حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ٨ دستورية
– – – ١ – – –
إن قانون الضريبة العامة على الاستهلاك الصادر بالقانون رقم ١٣٣ لسنة ١٩٨١ ، قد ألغى بمقتضى المادة الثانية من قانون إصدار الضريبة على المبيعات الصادر بالقانون رقم ١١ لسنة ١٩٩١ ؛ وكان نفاذ هذا القانون من تاريخ العمل به ، لا يخل بجريان الآثار التى رتبها القانون السابق عليه ، خلال الفترة التى ظل فيها قائماً . ذلك أن الأصل فى القاعدة القانونية هو سريانها اعتباراً من تاريخ العمل بها على الوقائع التى تتم فى ظلها ، وحتى إلغائها . فإذا أحل المشرع محلها قاعدة جديدة تعين تطبيقها اعتباراً من تاريخ نفاذها ، وإهمال القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ، وبذلك يتحدد إعمال كل من القاعدتين من حيث الزمان فما نشأ مكتملاً من المراكز القانونية وجوداً وأثراً فى ظل القاعدة القانونية القديمة ، يظل محكوماً بها وحدها .
– – – ٢ – – –
إن المصلحة الشخصية المباشرة ـ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ـ مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك ، وكان قرار رئيس الجمهورية رقم ٣٦٠ لسنة ١٩٨٢ ، قد عدل الجدول المرافق لقانون الضريبة على الاستهلاك مضيفاً سلعاً جديدة إلى تلك التى أخضعها هذا القانون للضريبة ، محدداً قرين كل منها فئتها الضريبية ، ومستنداً فى ذلك إلى الفقرة الثانية من المادة الثانية من ذلك القانون ، وكان هذا القرار قد طبق خلال فترة نفاذه على المدعى فى الدعوى الراهنة ، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه ، تتمثل فيما استحق عليه من دين هذه الضريبة ، وإيقاع الحجز على أمواله لاستيفائها ؛ فإن مصلحته فى الدعوى الدستورية ـ وبقدر اتصالها بالطعن على هذه الفقرة ، وكذلك بالقرار المشار اليه ـ تكون قائمة .
– – – ٣ – – –
إن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا ، وأن الضريبة العامة هى التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها ، ويتحدد المخاطبون بها فى إطار هذه الدائرة وحدها ، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الاقليمى للدولة ـ وبغض النظر عن تقسيماتها الادارية ـ مرتباً لدينها فى ذمة الممول بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها فى الخضوع لها دون تمييز ، وسريانها بالتالى ـ وبالقوة ذاتها ـ كلما توافر مناطها فى أية جهة داخل الحدود الاقليمية للدولة ، ولا يعنى ذلك أن يمتماثل الممولون فى مقدار الضريبة التى يؤدونها ، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية فالتكافؤ بينهم ليس فعلياً Intrinsic بل جغرافياً .
– – – ٤ – – –
إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة ، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التى ترتبها وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج أو طردها أو تقييد تدفقها وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش وتأثيرها بالتالى على فرص الاستثمار والادخار واعترافاً بها ـ قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية ، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعهديلها أو الغاؤها إلا بقانون ، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها فى الحدود التى يبينها القانون ؛ وكان ذلك مؤداه أن السلطة التشريعية هى التى تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها متضمناً تحديد نطاقها ، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره وبيان مبلغها ، والملتزمين أصلاً بأدائها والمسئولين عنها وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها ، وكيفية أدائها وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة ، عدا الاعفاء منها إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون .
– – – ٥ – – –
إنه متى كان ما تقدم فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة ، إذ ينظم رابطتها محيطاً بها فى إطار من وقواعد القانون العام ، متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها وبمراعاة أن حق الدولة فى تنمية مواردها من خلالها ينبغى أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها والمسئولين عنها ، فى تحصيلها وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافياً لتحقيقها ، فلا تتسم بوطأة الجزاء بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التى ينبغى أن تتوخاها أصلاً ولا يناقض معدلها وأحوال فرضها ، الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية .
