٧٩ من قانون المرافعات، وقيد تظلمها برقم ٤٦ لسنة ١٩٨٨ مدني الإسكندرية الابتدائية. وإذ دفعا بعدم دستورية ما قررته المادة ٣٥ من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ من نهائية القرار الصادر عن قاضي الأمور الوقتية، وكانت محكمة الموضوع قد حددت للمدعيين أجلاً لرفع الدعوى الدستورية بعد تقديرها لجدية الدفع، فقد أقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها بعد انقضاء الميعاد الذي ضربته لذلك محكمة الموضوع.
وحيث إن مؤدى نص المادة ٢٩ من قانون هذه المحكمة أن الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم دستورية نص تشريعي تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا برفعها خلال الأجل الذي حددته لذلك بما لا يجاوز ثلاثة أشهر.
وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن هذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها – تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغياً به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفي الموعد الذي حدده، وكان الثابت من الصورة الرسمية لمحضر جلسة ٨ يناير سنة ١٩٩٠ أن محكمة الموضوع التي أثير أمامها الدفع بعدم دستورية نص المادة ٣٥ من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقاري، قررت في هذه الجلسة ذاتها تأجيل نظر الدعوى المطروحة أمامها لجلسة ٩ أبريل سنة ١٩٩٠ ليرفع المدعيان قبل انعقادها دعواهما بعدم دستورية النص التشريعي المطعون عليه، وكان المدعيان قد قاما بإيداع صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا بتاريخ ٧ أبريل سنة ١٩٩٠ أي قبل انقضاء الأجل الذي حددته محكمة الموضوع لرفع الدعوى الدستورية، فإن قاله تجاوز المدعيين لهذا الميعاد تكون فاقدة لأساسها الأمر الذي يتعين معه رفض الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة ٣٥ من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقاري المعدل بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٧٦ تنص على أنه “لمن أشر على طلبه باستيفاء بيان لا يرى وجهاً له، ولمن تقرر سقوط أسبقية طلبه بسبب ذلك، أن يتقدم بالمحرر ذاته أو بالمحرر مصحوباً بالقائمة على حسب الأحوال وذلك خلال عشرة أيام من وقت إبلاغ قرار الاستيفاء أو السقوط إليه ويطلب إلى أمين المكتب إعطاء هذا المحرر أو القائمة رقماً وقتياً بعد أداء الرسم وتوثيق المحرر أو التصديق على التوقيعات فيه إن كان من المحررات العرفية وبعد إيداع كفالة قدرها نصف في المائة من قيمة الالتزام الذي يتضمنه المحرر على ألا يزيد مقدار هذه الكفالة على عشرة جنيهات.
ويجب أن تبين في الطلب الأسباب التي يستند إليها الطالب، وفي هذه الحالة يجب على أمين المكتب إعطاء المحرر أو القائمة رقماً وقتياً في دفتر الشهر المشار إليه في المادة ٣١ ودفاتر الفهارس وأن يرفع الأمر إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية التي يقع المكتب في دائرتها. ويصدر القاضي بعد سماع إيضاحات صاحب الشأن ومكتب الشهر العقاري قراراً مسبباً خلال أسبوع من رفع الأمر إليه بإبقاء الرقم الوقتي بصفة دائمة أو بإلغائه تبعاً لتحقق أو تخلف الشروط التي يتطلب القانون توافرها لشهر المحرر أو القائمة. ويكون القرار الصادر في هذا الشأن نهائياً”.
وجاء بالمذكرة الإيضاحية لنص المادة ٣٥ المشار إليها بعد تعديلها أن “المشرع عدل الفقرتين الثالثة والرابعة منها بما يوجب على القاضي سماع إيضاحات صاحب الشأن للوقوف على الأسانيد التي يبنى عليها تظلمه وكذلك إيضاحات مكتب الشهر العقاري المختص بما يتيح له الإلمام بجميع جوانب الموضوع المطروح وليجئ قراره سليماً، وأنه حرصاً على مصالح أصحاب الشأن التي تستدعي إتاحة الوقت الكافي للقاضي للدراسة والفحص قبل إصدار قراره، ورغبة في إنهاء إجراءات هذه المنازعة في أقرب وقت استقراراً للحقوق، فقد رؤى للتوفيق بين هذين الاعتبارين أن يصدر القاضي قراراً مسبباً خلال أسبوع من رفع الأمر إليه”.
