حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٨ لسنة ١ دستورية
تاريخ النشر : ٠٣ – ٠٣ – ١٩٨٣

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت.

الحكم

برياسة فاروق سيف النصر رئيس المحكمة وحضور فتحى عبد الصبور ومحمد على راغب بليغ ومصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد وفوزى أسعد مرقس أعضاء ومحمد كمال محفوظ المفوض وأحمد على فضل الله أمين السر .

– – – ١ – – –
أن المادة ٥٣ من دستور سنة ١٩٥٨ كانت تنص على أن لرئيس الجمهورية أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلاً فى إختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة إلى إتخاذه فى غياب المجلس على أن يعرض عليه فور إنعقاده فإذا إعترض المجلس على ما أصدره رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثى أعضائه سقط ماله من أثر من تاريخ الإعتراض . و يستفاد من هذا النص أنه و إن أوجب عرض ما يصدره رئيس الجمهورية من تشريعات تطبيقاً له على مجلس الأمة فور إنعقاده ، إلا أنه لم يفرض جزاء لعدم عرضه و ذلك خلافاً لمسلك المشرع فى سائر الدساتير الأخرى سواء السابقة على هذا الدستور أو اللاحقة له إذ نصت جميعاً على أن القرارات بقوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية فى غيبة المجلس النيابى لدواعى الضرورة يزول ما لها من قوة القانون إذا لم تعرض على المجلس . و هذه المغايرة فى الحكم بين دستور سنة ١٩٥٨ و الدساتير الأخرى تدل على أن المشرع فى هذا الدستور قصد ألا يرتب ذلك الأثر على مجرد عدم عرض القرارات بقوانين على مجلس الأمة بل أوجبه فقط فى حالة إعتراض المجلس عليها بالأغلبية الخاصة التى نص عليها .

– – – ٢ – – –
إنه و إن كان المشرع الدستورى لم يضمن دستور سنة ١٩٥٨ نصاً خاصاً فى شأن مبدأ التأميم ، إلا أن هذا المبدأ يجد سنده فى النص العام الذى ورد فى المادة الخامسة من هذا الدستور التى تقضى بأن ” الملكية الخاصة مصونة و ينظم القانون وظيفتها الإجتماعية و لا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة و مقابل تعويض عادل وفقاً للقانون ” مما مقتضاه جواز تقييد حق الملكية الخاصة نزولاً على مقتضيات الصالح العام بإعتبارها وظيفة إجتماعية ينظم القانون أداءها فى خدمة الجماعة بأسرها . و هو ما ردده دستور سنة ١٩٧١ فى المادة ٣٢ منه التى جعلت المكية الخاصة وظيفة إجتماعية و قضت بأن يكون إستخدامها بما لا يتعارض مع الخير العام للشعب ، و فى المادة ٣٤ التى نصت على أن الملكية مصونة . . . و لا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة و مقابل تعويض وفقاً للقانون . و ما أكده ذلك الدستور فى المادة ٣٥ من أنه ” لا يجوز التأميم إلا للمنفعة العامة و بقانون و مقابل تعويض ” .

– – – ٣ – – –
إن القرار رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بشأن تأميم بعض الشركات و المنشآت بعد أن نص فى الفقرة الأولى من المادة الأولى منه على تأميم الشركات و المنشآت المبينة بالجدول المرفق به و من بينها الشركة المصرية المتحدة للملاحة البحرية ، حرص فى مادته الثانية على تعويض أصحاب المشروعات المؤممة و بين كيفية أداء التعويض إليهم فنص على أن ” تتحول أسهم الشركات و رؤوس أموال المنشآت المؤممة إلى سندات أسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة . . . ” كما أفصح المشرع فى المذكرة الإيضاحية للقانون عن مقاصده و إعتبارات المصلحة العامة التى تغياها من إصداره فأشار إلى أن الهدف من التأميم هو توسيع قاعدة القطاع العام بحسبانه ضرورة قومية لتوجيه الإقتصاد القومى توجيهاً مؤثراً و مفيداً لخطة التنمية بما يكفل المضى بها قدماً نحو الغايات المقصودة منها مما يقتضى حشد القوى الفنية و الإمكانيات المادية اللازمة لها – دون ترك أعبائها و تمويل إحتياجاتها للقطاع الخاص الذى قد يتجه بجهوده وفق الإحتياجات التى تمليها مصالحه الخاصة و فى ذلك ما قد يقيم العثرات أمام خطة التنمية ” لما كان ذلك ، فإن ما ذهب إليه المدعون من أن ذلك القرار بقانون إذ قضى بتأميم الشركة المملوكة لهم لم يستهدف الصالح العام و أن تأميمها قد تم بغير مقابل بما ينطوى على مصادرة للملكية الخاصة التى كلفها الدستور يكون غير سديد .