– – – ٦ – – –
الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التى يفرضها أمرين ، يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداءً PRIMARY MOTIVE ويتمثل فى الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها ، تصبها فى خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها . ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية ، أو جانبية أو غير مباشرة Incidential Motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية Regulatay Nature دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة ، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التى تتناولها ، أو حمل المكلفين بها عن طريق عبئها ـ على التخلى عن نشاطهم ، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً ، كالتعامل فى المواد المخدرة . وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها ، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية ، ولا تزايلها طبيعتها هذه لمجرد أنها تولد آثاراً عرضية بمناسبة إنشائها .
Every tax is some measure regulatory To some extent it interposes an economic impediment to the activity taxed as compared with other not taxed But a tax is not any the less a tax because it has a regulatory effect tending to restrict or suppress the thing taxed
– – – ٧ – – –
إن الدستور قد نص فىالمادة ١٠٨ على أن ” لرئيس الجهورية عند الضرورة وفى الأحوال الاستثنائية وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية أعضائه أن يصدر قرارات لها قوة القانون ، ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة ، وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات والأسس التى تقوم عليها ………….”
– – – ٨ – – –
إن السلطة التشريعية إذ تفوض رئيس الجمهورية فى مباشرة اختصاصها بتنظيم موضوع معين تنظيماً تشريعياً وإن جاز فى الحدود وطبقاً للشروط التى بينتها المادة ١٠٨ من الدستور إلا أن هذا التفويض لا يجوز أن ينقل ولايتها التشريعية بأكملها ، أو فى جوانبها الأكثر أهمية إلى السلطة التنفيذية وإلا كان التفويض مخالفاً للدستور . كذلك فإن رئيس الجمهورية إذ ينظم المسائل التى فوض فيها على ضوء القواعد التى تحكمها وفقاً لقانون التفويض فذلك بصفة استثنائية بإعتبار أن هذا الاختصاص ينصب على تقرير قواعد قانونية تسنها السلطة التشريعية أصلاً وفقاً للدستور ، وهو ما يعنى أن يتقيد رئيس الجمهورية ـ فيما فوض فيه ـ بالحدود الضيقة التى تفرضها الطبيعة الاستثنائية لاختصاص يتولاه عرضا ، وعند الضرورة فى أعلى درجاتها ولمدة محددة وإلا كان مخالفاً للدستور .
– – – ٩ – – –
إن البين من نص المادة ١٠٨ من الدستور أن التفويض التشريعى الصادر عن مجلس الشعب لا يجوز أن يكون مطلقاً بل محدداً ، وعلى الأخص من جهتين : أولاهما : أن التفويض لا يصدر إلا متعلقاً بتنظيم موضوع معين متضمناً بيان الأسس التى يقوم عليها هذا التنظيم . ثانيتهما : أن رئيس الجمهورية لا يمارس ما فوض فيه من إختصاص فى شأن هذا الموضوع الا خلال فترة زمنية لايتعداها ، يبينها قانون التفويض فإذا خلا منها ، كان التفويض ممتداً فى الزمان إلى غير حد ، متضمناً إعراض السلطة التشريعية عن مباشرة ولايتها الأصيلة ناقلاً مسئوليتها إلى السلطة التنفيذية ومخالفاً بالتالى متى كان ما تقدم ، وكان النص المطعون فيه لا يقيد رئيس الجمهورية ـ فيما فوض فيه ـ بزمن معين يكون ميعاداً موقوتاً محدداً سلفاً من قبل السلطة التشريعية فإن مباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بتعديل الجدول المرافق لقانون الضريبة المطعون عليها لا يكون منحصراً بين تاريخين بل مترامياً متحرراً من قيد الزمن وباطلاً .