وحيث إن المدعيين ينعيان على نص المادة ٣٥ المشار إليها أنها تقرر نهائية القرار الذي يصدر عن قاضي الأمور الوقتية في منازعة قوامها إبقاء الرقم الوقتي للشهر بصفة دائمة أو إلغائه، وأنه إذ كان القاضي لا يفصل في تلك المنازعة فصلاً قضائياً، بل في حدود السلطة الولائية التي خولها له المشرع في شأن إصدار الأوامر على العرائض والتي نظم قانون المرافعات أحكامها، وكفل من خلالها حق التظلم منها، فإن نهائية القرار الصادر عن قاضي الأمور الوقتية وفقاً لنص تلك المادة ينطوي على مصادرة لحق المدعيين في التقاضي وحرمانهما من اللجوء إلى قاضيهما الطبيعي بالمخالفة لنص المادة ٦٨ من الدستور. فضلاً عن إخلال هذه النهائية بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة ٤٠ من الدستور، وذلك بتحصينها قراراً غير قضائي وتمييزها في هذا المجال بين المخاطبين بنص المادة ٣٥ وبين وغيرهم.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن طبيعة الأوامر على العرائض تقتضي المفاجأة والمباغتة، وهي تصدر عن القاضي في حدود سلطته الولائية ولا تستند إلى سلطته القضائية، وبالتالي لا تراعي في شأنها القواعد التي رسمها القانون في مجال رفع الدعاوى وتحقيقها والفصل فيها، وإنما تقرر هذه الأوامر إجراء وقتياً لا تفصل بموجبه في موضوع الحق المتنازع عليه، ولا تحسم الخصومة المتعلقة به، وهي بالنظر إلى طبيعتها تصدر في غيبة الخصوم، وبغير إعلان المدعي عليه أو اطلاعه على مستندات خصمه أو تمكينه من دحض ادعاءاته. وليس لازماً تسبيبها إلا إذا صدر الأمر خلافاً لأمر سابق. ولأن الإجراء الذي يتخذه القاضي بمناسبتها لا يعدو أن يكون إجراء وقتياً أو تحفظياً، فإن هذه الأوامر لا تحوز الحجية التي يستنفد بها سلطته، بل تجوز له مخالفتها بأمر جديد. متى كان ذلك، وكان القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقاري يتوخى أساساً تهيئة علم الكافة بما وقع من تصرفات على العقارات التي يتعاملون فيها وفقاً لقواعد ميسرة بعيدة عن التعقيد لا ينوء بعبئها من يطلبون شهر محرراتهم أو تحملهم ما لا يطيقون، وكان الأصل المقرر وفقاً لنص المادتين ٢٠، ٢١ من هذا القانون هو أن تتم إجراءات الشهر في جميع الأحوال بناء على طلب كل ذي شأن أو من يقوم مقامه، وأن تقدم طلبات الشهر – على النموذج المعد لذلك – إلى المأمورية التي يقع العقار في دائرة اختصاصاتها، مشتملة كذلك على البيانات المنصوص عليها في المادة ٢٢ من القانون، وجميعها لازمة لإجراء الشهر، ومن ثم نص القانون في المادة ٢٧ منه على أن تعيد المأمورية إلى طالب الشهر نسخة من طلبه مؤشراً عليها برأيها في قبول إجراء الشهر أو ببيان ما يتعين أن يستوفيه فيه. وقد تقرر المأمورية سقوط أسبقية الطلب جزاء وفاقاً على إهمال مقدمة استكمال ما نقص من بياناته، أو الأوراق التي تؤيدها خلال أجل معين بما مؤداه انتفاء حقه في التقدم على من يلونه في طلباتهم، إذ لا يجوز لهؤلاء أن يتحملوا تبعة تقصيره. متى كان ذلك وكان القانون قد نظم في المادة ٣٥ منه الكيفية التي يتظلم بها من أشر على طلبه باستيفاء بيان لا يرى وجهاً له، وكذلك من تقرر سقوط أسبقية طلبه بناء على تخلفه، فلم تخوله هذه المادة حق الطعن المباشر في قرار استيفاء البيان أو إسقاط الأسبقية، وإنما أقام المشرع من جهة القضاء مرجعاً للتظلم منه بطريق غير مباشر. ذلك أن المنازعة التي يثيرها تطبيق نص المادة ٣٥ من قانون تنظيم الشهر العقاري لا ينهض سببها إلا بعد قيام جهة الشهر بإبلاغ من تقدم إليها لشهر محرره بضرورة استيفاء بيان معين أو بسقوط أسبقية طلبه بناء على ادعائها عدم استكماله، فإن هو سعى إلى التظلم من هذا القرار كان عليه أن يطلب من أمين مكتب الشهر إعطاء المحرر رقماً مؤقتاً ليعرض هذا الأمين على قاضي الأمور الوقتية أمر إبقاء الرقم الوقتي أو إلغائه، فإذا قدر قاضي الأمور الوقتية إبقاء هذا الرقم تعين التأشير بذلك في دفتر الفهارس ودفتر الشهر، واستكمال ما يكون متبقياً من إجراءاته. أما إذا كان القرار بإلغاء الرقم الوقتي، وجب أن تصادر بقوة القانون الكفالة التي حددتها المادة ٣٥، وأن يرد المحرر ذاته لصاحبه بعد التأشير عليه بمضمون القرار وتاريخه. وفي