– – – ٤ – – –
ما أثاره المدعون بشأن الإجراءات التنفيذية اللاحقة على تأميم الشركة و أيلولة ملكيتها إلى الدولة سواء ما تعلق منها بصدور قرار جمهورى بإدماجها فى شركة أخرى ثم العدول عن هذا الإدماج أو بصدور قرار بتصفيتها ذلك أن هذه المطاعن – أياً كان وجه الرأى فيها – لا تعدو أن تكون نعياً على كيفية تطبيق القانون و إجراءات تنفيذه ، و جدلاً حول مدى مشروعية هذه الإجراءات مما لا يجوز التعرض له أمام هذه المحكمة إذ لا يشكل عيباً دستورياً يوصم به هذا القانون و تمتد إليه رقابتها .
– – – المحكمة – – –
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم ٤١٥٤ لسنة ١٩٧٥ مدنى كلى الإسكندرية طالبين الحكم بثبوت ملكيتهم للشركة المصرية المتحدة للملاحة البحرية وتسليمها لهم مع إلزام المدعى عليهم بأن يدفعوا لهم قيمة التعويض الذى يقدره أحد الخبراء عما فاتهم من كسب منذ تأميم تلك الشركة. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت وذلك فيما تضمنه من تأميم الشركة المشار إليها، فقضت المحكمة فى ٢٧ مارس سنة ١٩٧٨ بوقف الدعوى وحددت للمدعين أجلاً غايته ٣١ مايو من ذات السنة لرفع دعواهم الدستورية فأقاموا الدعوى الماثلة. وحيث إن المدعين ينعون على القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بتأميم بعض الشركات والمنشآت مخالفته للدستور استناداً إلى سببين حاصل أولهما أن هذا القرار بقانون صدر من رئيس الجمهورية فى غيبة مجلس الأمة ولم يعرض على المجلس فور انعقاده فسقط ماله من قوة القانون طبقاً لنص المادة ٥٣ من دستور سنة ١٩٥٨ الذى كان قائماً وقتئذ. وحيث إن المادة ٥٣ من دستور سنة ١٩٥٨ كانت تنص على أن لرئيس الجمهورية أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلا فى اختصاص مجلس الأمة إذ دعت الضرورة إلى اتخاذه فى غياب المجلس على أن يعرض عليه فور انعقاده فإذا اعترض المجلس على ما أصدره رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثى أعضائه سقط ماله من أثر من تاريخ الاعتراض. ويستفاد من هذا النص أنه وان أوجب عرض ما يصدره رئيس الجمهورية من تشريعات تطبيقاً له على مجلس الأمة فور انعقاده، إلا أنه لم يفرض جزاء لعدم عرضه وذلك خلافاً لمسلك المشرع فى سائر الدساتير الأخرى سواء السابقة على هذا الدستور أو اللاحقة به إذ نصت جميعا على أن القرارات بقوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية فى غيبة المجلس النيابى لدواعى الضرورة يزول مالها من قوة القانون إذا لم تعرض على المجلس. وهذه المغايرة فى الحكم بين دستور سنة ١٩٥٨ والدساتير الأخرى تدل على أن المشرع فى هذا الدستور قصد إلا يرتب ذلك الأثر على مجرد عدم عرض القرارات بقوانين على مجلس الأمة بل أوجبه فقط فى حالة اعتراض المجلس عليها بالأغلبية الخاصة التى نص عليها، ومن ثم فإن ما ينعاه المدعون فى هذا السبب يكون فى غير محله. وحيث إن حاصل النعى بالسبب الثانى أن القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ إذ أورد فى الجدول المرفق به الشركة المملوكة للمدعين ضمن الشركات والمنشآت التى نصت مادته الأولى فى فقرتها الأولى على تأميمها يكون قد خالف المادة ٣٥ من دستور سنة ١٩٧١ التى تشترط أن يكون التأميم لاعتبارات الصالح العام ومقابل تعويض، ذلك أن هذه الشركة لم تسهم – بعد تأميمها – بأى دور فى تنمية الاقتصاد القومى سواء بكيانها الذاتى أو بادماجها فى إحدى شركات القطاع العام ذلك الادماج الذى صدر به القرار الجمهورى رقم ١٤٨٠ لسنة ١٩٦١ ثم ما لبث أن عدل عنه بموجب القرار الجمهورى رقم ٢١٢٦ لسنة ١٩٦٣ بعد أن كانت المدعى عليها الخامسة – المؤسسة المصرية العامة للنقل البحرى قد أصدرت فى ٢٦ ديسمبر سنة ١٩٦٢ قراراً بتصفية الشركة على غير سند من القانون وبادرت باتخاذ عدة تصرفات فى هذا الصدد لم تحظ بموافقة المصفى، وهكذا تأرجحت الشركة بعد تأميمها – بين عدة أنظمة قانونية وواقعية لم تستقر على احداها الأمر الذى يكشف عن أن تأميمها لم يستهدف الصالح العام. فضلاً عن أن هذا التأميم لم يقترن بأداء التعويض المستحق للمدعين عن أيلولة حقوقهم فى الشركة إلى الدولة، بل أدت التصفية المشار إليها إلى مديونيتهم هم للدولة وهو ما يعد بمثابة مصادرة