– – – ١٠ – – –
إن البين من نص المادة ١٠٨ من الدستور أن التفويض التشريعى الصادر عن مجلس الشعب لا يجوز أن يكون مطلقاً بل محدداً ، وعلى الأخص من جهتين : أولاهما : أن التفويض لا يصدر إلا متعلقاً بتنظيم موضوع معين متضمناً بيان الأسس التى يقوم عليها هذا التنظيم . ثانيتهما : أن رئيس الجمهورية لا يمارس ما فوض فيه من إختصاص فى شأن هذا الموضوع الا خلال فترة زمنية لايتعداها ، يبينها قانون التفويض فإذا خلا منها ، كان التفويض ممتداً فى الزمان إلى غير حد ، متضمناً إعراض السلطة التشريعية عن مباشرة ولايتها الأصيلة ناقلاً مسئوليتها إلى السلطة التنفيذية ومخالفاً بالتالى متى كان ما تقدم ، وكان النص المطعون فيه لا يقيد رئيس الجمهورية ـ فيما فوض فيه ـ بزمن معين يكون ميعاداً موقوتاً محدداً سلفاً من قبل السلطة التشريعية فإن مباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بتعديل الجدول المرافق لقانون الضريبة المطعون عليها لا يكون منحصراً بين تاريخين بل مترامياً متحرراً من قيد الزمن وباطلاً .
– – – ١١ – – –
إن الدستور قد مايز بنص المادة ١١٩ ـ بين الضريبة العامة ، وبين غيرها من الفرائض المالية من حيث أداة إنشاء كل منها ، ذلك أن الضريبة العامة لا يفرضها أو يعدلها أو يلغيها إلا القانون ، أما غيرها من الفرائض المالية فيكفى لتقديرها أن يكون واقعاً فى حدود القانون تقديراً من الدستور لخطورة الضريبة العامة بالنظر إلى إتصالها بمصالح القطاع الأعرض من المواطنين وتأثيرها فى الأوضاع الاقتصادية بوجه عام مما يحتم موازنتها بالقيود المنطقية التى ينبغى أن تكون إطاراً لها فلا تفرضها السلطة التشريعية إلا لضرورة تقتضيها وعلى ضوء معايير تكفل عدالتها اجتماعياً ؛ وكان التفويض المقرر بالنص المطعون فيه ، يخول رئيس الجمهورية وفى الحدود التى يبينها قانون التفويض ـ إنشاء ضريبة عامة ، فإن فرضها لا يكون بقانون ، بل فى حدوده وهو ما يعنى مساوتها بغيرها من الفرائض المالية جميعها فى حدود القانون بالمخالفة لمقاصد الدستور .
– – – ١٢ – – –
إن إقرار السلطة التشريعية للضريبة العامة التى فرضها رئيس الجمهورية ـ على خلاف أحكام الدستور ـ لا يزيل عوارها ، ولا يحيلها إلى عمل مشروع دستورياً ولا يدخل تشريعها فى عداد القوانين التى تقرها السلطة التشريعية ، مقيدة فى شأن اقتراحها وإقرارها وإصدارها بالأحكام المنصوص عليها فى الدستور .
– – – ١٣ – – –
إن ماذهبت اليه هيئة قضايا الدولة من أن الفقرة الثانية من المادة الثانية المطعون عليها لا تخول رئيس الجمهورية غير إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين مردود أولاً : بأن الأصل فى هذه اللوائح التى تصدر وفقاً لنص المادة ١٤٤ من الدستور ، أنها تفصل ما ورد إجمالاً من النصوص القانونية ، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل أو إعفاء من تنفيذها , ولا كذلك النص المطعون فيه إذ خول رئيس الجمهورية ـ وعلى ما جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم ١٠٢ لسنة ١٩٨٢ المعدل لقانون الضريبة على الاستهلاك ـ إخضاع سلع جديدة لها أو زيادة فئاتها على السلع التى اشتمل عليها الجدول المرافق لقانونها ، بما يحور من بنيان الضريبة المطعون عليها ويغير من أحكامها من خلال تعديل نطاقها وقواعد سريانها . ومردود ثانياً : بأن قانون هذه الضريبة الصادر بالقانون رقم ١٣٣ لسنة ١٩٨١ قد عهد وبنص المادة الثالثة من مواد إصداره ـ إلى وزير المالية ، بتنفيذ الأحكام التى تضمنها .