كل حال يكون قرار قاضي الأمور الوقتية فاصلاً في موضوع المنازعة المطروحة عليه محدداً ما آل إليه مصيرها على ما تنص عليه المادة ٣٦ من القانون، وهو بعد قرار يتعين أن يكون مسبباً، كما قرر المشرع أن يكون نهائياً، وأن يصدر في إطار الموازنة التي أجراها بين ضرورة إنهاء هذه المنازعة بالسرعة الكافية استقراراً للحقوق من ناحية، وما تقتضيه دراستها وفحصها قبل صدور القرار المتعلق بها من إتاحة الوقت الكافي للإحاطة بعناصرها المختلفة من ناحية أخرى. ومن جهة أخرى دل المشرع بنص المادة ٣٥ المشار إليها على أن قاضي الأمور الوقتية إذ يفصل في المنازعة المتعلقة بإبقاء الرقم الوقتي بصفة نهائية أو إلغائه، فإن تقديره جواز شهر المحرر أو القائمة ليس منفلتاً من أية قاعدة قانونية يتقيد بها، بل مرد الأمر في هذا التقدير إلى توافر الشروط التي يتطلبها القانون لشهر المحرر أو القائمة أو تخلفها، وبعد سماعه وجهة نظر المتظلم وإيضاحاته وقوفاً منه على حقيقة الأسانيد التي أقام عليها تظلمه، ودون إخلال بحق مكتب الشهر العقاري المختص في أن يدلي كذلك أمامه بوجهة نظره موضحاً موقفه.
ومن ثم تتمحض هذه المنازعة عن خصومة قضائية أسند المشرع الفصل فيها إلى قاضي الأمور الوقتية ليحسم بصفة نهائية – وعلى ضوء توافر الشروط التي يتطلبها القانون لشهر المحرر أو تخلفها – خلافاً بين طرفين في إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضي كفل بها المشرع أن يكون القاضي ملماً بكافة جوانب الموضوع المعروض عليه، وألا يفصل فيه إلا بعد أن تتهيأ له سبل دراستها وفحصها، وبعد وقوفه على وجهة نظر كل من الخصمين اللذين يدور بينهما النزاع حول إبقاء الرقم الوقتي بصفة نهائية أو إلغائه. والقرار الذي يصدر عن قاضي الأمور الوقتية في هذا النطاق ليس إلا قراراً قضائياً حاسماً للخصومة، محدداً به وفقاً للقانون خاتمتها، وهو بعد قرار يتعين أن يكون مشتملاً على الأسباب التي بنى عليها كي يكون له مأخذه من الأوراق وحكم القانون. وإذ حظر المشرع الطعن في هذا القرار الذي لا يعدو أن يكون حكماً بمعنى الكلمة، فقد دل بذلك على اتجاه إرادته إلى قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها هذا الحكم على درجة واحدة، وهو ما يستقل المشرع بتقديره في إطار سلطته في مجال تنظيم الحقوق، وبمراعاة ما يقتضيه الصالح العام. ومن ثم تكون قاله مخالفة نص المادة ٦٨ من الدستور على غير أساس. وغير سديد كذلك ما نعاه المدعيان من مخالفة نص المادة ٣٥ من قانون تنظيم الشهر العقاري – فيما تضمنته من عدم جواز الطعن في قرار قاضي الأمور الوقتية بإبقاء الرقم الوقتي أو إلغائه – لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة ٤٠ من الدستور، ذلك أن مبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة ٤٠ من الدستور بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص التشريعي منطوياً على تمييز يعتبر مصادماً لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقياً ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكمياً وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومجافياً من ثم لنص المادة ٤٠ من الدستور. إذ كان ذلك، وكان المشرع قد أفرد تنظيماً قضائياً لحسم النزاع الذي قد يثور بين الشهر العقاري وأصحاب الحقوق حول مدى توافر الشروط التي يتطلبها القانون في مجال شهر محرراتهم أو تخلفها، محدداً قواعده وإجراءاته وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبقها تمييزاً من أي نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان قصر هذا التنظيم عليهم قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة ممثلة في سرعة إنهاء المنازعة الدائرة بين أطرافها دون إخلال بما تقتضيه دراستها وفحصها من تهيئة الأسس الكافية للفصل فيها، فإن القواعد التي يقوم عليها هذا التنظيم تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية المشروعة ومؤدية إليها بما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة أمام القانون.
وحيث إن النص المطعون عليه في الدعوى الراهنة لا ينطوي على مخالفة لأي حكم في الدستور من أوجه أخرى.