لأموالهم تتنافى مع ما يقرره الدستور فى المادة ٣٦ من حظر المصادرة العامة للأموال وعدم جواز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. وحيث إن نطاق الطعن على هذا النحو يكون قد تحدد من الناحية الموضوعية فى النعى بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بشأن تأميم بعض الشركات والمنشآت فيما قضت به من تأميم الشركة المصرية المتحدة للملاحة البحرية بإدراجها فى الجدول المرفق بهذا القانون. وحيث إنه وان كان المشرع الدستورى لم يضمن دستور سنة ١٩٥٨ نصا خاصا فى شأن مبدأ التأميم، إلا أن هذا المبدأ يجد سنده فى النص العام الذى ورد فى المادة الخامسة من هذا الدستور التى تقضى بأن “الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون وظيفتها الاجتماعية ولاتنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون”. مما مقتضاه جواز تقييد حق الملكية الخاصة نزولاً على مقتضيات الصالح العام باعتبارها وظيفة اجتماعية ينظم القانون أداءها فى خدمة الجماعة بأسرها. وهو ما ردده دستور سنة ١٩٧١ فى المادة ٣٢ منه التى جعلت للملكية الخاصة وظيفة اجتماعية وقضت بأن يكون استخدامها بما لا يتعارض مع الخير العام للشعب، وفى المادة ٣٤ التى نصت على أن الملكية الخاصة مصونة ….. ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون. وما أكده ذلك الدستور فى المادة ٣٥ من أنه “لا يجوز التأميم إلا للمنفعة العامة وبقانون ومقابل تعويض”. وحيث إن القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ بشأن تأميم بعض الشركات والمنشآت بعد أن نص فى الفقرة الأولى من المادة الأولى منه على تأميم الشركات والمنشآت المبينة بالجدول المرفق به ومن بينها الشركة المصرية المتحدة للملاحة البحرية، حرص فى مادته الثانية على تعويض أصحاب المشروعات المؤممة وبين كيفية أداء التعويض إليهم فنص على أن “تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المؤممة إلى سندات أسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة….” كما أفصح المشرع فى المذكرة الايضاحية للقانون عن مقاصده واعتبارات المصلحة العامة التى تغياها من اصداره فأشار إلى أن الهدف من التأميم هو “توسيع قاعدة القطاع العام بحسبانه ضرورة قومية لتوجيه الاقتصاد القومى توجيهاً مؤثراً ومفيداً لخطة التنمية بما يكفل المضى بها قدماً نحو الغايات المقصودة منها مما يقتضى حشد القوى الفنية والامكانيات المادية اللازمة لها – دون ترك أعبائها وتمويل احتياجاتها للقطاع الخاص الذى قد يتجه بجهوده وفق الاحتياجات التى تمليها مصالحه الخاصة وفى ذلك ما قد يقيم العثرات أمام خطة التنمية” لما كان ذلك، فإن ما ذهب إليه المدعون من أن ذلك القرار بقانون إذ قضى بتأميم الشركة المملوكة لهم لم يستهدف الصالح العام وأن تأميمها قد تم بغير مقابل بما ينطوى على مصادرة للملكية الخاصة التى كفلها الدستور يكون غير سديد. وحيث إنه لا ينال من ذلك ما أثاره المدعون بشأن الإجراءات التنفيذية اللاحقة على تأميم الشركة وأيلولة ملكيتها إلى الدولة سواء ما تعلق منها بصدور قرار جمهورى بادماجها فى شركة أخرى ثم العدول عن هذا الادماج أو بصدور قرار بتصفيتها ذلك أن هذه المطاعن – أيا كان وجه الرأى فيها – لا تعدو أن تكون نعيا على كيفية تطبيق القانون وإجراءات تنفيذه، وجدلاً حول مدى مشروعية هذه الإجراءات مما لا يجوز التعرض له أمام هذه المحكمة إذ لا يشكل عيبا دستورياً يوصم به هذا القانون وتمتد إليه رقابتها. كما لا يقدح فى ذلك ما ذهب إليه المدعون من أن تصفية شركتهم المؤممة أسفرت عن عدم استحقاقهم لأى تعويض، ذلك أن العبرة فى بيان ما إذا كان التأميم قد تم بمقابل أو بدونه هو بما تقرره نصوص قانون التأميم بغض النظر عما قد ينتهى إليه تنفيذ أحكامه فى مجال تقويم المشروع المؤمم وتحديد ماله من حقوق وما عليه من التزامات قد تستغرق هذه الحقوق فلا يبقى لاصحابه ما يعوضون عنه. لما كان ماتقدم، فإن ما ينعاه المدعون على القرار بقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٦١ من مخالفته للدستور سواء من الناحية الشكلية أو من الناحية الموضوعية، يكون على غير أساس، الأمر الذى يتعين معه رفض الدعوى .

 

زر الذهاب إلى الأعلى