– – – ١٤ – – –
إن القول بأن أداء الضرائب والتكاليف العامة يعتبر واجباً وفقاً للقانون عملاً بنص المادة ٦١ من الدستور ، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الضريبة التى يكون أداؤها واجباً قانوناً هى تلك التى تتوافر لها القوالب الشكلية والأسس الموضوعية التى ينبغى أن تكون قواماً لها ، والتى بدونها تنحل عدماً
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أنه بتاريخ ١ / ٧ / ١٩٨٤، أوقعت مصلحة الضرائب حجزاً إدارياً تنفيذياً ، على ما للمدعى لدى المدعى عليه الأخير وفاءً لدين نشأ عن الضريبة على الاستهلاك الصادر بها القانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١، والتى استحقت على مخزون سلعى فى حيازته. وكان المدعى قد أقام الدعوى رقم ٨٤٨٩ لسنة ١٩٨٤ كلى جنوب القاهرة طالباً الحكم ببراءة ذمته من الدين الضريبى المطالب به ، وبعدم الاعتداد بالحجز الإدارى الموقع ضده ، وقضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بجلسة ١٥ / ١٢ / ١٩٨٤ بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى ، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى قاضى التنفيذ بمحكمة بندر الجيزة الجزئية لنظرها ، والذى تحركت – بناءً على قرار منه – الدعوى الماثلة . وحيث إن البين من قرار الإحالة الصادر عن محكمة الموضوع ، أنها ارتأت أن الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الثانية من قانون الضريبة على الاستهلاك ، وكذلك القرارين الصادرين إعمالا لهما عن رئيس الجمهورية – وهما القراران رقما ٣٦٠ سنة ١٩٨٢ و ١٣٧ سنة ١٩٨٦ بتعديل الجدول المرافق لقانون هذه الضريبة – تناقض جميعها حكم المادة ١١٩ من الدستور التى تنص على أن إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون ، بما مؤاده عدم جواز فرضها بقرار من رئيس الجمهورية ، ولو أقرتها السلطة التشريعية فيما بعد عند عرضها عليها ، ذلك أن هذا الإقرار لا يطهرها مما اعتراها من عوار ، ولا يزيل مثالبها الدستورية . وحيث إن قانون الضريبة على الاستهلاك الصادر بالقانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١ ، قد ألغى بمقتضى المادة الثانية من قانون إصدار الضريبة على المبيعات الصادر بالقانون رقم ١١ لسنة ١٩٩١ ، وكان نفاذ هذا القانون من تاريخ العمل به ، لا يخل بجريان الآثار التى رتبها القانون السابق عليه ، خلال الفترة التى ظل فيها قائماً . ذلك أن الأصل فى القاعدة القانونية هو سريانها اعتباراً من تاريخ العمل بها على الوقائع التى تتم فى ظلها ، وحتى إلغائها. فإذا أحل المشرع محلها قاعدة جديدة ، تعين تطبيقها اعتباراً من تاريخ نفاذها ، وإهمال القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ، وبذلك يتحدد مجال إعمال كل من القاعدتين من حيث الزمان ، فما نشأ مكتملاً من المراكز القانونية – وجوداً وأثراً – فى ظل القاعدة القانونية القديمة ، يظل محكوماً بها وحدها . وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها ، والمطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك ، وكان قرار رئيس الجمهورية رقم ٣٦٠ سنة ١٩٨٢، قد عدل الجدول المرافق لقانون الضريبة على الاستهلاك ، مضيفاً سلعاً جديدة إلى تلك التى أخضعها هذا القانون للضريبة ، محدداً قرين كل منها فئتها الضريبية ، ومستنداً فى ذلك إلى الفقرة الثانية من المادة الثانية من ذلك القانون ، وكان هذا القرار قد طبق خلال فترة نفاذه على المدعى فى الدعوى الراهنة ، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه ، تتمثل فيما استحق عليه من دين هذه الضريبة ، وإيقاع الحجز على أمواله لاستيفائها ، فإن مصلحته في الدعوى الدستورية – وبقدر اتصالها بالطعن على هذه الفقرة ، وكذلك بالقرار المشار إليه – تكون قائمة . وحيث إن المادة الثانية من قانون الضريبة على الاستهلاك الصادر بالقانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١ تنص على مايلى: – (فقرة أولى: تفرض الضريبة على السلع الواردة بالجدول المرافق لهذا القانون بالفئات الموضحة قرين كل منها . فقرة ثانية: ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية تعديل هذا الجدول على أن يعرض القرار على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره إذا كان المجلس قائماً ، أو فى أول اجتماع له فى حالة حل المجلس أو وقف جلساته . فقرة ثالثة: فإذا لم يقره المجلس ألغى القرار مع اعتبار ما تم تحصيله قبل الإلغاء صحيحاً) . وحيث إنه استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة الثانية المشار إليها، صدر قرار رئيس الجمهورية رقم ٣٦٠ سنة ١٩٨٢ بتعديل ذلك الجدول ، ونص فى مادته الأولى على أن “تضاف إلى الجدول المرفق بقانون الضريبة على الاستهلاك الصادر بالقانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١ السلع الواردة بالكشف حرف (أ) المرفق بهذا القرار ، والتى تبدأ بالمسلسل رقم ٤٥ وتنتهى برقم ١٢٤ كما قضى فى مادته الثانية بأن >يعدل الجدول المرفق بالقانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١ المشار إليه وفقاً لما هو مبين بالكشف حرف (ب) المرفق بهذا القرار” ، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم ١٣٧ سنة ١٩٨٦ بتعديل الجدول المرفق بقانون الضريبة على الاستهلاك ، على النحو المبين بالكشف المرفق بذلك القرار . وحيث إن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا ، أن الضريبة العامة هى التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها فى إطار هذه الدائرة وحدها ، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمى للدولة – وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية – مرتباً لدينها فى ذمة الممول ، بما مؤاده تكافؤ الممولين المخاطبين بها فى الخضوع لها دون تمييز ، وسريانها بالتالى – وبالقوة ذاتها – كلما توافر مناطها فى أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة . ولا يعنى ذلك أن يتماثل الممولون فى مقدار الضريبة التى يؤدونها ، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية ، فالتكافؤ بينهم ليس فعلياً Intrinsic بل جغرافياً . وحيث إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة ، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التى ترتبها ، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج أو طردها أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش ، وتأثيرها بالتالى على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق ؛ وكان الدستور – ونزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها – قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية ، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون ، وأن ثانيتهما يجوز انشاؤها فى الحدود التى يبينها القانون ؛ وكان ذلك مؤاده أن السلطة التشريعية هى التى تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة ، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها متضمناً تحديد نطاقها ، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره ، وبيان مبلغها ، والملتزمين أصلاً بأدائها والمسئولين عنها ، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها ، وكيفية أدائها ، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة ، عدا الإعفاء منها ، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون . وحيث إنه متى كان ماتقدم ، فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة ، إذ ينظم رابطتها محيطاً بها فى إطار من قواعد القانون العام ، متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها ، وبمراعاة أن حق الدولة فى تنمية مواردها من خلالها ينبغى أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها ، والمسئولين عنها ، فى تحصيلها وفق أسس موضوعية ، يكون إنصافها نافياً لتحيفها ، فلا تتسم بوطأة الجزاء بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التى ينبغى أن تتوخاها أصلاً ، ولا يناقض معدلها وأحوال فرضها ، الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية . وحيث إن الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التى يفرضها أمرين ، يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداءً Primary Motive ، ويتمثل فى الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها ، تصبها فى خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها. ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية ، أو جانبية ، أو غير مباشرة Incidential Motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية Regulatary Nature ، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة ، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التى تتناولها ، أو حمل المكلفين بها – عن طريق عبئها – على التخلى عن نشاطهم ، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً ، كالتعامل فى المواد المخدرة . وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها ، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية ، ولا تزايلها طبيعتها هذه لمجرد أنها تولد آثاراً عرضية بمناسبة إنشائها . Every tax is in some measure regulatory . To some extent it interposes an economic impediment to the activity taxed as compared with others not taxed . But a tax is not any the less a tax because it has a regulatory effect tending to restrict or suppress the thing taxed . وحيث إن الدستور قد نص فى المادة ١٠٨ لى أن ” لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفى الأحوال الاستثنائية وبناءً على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثى أعضائه ، أن يصدر قرارات لها قوة القانون ، ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة ، وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات والأسس التى تقوم عليها ……………..” . وحيث إن السلطة التشريعية ، إذ تفوض رئيس الجمهورية فى مباشرة اختصاصها بتنظيم موضوع معين تنظيما تشريعيا ، وإن جاز فى الحدود وطبقا للشروط التى بينتها المادة ١٠٨ ن الدستور ، إلا أن هذا التفويض لايجوز أن ينقل ولايتها التشريعية بأكملها، أو فى جوانبها الأكثر أهمية ، إلى السلطة التنفيذية ، وإلا كان التفويض مخالفا للدستور . كذلك فإن رئيس الجمهورية إذ ينظم المسائل التى فوض فيها على ضوء القواعد التى تحكمها وفقا لقانون التفويض ، فذلك بصفة استثنائية ، باعتبار أن هذا الاختصاص ينصب على تقرير قواعد قانونية تسنها السلطة التشريعية أصلا وفقا للدستور ، وهو ما يعنى أن يتقيد رئيس الجمهورية – فيما فوض فيه – بالحدود الضيقة التى تفرضها الطبيعة الاستثنائية لاختصاص يتولاه عرضا ، وعند الضرورة فى أعلى درجاتها ، ولمدة محددة ، وإلا كان مخالفا للدستور . وحيث إن البين من نص المادة ١٠٨ ن الدستور ، أن التفويض التشريعى الصادر عن مجلس الشعب ، لايجوز أن يكون مطلقاً بل محدداً ، وعلى الأخص من جهتين: أولاهما : أن التفويض لا يصدر إلا متعلقاً بتنظيم موضوع معين ، متضمناً بيان الأسس التى يقوم عليها هذا التنظيم . ثانيتهما : أن رئيس الجمهورية لايمارس ما فوض فيه من اختصاص فى شأن هذا الموضوع ، إلا خلال فترة زمنية لا يتعداها ، يبينها قانون التفويض . فإذا خلا منها ، كان التفويض ممتداً فى الزمان إلى غير حد ، متضمناً إعراض السلطة التشريعية عن مباشرة ولايتها الأصيلة ، ناقلاً مسئوليتها إلى السلطة التنفيذية ، ومخالفاً للدستور بالتالى . متى كان ما تقدم ، وكان النص المطعون فيه لا يقيد رئيس الجمهورية – فيما فوض فيه – بزمن معين يكون ميعاداً موقوتاً محدداً سلفاًَ من قبل السلطة التشريعية ، فإن مباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بتعديل الجدول المرافق لقانون الضريبة المطعون عليها ، لا يكون منحصراً بين تاريخين ، بل مترامياً متحرراً من قيد الزمن ، وباطلاً . وحيث إن الدستور قد مايز – بنص المادة ١١٩ بين الضريبة العامة ، وبين غيرها من الفرائض المالية من حيث أداة إنشاء كل منها ، ذلك أن الضريبة العامة لا يفرضها أو يعدلها أو يلغيها إلا القانون ، أما غيرها من الفرائض المالية ، فيكفى لتقريرها أن يكون واقعاً فى حدود القانون ، تقديراً من الدستور لخطورة الضريبة العامة بالنظر إلى اتصالها بمصالح القطاع الأعرض من المواطنين ، وتأثيرها فى الأوضاع الاقتصادية بوجه عام ،مما يحتم موازنتها بالقيود المنطقية التى ينبغى أن تكون إطاراً لها ، فلا تفرضها السلطة التشريعية إلا لضرورة تقتضيها ، وعلى ضوء معايير تكفل عدالتها اجتماعياً ، وكان التفويض المقرر بالنص المطعون فيه ، يخول رئيس الجمهورية – وفى الحدود التى يبينها قانون التفويض – إنشاء ضريبة عامة، فإن فرضها لا يكون بقانون ، بل فى حدوده ، وهو ما يعنى مساواتها بغيرها من الفرائض المالية ، لتصدر جميعها فى حدود القانون ، بالمخالفة لمقاصد الدستور . وحيث إن إقرار السلطة التشريعية للضريبة العامة التى فرضها رئيس الجمهورية – على خلاف أحكام الدستور – لا يزيل عوارها ، ولا يحيلها إلى عمل مشروع دستورياً – ، ولا يدخل تشريعها فى عداد القوانين التى تقرها السلطة التشريعية ، مقيدة فى شأن اقتراحها وإقرارها وإصدارها ، بالأحكام المنصوص عليها فى الدستور . وحيث إن ماذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن الفقرة الثانية من المادة الثانية المطعون عليها ، لاتخول رئيس الجمهورية غير إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين ، مردود أولاً: بأن الأصل فى هذه اللوائح التى تصدر وفقا لنص المادة ١٤٤ من الدستور ، أنها تفصل ماورد إجمالاً من النصوص القانونية ، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها. ولا كذلك النص المطعون فيه ، إذ خول رئيس الجمهورية – وعلى ماجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم ١٠٢ سنة ١٩٨٢ المعدل لقانون الضريبة على الاستهلاك – إخضاع سلع جديدة لها أو زيادة فئاتها على السلع التى اشتمل عليها الجدول المرافق لقانونها ، بما يحور من بنيان الضريبة المطعون عليها ، ويغير من أحكامها من خلال تعديل نطاقها وقواعد سريانها. ومردود ثانياً : بأن قانون هذه الضريبة الصادر بالقانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١ ، قد عهد – وبنص المادة الثالثة من مواد إصداره – إلى وزير المالية ، بتنفيذ الأحكام التى تضمنها . وحيث إن القول بأن أداء الضرائب والتكاليف العامة يعتبر واجباً وفقاً للقانون عملاً بنص المادة ٦١ من الدستور ، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الضريبة التى يكون أداؤها واجباً قانوناً ، هى تلك التى تتوافر لها القوالب الشكلية والأسس الموضوعية التى ينبغى أن تكون قواماً لها ، والتى بدونها تنحل عدماً . وحيث إنه متى كان ذلك ، وكان الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١ المشار إليه ، يعنى بطلانها ، وسقوط النصوص المرتبطة بها ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، والتى لا يتصور وجودها بدونها ، فإن ما أوردته الفقرة الثانية من أحكام متعلقة بوجوب عرض رئيس الجمهورية لقراره بتعديل جدول الضريبة على السلطة التشريعية خلال الميعاد المبين بها ، وكذلك ما نصت عليه فقرتها الثالثة من جزاء على رفض السلطة التشريعية لقرار رئيس الجمهورية المشار إليه ، إنما تكون مع التفويض المخول لرئيس الجمهورية بمقتضى النص المطعون فيه ، كلا لايتجزأ ، وتسقط أحكامها تبعاً لبطلان هذا التفويض ، ومعها قرارا رئيس الجمهورية رقما ٣٦٠ سنة ١٩٨٢ ، ١٣٧ سنة ١٩٨٦ بتعديل جدول الضريبة على الاستهلاك ، الصادرين استناداً لقانونها . لهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الضريبة على الاستهلاك الصادر بالقانون رقم ١٣٣ سنة ١٩٨١ فيما قررته من تخويل رئيس الجمهورية ، تعديل جدول الضريبة المرافق بتعديل جدول الضريبة على الاستهلاك لهذا القانون، وبسقوط ماتضمنته هذه الفقرة والفقرة الثالثة من تلك المادة ، من أحكام أخرى ، وكذلك بسقوط قرارى رئيس الجمهورية رقمى ٣٦٠ سنة ١٩٨٢ ، ١٣٧ سنة ١٩٨٦